شرح جوامع الأخبار (03)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً يا أرحم الراحمين.
قال المؤلف العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي -عليه رحمة الله- في كتابه (جوامع الأخبار):
الحديث التاسع: عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ((كل شيء بقدّر حتى العَجْز والكَيْس)) رواه مسلم.
الحديث عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((كل شيء بقدر)) {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}[(49) سورة القمر] لا يخرج شيء عن قدر الله -جل وعلا-، كل شيء مقدر ومكتوب ومسطر، حتى العجز والكيس، الإنسان المسترخي العاجز الكسول مكتوب عليه هذا، والكيّس الفطن الحازم أيضاً مكتوب له هذا قبل أن يخلق، هذه الأمور مكتوبة عليه، لما علم الله -جل وعلا- في طبع الأول مما يناسب العجز، وما علمه في طبع الثاني وتركيبه مما يناسب الكيس فلا ظلم؛ لأن العاجز قد يقول هذا أمر مقدر علي، عاجز، هذا مكتوب عليّ ما لي مفر منه، نقول: نعم، أنت مكتوب عليك كذا، ومكتوب عليك أنك تطيع أو تعصي، كل هذه بقدر؛ لكن لا يجوز لك أن تحتج بالقدر على المعايب، على ما تعاب عليه لا يجوز لك بحال أن تحتج بالقدر، تراخيت وعجزت وتكاسلت عن أداء واجب، نقول: نعم وإن كان مكتوباً عليك إلا أنه لا يجوز لك أن تحتج به؛ لأن الله جعل فيك وركب فيك من الحرية والاختيار ما يناسب مقاومة هذا العجز، فتكون ممن كتب له الكيس، وما يدريك هل اطلعت على ما كتب عليك؟ ((اعملوا فكل ميسر لما خلق له)) لا ظلم {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ}[(46) سورة فصلت] فالاحتجاج بالقدر على المعاصي والمعايب لا يجوز بحال، بينما يحتج به على المصائب، ولذا في حديث الاحتجاج، احتجاج آدم وموسى، احتج آدم وموسى، موسى قال: أنت آدم وخلقك الله بيده، وأدخلك جنته، وفعل وترك وكذا، أخرجت نفسك وذريتك من الجنة، احتج آدم بالقدر، قال: "كم وجدت هذا مكتوباً عليّ قبل أن أخلق" قال: بكذا وكذا، فحجّ آدم موسى، آدم عصى بلا شك، فأكل من الشجرة لكنه ندم وتاب، وتاب الله عليه، فبقيت عنده آثار المعصية وهي المصيبة، فللإنسان أن يحتج بالقدر على المصائب، بينما المعايب وما يعاب عليه هذا لا يجوز له أن يحتج بالقدر عليها، والاحتجاج بالقدر على المصائب ديدن المشركين {لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا}[(148) سورة الأنعام] هذا ديدنهم الاحتجاج بالقدر، نشرح شرح مناسب يا إخوان؛ لأن الطلب كثير على إنهاء الكتاب، إذاً نشرح شرح نمشي يعني ما نطيل فيه، تقرير بعض المسائل، وإن كانت مسائل مهمة وتحتاج إلى وقوفٍ طويل وإيضاح وبيان لكن الوقت مثلما ترون.
الحديث العاشر: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من دعا إلى هُدَىً كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالةٍ كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً)) رواه مسلم.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: الحديث العاشر: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه)) من دعا إلى هدى، من دعا إلى خير، من دعا إلى فضل، من دعا إلى عملٍ صالح، من دعا إلى تقوى، من دعا إلى تعلم علمٍ شرعي، المقصود أن أبواب الخير كثيرة جداً، فمن دعا إلى بابٍ واحد من أبوابها واستجيب له، استجيب لدعوته، واستقام من دعاه إلى هذا الهدى وعمل به كان لهذا الداعي من الأجر مثل أجور من اتبعه، هذا أمر عظيم جداً، ينبغي أن ينتبه له طالب العلم من البداية، إذا تعلم شيئاً يعلمه الناس، فإذا عملوا به كان له من الأجر مثل أجورهم، وفي هذا حث على التعليم والدعوة ((لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)) فإذا دعوت الناس إلى الخير والفضل والاستقامة، دعوت شخص إلى الإكثار من النوافل، ولو كان مستقيم، لاحظت عليه تقصير في نوافل العبادات، تقصير مع كتاب الله -جل وعلا-، حثثته على ذلك وبينت له ما له من الأجر فالتزم ذلك وصار يقرأ القرآن باستمرار، لك مثل أجره، هذه من الأمور ومن الأجور التي لا تخطر على بال المسلمين، يعني تصور أنك دعوت هذا الشخص فاستجاب وعمل بهذا العمل خمسين سنة، لك من الأجر طول عمره، بقدر ما عمل، ثم هذا الشخص دعا آخر إلى هدى فاستجاب له لك أجره وأجر من هداه؛ لأن من هداه له أجره ولك أجر الجميع، يعني شيء أمور لا تخطر على بال المسلم، من الدعوة إلى الهدى إضافةً إلى الدعوة التي هي الأصل في الباب التأليف، قد يستفيد وينتفع شخص من كلمةٍ تقولها من قلبٍ ناصح، ومن إخلاص، ينتفع بها شخص ويعمل بها أنت دعوته إلى هذا الهدى، فهذه أبواب خير مضاعفة أضعاف لا تخطر على بال، وكم من شخص قرون يستمر عمله، قرون لا ينقطع عمله، فالعلم الذي ينتفع به، سواء كان أدى عن طريق الدعوة، عن طريق التعليم، أو عن طريق التأليف، هذا شأنه عظيم، فمن دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه، افترض أن هذا الشخص قلت له، لاحظت على زميلك أنه مفرط في حق القرآن مثلاً، وبينت له أن هذا القرآن كل حرف عشر حسنات، وأنت جالس، وأنت نائم، وأنت مضطجع، وأنت كذا تقرأ القرآن {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ}[(191) سورة آل عمران] ولا يكلفك شيء، فأخذ يقرأ القرآن في أول الأمر شيئاً فشيئاً إلى أن يكون ديدنه القرآن، له من الأجور الشيء الكثير، ولمن دله وهداه إلى هذا الهدى مثل الأجر، ولمن اقتدى بالثاني أجره، وكذلك ينقلب الأجر أيضاً إلى الداعي الأول، وفضل الله لا يحد، قد يقول قائل: من يحيط بهذه الحسنات؟ يعني أنت تحاسب من؟ قد يقول قائل: مثلاً شخص اهتدى على يديه مائة ألف، كيف؟ مائة ألف وله مثل أجورهم؟! نعم له مثل أجورهم، فضل الله لا يحد ولا يحاط به، إذا كان أدنى أهل الجنة منزلة آخر من يخرج من النار يقال له: يتمنى فيتمنى ملك أعظم ملك في الدنيا، فيقال له: لك وعشرة أمثاله، فالمسألة لا نتعاظم مثل هذه الأمور، ولا نقصر فيها، ولا نتعاجز عنها؛ لأن كثير من الناس يسمع مثل هذا الكلام وبين مصدق وبين متردد، أمور يعني، جاء في بعض الأخبار وإن كان فيه مقال في المسند: ((إن الله ليضاعف لبعض عباده الحسنة بألفي ألف حسنة)) يعني إذا كانت قراءة القرآن التي لا تكلف شيئاً، يقرؤه بعض الناس بست ساعات، يعني أقل تقريب ثلاثة ملايين حسنة إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، أجور لا تخطر على البال، ولا تظن أن البند ما يتحمل، وإلا الميزانية مقصرة، لا لا، بيده كل شيء، بس الإنسان يسعى لخلاص نفسه، ثم بعد ذلك يسعى إلى تعدي الخير لينفع إخوانه، وينصح لإخوانه، ويدلهم على الهدى؛ ليكسب من الأجور ما يلقاه غداً -إن شاء الله تعالى-، من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً، لا يقال: يا فلان السعاية عليك وإلا على البائع وإلا على المشتري لا لا، أجر هذا كامل وأجر هذا كامل، ما عليك، يعني أنت لو دللت شخص على مساهمة وقلت له: فلان فاتح مساهمة نبي نروح.... أولاً هذا ما هو معطيك مثل أجر ذا، مثل ما أعطاه هذا ولا هو معطيك شيء أصلاً إلا أن كسب.... ثم بعد ذلك يبي يعطيك أجرة المثل اثنين ونصف في المائة، وين هذا من هذا؟ وتجد الناس يلهثون وراء هذا الثاني الدنيا الدنية ليل نهار، ولا عنده استعداد ينصح أخاه يصلي بجنبه يلاحظ عليه أمور ما يسدي له كلمة نصح قد تنقذه من هلكة، يبذل له نصيحة بخمس دقائق يمكن تغير حياته، وهنا يكون له من الأجر مثل أجر هذا الذي دله وهداه ((ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه)) نسأل الله السلامة والعافية.
