شرح اختصار علوم الحديث (10)
صحة سماع من ينسخ أو إسماعه:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
قال الإمام ابن كثيرٍ -رحمه الله تعالى-: فرعٌ: اختلفوا في صحة سماع من ينسخ أو إسماعه، فمنع من ذلك إبراهيم الحربي وابن عدي وأبو إسحاق الإسفراييني، وقال أبو بكر أحمد بن إسحاق الصدغي يقول: حضرت، ولا يقول: حدثنا ولا أخبرنا، وجوزه موسى بن هارون الحافظ، وكان ابن المبارك ينسخ، وهو يُقرأ عليه، وقال أبو حاتم: كتبت عند عالمٍ وهو يقرأ، وكتبت عند عمرو بن مرزوق وهو يقرأ، وحضر الدارقطني وهو شاب فجلس إسماعيل الصفار، وهو يملي، والدارقطني ينسخ جزءاً، فقال له بعض الحاضرين: لا يصح سماعك وأنت تنسخ، فقال: فهمي للإملاء بخلاف فهمك، فقال له: كم أملى الشيخ حديثاً إلى الآن؟ فقال الدارقطني: ثمانية عشر حديثاً، ثم سردها كلها عن ظهر قلب بأسانيدها ومتونها، فتعجب الناس منه.
قلتُ: وكان شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي -تغمده الله برحمته- يكتب في مجلس السماع، وينعس في بعض الأحيان، ويرد على القارئ رداً جيداً بيناً واضحاً، بحيث يتعجب القارئ من نفسه أنه يغلط فيما في يده وهو مستيقظ، والشيخ ناعسٌ وهو أنبه منه، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
قال ابن الصلاح: وكذلك التحدث في مجلس السماع، وما إذا كان القارئ سريع القراءة، أو كان السامع بعيداً من القارئ، ثم اختار أن يغتفر اليسير من ذلك، وأنه إذا كان يفهم ما يُقرأ مع النسخ فالسماع صحيح، وينبغي أن يجبر ذلك بالإجازة بعد ذلك كله، قلتُ: هذا هو الواقع في زماننا اليوم أنه يحضر مجلس السماع من يفهم ومن لا يفهم، والبعيد من القارئ والناعس، والمتحدث والصبيان الذين لا ينضبط أمرهم، بل يلعبون غالباً، ولا يشتغلون بمجرد السماع، وكل هؤلاء قد كان يكتب لهم السماع بحضرة شيخنا الحافظ أبي الحجاج المزي -رحمه الله-، وبلغني عن القاضي تقي الدين سليمان المقدسي أنه زُجر في مجلسه الصبيان عن اللعب فقال: لا تزجروهم، فإنا إنما سمعنا مثلهم.
وقد روي الإمام العلم عبد الرحمن بن مهدي أنه قال: يكفيك من الحديث شمه، وكذا قال غير واحد من الحفاظ، وقد كانت المجالس تعقد ببغداد وبغيرها من البلاد فيجتمع الفئام من الناس بل الألوف المؤلفة ويصعد المستملون على الأماكن المرتفعة، ويبلغون عن المشايخ ما يملون، فيحدث الناس عنهم بذلك، مع ما يقع في مثل هذه المجامع من اللغط والكلام.
وحكى الأعمش أنهم كانوا في حلقة إبراهيم إذا لم يسمع أحدهم الكلمة جيداً استفهمها من جاره، قلتُ: وقد وقع هذا في بعض الأحاديث عن عقبة بن عامر وجابر بن سمرة وغيرهما، فهذا هو الأصلح للناس، وإن كان قد تورع آخرون، وشددوا في ذلك، وهو القياس، والله أعلم.
