كتاب الحدود من سبل السلام (1)
...ثم أجيب يوم الأربعاء بين الصلاتين، إي. ولذلك جاء يقصد هذا الوقت ويدعو. وهذا ينفي كون يوم الأربعاء يوم نحس، يعني يوم نحس بالإطلاق هو نحس على قوم عاد.
طالب: ........
ماذا؟
طالب: ........
لأن أول العذاب في يوم الأربعاء وآخره في يوم الأربعاء الثاني ثمانية أيام.
طالب: ........
على كل حال يرده حديث جابر أنه أجيب الدعاء.
نعم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا،
قال -رحمه الله تعالى- في البلوغ وشرحه في كتاب الحدود: الْحُدُودُ: جَمْعُ حَدٍّ، وَالْحَدُّ: أَصْلُهُ مَا يَحْجِزُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فَيَمْنَعُ اخْتِلَاطَهُمَا؛ سُمِّيَتْ هَذِهِ الْعُقُوبَاتُ حُدُودًا؛ لِكَوْنِهَا تَمْنَعُ عَنْ الْمُعَاوَدَةِ؛ وَيُطْلَقُ الْحَدُّ عَلَى التَّقْدِيرِ، وَهَذِهِ الْحُدُودُ مُقَدَّرَةٌ مِنْ الشَّارِعِ".
هذه الذي يقع فيها من معاودة المعصية، وتمنع غيره ممن تسول له نفسه الوقوع في نفس المعصية، فهي تمنع الواقع، وتمنع غيره.
"وَيُطْلَقُ الْحَدُّ عَلَى نَفْسِ الْمَعَاصِي نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فلا تَعْتَدُوهَا}[البقرة:229] وَعَلَى فِعْلٍ فِيهِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ".
فلا تقربوها. عندي.
طالب: عندي فلا تعتدوها.
تلك حدود الله.
طالب:...
فلا تقربوها؛ لأن المحرمات لا تُقرَب، والواجبات لا تُعتدى ولا تُعدَّى، نعم، يعني الواجبات لا تُتجاوز بالغلو فيزاد عليها، والمحرمات لا تُقرب، يُقصَر دونها.
"وَعَلَى فِعْلٍ فِيهِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1].
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَعْرَابِ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْشُدُك، قَالَ فِي الْفَتْحِ: ضَمَّنَ أَنْشُدُك مَعْنَى أُذَكِّرُك، فَحُذِفَتْ الْبَاءُ أَيْ أُذَكِّرُك اللَّهَ، رَافِعًا نَشِدَتِي أَيْ صَوْتِي، وَهُوَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ ونُونٍ سَاكِنَةٍ وَضَمِّ الشَّيْنِ الْمُعْجَمَةِ؛ أَيْ أَسْأَلُك اللَّهَ إلَّا قَضَيْت لِي بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى".
الأصل أنشدك بالله، وأسألك بالله، لكن عدَّاها بنفسه؛ لأنها تتعدى بنفسها وبالحرف، لا سيما إذا ضمنّا أنشدك أُذكِّرك.
"اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ؛ إذْ الْمَعْنَى لَا أَنْشُدُك إلَّا الْقَضَاءَ بِكِتَابِ اللَّهِ".
لا أنشدك شيئًا يعني من عموم الأحوال استثناء مفرغ من عموم الأحوال إلا ما ذُكر.
"فَقَالَ الْآخَر،ُ وَهُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، كَأَنَّ الرَّاوِيَ يَعْرِفُ أَنَّهُ أَفْقَهُ مِنْهُ أَوْ مِنْ كَوْنِهِ سَأَلَ أَهْلَ الْفِقْهِ نَعَمْ فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَأُذُن لِي فَقَالَ: قُلْ. قَالَ: إنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا؛ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ فَمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ فَفَاءٍ، بنزلة أَجِيرٍ ومعناه. «عَلَى هَذَا فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ. وَإِنِّي أُخْبِرْت أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ فَافْتَدَيْت مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَوَلِيدَةٍ، فَسَأَلْت أَهْلَ الْعِلْمِ»".
يعني هذا الأفقه، الذي سأل وافتدى هذا يدل على فقه أم ما يدل؟
طالب:...
نعم؟
طالب:...
كيف؟
طالب:...
لا لا لا، هو عمل؟ هو يريد أن يعمل بما أُخبِر به، يعني كأنه جاءه وهو يعرف الحكم لما سأل وأُخبِر أنه يفتدي ولده بمئة شاة أو وليدة، لكن جاء؛ ليتأكد من النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن ما قاله النبي عرضه على النبي -صلى الله عليه وسلم- يدل على فقه؟ هو مخالف للحكم الشرعي، هو مخالف للحكم، يعني هل حكم الزاني غير المحصن أن يُفتدى بمئة شاة أو وليدة؟ لا، كيف يقول الراوي وهو أفقه منه؟
طالب:...
يقول: كأن الراوي يعرف أنه أفقه منه أو من كونه سأل أهل الفقه، يعني سأل قبل فأُفتي ولم يطمئن إلى ذلك، فأراد أن يتأكد من النبي -صلى الله عليه وسلم- بما يجب على ولده، هذا لا شك أنه فقه، كما أن الجواب له فقه فالسؤال أيضًا له فقه.
"فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى ابْنِي جَلْدَ مِائَةٍ وَتَغْرِيبَ عَامٍ، وَأَنَّ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا الرَّجْمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ: الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ رَدٌّ عَلَيْك» أي مردود عليك، ويجب ردها؛ لأن الحدود لا تقبل الفداء، «وَعَلَى ابْنِك جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ»، كَأَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد علم أَنَّهُ غَيْرُ مُحْصَنٍ، وَقَدْ كَانَ اعْتَرَفَ بِالزِّنَى".
يعني ما يكفي اعتراف والده عليه، والده اعترف بأن الولد كان عسيف أجير، وأنه زنا بامرأته، لا يكفي حتى يعترف الولد، وأن يشهد أربعة.
"«وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ» تَصْغِيرُ أَنَسٍ، رَجُلٌ مِنْ الصَّحَابَةِ لَا ذِكْرَ لَهُ إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وهو غير أنس بن مالك، «إلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا اللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ".
مما يدل على أن هذا الباب لا مدخل فيه للنساء، وإنما هو من عمل الرجال، ما يقال ليوضع نساء للحسبة وتفعل وتقرر وتثبت إقرارًا واعترافًا وما أشبه ذلك كما يطالب به الآن، لا، هو من أعمال الرجال، اغدُ يا أنيس إلى امرأة هذا، ما قال: اذهبي يا فلانة ولا يا علانة؛ لأنها امرأة، لا، هذا من عمل الرجال، لا يدخل فيه النساء.