يعني تتصورون بعض الناس ألف سنة أجره ماشي، وآخر ألف سنة أوزاره ماشية ((من سن في الإسلام سنةً حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن في الإسلام سنةً سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة)) فليكن الإنسان على حذر، وليحرص أشد الحرص على كسب ما ينفعه يوم القيامة، أحوج ما يكون إليه، ويحرص أشد الحرص على المحافظة على مكتسباته؛ لأن بعض الناس يأتي ويكسب ويفعل ويروح ويمين ويسار وحريص على الخير والبذل والدعوة والتعليم ثم يسعى إلى تفريق هذه الأمور، بنفسه يفرقها، فإذا حرص الإنسان على اكتساب الحسنات يكون حرصه على المحافظة عليها أشد، والله المستعان.
الحديث الحادي عشر: عن معاوية -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) متفق عليه.
نعم هذا حديث معاوية -رضي الله عنه- في الصحيحين وغيرهما ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) ((من يرد الله به خيراً)) (خيراً) نكرة في سياق الشرط فتعم جميع أنواع الخير، قد يقول قائل: نعم نكرة في سياق الشرط والأصل فيها أنها للعموم؛ لكن نشوف من تفقه في الدين بعضهم فقراء، ومن أسماء المال الخير {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} يعني مالاً، فكيف ((من يرد الله به خيراً)) وفقير ما عنده خير ما عنده مال؟ نقول: يا أخي هذا الخير وإن سماه الله -جل وعلا- خيراً بحسب ما تعارف عليه الناس إلا أنه بالنسبة لخير الآخرة كلا شيء؛ لأن بعض الناس يقول: ((من يرد الله به خيراً)) الخير المال، {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ}[(180) سورة البقرة) ونجد بعض من تفقه في الدين لا مال له؟ هل نقول: أن هذا الخبر خالف الواقع؟ لا، خير الدنيا بالنسبة لخير الآخرة كلا شيء، ولذا جاء في الحديث الصحيح: ((من نفس عن مسلم كربةً من كرب الدنيا نفس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة)) من قال: من كرب الدنيا والآخرة؛ لأن كرب الدنيا كلها لا شيء بالنسبة لكرب يوم القيامة، ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) والفقه الفهم، والمراد به ما يترتب عليه من العمل به؛ لأن الفقه والفهم والعلم إذا لم يقترن بالعمل لا قيمة له، بل هو وبال على صاحبه، فضلاً عن أن يقرن بشيءٍ من المخالفات من المعاصي، قد يقول قائل: نجد من فقهه الله في الدين وعنده مخالفات، بعض الفساق يحملون شيئاً من الدين، نقول: هذا ما يحمله الفاسق من الدين ومن الفقه ليس بعلمٍ ولا فقه في الحقيقة ((يحمل هذا العلم من كل خلفٍ عدوله)) فما يحمله الفساق وإن سماه الناس علماً وسموه فقهاً إلا أنه ليس بشيء؛ لأن الفقه في الدين إنما هو في الحقيقة ما نفع، أما الذي لا ينفع فليس بفقه، وليس بعلم ((يحمل هذا العلم من كل خلفٍ عدوله)) العدول الثقاة هم الذين يحملون العلم، العلم الحقيقي النافع، أما ما يحمله غيرهم وإن سمي علماً بمعنى أنه إدراك وتحصيل لبعض العلوم لكنه في الحقيقة ليس بعلم، ويشير إلى ذلك قوله -جل وعلا-: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ}[(17) سورة النساء] إيش معنى بجهالة؟ هل معنى أن الإنسان إذا زنى وهو يعرف أن الزنا حرام ليست له توبة؟ إنما التوبة للشخص الذي يجهل الحكم؟ لا، يقول أهل العلم: كل من وقع في معصية فهو جاهل، إذاً العاصي جاهل، ولا يجتمع الجهل والعلم في وقتٍ واحد، لأنهما متضادان، فما يحمله الفساق ليس بعلم، وإن ادعي ذلك، يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
قلت: ولابن عبد البر كل من عني |
|
بحمله العلم ولم يوهنِ |
رأي ابن عبد البر أن كل من عرف بحمل العلم فإنه عدل؛ لكن المطلوب العكس، أن كل عدل يحمل فهو عالم، بخلاف غير العدل فليس بعالم، وهو حث للعدول الثقاة بحمل العلم بحيث لا يترك المجال للفساق الذين يستغلون هذا العلم لصرف الناس عن دينهم بالتحريف والتأويل، وتضييع الناس، ولهذا يكثر المسخ في آخر الزمان في هذه الأمة كما ذكر ابن القيم وغيره، ويكون في طائفتين من الناس، للحكام الظلمة الذين يضلون الناس عن دينهم، وللعلماء الذين يبدلون شرع الله بالتأويل تبعاً لأهوائهم ومصالحهم.
المقصود أن الأمر خطير، يعني يميلك، نعم خير الفقه في الدين خير، لكن يبقى أنه لا بد من العمل بهذا العلم، والفقه أعم من أن يكون فقه الأحكام الشرعية العملية في العبادات والمعاملات ونحوها، بل أعظم منه وإن كان عظيماً الفقه الأكبر الذي هو الاعتقاد، وهو فقه وأيضاً جميع أبواب الدين كما يقول في الحديث: ((يفقهه في الدين)) يعني بجميع أبوابه، فيحرص الإنسان على دراسة كتاب الإيمان مثلاً، كتاب التوحيد، كتاب الطهارة، الصلاة، الصيام، الزكاة، الحج، البيوع، المعاملات، الأقضية، المناكحات، المغازي، السير، الشمائل، الفتن، الاعتصام، الدعوات، الأذكار، كل هذه أبواب الدين، بعض أبواب الدين يهملها كثير من طلبة العلم لا يلقون لها بالاً، أبواب الرقاق مثلاً، من منا صار ديدنه النظر في هذه الأبواب التي تدعو الإنسان إلى الوجل والخوف من الله -جل وعلا-؟ {إالَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}[(2) سورة الأنفال] لكن الإنسان الذي حلال حرام وفقه وما أدري إيش؟ حاله خير ويعبد الله على بصيرة؛ لكن يبقى أنه ما الذي يحدوه إلى هذه الأحكام إلى مثل هذه الأبواب المهملة المهجورة، فعلينا أن ننتبه لهذا يا إخوان، ولذا قال: ((في الدين)) يراد به جميع أبواب الدين من العلوم النافعة، مما اشتمل عليه الوحيان، وأيضاً يعنى طالب العلم إضافةً إلى الوحيين من نصوص الكتاب والسنة إلى ما يخدم نصوص الوحيين، وما يعين على فهم نصوص الوحيين من الكتب الوسائل التي تعين على فهمهما من كتب الأصول وعلوم القرآن وأصول الحديث وأصول الفقه وعلوم الآلة، علوم العربية، وكلها تخدم الكتاب والسنة؛ لأنها تعين على فهم الكتاب والسنة، وبهذا إذا سلك الجادة ووفق بمعلمٍ ناصحٍ مشفق يدله على الطريق المناسب والجادة المطروقة عند أهل العلم، فبإذن الله يدرك ما يريد -إن شاء الله تعالى-.
الحديث الثاني عشر: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((المؤمن القوي خير، وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تَعْجَز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا، كان كذا وكذا، ولكن قل: قدَّر الله وما شاء فعل، فإن لَوْ تفتح عمل الشيطان)) رواه مسلم.
