شرح مقدمة سنن ابن ماجه (11)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في درس الأمس: عبد السلام بن صالح أبو الصلت الهروي في الحديث رقم (65) وما قيل فيه من أنه رافضي كذاب، ولذا أورد ابن الجوزي حديثه في الموضوعات، وذكر أن الآفة منه، وهذا واحد من الإخوان أحضر الترجمة من التقريب ومن التهذيب.
يقول في التقريب: صدوق له مناكير وكان يتشيع، وسؤاله هل هو صدوق أم كذاب أم ضعيف؟ وهل كلام ابن حجر عنه في التقريب صحيح؟
في التهذيب يقول: عبد السلام بن صالح بن سليمان بن أيوب بن ميسرة القرشي مولاهم أبو الصلت الهروي، سكن نيسابور، ورحل في الحديث إلى الأمصار، وخدم علي بن موسى الرضا، وروى عن عبد السلام بن حرب، وعبد الله بن إدريس، وعبّاد بن العوام، وحمّاد بن زيد، ومالك بن أنس وعلي بن هشام، والفضيل بن عياض، وعبد الله بن المبارك، وخلف بن خليفة وخلق، وعنه ابنه محمد بن إسماعيل الأحمسي وذكر آخرين، ثم قال: قال أحمد بن سيّار: ذُكر لنا أنه من موالي عبد الرحمن بن سمرة، وقد لقي وجالس الناس ورحل في الحديث، وكان صاحب قشافة وزهد، ولم أره يفرط في التشيع، وناظر بشر المريسي معروف رأس المعتزلة، عند المأمون وكان الظفر له، يقول: ورأيته يقدم أبا بكر وعمر، ويترحم على علي وعثمان -رضي الله عنهما-، ولا يذكر الصحابة إلا بجميل، إلا أن ثمة أحاديث يرويها في المثالب، يعني في المثالب التي تتضمن الإزراء ببعض الصحابة يعني، وسألت إسحاق بن إبراهيم عنه فقال: أما من رواها عن طريق المعرفة فلا أكره ذلك، يعني من رواها..، من روى هذه الأحاديث من أجل أن يعرفها فلا أكره ذلك، وأما من يرويها ديانة فلا أرضى الرواية بها.
وقال القاسم بن عبد الرحمن الأنباري: سألت يحيى بن معين عن حديث حدثنا به أبو الصلت عن أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعاً: ((أنا مدينة العلم...)) الحديث، فقال: هو صحيح، وقال الخطيب: أراد أنه صحيح عن أبي معاوية، إذ قد رواه غير واحد منه، وقال المروزي: سئل أبو عبد الله عن أبي الصلت فقال: روى أحاديث مناكير، قيل له: روى حديث مجاهد: ((أنا مدينة العلم)) قال: ما سمعنا بهذا، قلت: وهذا الذي ينكر عليه؟ قال: غير هذا، أما هذا فما سمعنا به، وروى عن عبد الرزاق أحاديث لا نعرفها ولا نسمعها، وقال الحسن بن علي بن مالك: سألت ابن معين عن أبي الصلت، فقال: ثقة صدوق إلا أنه يتشيع.
وقال ابن الجنيد: عن ابن معين: قد سمع، وما أعرفه بالكذب، قلت: فحديث الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس؟ فقال: ما بلغني إلا عنه وما سمعت به قط، وقال مرة أخرى: ولم يكن أبو الصلت عندنا من أهل الكذب.
وقال الدوري: سمعت ابن معين يوثق أبو الصلت، وقال في حديث: ((أنا مدينة العلم)) حدث به محمد بن جعفر عن أبي معاوية هذا، فقال ابن محرز يعني في روايته عن ابن معين ليس ممن يكذب، فقيل له: فيحدث أبي معاوية، لعلها فقيل له: فحديث أبي معاوية، وقال ابن محرز عن ابن معين ليس ممن يكذب، وقيل له في حديث أبي معاوية هذا فقال: أخبرني ابن نمير قال: حدث به أبو معاوية قديماً، ثم كف عنه، وكان أبو الصلت موسراً يطلب هذه الأحاديث، ويكرم المشايخ فكانوا يحدثونه بها، وقال صالح بن محمد: رأيت ابن معين يحسن القول فيه، وقال زكريا الساجي يُحدث بمناكير، وهو عندهم ضعيف، قال النسائي: ليس بثقة، قال أبو حاتم: سألت أبي عنه فقال: لم يكن بصدوق وهو ضعيف، ولم يحدثني عنه، وضرب أبو زرعة على حديثه، قال: لا أحدث عنه ولا أرضاه، وقال الجوزجاني: كان مائلاً عن الحق، وقال ابن عدي: له أحاديث مناكير في فضل آل البيت وهو متهم فيها، وقال البرقاني عن الدارقطني: كان رافضياً خبيثاً، قال لي دعلج: إنه سمع أبا سعد الهروي قيل له: ما تقول في أبي الصلت؟ فقال: نعم ابن الهيضم ثقة، قال: إنما سألتك عن عبد السلام؟ فقال: نعيم ثقة، ولم يزد على هذا.
وقال أبو الحسن: روى حديث: "الإيمان إقرار بالقول" وهو متهم بوضعه، لم يحدث به إلا من سرقه منه، فهو الابتداء في هذا الحديث.
وقال البرقاني: وحكى لنا أبو الحسن أنه سمعه يقول: كلب للعلوية خير من جميع بني أمية، فقيل: إن فيهم عثمان؟ فقال: فيهم عثمان.
له في ابن ماجه حديث الإيمان المذكور حسب.
قلت: وقال العقيلي: رافضي خبيث، وقال مسلمة عن العقيلي: كذاب، وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد، وقال الحاكم والنقاش وأبو نعيم: له مناكير، قال الحاكم: وثقه إمام أهل الحديث يحيى بن معين، وقال الآجري عن أبي داود كان ضابطاً، ورأيت ابن معين عنده، وقال محمد بن طاهر: كذاب، وسمعتم ما قيل فيه، وأن ابن معين يحسن الظن فيه، ومنهم من يضعفه، ومنهم من يرميه بالكذب، يعني بالتدرج، وما تقدر إلا أن تعرفوا التواريخ، تواريخ هذا الكلام، إذا عرفت هذا الكلام، وأنه متدرج بالفعل وإلا ما تجزم، يمكن صار ثقة فيما بعد.
طالب:.......
لا لا ما دام يقول: كلب للعلوية خير من جميع بني أمية، هذا ما هو، هذا غالي في التشيع.
طالب:.......
معروف، معروف عن هذه الفئة استعمال التقية، وهي شعارهم، والنفاق دثارهم، معروفون، على كل حال ما دام حكم أهل العلم والحديث لا أصل له، الحديث الذي رواه هنا لا أصل له.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللسامعين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً يا رب العالمين.