يعني بعض الناس يطالب الآن يقول ويكتب في وسائل الإعلام، ويُثار أنه: لماذا تقتصر الحسبة على الرجال ولا يكون فيها نساء، لا سيما في مثل هذا الباب الذي هو من أخص ما يخص النساء؟ امرأة وزانية يُذهب إليها من قِبل رجل، إن اعترفت فارجمها، لكن لا يعني هذا أنه يخلو بها ويقررها بخلوة أبدًا، كما قال بعض الفقهاء أن علامة توبتها أن يراودها ثقة، نعم، ذكروا هذا، علامة صحة توبة الزانية أن يراودها، هذا كلام ليس بالصحيح، وهذا يعرضها ويعرض هذا الثقة للفتنة، لكن بحضور محرمها يسألها إن اعترفت تُرجَم.
طالب:...
لا لا، هذه قرائن، هذه قرائن لا يثبت بها حد.
"الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى الزَّانِي غَيْرِ الْمُحْصَنِ مِائَةُ جَلْدَةٍ، وَعَلَيْهِ دَلَّ الْقُرْآنُ، وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَغْرِيبُ عَامٍ، وَهُوَ زِيَادَةٌ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ".
ولهذا لم يقل به الحنفية، التغريب لم يقل به الحنفية؛ لأنه زيادة على ما في النص، والزيادة على ما في النص نسخ عندهم، والآحاد لا ينسخ المتواتر، فلم يقولوا به، إضافة إلى الحجج التي أبدوها من أن التغريب يستلزم محرمًا، وتغريب المحرم معها عقوبة لغير الجاني، إلى غير ذلك من الكلام الذي يُشار إليه.
"وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ الرَّجْمُ عَلَى الزَّانِي الْمُحْصَنِ، وَعَلَى أَنَّهُ يُكتفى فِي الِاعْتِرَافِ بِالزِّنَى مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ كَغَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ الْأَحْكَامِ".
وسيأتي هذا في حديث ماعز، وأنه اعترف أربع مرات، تركه النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى تكرر الاعتراف أربع مرات، وأن من أهل العلم من يرى أنه لا يثبت الحد حتى يعترف أربع مرات كعدد الشهود.
"وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَسَنُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَدَاوُد وَآخَرُونَ".
يقولون: القضايا التي ثبتت في عهده -عليه الصلاة والسلام- خمس القضايا، ما فيها تكرار للاعترافات إلا في قصة ماعز، إلا في قصة ماعز، على ما سيأتي. دل على أنه يكفي الاعتراف مرة واحدة، وماعز أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يدرأ عنه الحد؛ لأنه جاء تائبًا، وعلامات صدق التوبة عليه ظاهرة، ونادم، ولا يمنع من أن يعرض له بالرجوع، أما إذا اعترف اعترافًا ملزمًا فلا يجوز لأحدٍ أن يعفو عنه، ولا يجوز أن يشفع له أيضًا.
"وَذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَآخَرُونَ إلَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْإِقْرَارِ بِالزِّنَى أَرْبَعُ مَرَّاتٍ مُسْتَدِلِّينَ بِمَا يَأْتِي مِنْ قِصَّةِ مَاعِزٍ، وَيَأْتِي الْجَوَابُ عَنْهُ فِي شَرْحِ حَدِيثِهِ، وَأَمْرُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُنَيْسًا بِرَجْمِهَا بَعْدَ اعْتِرَافِهَا دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ بِجَوَازِ حُكْمِ الْحَاكِمِ فِي الْحُدُودِ وَنَحْوِهَا بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْخَصْمُ عِنْدَهُ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ، كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ.
وَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَا يَصِحُّ ذَلِكَ، قَالُوا: وَقِصَّةُ أُنَيْسٍ يَطْرُقُهَا احْتِمَالُ الْإعْذَارِ، وَأَنَّ قَوْلَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَارْجُمْهَا بَعْدَ إعْلَامِهِ أَوْ أَنَّهُ فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَيْهِ، وَالْمَعْنَى: فَإِذَا اعْتَرَفَتْ بِحَضْرَةِ مَنْ يُثْبِتُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: حَكَمْت.
قُلْت: وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ تَكَلُّفَاتٌ".
إن اعترفت اعترافًا شرعيًّا يعني ملزمًا كافيًا لإقامة الحد فوكل إليه أمر أخذ الاعتراف والرجم أيضًا ما يترتب على هذا الاعتراف من حكم، فكونه يكل إليه هذا الأمر لا إشكال فيه، لكن كونه يثبت عنده الاعتراف، ثم يأتي ليبلغ من بيده تنفيذ الحكم، ثم يكل إليه مرة أخرى فهذا غير لازم، نعم.
"قُلْت: وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ تَكَلُّفَاتٌ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَبْعَثْ إلَى الْمَرْأَةِ لِأَجْلِ إثْبَاتِ الْحَدِّ عَلَيْهَا، فَإِنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ أَمَرَ بِاسْتِتَارِ مَنْ أَتَى بِفَاحِشَةٍ، وَبِالسَّتْرِ عَلَيْهِ، وَنَهَى عَنْ التَّجَسُّسِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا قُذِفَتْ الْمَرْأَةُ بَعَثَ إلَيْهَا".
قُذفت بالزنى، قُذفت المرأة بالزنى.
"بأنها لما قذفت المرأة بالزنى-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِتُنْكِرَ وتُطَالِبَ بِحَدِّ الْقَذْفِ أَوْ تُقِرَّ بِالزِّنَى فَيَسْقُطَ عَنْهُ، فَكَانَ مِنْهَا الْإِقْرَارُ، فَأَوْجَبَتْ عَلَى نَفْسِهَا الْحَدَّ؛ وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ رَجُلًا أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ، فَجَلَدَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ سَأَلَ الْمَرْأَةَ فَقَالَتْ: كَذَبَ، فَجَلَدَهُ حد الْفِرْيَةِ ثَمَانِينَ»، وَقَدْ سَكَتَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَاسْتَنْكَرَهُ النَّسَائِيّ".
يعني لا يُقبَل قول أحد على أحد، إذا اعترف على نفسه بالزنا فلا بد أن يوجد طرف آخر مزني به، لكن لا يُبحَث عنه، زنى يُجلَد حد الزنا، أما الطرف الآخر فمثله إن اعترف أو قامت البينة عليه يُجلَد حد الزن، أو يُرجَم إن كان محصنًا، وإلا إن اعترف وعيَّن كما حصل في قصة العسيف فإنه حينئذٍ يؤتى بهذه المرأة ويُذهَب إليه، فتُقرر إن اعترفت بالزنا رُجمت، وإن طالبت بالحد وأنكرت جُلِد الحد.
