كتاب الجهاد من سبل السلام (10)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نعم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
قال- رحمه الله تعالى- في البلوغ وشرحه، في كتاب الجهاد: باب الجزية والهدنة:
"الْأَظْهَرُ أَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْإِجْزَاءِ لِأَنَّهَا.."
الأظهر في الجزية أنَّها مأخوذة.
"الأظهر في الجزية أنَّها مأخوذة من الإجزاء؛ لأنَّها تَكْفِي مَنْ تُوضَعُ عَلَيْهِ فِي عِصْمَةِ دَمِهِ، وَالْهُدْنَةُ هِيَ مُتَارَكَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ مُدَّةً مَعْلُومَةً لِمَصْلَحَةٍ، وَمَشْرُوعِيَّةُ الْجِزْيَةِ سَنَةَ تِسْعٍ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَقِيلَ: سَنَةِ ثَمَانٍ.
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ النبي.."
والجزية منصوص عليها في كتاب الله {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [سورة التوبة:29]. وأمَّا بالنسبة للهدنة والصلح فأصلها صلح الحديبية.
"عن عبد الرحمن بن عوف أنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- أَخَذَهَا- يَعْنِي الْجِزْيَةَ- مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَلَهُ طَرِيقٌ فِي الْمُوَطَّأِ فِيهَا انْقِطَاعٌ".
يعني جاء في المجوس على وجه الخصوص أنَّهم يُسنُّ بهم سُّنَّة أهل الكتاب، فتؤخذ منهم الجزية، لكن لا تؤكل ذبائحهم، ولا تُنكح نساؤهم، يعني ليسوا من أهل الكتاب من كل وجه، إنَّما في إبقائهم على دينهم بالجزية، على خلاف بين أهل العلم في باقي الديانات.
"وَهِيَ مَا أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ الْبَحْرَيْنِ."
وهجر والبحرين متقاربان، هجر الأحساء والبحرين كذلك، كان القطر المسمى بالبحرين أعم من البحرين التي هي الجزيرة في شرق الجزيرة كله تابع للبحرين، كان يُطلق عليها البحرين.
طالب: ..........
ماذا فيه؟
طالب: .........
البحرين جزيرة.
"قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ شِهَابٍ: إنَّمَا أَخَذَ حَدِيثَه عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَابْنُ الْمُسَيِّبِ حَسَنُ الْمُرْسَلِ، وَهَذَا الِانْقِطَاعُ.."
إرساله حسن كما يقول الإمام الشافعي- رحمه الله-: إرسال ابن المسيب عندنا حسن.
أحسن الله إليكم.
"وهذا الانقطاع هو الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ. وَأَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عوف أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ذَكَرَ الْمَجُوسَ فَقَالَ: لَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ فِي أَمْرِهِمْ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ». وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَمَّا خَرَجَ قُلْت لَهُ: مَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ فِيكُمْ؟ قَالَ: شَرًّا، قُلْت: مَهْ، قَالَ: الْإِسْلَامُ أَوْ الْقَتْلُ. قَالَ وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ قَبِلَ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَأَخَذَ النَّاسُ بِقَوْلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَتَرَكُوا مَا سَمِعْت أنا.
قُلْت: لِأَنَّ رِوَايَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْصُولَةٌ وَصَحِيحَةٌ وَرِوَايَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ هِيَ عَنْ مَجُوسِيٍّ لَا تُقْبَلُ اتِّفَاقًا."
لأنَّ ابن عباس سأله- سأل المجوسي- فقال: ما قضى الله ورسوله فيكم؟ قال: شرًا. قلت: مه، قال: الإسلام أو القتل، هذا مجوسي لا يقبل قوله، ولا يُعتمد عليه، وقد يكون فهمه مثل فهم الذي فهم أننا نأوِّل اليد، فلذلك ما يؤخذ الكلام إلا بعد تثبت وتأكد، والضبط الآن دخله من الخلل ما دخله، كم نسمع من فتاوى تُنقل عن أهل العلم، أو من نقول تُنقل من الكتب، ثم في النهاية نجد الخلل في إسقاط حرف النفي أو إثباته، أو زيادته.
أحسن الله إليك.
"وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْمُغِيرَةِ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ مَعَ فَارِسَ وَقَالَ فِيهِ: فَأَمَرَنَا نَبِيُّنَا- صلى الله عليه وسلم- أَنْ نُقَاتِلَكُمْ حَتَّى تَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ أَوْ تُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ، وَكَانَ أَهْلُ فَارِس مَجُوسًا. فَدَلَّتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ عَلَى أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ الْمَجُوسِ عُمُومًا وَمِنْ أَهْلِ هَجَرَ خُصُوصًا، كَمَا دَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى أَخْذِهَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَفِي امْتِنَاعِ عُمَرَ مِنْ أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ الْمَجُوسِ حَتَّى شَهِدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ رَأْيَ الصَّحَابَةِ أَنْ لَا تُؤْخَذَ الْجِزْيَةُ مِنْ كُلِّ مُشْرِكٍ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَوْزَاعِيُّ، وَإِنَّمَا تُقْبَلُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَعْنَى الَّذِي لأَجْلِهِ أُخِذَتْ الْجِزْيَةُ. فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي أَغْلَبِ قَوْلَيْهِ إلَى أَنَّهَا إنَّمَا قُبِلَتْ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ.."
وأمرهم وإن كانوا كفارًا بالإجماع أخف من أمر المشركين؛ لأنَّ أهل الكتاب فيهم شرك. وأمَّا المشركون فأمرهم أعظم، وإن كان أهل الكتاب كفارًا؛ لئلا يُظن أنَّ أهل الكتاب فيهم خير أكثر من الكفار، لا، لكنهم أقرب؛ لأنَّهم يؤمنون بالله- جلَّ وعلا- وإن كانوا كفارًا، وأهل العلم يقولون: هم كفارٌ بالإجماع، ومن شكَّ في كفرهم كفر، البعض منهم ينقل الإجماع على كفرهم نسأل الله السلامة والعافية، لا يُحسَّن بهم الظن، لكن مع ذلك هم أخف من حيث الأحكام، تؤخذ منهم الجزية بالاتفاق، وتُنكح نساؤهم، وتؤكل ذبائحهم.
أحسن الله إليك.
"وروي ذلك عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. وَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إنَّهُمْ لَيْسُوا أهل كتاب".
ليسوا، ليسوا.
أحسن الله إليك.
"قال أكثر أهل العلم: إنَّهم ليسوا أهل كتاب".
ليسوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ.
"إنَّهم ليسوا من أهل الكتاب، وَإِنَّمَا أخذ الْجِزْيَةُ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِالْكِتَابِ وَمِنْ الْمَجُوسِ بِالسُّنَّةِ. انْتَهَى."
ما معنى هذا الكلام؟
القارئ: بدلالة الكتاب يا شيخ.