قال الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني، المعروف بابن ماجه -رحمه الله تعالى-:
باب: في القدر
حدثنا علي بن محمد الرقي قال: حدثنا وكيع ومحمد بن فضيل وأبو معاوية ح وحدثنا علي بن ميمون الرقي قال: حدثنا أبو معاوية ومحمد بن عبيد عن الأعمش عن زيد بن وهب قال: قال عبد الله بن مسعود: حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق المصدوق: ((أنه يجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه الملك، فيؤمر بأربع كلمات، فيقول: اكتب عمله، وأجله، ورزقه، وشقي أم سعيد؟ فو الذي نفسي بيده إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها)).
حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا إسحاق بن سليمان قال: سمعت أبا سنان عن وهب بن خالد الحمصي عن ابن الديلمي قال: وقع في نفسي شيء من هذا القدر خشيت أن يفسد علي ديني وأمري، فأتيت أبي بن كعب فقلت: أبا المنذر إنه قد وقع في نفسي شيء من هذا القدر فخشيت على ديني وأمري، فحدثني من ذلك بشيء لعل الله أن ينفعني به؟ فقال: لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم، ولو كان لك مثل جبل أحد ذهباً، أو مثل جبل أحد تنفقه في سبيل الله ما قبل منك حتى تؤمن بالقدر، فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأنك إن مت على غير هذا دخلت النار، ولا عليك أن تأتي أخي عبد الله بن مسعود فتسأله، فأتيت عبد الله فسألته فذكر مثل ما قال أبي، وقال لي: ولا عليك أن تأتي حذيفة، فأتيت حذيفة فسألته، فقال مثل ما قالا، وقال: ائت زيد بن ثابت فاسأله، فأتيت زيد بن ثابت فسألته فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم، ولو كان لك مثل أحد ذهباً أو مثل جبل أحد ذهباً تنفقه في سبيل الله ما قبله منك حتى تؤمن بالقدر كله، فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأنك إن مت على غير هذا دخلت النار)).
حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع ح وحدثنا علي بن محمد قال: حدثنا أبو معاوية ووكيع عن الأعمش عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي قال: كنا جلوساً عند النبي -صلى الله عليه وسلم- وبيده عود فنكت في الأرض، ثم رفع رأسه فقال: ((ما منكم من أحد إلا وقد كُتب مقعده من الجنة، ومقعده من النار)) قيل: يا رسول الله أفلا نتكل؟ قال: ((لا، اعملوا ولا تتكلوا، فكل ميسر لما خلق له)) ثم قرأ: {فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [(5-10) سورة الليل].
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد الطنافسي قالا: حدثنا عبد الله بن إدريس عن ربيعة بن عثمان عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، فإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان)).
حدثنا هشام بن عمار ويعقوب بن حميد بن كاسب قالا حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار سمع طاوساً يقول: سمعت أبا هريرة يخبر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((احتج آدم وموسى فقال له موسى: يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة بذنبك، فقال له آدم: يا موسى اصطفاك الله بكلامه، وخط لك التوراة بيده، أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟! فحج آدم موسى، فحج آدم موسى، فحج آدم موسى ثلاثاً)).
حدثنا عبد الله بن عامر بن زرارة قال: حدثنا شريك عن منصور عن ربعي عن علي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع: بالله وحده لا شريك له، وأني رسول الله، وبالبعث بعد الموت، والقدر)).
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا: حدثنا وكيع قال: حدثنا طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله عن عمته عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين قالت: دُعي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى جنازة غلام من الأنصار، فقلت: يا رسول الله طوبى لهذا، عصفور من عصافير الجنة لم يعمل السوء ولم يدركه، قال: ((أو غير ذلك يا عائشة؟ إن الله خلق للجنة أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم)).
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا: حدثنا وكيع قال: حدثنا سفيان الثوري عن زياد بن إسماعيل المخزومي عن محمد بن عباد بن جعفر عن أبي هريرة قال: "جاء مشركو قريش يخاصمون النبي -صلى الله عليه وسلم- في القدر، فنزلت هذه الآية: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [(48-49) سورة القمر].
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا مالك بن إسماعيل قال: حدثنا يحيى بن عثمان مولى أبي بكر قال: حدثنا يحيى بن عبد الله بن أبي مليكة عن أبيه أنه دخل على عائشة فذكر لها شيئاً من القدر، فقالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من تكلم في شيء من القدر سئل عنه يوم القيامة، ومن لم يتكلم فيه لم يسأل عنه)) قال أبو الحسن القطان: حدثناه خازم بن يحيى قال: حدثنا عبد الملك بن سنان قال: حدثنا يحيى بن عثمان فذكر نحوه.
حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا أبو معاوية قال: حدثنا داود بن أبي هند عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أصحابه وهم يختصمون في القدر، فكأنما يفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب، فقال: ((بهذا أمرتم)) أو ((لهذا خلقتم، تضربون القرآن بعضه ببعض، بهذا هلكت الأمم قبلكم)) قال: فقال عبد الله بن عمرو: "ما غبطت نفسي بمجلس تخلفت فيه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما غبطت نفسي بذلك المجلس وتخلفي عنه".
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا: حدثنا وكيع قال: حدثنا يحيى بن أبي حية أبو جناب الكلبي عن أبيه عن ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا عدوى ولا طيرة ولا هامة)) فقام إليه رجل أعرابي فقال: يا رسول الله أرأيت البعير يكون به الجرب فيجرب الإبل كلها؟ قال: ((ذلكم القدر، فمن أجرب الأول؟)).
حدثنا علي بن محمد حدثنا يحيى بن عيسى الجرار عن عبد الأعلى بن أبي المساور عن الشعبي قال: لما قدم عدي ابن حاتم الكوفة أتيناه في نفر من فقهاء أهل الكوفة، فقلنا له: حدثنا ما سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((يا عدي بن حاتم أسلم تسلم)) قلت: وما الإسلام؟ قال: ((تشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وتؤمن بالأقدار كلها خيرها وشرها، وحلوها ومرها)).
حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال: حدثنا أسباط بن محمد قال: حدثنا الأعمش عن يزيد الرقاشي عن غنيم بن قيس عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مثل القلب مثل الريشة تقلبها الرياح بفلاة)).
حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا خالي يعلى عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن جابر قال: جاء رجل من الأنصار إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إن لي جارية أعزل عنها؟ قال: ((سيأتيها ما قدر لها)) فأتاه بعد ذلك فقال: قد حملت الجارية، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((ما قدر لنفس شيء إلا هي كائنة)).
حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن عبد الله بن عيسى عن عبد الله بن أبي الجعد عن ثوبان قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يزيد في العمر إلا البر، ولا يرد القدر إلا الدعاء، وإن الرجل ليحرم الرزق بخطيئة يعملها)).
حدثنا هشام بن عمار، قال: حدثنا عطاء بن مسلم الخفاف قال: حدثنا الأعمش عن مجاهد عن سراقة بن جعشم قال: قلت: يا رسول الله العمل فيما جف به القلم، وجرت به المقادير، أم في أمر مستقبل؟ قال: ((بل فيما جف به القلم، وجرت به المقادير، وكل ميسر لما خلق له)).
حدثنا محمد بن المصفى الحمصي قال: حدثنا بقية بن الوليد عن الأوزاعي عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن مجوس هذه الأمة المكذبون بأقدار الله، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم، وإن لقيتموهم فلا تسلموا عليهم)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: في القدر
القدر السابق الذي كتب قبل أن تخلق السماوات والأرض على كل شيء، وبكل شيء، ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب، قال: وما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، وكان عرشه على الماء)).
فهذا القدر السابق وهو ما قدره الله -جل وعلا- علمه وقدره وكتبه وأوجده قبل أن يخلق السماوات والأرض، ولذا يرى جمع من أهل العلم أن القلم الذي كتبت به المقادير هو أول المخلوقات اعتماداً على هذا الحديث: ((أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب)) ومنهم من يرى أن العرش قبل القلم، وأن الأولية المذكورة مقيدة بالكتابة وليست مطلقة، ولذا يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى-:
والناس مختلفون في القلم الذي |
| كتب القضاء به من الديانِ |
لأنه يقول: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء} [(7) سورة هود] يعني موجود، وهذا هو الراجح عند أهل العلم، لكن الكتابة قبل خلق السماوات والأرض، وقبل إيجاد المخلوقات عدا العرش.
قال -رحمه الله-: "حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا وكيع ومحمد بن فضيل وأبو معاوية ح وحدثنا علي بن ميمون الرقي قال: حدثنا أبو معاوية ومحمد بن عبيد عن الأعمش" يعني كل هؤلاء عن الأعمش، وكيع ومحمد بن فضيل وأبو معاوية ومحمد بن عبيد كلهم يروون "عن الأعمش عن زيد بن وهب قال: قال عبد الله بن مسعود" الصحابي الجليل أبو عبد الرحمن بن أم عبد "قال: حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق المصدوق" صادق في نفسه، مصدق من قبل ربه، ومن أتباعه إلى يوم القيامة: إنه أو أنه حدثنا أنه المحدث به ((أنه يجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين يوماً)) يعني إذا كانت الثانية علقة، والثالثة مضغة، فالأولى نطفة ((يجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك)) العلقة مثل الدودة التي تكون في الماء، أو في المزارع أو غيرها، ثم يكون مضغة، يعني يكبر بحيث يكون بقدر ما يمضغ من الطعام مثل ذلك، فهذه الأطوار الثلاثة أربعين، ثم أربعين، ثم أربعين، تساوي مائة وعشرين، يعني أربعة أشهر، وبعد ذلك يخرج عن دائرة الغيب، فيطلع عليه الملك، يرسل إليه الملك، وقبل ذلك في المائة والعشرين التي هي مرحلة الغيض {وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ} [(8) سورة الرعد] في هذه المدة لا يمكن أن يطلع عليه مخلوق، فمعرفة ما في الأرحام خاصة بالله -جل وعلا-: {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} [(34) سورة لقمان] فلا يعلم، هذه من الخمس الغيبيات لا يعلمها إلا الله، فإذا خرج عن دائرة الغيب بإرسال الملك إليه فإنه بالإمكان أن يطلع عليه غيره من البشر، لا سيما بالآلات الدقيقة كالأطباء، أما قبل ذلك فهو غيب.
((ثم يبعث الله إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات: فيقول: اكتب عمله وأجله ورزقه وشقي أم سعيد؟)) اكتب عمله، هذه هي الكتابة الخاصة في هذا المكان، وإن كان مكتوب عليه في القضاء السابق في اللوح المحفوظ ((اكتب عمله وأجله)) متى يموت ((ورزقه)) فلن يموت حتى يستكمل هذا الرزق ((وشقي أم سعيد؟)) يعني النتيجة النهائية هل هو من فريق الجنة أو من فريق السعير؟
((فو الذي نفسي بيده)) وذكرنا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كثيراً ما يقسم بهذا، والذي نفسي بيده، وفيه إثبات اليد لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، وإن قال كثير من الشراح: روحي في تصرفه، وذكرنا هذا فيما تقدم، فإن كان فراراً من إثبات الصفة فهو مردود على قائله، وإن كان ممن يثبت اليد لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته فلا روح إلا في تصرف الله -جل وعلا-.
((فو الذي نفسي بيده إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)) وهذه الجملة من الحديث أقلقت خيار الأمة، وأقضت مضاجعهم، ملاحظين العاقبة، وما يختم به، ((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة)) قد يعمل بعمل أهل الجنة سبعين سنة ثم يسبق عليه الكتاب الذي أمر به الملك بكونه شقياً فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، في بعض الأحاديث جاء القيد، في حديث أبي موسى وغيره جاء القيد: ((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس)) يعني في الظاهر عمله عمل الجنة؛ لكنه في الباطن غير مخلص لله -جل وعلا-، وفي قلبه شك وريب ((ثم يسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)) على أن عامة أهل العلم لم يحملوا المطلق على المقيد؛ لأنه لو حملوا المطلق على المقيد لأدى ذلك إلى شيء من الأمن من سوء العاقبة، لكن حالهم يدل على خلاف ذلك، فكل منهم يخاف سوء العاقبة مع إخلاصهم، وصدقهم مع الله -جل وعلا-، وهكذا ينبغي أن يكون المسلم خصوصاً طالب العلم الذي يعرف مثل هذه الأمور، ويعرف عن السلف ما يعرف، وما يؤمنه أنه يزل بكلمة أو بسوء رأي، أو ما أشبه ذلك يَضل به ويُضل ((وإن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يلقي لها بالاً تكون من سخط الله يهوي بها في النار سبعين خريفاً)) نسأل الله العافية، فعلى الإنسان أن يحاسب نفسه، وألا يتكلم إلا بشيء ينفعه، وألا يكتب إلا شيئاً ينفعه ويسره أن يلقاه.
