شرح متن الورقات في أصول الفقه (09)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد قال إمام الحرمين -رحمه الله تعالى-: ويجوز تخصيص الكتاب بالكتاب، وتخصيص الكتاب بالسنة، وتخصيص السنة بالكتاب، وتخصيص السنة بالسنة، وتخصيص النطق بالقياس، ونعني بالنطق: قول الله تعالى، وقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- والمجمل: ما يفتقر إلى البيان، والبيان: إخراج الشيء من حيز الإشكال إلى حيز التجلي.
والنص: ما لا يحتمل إلا معنىً واحداً، وقيل: ما تأويله تنزيله وهو مشتق من منصة العروس وهو الكرسي، والظاهر: ما احتمل أمرين أحدهما أظهر من الآخر، ويؤول الظاهر بالدليل ويسمى ظاهراً بالدليل.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، تقدم الكلام في حقيقة العام والخاص، وأن العام: ما يشمل أفراداً، والخاص: ما يخص ويخرج بعض هذه الأفراد من النص العام.
وهنا يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: ويجوز تخصيص الكتاب بالكتاب: يعني يجوز أن يأتي في الكتاب الذي هو القرآن نص عام، ويأتي المخصص له في الكتاب نفسه -في القرآن الكريم- ولا يعني هذا أن النص العام الذي يشمل أفراداً يأتي في الكتاب التنصيص على فرد من أولئك الأفراد، إنما يأتي بلفظ هو في الحقيقة عام، إلا أنه أخص من النص الأول، يعني هل في الكتاب تخصيص شخص بعينه من بين أفراد العام؟ نعم؟
لا يوجد، إنما يأتي بالكتاب ما هو أخص من اللفظ الأعم، فإذا نظرنا إلى قول الله -عز وجل-..، ولنعلم أن تخصيص الكتاب بالكتاب أمر مجمع عليه بين أهل العلم، والسبب في ذلكم أن نصوصه كلها قطعية، فإذا تقابل عام وخاص فالواجب الجمع بين الدليلين بإعمال العام فيما عدا الخاص، وإعمال الخاص في محله، فمثلاً قوله -جل وعلا-: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [(234) سورة البقرة]: هذا عام في الزوجات كلهن، فيشمل الحاملات والحائلات، المدخول بهن وغير المدخول بهن؛ لأن الحامل زوجة، والحائل التي ليست بذات حمل، زوجة، والمدخول بها زوجة، وغير المدخول بها -المعقود عليها- أيضاً زوجة، هذا النص عام: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}، ما الذي يخرج من هذا النص؟ نعم؟
هذا عام من وجه حيث يشمل جميع الزوجات الحوامل وغير الحوامل، المدخول بهن وغير المدخول بهن، لكنه خاص من وجه فهو خاص بالمتوفى عنهن، يخرج من هذا النص الحوامل؛ في قوله -جل وعلا-: {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [(4) سورة الطلاق]: فنخص ذوات الأحمال -وهن الحوامل- من عموم الآية الأولى، فكل متوفى عنها تعتد أربعة أشهر وعشرة أيام -وعشر ليال- ما عدا الحوامل فعدتها تنتهي بوضع الحمل، نخص عموم الأولى بخصوص الثانية، كما أننا نخص عموم الثانية بخصوص الأولى، كيف؟
{أُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}: هذا عام من وجه، فيشمل المطلقات والمتوفى عنهن، يشمل المطلقات والمتوفى عنهن، لكن هل يشمل المدخول بهن وغير المدخول بهن؟ هاه، يشمل وإلا ما يشمل؟
طالب:.......
كيف؟
طالب:.......
نعم.
طالب:.......
لا يتصور، كيف تكون من ذوات الأحمال وهي غير مدخول بها؟
طالب:.......
هاه؟
طالب:.......
نعم، أيش معنى الدخول؟ هل معناه المسيس؟ هاه؟
طالب:.......
{إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [(49) سورة الأحزاب]: يعني أورد على ذلك المرأة إذا تحملت مع زوجها، هل نقول: عدتها بوضع الحمل؟ أو نقول -والمسألة متصورة-: امرأة غير مدخول بها، عقد عليها ولما يدخل بها، فزنت فحملت من غيره، ثم طلقها ماذا تكون عدتها؟ عليها عدة وإلا ما عليها عدة؟
طالب:.......
بالنسبة لزوجها الذي عقد عليها ليس له عليها عدة؛ لأنه غير داخل بها -لم يدخل بها- وبالنسبة لها لا يجوز لها أن تتزوج حتى تضع الحمل، نسأل الله السلامة والعافية.
على كل حال هذا المثال الذي أوردناه في هاتين الآيتين من العموم والخصوص اللي يسمونه أيش؟
وجهي، عموم وخصوص وجهي، فعرفنا أن الآية الأولى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} شامل لكل الزوجات: الحوامل والحوائل، المدخول بهن وغير المدخول بهن، لكنه خاص بالمتوفى عنهن.
الآية الثانية: {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} هذا عام في الفرقة، سواءً كانت بموت أو طلاق، يشمل المطلقات والمتوفى عنهن، لكنه خاص بأولات الأحمال، وهنا نستطيع أن نحمل عموم الأولى على خصوص الثانية، وعموم الثانية على خصوص الأولى، وعلى هذا يكون المتوفى عنهن كلهن يتربصن أربعة أشهر وعشراً ما عدا ذات الأحمال؛ الحامل فهي تعتد بوضع الحمل.