بركة.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، لما ذكر الطريق الأول من طرق التحمل، والثاني السماع من لفظ الشيخ، والقراءة على الشيخ العرض، نبه على أمرٍ يوجد مع كثرة الطلاب، يوجد مع كثرة الطلبة، وهو تشاغل بعض الطلاب عن السماع، عن السماع من لفظ الشيخ، أو سماع صوت القارئ على الشيخ، فبعضهم ينعس، وبعضهم يكتب، إيش معنى يكتب؟ يكتب شيئاً آخر غير ما يُملى، وغير ما يُقرأ، وبعضهم ينظر في كتابٍ ثان، يعني نظير ما هو موجود الآن في قاعات المحاضرات إذا كثر العدد، تجد بعض الطلاب يتحدث إلى زميله، وبعضهم ينظر في كتابٍ آخر، وبعضهم عنده امتحان بعد قليل -يعني بعد هذه المحاضرة- فيقرأ في كتابٍ آخر سوف يمتحن به، هذا لا شك أنه خلل في السماع، بل خللٌ كبير؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- ما جعل لرجلٍ من قلبين في جوفه، فهل يصح السماع والحالة هذه؟ يصح أن يروي من هذا وضعه، شخص ينعس والشيخ يحدث يجوز أن ينقل عن الشيخ؟ شخص ينظر في كتابٍ آخر أو يكتب يجوز أن يروي عن الشيخ الذي يحدثه؟ هذا محل البحث في هذا الفرع.
فيقول -رحمه الله تعالى-: فرعٌ: اختلفوا في صحة سماع من ينسخ أو إسماعه، فمنع من ذلك إبراهيم الحربي وابن عدي وأبو إسحاق الإسفراييني" هذا هو الأصل، الأصل في ذلك المنع، ويندر أن يوجد مثل هذا في عصور الرواية، وإنما يوجد من هذا وصفه بعد أن استقرت السنة، ودونت في الكتب، وصار السماع والقراءة والعرض والإجازة وجميع طرق التحمل فائدتها مجرد إبقاء سلسلة الإسناد، ولا يترتب عليها تصحيح ولا تضعيف، الأحاديث الثابتة ثابتة، والمردودة مردودة، والأمر مفروغٌ منه، فبعد أن دونت الأحاديث في الكتب وأثبت الثابت، ونفي المردود، تساهل الناس في التحمل والسماع، وحصل من كثيرٍ من الطلاب ما يحصل.
منع من ذلك جمعٌ من أهل العلم حتى في العصور المتأخرة، وهذا هو الأصل، كيف تقول: سمعتُ فلان وأنت مع جارك كأنك في قاعة أو صالة أفراح، في عرس، كل اثنين يتحدثان معاً، كيف يصوغ لك أن تقول: سمعت فلاناً، أو حدثني فلان، أو أخبرنا فلان؟ هذا هو الأصل، المنع، لكن لما كان الأثر المرتب على هذا السماع ضعيف، لا يترتب عليه ثبوت ولا عدمه، لا تصحيح ولا تضعيف، وإنما مجرد إبقاء السلسلة، سلسلة الإسناد؛ ليقول: حدثنا فلان عن فلان إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من غير أثرٍ عملي أجازه جمعٌ من أهل العلم، "وكان أبو بكر أحمد بن إسحاق الصبغي يقول: حضرتُ" نعم هو حضر، يعني ما عدا الحقيقة حضر صحيح، لكن هل سمع أو حُدث أو أُخبر؟ لا، "ولا يقول: حدثنا ولا أخبرنا، وجوزه موسى بن هارون -الحمال- الحافظ" المعروف، قال: "وكان ابن المبارك ينسخ وهو يُقرأ عليه"، كيف ينتبه الشيخ الذي ينسخ والقارئ يقرأ عليه؟ نعم أفهام الناس تختلف، ومداركهم متفاوتة، يوجد من ينتبه إلى أكثر من شخص يقرأ عليه في آنٍ واحد، ويرد على هذا، ويقوم خطأ هذا، ويذكر عن الإمام المقرئ علم الدين السخاوي أنه كان يقرأ عليه العشرة من الناس، من مواضع مختلفة من القرآن ويرد عليهم، يرد على كل واحدٍ يخطئ منهم، نعم الناس يتفاوتون في النباهة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وبعض الناس بصدد سماع قراءة واحد، شخصٍ واحد، ويفوته الشيء الكثير.
"قال أبو حاتم: كتبت حديث عارم" عارم من هو؟ اسمه إيش؟ اسمه إيش عارم؟ هاه؟
طالب:.......
