شرح متن الورقات في أصول الفقه (12)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أولاً: هنا تنبيه: وهو أنه في الإعلان أعلن في مثل هذا اليوم أن يكون للورقات، الأجرومية، الرحبية، وهذا يوحي أو يفهم منه أن الثلاثة الكتب تشرح في آن واحد -في وقت واحد- وفاتنا أن نذكر في الإعلان حرف العطف (ثم)؛ الأصل أن تكمل الورقات، ثم نبدأ بالأجرومية، ثم بعد ذلك الرحبية، أما قراءة ثلاثة كتب في آن واحد في مغرب..، على هذا نستمر ما ننتهي، لكن بدلاً من أن نجدد الإعلان كلما انتهى كتاب، وندفع الكتب الثلاثة دفعة واحدة، ونذكرها في الإعلان بدلاً من أن نجدد الإعلان؛ لأنه متوقع أنه في نهاية هذا الفصل تكون الورقات انتهت -إن شاء الله تعالى- الورقات تكون انتهت؛ لأننا أخذنا النصف فأكثر، ثم بعد ذلكم نشرح -بإذن الله تعالى- الأجرومية ثم الرحبية، إذا انتهت المتون الثلاثة -إن شاء الله تعالى- إن كان في العمر بقية ننتقل منها إلى متون أخرى بطريقة نتلافى فيها كثرة الإعلانات، يعني لو انتهينا في نهاية الفصل هذا من الورقات اضطررنا إلى أن نكتب إعلاناً جديداً للكتاب الجديد، بدلاً من ذلك نزلنا الكتب الثلاثة دفعة واحدة.
ولئلا يكون أيضاً للاضطراب مجال، هذه الكتب اتفق عليها سابقاً أنها تبدأ مرتبة هكذا؛ لئلا يقترح أحد لماذا لا نبدأ بكذا؟ لماذا لا يقدم كذا؟ نقطع الخط على مثل هذه التساؤلات، فدفع الإيهام الذي يحتوي عليه الإعلان قدمنا بهذه المقدمة والكل فهم -إن شاء الله تعالى- لأنه يكثر السؤال يمكن بعض الإخوان جاء بثلاثة كتب، جاء بالكتب الثلاثة، الورقات والأجرومية والرحبية، وليس هذا هو المراد، لكن غاية ما هنالك أن حرف العطف (ثم) ترك، وإن كان مراداً...، نتابع ما وقفنا عليه في الورقات أظن وقفنا على النسخ، سم.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
وأما النسخ: فمعناه الإزالة، يقال: نسخت الشمس الظل إذا أزالته، وقيل: معناه النقل من قولهم: نسخت ما في هذا الكتاب: إذا نقلتَه: نسخت ما في هذا الكتاب إذا نقلتَه، إذا نقلته بأشكال كتابته.
وحده: الخطاب الدال على رفع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجه لولاه لكان ثابتاً مع تراخيه عنه، ويجوز نسخ الرسم وبقاء الحكم، ونسخ الحكم وبقاء الرسم، ونسخ الأمرين معاً.
وينقسم النسخ إلى بدل وإلى غير بدل، وإلى ما هو أغلظ وإلى ما هو أخف، ويجوز نسخ الكتاب بالكتاب، ونسخ السنة بالكتاب، ويجوز نسخ المتواتر بالمتواتر، ونسخ الآحاد بالآحاد وبالمتواتر، ولا يجوز نسخ المتواتر بالآحاد.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، النسخ: يطلق في اللغة ويراد به الإزالة والرفع، كما يقال: نسخت الشمس الظل إذا أزالته ورفعته بانبساط ضوئها، ونسخت الريح الأثر إذا أزالته عن الأرض، يقول -جل وعلا-: {فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ} [(52) سورة الحـج]: يعني: يزيله ويذهبه.
يطلق أيضاً النسخ ويراد به النقل، كذا قالوا، والمثال لا يسعف، المثال الذي مثل به المؤلف لا يسعف على إرادة النقل؛ يقول هنا: وقيل: معناه النقل من قولهم: نسخت ما في هذا الكتاب إذا نقلته، نعم، هو يقول: نسخت، وهذا الكتاب نسخة من كتاب كذا، ومنسوخ من كذا، هذا مستعمل لكن هل معناه النقل؟
نعم يريدون به النسخ، يفسرون مثل هذا النسخ بالنقل، لكن ما مقتضى النقل حقيقة، ما مقتضى حقيقة النقل، نقل الجرم من حيز إلى حيز، يعني إذا افترضنا أن هذه القارورة موجودة هنا ونقلناها إلى جهة اليمين، هذا النقل حقيقته، يعني النقل انتقال الجرم من حيز إلى حيز، لكن هل النسخ بمعنى النقل، يراد به هذا؟
بعضهم يريد أن يخلص من هذا الإشكال، يقول: يطلق على ما يشبه النقل.
المقصود أن النقل المراد به الانتقال، الانتقال أو نقل الحيز من..، أو نقل الجرم من حيز إلى آخر، فهل إذا نسخنا الكتاب معناه أننا نقلنا الحروف من هذا الكتاب إلى كتاب آخر؟
يعني الكتاب الأول الذي نسخنا منه ونقلنا منه الكلام، مقتضى النقل الحقيقي أن يكون الكتاب الأول دفتر ما فيه كتابة، نقلنا الكتابة منه، أليس هذا مقتضاه؟
لا شك أن إطلاق النسخ على النقل تجوُّز، وإطلاق النقل على نسخ الكتاب تجوُّز أيضاً، وإلا فالنسخ هنا يراد به إيجاد المثل، النسخ في هذا المثال الذي أورده إيجاد المثل، يعني إذا قيل: ما عندك من العلم نسخة مما في مؤلفات فلان، يعني لو افترضنا شخصاً اعتنى بكتب شيخ الإسلام، واستظهر جميع ما فيها، قلنا: فلان نسخة لما في كتب شيخ الإسلام، فهل معنى هذا أن جميع ما في كتب شيخ الإسلام انتقل إلى ذهنه فصار حاضراً فيه؟ لا؛ ولا شك أن مثل هذا التعبير فيه تجوُّز.