طالب:...
يُجمَع عليه الاثنان.
طالب:...
لا بد؛ لأنه حق المخلوق، لا بد أن يُطالب به.
طالب: ........
نعم.
طالب:...
أيهم؟
طالب:...
نعم، يُجلد حد الفرية ثم يُرجَم، وهل يجمع له بين الرجم والجلد؟ الجلد مئة والرجم أم ما يُجمع؟ سيأتي في حديث عبادة بن الصامت الآتي: «خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً؛ البكر بالبكر جلد مئة وتغريب سنة، والثيب بالثيب جلد مئة والرجم»، سيأتي هل يُجمع بين الجلد والرجم أم لا؟ أما حقوق العباد فتؤخذ منه ولو رُجم يجلد قبل ذلك حد الفرية ثم يُرجَم، هذا ما فيه إشكال.
"وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً؛ الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ. إشَارَةً إلَى قَوْله تَعَالَى: {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا} [النساء: 15]".
ولهذا من باب النسخ أو باب البيان، يعني هل نُسخت الآية بالحديث؟ أو جاء الحديث مُبيِّنًا للآية؟
لأن الآية إلى أمد. الجمهور يقولون: مبينة؛ لأن الآحاد لا ينسخ المتواتر، والذي يقول: إن الآحاد ينسخ المتواتر يقول: لا مانع من أن يكون نسخًا فرُفع حكمها؛ لأن الحكم الحبس، الحكم الحبس، رُفِع هذا الحبس بما جاء في حديث عبادة.
"بَيَّنَ بِهِ أَنَّهُ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُنَّ السَّبِيلَ بِمَا ذُكِر في الحديث. وَفِي الْحَدِيثِ مَسْأَلَتَانِ:
الْأُولَى: حُكْمُ الْبِكْرِ إذَا زَنَى، وَالْمُرَادُ بِالْبِكْرِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ: الْحُرُّ الْبَالِغُ الَّذِي لَمْ يُجَامِعْ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَقَوْلُهُ: «بِالْبِكْرِ»، هَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ؛ لا أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ مَفْهُومُهُ".
لأن مفهومه مردود بقصة العسيف، مفهومه معارض بقصة العسيف لما زنى البكر بثيب، يُجلد مئة ويُنفى سنة، ولو زنى بثيب، أما قوله: «البكر بالبكر» فهذا خرج مخرج الغالب.
طالب:...
رفع الإمساك المذكور فيكون نسخًا.
طالب:...
طيب، وطئت.
طالب:...
يعني التي يوطأ مثلها.
طالب: ........
أين؟
طالب:...
إذا كانت يوطأ مثلها ووطئت، لكن ما يسمى وطأً إذا كانت لا يوطأ مثلها فلا يسمى وطأً، فلا تعتبر ثيبًا بهذا.
طالب:...
حكمًا، حكمًا، ولو زالت بكارتها، ولو وطئت مراتٍ كثيرة، لكن لا بنكاح صحيح، فهي ما تزال بكرًا.
طالب:...
أين؟
طالب:...
قبل الوطء. قبل الوطء، لا بد أن توطأ في نكاح صحيح، فإن وطئت بزنى أو نكاح فاسد فلا تسمى ثيبًا.
"فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْبِكْرِ الْجَلْدُ سَوَاءٌ كَانَ مَعَ بِكْرٍ أَوْ ثَيِّبٍ كَمَا فِي قِصَّةِ الْعَسِيفِ. وَقَوْلُهُ: «نَفْيُ سَنَةٍ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ التَّغْرِيبِ لِلزَّانِي الْبِكْرِ عَامًا، وَأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمْ، وَادُّعِيَ فِيهِ الْإِجْمَاعَ، وَذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ إلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّغْرِيبُ، وَاسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي آيَةِ النُّورِ، فَالتَّغْرِيبُ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ، وَهُوَ ثَابِتٌ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، فَلَا يُعْمَلُ بِهِ، فلا يَكُونُ نَاسِخًا.
وَجَوَابُهُ: أَنَّ الْحَدِيثَ مَشْهُورٌ لِكَثْرَةِ طُرُقِهِ وَكَثْرَةِ مَنْ عَمِلَ بِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ عَمِلَتْ الْحَنَفِيَّةُ بِمِثْلِهِ، بَلْ بِدُونِهِ كَنَقْضِ الْوُضُوءِ مِنْ الْقَهْقَهَةِ".
مع ضعف ما جاء فيه مع ضعف الحديث اتفق الحفاظ على ضعف حديث نقض الوضوء بالقهقهة، وجواز الوضوء بالنبيذ، كلها متفق على ضعفها.
"وَجَوَازِ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ، وَهَذَا مِنْهُ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَقْسَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي قِصَّةِ الْعَسِيفِ أَنَّهُ يَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ: إنَّ عَلَيْهِ جَلْدَ مِائَةٍ وَتَغْرِيبَ عَامٍ، وَهُوَ الْمُبَيِّنُ لِكِتَابِ اللَّهِ، وَخَطَبَ بِذَلِكَ "عُمَرُ" عَلَى رُءُوسِ الْمَنَابِرِ، وَكَأَنَّ الطَّحَاوِيَّ لَمَّا رَأَى ضَعْفَ جَوَابِ الْحَنَفِيَّةِ هَذَا، أَجَابَ عَنْهُمْ بِأَنَّ حَدِيثَ التَّغْرِيبِ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ: «إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا، ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ فَلْيَبِعْهَا»، وَالْبَيْعُ يُفَوِّتُ التَّغْرِيبَ، قَالَ: وَإِذَا سَقَطَ عَنْ الْأَمَةِ سَقَطَ عَنْ الْحُرَّةِ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَاهَا. قَالَ: وَيَتَأَكَّدُ بِحَدِيثِ: «لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ»، قَالَ: وَإِذَا انْتَفَى عَنْ النِّسَاءِ انْتَفَى عَنْ الرِّجَالِ. انْتَهَى. وَفِيهِ ضَعْفٌ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعَامُّ إذَا خُصَّ لَمْ يَبْقَ دَلِيلاً، وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ".
نعم العام إذا خُصِّص يضعف، لكنه لا ترتفع دلالته على بقية الصور غير الخاصة.
طالب:...
زيادة على النص، والزيادة على النص نسخ.
طالب:...
نعم، تختلف، فيه شيء من الاختلاف بينه وبينه.
طالب:...
طيب. وهو ثابت بخبر الواحد، فلا يعمل به؛ لأنه يكون نسخًا. ما يختلف، قريب منه، نعم. فلا يكون نسخًا.
طالب: ........
ماذا عندك؟
طالب: ........
