غسل أعضاء الوضوء إلى داخل الإناء

السؤال
عند الوضوء من إناء هل يجوز غسل الوجه واليدين إلى داخل هذا الإناء، أم يجب الغسل إلى خارجه؟
الجواب

الماء المستعمل في الطهارة مختلَفٌ فيه هل هو باقٍ على طهوريته، بمعنى أنه لا يؤثر في الماء إذا تساقط فيه، أو أنه إذا كثُر أثَّر في الماء الطهور وصار طاهرًا.

والفرق بين الطهور والطاهر: أن الطهور: الطاهر في نفسه المطهِّر لغيره. والطاهر: الطاهر في نفسه الذي لا يُطهِّر غيره. فالماء المستعمل في رفعِ حدثٍ عند الحنابلة والشافعية مِن قسم الطاهر، وعند المالكية لا أثر له كأنه لم يُستعمل، فلو أخذتَ ماء غيرك ممن توضأ به، ثم توضأتَ به بأن اغترفتَ منه، أو اغتسلتَ فيه وانغمستَ وهو قليل أقل من القلتين، فلا أثر له عند المالكية، فالماء عندهم طاهر ونجس، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، وأن الطاهر الذي لا يُطهِّر لا يخلو: إما أن يكون ماءً، أو سُلب الوصف والاسم المطلق فينتقل من كونه ماءً إلى أمرٍ آخر، والمسألة تفاصيلها تطول، وفيها قول المالكية، وهو أيسر المذاهب في هذه المسألة، بحيث تمنى الغزالي أن لو كان مذهب الشافعي مثل مذهب مالك؛ لكثرة التعقيدات التي ترتَّبتْ على التقسيم الثلاثي عند الحنابلة والشافعية.

على كل حال الماء الذي أمامك تنظر إليه:

- فإن كان تغيَّرتْ أوصافه ولو بأمورٍ طاهرة وسُلب الاسم فهذا لا يُتوضأ به.

- وأما إن كان باقيًا على خلقته ولم يتغيَّر منه شيء ولم تقع فيه نجاسة فهذا على اسمه ماء يُتوضأ به. فالأولى أن تخرج من هذا الخلاف، وأن تبتعد عند غسلك وجهك ويديك وبقية أعضاء وضوئك عن الإناء الذي تغترف منه بحيث لا يقع فيه شيء، وإن وقع شيء يسير من غير قصدٍ فإنه لا يؤثِّر، وعلى كل حال -مثلما قلنا- مذهب مالك فيه السعة وفيه اليسر والسهولة، وهو الموافق لسماحة الإسلام. وما أدري ما الذي جعل الغزالي يتمنَّى أن لو كان مذهب الشافعي مثل مذهب مالك؛ لأنه قرَّر مذهب الشافعي، وأصرَّ عليه، وفرَّع عليه، لماذا؟ لأنه مقلد لا يستطيع الخروج على حدِّ تصوره عن مذهب الشافعي؛ لأنه شافعي، وألَّف في مذهب الشافعي كتبه الثلاثة: (الوسيط)، و(البسيط)، و(الوجيز)، وكتبه عند الشافعية معتبرة ومعتمدة ومعتنىً بها، فهو باعتباره مقلدًا لا يخرج عن المذهب، وإلَّا فما المانع من أن يخرج في هذه المسألة إلى مذهب مالك كما فعل شيخ الإسلام ابن تيمية؛ نظرًا إلى أن المسألة اجتهاد، والأدلة ما فيها ما يدل صراحة على منع الماء المستعمل.

وعلى كل حال السائل يقول: (هل يجوز غسل الوجه واليدين إلى داخل هذا الإناء، أو يجب الغسل إلى خارجه؟)، إذا تساقط منه شيء في الإناء من غير قصد فإنه لا يؤثِّر، ولا يتعمَّد أن يكون وضوؤه داخل الإناء فيكون الماء مستعملًا فينتقل من الطهورية، ولو على قول عند بعض أهل العلم، فالاحتياط ألَّا يفعل ذلك، والمسألة مقدور عليها، فيغترف اغترافًا من الإناء ويأخذ بيديه ويغسل وجهه، وبيده اليمنى فيغسل اليسرى، وباليسرى فيغسل اليمنى، وهكذا، يغترف اغترافًا كما قال أبو هريرة -رضي الله عنه-.

ولو وُجد في صحراء -مثلًا- ماء قليل قد تجمع من السيل ونحوه، وأراد مجموعة من الناس أن يتوضؤوا منه، وليس لديهم ماء آخر ولا آنية ليغترفوا منه، فلا مانع من أن يغترفوا منه بأيديهم. وقد يتوضؤون خارج هذا الماء وينساب إليه الماء بعد وضوئهم ويرجع إليه، فلا يضر -إن شاء الله-.

وهناك قول عند الحنفية وهو من أضعف الأقوال، أن الماء المستعمل نجس، لماذا؟ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «لا يبولنَّ أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري، ثم يغتسل فيه» [البخاري: 239]، ودلالة الاقتران (البول، والاغتسال) استدلوا بهما على أن الاستعمال مثل البول، فيؤثِّر فيه النجاسة، في قولٍ لا حظ له من النظر، والله أعلم.