يقول: وقيل معناه النسخ من قولهم: نسخت ما في هذا الكتاب إذا نقلتَه: من قولهم: يناسب قوله: من قولهم
إذا أتى بـ(إذا) أو نقول: من قولك: نسخت ما في هذا الكتاب إذا نقلتَه؟
أولاً نقلتُه أو نقلتَه؟
طالب:.......
ليش؟
طالب:.......
إيه بـ(إذا)، إذا نقلتَه، لكن لو جئنا بـ(أي) نسخت ما في هذا الكتاب أي: نقلتُه، ومعروف الفرق بين (إذا) و(أي).
يقول: يطلق ويراد به النقل -كما قال المصنف- من قولهم: نسخت ما في الكتاب إذا نقلته: وإن خالف النقل من جهة أن النقل يراد به انتقال المنقول عن الحيز، بخلاف نسخ الكتاب فإنه لا يقتضي نقل المنسوخ عن حيزه، بل يبقى الأصل؛ لأن ما في الكتاب لا ينقل حقيقة، وإنما يوجد مثله ونظيره، يقول تعالى: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [(29) سورة الجاثية].
في مختصر التحرير يقول: النسخ حقيقة في الإزالة مجاز في النقل، وفي قرة العين..، عندكم شرح الورقات نقل عن بعضهم قولاً ثالثاً: أنه حقيقة في النقل مجاز في الإزالة، عكس ما في مختصر التحرير.
عند من يقسم الكلام إلى حقيقة ومجاز قد يقول مثل هذا الكلام، لا سيما وأن النقل ليس بنسخ حقيقي، أو النسخ ليس بنقل حقيقي، لكن الذي ينفي وجود المجاز يقول: هذا إطلاق عرفي، حقيقة عرفية عند أهل العلم، حقيقة عرفية يطلقون نسخ ما في الكتاب وإيجاد صورة منه على ما يشبه النقل، فأيهما أولى ما في مختصر التحرير أنه حقيقة في الإزالة مجاز في النقل، أو العكس كما نقله الحطاب في قرة العين عن بعضهم؟ نقل في قرة العين قولاً ثالثاً أنه حقيقة في النقل مجاز في الإزالة، قال: وهو بعيد؟ هاه، يعني أيش الفرق بين القولين؟
أن الاستعمال الأصلي لهذه الكلمة -يعني أن هذه الكلمة- وضعت أصلاً لأيش؟ للنقل -على كلام صاحب التحرير- للإزالة على كلام صاحب التحرير- ثم استعملت على غير الأصل في النقل، والعكس فيما نقله صاحب قرة العين.
على كل حال هذا كلام تفصيله يحتاج إلى وقت.
النقل في..، أو النسخ في الاصطلاح: النقل، في الاصطلاح حدَّه المؤلف -يعني عرفه؛ الحد التعريف- قال: وحده: الخطاب الدال على رفع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجه لولاه لكان ثابتاً مع تراخيه عنه: هنا في رفع حكم، رفع حكم ثابت بخطاب، ولا بد أن يكون هذا الرفع بخطاب أيضاً، رفع حكم ثابت بخطاب آخر متراخ عنه.
وهنا يقول: حده الخطاب الدال على رفع الحكم الثابت بالخطاب: بالخطاب: جار ومجرور متعلق بأيش؟ بـ(رفع) وإلا (ثابت)؟ متعلق بالمصدر (رفع) وإلا متعلق باسم الفاعل (ثابت)؟
طالب:.......
لا، تأملوا، إذا قلنا: متعلق بـ(رفع) جعلنا الرفع بالخطاب المتقدم، هل الرفع يكون بالخطاب المتقدم أو الرفع بالخطاب المتأخر؟
طالب:.......
نعم، إذن الرفع بالخطاب المتأخر للحكم الثابت بالخطاب المتقدم، ظاهر وإلا ما هو بظاهر، يعني إذا قلنا: بالخطاب المتقدم متعلق بالمصدر الذي هو (رفع) يترتب عليه أيش؟ أن الرفع بالخطاب المتقدم، وهذا ليس بصحيح؛ الرفع يكون بالخطاب المتأخر؛ لأن المتأخر هو الذي يرفع، والرفع لما ثبت بخطاب متقدم –المنسوخ- المؤلف حينما قال: حدُّه: يعني تعريفه، ويريد بذلك اصطلاحاً؛ لأنه انتهى من اللغة، الخطاب الدال: هذا تعريف للنسخ أو للناسخ؟ للناسخ؛ فالنسخ هو الرفع، والناسخ هو الخطاب المتأخر، والمنسوخ هو ماثبت بالخطاب المتقدم.
على كل حال تعريف النسخ يؤخذ من تعريف الناسخ؛ فالنسخ فيه رفع -فيه إزالة- وهل النسخ رفع كلي للحكم أو جزئي؟ النسخ رفع كلي وإلا جزئي؟
كلي؛ إذا كان الرفع جزئياً إما أن يكون تخصيصاً أو تقييداً، إما أن يكون تخصيصاً أو تقييداً، والنسخ يراد به الرفع الكلي للحكم.
وقوله: بالخطاب: أي يرفع ما ثبت حكمه بخطاب -بنص من الكتاب أو من السنة- لا ما ثبت بالبراءة الأصلية -أي عدم التكليف بشيء، قبل ورود الخطاب -قبل أن يرد الخطاب في الأعيان المنتفع بها- لها حكم، يعني هل معنى هذا أن الصحابة لما بعث فيهم النبي -عليه الصلاة والسلام- تعطلوا عن كل شيء -عن عمل أي شيء- حتى نزلت الخطابات أو استمرت حياتهم على ما كانوا عليه؟ نعم، ثم نزلت النصوص تقر ما يُقر وترفع ما لم يقر، نعم؟
طالب:.......