يقول: فلا يعمل به في أول الكلام؟ هو ثابت بخبر الواحد.
طالب: هو ثابت بخبر الواحد، فلا يعمل به، فلا يكون نسخًا.
نعم، فلا يكون نسخًا عندهم؛ لأنه يقتضي النسخ، فلا ينسخ به.
"ثُمَّ نَقُولُ: الْأَمَةُ خُصِّصَتْ مِنْ حُكْمِ التَّغْرِيبِ، وَكَانَ الْحَدِيثُ عَامًّا فِي حُكْمِهِ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْأَمَةِ وَالْعَبْدِ، فَخُصَّصتْ مِنْهُ الْأَمَةُ، وَبَقِيَ مَا عَدَاهَا دَاخِلًا تَحْتَ الْحُكْمِ.
وَاسْتَدَلَّ الْهَادَوِيَّةُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمَهْدِيُّ فِي الْبَحْرِ مِنْ قَوْلِهِ: قُلْت: التَّغْرِيبُ عُقُوبَةٌ لَا حَدٌّ؛ لِقَوْلِ عَلِيٍّ- عليه السلام-: "جَلْدُ مِائَةٍ وَحَبْسُ سَنَةٍ"، وَلِنَفْيِ عُمَرَ فِي الْخَمْرِ وَلَمْ يُنْكِرْ، ثُمَّ قَالَ: لَا أَنْفِي بَعْدَهَا أَحَدًا، وَالْحُدُودُ لَا تَسْقُطُ. انْتَهَى".
يعني كأن التغريب ليس من باب الحد، وليس من تمامه، وإنما هو تعزير يخضع لرأي الإمام، إن رأى المصلحة فيه غرّب وإلا فلا.
"وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ مَا قَالَهُ. أَمَّا كَلَامُ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فَإِنَّهُ مُؤَيِّدٌ لِمَا قَالَهُ الْجَمَاهِيرُ، فَإِنَّهُ جَعَلَ الْحَبْسَ عِوَضًا عَنْ التَّغْرِيبِ، فَهُوَ نَوْعٌ مِنْهُ؛ وَأَمَّا نَفْيُ عُمَرَ فِي الْخَمْرِ فَاجْتِهَادٌ مِنْهُ، وزِيَادَة فِي الْعُقُوبَةِ، ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ لَا يَنْفِي حَدًّا بِاجْتِهَادِهِ، وَالنَّفْيُ فِي الزِّنَى بِالنَّصِّ، وَيُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ-عليه السلام-.
وَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ: إنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُغَرَّبُ، قَالُوا: لِأَنَّهَا عَوْرَةٌ، وَفِي نَفْيِهَا تَضْيِيعٌ لَهَا وَتَعْرِيضٌ لِلْفِتْنَةِ، وَلِهَذَا نُهِيَتْ عَنْ السَّفَرِ مَعَ غَيْرِ مَحْرَمٍ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَرِدُ مَا ذُكِرَ، لِأَنَّهُ قَدْ شَرَطَ مَنْ قَالَ بِالتَّغْرِيبِ أَنْ تَكُونَ مَعَ مَحْرَمِهَا، وَتكون أُجْرَتُهُ مِنْهَا إذَا وَجَبَتْ بِجِنَايَتِهَا؛ وَقِيلَ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَأُجْرَةِ الْجَلَّادِ، وَأَمَّا الرق فَإِنَّهُ ذَهَبَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا".
الرقيق. وأما الرقيقُ.
طالب: الرق عندي.
الرقيق فإنه ذهب مالك وأحمد.
"وأما الرقيق فإنه ذهب مالك وأحمد وغيرهما إلَى أَنَّهُ لَا يُنْفَى، قَالُوا: لِأَنَّ نَفْيَهُ عُقُوبَةٌ لِمَالِكِهِ؛ لِمَنْعِهِ نَفْعَهُ مُدَّةَ تغريبهِ، وَقَوَاعِدُ الشَّرْعِ قَاضِيَةٌ أَنْ لَا يُعَاقِبَ إلَّا الْجَانِي، وَمِنْ ثَمَّ سَقَطَ فَرْضُ الْجِهَادِ وَالْحَجِّ عَنْ الْمَمْلُوكِ".
عدم التغريب يعني من باب التخفيف على هذا النوع، يعني من الرقيق الذي لا يملك نفسه، وليس لديه من الآلة ما يستطيع الدفاع به عن نفسه، لا سيما في الجنس الأنثى، يعني خفف عنها الحكم لذلك التغريب، وأما كونه عقوبة لغير الجاني فأيضًا تغريب المرأة عقوبة لزوجها وتفويت لمصالحها، وتغريب الزوج لا شك أنه يتعدى ضرره إلى الزوجة وأولادها.
فعلى كل حال، الأحكام الشرعية الثابتة بنصوص صريحة لا تعارض بمثل هذه التعليلات.
"وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَدَاوُد: يُنْفَى؛ لِعُمُومِ أَدِلَّةِ التَّغْرِيبِ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25]، وَيُنَصَّفُ فِي حَقِّ الْمَمْلُوكِ؛ لِعُمُومِ الْآيَةِ".
فتُنفى، تُغرَّب نصف سنة على كلامه.
"وَأَمَّا مَسَافَةُ التَّغْرِيبِ فَقَالُوا: أَقَلُّهَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ؛ لِتَحْصِيلِ الْغُرْبَةِ، وَغَرَّبَ عُمَرُ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى الشَّامِ، وَغَرَّبَ عُثْمَانُ إلَى مِصْرَ، وَمَنْ كَانَ غَرِيبًا لَا وَطَنَ لَهُ غُرِّبَ إلَى غَيْرِ الْبَلَدِ الَّتِي وَاقَعَ فِيهَا الْمَعْصِيَةَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي قَوْلِهِ: «وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ»، وَالْمُرَادُ بِالثَّيِّبِ مَنْ قَدْ وُطِئَ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَهُوَ حُرٌّ بَالِغٌ عَاقِلٌ، وَالْمَرْأَةُ مِثْلُهُ".
وَطِئ.
"وَالْمُرَادُ بِالثَّيِّبِ مَنْ قَدْ وَطِئَ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَهُوَ حُرٌّ بَالِغٌ عَاقِلٌ، وَالْمَرْأَةُ مِثْلُهُ، وَهَذَا الْحُكْمُ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ، وَالْحُكْمُ هُوَ مَا دَلَّ لَهُ قَوْلُهُ: «جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ»، فَإِنَّهُ أَفَادَ أَنَّهُ يُجْمَعُ لِلثَّيِّبِ الْجَلْدُ وَالرَّجْمُ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ، كَمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ جَلَدَ شُرَاحَةَ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَرَجَمَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَالَ: جَلَدْتهَا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَرَجَمْتهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ الشَّعْبِيُّ لعلي- عليه السلام-".