إنَّما قُبِلت منهم؛ لأنَّهم من أهل الكتاب، هذا الكلام الأول.
القارئ: نعم.
وروي ذلك عن علي بن أبي طالب- رضي الله عنه-، هذا ما يحتاج إلى تدليل؛ لأنَّ نص الآية في أهل الكتاب، خاصة في أهل الكتاب، والتعليل بنفس المُدَّعَى ما يتم، أُخِذت منهم؛ لأنَّهم أهل كتاب، والنص فيهم، والحكم فيهم، يعني العلة غير الحكم، العلة علة الحكم غيره، ثم بعد ذلك قال: وقال أكثر أهل العلم: إنَّهم ليسوا من أهل الكتاب، ماذا عندك؟
القارئ: ليسوا أهل كتاب.
من هم؟ يقصد المجوس؟
القارئ: نعم.
من أهل العلم من يقول: إنَّ لهم شُبهة كتاب، لهم شُبهة كتاب؛ ولذا قيل: «سنوا بهم سُنَّة أهل الكتاب».
وعلى كل حال النص هو القاضي في ذلك، الذي في البخاري أخذ الجزية من مجوس هجر، هذا الحكم. انتهينا، وهذا دليله، فلا نحتاج إلى خلاف في العلة، وما أهل الكتاب، وعندهم شُبهة كتاب، هذا كله لا قيمة له.
أحسن الله إليك.
"قُلْت: قد قَدَّمْنَا لَك أَنَّ الْحَقَّ أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْ كُلِّ مُشْرِكٍ، كَمَا دَلَّ لَهُ حَدِيثُ بُرَيْدَةَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِي قَوْلِهِ: «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» مَا يُشْعِرُ أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَابٍ. وَيَدُلُّ لِمَا قَدَّمْنَاهُ حديث عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ، هُوَ أَبُو عَمْرٍو عَاصِمُ بْنُ عُمَر بْنِ الْخَطَّابِ الْعَدَوِيُّ الْقُرَشِيُّ. وُلِدَ قَبْلَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- بِسَنَتَيْنِ، وَكَانَ وَسِيمًا جَسِيمًا خَيِّرًا فَاضِلًا شَاعِرًا، مَاتَ سَنَةَ سَبْعِينَ قَبْلَ مَوْتِ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بِأَرْبَعِ سِنِينَ؛ وَهُوَ جَدُّ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِأُمِّهِ، رَوَى عَنْهُ أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ أَنَسٍ أَيْ ابْنِ مَالِكٍ وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَيْ ابْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمِ الْقُرَشِيِّ الْمَكِّيِّ، سَمِعَ أَبَاه وأبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَامِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَغَيْرَهُمْ.
أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- بَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إلَى أُكَيْدِرِ بِضَمِّ (الْهَمْزَةِ) بَعْدَ (الْكَافِ) مُثَنَّاةٌ تَحْتِيَّةٌ (فَدَالٌ) مُهْمَلَةٌ (فَرَاءٌ)، دُوْمَةِ بِضَمِّ (الدَّالِ) الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ (الْوَاوِ)، وهي دُوْمَةُ الْجَنْدَلِ اسْمُ مَحَلٍّ فَأَخَذُوهُ وَأَتَوْا بِهِ فَحَقَنَ دَمَهُ وَصَالَحَهُ عَلَى الْجِزْيَةِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ أُكَيْدِرُ دُوْمَةَ رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ يُقَالُ: مِنْ غَسَّانَ. فَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أنَّ أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ الْعَرَبِ كَجَوَازِهِ مِنْ الْعَجَمِ، انْتَهَى.
قُلْت: فَهُوَ مِنْ أَدِلَّةِ مَا قَدَّمْنَاهُ، وَكَانَ- صلى الله عليه وسلم- بَعَثَ خَالِدًا مِنْ تَبُوكَ، وَالنَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- بِهَا فِي آخِرِ غَزْوَةٍ غَزَاهَا وَقَالَ لِخَالِدٍ: «إنَّك تَجِدُهُ يَصِيدُ الْبَقَرَ»، فَمَضَى خَالِدٌ حَتَّى إذَا كَانَ مِنْ حِصْنِهِ بِمُبْصِرِ الْعَيْنِ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ أَقَامَ وَجَاءَتْ بَقَرُ الْوَحْشِ حَتَّى حَكَّتْ قُرُونَهَا بِبَابِ الْقَصْرِ، فَخَرَجَ إلَيْهَا أُكَيْدِرُ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ خَاصَّتِهِ فَتَلَقَّتْهُمْ خيل رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَأَخَذُوا أُكَيْدِرَ وَقَتَلُوا.."
خيل أم جند؟
القارئ: خيل يا شيخ.
ماذا عندكم؟
ماذا عندك؟ أخذتهم جُند رسول الله.
أحسن الله إليك.
"وقتلوا أَخَاهُ حَسَّان،َ فَحَقَنَ رَسُولُ اللَّهِ دَمَهُ، وَكَانَ نَصْرَانِيًّا، وَاسْتَلَبَ خَالِدٌ مِنْ حَسَّانَ قبَاءَ دِيبَاجٍ مُخَوَّصًا بِالذَّهَبِ، وَبَعَثَ بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَأَجَار خَالِدٌ أُكَيْدِرَ مِنْ الْقَتْلِ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- عَلَى أَنْ يَفْتَحَ لَهُ دوْمَةَ الْجَنْدَلِ، فَفَعَلَ، وَصَالَحَهُ عَلَى أَلْفَيْ بَعِيرٍ وَثَمَانِمِائَةِ رَأْسٍ وَأَلْفَيْ دِرْعٍ وَأَرْبَعِمِائَةِ رُمْحٍ، فَعَزَلَ لرَسُول اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- صَفِيَّه خَالِصًا.."
صفيَّه.
أحسن الله إليك.
"فعزل لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- صفيَّه خالصًا، ثُمَّ قَسَمَ الْغَنِيمَةَ.. الحديث، وَفِيهِ أَنَّهُ قَدِمَ خَالِدٌ بِأُكَيْدِرٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَدَعَاهُ إلَى الْإِسْلَامِ فَأَبَى، فَأَقَرَّهُ عَلَى الْجِزْيَةِ.
وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- إلَى الْيَمَنِ، وَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ عِدْلَهُ (بِالْعَيْنِ) الْمُهْمَلَةِ مَفْتُوحَةً وَتُكْسَرُ، الْمِثْلُ وَقِيلَ: بِالْفَتْحِ مَا عَادَلَهُ مِنْ جِنْسِهِ، وَبِالْكَسْرِ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ، وَقِيلَ بِالْعَكْسِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ ثُمَّ (دَالٌ) مُهْمَلَةٌ. مُعَافِرِيًّا بِفَتْحِ (الْمِيمِ).."