استمروا على ما كانوا عليه من مزاولة الأعيان المنتفع بها، لكن من هذه الأعيان ما نزل الخطاب مؤيداً للاستمرار، ومنها ما لم ينزل فيه شيء البتة، فبقي على البراءة، ومنها ما نزل الخطاب بخلاف ما دلت عليه البراءة الأصلية -بالنقل أو بالانتقال عن البراءة الأصلية- فالخطاب الأول الذي رفع ما دلت عليه البراءة الأصلية يقال: ناسخ؟ لا؛ فلا بد أن يكون الحكم المرفوع المنسوخ ثابت بخطاب متقدم، لا يكون ثبوته بالبراءة الأصلية، هذا مفاد قوله: رفع الحكم الثابت بالخطاب.
أيضاً الرفع لا بد أن يكون بخطاب ثانٍ؛ فالنسخ من خواص النصوص؛ معروف أن الإجماع لا ينسخ ولا يُنسخ، والقياس كذلك؛ لأن النسخ من خواص النصوص، فالمنسوخ لا بد أن يكون ثابتاً بنص، والناسخ لا بد أن يكون ثابتاً أيضاً بنص، أما ما ثبت بالبراءة لا يقال له: نسخ لو نزل الحكم الشرعي بإلغائه، كما أن غير النصوص لا يمكن أن ينسخ به، فالإجماع لا ينسخ ولا يُنسخ، لكن قد يستدل أهل العلم بالإجماع على ترك العمل بخطاب ثابت، قد يستدل أهل العلم بالإجماع على ترك حكم ثابت بدليل شرعي على وجود ناسخ ولو لم نطلع عليه؛ هناك أحاديث صحيحة أجمع أهل العلم على عدم العمل بها، هل يكون الإجماع ناسخاً لهذا الدليل؟ النسخ من خواص النصوص، كيف يجمع أهل العلم على ترك عمل بخبر ثابت؟
قالوا: لابد أن يوجد ناسخ، ولو لم نطلع عليه؛ إذ الأمة لا تجمع على ضلالة، فعلى سبيل المثال: الجمع بالمدينة من غير سبب، يقول النووي: "دل الإجماع على نسخه". قتل المدمن: يقول الترمذي: "أجمع أهل العلم على ترك العمل به"، يعني هل تركه أهل العلم معاندة، قالوا: ما يصلح ولا يناسب العصر ولا ..؟
لا؛ لا بد أن يكون لهذا الإجماع مستندٌ، فالإجماع يدل على وجود ناسخ ولا ينسخ به.
على كل حال الخلاف في المسألتين معروف، وإن قال الترمذي: إنه ليس في كتابه مما أجمع على تركه سوى هذين الحديثين يعني حديث ابن عباس في الجمع بالمدينة، وحديث معاوية في قتل الشارب.
بخطاب: الرفع لا بد أن يكون بخطاب، فيخرج ما رفع حكمه تبعاً لرفع التكليف، يقصد بذلك ما رفع فيه الحكم تبعاً لرفع التكليف، إما بموت أو جنون، شخصٌ جُنَّ، هل نقول: نسخت الصلاة؛ لأن الحكم ارتفع؟ جن شخص أو مات، نقول رفع التكليف بالصلاة؛ لأن الحكم ارتفع عنه؟
نعم الحكم ارتفع عنه، لكن بغير نص، وارتفع عنه -ارتفاع مناط التكليف- ارتفع مناط التكليف فارتفع التكليف.
كذلك يخرج به الأحكام الموقتة بوقت: المنع من البيع بعد النداء يوم الجمعة، هل نقول: إنه بعد الصلاة ينسخ الحكم؟ أو نقول من الأصل: هذا حكم مؤقت في هذا الوقت يرتفع بارتفاعه، فليس هذا من النسخ؟
أيضاً تحريم الصيد: {صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [(96) سورة المائدة]: لا يقال فيه: إنه منسوخ بقوله -جل وعلا-: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ} [(2) سورة المائدة]؛ لأن هذا حكم موقوت.
من ذلكم الجزية: في الصحيح - صحيح مسلم- من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((والذي نفسي بيده، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم -صلى الله عليه وسلم- حكماً مقسطاً، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد)): المقصود أنه يضع الجزية، الجزية حكم شرعي ثابت بنص شرعي، هل نقول: إن عيسى –عليه السلام- ينسخ هذا الحكم؟ أو نقول: إن الحكم الشرعي -وهو أخذ الجزية من أهل الكتاب- موقوت إلى نزول عيسى عليه السلام؟
الآن ظاهر المثال وإلا ما هو بظاهر؟
طالب:.......
نعم؟
طالب:.......
دليل أيش؟
طالب:.......
أيوه.
طالب:.......
إيه؟
طالب:.......
طيب، دليل على التوقيت لا على الرفع، دليل على أن هذا الحكم موقوت إلى نزول عيسى؛ لأن الشريعة استقرت بوفاته -عليه الصلاة والسلام- بعد وفاته لا ناسخ ولا منسوخ، استقرت، لكن أخبرنا أن هذا الحكم مؤقت، يعني مثل ما يقال: البيع بعد النداء الثاني من صلاة الجمعة، تحريمه مؤقت إلى الصلاة، أيضاً..، نعم؟
طالب:.......
صيام؟
طالب:.......
أيش فيه؟
طالب:.......
يعني في وقت من الأوقات يجوز صيام يوم العيد؟
طالب:.......
الكلام وأيش فيه؟ الكلام في شيء حرم في وقت دون وقت، هذا المحرم -هذا لو افترضنا أنه لو جاء ما يدل على أن صيام العيد حرام إلى سنة كذا، نقول: هنا موقوت، انتهى توقيته- على كل حال فروع هذه المسألة كثيرة.