قيل لعليٍ. قال الشعبي: قيل لعليٍ.
"قال الشعبي: قِيلَ لِعَلِيٍّ -عليه السلام-: جَمَعْت بَيْنَ حَدَّيْنِ، فَأَجَابَ بِمَا ذُكِرَ".
أي جلدتها بكتاب الله، ورجمتها بسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-.
"قَالَ الْحَازِمِيُّ: وَذَهَبَ إلَى هَذَا أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْهَادَوِيَّةِ، وَذَهَبَ غَيْرُهُمْ إلَى أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ قَالُوا: وَحَدِيثُ عُبَادَةَ مَنْسُوخٌ بِقِصَّةِ مَاعِزٍ وَالْغَامِدِيَّةِ والجهينية واليهوديين".
جُهنية. امرأة من جهينة. على الخلاف هل الغامدية هي الجهنية على ما سيأتي؛ لأنهم قالوا إن غامد بطن من جهينة، سيأتي في شرح حديثها، لكن الجهنية غير موجودة في أكثر النسخ، فيه الغامدية فقط.
على كل حال القضايا التي حدثت في عهده -عليه الصلاة والسلام- ليس فيها ما ذكر من الجمع بين الرجم والجلد إلا أنه في حديث الباب صريح، فمن قال: إنه يكفي في ثبوت الحكم ما يدل عليه ولو من خبر واحد، ولو جاءت جميع الأخبار غير مذكور فيها هذا الحكم اكتفاءً بما ذُكر في هذا الخبر، وهذا مطرد، يُكتفى بما جاء بطريق ملزم، ولا يحتاج أن يكرر ذكره في كل مناسبة، إذا عرف الحكم خلاص انتهى ما يحتاج إلى تكرير.
طالب:...
ماذا؟
طالب:...
ما هو بتغريب، الجمع بين الرجم.
طالب:...
لا، ما يلزم، لا لا؛ لأن حديث عبادة دليل على أنه متقدِّم، متقدِّم حديث عبادة، وفي بيان الآية نعم.
"وَحَدِيثُ عُبَادَةَ مَنْسُوخٌ بِقِصَّةِ مَاعِزٍ وَالْغَامِدِيَّةِ والجهينية واليهوديين، فَإِنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجَمَهُمْ، وَلَمْ يَرْوِ أَنَّهُ جَلَدَهُمْ؛ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ الْجَلْدَ ثَابِتٌ عَلَى الْبِكْرِ سَاقِطٌ عَنْ الثَّيِّبِ.
قَالُوا: وَحَدِيثُ عُبَادَةَ مُتَقَدِّمٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي قِصَّةِ مَاعِزٍ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ عَلَى تَقْدِيرِ تَأَخُّرِهَا تَصْرِيحٌ بِسُقُوطِ الْجَلْدِ عَنْ الْمَرْجُومِ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ تُرِكَ رِوَايَتِهِ؛ لِوُضُوحِهِ، وَلِكَوْنِهِ الْأَصْلَ".
أن يكون تَرْكُ روايته.
"وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي قِصَّةِ مَاعِزٍ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ عَلَى تَقْدِيرِ تَأَخُّرِهَا تَصْرِيحٌ بِسُقُوطِ الْجَلْدِ عَنْ الْمَرْجُومِ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ تَرْكُ روايته".
يجوز، يجوز أيضًا أن يكون تُرِك، لكن تُركت روايته، لكن ترك روايته لوضوحها.
"لِوُضُوحِهِ، وَلِكَوْنِهِ الْأَصْلَ، وَقَدْ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِنَظِيرِ هَذَا حِينَ عُورِضَ فِي إيجَابِ الْعُمْرَةِ بِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ مَنْ سَأَلَهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْ أَبِيهِ وَلَمْ يَذْكُر الْعُمْرَةَ. فَأَجَابَ الشافعي بِأَنَّ السُّكُوتَ عَنْ ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِهِ إلَّا أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: إنَّ جَلْدَ مَنْ ذُكِر مِنْ الْخَمْسَةِ الَّذِينَ رَجَمَهُمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَوْ وَقَعَ مَعَ كَثْرَةِ مَنْ يَحْضُرُ عَذَابَهُمَا مِنْ طَوَائِفِ الْمُؤْمِنِينَ يَبْعُدُ أَنَّهُ لَا يَرْوِيهِ أَحَدٌ مِمَّنْ حَضَرَ، فَعَدَمُ إتيانه فِي رِوَايَةٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ مَعَ تَنَوُّعِهَا وَاخْتِلَافِ أَلْفَاظِهَا دَلِيلُ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الْجَلْدُ، فَيَقْوَى مَعَهُ الظَّنُّ بِعَدَمِ وُجُوبِهِ، وَفِعْلُ عَلِيٍّ -عليه السلام- ظَاهِرٌ أَنَّهُ اجْتِهَادٌ مِنْهُ؛ لِقَوْلِهِ: جَلَدْتهَا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَرَجَمْتهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ أَنَّهُ عَمِلَ برأيه بِالْجَمْعِ بَيْنَ الدَّلِيلِينَ، فَلَا يَتِمُّ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ تَوْقِيفٌ، وَإِنْ كَانَ فِي قَوْلِهِ: بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ تَوْقِيفٌ. قُلْتُ: وَلَا يَخْفَى قُوَّةُ دَلَالَةِ حَدِيثِ عُبَادَةَ عَلَى إثْبَاتِ جَلْدِ الثَّيِّبِ ثُمَّ رَجْمِهِ، وَلَا يَخْفَى ظُهُورُ أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
لم يجلد. لم يجلد من رجمه.
"وَلَا يَخْفَى ظُهُورُ أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَجْلِدْ مَنْ رَجَمَهُ، فَأَنَا أَتَوَقَّفُ فِي الْحُكْمِ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ، وَهُوَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ، وَكُنْت قَدْ جَزَمْت فِي مِنْحَةِ الْغَفَّارِ بِقُوَّةِ الْقَوْلِ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ، ثُمَّ حَصَلَ لِي التَّوَقُّفُ ها هُنَا".
يعني قضايا متعددة لم يذكر فيها الجلد، يعني يقوى الظن أنه لم يحصل، لكن من قال: إن الحكم يثبت بدليل واحد، وإذا سُكت عنه في مناسبات أخرى أنه لا ينفي ذلك الدليل كان قوله هو الأصل.