فلا تكتب بكفك غير شيء |
| يسرك في القيامة أن تراه |
أما ما يضرك فهذا لا تكتبه، وإذا كان مستوي الطرفين لا تدري هل ينفع أو يضر؟ فاتركه، واحتط لنفسك، وكذلك الكلام لا تتكلم إلا بشيء تحسب حسابه.
((حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع)) يعني شيء يسير من العمر، والأعمال بالخواتيم ((فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها)).
نعم وجد من يزوال المعاصي، ووجد من هو مشرك طول عمره، ثم يختم له بخير فيسلم، وهذا قد أراد الله به خيراً، أو يكون مسرفاً على نفسه ثم يتوب ويتوب الله عليه، ثم في آخر عمره يعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها، فعلى الإنسان ألا يأمن من مكر الله، كما أن عليه ألا يقنط وييأس من روح الله، فعليه أن يكون خائفاً راجياً.
قال -رحمه الله-: "حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا إسحاق بن سليمان قال: سمعت أبا سنان عن وهب بن خالد الحمصي عن ابن الديلمي قال: وقع في نفسي شيء من هذا القدر خشيت أن يفسد علي ديني وأمري" وأكثر الشبهات التي ترد على القلوب من هذا الباب، يعني من باب القدر؛ لأنه سر لا يمكن أن يطلع عليه، فعلى الإنسان من أول الأمر أن يسلم، يرضى ويسلم، فلا يناقش، ولا يبحث، ولا يسأل.
وقع في نفسي شيء من هذا القدر فخشيت على ديني وأمري، قال: وقع في نفسي شيء من هذا القدر خشيت أن يفسد علي ديني وأمري، فأتيت أبي بن كعب فقلت: يا أبا المنذر إنه قد وقع في نفسي شيء من هذا القدر فخشيت على ديني وأمري فحدثني من ذلك بشيء لعل الله أن ينفعني به؟
يعني يكشف ما وقر في قلبي.
"فقال: لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم" لأن أهل الجبر لهم رأي، ونفاة القدر لهم رأي، فأهل الجبر الذين يقولون: إن الإنسان مجبور على تصرفاته معناه أنه جبرهم على شيء ثم عذبهم عليه فهو ظالم لهم، ألزمهم بأن يعملوا ما يعملون، أجبرهم على هذا العمل من شرك أو نفاق، أو عصيان، أو فسوق، ثم حاسبهم عليها، فهو ظالم لهم من هذه الحيثية، وإن كان الكل ملكه، فهو أجبرهم على هذا وباعتبارهم ملكه يرتفع عنه الوصف من هذه الحيثية، وإلا ليس لهم أي إرادة ولا اختيار ولا مشيئة، وكلامهم هذا لا شك أنه وإن نفوه بألسنتهم، نفوا الظلم إلا أن مقتضاه إثبات الظلم حينما يكون الإنسان مجبور على شيء ثم إذا فعله عذب عليه هذا ظلم، لكن هم يتنصلون من هذا بأنهم يقولون: ملكه، ولو عذبهم ولو عذب الله -جل وعلا- أطوع الناس وأعبد الناس صار غير ظالماً له، لكن مقتضى قولهم إن الله يظلم؛ لأنه أجبره ثم حكم عليه.
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له: |
| إياك إياك أن تبتل بالماءِ |
هذه حجتهم، وبالمقابل نفاة القدر، يقولون: لا قدر سابق، الأمر أنف، الله -جل وعلا- لا يعلم بشيء إلا إذا وقع، والعباد يخلقون أفعالهم، ويتصرفون التصرف الكامل بأنفسهم، ولذا يحاسبهم عليها، أما لو تصرفوا بشيء كتبه الله عليهم فإنه لا يحاسبهم على شيء كتبه الله عليهم، وقد ضلت الطائفتان ضلالاً مبيناً بعيداً، والخير كل الخير في التوسط، وهو مذهب أهل السنة والجماعة، فيرون أن المخلوق له إرادة وله مشيئة، يعني إذا أراد أن ينهض إلى المسجد ليصلي هل يوجد ما يمنعه؟ لا يستطيع أن يقوم على رجليه ويخطو خطوات إلى المسجد في شيء يمنع؟ نعم ما في ما يمنع، فجعل له إرادة وله قدرة واستطاعة، وبين له الطريق {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [(10) سورة البلد] بين له طريق الحق وطريق الضلال، ثم إذا اختار أحدهما هو الذي اختار هذا وعليه التبعة، فالمخلوق له مشيئة وله إرادة وله قدرة واستطاعة، لكن هذه المشيئة وهذه الإرادة غير مستقلة، بل هي تابعة لإرادة الله ومشيئته وقضائه وقدره، ولن يخرج عن هذا.
"ولو رحمهم لكانت رحمته خير لهم من أعمالهم" وفي الحديث الصحيح: ((لن يدخل أحدكم الجنة بعمله)) يعني لو حوسب على النعم التي أولاه الله إياها في مقابل أعماله الصالحة ما بقي له شيء؛ لأنه مأمور بالشكر على كل هذه النعم، ثم إذا حوسب ووضع السمع البصر العقل جميع النعم التي لا تعد ولا تحصى لو وضعت نعمة من هذه النعم في مقابل أعماله لرجحت بها، وذكرنا في درس مضى أن الإنسان لو أن الأصبع الصغير الخنصر ضل واقفاً لا ينثني تعب منه تعباً شديداً، ما في ألم، لكنه لا ينثني تعب منه تعباً شديداً، ترى ليس بالأمر السهل أن يستمر الإصبع واقف هكذا، فضلاً عن اليد كلها أو الرجل، يتأذى بها، فكل مفصل من المفاصل نعمة من نعم الله تعالى تحتاج إلى شكر في كل يوم، في كل صباح، تحتاج إلى صدقة عن كل مفصل، وعدة هذه المفاصل ثلاثمائة وستون مفصل.
{وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا} [(18) سورة النحل] ثم خفف عنكم عن هذه الصدقات الثلاثمائة وستين، ويكفي من ذلك ركعتان تركعهما من الضحى، إذا ركعت ركعتين خلاص إضافة إلى أنك لو قلت: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له مائة مرة، وسبحت مائة مرة، وهللت مائة مرة انتهى، والله المستعان.
"ولو رحمهم لكانت رحمته خير لهم من أعمالهم" ((ولن يدخل الجنة أحد بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته)) رحمة الله -جل وعلا- التي وسعت كل شيء، ولو علم الناس ما في رحمة الله من السعة ما قنط من رحمته ولا الكافر، لكن مع ذلك الله -جل وعلا- حرم الجنة على من يشرك به، والله -جل وعلا- لا يغفر لمن يشرك به، فلا نصيب لهم من الجنة، كما أنه حرم النار على من مات وهو لا يشرك بالله شيئاً.
