كيفية مدافعة الرياء وحب المدح في طلب العلم وغيره

السؤال
كيف يدفع الإنسان الرياء وحب المدح في طلبه للعلم وغيره من الأعمال عن نفسه؟ وبخاصة أنه يجاهد ولكن يرى الثناء من الناس ومدحهم له، فهل هذا من الرياء؟
الجواب

أولًا: ابن القيم -رحمه الله تعالى- في (الفوائد) يقول ما معناه: (إذا حدثتك نفسك بالإخلاص، فاعمد إلى حب الثناء والمدح واذبحه بسكين يقينك وعلمك أنه لا أحد ينفع مدحه ولا يضر ذمه إلا الله -جل وعلا-)، ومع الأسف أن الناس عمومًا ينظرون إلى مدح الناس، ويغفلون عن مدح الله -جل وعلا-، ولذا إذا قيل لفلان من الناس كبيرًا كان أو صغيرًا: إن الأمير الفلاني، أو الوزير الفلاني، أو المسؤول الفلاني، ذكرك البارحة في المجلس الفلاني وأثنى عليك، فإن بلغه الخبر قبل أن ينام فلن تذوق عينه النوم، ويغفل عن مثل حديث: «إن ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملإٍ ذكرتُه في ملإٍ خيرٍ منهم» [البخاري: 7405]، فحب المدح والثناء فيه ما قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-، وهي العزيمة في هذا الأمر، وأن الإنسان يستوي عنده المدح والذم، إلَّا أن الإنسان حينما يسمع حديث أنه: مُرَّ بجنازة فأثنوا عليها خيرًا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «وجبتْ»، ثم مُرَّ بأخرى فأثنوا عليها شرًّا، فقال: «وجبتْ»...فقال -صلى الله عليه وسلم-: «هذا أثنيتم عليه خيرًا، فوجبتْ له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرًّا، فوجبتْ له النار، أنتم شهداء الله في الأرض» [البخاري: 1367 / ومسلم: 949]، يستروح ويميل إلى أن يُمدح في حياته؛ ليستمر هذا المدح بعد مماته؛ ليُشهد له بالخير، وهذا لا شك أنه في ظاهره مقصد حسن، والثناء من عاجل بشرى المؤمن [يُنظر: مسلم: 2642]، لكن لا يكون هو الباعث على العمل الصالح، أو يكون له أثر في قلبه بحيث يزيد أو ينقص من عمله الصالح. وبعض العلماء يُقرِّر ويستنبط من قول الله -جل وعلا-: {وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} [آل عمران: 188] أن مفهوم الآية أنه إذا أحب أن يُحمد بما فعل فإنه لا يدخل في هذا الذم. وعلى كل حال النفس لها حظ، فأحيانًا قد يُتجاوز عن الشيء الخفيف، وقد تتابع الناس على مثل هذه المدائح، وكانت لا تُعرف في مجتمعاتنا، فلم يكن أحد أبدًا عندما يريد أن يُقدِّم لشيخٍ يقول: فلان الفاعل التارك، لكننا اختلطنا بغيرنا، وجاءت هذه الرسائل التي يسمونها علمية، ولا بد فيها من كيل المدح والثناء، فالطالب يثني على المشرف، والمشرف يثني على الطالب، والمناقش...إلخ، ويظنون أن أمورهم لا تمشي إلا بهذا الأمر، فصار مستساغًا، حتى وصل الأمر إلى مَن جاء من الشباب بترجمته في جيبه، فترجم لنفسه، وأثنى عليها بما فيها وما ليس فيها، وأعطاها المقدِّم من تحت الطاولة، فتلاها المقدِّم على الحضور، وفي بداية كلام هذا الشاب يقول: (سامحك الله، وعفا عنك، أنا لا أرضى بمثل هذا، قطعتَ عنقي)! فوصل بنا الأمر إلى هذا الحد، وهذا -والله- خلل يا إخوان، فصرنا نسمع المدح ولا نغيِّر، والتجربة أثبتت أن مَن سكتَ عن مدحه بما فيه، سمع من الذم بما فيه، وإن مُدح بما ليس فيه وسكتَ، سمع من الذم بما ليس فيه، وهذا أنا رأيتُه عيانًا، والله المستعان.