هناك رأي لبعض الصحابة: أنها تعتد بأبعد الأجلين، بأبعد الأجلين، أيش معنى هذا؟
أنها إذا توفى عنها زوجها وهي حامل فوضعت بعد شهرين، تعتد كم؟ أربعة أشهر وعشراً، لا تعتد بوضعا الحمل، إذا توفي عنها زوجها وهي في الشهر الأول، مكثت ثمانية أشهر ما وضعت تعتد بوضع الحمل؛ لأنه أبعد الأجلين؛ وذلكم للتعارض الظاهر بين الآية الأولى والثانية؛ لأن الآية الأولى تشمل جميع من توفي عنهن أزواجهن، سواءً كانت من ذوات الأحمال، أو حوائل -ليست بذات حمل- والثانية، خاصة بذوات الأحمال لكنها عامة في كل مفارقة بطلاق أو موت، وعرفنا أن هذا من العموم والخصوص الوجهي.
الآية الأولى: تقتضي بعمومها أن الأجل أربعة أشهر وعشراً، والثانية: تقتضي بخصوصها في أولات الأحمال أن أجلهن وضع الحمل، وانفردت الآية الثانية بحكم عدة المطلقات الحاملات ووضع الحمل كما انفردت الأولى بعدة المتوفى عنهن الحائلات وهي أربعة أشهر وعشراً.
هذا بالنسبة بالعموم والخصوص الوجهي، أما بالنسبة للعموم والخصوص المطلق نحو قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ} [(228) سورة البقرة]: هذا لفظ عام في جميع المطلقات المدخول بهن وغير المدخول بهن، أما قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [(49) سورة الأحزاب]: هذا خاص يغير المدخول بها، فخرجت غير المدخول بها من عموم الآية الأولى، فلا عدة عليها؛ لهذه الآية، هذا عموم وخصوص يسمونه أيش؟ وجهي وإلا مطلق؟ نعم؟ وجهي وإلا مطلق؟ الأول وجهي والثاني؟ متى نتصور العموم والخصوص الوجهي؟
إذا كان في كل من الآيتين، أو في كل من النصين عموم، وفيهما في الوقت نفسه خصوص، إذا تقابلا عمومان وخصوصان في نصين هذا عموم وخصوص وجهي، لكن إذا كانت أحدهما أو إحداهما أعم من الأخرى من كل وجه فهو عموم وخصوص مطلق.
إذن لو نتأمل في النصين عرفنا أيضاً أن النص الثاني فيه عموم وإلا ما فيه عموم بالنسبة للآية الأولى؟ {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ}: هذا عام في كل مطلقة مدخول بها وغير مدخول بها، لكنه من وجه آخر خاص بذوات الأقراء، بذوات الأقراء اللوات يحضن.
الآية الثانية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا}: هذا خاص بغير المدخول بها، لكنه يشمل ذات الأقراء والصغيرة والآيسة، لكن هل هذا الخصوص له أ ثر أو ليس له أ ثر؟ عموم الآية الثانية له أثر وإلا ما له أثر؟
ليس له أثر؛ لأنه ليس لها عدة، ليس عليها عدة أصلاً، فكيف ننظر فيها هل هي ذات أقراء أو آيسة أو صغيرة، هي ليس عليها عدة أصلاً، فلعدم اعتبار ذلك العموم وعدم ترتب الأثر عليه لم ينظر إليهن، وحكموا بأن الآية بين الآيتين عموم وخصوص مطلق.
جمهور الأصوليين على تخصيص العام مطلقاً، على تخصيص العام في الخاص مطلقاً سواءً علم تقدم العام أو الخاص أو جهل التاريخ، سواءً علم تقدم العام أو الخاص أو جهل التاريخ.
وقال أبو حنيفة وإمام الحرمين -مؤلف الورقات-: إن عُلم التاريخ وكان الخاص متأخراً خصص به العام، وإن كان العام متأخراً نسخ الخاص، وإن جهل التاريخ تساقطا في موضع المقابلة؛ لاحتمال تأخر العام فيكون ناسخاً للخاص، فيكون مخصصاً للعام، فيتوقف في محل الخاص ويتطلب دليل آخر، أيش معنى هذا الكلام؟
إذا تقدم العام وتأخر الخاص، فيه مشكلة؟
ما فيه إشكال، لكن الإشكال لو تقدم الخاص ثم تأخر العام، لو افترضنا أن الآية {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا}: الخاص بغير المدخول بهن، هذا متقدم على قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ}: على قول أبي حنيفة وإمام الحرمين، تكون الآية هذه نسخت الآية، دل على أن كل مطلقة تعتد سواءً كان المدخول بها أو غير المدخول بها، والجمهور على أنه إذا وجد العام والخاص فإنه يحمل العام على الخاص بغض النظر سواءً تقدم العام أو تأخر، ظاهر؟ طالب:.......
نعم؟
طالب:.......
ولو علم التاريخ؛ هو ما يمكن أن نعرف أن هذا متقدم أو متأخر إلا بالتاريخ.
طالب:.......
نعم؟
طالب:.......
عرفنا أن الآية الأولى عامة والثانية خاصة بغير المدخول بها، وحينئذ حملنا العام على الخاص فأخرجنا غير المدخول بها من العدة؛ لأنه ليس له عليها عدة سواءً تقدمت الآية الأولى أو تأخرت ما عندنا فرق، هذا في قول الأكثر، في قول الجمهور.