مَعافريًا.
"مَعافريًا بفتح (الميم)، (فَعَيْنٌ) مُهْمَلَةٌ بَعْدَهَا (أَلِفٌ فَفَاءٌ وَرَاءٌ) بَعْدَهَا(يَاءُ) النِّسْبَةِ إلَى مَعَافِرَ، وَهِيَ بَلَدٌ بِالْيَمَنِ تُصْنَعُ فِيهَا الثِّيَابُ، فَنُسِبَتْ إلَيْهَا، فَالْمُرَادُ أَوْ عِدْلَهُ ثَوْبًا مَعَافِرِيًّا. أَخْرَجَهُ الثَّلَاثَةُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَذُكِرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ رَوَاهُ مُرْسَلًا، وَأَنَّهُ.."
الثلاثة هم الأربعة عدا ابن ماجه، أبو داود والترمذي والنسائي.
"وَذُكِرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ رَوَاهُ مُرْسَلًا، وَأَنَّهُ أَصَحُّ، وَأَعَلَّهُ ابْنُ حَزْمٍ بِالِانْقِطَاعِ، وأَنَّ مَسْرُوقًا لَمْ يَلْقَ مُعَاذًا، وَفِيهِ نَظَرٌ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: إنَّهُ مُنْكَرٌ، قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَانَ يُنْكِرُ هَذَا الْحَدِيثَ إنْكَارًا شَدِيدًا. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إنَّمَا الْمُنْكَرُ رِوَايَةُ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ مُعَاذٍ، فَأَمَّا رِوَايَةُ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ، فَإِنَّهَا مَحْفُوظَةٌ قَدْ رَوَاهَا عَنْ الْأَعْمَشِ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَشُعْبَةَ وَمَعْمَرٌ وجرير وَأَبُو عَوَانَةَ وَيَحْيَى بْنُ سعيد وَحَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ.."
ويحيى؟ أين؟
طالب: .........
كيف جرير؟
قد رواه عن الأعمش جماعة منهم..
"سفيان الثوري، وشعبة ومعمر وجرير وأبو عوانة ويحيى بن سعيد".
سعيد أو شعبة، يحيى بن..
القارئ: يحيى بن سعيد.
طالب: .........
وطبعتك؟
طالب: ....
حلاق، يحيى بن؟
طالب: ..........
"وحفص بن غياث. قَالَ بَعْضُهُمْ عَنْ مُعَاذٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ أَوْ مَعْنَاهُ.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى تَقْدِيرِ الْجِزْيَةِ بِالدِّينَارِ مِنْ الذَّهَبِ عَلَى كُلِّ حَالِمٍ، أَيْ بَالِغٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: مُحْتَلِمٍ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ سَوَاءٌ كَانَ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ الدِّينَارُ مِمَّنْ ذُكِرَ فِي السُّنَةِ."
يعني ذُكر في السنة.
أحسن الله إليك. صحيح يا شيخ.
"ممن ذُكِرَ في السنة، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ.."
وهل هذا المقدار توقيفي بحيث لا يُزاد عليه، أو يُزاد ويُنقص بحسب الظروف والأحوال، لا شك أنَّ الدنيا تُفتح على الناس أحيانًا، وتُضيَّق عليهم أحيانًا، فقد يكون الدينار شاقًا في بعض الأزمان، في بعض الأماكن، وقد يكون سهلًا ميسورًا فيُزاد، فلا يُشق عليهم، ولا يُكلَّفون ما لا يطيقون، لكن مع ذلك يؤخذ ما يدعوهم ويحثهم إلى الإسلام.
أحسن الله إليك.
"وإلى هذا ذهب الشافعي، فَقَالَ: أَقَلُّ مَا يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ دِينَارٌ على كُلِّ حَالِمٍ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ فَقَالَ: الْجِزْيَةُ دِينَارٌ أَوْ عِدْلُهُ مِنْ الْمَعَافِرِيِّ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَا يُنْقَصُ، إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ جَعَلَ ذَلِكَ حَدًّا فِي جَانِبِ الْقِلَّةِ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فَتَجُوزُ؛ لِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- صَالَحَ أَهْلَ نَجْرَانَ عَلَى أَلْفَيْ حُلَّةٍ النِّصْفُ فِي مُحَرَّمٍ، وَالنِّصْفُ فِي رَجَبٍ يُؤَدُّونَهَا إلَى الْمُسْلِمِينَ، وَعَارِيَّةِ ثَلَاثِينَ دِرْعًا وَثَلَاثِينَ فَرَسًا، وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا وثَلَاثِينَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ السِّلَاحِ يَغْزُو بِهَا الْمُسْلِمُونَ ضَامِنِينَ لَهَا حَتَّى يَرُدُّوهَا عَلَيْهِمْ إنْ كَانَ بِالْيَمَنِ كَيْدٌ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: سَمِعْت بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ يَذْكُرُ أَنَّ قِيمَةَ مَا أَخَذُوا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ أَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ عُمَرُ، فَإِنَّهُ أَخَذَ زَائِدًا عَلَى الدِّينَارِ، وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَى أَنَّهُ لَا تَوْقِيفَ فِي قدر الْجِزْيَةِ، لا فِي الْقِلَّةِ وَلَا فِي الْكَثْرَةِ، وَأَنَّ ذَلِكَ مَوْكُولٌ إلَى نَظَرِ الْإِمَامِ، وَيَجْعَلُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ مَحْمُولَةً عَلَى التَّخْيِيرِ وَالنَّظَرِ فِي الْمَصْلَحَةِ.
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّها لَا تُؤْخَذُ مِنْ الْأُنْثَى؛ لِقَوْلِهِ: حَالِمٍ، قَالَ فِي نِهَايَةِ الْمُجْتَهِدِ:.."
مر بنا مرارًا أنَّ اسمه الصحيح بداية المجتهد ونهاية المقتصد.
"وقال في بداية المجتهد: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْجِزْيَةُ إلَّا بِثَلَاثَةِ أَوْصَافٍ: الذُّكُورَةِ، وَالْبُلُوغِ، وَالْحُرِّيَّةِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَجْنُونِ والْمُقْعَدِ وَالشَّيْخِ وَأَهْلِ الصَّوَامِعِ وَالكبير والْفَقِيرِ، قَالَ: وَكُلُّ هَذِهِ مَسَائِلُ اجْتِهَادِيَّةٌ لَيْسَ فِيهَا تَوْقِيفٌ شَرْعِيٌّ، وقَالَ: وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ هَلْ يُقْتَلُونَ أَمْ لَا؟"
الجزية هي خيار وبديل عن القتل، وهؤلاء لا يُقتلون، المجنون، ولا المُقعد، ولا الشيخ الكبير الفاني، ولا الرهبان في صوامعهم ولا النساء ولا الصبيان، كل هؤلاء لا يُقتلون، ذلك يدل على أنَّ الجزية لا تؤخذ منهم، إنَّما تؤخذ من المقاتلة.