نعم، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف)) نعم المؤمن الضعيف فيه خير كثير ينفع نفسه؛ لكن المؤمن القوي ينفع نفسه ويتعدى نفعه إلى غيره، والكل فيه خير، ((المؤمن القوي خير)) وهذه أفعل تفضيل، خير وشر من أفعل التفضيل، وأفعل التفضيل هنا مثلها أحب مستعملة على بابها، أفعل التفضيل مستعمل على بابه، بمعنى أن المؤمن القوي والمؤمن الضعيف في كل منهما خير، يشتركان في هذه الصفة، ويزيد أحدهما وهو المؤمن القوي في هذه الصفة على الثاني وهو المؤمن الضعيف، فهي مستعملة على بابها؛ لكن في مثل قوله تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا}[(24) سورة الفرقان] هل هي على بابها؟ لا، ليست على بابها، لماذا؟ لأنه لا يشترك أصحاب الجنة وأصحاب النار بالخير؛ لأن أصحاب النار لا خير عندهم، ولا خير فيهم، ولا أعد لهم شيء من الخير، بل هم في شر مستمر، فأفعل التفضيل ليست على بابها، وهنا في الحديث أفعل التفضيل على بابها، فالمؤمن القوي فيه خير، والمؤمن الضعيف فيه خير؛ لكن وإن اشتركا في هذه الصفة إلا أن المؤمن القوي أدخل وأعرق في هذه الصفة، وأعظم في هذه الصفة من المؤمن الضعيف لما يترتب على ذلك من قوة وحزم وعزم وإصرار على أفعال الخير اللازمة والمتعدية، المؤمن الضعيف قد يضعف عن بعض ما أوجب الله عليه، وقد تضعف نفسه أمام المغريات فيرتكب بعض ما نهى الله عنه، وقد يضعف أيضاً عن إيصال وتعدية الخير إلى غيره بخلاف المؤمن القوي، وإن كان في الجميع خير؛ لأن الإيمان خير.
((احرص على ما ينفعك)) ما ينفعك في دينك وفي تحقيق الهدف الذي خلقت من أجله وهو العبودية لله -جل وعلا-، ومع ذلك لا تنس نصيبك من الدنيا، احرص على ما ينفعك، كثير من الناس بحاجة إلى هذا الأمر، تجده يضيع وقته من غير فائدة، لا في دينه ولا في دنياه، لا يشغل نفسه بما يرجع إليه بالخير لا في الدنيا ولا في الآخرة، وكثير من الناس بحاجة إلى أن يقال له: لا تنس نصيك من الآخرة، لما يرى من حال كثير من الناس من اللهف وراء الدنيا، أعطوا الدنيا أكبر من حقها، وأخذوها من غير وجوهها، وصرفوها بغير مستحقها.
المقصود أن الناس بحاجةٍ ماسة إلى الحرص على ما ينفع، والهدف الأصلي الذي من أجله خلق الإنسان وأنزلت الكتب، وأرسلت الرسل تحقيق العبودية لله -جل وعلا-، فلنحرص على تحقيق هذا الهدف وما يعين على تحقيق هذا الهدف، ولذا قال -جل وعلا-: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}[(77) سورة القصص] فاحرص على ما ينفعك في هذا وهذا، والتوازن لا بد منه، أمر مطلوب؛ لأنه لا يمكن أن يقوم الدين إلا بشيءٍ مما يعين عليه من أمور الدنيا.
((واستعن بالله)) احرص على ما ينفعك، ابذل، لكن لا تعتمد على نفسك، وتقول: أني فعلت وعرفت ودرست وخططت والنتائج مضمونة، لا لا ما في، استعن بالله، فالمرء من غير إعانة وعون من الله -جل وعلا- عمله وبال عليه.
إذا لم يكن عون من الله للفتى |
|
فأول ما يقضي عليه اجتهاده |
لا بد من الاستعانة بالله في كل شيء، وإذا أمرنا بطلب الإعانة من الله -جل وعلا- على تحقيق العبودية في كل ركعة من ركعات الصلاة {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[(5) سورة الفاتحة] على تحقيق العبودية الجملة التي سبقتها وعلى غيرها مما يعين على تحقيقها، ((استعن بالله)) ارتبط بربك، ثق بربك ولا تعجز، لا تيأس، لا تمل، لا تكل، احرص على ما ينفعك، تعلم، اعمل، ابذل، أأمر بالمعروف، وانه عن المنكر، ولا تعجز تقول: والله الناس خلاص انتهوا ما فيهم خير، وتيأس وتكسل وتترك الأمر والنهي، لا يا أخي أنت مأمور ببذل السبب والنتائج بيد الله -جل وعلا-.
((وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا.. فإن لو تفتح عمل الشيطان)) بدأت بمشروعٍ تجاري فخلال السنة أرباحك قليلة، لو أني دخلت في العقار كان المكاسب أعظم، لو أني فعلت كذا، لا لا، لو تفتح عمل الشيطان؛ لأنه لا ينتهي، فلا يجوز أن يقول: لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، وما يدريك لأنك لو فعلت كذا كان الأمر عليك أشد وأعظم؟ هذا غيب، واحتمال أن يكون اشتغالك بهذا دون هذا خير لك في دينك ودنياك، وأن يكون الله -جل وعلا- صرف عنك من الشرور والبلاء مما لو دخلت في المشاريع الأخرى شيء لا تقدر على تحمله؛ ((ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل)) الله -جل وعلا- هو الذي قدر، وهو الذي أراد أن أعمل هذا العمل، وله المشيئة التامة والقدرة النافذة، لا بد أن ترضى بما قدر الله لك.
وكن صابراً للفقر وادرع الرضا |
|
بما قدر الرحمن واشكره واحمدِ |
أنت أصبت بمصيبة، خسرت، وقعت من أعلى أو من كذا ، أو حصل لك ما حصل من ضرر في بدنك، في مالك، في ولدك، قدر الله وما شاء فعل؛ ولكن قدر الله وما شاء فعل، اصبر على المقدور، كل شيءٍ له أجره إذا رضيت بما قدر الله لك -جل وعلا-، صبرت على القدر {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}[(10) سورة الزمر].
((فإن لو تفتح عمل الشيطان)) وهذا في أمور الدنيا، لا تقول: لو أني كذا وكذا، النبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت عنه أنه قال: ((لو استقبلت من أمري ما استدبرت لجعلتها عمرة، ولما سقت الهدي)) هذا في أمور الدين، يعني بإمكانك أن تقول: لو أني صليت في المكان الفلاني ما قلت قدام، يعني تأسف وتندم على ما فات، تلوم نفسك لما حصل لك على تفريطك في أمر الدين؛ لأن بعض الناس إذا كان له مشوار يطلع مع الأذان ويترك المسجد الذي جنبه بناءً على أنه بيدرك الصلاة، وهذا في الغالب مجرب، وأنه في الغالب أنه ما يدرك الصلاة، بهذه الطريقة ما يدرك، فيلوم نفسه، لو أني صليت جنب البيت وما طلعت كان... يلوم نفسه على فوات أمرٍ ديني، أما على أمور الدنيا لا، تفتح عمل الشيطان، وعلى هذا إذا حصل منك نقص في أمر الدين وأسفت عليه كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- تداركت في المستقبل؛ لكن في أمر الدنيا تقول: لو أني دخلت باب العقار مثلاً بدلاً من الأجهزة وما الأجهزة اللي وش تكسب وش تطلع؟ أو الأغذية وش فيها من المكاسب، العقار ما شاء الله، أسفت على ما فعلت وانتقلت من الأغذية أو الأجهزة أو العقار، ثم حصل لها كارثة، جائحة، إيش تستفيد؟ ولا شك أن هذا اعتراض على القدر؛ لكن في أمور الدين جاء ما يدل على جوازه.
الحديث الثالث عشر: عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يَشُدُّ بعضها بعضاً)) وشبك بين أصابعه" متفق عليه.