أبو حنيفة وإمام الحرمين يقول: إن كان العام هو المتقدم وتأخر عنه الخاص ما فيه إشكال؛ عرفنا أن الخاص مقصود بالإخراج، لكن إذا تقدم الخاص..، جاء النص في غير المدخول بها وأنه لا عدة عليها، ثم جاء بعده النص العام يقرر العدة على كل مطلقة، دل على أن حكم غير المدخول بها ارتفع فينسخ، والجمهور على أنه لا فرق تقدم العام أو تأخر فيحمل العام على الخاص، وحمل العام على الخاص نوع من أنواع الجمع، نوع من أنواع التوفيق بين الأدلة، نعم، ولا يصار إلى النسخ إلا إذا لم يمكن الجمع، والجمع حينئذ ممكن بحمل العام على الخاص، لماذا؟
لأن النسخ حكم بإلغاء المنسوخ بالكلية، حكم بإلغائه بالكلية النسخ، والجمع حكم بالعمل بالخبرين معاً، وإعمال النص أولى من إهماله.
تخصيص الكتاب بالسنة: الرسول -عليه الصلاة والسلام- هو المبين لكتاب الله، فإذا تحققنا أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال قولاً مخصوصاً أو مخصصاً لعموم الكتاب أو مقيداً لمطلقه كان ذلك دليلاًِ على أن مراد الكتاب ما خصه الرسول -عليه الصلاة والسلام- وأن مراده بالمطلق المقيد على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام.
مثال ذلك: قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ} [(24) سورة النساء]، لما عدد المحرمات قال: {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ}: يعني من النساء، وعموم هذه الآية خص بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها))، وبقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب))، {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ}: يقتضي حل كل ما لم ينص عليه بالقرآن، لكن جاء في السنة تحريم الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها، وحينئذ يُخصص الكتاب بالسنة؛ لأن السنة وحي والرسول هو المبين -عليه الصلاة والسلام- لمراد الله من كتابه.
أيضاً: ((يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)): الكتاب لم يذكر مما حرم من الرضاع إلا الأم والأخت، العمة من الرضاعة والخالة من الرضاعة وهكذا حرام بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب)).
خصت آيات المواريث بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا يرث القاتل))، كما أنها أيضاً خصت آيات المواريث بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((نحن معاشر الأنبياء لا نورث)).
الحنفية لهم قول يرددونه كثيراً يقولون: الزيادة على النص نسخ، أيش معنى هذا الكلام؟
طالب:.......
......... من تلقاء أنفسنا؟
طالب:.......
الزيادة على النص نسخ، أيش معنى هذا الكلام؟ أين الأصول؟
طالب:.......
أيش؟
طالب:.......
إيه.
طالب:.......
أحد يستحضر مثالاً؟
طالب:.......
الزيادة على النص نسخ، نعم؟
طالب:.......
لا، لا، ليست هذه المسألة.
طالب:.......
لا، لا ما هي بهذه المسألة المسألة أخرى، يعني القدر الزائد على الواجب مسألة أخرى، إن كان متميزاً فهو مستحب قولاً واحداً، وإن لم يتميز فمنهم من يقول بوجوبه، يعني من دفع كيساً كاملاً فطرة، والواجب عليه صاع هذه غير متميزة، لكن لو دفع صاعين متميز كل واحد عن الثاني، ولو دفع ديناراً زكاة لعشرين..، على كل حال المسألة أخرى.
الزيادة على النص: عندنا النص في القرآن الذي بينت فيه المحرمات من النكاح ثم جاءنا قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها)): هذه زيادة على النص، فإذا زيد على النص حكموا بأنه نسخ، لكن هل ينسخ المتواتر بالآحاد عندهم؟
لا، إذن ما موقفهم من مثل قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها))؟ القاعدة عندهم ليست مطردة، إنما يحتاجونها إذا احتاجوا إلى رد شيء قال به غيرهم، يستعملونها عند الحاجة ولذا لا يمكن أن يقولوا بجواز نكاح المرأة على عمتها ولا على خالتها وهذا وارد عليهم..، نعم؟
طالب:.......
أمثلة ما هو بمثال عندهم.
المنار النسفي يقول: ويجوز نسخ الحكم والتلاوة جميعاً، ونسخ وصف الحكم كالزيادة -أي على النص المطلق- بأن يثبت أمر آخر زائد على الحكم المنصوص شرطاً كانت تلك الزيادة أو ركناً فإنها نسخ عند الحنفية، وعند الشافعية تخصيص وبيان.
على كل حال هذه تحتاج إلى بسط وتمثيل، لكن الوقت ما يستوعب كل هذا؛ لأننا متأخرين جداً في الكتاب.
تخصيص الكتاب بالكتاب أمر مجمع عليه وبالسنة؛ لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- هو المبين للكتاب.
هناك تخصيص الكتاب بالإجماع: وهذا لم يذكره المصنف، وذلكم كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا} [(9) سورة الجمعة]: والمقرر عند أهل العلم أنه يدخل في مثل هذا النداء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} الرجال والنساء الأحرار والعبيد، هم داخلون في مثل هذا النص، لكنهم أجمعوا على أنه لا جُمعةَ على عبد ولا امرأة، يقول الآمدي: لا أعرف في التخصيص بالإجماع خلافاً، ويقول الشوكاني: وفي الحقيقة يكون التخصيص بدليل الإجماع لا بنفس الإجماع.