طالب: ............
المقصود أنَّه يأخذ، يقرر عليهم ما ينتفع به المسلمون، أو يكون حاديًا للكفار على الإسلام بما لا يضرهم، ولا يشق عليهم؛ لأنَّ الإسلام كما يأتي بمصلحة طرف لا يهم مصلحة الطرف الآخر.
طالب: ..........
ضامنين لهذه العواري، المسلمون نعم، العارية عارية ثلاثين درعًا، وثلاثين فرسًا، عارية مستردة.
القارئ: إضافة إلى الجزية يا شيخ.
إضافة إلى الجزية، نعم.
أحسن الله إليك.
"وسبب اختلافهم هل يُقتلون أم لا؟ اهـ. هَذَا وَأَمَّا رِوَايَةُ الْبَيْهَقِيّ عَنْ الْحَكَمِ بن عُتَيْبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- كَتَبَ إلَى مُعَاذٍ بِالْيَمَنِ: «عَلَى كُلِّ حَالِمٍ أَوْ حَالِمَةٍ دِينَارٌ أَوْ قِيمَتُهُ» فهو مُنْقَطِعٌ، وَقَدْ وَصَلَهُ أَبُو شَيْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ: «فَعَلَى كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ عِدْلُهُ مِنْ الْمَعَافِرِ..»".
دينارٌ.
أحسن الله إليك.
"«فعلى كل حالم دينار أو عدله من المعافر ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ دِينَارٌ وافٍ أَوْ عِوَضُهُ مِنْ الثِّيَابِ». لَكِن قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَبُو شَيْبَةَ ضَعِيفٌ. وَفِي الْبَابِ عَنْ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَلَكِنَّهُ مُنْقَطِعٌ، وَعَنْ عُرْوَةَ وَفِيهِ انْقِطَاعٌ، وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ مُعَاذٍ، وَفِيهِ: وَحَالِمَةٍ، لَكِنْ قَالَ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ: إنَّ مَعْمَرًا إذَا رَوَى عَنْ غَيْرِ الزُّهْرِيِّ يغلط كَثِيرًا. وَبِهِ يُعْرَفُ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ الْأُنْثَى حَدِيثٌ يُعْمَلُ بِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ خَالِدٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عمر بْنِ مُسْلِمٍ وَعَدَدًا مِنْ علماء أهل.."
عمر أم عمرو؟
القارئ: عمرو، أحسن الله إليك.
"وعبد الله بن عمرو بن مسلم، وعددًا من علماء أهل المدينة، وَكُلُّهُمْ حَكَوْا.."
المدينة أم اليمن؟
القارئ: عددًا من علماء أهل المدينة عندي.
عندنا اليمن.
طالب: ..........
ماذا؟
طالب: ..........
لا، هو قال عندنا: وعددًا من علماء أهل اليمن. المدينة عندك؟
القارئ: نعم.
العبرة طبعة الحلاق الأخيرة زينة، آخر طبعة هذه؟
طالب: ..........
نفس الطبعة التي معك.
طالب: ..........
لا لا، ما تصح.
طالب: ..........
ماذا؟
طالب: ..........
الآن هؤلاء الذين ذكرهم من أهل اليمن أم من أهل المدينة؟ محمد بن خالد، عبد الله بن عمرو بن مسلم، وعددًا لا يلزم أن يكون هؤلاء من أهل المدينة أو اليمن، وعددًا من علماء أهل اليمن، وكلهم حكوا القصة كلها في اليمن، هي القصة في اليمن، وسيأتي ما يؤيد أنَّها اليمن.
أحسن الله إليك.
"وكلهم حكوا عَنْ عَدَدٍ مَضَوْا قَبْلَهُمْ يَحْكُونَ عَنْ عَدَدٍ مَضَوْا قَبْلَهُمْ، كُلُّهُمْ ثِقَةٌ أَنَّ صُلْحَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- كَانَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ بِالْيَمَنِ عَلَى كل دِينَارٍ كُلَّ سَنَةٍ.."
على، على.
"كان لأهل الذمة باليمن على دينار كل سنة".
نعم.
"وَلَا يُثْبِتُونَ أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ مِمَّنْ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ، وَقَالَ عَامَّتُهُمْ: وَلَمْ تؤْخَذْ مِنْ زُرُوعِهِمْ، وَقَدْ كَانَ لَهُمْ زُرُوعٌ وَلَا مِنْ مَوَاشِيهِمْ شَيْئًا عَلِمْنَاهُ، قَالَ: وَسَأَلْت عَدَدًا كثيرًا مِنْ ذِمَّةِ أَهْلِ الْيَمَنِ مُتَفَرِّقِينَ فِي بُلْدَانِ الْيَمَنِ، فَكُلُّهُمْ أَثْبَتَ لِي- لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُهُمْ- أَنَّ مُعَاذًا أَخَذَ مِنْهُمْ دِينَارًا عَنْ كُلِّ بَالِغٍ مِنْهُمْ، وَسَمَّوْا الْبَالِغَ حَالِمًا، قَالُوا: وَكَانَ ذلك فِي كِتَابِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- مَعَ مُعَاذٍ: «إنَّ عَلَى كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا».
وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ هَذَا وَحَدِيثِ بُرَيْدَةَ الْمُتَقَدِّمِ.."
لكن لماذا لا يؤخذ من النساء جزية؟
لِما ذكرنا أنَّ النساء لا تُقتل في الجهاد والحرب، فلا يؤخذ بديل القتل وهو الجزية. الأمر الثاني أنَّ المرأة ليست من أهل الكسب، هذا هو الأصل فيها، ليست من أهل الكسب، لكن في الأزمان المتأخرة كثير من النساء فاق الرجال في الكسب، فهل يتجه الأخذ منهم؟ يعني في تعشير الأموال هذا ما فيه إشكال، أنَّه يؤخذ من المرأة إذا تاجرت بمالها في بلاد المسلمين يؤخذ منها العشر كالرجل؛ لأنَّ هذا منوط بالتجارة، وهي من أهلها، بخلاف ما كان بديلًا عن القتل وهي ليست من أهله.
طالب: أحسن الله إليك، إذا وجدت في صفوف الجيش؟
المقاتل يُقتل، المقاتل يُقتل.
أحسن الله إليك.
"واعلم أَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ هَذَا وَحَدِيثِ بُرَيْدَةَ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ يَجِبُ قَبُولُ الْجِزْيَةِ مِمَّنْ بَذَلَهَا، وَيَحْرُمُ قَتْلُهُ، وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ} [سورة التوبة:29] الْآيَةَ، أَنَّهُ يَنْقَطِعُ الْقِتَالُ الْمَأْمُورُ بِهِ فِي صَدْرِ الْآيَةِ مِنْ قَوْله: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} [سورة التوبة:29] بِإِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ، وَأَمَّا جَوَازُهُ وَعَدَمُ قَبُولِ الْجِزْيَةِ فَتَدُلُّ الْآيَةُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ الْقِتَالِ عِنْدَ حُصُولِ الْغَايَةِ، وَهُوَ إعْطَاءُ الْجِزْيَةِ، فَيَحْرُمُ قِتَالُهُمْ بَعْدَ إعْطَائِهَا.