قوله: في قوله بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما يشعر بأنه توقيف، يعني كأنه جلدها بسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- التي نصّت على الجمع بين الجلد والرجم هذا توقيف إن كان مستنده حديث عبادة، حديث عبادة ما خفي على الأئمة، لكنهم عارضوه بالوقائع الأخرى التي لم يحصل فيها الجلد، إذا كان استناده إلى هذا الخبر، وإن كان استناده إلى فهم من عموم السنة بأنه يجمع بينها فهذا لا شك أنه يرجع إلى اجتهاده.
يعني مثل ما قيل في قصة ابن عباس مع مولاه حينما جاء من الشام وقد صاموا يوم الجمعة، ورأوا الهلال، وأفطروا، وأما بالنسبة لمن كان في المدينة لم يروا الهلال فأصبحوا صائمين، وقال لمعاوية: الناس صاموا الناس أفطروا وأنتم، يقوله غلامه، فابن عباس -رضي الله عنهما- قال: لا نزال نصوم حتى نراه، هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، مما يستدل به من يقول باختلاف المطالع، فقوله: هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحتمل أنه أمرهم بأمرٍ خاص يدل على أنهم لا يصومون حتى يروا الهلال، وإن رآه غيرهم، وإن كان من فهمه لقوله -عليه الصلاة والسلام-: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته»، فهذا يستدل به هذا الطرف، والطرف الآخر كلهم يستدلون بهذا، فيبقى أن المسألة للاجتهاد فيها مدخل، للاجتهاد فيها مدخل.
طالب:...
في القضايا التي لم يذكر فيها الرجم لا، هو ما عندنا ما يدل على ذلك إلا أنه إن كان استدل بحديث عبادة فهذا واضح أنه توقيف، لكنه معارض بالقصص الأخرى التي عارضه بها من يقول بعدم الجمع بينهما، وإن كان عنده سنة خاصة، إن كان عنده سنة خاصة تدل على الجمع فهذا لا شك أنه توقيف.
طالب:...
جلدتها بكتاب الله، يعني ما جاء صريحًا في آية النور، {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}[النور:2]، هذا زانٍ، وهذه زانية، جلد الزانية بسنة رسول الله، ورأى أن هذا شامل للثيب والبكر، لكن أصرح من هذا ما جاء في حديث عبادة: «والثيب بالثيب جلد مئة والرجم»، نعم، كونه لم يذكر في الأحاديث الأخرى لا يعني نفيه، عدم الذكر ليس بذكر للعدم.
"وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: «أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلٌ في المسجد فَنَادَاهُ»".
ما عندك من المسلمين؟
طالب: لا يا شيخ، رجل.
رجل من المسلمين.
طالب:...
نعم. أنت تقرأ في الشرح أم المتن؟
طالب: في الشرح أقرأ.
يعني ما تقرأ المتن؟
طالب: لا.
أنا عندي الشرح ما فيه متن.
طالب:...
ما عندي، أنا عندي أقرأ الذي عندي ما أدخل فيه المتن. أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجل من المسلمين وهو في المسجد فناداه.
طالب: عندي ما في المتن ولا في الشرح.
أين؟
طالب:...
لا لا، موجود من المسلمين ومعروف في الرواية.
"قال: «أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجل من المسلمين وهو في المسجد، فناداه فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي زَنَيْت، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَتَنَحَّى تِلْقَاءَ وَجْهِهِ»".
يعني الرواة كلهم ينسخون الحديث بهذا اللفظ، يا رسول الله إني زنيت، والعادة جرت أن الرواة إذا وجد مثل هذا اللفظ الذي فيه نسبة العمل القبيح والشنيع إلى قائله أنهم يكنون عنه بالضمير فيقولون: إنه زنى، كما قالوا: هو على ملة عبد المطلب، أبو طالب نسب الفعل إلى نفسه، فقال: أنا، لكن الرواة كلهم يقولون: هو على ملة عبد المطلب، لا يريد أحد منهم أن ينسب هذا الكلام إلى نفسه، وهنا قال: إني زنيت؛ لأن هذا البيان وهذا اللفظ وهذا بهذا اللفظ مطلوب لا يتم الاعتراف إلا بهذا اللفظ، يعني لو قال الراوي: فجاء رجل فقال: إنه زنى، فاحتمال أن يكون لفظ الأصل هذا الرجل الذي اعترف قال: إنه زنى، وهو لا يثبت به حد، يعني لو جاء شخص زانٍ واعترف أمام القاضي قال: إنه زنى، الضمير يعود على من؟ لا بد أن ينسب الزنى إلى نفسه، نعم.
"أَي انْتَقَلَ مِنْ النَّاحِيَةِ الَّتِي كَانَ فِيهَا إلَى النَّاحِيَةِ الَّتِي يَسْتَقْبِلُ بِهَا وَجْهَهُ، «فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي زَنَيْت، فَأَعْرَضَ عَنْهُ حَتَّى ثَنَّى ذَلِكَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ".
ثنَّى أم ثنى؟
طالب: عندي بالتشديد يا شيخ.
لا، ثنَّى مرتين، لكن ثنى عليه أربع مرات؟
"«حَتَّى ثَنَى ذَلِكَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَات دَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَبِكَ جُنُونٌ؟ قَالَ لَا، قَالَ: فَهَلْ أُحْصنت؟»".
هل أَحصنت؟ لأن الرجل يُنسب إليه الإحصان على أنه هو الفاعل، محصنين غير مسافحين، والمرأة مُحصَنة وجمعها مُحصنَات.
"قَالَ: «فَهَلْ أُحْصنت؟» بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ فَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ فَصَادٍ مُهْمَلَةٍ أَيْ تَزَوَّجْت قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ".
نعم ، لا بد من الاستفصال؛ لأن المجنون لا يُقبل اعترافه، وسيأتي مزيد في الاستفصال.
طالب:...
كيف؟
تزوجت المراد به الوطأ؛ لأن الزواج يطلق ويراد به العقد، ويطلق ويراد به الوطأ على خلاف بينهما في الحقيقة من اللفظين.