الإجماع أولاً لا بد له أن يعتمد على دليل، لا بد أن يستند إلى دليل؛ فالمخصص هو دليل الإجماع، ما هم قالوا في النسخ: الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ؟
نعم؛ لأن النسخ من خصائص النصوص، فإذا أجمع أهل العلم على خلاف خبر من الأخبار نقول: هذا الخبر منسوخ، بأي شيء؟
بدليل الإجماع، بالدليل الذي استند إليه الإجماع، لا بالإجماع نفسه؛ لأنه عرفنا أن النسخ من خصائص النصوص، وكذلك التخصيص، إلا أنه عندهم التخصيص أوسع، التخصيص أوسع من دائرة النسخ.
تخصيص الكتاب بالقياس: الجمهور يذهبون إلى جوازه، وبه يقول الثلاثة، وهو رواية عن أحمد، يقول الشوكاني: والحق الحقيق بالقبول أنه يخصص بالقياس الجلي؛ لأنه معمول به لقوة أدلته وبلوغها إلى حد يوازي النصوص، ومثلوا له بقوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} [(2) سورة النــورٍ]: فإن عموم الزانية خص بالكتاب وهو قوله تعالى في الإماء: {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [(25) سورة النساء].
{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ}: الزانية والزاني يشمل الأحرار وأيضاً العبيد، عمومه يتناول الأحرار والعبيد، الزانية خصت بقوله -جل وعلا- في حق الإماء: {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ}، طيب الزاني يجلد مائة وإلا خمسين؟ نعم؟
طالب:.......
نقيس العبد على الأمة في التنصيف ونخصص الزاني بالقياس، فيقاس العبد الزاني على الأمة بتنصيف العذاب والاقتصار على خمسين جلدة، مع أن هذه المسألة لا تسلم من خلاف.
تخصيص السنة بالكتاب: مثاله قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله)): (الناس): لفظ عام، ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله)): هذا شامل لجميع الناس، لكنه مخصوص بقوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [(29) سورة التوبة]، فخرج بذلك الكتابي إذا أدى الجزية، الكتابي إذا أدى الجزية خرج من عموم قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله أو حتى يقولوا لا إله إلا الله)).
تخصيص السنة بالسنة: كقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((فيما سقت السماء العشر)): يعني الزكاة، يجب في كل ما سقت السماء العشر؛ لأن (ما) من صيغ العموم، هذا عام لكنه خص بمثل قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة))؛ لأن ((فيما سقت السماء العشر)) عام يشمل القليل والكثير، سواءً بلغ النصاب أو لم يبلغ، وقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة)) يخرج ما دون الخمسة أوسق من عموم ((فيما سقت السماء العشر)).
ومن أمثلته حديث: ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء)): خص بقوله -عليه الصلاة والسلام- في حديث ابن عمر -على الخلاف في ثبوته-: ((إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث))، فـ((الماء طهور لا ينجسه شيء)) مخصوص بما لم يبلغ القلتين، فما بلغ القلتين لا ينجسه شيء، إذن عموم حديث: ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء)) مخصوص بما دون القلتين بحديث ابن عمر -هذا على القول بثبوته- وإلا فكلام أهل العلم في الحديث طويل منهم من حكم على الحديث بالاضطراب في سنده ومتنه، اضطراب في سنده ومتنه، لكن على القول بثبوته يخص عموم حديث: ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء))، فالأول عام في القليل والكثير، والثاني خاص فيما دون القلتين، وهو تخصيص بالمنطوق وإلا بالمفهوم؟ نعم.
طالب:.......
نعم؟ ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء)): منطوقه أن الماء طهور لا ينجسه شيء قل أو كثر؛ ((إن الماء)).
الثاني: ((إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث)) قوله: ((لم يحمل الخبث)) في منطوقه مع قوله: ((لا ينجسه شيء)) فيه تعارض؟ نعم؟
متوافقان، إذن كيف نخصص الحديث الأول بالحديث الثاني، هل نخصص الحديث الأول بمنطوق الحديث الثاني؟
طالب:.......
إذن نخصصه بمفهوم الحديث الثاني؛ لأن مفهوم الحديث الثاني أن الماء إذا لم يبلغ قلتين فإنه يحمل الخبث، وحينئذ يكون معارضاً لعموم الحديث الأول، وهذا من باب التخصيص بالمفهوم.
نقول: هذا الحديث العام مخصوص أو مخصص بمفهوم الحديث الثاني، الآن منطوق الحديث الأول ومنطوق الحديث الثاني بينهما تعارض؟
لا تعارض بينهما، إنما التعارض بين منطوق الحديث الأول ومفهوم الحديث الثاني، فمن أهل العلم من يرى -كالشافعية والحنابلة- تخصيص المنطوق بالمفهوم، ومنهم من يقول: المنطوق أقوى من المفهوم فيقدم عليه، المنطوق أقوى من المفهوم فيقدم عليه، وعلى كل حال هذا على قول من يثبت الحديث الثاني؛ الحديث الأول صحيح والثاني فيه خلاف طويل لأهل العلم، لكن عند من يثبت هذا الحديث.
شيخ الإسلام -رحمة الله عليه- ابن تيمية- يرى ثبوت الحديث، يرى ثبوت حديث القلتين، يرى ثبوت حديث القلتين ويعمل بمنطوقه دون مفهومه، يقول: مفهومه معارض بما هو أقوى منه وهو المنطوق، وحينئذ يلغى المفهوم.
وإلغاء المفهوم عند المعارضة موجود في النصوص كثيراً عند المعارضة: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ} [(80) سورة التوبة]، مفهومه أنه لو استغفرت لهم واحد وسبعين مرة أنه يغفر لهم، لكن منطوقات الشريعة الأخرى كلها تدل على أنه لن يغفر لهم؛ لأنه محكوم عليهم بالتأبيد في النار: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [(48) سورة النساء]، والمنافقون كفار.
{لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً} [(130) سورة آل عمران]: {أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً}: يعني إذا كان الربا أضعاف، ضعفين أو ثلاثة، أخذت ألف بألفين أو ثلاثة حرام؛ هذا منهي عنه.
مفهومه أنه إذا لم يصل إلى هذا الحد نعم، يعني إذا كان الألف بألف وخمسمائة مفهوم الآية أنه يجوز، لكن النصوص المحكمة المنطوقة تدل على تحريم الزيادة في الربويات ولو قلَّت، فمفهوم هذا الخبر أو هذه الآية معارض بمنطوق نصوص الربا كلها وحينئذ يلغى المفهوم.
كثيراً ما يأتي المفهوم، أو الكلام لا مفهوم له ملغىً من الأصل: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم} [(23) سورة النساء]، هل يلزم من هذا أن الربيبة إذا لم تكن في حجر زوج أمها أنها تحل له؟ نعم؟ هذا المفهوم أيش؟ ملغى.. لماذا؟
لأن اللفظ خرج مخرج الغالب، والغالب أن الربيبة تعيش في حجر زوج أمها، يعني في كنفه ورعايته.
هذا بالنسبة لمفهوم المخالفة، وأما مفهوم الموافقة فقد حكى الصفي الهندي الإجماع على التخصيص به؛ لأنه أقوى من مفهوم المخالفة، ولهذا يسميه بعضهم: (دلالة النص)، يسميه بعضهم: (قياس الأولى) أو (القياس الجلي)، فيخصص به.
تخصيص السنة بالقياس: في حديث عبادة: ((خذوا عني، خذوا عني: الثيب بالثيب جلد مائة والرجم، والبكر بالبكر جلد مائة وتغريب سنة)): هذا الحديث مخصوص بالنص بالنسبة للأمَة {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [(25) سورة النساء] ومخصوص بالنسبة للعبد بالقياس على الأمة، فخصت السنة بالقياس، كما تقدم في تخصيص الكتاب بالقياس.
تخصيص النطق بالقياس: ويعني بالنطق قول الله تعالى وقول الرسول -عليه الصلاة والسلام- كما تقدم في الأمثلة -في أمثلة تخصيص الكتاب بالقياس، والسنة بالقياس- نعم؟
طالب:.......
تخصيص السنة بالإجماع؟
طالب:.......
يعني إذا خصصنا الكتاب بالإجماع، وعرفنا أن المقصود دليل الإجماع فلن تخصص السنة بدليل الإجماع من باب أولى.
نعم؟
طالب:.......
كيف؟
طالب:.......
يعني نصوص كثيرة جاءت في السنة ذكرها..، ذكر منها الترمذي حديثين، لكن هل هذا نقول: من باب التخصيص أو من باب النسخ؟ نعم؟
ذكر حديثين أجمع العلماء على عدم العمل بهما فهذا يكون من باب النسخ، نعم؟
طالب:.......
فهمت، ظاهر؟ ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء)): جاء عند البيهقي وابن ماجه وغيرهما: ((إلا إن تغير لونه أو طعمه أو ريحه بنجاسة تحدث فيه)): لكن هذه الزيادة ضعيفة بالاتفاق، والمعول على تخصيص المتغير على الإجماع.
طالب:.......
نعم صالح إيه.
الحين عندنا العموم والخصوص الوجهي اللي هو أصعب أنواع التعارض في هذا الباب ومثلنا له سابقاً بالمثال الأول، نعم، المثال الأول، {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [(234) سورة البقرة]، مع قوله تعالى: {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [(4) سورة الطلاق] عموم وخصوص وجهي، وعرفنا كيف نخرج من هذا التعارض، هذا بالنسبة للكتاب.
عموم وخصوص وجهي بالنسبة للسنة: النهي عن قتل النساء والذرية..، ما يمكن يقصر ذا؟
النهي عن قتل النساء والذرية: هذا عام شامل، عام شامل لكل النساء، يعني هو من وجه عام في النساء سواءً كن مرتدات أو أصليات، هذا وجه العموم فيه، وجه العموم في الحديث شمول جميع النساء سواءً كن أصليات أو مرتدات، مع قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من بدل دينه فاقتلوه)): هذا يشمل الرجال والنساء، لكنه خاص بالمرتدين، النص الأول: النهي عن قتل النساء، هذا خاص بالنساء، لكنه شامل للمرتدات والأصليات، النص الثاني: ((من بدل دينه فاقتلوه)): شامل للرجال والنساء لكنه خاص بالمرتدين، هذا عموم وخصوص وجهي، ماذا نصنع؟ ارتدت امرأة -مثلاً- هل تترك؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- نهى عن قتل النساء والذرية؟ نعم؟
مخصص عموم النهي عن قتل النساء بحديث: ((من بدل دينه فاقتلوه))، لصاحب القول الآخر أن يقول: الحديث الثاني: ((من بدل دينه فاقتلوه)) مخصص بالنهي عن قتل النساء، وليس قول أحدهما أولى بالقبول من قول الآخر، صح وإلا لا؟ نعم؟
أنت إذا قلت: تقتل المرأة إذا ارتدت؛ لأن ((من بدل دينه فاقتلوه)) خاص بالمرتدين سواءً كانوا رجالاً أو نساء، والنهي عن قتل النساء عام في كل امرأة سواءً كانت أصلية أو مرتدة، يقول لك: نقول العكس -يقلب عليك الدعوى- يقول: نصي أخص، ومعه حق.