الإمام النووي -رحمه الله- أيش يقول في حديث وضع الجزية؟
يقول: معناه أن عيسى -عليه السلام- لا يقبل إلا الإسلام، فعلى هذا قد يقال: هذا خلاف حكم الشرع اليوم، فإن الكتابي إذا بذل الجزية وجب قبولها ولم يجز قتله ولا إكراهه على الإسلام، وجوابه أن هذا الحكم ليس بمستمر إلى يوم القيامة؛ وهو مقيد بما قبل عيسى -عليه السلام- وقد اخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذه الأحاديث الصحيحة بنسخه، وليس عيسى -عليه السلام- هو الناسخ بل نبينا -عليه الصلاة والسلام- هو المبين للنسخ.
الحقيقة أنه مبين للوقت الذي ينتهي به هذا الحكم، وإلا حقيقة النسخ: هو رفع الحكم، بل نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- هو المبين للنسخ؛ فإن عيسى يحكم بشرعنا، يحكم بشريعة محمد -عليه الصلاة والسلام- فدل على أن الامتناع من قبول الجزية في ذلك الوقت هو شرع نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- كذا قال.
وعرفنا أن مثله هذا مغياً بغاية وهي نزول عيسى -عليه السلام- ومثله المنع من البيع في يوم الجمعة إلى انتهاء الصلاة بعد الأذان، ومثله أيضاً تحريم صيد البر مادام الإنسان محرماً حتى يحل.
طالب:..... دفع الجزية هل....؟
هو بمجرد نزوله لا يقبل الجزية؛ خلاص تلتغي الجزية بنزول عيسى -عليه السلام-.
قوله: مع تراخيه عنه: أي مع مضي مدة يُتمكن فيها من الفعل أو العزم عليه، مع مضي مدة يتمكن فيها من الفعل أو العزم عليه، وهذا يخرج ما إذا كان الرافع غير متراخ بل كان متصلاً بالنص فلا يكون حينئذ نسخاً، بل يكون بياناً للشرط والصفة والاستثناء.
يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:
النسخ نقل أو إزالة كما |
| حكوه عن أهل اللسان فيهما |
النسخ ثابت في النصوص -ثابت شرعاً- كما أنه جائز عقلاً، النسخ في النصوص جائز عقلاً؛ لأن لله -عز وجل- أن يغير ما شاء متى شاء، ولا يسأل عما يفعل، يعني للإنسان أن يتصرف بمولاه، للسيد أن يتصرف بمولاه كيفما شاء، فيأمره بشيء وينهاه عنه، وللأب أن يأمر ابنه بشيء في يوم وينهاه عنه في يوم آخر إذا رأى المصلحة فيما انتقل إليه.
أنكر اليهود -قاتلهم الله- النسخ وتبعهم طوائف تنتسب إلى الإسلام؛ محتجين بأن النسخ يستلزم البداء، وهو محال على الله عز وجل.
البداء: هو الظهور، مقتضى قولهم: إن الله -سبحانه وتعالى- حينما يغير الحكم الثابت معناه أن الله -سبحانه وتعالى- بدا له، يعني ظهر له أمر كان قد خفي عليه ثم لما بدا له غيره، هذا مقتضى قولهم، قالوا: النسخ يستلزم البداء، مقتضاه أن الله -سبحانه وتعالى- أمر بأمر، ثم ظهر له -بدا له- أن هذا الأمر غير مناسب فغيره، وقولهم باطل من وجوه:
الأول: ما اتفقت عليه جميع الأمم من وقوع النسخ في الشرائع، كل شريعة تنسخ بعض ما شرع في التي قبلها، ومن أظهر ذلك: اتفاق جميع الأمم على نسخ نكاح الأخوات في زمان آدم -عليه السلام- ثم تحريمه في جميع الملل، هل يستطيع أن يقول أحد: إن هذا الحكم ثابت إلى الآن؟ نعم؟
لا يجرؤ، لا يستطيع أحد أن يقول هذا الكلام، كما أنه لا يستطيع أحد أن يقول: إنه محرم في شريعة آدم، هل يستطيع أحد أن يقول: إن هذا محرم في شريعة آدم؟ نعم؟ لا يمكن، ليش، لماذا؟
النسل، يعني لو كان محرماً انقطع النسل، كما أنه لا يستطيع أحد أن يقول: إنه ثابت إلى الآن، هذا دليل ملزم تواطأت عليه جميع الشرائع، جميع الملل.
الثاني: أن اليهود وافقوا على أن شريعتهم نسخت ما قبلها؛ اليهود يزعمون أن شريعة موسى -عليه السلام- نسخت ما قبلها من الشرائع، فإذا جاز ذلك جاز أن ينسخها ما بعدها.
الثالث -الفرق بين النسخ والبداء-: أن البداء هو أن يظهر له ما كان خفياً عليه، في البداء أن يظهر له ما كان خفياً عليه، والنسخ ليس كذلك، النسخ ليس كذلك، لا يلزم أن يكون نسَخَه لخفاء حكمته عليه؛ وإنما نسْخُه لأحد أمرين:
إما امتحان المكلفين بمعرفة مقدار امتثالهم لهذه الأوامر والنواهي، يعني الشخص الذي ينزل عليه الحكم بالوجوب فيمتثل ويفعل، لا شك أن مثل هذا ممتثل، لكن إذا ألف هذا الحكم ووطن نفسه عليه ثم نسخ هذا الحكم إلى شيء أشدَّ مثلاً، ثم امتثل ثانية هذا يدل على أيش؟
على أن هذا المكلف يسارع ويبادر إلى الامتثال، نعم المسارعة والمبادرة تختلف من شخص إلى آخر؛ شخص من أول ما يسمع يقول: سمعنا وأطعنا، وآخر يتبرم ثم يفعل، وثالث يتبرم ولا يفعل، يعني فرق بين من أمر بذبح ابنه فتله للجبين، أيش معنى تله؟ ما تأخر ولا لحظة، فرد أُمر بذبح ابنه بِكره الفرد الوحيد، فتله للجبين، وأُمَّة بكاملها أمرت بذبح بقرة {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ} [(71) سورة البقرة]، يعني فرق بين امتثال وامتثال، يعني الإنسان ينذر هواه تبعاً لما جاء به النبي -عليه الصلاة والسلام-، كل ما جاء عن النبي امتثله، فإذا نقل من حال إلى حال وامتثل بسرعة لا شك أن هذا جاز الامتحان؛ فمن حكم النسخ امتحان المكلفين والنظر في مبادرتهم وسرعة امتثالهم، وجاء مدح نساء الأنصار حينما امتثلن الحجاب بادرن بامتثال الحجاب.