محمد بن الفضل، نعم "وعمرو بن مرزوق" وهو يقرأ، كلاهما يقرأ، وعارم إمام من أئمة السنة، وشيخ للأئمة، شيخ للبخاري وغيره، وعمرو بن مرزوق مخرجٌ له في الصحيح، وإن كان فيه كلام.
وفي البخاري احتجاجاً عكرمة |
| مع ابن مرزوق وغير ترجمة |
هذا متكلمٌ فيه بلا شك، لكن يقول: "وحضر الدارقطني، وهو شابٌ فجلس إسماعيل الصفار، وهو يملئ، والدارقطني ينسخ جزءاً" ينسخ كتاب آخر بعيد كل البعد عما يُملى، "فقال له بعض الحاضرين: لا يصح سماعك" يظن أن الدارقطني مثله، إذا اشتغل بشيء غفل عن غيره "فقال له بعض الحاضرين: لا يصح سماعك وأنت تنسخ، قال: فهمي للإملاء بخلاف فهمك، فقال له: كم أملى الشيخ حديثاً إلى الآن؟ فقال الدارقطني: ثمانية عشر حديثاً، ثم سردها كلها عن ظهر قلب -يعني على ترتيبها برواتها- بأسانيدها ومتونها -ما أخل بكلمة- فتعجب الناس منه، والله أعلم" ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وكان الشيخ -هنا يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: "وكان شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي" وله به عناية، المزي له عناية بابن كثير، وابن كثير ملازم للمزي، والحافظ المزي أهل لأن يلازم، وإن كان عاد الحافظ ابن كثير معه هو زوج بنت المزي، ويعتني به كثيراً -رحمه الله-، "تغمده الله برحمته يكتب في مجلس السماع، وينعس في بعض الأحيان، ويرد على القارئ رداً بيناً جيداً واضحاً -وهو ينعس- بحيث يتعجب القارئ من نفسه أنه يغلط فيما في يده، وهو مستيقظ، والشيخ ناعسٌ، وهو أنبه منه، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء".
من اهتم لشيء عرفه وأتقنه وضبطه، ولم يغفل عنه بحال، وصار على ذكرٍ منه في سائر الأحوال، من كان ديدنه النظر في كتاب الله، وقراءة القرآن، ويردده، ويلهج به فإنه لا ينساه، ولو خلّط في آخر عمره، ولو اختلط، يعني ولو (هذرى) على اصطلاح بعض الناس، ولو حصل له ما حصل من إغماء، وقد سُمع من يقرأ القرآن واضحاً وهو في العناية المركزة، ما يسمع ما حوله، ولا ينطق بكلمة، لماذا؟ لأن القرآن اختلط بلحمه ودمه، ويذكر عن أشخاص لزموا الأذان عشرات السنين، أربعين، خمسين سنة، ثم صاروا في أواخر أعمارهم ما يفقهون شيء، إذا جاء وقت الأذان أذن، وسُمع منه الأذان واضح، هناك وقائع وحوادث كثيرة من هذا النوع.
شيخٌ من شيوخنا حصل له حادث أدخل العناية ما يعرف أحد، ولا يسمع ولا يبصر، ولا ينطق بكلمة، والقرآن يسمع منه واضح كما هو، ولا شك أن هذا دليل على..، أو برهان على حسن الخاتمة، ونعرف شخصاً أقرأ القرآن ستين سنة أو أكثر، ومات فجأةً، وهو ينتظر طلوع الشمس، ورأسه في المصحف، المصحف في حجره ورأسه على المصحف، وهو ينتظر طلوع الشمس، نسأل الله للجميع حسن الخاتمة.
على كل حال من اعتنى بشيء واهتم به يدركه إدراكاً بيناً، ويكون على ذكرٍ منه في جميع أحواله، فلا يتعجب أن ينعس الشيخ ويرد على القارئ.