طالب:.......
نعم؟
طالب:.......
نسخ؟
طالب:.......
إيه، لا لا، لا أثر له سواءً كان أحدهما متقدم..، لا لا، لا زلنا على قول الجمهور، نعم؟
طالب:.......
لا لا، أنت خلينا مسألة مسألة، مسألة مسألة، الآن عندنا في كل واحد فيهما عموم وخصوص، والمسألة مستوية من كل وجه، لا نستطيع أن نحكم لخصوص أحدهما على عموم الآخر؛ لأنه تحكم، إذن ماذا نصنع؟
نبحث عن مرجحات أخرى، فإذا أتينا إلى حديث: ((من بدل دينه فاقتلوه)): هذا مخصوص وإلا محفوظ؟
طالب:.......
بأي شيء؟
طالب:.......
إيه، محفوظ إذا اجتنبنا، إذا قلنا: هذين النصين أبعدنا ما بينهما من تعارض وإلا هو مخصوص، حوى الدعوى، الدعوى معنا أنه مخصوص بهذا الحديث، استبعد محل الخلاف، فنأتي إلى عموم حديث: ((من بدل دينه فاقتلوه)) نجده محفوظاً، لم يرد عليه مخصص، حديث النهي عن قتل النساء، محفوظ وإلا ما هو بمحفوظ؟
طالب:.......
غير محفوظ، لماذا؟
قُتل نساء: القصاص، إذا قتلت، إذا زنت وهي محصنة، إذا سحرت؛ "فقتلنا ثلاث سواحر".
المقصود أن هذا العموم غير محفوظ فضعف، فقدم عليه عموم حديث ((من بدل دينه فاقتلوه)) فتقتل المرتدة.
نأتي إلى مسألة..، هذه مسألة عملية، لكن مسألة عملية أكثر منها -وإن كنا يعني طرقناها مراراً لكن ما يمنع أن نعيدها للمناسبة- أحاديث النهي عن الصلاة في أوقات النهي: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، أو أن نقبر فيهن موتانا: إذا طلعت الشمس حتى ترتفع، إذا بزغت الشمس حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة، وإذا تضيفت الشمس للغروب حتى تغرب"، ثلاث ساعات، إضافة إلى الوقتين الموسعين: ((لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس)) فالأوقات خمسة، الأوقات خمسة، عندنا النهي عن الصلاة في هذه الأوقات الخمسة، وعندنا أحاديث ذوات الأسباب، ونأخذ مثالاً -هو من أوضحها-: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) الآن تسمعون وترون الناس يتسامحون في الصلاة في أوقات النهي، يتسامحون كثيراً، ورأينا من أهل العلم والفضل من يدخل قبل غروب الشمس بدقيقتين أو ثلاث فيصلي، أو يدخل المسجد مع بزوغ الشمس ويصلي؛ عملاً بحديث التحية -تحية المسجد- يتسامحون لماذا؟
لأنهم اعتادوا أن يقال: أحاديث النهي عامة، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة، والخاص مقدم على العام -يعني كما يقول الشافعية- اعتاد الناس أن يقولوا مثل هذا الكلام، ووجد قبولاً، وجد ارتياحاً نفسياً؛ بعد أن أكد بعض من ينتسب إلى العلم، وينبغي أن يؤكد لكن ليس على إطلاقه، نبذ التقليد، ناس رأوا الناس ملتزمين بمذهب معين، فالثورة على التقليد صار لها آثاراً صار لها ردود أفعال، التقليد بالنسبة للمتأهل لا يجوز، لكن هل يؤمر كل شخص بالاجتهاد؟
يعني جاءت هذه الدعوة، وهي دعوة حق، لا نقول: هي باطلة، لكن ليست لكل الناس، للمتأهل على العين والرأس، فجاءت هذه الدعوة وصادفت محل، الناس متمسكون بمذهب، والمذهب يرى منع الصلوات في هذه الأوقات بل يتشددون في مثل هذا الأمر، حتى رأينا من يحرف الذي يريد أن يصلي، يحرفه عن القبلة، فالمسألة صارت من باب ردود الأفعال، وإلا لو بحثت بحثاً مبسوطاً ما صار لها مثل هذه الآثار.
نأتي إلى المسألة: عندنا حديث عقبة وما جاء في معناه من النهي عن الصلاة في أوقات النهي، وعندنا الأمر بصلاة ركعتين قبل أن يجلس: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)).
الحديث الأول -حديث عقبة- فيه عموم، عمومه من جهة الصلوات، فهو عام في جميع الصلوات: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن.."، أي صلاة، هذه الصلوات لا تصلى في هذه الأوقات سواءً كانت فرائض مقضية أو مؤادة، نوافل مطلقة أو مقيدة؛ فعموم حديث: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن" شامل لجميع الصلوات، فعمومه من هذه الحيثية، وخصوصه في هذه الأوقات، فهو عام في الصلوات خاص في الأوقات.
