الفرق بين (العمل شرط لصحة الإيمان) و(جنس العمل شرط لصحة الإيمان)

السؤال
هل هناك فرق بين مَن يقول: (العمل شرط لصحة الإيمان)، ومَن يقول: (جنس العمل شرط لصحة الإيمان)، ومَن يقول: (الأعمال جزء من الإيمان)؟
الجواب

أهل السنة يرون أن العمل أمر لا بد منه، وهو البرهان الفعلي على صحة ما في القلب، فهو شرط للصِّحة، لكن المراد جنسه، كما قرَّر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، فإذا لم يعمل قط؛ فمثل هذا لا برهان على صدق دعواه، ومَن عَمِل بَرهن على صدق دعواه على ما في قلبه من إيمان، ولكن ليس جميع الأعمال شرطًا في صحة الإيمان.

والفرق بين قول المعتزلة وقول أهل السنة: أن جميع الأعمال عند المعتزلة التي يَفسق المرءُ بتركها شرطٌ لصحة الإيمان، فعندهم الذي يترك الواجب، أو يرتكب المحرَّم من الكبائر، ليس بمؤمن. وعند أهل السنة مؤمن بإيمانه، فاسق بما ارتكب مِن ترْكٍ لواجبٍ، أو فعلِ محظورٍ. هذا الفرق بين قول المعتزلة، وقول أهل السنة.

وابن حجر -رحمه الله- في (فتح الباري) قرَّر أن قول المعتزلة: إن الأعمال شرط لصحة الإيمان، وأن قول أهل السنة: العمل شرط كمال بالنسبة للإيمان. والصواب أنه شرط صحة؛ لأن الكمال ينافي الاشتراط، فلفظ (الكمال) ينافي (الاشتراط)، فالكلام فيه تنافر لفظيٌّ ومعنويٌّ، والشيخ ابن باز -رحمه الله- يقول: إن مَن قال: إن العمل شرطُ كمال فهو مرجئ؛ لأن الكمال ليس بواجب، فضلًا عن أن يكون شرطًا، فهناك تنافر لفظيٌّ ومعنويٌّ حينما نقول: (شرط كمال)؛ لأن الشرط يترتَّب على تركه عدم المشروط، والكمال لا يترتَّب عليه ولا التأثيم؛ لأن المصالح إما أن تكون ضروريَّة، أو حاجيَّة، أو تحسينيَّة كماليَّة، فالشروط والأركان من القسم الأول؛ لأنه يترتَّب عليها انتفاء المشروط، والواجبات من القسم الثاني، والمستحبات من القسم الثالث، فعلى هذا إذا قلنا: (كمال) صار من قبيل المستحبات، لا من قبيل الواجبات، فضلًا عن أن يكون من قبيل الضروريَّات.

والذين قالوا بأنه شرط، وقالوا -أيضًا-: (كمال)، قالوا: إطباق سلف هذه الأُمَّة على إدخال العمل في مسمَّى الإيمان ينبغي معه أن يكون شرطًا، وللتفريق بين قول أهل السنة وقول المعتزلة قالوا: (كمال)، وليس بشرط صحة؛ لأنه يُفهم من كونه شرطَ صحة أن المرءَ يَخرج بجزء من أجزائه من الإيمان، يعني: لو ترك أيَّ عمل واجب يَفسق بتركه، أو ارتكب محظورًا يَفسق بفعله، فإنه يكون قد خرج من الإيمان على قول المعتزلة، فللتفريق بين قول المعتزلة وقول أهل السنة قالوا: إن المعتزلة يقولون: (شرط صحة)، وأهل السنة يقولون: (شرط كمال)، وهذا ما قرَّره ابن حجر في (فتح الباري).

والصواب: أنه شرط صحة، لكن الفرق بين قول أهل السنة وبين قول المعتزلة: أن المعتزلة يرون أن جميع الأعمال شرط صحة، بينما أهل السنة يرون جنس العمل شرط صحة، يعني: الذي لا يعمل شيئًا ألبتة فليس عنده دليل وبرهان على ما وَقر في قلبه من إيمان، كما أنه لا يُحكم بإيمانه ما لم يتلفَّظ. وفي حديث: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترْك الصلاة» [مسلم: 82] دليل على أن ترْك الصلاة شرك، فهو داخل في قوله -جلَّ وعلا- في الآية: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48] التي يستدل بها مَن يقول بعدم كفر تارك الصلاة.