"الْحَدِيثُ اشْتَمَلَ عَلَى مَسَائِلَ:
الْأُولَى: أَنَّهُ وَقَعَ مِنْهُ إقْرَارٌ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ يُشْتَرَطُ تَكْرَارُ الْإِقْرَارِ بِالزِّنَى أَرْبَعًا أَوْ لَا؛ ذَهَبَ مَنْ قَدَّمْنَا ذِكْرَهُمْ، وَهو الْحَسَنُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَدَاوُد وَآخَرُونَ إلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ التَّكْرَارِ، مُسْتَدِلِّينَ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ فِي سَائِرِ الْأَقَارِيرِ كَالْقَتْلِ وَالسَّرِقَةِ، وَبِأَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِأُنَيْسٍ: «فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا»، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ تَكْرَارَ الِاعْتِرَافِ، فَلَوْ كَانَ شَرْطًا مُعْتَبَرًا لَذَكَرَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ لِأَنَّهُ فِي مَقَامِ الْبَيَانِ، وَلَا يُؤَخَّرُ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ وَذَهَبَ الْجَمَاهِيرُ إلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْإِقْرَارِ بِالزِّنَى أَرْبَعُ مَرَّاتٍ، مُسْتَدِلِّينَ بِحَدِيثِ مَاعِزٍ هَذَا. وَأُجِيبَ عَنْهُمْ بِأَنَّ حَدِيثَ مَاعِزٍ هَذَا اضْطَرَبَتْ فِيهِ الرِّوَايَاتُ فِي عَدَدِ الْإِقْرَارَاتِ، فَجَاءَ هنا أَرْبَعُ مَرَّاتٍ، وَمِثْلُهُ فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ عِنْد مُسْلِمٍ، وَوَقَعَ فِي طَرِيقٍ أُخْرَى عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، وَوَقَعَ فِي حَدِيثٍ عِنْدَهُ أَيْضًا فِي طَرِيقٍ أُخْرَى فَاعْتَرَفَتْ بِالزِّنَى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. وَقَوْلُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: «قَدْ شَهِدْت عَلَى نَفْسِك أَرْبَعَ مَرَّاتٍ»، حِكَايَةٌ لِمَا وَقَعَ مِنْهُ، فَالْمَفْهُومُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَمَا كَانَ ذَلِكَ إلَّا زِيَادَةً فِي الِاسْتِثْبَاتِ وَالتَّبَيُّنِ، وَلِذَلِكَ سَأَلَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَلْ بِهِ جُنُونٌ؟ وَأَمَرَ مَنْ يَشُمَّ رَائِحَتَهُ أهو شارب خمر، وَجَعَلَ يَسْتَفْسِرُهُ عَنْ الزِّنَى، كَمَا سَيَأْتِي بِأَلْفَاظٍ عَدِيدَةٍ؛ كُلُّ ذَلِكَ لِأَجْلِ الشُّبْهَةِ الَّتِي عُرِضَتْ فِي أَمْرِهِ، وَلِأَنَّهَا قَالَت الْجُهَنِيَّةُ: أَتُرِيدُ أَنْ تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدْت مَاعِزًا؟ فَعُلِمَ أَنَّ التَّرْدِيدَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْإِقْرَارِ. وَبَعْدُ فَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَا اضْطِرَابَ، وَأَنَّهُ أَقَرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَهَذَا فِعْلٌ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلَا طَلَبِهِ لِتَكْرَارِ إقْرَارِهِ، بَلْ فَعَلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، وَتَقْرِيرُهُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِهِ لَا عَلَى شَرْطِيَّتِهِ.
وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ بِالْقِيَاسِ عَلَى أَنَّهُ قَد اُعْتُبِرَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَى أَرْبَعَةٌ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ وَاضِحُ الْبُطْلَانِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اُعْتُبِرَ فِي الْمَالِ عَدْلَانِ وَالْإِقْرَارُ بِهِ يَكْفِي مَرَّةً وَاحِدَةً اتِّفَاقًا. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَة: دَلَّتْ أَلْفَاظُ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ الِاسْتِفْصَالِ عَنْ الْأُمُورِ الَّتِي يَجِبُ مَعَهَا الْحَدُّ".
مهما ذُكِر من اضطراب مرتين أو ثلاثًا فالعبرة بما اتفق عليه جُلّ الرواة من أنه اعترف على نفسه أربع مرات، جاء في اللفظ النبوي: «شهدتَّ على نفسك أربع مرات»، فلا عبرة بمن قال مرتين، ولعله في أماكن متعددة في مكان اعترف مرتين، وفي آخر اعترف مرتين، وهكذا فالاضطراب انتفى بترجيح الأربع، وأما كونه يقاس على غيره من الإقرارات كالسرقة فلا يحتاج أن يعترف أكثر من مرة، القتل لا يحتاج أن يعترف بأكثر من مرة، فهذه اجتهادات في مقابلة نصّ صحيح صريح، فلا اعتبار بها، وهذه لا شك أنها أقيسة على محرماتٍ أخرى في مقابل نصّ، والقياس في مقابل النص لا شك أنه فاسد الاعتبار عند أهل العلم.
"فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَلْفَاظٌ كَثِيرَةٌ دَالَّةٌ عَلَيْهِ، فَفِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ أَنَّهُ قَالَ: «أَشَرِبْت خَمْرًا؟ قَالَ: لَا، وَأَنَّهُ قَامَ رَجُلٌ يَسْتَنْكِهُهُ، فَلَمْ يَجِدْ فِيهِ رِيحًا».
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «لَعَلَّك قَبَّلْت أَوْ غَمَزْت». وَفِي رِوَايَةٍ: «هَلْ ضَاجَعْتهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَهَلْ بَاشَرْتهَا؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: هَلْ جَامَعْتهَا؟ قَالَ: نَعَمْ». وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنِكْتَهَا؟ لَا يُكَنِّي». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنِكْتَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: دَخَلَ ذَلِكَ مِنْك فِي ذَلِكَ مِنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: كَمَا يَغِيبُ الْمِرْوَدُ فِي الْمُكْحُلَةِ، وَالرِّشَاءُ فِي الْبِئْرِ؟ قَالَ: نَعَم، قَالَ: تَدْرِي مَا الزِّنَى؟ قَالَ: نَعَمْ أَتَيْت مِنْهَا حَرَامًا مَا يَأْتِي الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ حَلَالًا. قَالَ: فَمَا تُرِيدُ بِهَذَا الْقَوْلِ؟ قَالَ: تُطَهِّرُنِي، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ»، فَدَلَّ جَمِيعُ مَا ذُكِرَ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ الِاسْتِفْصَالِ وَالتَّبَيُّنُ، وَأَنَّهُ يُنْدَبُ تَلْقِينُ مَا يُسْقِطُ الْحَدَّ".
هذا مع اختلافٍ بين هؤلاء الجناة وما يحتف بهم من أحوال وظروف وأزمان وأماكن، إذا وجدت هذه القضايا نادرة مثلاً أو حصلت هفوة من شخص، كان في سمته وسيرته على خلافها، إذا وقعت منه الهفوة أو الزلة يُستَر عليه، ويُلقن، لا مانع، وكذلك إذا جاء المجتمع نظيفًا وطاهرًا من هذه القاذروات، ولم يحصل فيه إلا الشيء النادر يمكن أن يُستعمل مثل هذا الأسلوب، أما إذا وُجِد شخص مقترف للجرائم، وله سوابق كثيرة فمثل هذا لا يُستعمل معه هذا الأسلوب؛ لأنه لا بد من قطع دابر الفساد، ولا يمكن أن يُقطع دابر الفساد إلا بقطع دابر المفسدين، وكذلك إذا انتشرت وشاعت في بلد أو في زمان أو مكان فلا بد من تطهير بلاد المسلمين من هذه الفواحش والمنكرات.