النصوص الأخرى التي هي نصوص ذوات الأسباب عمومها في الأوقات، خصوصها في الصلوات، هل نستطيع أن نوفق بين هذه النصوص كما وفقنا في آيتي العدة في أول الأمر؟ يمكن؟
هل نقول: يمكن حمل عموم أحدهما على خصوص الآخر؟
عندنا عموم وخصوص وجهي وليس بمطلق، وأولئك الذين دخلوا في أوقات النهي وصلوا قالوا: الخاص مقدم على العام، فإذا قال الشافعي مثلاً: أحاديث النهي عامة في الصلوات، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة، والخاص مقدم على العام، للحنفي والمالكي والحنبلي -على كل حال هو قول الجمهور- للحنفي والمالكي والشافعي أن يقول: العكس، له أن يقول العكس: أحاديث ذوات الأسباب -ومنها تحية المسجد- عامة في الأوقات، وأحاديث النهي خاصة بهذه الأوقات، والخاص مقدم على العام، كلامه صحيح وإلا ما هو بصحيح؟
نعم، كلام الأول صحيح، وكلام الثاني صحيح، لكن كل منهما نظر إلى النصوص من زاوية، وأهمل الزاوية الأخرى.
وعلى المنصف أن ينظر إلى النصوص من جميع الزوايا؛ لأنه إذا قال الشافعي: أحاديث النهي عامة وأحاديث ذوات الأسباب خاصة نقول: كلامك صحيح، لكنه بالنسبة لأيش؟ للصلوات، وأنت لم تنظر إلى العموم والخصوص في الأوقات، فيعارضه قول من يقول: أحاديث ذوات الأسباب عامة في الأوقات، وأحاديث النهي خاصة بهذه الأوقات، فالنصوص متكافئة، ولا يمكن تخصيص عموم أحد الطرفين بخصوص الآخر.
الدعوة التي أثيرت قبل ربع قرن حول التقليد ونبذ التقليد، وصادفت محل متهيئ وهي في جملتها دعوة طيبة أعادت الناس إلى الالتزام بالدليل، وصادفت أيضاً مجتمعات تقدم آراء الرجال على النصوص، وصار لها ردود أفعال، وواكب ذلك أيضاً دفعه..، كون شيخ الإسلام -رحمه الله- يوافق الشافعية، وشيخ الإسلام، شيخ الإسلام، يعني ما أحد..، نعم، فكأن الناس صار..، كأن هذه المسألة صارت قضية مسلمة لا يمكن النقاش فيها، وأن مذهب الحنابلة والحنفية والمالكية خطأ لا يحتمل الصواب، هذا الكلام ليس بصحيح، المسألة من حيث النصوص متكافئة، وحينئذ نحتاج إلى مرجح خارجي، بمَ يرجح الشافعية قولهم في تقديم أحاديث ذوات الأسباب على أحاديث النهي؟
طالب:.......
بكثرة المخصصات، نعم، عموم أحاديث النهي غير محفوظة، دخله مخصصات، مخصص بالفرائض، نعم، بالفرائض سواءً كانت مؤداة أو مقضية، وأيضاً.
طالب:.......
يخير لصاحب القول الآخر إلا في هذه الأوقات، إيه له أن يقلبها عليه.
طالب:.......
نعم، سبب الورود، العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، أو نقول: سبب الورود دخوله في النص قطعياً، أنت معي؟
طالب:.......
تعلمون ماذا يقصد؟ نعم؟
إذا جاء شخص إلى المسجد وقد صلى في بيته، وهم يصلون أو صلى في مكان آخر ووجد الناس يصلون، يصلي معهم، ((إذا صليتما في رحالكما فصلوا)): هذا النص جاء في صلاة الصبح، وما بعد صلاة الصبح وقت نهي، وأيضاً وقت النهي بالنسبة لصلاة الصبح استثنيت من النوافل ركعتا الصبح.
على كل حال أحاديث النهي دخلها من المخصصات الشيء الكثير، فعمومها ليس بمحفوظ، أحاديث ذوات الأسباب عمومها محفوظ وإلا غير محفوظ؟
طالب:.......
دعونا من محل النزاع، الذي هو محل البحث، يعني من غير محل النزاع، الشافعية يرجحون قولهم بأن عموم أحاديث ذوات الأسباب محفوظ، وعموم أحاديث النهي غير محفوظ، وللطرف الآخر أن يرجح، بأي شيء؟
بأن الحظر مقدم على الإباحة، ((إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)): فالحظر هنا مقدم، المنع مقدم على الأمر بالصلاة.
حتى المرجحات متكافئة، المرجحات متكافئة، ولهذا قرر جمع من أهل العلم أن هذه المسألة من عُضَل المسائل؛ ليست من المسائل السهلة التي لكل شخص أن يقول: وراه جلست وركعت، ورا ما تصلي، دخل أحد المسجد العصر قال له واحد: وراك ليش تجلس وراك ما صليت؛ ((ذا دخل أحدكم المسجد..))، أو جاء شخص صلى يأتيه آخر يقول له: ليش تصلي في وقت النهي؟
فالمسألة ليست بهذه السهولة، بل هي من عضل المسائل حتى قرر بعض أهل العلم أن الإنسان لا يدخل المسجد في وقت النهي؛ لأنه إن صلى خالف أحاديث النهي، إن لم يصلِّ خالف حديث تحية المسجد، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟
فعلى هذا يقول: لا تدخل المسجد في هذا الوقت، أو إذا دخلت فاستمر واقفاً، يعني كيف يصنع شخص جاء إلى المسجد خشي أن تفوته الصلاة والمسجد فيه درس بعد صلاة العصر أو بعد صلاة الصبح وخشي أن تفوته الصلاة صلى في الطريق ثم جاء إلى المسجد، أو إمام مسجد صلى بجماعته وجاء إلى المسجد الذي فيه درس بعد صلاة الصبح أو بعد صلاة العصر ماذا يصنع؟ نقول له: صل وإلا لا تصلِّ؟
أولاً إن جلس لا نأمره بالصلاة، وإن صلى لا ننهاه عن الصلاة، لوجود النصوص التي لا يمكن الترجيح بينها؛ لما ذكرنا.