أيضاً هناك رعاية الأصلح للمكلفين، قد يكون هذا الحكم في وقت مناسب، لكنه لا يناسب في وقت ثان، فيراعى الأصلح؛ وهذا من فضل الله -عز وجل- على عباده، ليس واجباً عليه -كما تقوله المعتزلة،- أنه يجب عليه رعاية الأصلح، لا، بل من فضل الله -عز وجل- ورأفته بعباده أنه يراعي مصالحهم، فيوجب عليهم شيئاً في وقت؛ لأنه يناسبهم، في وقت آخر لا يناسبهم هذا الحكم فينسخه.
طيب، قد يقول قائل: جاء في صحيح البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء باب في حديث الأبرص والأعمى والأقرع في بني إسرائيل من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن ثلاثة في بني إسرائيل، أبرص وأقرع وأعمى، بدا لله -عز وجل- أن يبتليهم فبعث إليهم ملكاً...)) الحديث: في الحديث -وهذا في الصحيح فلا لأحد كلام-: ((بدا لله عز وجل أن يبتليهم))، كيف نجيب عن هذا، ونحن ننفي البداء الذي معناه ظهور ما كان خفياً على الله عز وجل؟ أيش معنى بدا؟
معنى بدا هنا أراد الله -عز وجل- إظهار ما سبق في علمه، يعني مما لم يخفى عليه، وليس المراد به أنه ظهر له ما كان خافياً؛ لأن ذلك كما قدمنا محال في حق الله تعالى.
أراد الله -سبحانه وتعالى- أن يختبر هؤلاء، أراد الله، يعني بدا لله -عز وجل- أن يختبرهم، يعني أراد الله -جل وعلا- أن يختبرهم؛ يؤيد ذلك ما جاء في البخاري نفسه في كتاب الأيمان والنذور الحديث نفسه خرجه الإمام البخاري في كتاب الأيمان والنذور: "باب لا يقول ما شاء الله وشئت، وهل يقول: أنا بالله ثم بك" من حديث أبي هريرة، الحديث نفسه، أنه سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إن ثلاثة من بني إسرائيل أراد الله أن يبتليهم فبعث ملكاً)) الحديث، فمعنى بدا في الرواية الأولى: أراد، وهو مفسر بالرواية الثانية.
ثم بعد ذلك قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
يجوز نسخ الرسم وبقاء الحكم: نسخ الرسم وبقاء الحكم، والعكس: نسخ الحكم وبقاء الرسم، والنسخ إلى بدل وإلى غير بدل، وإلى ما هو أغلظ وإلى ما هو أخف.
يجوز نسخ الرسم: نسخ اللفظ، والحكم باق، ومثل لذلك بـ((الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة))، في الصحيحين يقول: قال عمر -رضي الله عنه-: "فإنا قد قرأناها ووعيناها وعقلناها، ورجم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورجمنا بعده، فدل على أن هذا الحكم ثابت وإن كان الرسم منسوخاً -يعني مرفوعاً من التلاوة- ويظهر في هذا النوع مقدار امتثال المكلف؛ لأنه قد ينازع لا سيما في مثل هذا الحكم، قد ينازع بعض من فتن ويقول: إن الرجم مادام نسخ -رفع لفظه- لماذا لم يكن مما رفع حكمه؛ لا سيما وأن الرجم لا يناسب في مثل هذه العصور؟ قد يقول قائل: وحشية هذه، أو حقوق الإنسان لا تقره أو ما أشبه ذلك، فلماذا لا يرفع حكمه تبعاً لرسمه؟
نقول: الله -سبحانه وتعالى- له أن يفعل ما يشاء، فيرفع ما يشاء ويبقي ما يشاء، والحديث في الصحيح، وليس لأحد كلام.
و حكم..، لفظه مرفوع وأجمع الصحابة على عدم كتابته في المصحف، فدل على أنه منسوخ من حيث التلاوة، لكن حكمه باق كما قال عمر -رضي الله عنه-: "فإنا قد قرأناها ووعيناها وعقلناها، ورجم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورجمنا بعده".
رجم النبي -عليه الصلاة والسلام- في قصص معروفة مستفيضة مأثورة في دواوين الإسلام المعروفة، يعني ليس لأحد كلام في هذا، وكون عمر -رضي الله عنه- يقول: "رجمنا بعده": يدل على بقاء الحكم.
يجوز نسخ الحكم وبقاء الرسم: عكس ما تقدم، وهذا أكثر أنواع النسخ كآيتي المصابرة {إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ} [(65) سورة الأنفال]، هذه الآية في أول الأمر، وفيها شدة على المؤمنين، والمؤمنون فيهم ضعف، فخفف الله عنهم بقوله –جل وعلا-: {الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ} [(66) سورة الأنفال].
قد يقول قائل: هذه أخبار، هذه أخبار؟
لكنها أخبار متضمنة لأحكام قد يأتي الأمر بلفظ الخبر، يأتي الأمر بلفظ الخبر، كما أن النهي أيضاً يأتي بلفظ الخبر، وعلى كل حال هذا من هذا النوع؛ المسلم مأمور بأن يصبر لعشرة في أول الأمر، وحينئذ لا يجوز له أن يفر من عشرة؛ الحكم شرعي، لما علم الله الضعف جعل الحكم مربوط بالضعف، فإذا كان العدد أكثر من الضعف جاز له الفرار.
كما يجوز أيضاً نسخ الحكم والرسم معاً: كحديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات".