وَعَنْ عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو الْمُزَنِيِّ عَنْ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى». أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.
فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عُلُوِّ أَهْلِ الْإِسْلَامِ عَلَى أَهْلِ الْأَدْيَانِ فِي كُلِّ أَمْرٍ لِإِطْلَاقِهِ، فَالْحَقُّ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ إذَا عَارَضَهُمْ غَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ، كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي إلْجَائِهِمْ إلَى مَضَايِقِ الطُّرُقِ، وَلَا يَزَالُ دِينُ الْحَقِّ يَزْدَادُ عُلُوًّا، وَالدَّاخِلُونَ فِيهِ أَكْثَرُ فِي كُلِّ عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ."
لكن لا يعني هذا أنَّهم يتعالون على غيرهم، ويظلمونهم، ولا يقبلون الحق ممن جاء به باعتبار أنَّ ناقل الحق غير مسلم، بحجة أنَّ الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه، بحيث لو اختصم مسلم مع غير مسلم يُحكم للمسلم مطلقًا باعتبار أنَّ الإسلام يعلو، لا، هذا هو الظلم، والإسلام دين العدل.
طالب: ..........
بعض.
طالب: .........
هو الكلام والعقود إنَّما تُبرم مع رؤوسهم، المخاطب بذلك رأسهم المسوَّد عليهم، فإن استطاع أن يأخذ من كلهم وإلا نظر الإمام في المصلحة، والمصالح في هذا مقدَّرة، يعني هل تتصور أنَّ الأُمَّة في حال ضعفها مُلزمة بأخذ الجزية وهي عاجزة عن.. ؟
طالب: ........
في حال القدرة، مع القدرة على ذلك، مع أنَّ ممن كتب ممن يسمونهم التنويرين وغيرهم ومن يُحكِّم عقله يقول: الجزية ما لها داعٍ، خلاص، الجزية رمز لعهد مضى، والظروف والأحوال لها أحكامها، فلا معنى لإبقاء حكم، ألم يبقَ الحكم ولا يغير ولا يُتعرض له، لكن يبقى تنفيذه بحسب القدرة والاستطاعة، الحكم الشرعي ما يتغير، كتب في الصحف.
طالب: .........
لا، ما تؤخذ من كل فرد، غلط.
طالب: .........
ماذا؟
طالب: .........
على كل حال لابد من شيء، من آلية تضبط الأمر، ما قلنا: الناس يدوِّرون هؤلاء في بيوتهم ويتتبعونهم والمسألة مسألة حرب.
أحسن الله إليك.
"وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ، وَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إلَى أَضْيَقِهِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ ابْتِدَاءِ الْمُسْلِمِ لِلْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ بِالسَّلَامِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَصْلُ النَّهْيِ، وَحَمْلُهُ عَلَى الْكَرَاهَةِ خِلَافُ أَصْلِهِ، وَعَلَيْهِ حَمَلَهُ الْأَقَلُّ، وَإِلَى التَّحْرِيمِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى جَوَازِ الِابْتِدَاءِ لَهُمْ بِالسَّلَامِ، وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ الْمَازِرِيُّ إنَّهُ يُقَالُ: السَّلَامُ عَلَيْك بِالْإِفْرَادِ، وَلَا يُقَالُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [سورة البقرة: 83]، وَأَحَادِيثُ الْأَمْرِ بِإِفْشَاءِ السَّلَامِ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذِهِ الْعُمُومَاتِ مَخْصُوصَةٌ بِحَدِيثِ الْبَابِ، وَهَذَا إذَا كَانَ الذِّمِّيُّ مفردًا."
مُنْفَرِدًا.
أحسن الله إليك.
"وهذا إذا كان الذمي منفردًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَعَهُ مُسْلِمٌ جَازَ الِابْتِدَاءُ بِالسَّلَامِ يَنْوِي بِهِ الْمُسْلِمَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ النبي- صلى الله عليه وسلم- سَلَّمَ عَلَى مَجْلِسٍ فِيهِ أَخْلَاطٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُسْلِمِينَ.
وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: «لَا تَبْدَءُوا» أَنَّهُ.."
لكنه يقصد بذلك المسلم، لكن إذا وجدت مسلمًا وكافرًا فقط، هل تقول: السلام عليكم، أم تقول: السلام عليك؟
القارئ: السلام عليك.
عليك، تقصد به المسلم.
طالب: بعضهم يقول إذا سلم على ....
لا لا، هذا تغليب لجانب الكفار، والأصل أن يغالب بجانب المسلمين يُقال: السلام عليك.
طالب: ...........
في كل ما يُمكن، ما لا يقتضي ظلمًا.
طالب: ومنها الطريق الحسي.
الطريق الحسي فيه هو الأصل.
أحسن الله إليك.
"ومَفْهُومُ قَوْلِهِ: «لَا تَبْدَءُوا» أَنَّهُ لَا يَنْهَى عَنْ الْجَوَابِ عَلَيْهِمْ إنْ سَلَّمُوا، وَيَدُلُّ لَهُ عُمُومُ قَوْله تَعَالَى: {فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [سورة النساء: 86]، وَأَحَادِيثُ «إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ»، وَفِي رِوَايَةٍ: «إنَّ الْيَهُودَ إذَا سَلَّمُوا عَلَيْكُمْ يَقُولُ أَحَدُهُمْ: السَّامُ عَلَيْكُمْ، فَقُولُوا: وَعَلَيْك»."
يعني بذلك الموت، السام الموت.
"وَفِي رِوَايَةٍ «قُلْ: وَعَلَيْك»، أَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ.
وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلَكِنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى قَوْلِهِ: «وَعَلَيْكُمْ»، وَهُوَ هَكَذَا (بِالْوَاوِ) عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَاتٍ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: عَامَّةُ الْمُحَدِّثِينَ يَرْوُونَ هَذَا الْحَرْفَ (بِالْوَاوِ)، قَالُوا: وَكَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ يَرْوِيهِ بِغَيْرِ (الْوَاوِ). قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا هُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَذفَ (الواو) صَارَ كَلَامُهُ بِعَيْنِهِ مَرْدُودًا عَلَيْهِمْ خَاصَّةً وَإِذَا أَثْبَتَ (الْوَاوَ) اقْتَضَى الْمُشَارَكَةَ مَعَهُمْ فِيمَا قَالُوه.
وقَالَ النَّوَوِيُّ:.."
