معنى الهجران في قول الله تعالى: {إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورًا}

السؤال
ما المراد بالهجران في قوله تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا}؟
الجواب

الهجر الأصل فيه الترك، وابن كثير –رحمه الله تعالى- يقول: (يقول تعالى مُخبرًا عن رسوله ونبيه محمدٍ -صلوات الله وسلامه عليه دائمًا إلى يوم الدين- أنه قال: {يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان: 30]، وذلك أن المشركين كانوا لا يُصغون للقرآن ولا يسمعونه كما قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت: 26]، وكانوا إذا تُلي عليهم القرآن أكثروا اللَّغط والكلام في غيره؛ حتى لا يسمعوه، فهذا من هجرانه -ومعروف أن اللَّغط من القول المهجور والهُجر-، وتركُ علمِه وحفظِه أيضًا من هجرانه، وتركُ الإيمان به وتصديقه من هجرانه، وتركُ تدبره وتفهمه من هجرانه، وتركُ العمل به وامتثال أوامره واجتناب زواجره من هجرانه، والعدولُ عنه إلى غيره من شِعرٍ أو قولٍ أو غناءٍ أو لهوٍ أو كلامٍ أو طريقةٍ مأخوذةٍ من غيره من هجرانه، -يقول ابن كثير رحمه الله-: فنسأل الله الكريم المنان القادر على ما يشاء -الأصل أن يقول: على كل شيء- أن يُخلِّصنا مما يُسخطه، ويستعملنا فيما يُرضيه، من حفظ كتابه وفهمه، والقيام بمقتضاه آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يُحبه ويرضاه، إنه كريمٌ وهاب)، يعني وقت نزول الآية يكون (القوم) المراد بهم ما ذكره المفسِّر –رحمه الله- من أن المشركين كانوا يفعلون كذا، ولا يستمعون إليه، بل يَلغطون ويَلغون فيه ويتكلمون أثناء قراءته –عليه الصلاة والسلام-، ولا يُصغون إليه.

على كل حال الآن كثيرٌ ممن ينتسب إلى الإسلام عنده نوع هجرٍ لكتاب الله، فمنهم مَن لا يقرأ القرآن إلا في رمضان! هذا هجر، وهذا ملاحظ -مع الأسف- في كثيرٍ من المسلمين من الذكور والإناث، مع أنه -ولله الحمد- في العصور المتأخرة لُحظ الاهتمام بالقرآن بالنسبة للحفظ والقراءة والتدبر ومطالعة التفاسير وما ينفع في ذلك، فيُوجد بكثرة -ولله الحمد-، مع كثرة مَن يُعرِض عن القرآن وعن قراءته ولا ينتبه لقراءته إلا في أوقاتٍ يسيرة، أو إذا تقدَّم إلى المسجد وجلس ينتظر الإقامة فتح المصحف، وإلا فلا يَفرض له من وقته المهم، هذا في حال كثيرٍ من الناس، ويُوجد -ولله الحمد- من طلاب العلم مَن رتَّب لنفسه حزبًا من القرآن طيلة أيام العام –مع تفاوتٍ بينهم في ذلك-، وكثيرٌ منهم -ولله الحمد- ممن نعرف يختم القرآن في سبعٍ، ويُوجد منهم مَن يختم في الشهر، ومَن يختم في الشهر مرتين.

وعلى كل حال الخير موجود، لكن يُلاحظ -مع الأسف الشديد- على كثيرٍ من عامة الناس وبعض طلبة العلم الانشغال بأمورٍ أخرى ولو كانت دعوية، ولو كانت علمية، لكن القرآن يجب أن يكون ديدن طالب العلم، فيهتم بحفظه، ويهتم بتلاوته وقراءته على الوجه المأمور به من الترتيل والتدبر، وبعض الناس وإن قرأ القرآن وأكثر من قراءته فعنده هجرٌ من نوعٍ آخر، وهو عدم التدبر وعدم النظر والترتيل لكتاب الله.

وعلى كل حال «من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: {الم} حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف» [الترمذي: 2910]، وعلى هذا فالختمة الواحدة -والقرآن أكثر من ثلاثمائة ألف حرف- يكون المجموع ثلاثة ملايين وزيادة، على الخلاف بين أهل العلم في المراد بالحرف: هل المراد به حرف المبنى أو حرف المعنى. والتفصيل ليس هذا محله، والله أعلم.