نعم في هذا الحديث يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعادة أصحاب المختصرات أن يأتوا بالحديث الأول عن فلان، عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لأنه كلام جديد مستأنف، لم يسبقه كلام آخر، وتقدير ذلك أروي عن عمر بن الخطاب، ثم الحديث الثاني: وعن عائشة -رضي الله عنها- وعن ابن عمر، وعن ابن عمرو، وعن أبي موسى، كلها تعطف على ما تقدم، هذه هي الجادة، وعلى كل حال الأمر واضح ولا فيه لبس ولا فيه إشكال حتى لو حذفت الواو، عن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً)) وشبك بين أصابعه" يعني افترض أن شخصاً مؤمناً خالياً بنفسه ليس عنده أحد، ترجحت عنده العزلة واعتزل، أو كان من طبعه أنه لا يحب الخلطة فاعتزل مثل هذا يحصل النقص والخلل عنده الكبير في أمور الدنيا وهذا ظاهر، وفي أمور الدين أيضاً؛ لأن الناس يحتاجون إلى أن يشد بعضهم بعضاً، يشجع بعضهم بعضاً، يسند بعضهم بعضاً، حاجة فلان عند فلان فتقضى مقابل حاجة فلان عند فلان، فالمسلمون والمؤمنون كالبنيان، بلا شك يعني الخلل لو انفرد الإنسان بنفسه، مثل الخلل الذي يحصل عند انصداع الجدار، فحيث ينفرج بعضه عن بعض، لا شك أنه مآله إلى السقوط، فإذا اجتمع المؤمنون وتكاملوا، كل عنده مما يحتاجه غيره ما ليس عند غيره، لا شك أن الأمور تتكامل، والمؤمن أو الإنسان عموماً كما يقرر ابن القيم -رحمه الله تعالى- مدني بالطبع، يقرر ابن القيم في مواضع من كتبه، وإن كانت تنسب لابن خلدون؛ لكن ابن القيم قبل ابن خلدون، مدني بطبعه، لا يمكن أن يعيش بمفرده، هو بحاجة إلى أن يأكل، وإلى أن يشرب، وإلى أن يأنس، وإلى أن يتزوج وينجب ويتعامل ولذلك شرعت المعاملات؛ فكل إنسان بحاجة إلى ما في يد أخيه في البيع والشراء، ولذلكم أحل الله البيع، أما إنسان يقول: أنا لست بحاجة إلى الناس، نعم قد يحتاج إلى التقليل من مخالطة الناس ومعاشرتهم، هذا يمكن إذا رأى أن المصلحة في ذلك؛ لكن ينقطع انقطاعاً كلياً، وينفرد عن الناس حصل هذا لبعض الناس فوجدوا موتى، ولم يعلم أحد بموتهم إلا بعد مدة، فلا بد من الاجتماع، ولا بد من أن يشدّ المؤمن أزر أخيه المؤمن لا بد أن يقضي حاجة أخيه، لا بد أن يكون بيده مما يحتاجه أخوه والعكس، فالأمة بمجموعها متكاملة، هذا قوي ببدنه يعين، وهذا قوي بماله يعين، وهذا ضعيف يحتاج إلى إعانة، وهذا مريض يحتاج إلى طب، وهذا طبيب يطبب، وهذا معلم يعلم، وهذا متعلم يتعلم، والأمة كلها بهذه الطريقة مشتبكة، وهي كالبنيان، نعم تضع القاعدة ثم تضع اللبِن وتجعل ما يربط هذه اللبنة بالأخرى حتى يشتد البنيان، والترابط القوي المتين لا شك أنه يؤهل للعيش المتين القوي المستمر بإذن الله تعالى، لأنكم تجدون في البنايات القديمة من الطين والبن مئات السنين مترابطة؛ لكن لو شيدت لبنة واحدة فوق الأخرى بدون ترابط ما جلست ولا شهر، تجدون بعض الأبنية صروح عالية من الطين، ولا اسمنت ولا حديد وتضربها السيول قرون ومع ذلك ثابتة وباقية؛ لأنها يشد بعضها بعضاً، وهكذا حال المسلم والمؤمن ينبغي أن يكون عوناً لأخيه، غوثاً للمحتاجين، باذل، ولذا جاء مدح البذل والإحسان بينما جاء ذم الشح والبخل على الإنسان أن يبذل من بدنه لإعانة الآخرين ((من كان له فضل ظهر فليجد به على من لا ظهر له)) إذا كان يحسن شيء يحتاجه أخوه يقدم له، كثير من الناس يستصعب بعض الأشياء السهلة تدخل عند جارك، جارك ما يحسن شيء أخرق ما يحسن شيء عنده فيش بس يبي ربط، وأنت معك مفك اربطه وينتهي الإشكال، بينما نجد الآن يسود في دنيا الناس اليوم وهو موجود بين المسلمين مع الأسف الشديد العكس، يأتي صاحب السيارة، يجيب سيارته المسكين سطحة للورشة يشوفها المهندس يرى أن المسألة مسألة ربط سلك بسلك لا تأخذ ولا دقيقة ولا تكلفه شيء، يقول: السيارة تحتاج إلى أسبوع شغل؛ لأنه لو ربط سلك وقال: هات عشر ريالات، قال: والله على شان إيش عشر ريال؟ لكن لما يقول له: بعد أسبوع يجي يركنها ثم يربط هالسلك يقول: هات خمسمائة ريال، ويعطيه خمسمائة ريال والشكوى إلى الله، وفي الأصل أن مثل هذه الأمور يربط السلك وينتهي الإشكال، هذا إذا كان البناء مترابطاً، لكن الإشكال أن الناس سادهم الآن الشح والحسد والأنانية، كل شيء يريده لنفسه، ولا يريد لغيره ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه)) لا شك أن مثل هذه التصرفات خلل في واقع المسلمين، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً)) وشبك بين أصابعه" نجيب مثال يخص طلاب العلم، جيت إلى مكتبة وجدت كتاب ناقص جزء، هذا الجزء عندك تقدر تكمل هذه النسخة تقول له: بكم الكتاب يقول لك: بمائة ريال، يعني لو كان كامل يمكن بخمسمائة ريال، هل يمكن أن تقول له: عندي جزء يكمل هذه النسخة ثم أشتريها منك؟ يمكن أن تقول؟ ما تقول، جهاد نفس هنا، ما تقول، فلو قلت له: عندي جزء يكمل هذه النسخة قال: أعطيك قيمة الجزء وأبيع عليك نسخة كاملة، لكن ما دامت النسخة ناقصة بمائة ريال هذه فرصة، وين؟ بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على كذا وكذا والنصح لكل مسلم، طبق الصحابة هذا الحديث بأروع الأمثلة، جرير بن عبد الله البجلي يشتري الفرس بكم؟ بثلاثمائة، يقول: اشتريت؛ لكن فرسك يستحق أكثر، طيب أربعمائة، قال: اشتريت؛ لكن فرسك يستحق أكثر، بخمسمائة إلى أن أوصله ثمانمائة، هل يسود بين المسلمين مثل هذا النصح؟ بما يوصف مثل جرير لو وجد في عصرنا؟ يوصف بإيش؟ يكفي أن يقال: مغفل؟ ما يكفي عند الناس أن يقال: مغفل؛ لأن الموازين مختلة، منقلبة الموازين، يأتي صاحب السيارة يحتاج إلى ثانية أو ثواني يربط السلك يقول له: توكل على الله هذه ما تكلف شيء، يقول السيارة يا لله تبي أسبوع شغل، ثم بعد ذلك مجرد ما يشد السلك يتوكل على الله، يعني هل هذا يقارب صنيع جرير أو هذا مناقضة تامة لصنيع الصحابة؟ والأصل أن المسلم للمسلم كالبنيان يعني إلى وقتٍ قريب لما كانت الدنيا ليست هدف للمسلمين، إنما المسلمون وجدوا للعبودية، يقف الشخص بحاجة إلى أن يبني بيت، وش أعظم من بناء البيت؟ الآن هم البيت، يجلس سنتين يعمر، يجلس عمره كله مدين بسبب البيت، يقف باب المسجد وقال: أعان الله من يعين، يالله لبنة طين، وينتهي يومين ثلاثة وينتهي البيت، ابن عمر -رضي الله عنهما- راوي حديث: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) يبني بيته بأسبوع، بنفسه، يبنيه بأسبوع، وكان ابن عمر يقول: "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح" الهدف تحقيق العبودية، وأمور الدنيا ماشية، نعم الدين أنه ليس دين كسل ولا خمول ولا كذا، يحثنا على العمل؛ لكن يحثنا على العمل لما يترتب على هذا العمل كسب المال من أجل مساعدة المحتاجين والإنفاق على المعاويز، وعدم التعرض والحاجة إلى الناس، وتكفف الناس، وأن يكفي نفسه ومن يعول لتحقيق ما خلق من أجله، والآن تجد الإنسان سنتين ثلاث يعمر ثم ماذا؟ وكم سمعنا وعلمنا ورأينا من أخذ يعمر البيت خمس ست عشر سنين ثم يفرش ويموت ما سكن، قصص ليست واحدة ولا ثنتين ولا عشر، والأمر أهون من ذلك. ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً)) يعني ما يضيرك يا أخي أن تجد شيء وأنت من أهل الصنعة ومن أهل المعرفة والخبرة شيء يحتاج إلى ربطٍ يسير ما يكلفك شيء اربطه يا أخي، النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((كسب الحجام خبيث)) على شان إيش؟ يسود روح التعاون بين الناس، احجم للناس بلاش يا أخي، يتعاون الناس بمثل هذه الأمور السهلة اليسيرة، والله المستعان، وقل مثل هذا في كثير من الصنائع التي لا تكلف شيء، نعم الإنسان الأجرة ما فيها شيء، يعني تأخذ أجرة على صاحبك لكن أجرة مثل، لا تكلفه فوق ما يطيق، وشبك النبي -عليه الصلاة والسلام- بين أصابعه، وكثيراً ما يقرن الكلام النظري بالتطبيق العملي لكي يثبت، والله المستعان.