العشر منسوخة، وكانت من القرآن، وكانت مما يتلى من القرآن، فرسمها يعني لفظها منسوخ وحكمها أيضاً منسوخ، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهن فيما يُقرأ من القرآن، وفي رواية: "نزل في القرآن عشر رضعات معلومات، ثم أنزل أيضاً خمس معلومات".
قد يقول قائل: توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهن فيما يقرأ، لماذا لا نقرؤهن؟ أين..، كيف رفعن من المصحف، وقد توفي النبي -عليه الصلاة والسلام- استقر الأمر وهن مما يتلى؟
ومثل هذا يلبس به بعض المبتدعة، وأن أهل السنة كغيرهم؛ يرون أن في القرآن شيئاً من التحريف، وأنهم نقصوا من القرآن، "فتوفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهن فيما يتلى من القرآن"؟!
أهل العلم يجيبون عن مثل هذا بأن النسخ تأخر جداً، إلى قبيل وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- فخفي على بعض الصحابة هذا النسخ، فصار يقرأ مثل هذا الكلام بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم بلغه الناسخ فترك، توفي النبي -عليه الصلاة والسلام- وهن فيما يقرأ من قبل بعض من خفي عليه النسخ، ولذا أجمع الصحابة على عدم إثبات هذه الآية في المصحف.
ينقسم النسخ إلى بدل: كنسخ استقبال بيت المقدس باستقبال الكعبة، وإلى غير بدل: نسخ استقبال بيت المقدس إلى بدل وهو استقبال الكعبة، وإلى غير بدل كنسخ صدقة المناجاة، {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [(12) سورة المجادلة]، هذا نسخ إلى غير بدل.
النسخ إلى بدل لا خلاف فيه؛ {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [(106) سورة البقرة].
الثاني: وهو النسخ إلى غير بدل، هو مذهب جمهور أهل العلم؛ جمهور أهل العلم يرون أن هناك نسخ إلى غير بدل، والمثال كما سمعنا، ومنعه الظاهرية؛ استدلالاً بالآية {مَا نَنسَخْ..}، {نَأْتِ}: معناه أن كل ما ينسخ يؤتى بدله، إما خيراً منه أو مثله.
أما النسخ إلى بدل فهو مجمع عليه عند كل من يقول بالنسخ، وهم جميع من يعتد بقولهم من أهل الإسلام، بعض المعاصرين ألف كتاباً كبيراً في التفسير يعني على طريقة الخلف في كثرة الكلام مع قلة البركة، وهذا التفسير ينتقي من عناوين كل جزء أبرزها ويجعلها على الغلاف، فكان من أبرز العناوين التي كتبها: (النسخ ولا نسخ في القرآن).
الظاهرية يمنعون أن يوجد نسخ إلى غير بدل، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله تعالى- يميل إلى قول الظاهرية ويؤيده؛ يقول -رحمه الله تعالى-: إن القول بالنسخ إلى غير بدل، قول باطل، وإن قال به جمهور العلماء؛ لأن الله تعالى يقول: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [(106) سورة البقرة].
وأجاب الشنقيطي -رحمه الله تعالى- عن آية صدقة المناجاة بأن الذي نسخ هو الوجوب، وأما استحباب الصدقة فهو باق لم ينسخ، فالنسخ إلى بدل..، فالنسخ حينئذ إلى بدل يعني من الوجوب إلى الاستحباب.
لكن من يقول بجواز النسخ إلى غير بدل كيف يجيب عن هذه الآية؟
يقول: إن الآية عامة خصصت بمثل هذا.
يجوز النسخ إلى ما هو أغلظ -كما يقول المؤلف-: كنسخ التخيير بين صوم رمضان والفدية في أول الأمر، صوم رمضان لا يتعين؛ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} [(184) سورة البقرة]، مخير الإنسان ولو كان يستطيع الصيام أن يصوم وبين أن يطعم، نسخ هذا إلى تعين الصوم، وأن من يستطيع الصوم لا خيار له، {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [(185) سورة البقرة]، كما يجوز النسخ إلى هو أخف كنسخ قوله تعالى: {إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ..} إلى آخر آيتي المصابرة.
يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:
وجاز نسخ الرسم دون الحكم |
| كذاك نسخ الحكم دون الرسم |
ثم قال -رحمه الله تعالى-: ويجوز نسخ الكتاب بالكتاب ونسخ السنة بالكتاب: نسخ الكتاب بالكتاب ونسخ السنة بالكتاب وبالسنة، ويجوز نسخ المتواتر بالمتواتر والآحاد بالآحاد وبالمتواتر، ولا يجوز نسخ المتواتر بالآحاد: يجوز نسخ الكتاب: المراد به القرآن، بالكتاب: يعني يجوز نسخ آية بآية، كآيتي المصابرة.
ونسخ السنة بالكتاب: كنسخ استقبال بيت المقدس، استقبال بيت المقدس ثابت بالكتاب أو بالسنة؟ بالسنة، نسخ ما ثبت بالسنة من استقبال بيت المقدس بما ثبت بالكتاب من قوله -جل وعلا-: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(144) سورة البقرة]. ويجوز نسخ السنة بالسنة: اتفاقاً، ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزورها)).
طالب:.......
نسخ الكتاب بالسنة يأتي.
الآن القسمة ثلاثية وإلا رباعية؟
يجوز نسخ الكتاب بالكتاب، ونسخ السنة بالكتاب، ونسخ السنة بالسنة، تمام القسمة أن يقال العكس، نسخ الكتاب بالسنة، يعني صار عندنا أمران كل واحد له صورتان، تطلع أربع صور؛ نسخ الكتاب بالكتاب، نسخ السنة بالكتاب، نسخ السنة بالسنة، نسخ الكتاب بالسنة.