يعني هذا السام الذي دعوتم به علينا هو علينا وعليكم، لكن إذا حُذِفت (الواو) صار عليكم خاصة.
"وقال النووي: إثْبَاتُ (الْوَاوِ) وَحَذْفُهَا جَائِزٌ إنْ صَحَّتْ الرواية به، فَإِنَّ (الْوَاوَ) وَإِنْ اقْتَضَتْ الْمُشَارَكَةَ فَالْمَوْتُ هُوَ عَلَيْنَا وَعَلَيْهِمْ فَلَا امْتِنَاعَ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى إلْجَائِهِمْ إلَى مَضايقِ الطُّرُقِ إذَا اشْتَرَكُوا هُمْ وَالْمُسْلِمُونَ فِي الطَّرِيقِ، فَيَكُونُ طريقهم الضيق، والأوسع لِلْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ خَلَتْ الطَّرِيقُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِمْ، وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ الْيَهُودُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ مِنْ تَعَمُّدِ جَعْلِ الْمُسْلِمِ عَلَى يَسَارِهِمْ إذَا لَاقَاهُمْ فِي الطَّرِيقِ فَشَيْءٌ ابْتَدَعُوهُ لَمْ يُرْوَ فِيهِ شَيْءٌ، وَكَأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ التَّفَاؤُلَ بِأَنَّهُمْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، فَيَنْبَغِي مَنْعُهُمْ مِمَّا يَتَعَمَّدُونَهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِشِدَّةِ مُحَافَظَتِهِمْ عَلَيْهِ وَمُضَادَّةِ الْمُسْلِمين.
وَعَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- خَرَجَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ.. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ هَكَذَا فِي نُسَخِ بُلُوغِ الْمَرَامِ بِإِفْرَادِ ضمير (ذَكَرَ)، وَكَانَ الظَّاهِرُ (فَذَكَرَا) بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ لِيَعُودَ إلَى الْمِسْوَرِ وَمَرْوَانَ.."
لأنَّه يعود إلى اثنين، فذكرا.
أحسن الله إليك.
"وَكَأَنَّهُ أَرَادَ فَذَكَرَ الرَّاوِي. بِطُولِهِ وَفِيهِ: هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ عَشْرَ سِنِينَ يَأْمَنُ فِيهَا النَّاسُ، وَيَكُفُّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَأَصْلُهُ فِي الْبُخَارِيِّ، الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْمُهَادَنَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَعْدَائِهِمْ والْمُشْرِكِينَ مُدَّةً مَعْلُومَةً لِمَصْلَحَةٍ يَرَاهَا الْإِمَامُ وَإِنْ كَرِهَ ذَلِكَ.."
مدة معلومة طالت أو قصرت، لكنه لا يجوز أن يُبرم الصلح والعهد إلى الأبد؛ لأنَّه ما يُدرى يمكن أن تتغير حال المسلمين، فيتغير الحكم.
أحسن الله إليك.
"وَأَعْدَائِهِمْ والْمُشْرِكِينَ مُدَّةً مَعْلُومَةً لِمَصْلَحَةٍ يَرَاهَا الْإِمَامُ وَإِنْ كَرِهَ ذَلِكَ أَصْحَابُهُ فَإِنَّهُ ذُكِرَ فِي الْمُهَادَنَةِ مَا يُفِيدُهُ الْحَدِيثُ التالي وَهُوَ قَوْلُهُ: وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ بَعْضَهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَفِيهِ أَنَّ مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكُمْ، وَمَنْ جَاءَكُمْ مِنَّا رَدَدْتُمُوهُ عَلَيْنَا، أَيْ مَنْ جَاءَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَى كُفَّارِ مَكَّةَ لَمْ يَرُدُّوهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَنْ جَاءَه مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ إلَيْهِ- صلى الله عليه وسلم- رَدَّهُ إلَيْهِمْ، فَكَرِهَ الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ، فَقَالُوا: أَتَكْتُبُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ، مَنْ ذَهَبَ مِنَّا إلَيْهِمْ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، وَمَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ فَسَيَجْعَلُ اللَّهُ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا»، فَإِنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- كُتِبَ هَذَا الشَّرْطُ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ كَرَاهَةِ أَصْحَابِهِ لَهُ، وَالْحَدِيثُ طَوِيلٌ، سَاقَهُ أَئِمَّةُ السِّيَرِ فِي قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَاسْتَوْفَاهُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ، وَذَكَرَ فِيهِ كَثِيرًا مِنْ الْفَوَائِدِ، وَفِيهِ أَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- رَدَّ إلَيْهِمْ أَبَا جَنْدَلِ بْنِ سُهَيْلٍ وَقَدْ جَاءَ مُسْلِمًا قَبْلَ تَمَامِ كِتَابِ الصُّلْحِ، وَأَنَّهُ بَعْدَ رَدِّهِ إلَيْهِمْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا، فَفَرَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إلى أبي بصير بسيف البحر حين أَقَامَ بهم عَلَى طَرِيقِهِمْ يَقْطَعُهَا عَلَيْهِمْ، وَانْضَافَ إلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى ضَيَّقَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ مَسَالِكَهُمْ.
وَالْقِصَّةُ مَبْسُوطَةٌ فِي كتب السِّيَرِ.
وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَرُدَّ النِّسَاءَ الْخَارِجَاتِ إلَيْهِ فَقِيلَ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ إنَّمَا وَقَعَ فِي حَقِّ الرِّجَالِ فقط دُونَ النِّسَاءِ، وَأَرَادَتْ قُرَيْشٌ تَعْمِيمَ ذَلِكَ فِي الْفَرِيقَيْنِ، فَإِنَّهَا لَمَّا خَرَجَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ أَبِي مُعَيْطٍ مُهَاجِرَةً طَلَبَ الْمُشْرِكُونَ رُجُوعَهَا، فمُنِعَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- عَنْ ذَلِكَ.."
مَنَعَ.
أحسن الله إليك.
"فمَنَعَ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْآيَةَ وَفِيهَا: {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [سورة الممتحنة:10] الْآيَةَ. وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الصُّلْحِ عَلَى رَدِّ مَنْ وَصَلَ إلَيْنَا مِنْ الْعَدُوِّ كَمَا فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَعَلَى أَلَّا يَرُدُّوا مَنْ وَصَلَ إلَيْهِمْ مِنَّا .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.."
عمر أم عمرو؟
القارئ: أحسن الله إليك، عمر.
"عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- عَنْ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ» بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ (الرَّاءِ)، أَصْلُهُ يَرَاحُ أَيْ لَمْ يَجِدْ «رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا». أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ «مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدًا لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ» - الْحَدِيثَ، وَفِي لَفْظٍ لَهُ تَقْيِيدُ ذَلِكَ «بِغَيْرِ جُرْمٍ». وَفِي لَفْظٍ لَهُ «بِغَيْرِ حَقٍّ».