الحديث الرابع عشر: عن أبي موسى -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أتاه سائل أو طالب حاجة، قال: ((اشفعوا فلتؤجروا، ويقضي الله على لسان رسوله ما شاء)) متفق عليه.
وهذا أيضاً عن أبي موسى عبد الله بن قيس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أتاه سائل أو طالب حاجة قال: ((اشفعوا تؤجروا)) النبي -عليه الصلاة والسلام- من حرصه على أن يكسب المسلمون الأجر والثواب يقول مثل هذا الكلام، وإلا قد يقول قائل: كيف تقول؟ يعني لو دخل واحد على رئيس مصلحة أو مدير دائرة وأنت جالس عنده ثم جاء واحد يقدم طلب يعني تستثقل أن يقول لك يا فلان انفع نفسك، اشفع لصاحبك، قد يقول صاحب الطلب والجالس: اقبل حاجة بدون شفاعة؟ يعني ما يقوله الإنسان بمقالة أو حاله؟ إذا كنت تريد أن نشفع اقضها بدون شفاعة؟ لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- من حرصه ونصحه لأمته يقول مثل هذا الكلام؛ لأن الشفاعة ما تكلف شيء، ((اشفعوا تؤجروا)) ويقضي الله على لسان رسوله ما شاء، النتيجة ليست بيدك، كثير من الناس أوتي جاه فيأتيه المحتاج ليشفع له عند فلان وعلان يقول له عجزنا، هذا كتاب ناله مراراً ما استفاد، يا أخي اكتب، أنت تريد الأجر؟ يقض الله على لسان مخلوقه ما شاء، طلب وإلا ما أجاب، قبل ما قبل، هذا ليس لك، النتائج ليست لك، أنت مأمور بالشفاعة، من يشفع شفاعةً حسنةً يكن له كفل منها، فالشفاعة لا تكلف شيئاً هي مجرد كلمة، والآن بعد ما يحتاج إلى أن تلبس حذاءك وبشتك وتروح تشفع، لا، إما تلفون أو ورقة، اكتب وأنت جالس، يثبت لك هذا الأجر ونعرف من ساد، ساد الأمة لا بقوته ولا بماله ولا بشيء بمثل هذه الشفاعات، لأن بعض الناس يتصور أن كل ما كتب تهبط قيمته، ينزل مستواه، لا، لا، أبداً العكس، الذي يتولى الشفاعة للناس لا شك أن الله -جل وعلا- يرفعه في الدنيا والآخرة، النووي -رحمه الله- كان صاحب شفاعات، من جاءه كلم عنه الولاة، وكتب، ويسمع أحياناً ما يسره وأحياناً ما يسوؤه، يضيره شيء؟ ما يضيره، يحصل له الأجر والباقي على الله، بعث له الوالي مرةً من المرات قال: لا تشفع لأحد، فجاءه شخص وشفع له، والثاني شفع له، لما نظر الوالي قال وين المسألة؟ اعترف بأن أمره لله، وإلا بعض الناس إذا جاءه مثل هذا الكلام الخشن تأخذه العزة بالإثم وييأس وخلاص ينتهي كل شيء بالنسبة له؛ لكن النووي أعاد الشفاعة، ثم قال الوالي: أشهد أنه يشفع لله، فأجاب الطلب صار ما يرد له طلب، وأدركنا من الشيوخ من يشفع للصغير والكبير عند الكبير والصغير، ورفع الله -جل وعلا- منزلته في الدنيا والآخرة، والآخرة الله أعلم بها لكن هذا الذي يغلب على الظن، امتثالاً لهذا الحديث: ((اشفعوا تؤجروا)) يعني ما الذي يضيرك أن تكلم فلان وإلا علان من أجل فلان، وإذا كانت هذه الشفاعة أيضاً فيما يقرب إلى الله و-جل وعلا- كنت ممن دل على خير، لك نصيب من هذا الأجر، أشركت شركت صاحب هذا الأجر.
((اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان رسوله ما شاء)) النتائج ليست بيد الشافع، ولا المشفوع له، ولا المشفوع عنده، الله -جل وعلا- هو المعطي وهو المانع، ((إنما أنا قاسم والله معطي)) اشفع لفلان يعط من بيت المال كذا أو يعط من مال فلان التاجر كذا، الله المعطي -جل وعلا-، المسألة ليست ملزمة؛ لكن أنت تحصل على الأجر المرتب على الشفاعة من هذا الحديث الصحيح، وعاد كونه يجاب أو لا يجاب، تمنى أن يجاب طلبك، تمنى، وترجو ذلك إذا لم يجب حصل لك الأجر وتحقيقه، والمسبب هو الله -جل وعلا-، هو الذي يرتب المسببات على أسبابها، والله المستعان.
الحديث الخامس عشر: عن عائشة -رضي الله عنها-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أنزلوا الناس منازلهم)) رواه أبو داود.
حديث عائشة -رضي الله عنها- عند أبي داود بصريح الأمر ((أنزلوا الناس منازلهم)) وهو في صحيح مسلم، في صحيح مسلم في المقدمة تقول عائشة -رضي الله عنها-: "أمرنا أن ننزل الناس منازلهم"، وعند أبي داود بلفظ الأمر: ((أنزلوا الناس منازلهم)) وفي صحيح مسلم: "أمرنا أن ننزل الناس منازلهم" وقول الصحابي: "أمرنا أو نهينا" لا شك أنه ينصرف إلى الآمر والناهي في الحقيقة هو النبي -عليه الصلاة والسلام-، لا آمر ولا ناهي بالأحكام الشرعية إلى الله -جل وعلا- كما في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم)) أو رسوله المبلغ عنه كما في قول الصحابي: "أمرنا" فالآمر هو الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ولذا عبرت عائشة، جاءت باللفظ النبوي وعبرت وقالت: "أمرنا"، وقالت باللفظ النبوي بقوله: ((أنزلوا الناس منازلهم)) وعلى هذا الآمر هو الرسول -عليه الصلاة والسلام- كما في صريح رواية أبي داود، وأيضاً كلمة: "أمرنا ونهينا" تساوي: "افعلوا أو لا تفعلوا" فجاءت عند أبي داود بصريح الأمر وجاءت في مسلم بالتعبير عنه خلافاً لمن يقول: أن الصحابي لا بد أن يصرح بالآمر، لا بد أن يقول: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وإلا فلا يقبل، لاحتمال أن يكون الآمر والناهي غير الرسول -عليه الصلاة والسلام-؛ لكن هذا الكلام ليس بصحيح، الصحابي لا يطلق الأمر والنهي لا سيما في المسائل الشرعية إلا لمن له الأمر والنهي.