"ولو كان لك مثل جبل أحد ذهباً، أو مثل جبل أحد تنفقه في سبيل الله ما قبل منك حتى تؤمن بالقدر" لأن الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان، لا يصح إلا به "فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك" تجزم يقيناً أن ما أصابك من نوائب الدهر لم يكن ليخطئك؛ لأنه مكتوب عليك ومقدر فلا مفر "وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك" يعني لو أنت ماشٍ في الطريق، ثم وقع شيء من سطح عليك فكسر منك عضو، يعني هل ينفعك لو أنك أسرعت الخطى؟ تقول: لو أني أسرعت وتعديت هذا قبل أن يسقط؟ هذا اجزم جزماً يقيناً أن هذا مكتوب عليك ولن يخطئك، وبالمقابل لو أنك تعديته أو سقط قبل أن تصل إليه هذا أخطأك لم يكن ليصيبك، لو اجتمع الناس كلهم على أن يلقوه عليك لن يصل إليك، ولو أن الخلائق كلهم اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك فلن يضروك، قد يقول قائل: إذا كان الأمر كذلك ففيما العمل، يعني ماذا نبذل من الأسباب، وكل شيء مقدر كما سأل الصحابة النبي -عليه الصلاة والسلام- على ما سيأتي ((اعملوا فكل ميسر لما خلق له)) الإنسان مطالب ببذل الأسباب، والعمل الصالح سبب.
"وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأنك إن مت على غير هذا دخلت النار" يعني مت على غير اعتقاد أن الله -جل وعلا- قدر عليك هذا الأمر دخلت النار؛ لأن الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان.
"ولا عليك أن تأتي أخي عبد الله بن مسعود فتسأله" يعني اسأل تأكد "فتسأله، فأتيت عبد الله فسألته فذكر مثل ما قال أبي، وقال لي: ولا عليك أن تأتي حذيفة، فأتيت حذيفة فسألته فقال مثل ما قالا" هذا النصح يأمره بأن يذهب إلى غيره ليتأكد، ويوجد من طلاب العلم إذا أفتى أو أجاب السائل لو قال له السائل: هل أذهب إلى أحد أتأكد؟ لكان غضب غضباً شديداً، يعني أنت ما تثق، أو لو سمى له أحد قال: وما يدري فلان، وما يدريه، هذا موجود، وشخص معدود من كبار أهل الحديث من جهة المغرب، جيء به وعُرف به فلان الفاعل التارك العلامة المحدث ولا يضاهيه في الحديث إلا فلان، فقال: فلان لا يعرف الحديث، يعني أنا حضرت هذا الكلام، فلان لا يعرف الحديث، ويش يعني؟ يعني هل يتصور أن مثل هذا إذا سئل قال: اذهب اسأل فلان؟ وفي كلام طويل كله من هذا النوع، المقصود أن على الإنسان أن ينصح، وعلى العالم أن يدل طلابه على خير ما يعلمه لهم، فإذا جاء طالب كما قالوا في أدب العالم والمتعلم ليقرأ عليك كتاباً، وأنت تعرف أن فلاناً من أهل العلم يُتقن شرح هذا الكتاب أكثر منك، تدله عليه، هذا من النصيحة، إذا قال: أقرأ عليك في كتاب كذا، تقول: والله فلان أعرف مني بهذا الكتاب اذهب إليه، ولا تقول مثل هذا من أجل أن ترتاح؛ لأن بعض الناس قد يدل على غيره؛ لأنه لا يريد أن يكلف نفسه بالجلوس للطلاب والشرح لهم، يعني هذا من غير هذا الباب، لكن هذا جالس جالس للناس وإذا جاءه أحد أو مثلاً قيل: نريدك تشرح لنا كتاب كذا في العقيدة مثلاً، فتدل على شخص أكثر منك فهماً في العقيدة، تقول: اذهب إلى فلان، أو مثلاً في علوم الحديث أو في أصول الفقه أو في غيرها من العلوم تنصح لهذا الطالب أن يذهب إلى فلان؛ لأنه له خبرة بهذا الكتاب، هذا مقتضى النصيحة، وهؤلاء الصحابة كل واحد يدل على الثاني، اذهب إلى فلان، والشخص الذي أشرنا إليه لما مدح فلان، قال: فلان لا يعرف الحديث؛ ليتفرد بالمعرفة، وهذا لا شك أن فيه خدش وقدح في الإخلاص.
"فأتيت عبد الله فسألته فذكر مثل ما قال أبي، وقال لي: ولا عليك أن تأتي حذيفة، فأتيت حذيفة فسألته، فقال لي مثل ما قالا" وهذا يدل على أن الصحابة وخيار الأمة يتفقون في مسائل الاعتقاد، وأنها لا خلاف بينهم فيها، وأن المسائل التي اتفقوا عليها لا خيار لأحد فيها، ولا يسع الخلاف في مثلها، أما ما اختلفوا فيه، فللمتأهل أن ينظر بين أقوالهم وأدلتهم، ويرجح ما يعتقده، ويدين الله برجحانه.
"وقال: ائت زيد بن ثابت فاسأله فأتيت زيد بن ثابت فسألته فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم))" يعني كما قالوا: "ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم، ولو كان لك مثل أحد ذهباً، أو مثل جبل أحد ذهباً تنفقه في سبيل الله ما قبله منك حتى تؤمن بالقدر كله" يعني نفس الكلام الموقوف الذي قاله أبي بحروفه، رواه زيد بن ثابت مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، واتفقوا عليه، فمنهم من رفعه، ومنهم من وقفه، والذي يغلب على الظن أنهم كلهم سمعوه من النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن الصحابي قد ينشط فيرفع الخبر، وقد يفتي به بمقتضاه، ولو لم يضفه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ولو لم يضفه، لو قال شخص: أنا صليت العشاء خلف إمام يصلي المغرب بناءً على أنني قد صليت المغرب سابقاً، فإذا أنا ما صليت، ووقت العشاء ما بعد دخل، هذا يحصل، بعض الناس يغفل يستطيل الوقت نعم، ثم إذا أقيمت الصلاة، أو ينسى أنه صلى المغرب ينسى، صلى المغرب وجلس في المسجد، ونسي أنه صلى المغرب ثم أقيم لصلاة العشاء فصلاها خلف الإمام لما قام الإمام إلى الرابعة جلس، يظن أنها المغرب، وهو مع طول الوقت ومكثه في المسجد نسي أنه صلى المغرب وظنها صلاة المغرب، ثم سأل قال: أنا والله صليت خلف الإمام وجلست على أنها المغرب فتبين أنها العشاء، فلما أراد أن يسلم أو سلم تذكرت أنهم مصلين المغرب ولا..، يقول له المفتي: إنما الأعمال بالنيات، هل يلزم أن يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما الأعمال بالنيات))؟ قد يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما الأعمال بالنيات)) لكن قد يقولها من غير تصريح بالرفع، ويظن بهؤلاء الصحابة أنهم سمعوا مثل هذا الكلام؛ لأنهم قالوه بحروفه، لكنهم ما نشطوا لرفعه، ولا يضيرهم هذا أنهم وقفوه ولا يقدح فيهم، ولا في كلامهم، وإنما رفعه زيد بن ثابت إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهو ثابت مرفوعاً وموقوفاً، والموقوف لا يعارض المرفوع.
((فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأنك إن مت على غير هذا دخلت النار))
يعني مثل ما ذكرنا أن الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان.
قال -رحمه الله-: "حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع ح وحدثنا علي بن محمد قال: حدثنا أبو معاوية ووكيع عن الأعمش عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي قال: كنا جلوساً عند النبي -صلى الله عليه وسلم- وبيده عود فنكت في الأرض" يعني من باب العبث اليسير، وهذا يحصل، حصل من النبي -عليه الصلاة والسلام- في أكثر من مناسبة، ينكت بالعود في الأرض، نعم من باب العبث اليسير الذي تحتمله الشريعة، يعني الشيء اليسير لا بأس به، كأن يعبث بعود، أو يعبث بقلمه، أو يعبث بخاتمه، أو ما أشبه ذلك، أو بشماغه وجد هذا، يعني على كل هذا لا يؤثر لأنه يسير، أما العبث الذي يلهي عما أمر الله به، هذا لا يجوز في الشرع.
"ثم رفع رأسه فقال: ((ما منكم من أحد))" يعني هل هذا عبث محمود وإلا مذموم أو مباح؟ يعني هل يسن للإنسان أن يأتي بعود وينكت به في الأرض؟ نعم؟ مباح، هذا مباح؛ ولكون العبث خصه العرف بالمذموم فلذا قد يستنكر إضافة مثل هذا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، بناءً على العرف، وإلا مثل هذا إذا قيل: مباح فلا ذم فيه.
"ثم رفع رأسه فقال: ((ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة، ومقعده من النار))" يعني هل كتب له مقعد هنا ومقعد هنا؟ أو تكون الواو هذه بمعنى (أو)؟ فإن كان من أهل الجنة فمقعده مكتوب في الجنة، وإن كان من أهل النار فمقعده مكتوب في النار، يعني ما له إلا مقعد واحد، أو له مقعد في الجنة ومقعد في النار؟ الدليل يدل على أن له مقعدين، مقعد في الجنة لو أطاع، ومقعد في النار لو عصى، ولذا إذا سُل في القبر وأجاب فتح له باب إلى النار، ويقال: انظر إلى مقعدك لو كنت على غير هذا؛ ليزداد بذلك سروره، والعكس يعني المنافق أو المرتاب إذا لم يستطع الإجابة وقال: ها ها، كنت أسمع الناس يقولون شيئاً فقلته يفتح له مقعده من الجنة أن لو كان مطيعاً، فيزداد بذلك حسرته، ولذا الواو هنا للجمع.
"قيل: يا رسول الله أفلا نتكل؟ قال: ((لا، اعملوا ولا تتكلوا))" يعني ما الفائدة من إيجاب الواجبات وتحريم المحرمات؟ إلا من أجل أن يعمل بهذه الواجبات، وأن تتقى تلك المحرمات "أفلا نتكل؟ قال: ((لا، اعملوا، ولا تتكلوا، فكل ميسر لما خلق له))" يعني أما أهل السعادة فييسرون لها، وأما أهل الشقاوة فييسرون لها "ثم قرأ: {فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [(5-7) سورة الليل]" يعني هذا التيسير سببه ما يبذله العبد من طاعة الله -جل وعلا-؛ لأنه قال: {فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ} [(5-7) سورة الليل] لأن هذا بسببه، بسبب عمله {وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [(10) سورة الليل] الأول ييسر لليسرى التي هي الجنة، والثاني ييسر للعسرى التي هي النار، وبعض شراح الحديث وهم يتحدثون عن الجمعة وأهميتها، وعظم شأنها، وأن من ترك الجمعة ثلاث مرات طبع على قلبه، قال: ولا شك أن ترك الجمعة من باب تيسير العسرى، كيف تيسير العسرى؟ ننظر في هذه الآية: {وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [(10) سورة الليل].
ثم قال -رحمه الله-: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد الطنافسي قالا: حدثنا عبد الله بن إدريس عن ربيعة بن عثمان عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف))" القوة والضعف في أي شيء هنا؟ نعم؟ في الإيمان؛ لأنه قال: ((المؤمن)) فالإيمان وصف مؤثر، ما قال الرجل القوي خير وأحب إلى الله من الرجل الضعيف، لا، قال: ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف)) فالمدار على الإيمان، المدار على قوة الإيمان وضعف الإيمان، وكم من شخص ضعيف البدن قوي الإيمان يعدل ملئ الأرض من شخص قوي البدن ضعيف الإيمان، والذي يتعامل مع الله -جل وعلا- هو القلب لا البدن، الذي يتعامل مع الله -جل وعلا- هو القلب، ولذا تجد الشخص ضعيف البنية، كثير الأمراض، كبير السن، وعنده قدرة واستطاعة على أن يقف في الصف خلف الإمام أو بمفرده ساعة، وتجد العكس، قوي البدن فتي في العشرينات من عمره، وبنيته قوية، لو كلف حمل صخرة لحملها، ثم إذا صلى خلف الإمام خمس دقائق يكاد أن يغمى عليه لا يثبت، فالذي يتعامل مع الله -جل وعلا- هو القلب، وذكر أن شخص منذ عشرين عاماً يصلي جالساً، وجاءت العرضة يوم العيد، وقالوا: إنه ساعتين ما جلس يعرض مع الناس، فسئل يا فلان عشرين سنة تصلي جالس، قال: والله إن كنتم تدرون ما الذي حملني فأنا أدري، ما يدري ويش اللي شاله على رجليه؟ فالذي يتعامل مع الله -جل وعلا- هو القلب، وعرفنا بعض كبار السن ممن توفي -رحمه الله وعفا الله عنا وعنه- لا يأتي إلى المسجد لأنه مريض وهو بالفعل مريض، ثم إذا صار منتصف الليل وأكل وجبة العشاء خرج يجوب الشوارع يتمشى، طيب المسجد؟ المسجد معذور لأنه مريض، هذا حاصل، وأدركت، وهذه قصة -كررتها يمكن الإخوان ملوها- شخص جاز المائة ويصلي واقف خلف شخص يقرأ جزء في الركعة، وغضب على الإمام لما ركع في يوم من الأيام ما كمل الجزء؛ لأن الوقت ضاق عليهم قليلاً في صلاة التهجد، وغضب عليه غضباً شديداً، والشباب ما عندهم استعداد يجلسون، أنا أشوف بعض المساجد تمتلئ في رمضان؛ لماذا؟ لأن صلاة الفرض مع التراويح لا تصل إلى نصف ساعة، يمتلئ من الناس، ومع ذلك..، يعني من أجل إيش؟ هذا النصف الساعة، أنا أعرف ناس يضربون مشوار ساعة رايحين وساعة جايين على شان نصف ساعة، والمسجد الذي بجواره ما يكمل ساعة في الصلاة، يعني ما هو بحفاظ على الوقت، يقال: والله إن عندنا مواعيد، وعندنا ارتباطات، وعندنا تجارات، لا، يعني عنده استعداد يضرب ساعة رايح، وساعة مشوار جاي على شان يصلي نصف ساعة وأقل من نصف ساعة، والمسجد الذي بجواره ما يحتاج إلى لا ساعة رايح ولا جاي ساعة، لكن يصلي أكثر من ذلك، يمكن يصلي ساعة إلا ربع صلاة الفرض والتراويح، فما عنده استعداد يصلي هنا، فعلى الإنسان أن ينتبه لمثل هذا، يعني إذا كان يتضايق من طول الصلاة، وما هنا طول يعني الطول الله المستعان، ما في طول، الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال: ((أيكم يؤم الناس فليخفف، فإن فيهم المريض والكبير وذا الحاجة)) هذا الطول الذي قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((فليخفف)) قرأ النبي -عليه الصلاة والسلام- بقاف واقتربت وقرأ بالذاريات، قرأ بالصافات، قرأ بآلم السجدة وسورة الإنسان، يعني هذا لو يقرأ به في زماننا يمكن يتعذر بعض الشباب أنه هذا عذر في ترك الجماعة، فعلى الإنسان أن يهتم لهذا الأمر، ويعرف أن القوة إنما هي قوة القلب، ولذا قال: ((المؤمن)) ما قال: الرجل القوي؛ لئلا يتذرع بهذا من يرتكب بعض المحظورات من أجل اللياقة، ومن أجل قوة البدن، قوة البدن يستعملها في إيش؟ يعني يعد العدة إذا دعا داعي الجهاد ويستحضر مثل هذا؟ هؤلاء الذين يتمرنون ويذهبون إلى الأماكن التي فيها بعض التمارين التي تفيدهم في قوة أجسامهم، هل ينوون بذلك الاستعداد لمواجهة عدو؟ الله المستعان، ولن يواجه العدو إلا أصحاب المحاريب، شاءوا أم أبوا، فهم أهل الجهاد وهم..، بدءاً من الصحابة إلى من بعدهم من خيار الأمة، أما هؤلاء يعدون العدة للفرار، معروف، والله المستعان؛ لأن المدار كله على القلب، ابن مسعود ويش يزن؟ وزن ابن مسعود ترى ما يجي عشرين كيلو، الساق عنده مثل القلم، وضحك الناس لما طلع الشجرة، لكنها عند الله -جل وعلا- أثقل من إيش؟ في الميزان من جبل أحد، ويؤتى بالرجل السمين يوم القيامة فلا يزن عند الله جناح بعوضة، فالعبرة بما ينفع في الآخرة.
قال: ((وفي كل خير)) ما دام كلهم مؤمنون في كل خير، ما دام وصف الإيمان متحقق ففي كل خير، لكن القوي خير وأحب إلى الله من الضعيف ((احرص على ما ينفعك)) يعني لا تضع عمرك سدى، لا نفع في الدنيا ولا في الآخرة ((احرص على ما ينفعك)) وليكن همك الآخرة، ومع ذلك لا تنس نصيبك من الدنيا، ((احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز)) يعني كن رجلاً حازماً مؤدياً للحقوق، سواءً كانت حقوق الرب -جل وعلا-، أو حقوق الخلق، فاحرص عليها، وأعط كل ذي حق حقه، ولا تعجز، فيقال لك: للذهاب إلى مكان فيه رحم تصله، تقول: والله اليوم أنا تعبان، دعوه غداً، وإذا جاء الغد قلت: بعد غد وهكذا، هذا العجز، لكن بادر ((ولا تعجز، فإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل)) يعني لو أنت خرجت لأمر ينفعك في دينك أو في دنياك، ثم حصل لك ما حصل، حصل حادث في السيارة، تقول: لو أنا ما طلعت كان أفضل، لو أنا ما طلعت اليوم بلا هذا المصلحة المرتبة على هذا المشوار، لو أني ما طلعت ما حصل هذا المشوار، ما كتب لك، أو كتب عليك لن يخطئك، ولذا لما قالوا: فلان صعد جدار وسقط ومات، قال السامع: ما نصعد جدار، نعم قالوا: فلان استقى من بئر فسقط فيها فمات، قال: ما نروح لبئر، سهلة هذه، قالوا: فلان على فراشه مات، قال: هذه المشكلة هذه، ما في مفر عن القدر، يعني المكتوب يصير رقيت جدار وإلا سقطت في بئر وإلا على فراشك، صحيح ما..، الحديث: ((فإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا وكذا)) تقول يوم من الأيام: ليت الولد ما نام على شان ما يموت، وإلا عاد ما هو بقايل هذا، إذا راح ما بعد..، نعم ما يمكن تقول هذا ((ما أصابك لم يكن ليخطئك)) ((ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل)) وبعض الناس عند المصائب تجده يجزع جزعاً شديداً، وهذا جربناه علينا وعلى غيرنا، وفي الكلام النظري من أحسن ما يقال تسمع، لكن إذا جاء العملي جاء الامتحان صفر، هذا شيء مر علينا ومر على غيرنا، يعني لما يموت جار، أو يموت بعيد، تأتي إليهم وتعزيهم وتصبرهم، لكن خلي المصيبة تصير بك أو بولدك، يعني الإنسان في الكلام النظري يجيد، لكن الإشكال في العمل والتطبيق، فكثير من الناس على هذه الحال، والله المستعان.
((ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان)) وجاء النهي عن (لو) يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وقبله البخاري ترجموا في باب ما جاء في (لو) وأوردوا الأحاديث التي تنهى عنها، مع أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي؛ ولجعلتها عمرة)) في قصص كثيرة يعني يأسف ((ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما دخلت الكعبة)) يأسف على شيء يفعله -عليه الصلاة والسلام-، فالأسف على أمر الدين لا شيء فيه، الإشكال أن يعترض على القدر، ويأسف على أمر من أمور الدنيا يفوته لأنه لم يقدر له.
