معنى قول الله تعالى: {هو الذي يصلي عليكم وملائكته}

السؤال
في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ} [الأحزاب: 43] ما معنى هذا؟ وكيف تكون هذه الصلاة؟
الجواب

الصلاة من الله –جلَّ وعلا- على أحدٍ من خلقه هي الرحمة، والصلاة من الملائكة هي الاستغفار والدعاء كما في قوله –جلَّ وعلا-: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ . رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [غافر: 7-8].

في (تفسير الحافظ ابن كثير) –رحمه الله- يقول: (وقوله: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ} [الأحزاب:43] هذا تهييجٌ إلى الذِّكر -يعني: حثًّا عليه-، أي: أنه –سبحانه وتعالى- يَذكركم فاذكروه أنتم)، وقد جاء في الحديث «إن ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملإ ذكرتُه في ملإ خيرٍ منهم» [البخاري: 7405]، وإذا كان هذا الذِّكر الذي تذكر به الله –جلَّ وعلا- في نفسك أو بين أصحابك وقومك مردُّه إلى أن يذكرك الله –جلَّ وعلا- في نفسه أو في ملأٍ خيرٍ من ملئك، الإنسان لو قيل له: ذُكِرتَ في مجلس فلان من علية القوم، أو ذكرك الأمير أو الوزير أو المدير في مجلسه، ماذا يكون وضعه؟ يجد في نفسه شيئًا من الغرور والنشوة، فكيف إذا كان الذاكر له هو الله -جلَّ وعلا-؟! والله المستعان.

يقول ابن كثير: (أي: أنه سبحانه يَذكركم فاذكروه أنتم، كقوله –جلَّ وعلا-: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ . فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ} [البقرة:151-152]...الصلاة من الله: ثناؤه على العبد عند الملائكة، حكاه البخاري عن أبي العالية، ورواه أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عنه. وقال غيره: الصلاة من الله: الرحمة، ورُدَّ بقوله: {أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة:157])، تفسير الصلاة بالرحمة مأثور عن بعض السلف، وهو موجودٌ في تفاسير الأئمة، ورُدَّ بقوله: {أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ}، قد تكون الرحمة أخص من الصلوات، ويكون عطف الرحمة على الصلاة من باب عطف الخاص على العام.

وعلى كل حال قال ابن كثير: (وقد يُقال: لا منافاة بين القولين)؛ لأن بينهما تداخلًا، وبينهما نوع اختلاف في المعنى من جهة، وما دام وُجِد التداخل من وجه صحَّ أن يُفسَّر أحدهما بالآخر، والله المستعان.