حث أهلِ العلم الطلابَ على العناية بالإخلاص في طلب العلم خاصة

السؤال
لماذا أهل العلم يحثون الطلاب على العناية بالإخلاص في طلب العلم خاصة، دون غيره من العبادات؟
الجواب

لا يا أخي، هل يمكن أن يُتكلَّم عن الصلاة والزكاة ولا يُحث على الإخلاص؟ الذي يتكلم عن العلم وطلب العلم هل يمكن أن يقول: (إن الصلاة لا تُقبل إلا بالإخلاص)؟ هو يتكلَّم عمَّا هو بصدده من طلب العلم، فيحث على الإخلاص في طلب العلم.

الأمر الثاني: أن الإخلاص في طلب العلم على وجه الخصوص ما ينازعه أكثر مما ينازع الإخلاص في أبواب العبادات الأخرى، فيُتصوَّر أن شخصًا يتوضأ في بيته كما أُمر، ويحضر إلى الصلاة بسكينة وخشوع، ويُؤدِّي الصلاة على الوجه المأمور مع الإخلاص التام، أو المخدوش خدشًا يسيرًا، وما يُتصوَّر أن يُرائي إلا إذا كان منافقًا ليس في قلبه شيء من الإخلاص، ويريد أن يحضر إلى المسجد؛ ليقول الناس: (هذا يصلي مع الجماعة)، لا سيما في الفرائض، فالمسلمون يُؤدُّون الفرائض، حتى ولو ثقلتْ عليهم، ولذا يستشكل بعض طلاب العلم ما يجده في نفسه من ثقل في العبادة، مع قول الله -جل وعلا- عن المنافقين: {وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى} [النساء: 142]، فيقول: (أنا أقوم كسلانَ، فهل أنا منافق؛ لأني أقوم كسلانَ مثل الوصف الذي في الآية؟)، نقول: يا أخي الفرق بينك وبين المنافق، أنك مصلٍّ مصلٍّ، سواء رآك أحد أو ما رآك أحد، فهذه الصلاة لا بد أن تؤدِّيها، وفي قرارة نفسك أنك لن تترك الصلاة إذا لم يرك أحد، بخلاف المنافق، فالمنافق إذا ما رآه أحد ما صلَّى، وهذا الفرق بين مَن يستثقل الصلاة ممَّن حُكم بإسلامه، ولم يحكم بنفاقه، وبين المنافق، ويوجد من كثير من المسلمين، بل قد يوجد أحيانًا من طلاب العلم -نسأل الله جل وعلا أن يعاملنا بالعفو- استثقال لشيء من العبادات، لكن هل يعني هذا أنهم وافقوا المنافقين في كونهم {إِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى}؟ نقول: نعم من هذه الحيثية، لكن يبقى أن الفارق الكبير أن المسلم الذي لم يتَّصف بالنفاق ولو ثقل عليه الأمر لا بد أن يصلي، ولا يدور في باله أنه يترك الصلاة إذا لم يجد أحدًا، بخلاف المنافق، بل لنزداد اطمئنانًا أيضًا، فمن أهل العلم مَن يُرجِّح مَن يُؤدِّي الصلاة على ثِقلٍ فيقول: (أجره أعظم من أجر من يأتي الصلاة وغيرها من العبادات منشرح النفس، منبسط القلب، مرتاح البال؛ لأن الذي أدَّى العبادة على ثِقل جاهد نفسه، وعليه شيء من الثقل، فكل هذه يؤجَر عليها، بينما الذي جاء منشرحًا يؤجَر على عبادته، لكن لا يؤجَر على المجاهدة)، مع أن القول المرجَّح خلافه، فنقول: لا، الذي أدَّاها منشرحًا أفضل، وهو الموافق لما كان عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهو يقول: «يا بلال أرحنا بالصلاة» [أبو داود: 4986]، ويأتي إليها وهو متشوِّف لها، مشتاق إليها، فأجره أعظم.

ولنعلم جميعًا أننا لن نصل إلى هذه المرحلة «أرحنا بالصلاة» حتى نتجاوز المرحلة الأولى التي هي مرحلة الامتحان، وقل مثل هذا في صيام النوافل، وفي قيام الليل، فقد كابد السلف سنين طويلة من مشقة قيام الليل، ثم تلذَّذوا به، فهم ما وصلوا إلى هذه المرحلة حتى تجاوزوا المرحلة التي قبلها.