قول الصحابي من السنة أو |
|
نحو أمرنا حكمه الرفع ولو |
أما كونها تدل على الأمر الملزم كصيغة (افعلوا) بهذا قال جماهير أهل العلم، وإن قال داود الظاهري وبعض المتكلمين أنه لا يحتج بها، وليست ملزمة حتى ينقل اللفظ النبوي، لماذا؟ يقول: لأن الصحابي قد يسمع أمراً، يسمع كلام أي كلام فيظنه أمراً أو نهياً، وهو في الحقيقة ليس بأمر ولا نهي، يسمع كلام خبر وإلا شيء يقول: أمرنا؟ نقول: لا يا أخي، هذا الكلام باطل؛ لأن الصحابة إذا لم يعرفوا مدلولات الألفاظ الشرعية من تترك له المعرفة، من يعرفها بعدهم، لا أحد يعرف إذا لم يعرف الصحابة، يعني نظن بالصحابة أنهم يسمعون كلام أخبار يقولون: أمرنا ونهينا ما هو صحيح، فقول عائشة: أمرنا هو مساوٍ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أنزلوا الناس منازلهم)) وهذا الحديث لا شك أنه عظيم، على ضوئه يتعامل المسلمون مع بعض، فالكبير له معاملة، والصغير له معاملة، العالم له معاملة، الجاهل له معاملة تليق به، الرجل له معاملة، المرأة لها معاملة، من الظلم للإنسان أن يعامل الكبير معاملة صبي صغير، من الظلم أيضاً أن يعامل الصغير بمنزلة شيخ كبير، أو جاهل تنزله منزلة عالم، وتشرح عليه وتحمله مسؤولية مثل العالم، أو عالم تعامله معاملة جاهل فلا تحترمه ولا تقدره قدره، أيضاً من الظلم العظيم أن تعامل المرأة معاملة الرجل، تقحمهما فيما لا يصلح لها وتركيبها لا يناسبه، من الظلم أيضاً أن تجعل الرجل مثل المرأة، ومن المعلوم من دين الإسلام بالضرورة أن جنس الرجل أفضل من جنس المرأة، لما ركبت عليه المرأة من أمور لا تناسب الرجال، وما ركب عليه الرجل من أمور لا يناسب النساء، لا شك أننا أمرنا أن ننزل الناس منازلهم، سواء كان في مستواهم العلمي أو عدمه، كبار صغار رجال نساء، نعم الناس تتفاوت عقولهم، تتفاوت مداركهم، كل إنسان له معاملة تليق به، وتفضيل الجنس على الجنس لا يعني أن فلان من الناس أفضل من جميع النساء؟ لا، أو أن فلانة من النساء دون جميع الرجال؟ لا، إنما هو تفضيل جنس على جنس، كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا فلانة وفلانة، ولن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة. تصور رجل يتخصص في تربية الأطفال هذا بيعيش هذا؟ يبي يحسن هذا؟ ما يمكن، إلا بعد أن انقلبت الموازين وفسدت التصورات وصار تخصص كثير من الرجال قوابل يولدون النساء، ويعلن في الصحف بشرى سارة قدم البروفسور فلان لتوليد مواليد مدري إيش؟ فساد تصور، والله المستعان.
لكن هذا الحديث حديث عظيم، ميزان يجعل المسلم يتعامل مع الناس على ضوئه، من الظلم أن يأتي شيخ كبير عالم جليل ثم يعامل معاملة آحاد الناس، ولا يلقى له بال، هذا ظلم له، من الظلم أن يأتي طالب علم ولو كان عنده ما عنده من علمٍ يناسب سنه ومستواه ثم يشاد به، يقال الإمام العلامة العارف العابد الزاهد إيش الكلام هذا؟ هذا ظلم له وإيقاع له في مفاسد عظيمة لا يحتملها هو وتغرير له، وتغرير به، ونجد أيضاً على الساحة مسألة الإعجاب، إعجاب بعض الناس، ترفع بعض الناس إلى السها وتنزل بعض الناس إلى.. هذا ظلم أيضاً، مخالفة للنص الصحيح هذا الذي معنا، بل أمرنا أن ننزل الناس منازلهم.
ونسمع ونقرأ قال العلامة فلان، وما يزال في طور الطلب، فضلاً عن أن يكون عالماً، وهذه الكلمة نرى لها امتهان اليوم بين أظهر الناس، ويحتقر بعض الكبار بعد، بالمقابل يحتقر بعض الكبار؛ لأنه وقع في خطأ من وجهة نظرك، أنت ترى أنه خطأ أو عنده تقصير فيما تحسب؛ لكن أمرنا أن ننزل الناس منازلهم، كل إنسان وما يليق به، والله المستعان.
الحديث السادس عشر: عن أبي صِرْمَةَ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من ضارَّ ضار الله به. ومن شاقَّ شَقَّ الله عليه)) رواه الترمذي وابن ماجه.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث السادس عشر: وعن أبي حرمة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من ضار ضار الله به، ومن شاق شاق الله عليه)) الجزاء من جنس العمل، ((اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليه فاشقق عليه، من رفق بهم فارفق بهم)) هذه قاعدة مضطردة في الشرع: الجزاء من جنس العمل، الذي يعفو عن الناس ويسامحهم يعامل بالعفو والمسامحة، الذي يأخذ حقه بالقطمير يعامل بهذه المعاملة، وحديث الرجل من بني إسرائيل الذي كان يداين الناس معروف في الصحيح، والله -جل وعلا- أحق بالعفو، فمن آذى الناس وضار بالناس ضار الله به، وشق على الناس يشق الله عليه، من يسر على الناس يسر الله أمره في الدنيا، من يسر على معسر من أنظر معسراً، من أقال نادماً، نصوص كثيرة تدل على هذا الأصل العظيم، وأن الله -جل وعلا- أحق بالعفو من الخلق؛ لكن قد يفهم بعض الناس أن هذا عام فيمن يستحق الضرر ومن لا يستحق الضرر، لا شك أن هذا فيمن لا يستحق الضرر، أما من يستحق الضرر من الجناة لا بد أن يضار، يعني بالمقابل فإذا بلغت الحدود السلطان فإن عفا فلا عفا الله عنه؛ لأن هذه الأمور أمور شرعية حدود شرعت لتحقق أهداف، وليس معنى هذا أننا نعطل الحدود من أجل أن لا نقع في مثل هذا، جزاء {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا}[(40) سورة الشورى] والمماثلة في العقوبات شرعية، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ماثل في القوم من عكل أو عرينة الذين اجتووا المدينة فأمر لهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بما أمر، قتلوا الراعي، وسملوا عينيه، فعل بهم النبي -عليه الصلاة والسلام- مثل ما فعلوا، {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ}[(126) سورة النحل] لا نقول: أن هذا ضار، لا، هذا بفعله هذا وإن كان ضرراً على هذا الذي تسبب على نفسه بالضرر إلا أنه يردع غيره، ولذا جاء في قوله -جل وعلا-: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}[(179) سورة البقرة] يعني شخص يقتل آخر فتقول: يا أخي إراقة دم مسلم اتركه، بدل ما نخسر اثنين خلينا نخسر واحد، نقول: لا يا أخي أنت لو ما خسرت هذا الواحد خسرت آلاف، من الذي يردع الثاني والثالث إلا معرفة أن هذا أقيم عليه الحد؟ يعني زيد قتل عمرو، فإذا أريد أقامة الحد القصاص على زيد يقول لك: الأمة ما هي بحاجة إلى كثرة دماء، وكذا خلي اللي راح راح، يغفر الله لنا وله، ولا نخسر اثنين، خلينا نخسر واحد وواحد يبقى، عضو فاعل في المجتمع ومنجز وعنده أعمال، لا يا أخي، هذا الشخص لو ترك لا شك أن القتل سوف يسود ويكثر وشواهد الأحوال معروفة في الشرق والغرب، جرائم القتل والاغتيالات والاغتصابات وأمور تشيب لها الذوائب، وعندنا -ولله الحمد- مع إقامة الحدود مثلما ترون، الأمور نسبية، ليس معنى هذا أنه لا يحصل شيء البتة؟ حصل هذا في عصره -عليه الصلاة والسلام-؛ لكن المسألة نسبية، مسائل نسبية، فنحن -ولله الحمد- نعيش في أمن، حاول من حاول في إثارة الفتن والقلائل؛ لكن ما زلنا -ولله الحمد- في خير، نسأل الله -جل وعلا- أن يديم علينا هذا الخير، وأن يوفقنا للاستمرار في فعل الأسباب المثبتة، والتي تعين على بقاء هذا الخير، والله المستعان.
((من ضار ضار الله به)) تسعى للضرر بأخيك الجزاء من جنس العمل، لا بد وأن يحصل لك الضرر، والمثل يقول: "من حفر حفرةً لأخيه وقع فيها" ((ومن شاق شق الله عليه)) تجد رئيس المصلحة ومدير الدائرة سمح وحبيب في حدود النظام بحيث لا يتسيب الناس، يعامل الناس معاملة حسنة، تجد هذا محل احترام وتقدير وتسامح وتجاوز ممن فوقه وممن دونه، ويعيش في راحة وطمأنينة بال لا يدركها أحد، وشخص يدعي الكيس والحزم ويريد أن يضبط الناس ويأطرهم؛ لكن وبعدين؟ لا شك أن اللين والرفق والليونة مع الناس التي تؤدي إلى تضييع أمور المسلمين هذا ضياع؛ لكن يبقى أنه يمكن أن تؤدى الحقوق مع الرفق واللين، مع طيب الاستقبال، مع طيب الكلام، مع حسن الخلق؛ لكن هذا الذي يريد أن يأطر الناس لا، لا، أبداً هون على نفسك، العوام يقولون: "ما يعطى الملك إلا من يحمله" يعني من يستطيع حمله، فمثل هذا من تحته من الموظفين كل يوم طالع واحد، يبحثون عن النقل يمين ويسار، ولا يصفي له أحد، تجد من فوقه يسلط عليه، ((من شاق شق الله به)) ((اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به)) لكن ليس معنى هذا التضييع، بل لا بد للأعمال العامة من القوي الأمين، قوي أمين، لا بد من توافر الشرطين، وإلا إذا كان قوي وليست معه أمانة ضاعت الأمور، وإذا وجدت الأمانة مع الضعف أيضاً تضيع الأمور، فلا بد من توافر هذين الشرطين لتولية الأكفاء، وإلا إن لم نسع لتحقيق هذين الشرطين وقعنا في ((إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)) لا بد أن نسعى لاختيار الأصلح، الذي يستطيع أن يتعامل مع من دونه ومع من فوقه يحقق الهدف، ولا يترتب على ذلك تسيب ولا ضياع ولا تضييع لأمر الله -جل وعلا-، ولا تضييع لحقوق الناس.