أبو زرعة الرازي وهو إمام من أئمة الحديث في النزع، وقت خروج الروح، هابوا أن يلقنوه، هابوا أن يقولوا له: قل: لا إله إلا الله، إمام كبير، كأن الحاضرين قالوا: كيف ننقل هذا إمام كبير ما يحتاج إلى تلقين؟ فتحايل بعضهم وجاء بحديث التلقين فقلب إسناده، قلب الإسناد جعل الأول الثاني والثاني الثالث وهكذا، الشيخ في النزع فانتبه الشيخ فجأة وأعاد الإسناد كما هو، فقال: ((من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله..)) فخرجت روحه قبل أن يكمل الحديث، فكان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله -رحمه الله-.
"قال ابن الصلاح: وكذلك التحدث في مجلس السماع، وما إذا كان القارئ سريع القراءة" بعض الناس إذا صار يقرأ يأكل بعض الحروف، "إذا كان القارئ سريع القراءة، وكان السامع بعيداً من القارئ" ما يسمع كل ما يُقرأ، "ثم اختار أنه يغتفر اليسير من ذلك"، يعني لو فاته حرف حرفين كلمة فقط يجوز له أن يروي ذلك الحديث، وإن فاته ما فاته من الشيء اليسير، "وأنه إذا كان يفهم ما يقرأ مع النسخ فالسماع صحيح، وينبغي أن يجبر ذلك بالإجازة بعد ذلك كله" يعني الشيخ إذا رأى أن بعض الطلبة يتغافلون، وبعضهم ينعس، وبعضهم يحدث بعض، يجبر هذا المجلس بالإجازة، بأن يقول: أجزت لجميع من سمع أن يروي عني هذا الحديث، أو هذا الكتاب، والإجازة نوع من أنواع التحمل، يأتي الحديث عنه قريباً -إن شاء الله تعالى-.
يقول: "هذا هو الواقع في زماننا اليوم أن يحضر مجلس السماع من يفهم ومن لا يفهم" من الصغار والكبار، العرب والأعاجم وغيرهم، "والبعيد من القارئ، والناعس، والمتحدث والصبيان الذين لا ينضبط أمرهم، بل يلعبون غالباً، ولا يشتغلون بمجرد السماع، وكل هؤلاء قد كان يكتب لهم السماع بحضرة شيخنا الحافظ أبي الحجاج المزي -رحمه الله-".
قد يقول قائل: إذا كان رواية الحديث وسماعه بهذا التساهل كيف نثق بأخبار وصلتنا من طريق هؤلاء؟ نقول: لا، حينما كان العمدة على الرواة ما كان هذا الأمر موجود، ما كان هذا التساهل موجوداً، بل كان هناك التشديد، والاحتياط للرواية، أما بعد أن آل الأمر إلى أن صارت فائدة السماع مجرد إلقاء سلسلة الإسناد فليكن مثل هذا أو ما هو دونه، الأمر سهل.
يقول: "وبلغني عن القاضي تقي الدين سليمان المقدسي أن زُجر في مجلسه الصبيان عن اللعب، فقال: لا تزجروهم، فإنا سمعنا مثلهم"، {كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ} [(94) سورة النساء] كانوا صبيان ثم كبروا، الذي يزجر الصبي كان مثله، صبي يلعب في الصلاة ويعبث ما تزجره تنفره، كنتَ مثله قبل، لكن إذا تعدى ضرره إلى المصلين الآخرين ينبغي أن يكف.
يقول: "وقد رُوي عن الإمام العلم عبد الرحمن بن مهدي أنه قال: يكفيك من الحديث شمه، وكذا قال غير واحد من الحفاظ" من الذي يكفيه شمه؟ من الذي يكفيه شمه من المحدثين؟ الذي لا يحفظ الحديث يكفيه شمه؟ ما يكفيك شمه، ما يكفيك إلا حفظه وضبطه وإتقانه، لكن الذي يحفظ سبعمائة ألف حديث يكفيه شمه، يكفي أن يسمع طرف الحديث؛ لأن بعد الحديث عنده.
"وقد كانت المجالس تعقد ببغداد وبغيرها من البلاد فيجتمع الفئام من الناس بل الألوف المؤلفة" يجتمع عند الشيخ ألوف، عشرات آلاف، عشرين ألف، ويعظم الجمع جداً، ويصعد المستملون كل واحد من العلماء له عدد من المستملين، والمراد بالمستملي الذي يبلغ كلام الشيخ لمن لا يسمع، يوجد شخص في الصف العاشر، وآخر في الصف العشرين وهكذا، فإذا سمع المستملي الأول من الشيخ رفع صوته ليسمعه من ورائه وهكذا، كالذي يبلغ خلف الإمام التكبير وغيره ليسمعه المصلون.