وَعِنْدَ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ: «بِغَيْرِ حِلِّهَا». وَالتَّقْيِيدُ مَعْلُومٌ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ.
وَقَوْلُهُ: «مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا» وَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ «سَبْعِينَ عَامًا»، وَوَقَعَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعِنْدَ الْبَيْهَقِيّ مِنْ رِوَايَةِ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ ثَلَاثِينَ مِنْ أَبْنَاءِ الصَّحَابَةِ بِلَفْظِ «سَبْعِينَ خَرِيفًا»، وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «مَسِيرَةِ مِائَةِ عَامٍ»."
أُبَي، أبي هريرة أم من حديث أُبَي؟
القارئ: من حديث أبي هريرة يا شيخ.
ماذا عندك؟
طالب: من حديث أبي هريرة.
أبي هريرة؟
طالب: نعم.
إذًا تتفقون أنتم. عندي وعند الطبراني من حديث أبي، خرجوه من الطبراني؟
طالب: ........
مادام راجعنا عليه فكلامه، راجعنا الطبراني فكلامه مُرجَّح.
طالب: ........
ماذا؟
طالب: ....
أبي هريرة، نعم.
"وَفِيهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ «خَمْسِمِائَةِ عَامٍ»، وَفِي الْمُوَطَّأِ مِنْ حَدِيثٍ آخَرَ وَفِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ عَنْ جَابِرٍ: «إنَّ رِيحَ الْجَنَّةِ لَيُدْرَكُ مِنْ مَسِيرَةِ أَلْفِ عَامٍ». وَقَدْ جَمَعَ الْعُلَمَاءُ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ مَا حَاصِلُهُ: إنَّ ذَلِكَ الْإِدْرَاكَ فِي مَوْقِفِ الْقِيَامَةِ، وَأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ مَرَاتِبِ الْأَشْخَاصِ فَاَلَّذِي يُدْرِكُهُ مِنْ مَسِيرَةِ خَمْسِمِائَةٍ عام أَفْضَلُ مِنْ صَاحِبِ السَّبْعِينَ إلَى آخِرِ ذَلِكَ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ، وَرَأَيْت نَحْوَهُ فِي كَلَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ.."
شيخه الحافظ العراقي شرح الترمذي، نعم.
أحسن الله إليك.
"وفي الحديث دليل عَلَى تَحْرِيمِ قَتْلِ الْمُعَاهَدِ وَتَقَدَّمَ.."
يعني مثل ما قيل في دخول الفقراء قبل الأغنياء الجنة بأربعين، أو سبعين، أو مائة، أو خمسمائة عام، يعني هذه أمور يتفاوت فيها الناس، ومثلًا أفقر الناس يدخل قبل أغني الناس بخمسمائة، ومن دونه يدخل بأقل، ومن دونه يدخل بأقل وهكذا.
أحسن الله إليك.
"وفي الحديث دليل على تحريم قتل المُعاهد، وتقدم الْخِلَافُ فِي الِاقْتِصَاصِ مِنْ قَاتِلِهِ، وَقَالَ الْمُهَلَّبِ: هَذَا فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا قَتَلَ الْمُعَاهَدَ أَوْ الذِّمِّيَّ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ، قَالَ: لِأَنَّهُ اقْتَصَرَ فِيهِ عَلَى ذِكْرِ الْوَعِيدِ الْأُخْرَوِيِّ دُونَ الدُّنْيَوِيِّ، هَذَا كَلَامُهُ."
لكن المعلق عندنا وهو قديم، يقول: هذا توفيق قول على الغيب بغير علم، يعني التوفيق بين الروايات خمسمائة، أو مائة، أو سبعين فإنَّ هذا يتفاوت باختلاف الناس ومنازلهم، المعلق يقول: هذا قول بغير علم، هذا لابد منه؛ لرفع التعارض بين الروايات، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.
طالب: ...........
سلام لا يُراد به السلام عليهم، {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [سورة الفرقان:72]، {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [سورة الفرقان:63]، ما هو معنى أن يلقي السلام عليكم، إنَّما أعرضوا عنهم.
طالب: ..........
ثم يُنبذ إليهم على سواء فيما بعد ممكن، يجرونها.
سبق أن سألوا عن طبعة دار المعارف التي عليها تعليقات الشيخ الألباني، أنا قلت: إني ما قرأت في هذه الطبعة، وإن كان طابعها أهدانا نسخة، لكن أنا معتمد على طبعة الجامعة- جامعة الإمام- وليست بأمثل الطبعات، لكني اعتمدتها قديمًا. أمَّا بالنسبة لتعليقات الألباني فيُحرص عليها.
عون المعبود، وتحفة الأحوذي طُبِعا قديمًا بالهند، عون المعبود في أربعة مجلدات، تحفة الأحوذي في خمسة بالمقدمة، طبعات صحيحة هذه ما فيها إشكال، الإشكال في عدم تعوُّد طلاب العلم للخط باللغة العربية والخط فارسي، اللغة عربية والخط فارسي، من يتعود عليها يقرأها براحة، يعني ما يُشكل عليه شيء، إنَّما من لم يتعود عليه يصعب عليه أن يفك بعض الحروف؛ لأنَّها تختلف في رسمها عما اعتمدناه في بلادنا، فالذي يستطيع أن يتعامل مع الحروف الفارسية واللغة عربية، لا يُظن أنه باللغة الفارسية، لا، اللغة عربية، لكن الخط فارسي وعتيق.
المقصود أنَّ من يُحسن التعامل مع هذه الطبعات فهي أصح الطبعات، وعنها أُخذت الطبعات اللاحقة، يعني ما أخذوا من مخطوطات، أخذوا من هذه الطبعات، مع الإشكال أنَّ الذي طبع تحفة الأحوذي وعون المعبود عبد الرحمن محمد عثمان، وطبع غيرهما من مطبوعات الهند حوَّلها إلى حروف متعارفة، الحروف التي نتعامل بها أشكل عليه بعض الحروف الفارسية، وبعض الكلمات، فتصرف فيها فأخطأ، لذا صارت الطبعات اللاحقة طبعات سيئة، لكن الناس ما يعرفون أن يقرؤوا إلا بها، فصاروا يعتمدونها، وفيها أخطاء.
أنا قلت هذا الكلام؟
أنا ما قلت هذا الكلام، والله ما قلت هذا الكلام.