سكت المؤلف عن تمام القسمة وهو نسخ الكتاب بالسنة، وفيه خلاف فقيل بجوازه؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا ينطق عن الهوى، أما كون السنة أضعف من حيث الثبوت، هذا شيء، لكن الأصل أن ما صح من سنة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه من عند الله؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا ينطق عن الهوى؛ {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [(4) سورة النجم]، على هذا القول -وهو القول بجواز نسخ الكتاب بالسنة- يمثل له بآية الوصية: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [(180) سورة البقرة]، نسخ هذا بحديث: ((لا وصية لوارث))، من أهل العلم من يقول: خروجاً من مثل هذا الخلاف، إن النسخ إنما هو بآيات المواريث لا بهذا الحديث.
طالب:.......
إيه.
طالب:.......
جاء هذا في بعض النسخ دون بعض؛ لأنه قال في الأخير: ويجوز نسخ المتواتر بالمتواتر ونسخ الآحاد بالآحاد وبالمتواتر، ولا يجوز نسخ المتواتر بالآحاد: يدخل فيه هذا، أقول: قوله: ولا يجوز نسخ المتواتر بالآحاد يغني عما ذكرت.
طالب:.......
ولو أثبتت..؛ قوله: ولا يجوز نسخ المتواتر بالآحاد يغني عما ذكرت، لكن من باب تتميم القسمة يذكر في محله فقط، ومنع آخرون -بل هو قول الأكثر- أن السنة لا تنسخ الكتاب، السنة لا تنسخ الكتاب؛ من أدلتهم قوله تعالى: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي} [(15) سورة يونس]، والنسخ -نسخ الكتاب بالسنة- تبديل منه -عليه الصلاة والسلام- للكتاب!!
لكن يمكن الجواب عن هذا بأن ما يتلقاه عن الله -عز وجل- من بيان للكتاب وتخصيص للكتاب ونسخ للكتاب لا يجوز أن يقال: إنه من تلقاء نفسه -عليه الصلاة والسلام- إنما تلقاه عن ربه، وقد ثبت بالنص أنه لا ينطق عن الهوى.
يجوز نسخ المتواتر بالمتواتر: معلوم أن القرآن كله متواتر، وأما السنة فمنها المتواتر وغير المتواتر، القرآن كله متواتر، والسنة منها المتواتر وغيره، فيجوز نسخ القرآن -على هذا- بالقرآن وبالسنة المتواترة، ويجوز نسخ السنة المتواترة بالقرآن، والسنة المتواترة بالسنة المتواترة، كل هذا يدخل في قوله: يجوز نسخ المتواتر بالمتواتر؛ لأن القرآن متواتر، ومن السنة ما هو متواتر، إذن يجوز نسخ القرآن بالقرآن، ونسخ المتواتر من السنة بالمتواتر من السنة، ويجوز نسخ القرآن بالمتواتر من السنة، ويجوز نسخ المتواتر من السنة بالقرآن.
على هذا يجوز نسخ القرآن بالسنة المتواترة عند الجمهور، ومنعه الشافعي وأحمد في المشهور عنه؛ لأن مرتبة القرآن فوق مرتبة السنة ولو تواترت على هذا، لكن إذا قلنا بأن الآحاد إذا صح خبر الواحد عن النبي -عليه الصلاة والسلام- جاز النسخ به؛ لأنه لا ينطق عن الهوى، فلأن يجوز النسخ بالمتواتر من السنة من باب أولى.
طالب:.......
من أي وجه؟
طالب:.......
هو عندنا قبل قال: ولا يجوز نسخ الكتاب بالسنة.
طالب:.......
لا، هو إذا أطلقت يراد بها الآحاد، على أن مذهبه مذهب الشافعي -المؤلف شافعي المذهب- والشافعي يرى أن السنة لا تنسخ القرآن سواءً كانت آحاداً أو متواترة.
نسخ السنة المتواترة بالسنة المتواترة مجمع عليه بين القائلين بالنسخ، ولا يوجد له مثال فيما قرره صاحب شرح مختصر التحرير، لا يوجد له مثال.
نسخ متواتر السنة بالكتاب، نسخ المتواتر من السنة بالكتاب مثلوا له بنسخ استقبال بيت المقدس باستقبال الكعبة، وقد تقدم، فاستقبال بيت المقدس ثبت بالسنة المتواترة ونسخ بالكتاب: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(144) سورة البقرة].
ويجوز نسخ الآحاد بالآحاد: وهذا كثير جداً يراجع لأمثلته الكثيرة كتاب الحازمي (الاعتبار في معرفة الناسخ والمنسوخ من الآثار) وهذا كتاب نفيس لا يستغني عنه طالب علم، يعني من أمثلته: ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزورها))؛ لأنه آحاد نسخ آحاداً.
وبالمتواتر: يجوز نسخ الآحاد بالمتواتر؛ لأنه أقوى منه، وهذا أيضاً دلَّ..، أو أيضاً محل اتفاق، لكن قال في شرح مختصر التحرير: إنه لم يقع.
ولا يجوز نسخ المتواتر بالآحاد: لأن الجمهور يشترطون المساواة في القوة، فالآحاد لا يساوي المتواتر، والسنة عموماً لا تساوي القرآن، فالسنة لا تنسخ القرآن، والآحاد لا ينسخ المتواتر.
ولذا قال: ولا يجوز نسخ المتواتر بالآحاد: وعلى هذا لا يجوز نسخ الأقوى سواءً كان من الكتاب أو متواتر السنة بالآحاد؛ لأنه دونه في القوة؛ لأن المتواتر قطعي الثبوت، والآحاد ظني، والشيء إنما ينسخ بمثله أو بما هو أقوى منه، وهذا مذهب الأكثر، هذا مذهب الجمهور.
وذهب جماعة من الظاهرية كابن حزم إلى جوازه وهي رواية عن أحمد ورجحه كثير من المحققين؛ لأن القطعي هو اللفظ، ومحل النسخ هو الحكم، ولا يشترط في ثبوته التواتر، ولا يشترط في ثبوته التواتر.