الحديث السابع عشر: عن أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن)) رواه الإمام أحمد والترمذي.
عن أبي ذر جندب بن جنادة الغفاري -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اتق الله حيثما كنت)) الأمر بالتقوى التي هي وصية الله للأولين والآخرين، بالتقوى، والتقوى أصلها من الوقاية، بأن تجعل الله بينك وبين عذاب الله ما يقيك منه، وذلك بفعل المأمور وترك المحظور، تفعل ما أمرك الله به، وتجتنب ما نهاك الله عنه، هذه هي التقوى، فعل المأمورات وترك المحظورات، حيثما كنت، في أي مكانٍ كنت، سواء كنت بين الناس أو كنت خالياً منفرداً، وسواء كنت في بلدٍ أو في آخر؛ لأنه مع الأسف يوجد بعض الناس من يظهر عليه آثار الاستقامة والالتزام في بلد ثم إذا سافر إلى بلدٍ آخر تنصل من هذه الأمور، والله -جل وعلا- هو الرب، هو المعبود في كل مكان، ((فاتق الله حينما كنت)) ونحن مأمورون بأن يكون السر كالعلانية، وأن تكون الحضرة كالغيبة، وإلا فالمسألة رياء، إذا كان الإنسان يتزين أمام الناس ويتنسك ثم إذا خرج وخلا بنفسه ارتكب ما ارتكب من محارم الله ما امتثل، ما اتق الله حينما كان، ((اتق الله حينما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها)) {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}[(114) سورة هود] فإذا عمل غفل الإنسان وأخل بالتقوى وارتكب بعض المحرمات عليه أن يبادر بالتوبة بشروطها، والتوبة تهدم ما كان قبلها، وعليه أيضاً أن يتبعها حسنة تمحها، تمحوا أثرها؛ لأن الحسنات يذهبن السيئات، والرجل الذي حصل منه ما حصل من تقبيل المرأة الأجنبية، جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم صلى معه، قال: ((هل صليت معنا؟)) قال: نعم، قال: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}[(114) سورة هود] وليس معنى هذا أنه فتح باب للناس أو للإنسان أن يرتكب السيئات ثم بعد ذلك يتبعه الحسنات وأتوب منها؟ ما الذي يضمن أن تعيش إلى أن تفعل حسنة تمحها؟ أولاً: مثل هذا خاص بالصغائر، أما الكبائر لا بد لها من توبة، لا بد لها من توبة الكبائر، أما إتباعها بالحسنة فلا، كما سيأتي في حديث: ((الصلوات الخمس إلى الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن ما لم تغش كبيرة)) ((ما اجتنبت الكبائر)) لا بد من هذا القيد، ((فأتبع السيئة –يعني من الصغائر- الحسنة تمحها)) فإذا قال: أنا سهل يرسل النظر، ويصلي ويذهب أثرها، النظر محرم، وقد يتيسر له شيء من اللمم من تقبيل وشبهه، يقول: أصلي وتروح، يا أخي من يضمن أن تعيش إلى أن تصلي؟ إشكال الإقدام على المعصية مع الإصرار مع العلم مع الاستحضار هذا يجعلها كبيرة لأنه استخفاف لأمر الله -جل وعلا-، ومن الذي يضمن لك أن توفق لأن تعمل حسنة تمحها، إذا أقدمت على المعصية مصراً عليها؟.
((وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلقٍ حسن)) لا شك أنك لن تسع الناس لا بجسدك ولا بمالك ولا بجاهك، إنما تسعهم بإيش؟ بخلقك، خالقهم بخلقٍ حسن، ومع الأسف الشديد تجد بعض الناس إذا استقبل أخاه لا يختلف معه في شيء البتة، يستقبله استقبال كأنه وحش، هل هذا من الخلق الحسن؟ ((لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلق أخاك بوجهٍ طلق)) أقل الأحوال البشاشة يا أخي، هذا مسلم، زد على ذلك إذا كان من طلبة العلم، أضف على ذلك إذا كان من أهل العلم، ولو أخطأ ليس بمعصوم، ولو أنت اللي تقرر الخطأ والصواب، المسألة أمور اجتهادية تنتابها وجهات نظر ومع ذلك يوالى ويعادى عليها، هل هذا من الإنصاف؟ هل هذا من تطبيق مثل هذه السنن؟ ((خالق الناس بخلقٍ حسن)) خالق الناس عامة الناس، فضلاً عن طلاب العلم فضلاً عن أهل العلم، تجد أهل العلم الكبار الآن في المجالس المناشير رايحة جاية، تلوكها الناس بألسنتهم من عامة الناس فضلاً عن طلاب العلم، وما جرأ العوام على العلماء إلا بعض طلاب العلم، فلان أخطأ، وفلان فعل، وفلان ترك، وإلا العوام غافلين ما عندهم شيء من هذا، لكن لما تكلم علم الناس وتطاولوا عليهم زالت مهابتهم من القلب، وزوال هيبة أهل العلم من القلوب مؤذن بخطر عظيم؛ لأنه يزيل الثقة بهم، فإذا زالت الثقة بأهل العلم بمن يتقدي عامة الناس؟ فهذا أمر لا بد من الانتباه له، وعليك أن تعامل كل إنسان بما يناسبه، وأمرنا أن ننزل الناس منازلهم.
شخص له قدم في الإسلام، وله يد في هداية الناس ودعوتهم إلى الله أخطأ أو زل يا أخي اترك له مسافة، الله -جل وعلا- يعني تقبل الخطأ من عامة الناس، وهذا خطأ غير مقصود أو متأول أو رأى فيه المصلحة، نعم الخطأ لا بد من رده، لا بد من التنبيه على الخطأ، لا بد من الرد المناسب على من يخطئ، لا بد من بيان الحق؛ لكن بالأسلوب المجدي النافع، مو معنى أنه خطأ خلاص انتهى، دين الإسلام وسط بين الغالي والجافي، مذهب أهل السنة وسط بين الخوارج وبين المرجئة، المرجئة يتركون المساحة الواسعة: افعل ما شئت، وما زلت في دائرة الإيمان، بينما الخوارج أبداً تخطئ خطأ واحد خرجت من الملة، ولا هذا ولا هذا، ولا يتبين مذهب أهل السنة ووسطية أهل السنة إلا إذا عرفنا الأطراف، ولذلكم شيخ الإسلام ابن تيمية –
رحمه الله تعالى- برع في كتابه الواسطية، حين بين مذهب أهل السنة من خلال ذكر الطرفين في أبواب الدين، فعلينا أن ننظر إلى إخواننا بعين الإنصاف، نعم من كان عنده بدعة ويخشى من تعديها إلى غيره، وهو يدعو إلى بدعته، وتجد الناس يستجيبون لدعوته الآن حذر منه، حذر منه حذر من بدعته، ولا عليك من شخصه؛ لأن بعض الناس يقع في الذوات، بل بعض الناس يصل إلى حد القذف، نسأل الله العافية، على شان إيش؟ احرص على نفسك قبل غيرك، أنت تعرض نفسك الآن لعقوبات ما تدري قدرها، تجني على نفسك بمعاصي وذنوب يمكن ما تحسب لها حساب، فالإنسان عليه أن يحفظ ويحرص على حفظ مكتسباته ومقتنياته لما يرضي الله -جل وعلا-، لا يوزع أعماله، ويبقى أن العاصي مذموم والمبتدع مذموم، وكذا، وكل له معاملته في الشرع، ويبقى أن الأصل خالق الناس بخلق حسن، لا بد من إحسان الخلق مع الناس كلهم، وكل على ما يليق به؛ لأننا أمرنا أن ننزل الناس منازلهم، كما في الحديث الصحيح السابق.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"
على كل حال القوة بكل ما يحتمله اللفظ، قوة الإيمان وهذا أعظم، قوة الجسد، قوة الهمة، قوة العزيمة الصادقة على فعل الخير، نية الخير، كل هذه قوة.