طالب:...
حتى يعترف الرابعة.
طالب:...
لا بد أربعة نعم.
طالب:...
ماذا؟
طالب:...
نعم، لكن ما فيه بيان، يعني حديث مجمل يُردّ إلى المبين، يعني اعترفت الاعتراف الشرعي الملِزم للحد.
"وَأَنَّ الْإِقْرَارَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ اللَّفْظِ الصَّرِيحِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْمُوَاقَعَةِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ تَلْقِينُ الْمُقِرِّ، كَمَا أَخْرَجَهُ مَالِكٌ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَعَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فِي قِصَّةِ شُرَاحَةَ فَإِنَّهُ قَالَ لَهَا عَلِيٌّ: اُسْتُكْرِهْت؟ قَالَتْ: لَا. قَالَ: فَلَعَلَّ رَجُلًا أَتَاك فِي نَوْمِك؟ الْحَدِيثَ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ لَا يُلَقَّنُ مَنْ اُشْتُهِرَ بِانْتِهَاكِ الْمحرماتِ.
وَفِي قَوْلِهِ: «أَشَرِبْت خَمْرًا؟» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُ السَّكْرَانِ، وَفِيهِ خِلَافٌ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُحْفَرُ لِلرَّجُلِ عِنْدَ رَجْمِهِ؛ لِأَنَّ فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: فَحَفَرَ لَهُ حَفِيرَةً، وَفِي الْحَدِيثِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ: «أَنَّهَا لَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ هَرَبَ، فَأَدْرَكْنَاهُ بِالْحَرَّةِ فَرَجَمْنَاهُ»، زَادَ فِي رِوَايَةٍ: «حَتَّى مَاتَ»، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد أَنَّهُ قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْنِي حِينَ أُخْبِرَ بِهَرَبِهِ: «هَلَّا رَدَدْتُمُوهُ إلَيَّ»، وَفِي رِوَايَةٍ: «تَرَكْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ فَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِ»".
هو جاء تائبًا، قد تاب توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، لكن يُكرر التوبة بعد أن هرب منها، ويكرر التوبة من هذا الهرب، فتُمحا عنه ذنوبه، ويستقبل حياة جديدة.
"وَأَخَذَ مِنْ هَذَا الْهَادَوِيَّةُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ أَنَّهُ يَصِحُّ رُجُوعُ الْمُقِرِّ عَنْ الْإِقْرَارِ، فَإِذَا هَرَبَ تُرِكَ لَعَلَّهُ يَرْجِعُ، وَفِي قَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَعَلَّهُ يَتُوبُ» إشْكَالٌ؛ لِأَنَّهُ مَا جَاءَ إلَّا تَائِبًا يَطْلُبُ تَطْهِيرَهُ مِنْ الذَّنْبِ، وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد أَنَّهُ قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي قِصَّةِ مَاعِزٍ: «وَاَلَّذِي نَفْسُ محمد بِيَدِهِ، إنَّهُ الْآنَ لَفِي أَنْهَارِ الْجَنَّةِ يَنْغَمِسُ فِيهَا»، وَلَعَلَّهُ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ لَعَلَّهُ يَرْجِعُ عَنْ إقْرَارِهِ وَيَتُوبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَيَغْفِرُ لَهُ أَوْ الْمُرَادَ يَتُوبُ عَنْ إكْذَابِهِ نَفْسَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ -صلى الله عليه وسلم-: "فَاذهبوا بِهِ فاَرَجَمُوهُ" يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَحْضُرِ الرَّجْمَ، وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَوَّلَ مَنْ يَرْجُمَ الْإِمَامُ فِيمَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِالْإِقْرَارِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَالْهَادِي، وَالْأَوْلَى حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى النَّدْبِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ بَغَى عَلَيْهَا وَلَدُهَا أَوْ كَانَ اعْتِرَافٌ فَالْإِمَامُ أَوَّلُ مَنْ يَرْجُمُ، فَإِنْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَوَّلُ مَنْ يَرْجُمُ الشهود".
بغى عليها ولدها، يعني حملت، حبلت من الزنى، وبغي الولد بظهور أمرها وانتشاره وفضيحتها بسبب الحمل.
"وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: لَمَّا أَتَى مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ إلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهُ: «لَعَلَّك قَبَّلْت أَوْ غَمَزْت» بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمِيمِ فَزَايٍ، فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ فُسِّرَ الْغَمْزُ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ بِالْإِشَارَةِ كَالرَّمْزِ بِالْعَيْنِ وَالْحَاجِبِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ هُنَا الْجَسُّ بِالْيَدِ؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: أَوْ لَمَسْت عِوَضًا عَنْهُ «أَوْ نَظَرْت قَالَ: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم".
يعني كأنه فهم من الزنى يعني باعتبار هذه الاستفصالات؛ خشية أن يكون فهم من الزنى معناه الأعم، فالعين تزني، والأذن تزني، والرجل تزني، لكن الذي يترتب عليها حد ما يصدق ذلك وهو الفرج.
"وَالْمُرَادُ اسْتِفْهَامُهُ هَلْ هُوَ أَطْلَقَ لَفْظَ الزِّنَى عَلَى أَيِّ هَذِهِ مَجَازًا، وَأن ذَلِكَ كَمَا جَاءَ «الْعَيْنُ تَزْنِي، وَزِنَاهَا النَّظَرُ»، وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى التَّثَبُّتِ، وَتَلْقِينِ الْمُسْقِطِ لِلْحَدِّ".
التلقين المثبت. ما فيه إشكال.
"والتلقين المسقط للحد، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ فِي الزِّنَى بِاللَّفْظِ الصَّرِيحِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ ذَلِكَ".
يكفي. قف على هذا.
اللهم صل على محمد.
طالب:...
الأصل أنه لا يقبل ما دام شرع في تنفيذ الحد ثبت عند الإمام أنه لا يُقبَل، هلا تركتموه، من الأصل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- بالنسبة لماعز غير مرتاح إلى رجمه، رجل جاء تائبًا مقدمًا نفسه للحد، فمثل هذا يتجاوز عنه ما لا يتجاوز عمن لا يشبهه في هذه الحالة.
طالب:...
الحاكم إذا ثبت عنده الحد فلا يجوز أن يرجع عنه بحال، فإن عفا فلا عفا الله عنه.