أقول: كثيرٌ من الشُّراح قالوا: معنى قوله- عليه الصلاة والسلام-: «والذي نفسي بيده» روحي في تصرفه، ثم قلت بعد ذلك: من عُرِفَ عنه إثبات اليد لله حقيقة على ما يليق بجلاله وعظمته إذا قال مثل هذا الكلام نقبله، لماذا؟
لأنَّه يثبت اليد، وإثبات اليد يلزم منه إثبات لازمها، ولا توجد روح ليست تحت تصرف الله- جلَّ وعلا-، لكن الإشكال الذي لا يثبت اليد لله- جلَّ وعلا- ثم يُأوِّل والذي نفسي بيده: روحي في تصرفه، هذا رد عليه؛ لأنَّه إنَّما قال هذا الكلام؛ هروبًا من إثبات الصفة، لكن الذي يثبت الصفة على ما يليق بجلال الله وعظمته، إذا قال: روحي في تصرفه، هروب من إثبات الصفة؟ عملًا باللازم، واللازم لازم مع إثبات اليد لله- جلَّ وعلا- على ما يليق بالله- جلَّ وعلا-، وفي الحديث أيضًا إثبات اليد لله- جلَّ وعلا-، يعني لا نقول: الحديث ليس من نصوص الصفات، لا، من نصوص الصفات، لكن من أوَّل وقال: روحي في تصرفه، ننظر في معتقده، وتصرفاته مع النصوص الأخرى، إذا كان يثبت اليد لله- جلَّ وعلا- فما فيه أحد يُنكر أن تكون الأرواح في تصرف الله- جلَّ وعلا-، وهذا من اللازم.
فرق بين أن أكون تبنيت هذا القول، وأن أكون نقلته عن غيري، وبين أن أكون أيَّدت من يقول به مطلقًا، وبين من يقول به مع إثبات الصفة، فعلى الإخوان أن يتأملوا فيما يُقال، لا يعلق بذهنه شيء، ثم بعد ذلك على حسب فهمه يحمل الكلام ما لا يحتمل.
عندنا كتب التواريخ كثيرة جدًّا، يعني من أوائل كتب التاريخ، تاريخ الطبري، لكن تاريخ الطبري ينقطع في أواخر القرن الثالث ما يستمر، ومع ذلك فيه روايات مكررة كثيرًا جدًّا، وفيه أسانيد طويلة، وفيه أيضًا أشياء تحتاج إلى نقد وتمحيص، وخرج كتاب ينقض رواية الطبري صحيحه وضعيفه وسقيمه دراسة لأخبار الطبري، فالذي يريد أن يقرأ تاريخ الطبري مع هذه الدراسة ينتفع كثيرًا، مع أنَّه يحتاج في القرون الباقية إلى كتب أخرى.
فيه تاريخ الكامل لابن الأثير، وفي القرن السابع يعني بعد الطبري بثلاثة قرون، صياغته للأحداث أفضل من صياغة ابن كثير، لكن ينقصه ما يختص بالتراجم- تراجم أهل العلم- سواء كانوا من المفسرين، أو المحدثين، أو الأدباء أو المؤرخين، أو غيرهم، تراجم الرجال. ابن كثير أميز منه بكثير في هذا الباب، لكن صياغة ابن الأثير للأحداث واستيعابه للأحداث أفضل من ابن كثير، والجمع بين الكتابين، وهما كتابان كبيران يعني يحتاج إلى وقت طويل، فلو اقتصر طالب العلم على البداية والنهاية كفته، مع أنَّ فيها استطرادًا وكلامًا كثيرًا، يعني الكتاب في أربعة عشر جزءًا في طبعته الأولى، وكتابٌ نافع أمَّا الطبعة الأولى فكثيرة الأخطاء، طُبِع بعد ذلك بتحقيق دكتور عبد الله التركي، طبعة جيدة، ثم بعد ذلك طُبِع في دار ابن كثير طبعة أجود، محققة، فتاريخ ابن كثير نافع.
هذه التواريخ الثلاثة، يعني لو أن إنسانًا مختصًّا بالتاريخ، متخصصًا في التاريخ، أو يريد أن يتوسع في التاريخ نقول: اقرأ التواريخ الثلاثة، وضم إليها تاريخ ابن خلدون؛ لأنَّه تاريخ نقد للروايات، تاريخ تحليلي ليس مجرد سوق أخبار.
الطريقة عادية، يعني تمسك الكتاب وتقرأ فيه، ويكون معك أقلام ذات ألوان، وتنقل الفوائد وتصحح إن كان هناك خطأ، أو إن كان هناك كلمة غريبة تراجع عليها كتب اللغة والغريب، وبذلك تستفيد فائدة عظيمة، وكتب التواريخ فيها المتعة، الاستمتاع بهذه الأخبار، تستمتع بأخبار العلماء، وفيها أيضًا الاعتبار؛ لأنَّ السنن الإلهية واحدة، السنن الإلهية واحدة، لا تتغير ولا تتبدل، فيُنظر في أحوال الدول والأمم السابقة ومآلهم كيف صار حالهم بعد أن كانوا أممًا قاهرة، ضاربة في أطناب الأرض، ثم بعد ذلك صاروا خبرًا بعد عين، لماذا؟
وننظر في حالنا ونقارن. حقيقة يا إخوان من ينظر في الجزء السادس من نفح الطيب، وما حصل للمسلمين في الأندلس ويُطبِّق على حالنا ما يرى فرقًا كبيرًا، نفس الواقع الذي نعيشه، ثم بعد ذلك مُحوا بالكامل من البلد، وصل الأمر في آخر الأمر إلى أن تُخلع أبواب المسلمين، تُخلع بدون أبواب، بيوت المسلمين بدون أبواب؛ ليتسنى للعدو أن يدخل ويفتش ويصنع ويعبث كيف يشاء من دون مقاومة، تُخلع الأبواب. واستفتوا كيف يصلون؟ كيف يتوضؤون؟ فأفتوا أن يتيمموا بالجدار، كأنَّه يحك إيده بالجدار؛ لئلا يُرى أنَّه يتيمم، ثم بعد ذلك بعينيه يصلي، وصل الأمر إلى هذا الحد، ثم بعد ذلك أُبيدوا إبادة تامة بعد أن عُبِثَ بهم وبأعراضهم وبأموالهم محوا محيًا تامًّا من البلد. فننظر لماذا وصلوا إلى هذه الحال؟
اقرأ في تاريخ الأندلس تجد أنَّ الحال قريبة مما نعيشه، وإن كان الخير موجودًا، الخير موجود، الخير كثير هناك الآن، لكن كَثُرَ الخبث، فإذا كَثُرَ الخبث حقَّت السُّنَّة الإلهية ووجبت؛ أنهلك وفينا الصالحون، قال: «نعم، إذا كَثُرَ الخبث»، والله المستعان.
لا يأخذ من زكاة أبيه؛ لأنَّه فرعه، فإذا كان محتاجًا وجب على أبيه أن يُنفق عليه.
طالب: .........
ولو كان عليه دَيْن.
طالب: ........
ما يقضي عنه.
هذا يتعلق بالمكتبة، والله المستعان.
وهذه الرؤية يتبناها بعض المشتغلين بعلم الحديث، الدعوة إلى المتقدمين والمتأخرين، لا، هذا تكلمنا عنه كثيرًا، وهذا أيضًا.