ثم قال -رحمه الله-: "حدثنا هشام بن عمار ويعقوب بن حميد بن كاسب" نعم؟
طالب:.......
نعم المؤمن القوي والضعيف ما دام وصف الإيمان متحقق كلهم فيهم خير، بقدر ما عندهم من إيمان، لكن القوي أقوى إيمان بلا شك.
طالب:.......
لا ((في كل)) يعني من القوي والضعيف خير.
طالب:.......
وين؟
طالب:.......
إيه في أمور الدين ما يخالف لا بأس.
قال: "حدثنا هشام بن عمار" نعم؟
طالب:.......
كيف؟
طالب:.......
لا قدر الله، يعني في أمر مستقبل، يعني لو مثلاً مرض لما دخل المستشفى الفلاني لا قدر الله، نعم؛ لأنه دخل المستشفى مثلاً وعالج فيه ووجده غير مناسب، فلو مرض أو لو مرض له أحد لا قدر الله، يعني هذا يدعو ألا يقدر الله عليه المرض هذا دعاء وليس بخبر.
قال: "حدثنا هشام بن عمار ويعقوب بن حميد بن كاسب قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار سمع طاوساً يقول: سمعت أبا هريرة يخبر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((احتج آدم وموسى، فقال له موسى: يا آدم أنت أبونا))" آدم أبو البشر ((خيبتنا وأخرجتنا من الجنة بذنبك)) يعني أصبنا بالخيبة والحرمان من النعيم من نعيم الجنة بذنبك، وهو أكلك من الشجرة، نعم يعني لو اطلعنا على ما كتبه ابن القيم -رحمه الله- في مفتاح دار السعادة من الحكم التي ترتبت على هذه المعصية، والخروج من الجنة، وإهباط آدم إلى الأرض، يعني كلام إلهام يعني، توفيق من الله -جل وعلا-، فعلى كل طالب علم أن يراجعه.
((خيبتنا وأخرجتنا من الجنة بذنبك، فقال له آدم: يا موسى اصطفاك الله بكلامه، وخط لك التوراة بيده، أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟! فحج آدم موسى)) يعني غلبه بالحجة ((فحج آدم موسى، فحج آدم موسى ثلاثاً)) وهذا قد يتمسك به من يحتج بالقدر على المعاصي، فيقال له: لماذا سرقت؟ قال: هذا شيء كتبه الله علي، مثل حجة المشركين {لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا} [(148) سورة الأنعام] هذه المعصية لما تاب منها آدم -عليه السلام-، وبقي أثرها وهو الخروج من الجنة تاب منها وقبلت توبته، وبدلت السيئات حسنات، تبقى معصية وإلا مصيبة؟ مصيبة، والمصيبة للإنسان أن يحتج عليها بالقدر، له أن يحتج عليها بالقدر، لو أن الإنسان مرض وقيل له: لو أنك ما طلعت في البرد أو لو أنك أكثرت من اللبس، أو ما تعرضت لكذا، يقول: هذا شيء مكتوب، هذه مصيبة مكتوبة علي ومقدرة، له ذلك، لكن المعائب لا يحتج عليها بالقدر، يعني كونه ترك سبب من الأسباب أو بذل سبب يمرض بسببه، لو اغتسل بثيابه وخرج في شدة البرد، هل له أن يقول: هذا شيء كتبه الله علي؟ لا، المرض مكتوب عليك، لكن السبب أنت الذي بذلته، بذلت هذا السبب الذي يكون به أو بسببه المرض، فلك أن تحتج إذا بذلت الأسباب، تقول: والله هذا أمر مكتوب، لكن إذا لم تبذل الأسباب فأنت معيب بهذا، فالقدر إنما يُحتج به على المصائب لا على المعايب، فلما تاب آدم -عليه السلام-، وقبلت توبته صار الأمر في حقه مصيبة له أن يحتج بها بالقدر عليها.
قال: "حدثنا عبد الله بن عامر بن زرارة قال: حدثنا شريك عن منصور عن ربعي عن علي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع: بالله وحده لا شريك له، وأني رسول الله، وبالبعث بعد الموت، وبالقدر))" وهذه من أركان الإيمان ((أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالبعث بعد الموت، وبالقدر خيره وشره)) هذه من أركان الإيمان، فإذا لم يؤمن بواحدة منها فإنه لا يمكن أن يوصف بالإيمان، والحديث فيه شريك بن عبد الله بن أبي نمر القاضي، وفي حفظه شيء، لكنه لا ينزل عن درجة الحسن.
قال -رحمه الله-: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا: حدثنا وكيع قال: حدثنا طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله عن عمته عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين قالت: دعي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى جنازة غلام من الأنصار فقلت: يا رسول الله طوبى لهذا عصفور من عصافير الجنة لم يعمل السوء ولم يدركه" يعني من أطفال المسلمين وهم في الجنة اتفاقاً "طوبى لهذا، عصفور من عصافير الجنة لم يعمل السوء ولم يدركه، قال: ((أو غير ذلك يا عائشة؟ إن الله خلق للجنة أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم))" هو يريد من عائشة..، يريد الرسول -عليه الصلاة والسلام- من عائشة -رضي الله تعالى عنه- ألا تتسرع في الحكم لأحد أو على أحد، لا تتسرع في الحكم، وأما قوله: ((إن الله خلق للجنة أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم)) لعلمه -جل وعلا- أنهم يعملون بعمل أهل الجنة إذا كلفوا، لا أنهم إذا ماتوا قبل التكليف، أو الفئة الأخرى الذين خلقهم للنار، وهم في أصلاب آبائهم أنهم يموتون قبل التكليف، المقصود أن مثل هذا لا يعني أن الأطفال أطفال المسلمين قد يكونون في النار، أما المسألة محل اتفاق أن أطفال المسلمين في الجنة، لكنه لا يريد أن تتسرع في حكم لا نص فيه عندها.
قال: ((أو غير ذلك يا عائشة؟ إن الله خلق للجنة أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم)) لأنه -جل وعلا- علم أنهم يعملون بعمل أهل الجنة، أو يموتون قبل ذلك، فهم من أهل الجنة، ما داموا مسلمين، وأبناء مسلمين.
((وخلق للنار أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم)) لعلمه أنهم يعملون بعمل أهل النار إذا كلفوا.
نقف على هذا، ونكمل غداً -إن شاء الله تعالى-، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
طالب:.......
كيف؟
طالب:.......
المقصود أنهم في الجنة وراجع آخر طريق الهجرتين لابن القيم فيه كلام في طبقات المكلفين، كلام طويل ومؤصل...
"