على أنه من باب النظر الدقيق في النصوص إذا جاء الداخل إلى المسجد في الأوقات الموسعة في الوقتين الموسعين، جاء بعد صلاة الصبح فالمتجه أنه يصلي وإلا لا يصلي؟ يصلي، ومثله إذا دخل المسجد العصر والشمس بيضاء نقية، يصلي، بينما إذا جاء في الأوقات المضيقة عند طلوع الشمس وعند غروبها وإذا قام قائم الظهيرة، نقول له: لا تصلِّ، لماذا؟ لأن المنع من الصلاة في الوقتين الموسعين -قرر جمع من أهل العلم- أنه من باب سد الذريعة، النهي عن الصلاة بعد صلاة الصبح وبعد العصر قالوا: من باب سد الذريعة، كيف سد الذريعة؟ لئلا يسترسل في الصلاة فيصلي في وقت طلوع الشمس أو وقت غروبها، فدل على أن المقصود من النهي ألا يصلي الإنسان في وقت طلوع الشمس أو في وقت غروبها، فهذا منع منه قصداً، وذاك منع منه من باب منع الوسائل، فعلى هذا يكون النهي في الوقتين موسعين أسهل وأخف من النهي عن الصلاة في الأوقات المضيقة الثلاثة.
طالب:.......
نع؟
طالب:.......
لا، يجلس ما فيه إشكال؛ لأن النصوص واضحة، وإن وقف والمدة يسيرة لا تتجاوز عشر دقائق ربع ساعة، فله ذلك.
طالب:.......
هو يبدو ربع ساعة الظاهر ما يزيد -إن شاء الله- يمضي ربع ساعة، إذا دخل والشمس بيضاء نقية يصلي، إذا دخل بعد صلاة الصبح أذن له أن يصلي راتبة قبل الصبح بعد الصبح فدل على أن الأمر فيه سعة، الرسول -عليه الصلاة والسلام- قضى راتبة الظهر بعد صلاة العصر، نعم، كثير من السلف أثر عنهم أنهم يصلون بعد العصر، فدل على أن النهي والمنع من الصلاة في والوقتين الموسعين إنما هو من باب منع الوسائل لا المقاصد؛ لئلا يسترسل ويستمر يصلي حتى يضيق الوقت.
تروا المسألة عملية ويحتاجها كل أحد.
طالب:.......
يسمى جلوس وإلا ما هو بجلوس؟
طالب:.......
هو إذا كان الوقت ضيقاً ولا يتحمل مثلاً الوقوف لا مانع أن يصنع مثل هذا؛ لأنه له أن يجلس؛ "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا"؛ لشدة النهي، ولذا يورد بعضهم على الأوقات الخمسة لماذا لا تصير ثلاثة ابتداءً، من طلوع الفجر إلى ارتفاع الشمس يصير واحد، ليش ما يقسموها اثنين؟ ووقت الزوال، ومن صلاة العصر إلى غروب الشمس ليش ما يقسموها اثنين تصير ثلاثة؟ وهي كذلك على سبيل الإجمال، لكن بسطت لماذا؟ لماذا قالوا ثلاثة؟
لأنها تختلف خفة وقوة، وتختلف أيضاً من جهة أخرى وهي أن الوقتين الموسعين النهي عن شيء واحد وهو أيش؟ الصلاة فقط، والنهي في الأوقات الثلاثة المضيقة عن..، نعم، عن شيئين الصلاة وعن قبر الميت، "وأن نقبر فيهن موتانا، وإن كان بعضهم يقول: إن المراد بقبر الموتى الصلاة على الجنازة.
فيها غموض المسألة وإلا؟
طالب:.......
نعم، نعم يا أحمد؟
طالب: جاء في وقت النهي هل ينكر عليه؟
وصلى؟
طالب:.......
مشكلتنا أنه القول الآخر يعني ما هو بملغى من كل وجه، لكن لو أشير عليه، يعني لو جاء في الوقت الموسع وصلى ما ينكر عليه، جلس ما ينكر عليه؛ لأن كلاً منهما معه نص، لكن لو أشير عليه، قيل له: لو في الأوقات الضيقة هذه التي النهي فيها شديد لو انتظرت حتى يخرج وقت النهي أفضل لك، يعني من باب المشورة؛ لأن القول الآخر أيضاً له حظ من النظر وله دليل.
طالب: أحسن الله إليك، هذا على القول أن تحية المسجد واجبة؟
لا ما هو على القول بوجوبها، على القول أنها..، جماهير أهل العلم على أنها سنة.
طالب:.......
الآن عندنا النهي هل هو للتحريم أو للكراهة؟ وعندنا الأمر بتحية المسجد هل هو للوجوب أو للاستحباب، كلاهما يتجاذبه ما يتجاذبه من الخلاف بين أهل العلم، اختلفوا في النهي هل هو للتحريم أو للكراهة، كما أنهم اختلفوا في تحية المسجد والأدلة المتكاثرة تدل على عدم الوجوب، وهو قول جماهير أهل العلم.
كم باقي على الإقامة؟ يعني نبدأ بشيء وإلا؟
هنا الناظم يقول -رحمة الله عليه-:
ثم الكتاب بالكتاب خصصوا |
| وسنة بسنة تخصص |
باقي وقت؟ ها، باقي شيء؟ طيب، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"