الآن عندنا ثبوت ودلالة، قد يكون النص قطعي الثبوت ظني الدلالة، والعكس، قد يكون ظني الثبوت قطعي الدلالة، والمرد في النسخ المعول على الحكم، المعول على الحكم، والحكم كما يثبت بالقطعي يثبت أيضاً بالظني، قد تكون..، قد يكون الثبوت قطعياً سواءً كان من القرآن أو متواتر السنة، لكن قد تكون الدلالة ظنية، في مثل قوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [(2) سورة الكوثر]: الاستدلال بمثل هذا على صلاة العيد، الآية قطعية الثبوت، لكن دلالتها على صلاة العيد ظنية؛ بدليل أن الجمهور لا يوجبون صلاة العيد على الأعيان، القول بوجوب صلاة العيد على كل أحد على كل من تجب عليه صلاة الجمعة هو قول الحنفية ورجحه شيخ الإسلام، فوجود هذا الخلاف في مثل هذه الآية -فيما تدل عليه هذه الآية- دل على أن دلالتها على هذا الحكم ظنية، وإن كان ثبوتها قطعياً.
إذا قلنا بأن المعول في النصوص على الحكم وهو يثبت بالقطعي ويثبت بالظن إذا صح الخبر ولو لم يبلغ حد التواتر، قلنا بجواز نسخ الكتاب بالسنة ونسخ المتواتر بالآحاد.
مثلوا لذلك -وأريدُ الانتباه- مثلوا لذلك بما في الصحيحين من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آتٍ فقال: "إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر أن تستقبل الكعبة فاستقبلوها؛ إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أُمر أن تستقبل الكعبة فاستقبلوها"، يعني نزل عليه القرآن يأمره باستقبال الكعبة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة.
عندهم الاستقبال إلى بيت المقدس، قطعي وإلا ظني؟
قطعي، قطعي لا مجال فيه للشك، هذا الآتي الذي أتاهم شخص واحد وقال لهم: إن القبلة قد حولت، الله -سبحانه وتعالى- أمر نبيه أن يتحول إلى الكعبة {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(144) سورة البقرة]: هل تردد هؤلاء حينما سمعوا خبر هذا الواحد، أو استداروا كما هم في صلاتهم، بدل ما هم شمال صاروا جنوب، استداروا كما هم، امتثلوا، هل نقل عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه أنكر عليهم أو عنفهم، أو أمرهم بإعادة الصلاة؟
ما نقل، إذن عملهم صحيح، عملهم صحيح، فوجه الدلالة أن التوجه إلى بيت المقدس ثبت بالدليل القطعي، وتحولوا عنه إلى الكعبة بخبر واحد وهو ظني.
الآن يسلم مثل هذا المثال للتمثيل على ما يريدون من رفع القطعي بالظني يسلم؟ نعم؟
طالب:.......
لماذا؟
طالب:.......
طيب، الآن عندنا النقل ظني، وهم على قبلة مقطوع بها، تركوا هذه القبلة المقطوع بها لخبر واحد وهو ظني، نعم؟
طالب:.......
لكن هم ما ثبت عندهم، ثابت عندهم بنص قطعي، لكن هم ما ثبت عندهم إلا بخبر هذا الواحد، نعم؟
طالب:.......
أقول: هذا وإن كان في أصله خبر واحد،إلا أنه احتف به من القرائن ما يجعله يفيد القطع، خبر الواحد في الأصل لا يفيد إلا الظن عند كثير من أهل العلم، لكن إذا احتف بخبر الواحد قرينة، إذا احتفت به قرينة..، الآن لماذا قلنا: إن خبر الواحد يفيد الظن؟
لأن الواحد مهما بلغ من الثقة والحفظ والضبط والإتقان إلا أنه ليس بمعصوم من الخطأ، وما دام وجد فيه نسبة ولو واحد بالمائة من احتمال الخطأ، لا نقول: إنه يفيد القطع، أيش معنى قطع؟
القطع الذي لا يحتمل النقيض، يعني نسبة صدقه مائة..، نسبة صحته ومطابقته للواقع مائة بالمائة، فإن افترضنا نجم السنن مالك -نجم السنن- هل نستطيع أن نقول: جميع ما أخبر به مالك مائة بالمائة، أو يتصور منه الخطأ والنسيان؟
هذا الاحتمال ينزل خبر مالك من مائة بالمائة إلى ما يقرب منها، المقصود أنه يحتمل النقيض إلى تسعة وتسعين، إلى ثمانية وتسعين، إلى تسعين وهذا لا ينزله عن درجة الثقة.
هذا الاحتمال جعلنا نقول: إن خبر الواحد يفيد الظن ولا يفيد القطع، هذا الاحتمال الذي أبديناه وذكرناه في خبر مالك، يرتفع هذا الاحتمال بوجود قرينة؛ القرينة ترفع احتمال الخطأ..؛ هو في الأصل ضعيف احتمال ضعيف القرينة تكون في مقابل هذا الاحتمال فيرتفع، وحينئذ خبر الواحد إذا احتفت به قرينة أفاد العلم وأفاد القطع، وصار قطعياً، انتهينا، نعم؟
طالب:.......
القطعي بالقطعي، القطعي بالقطعي.
طالب:.......
أما من أراد مثال القطعي، نسخ القطعي بالظني: نسخ الحبس -حبس الزانية- بحديث عبادة بن الصامت: ((خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم))، على كل حال المسألة تحتاج إلى بسط طويل، ولو أخذنا نبسط المسائل كلها ما انتهينا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
طالب:.......
أيش هو؟
طالب:.....الظاهرية.......
إيه.
طالب:.......النسخ هو للحكم وليس للفظ...؟
معروف، معروف هذا ذكرناه.
طالب:.......لو كان الحكم قطعياً هل يرون الجواز...؟
إيه خلاص يطردونه ما دام جاز يجوز إيه.
طالب:.......القطعي والظني؟
القطعي والظني، لا فرق في الثبوت والدلالة.
اللهم صلِّ على محمد.
"