استعمال العطور التي فيها كحول

السؤال
ما حكم استعمال العطور التي فيها كحول، على قول مَن يجعل الخمر نجسة؟
الجواب

مَن يجعل الخمرة نجسة يقول بنجاستها.

ومنهم مَن يقول: إن الكحول هذه مطهِّرة -فضلًا عن كونها نجسة- تُطهَّر بها النجاسات، ويُقضى بها على الجراثيم والميكروبات، فهي مطهِّرة، وأشدُّ طهارة وتطهيرًا من الماء. وبعضهم يردُّ على المناظرة التي حصلتْ بين شافعيٍّ وحنفيٍّ بين يدي محمود بن سُبُكْتِكِين الوالي المعروف في المشرق، فالشافعي يريد أن يُنفِّر الوالي عن مذهب أبي حنيفة، ويجعله يعتنق مذهب الشافعي، فتوضَّأ وضوءًا حنفيًّا، وصلى صلاة حنفيَّة، ثم بعد ذلك اقتنع الوالي بأن مذهب أبي حنيفة لا يصلح للعمل به؛ لأنه توضَّأ وضوءًا مُنفِّرا مُقزِّزا، فجاء بنبيذ وتوضَّأ به، ومعلوم أن النبيذ ماء أُلقي فيه تمرات، وحبات من العنب، فصار حلوًا، وإذا توضَّأ الإنسان بنبيذ؛ فماذا يصير وضعه؟ تكثر عليه الذِّبان وغيرها من الحشرات؛ لأنه حلو، فاجتمعت عليه هذه الذِّبان بكميات كبيرة، ثم بعد ذلك لبس جلدَ كلبٍ مدبوغًا، ولطَّخ رُبعه بالنجاسة، وصلى به، فجاءت الحشرات -أيضًا- وتكاثرتْ فوقه، ثم صلى صلاة ليس فيها طمأنينة؛ لأن الطمأنينة عند الحنفية ليست بركن، ثم بعد ذلك لما انتهى من صلاة ركعتين خرج منها بحدَثٍ له صوت! مَن يقبل مثل هذه الصلاة إذا جُمعتْ مساوئ المذهب كلُّها فيها؟! لكن هل الإمام أبو حنيفة يصلي مثل هذه الصلاة؟! حاشا وكلَّا، وهل أصحابه وأتباعه يصلون هذه الصلاة؟ لا، أبدًا، لكن لو قُدِّر أن الإنسان توضَّأ بنبيذ، وصلى؛ فالصلاة صحيحة عندهم، فمَن ردَّ هذه القصة قال: (ثم ماذا إذا توضأ بنبيذ؟ فالنبيذ فيه كحول، والكحول مُطهِّرة، إذن، النبيذ أولى بالتطهير من الماء)، وهذا يجعلنا نقول: إن التعصُّب للمذاهب، وإخراج المذاهب الأخرى بهذه الطريقة للتنفير منها، ليس بشرعيٍّ ولا بسليم، ولا يمكن أن يصلي أبو حنيفة ولا أحد من أتباعه هذه الصلاة أبدًا، بأن يَجمع فيها جميعَ المساوئ! فلو أنك جمعتَ جميع مساوئ مذهبك ما اعتنقه أحد، وما مِن مذهب إلَّا فيه راجح ومرجوح، فلو جمعتَ المسائل المرجوحة في مذهب أحمد؛ فيمكن ألَّا يقبله أحد، وكذا المسائل المرجوحة في مذهب الشافعي، أو مذهب مالك، فكونك تجمع هذه المسائل، وتجعلها في وضوء واحد، وصلاة واحدة، هذا لا شك أنه -إن ثبتت القصة- تنفير، مع أن بعضهم يطعن في القصة من أصلها، ولا يوجد ما يمنع من ثبوتها، فبعض المُتعصِّبة ممكن أن يجمع على المذهب ما يُنفِّر منه.