أن لها صديقة وأخو هذه الفتاة يرغب أن يتزوج صديقتها، ولكن به بعض الصفات التي لا تريدها صديقتها في زوجها، وهذا الشاب وعد بالالتزام والتغيير للأفضل، فهل إذا سألت الفتاة صديقتها عن أخيها وصفاته فهل تجيبها بصراحة أم تقول: أنه على خلق كما وعد هذا الشاب؟
الإنسان قيمته في وقته الحاضر، لا ينظر إلى الماضي الذي تاب منه، ولا المستقبل الذي وعد به، الإنسان يقوم حسب وضعه الآن، فعليها أن تبين ما عنده الآن وتذكر لها أنه ينوي تغيير حاله إلى أحسن.
الأجر رتب على الذكر ((من قال في يومٍ مائة مرة: سبحان الله وبحمده حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)) الذكر، التذكر والاعتبار والانتفاع بما يقول هذا أجره زائد على مجرد النطق، قراءة القرآن التي تحصل أجر الحروف، كل حرف بعشر حسنات هي النطق بهذا الكلام، التدبر لهذا الكلام، الترتيل لهذا الكلام، العمل بهذا الكلام كلها أجور زائدة، والله يضاعف لمن يشاء.
ليس لها كفارة، إنما هي معصية محرمة عند أهل العلم، على فاعلها التوبة والإقلاع والندم والاستغفار، وليس لها كفارة.
على كل حال على الإنسان أن يسعى أن يحقق ما سمع، وأن يطبق ما علم، وعرفتم فضل الدعوة إلى الله -جل وعلا- وفضل من دعا إلى هدى، وأن له من الأجور مثل أجور من عمل به، فعليه أن يسعى في تكميل نفسه بمتابعة التعليم ودعوة غيره، بأن يكون متعلماً عاملاً عالماً معلماً بهذا يكمل، وبهذا مخلصاً بذلك لله -جل وعلا-، أما أن يضيع نفسه بأن يحصل على الشهادة ثم يذهب إلى بلده فيعمل بعملٍ وظيفي أو عملٍ ينسيه ما حصله من علم، يقول ربيعة -رحمه الله تعالى-: "لا ينبغي لمن كان عنده شيء من العلم أن يضيع نفسه" فالذي لا يتابع التحصيل ولا يتابع التعلم والعمل والتعليم مثل هذا سرعان ما يضيع ما كسبه، وما جناه من علم، ويذهب تعبه ولا يحصل على شيءٍ من الأجر إلا الشيء اليسير بقدر ما يعمله؛ لكن إذا تصورنا الحديث الصحيح: ((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من عمله به)) فضل عظيم، عظيم جداً، تسمعون أنتم من أسلم على يده مئات، ومن أسلم على يده ألوف، يعني هل الإنسان يحرم نفسه إلى هذا الحد لا يؤدي كلمة يقولها ينتفع بها أحد؟ يثبت له أجرها ولو لم ينتفع بها أحد؟
لا يمنع، لا مانع ما دام موجود الجنين عند أهل العلم في حكم الموجود المعلوم، لا مانع أن يرقى، ولو نفث في ماء مثلاً وشربته الأم، يعني لعل ينتفع به، والدعاء هو الأصل في مثل هذا الباب.
أهل العلم يقولون: أنه توافر في النفاق العملي، المخرج عن الملة النفاق الاعتقادي؛ لكن لو اجتمعت هذه لا يأمن الإنسان أن يجر إلى النفاق الاعتقادي؛ لكنها بمجموعها إذا سلم من النفاق الاعتقادي، وسلم من استحلال هذه الأمور فإنه لا يخرج من الملة.
لا يجوز الانتساب لغير الأب ولا لغير الموالي، والأمر في ذلك عظيم، ويوجد في بعض البلدان أنها إذا تزوجت من آل فلان نسبت إليهم، هذا لا يجوز بحال.
هل كل حال هو حق له، لا بد من أن تبرأ منه بالأسلوب المناسب، يعني إذا كان التحلل منه مباشرةً تقول له: يا فلان أنا والله تكلمت فيك في المجلس الفلاني وأنا تائب وأرجو المعذرة، إن تيسر هذا من غير مفسدة أكبر فهو الأصل؛ لأنه هو صاحب الحق إن لم يتيسر فأنت عليك أن تدعو له، وأن تثني عليه وتمدحه وتنقض ما قلت، لا سيما في المجالس الذي اغتبته فيها.
إذا كان فيها ضرر، الشفاعة إذا كان فيها ضرر، أو فيها حرمان من حق لا تجوز بحال، هذه شفاعة سيئة وليست بشفاعة حسنة، كما أن الشفاعة في الحدود إذا بلغت السلطان أيضاً لا تجوز.
هذا ليس معهم حق، إذا كان هذا الشيخ بالفعل يعني مفيد ونافع، وهو أكثر نفعاً من غيره على حسب تقدير هذا الشخص ينصح إخوانه ويدلهم عليه؛ لأن الدين النصيحة، يدلهم على هذا الشيخ، ويبين لهم ما عنده من علم وفضل، وأنه يمتاز بكذا وكذا، أما أن يلزم الناس بما يختاره وما يترجح عنده، ويزداد الأمر إلى أن يتكلم فيهم، هذا أمر لا يجوز بحال.
أخذ الأجرة على الجاه عند جمع من أهل العلم لا يجوز، بل هو من أكل أموال الناس بالباطل، ومنهم من يجيز ذلك؛ لكن الورع تركه.
أي نعم، لا بأس؛ لأن الشرح شرح، يعني لا مانع أن تجد الحديث في صحيح البخاري وهو في المحرر، وهو مخرج في البخاري تشرح هذا الحديث من فتح الباري إيش المانع؟ موجود في البلوغ ترجع إلى سبل السلام وتقرأ شرحه، هذا لا شك أنه فضل؛ لكن يبقى أن هناك أحكام لابن عبد الهادي تحتاج إلى بيان، فإذا اكتملت شروحه سواء كانت مكتوبة أو مسموعة وتمت العناية به، ينبغي أن يتجه إليه الطلاب، أما الآن فخدمته أقل من خدمة البلوغ، والطالب بحاجة إلى كتابٍ مخدوم، بحيث لا يشكل عليه شيء، وعلى كل حال المحرر في نظري أمتن من البلوغ؛ لكن يبقى أن المحرر يحتاج إلى خدمة، قد يشكل على طالب العلم شيء في المحرر لا يجد من يحله له.
لا شك أن فيه شبه من المنافقين، إن كان باطنه يختلف عن ظاهره؛ لكن لا ينطبق عليه حد المنافق، وإنما الإنسان قد يكون تركه لبعض الأمور خشية الناس إذا كان مع الناس مختلطاً بهم أو في نظر الناس لا يرتكب معاصي، والله -جل وعلا- أحق أن تخشوه، {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ}[(108) سورة النساء] الإنسان عليه أن يحاسب نفسه، ويحرص على ترك الذنوب في الخلوة وفي الجلوة.
نعم، ضبط أوهام على الحافظ ابن حجر؛ لكن لا يعني هذا أن الحافظ أكثر من هذه الأوهام، هي يسيرة بالنسبة للكتاب، فإذا رجع الطالب في كل حديثٍ إلى مرجعه الأصلي، ومصدره الأصلي الذي يروي الأحاديث بالأسانيد لا شك أنه يسعى في تثبيت هذا الحديث في قلبه، هو يثبت الحديث في قلبه برجوعه إلى مصدره، وإذا رجع إلى مصدر الشرح ونظرنا فيها يستفيد فائدة كبيرة، والله أعلم.
عرفنا أنه من الكذب، لكن يبقى هل هو محرم أو أن المصلحة راجحة كما قرره بعض أهل العلم في بعض الأبواب التي ذكرناها من المناظرات ومن المقامات وغيرها، بعضهم يتساهل في مثل هذا.
إضحاك الناس جاء فيه الوعيد، وحكم حكايتها للناس أيضاً من باب الإضحاك لا شك أن مثل هذا سفه، لا يليق بالمسلم فضلاً عن طالب العلم الجاد.
عليه أن يقلع فوراً، وعليه أن يندم على ما فات، وأن يعزم على أن لا يعود مخلصاً في ذلك لله تعالى.