أفضل طبعةٍ لكتاب (إعلام الموقعين)

السؤال
ما أفضل طبعةٍ لكتاب (إعلام الموقعين)؟
الجواب

كتاب (إعلام الموقعين عن رب العالمين) ويُختلف في ضبطه هل هو بكسر الهمزة أو بفتحها (إِعلام) أو (أَعلام)، والأكثر على أنه (إِعلام) يعني إخبار الموقعين عن رب العالمين، وهم المفتون، فهذا إِعلامهم بذكر الشروط للمفتي، وذكرِ آداب المفتي، والاستطراد في هذا الباب. وإن قلنا: (أَعلام الموقعين) فابن القيم ذكر من أَعلام المفتين، بدأً برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والصحابة، والتابعين، ومن تبعهم.

المقصود أنه يصح أن يُقال: (إِعلام) وهو الأكثر، أو (أَعلام) باعتبار أن هناك أَعلامًا من الموقعين -المفتين- على مرِّ العصور إلى وقته -رحمه الله-، ولكن يبقى أن الكتاب ليس كتاب تراجم حتى يكون كتابَ (أَعلام)، وإنما هو كتاب إخبار بما يجب على المفتي، وما ينبغي له من الآداب والشروط والأحكام، ثم بعد ذلك من باب الاستطراد ذَكَر المفتين، وذَكَر شيئًا من فتاويهم.

وصدِّيق حسن خان له كتاب (ذُخر المُحتي فيما يجب في الفتوى على المفتي).

المقصود أن هذا الكتاب كتاب نفيس وجامع، وهو من مؤلفات ابن القيم التي عادته إذا طرق بابًا سال فيه الوادي حتى يبلغ الروابي ويملأ الخوابي، (إعلام الموقعين) من أفضل ما كتب ابن القيم، وإن كانت كُتبه كلها نافعة. وقد طُبِع مرارًا، طبعه أولًا فرج الله الكردي في مصر في ثلاثة مجلدات، وطَبع معه (حادي الأرواح) في نفس الطبعة، فوضع (حادي الأرواح) قبله في أعلى الصفحة، و(إعلام الموقعين) في أسفل الصفحة، إلى أن انتهى (حادي الأرواح)، ثم خَلُص الكتاب لـ(إعلام الموقعين)، في ثلاثة مجلدات كبار، وهي طبعةٌ نفاستها في نُدرتها وجمال طباعتها، وإلا فالطابع فرج الله الكردي طَبع لشيخ الإسلام، وطَبع لابن القيم، وطَبع من كتب العلم الشيء الكثير، مع أنه -كما قيل- متهمٌ في عقيدته، ووقع فيه بعضُ المحققين بكلامٍ قاسٍ قال: إنه بهائي يُحرِّف كتب العلم لبهائيته وخبثه. المقصود أن مطبوعاته في الجملة فيها أخطاء، لكنْ ما فيها إلى هذا الحد الذي حُرِّف في كتب أهل العلم على ضوء عقيدته التي نُسِبت إليه وهي البهائية.

فهذه الطبعة يَحتفظ بها أهل العلم، ومراجعةُ كثير منهم عليها؛ لأنها أول طبعة. ثم بعد ذلك طُبِع مرارًا، طبعه مُحيي الدين عبد الحميد، وطبعه الشيخ عبد الرحمن الوكيل، وطبعه طه عبد الرؤوف سعد، ثم طُبِع بتحقيق أبي عبيدة مشهور بن حسن سلمان في ستة مجلدات.

ومن الطرائف أن الشيخ محيي الدين عبد الحميد -وتخصصه في اللغة العربية- لمَّا وقع على مسألة التورُّق علق عليها بأنه: كذا وجدها في جميع النُّسخ، ولا يعرف لها معنى، فلعلها تحريفٌ من النُّساخ! وهذا يُصدِّق ما قيل: مَن تعاطى غير فنِّه أتى بالعجائب.

والشيخ عبد الرحمن الوكيل في مقدمة طبعته لا حظ هذا التعليق عن الشيخ محيي الدين عبد الحميد، لكنه ما حل الإشكال، قال في المقدمة: فبحثتُ عنها يعني -مسألة التورُّق- في كتب ابن تيمية الذي ينقل عنه ابن القيم، فوجدتُها مسألة ربوية محرَّمة؛ لأن شيخ الإسلام يرى تحريم التورُّق.

على كل حال هذه الأمور لا شك أنه لا يسع العالم أو طالب العلم جهلها، ولكن طبعة الشيخ محيي الدين عبد الحميد من حيث جمال الطباعة والعناية بعلامات الترقيم، وعلى كل حال هي طبعةٌ جيدة وماتعة وواضحة، والشيخ عنده ذوق وفن في الطباعة، فيُستفاد منها وإن وُجِد بها مثل هذه الملاحظات اليسيرة.