"ويصعد المستملون على الأماكن المرتفعة ويبلغون عن المشايخ ما يملون"، ومن سنن أهل الحديث اتخاذ المستملين، على أن يكون المستملي فهماً يقظاً، لا مغفل، "فيحدث الناس عنهم بذلك، مع ما يقع في مثل هذه المجامع من اللغط والكلام، وحكى الأعمش أنهم كانوا في حلقة إبراهيم إذا لم يسمع أحدهم الكلمة جيداً استفهمها من جاره" إذا خفي عليه كلمة واحدة من كلام الشيخ قال له: ماذا قال الشيخ؟ إذا أخبره بالكلمة جازت له روايتها، ووقع "هذا في بعض الأحاديث عن عقبة بن عامر وجابر بن سمرة وغيرهما، وهذا هو الأصلح للناس" لأنه لو اشترطنا أن يسمع من الشيخ كل حرف من الحروف ما صفا شيء، الإنسان لا بد أن يغفل، لا بد أن يسهو، "وإن كان قد تورع آخرون وشددوا في ذلك، وهو القياس" القياس أن يقول: سمعتُ من فلان حديث كذا، وثبتني زميلي فلان أو فلان بكلمة كذا، فاتني من الحديث كلمة كذا فسألتُ عنها فلان، هذا هو الأصل.
سم.
السماع من وراء حجاب:
قال: فرعٌ، ويجوز السماع من وراء حجاب، كما كان السلف يروون عن أمهات المؤمنين، واحتج بعضهم بحديث: ((حتى ينادي ابنُ أمِّ مكتوم)) وقال بعضهم عن شعبة: إذا حدثك من لا ترى شخصه فلا تروي عنه، فلعله الشيطان قد تصور في صورته يقول: حدثنا أخبرنا، وهذا عجيبٌ وغريبٌ جداً.
نعم، السماع من وراء حجاب، شخص لا يرى الشيخ، الشيخ في مكان والطالب في مكانٍ آخر، أو المحَدث عنه امرأة، امرأة تحدث والطلاب يسمعون من وراء حجاب، دون اختلاط بين الرجال والنساء، كما كان الصحابة والتابعون يروون عن أمهات المؤمنين، وهن في بيوتهن، والرواية من وراء حجاب جائزة، صحيحة، والسماع صحيح، السماع صحيح، وإن شدد شعبة فقال: لا تروي عن الشيخ إلا إذا كنت تراه؛ لأنه قد يكون شيطان من وراء هذا الجدار يتكلم وأنت ما تدري، لكن هذا إذا عرف صوت الشيخ، وكان الكلام الذي يتكلم به الشيخ يليق به أن يقوله هذا الشيخ لا بأس، وإلا فقد تلبست الشياطين ببعض الشيوخ، وشيخ الإسلام حصل له من ذلك الشيء الكثير، كثيراً ما يتلبس الشيطان بصورة الشيخ بصورته، والناس يرونه يقول: أنا فلان، أنا أحمد بن تيمية يقول كذا، لكن يُعرف أن هذا الكلام الذي يقوله هذا الشيطان لا يليق بمقام الشيخ، وقد نبه الشيخ مراراً في مؤلفاته، وفي مناسبات كثيرة أن الشيطان قد تلبس به، وألقى عن الناس كذا، وأنا منه بريء.
لكن إذا وثقنا من صوت الشيخ، وسمعنا هذا الكلام، وأنه يليق بالشيخ أن يقول مثل هذا الكلام فالأصل الجواز، والناس من عصره -عليه الصلاة والسلام- إلى يومنا هذا يفطرون بسماع صوت المؤذن، وإن لم يروا شخصه، إذا سمعوا المؤذن قال: الله أكبر، أفطروا في رمضان، والصيام ركنٌ من أركان الإسلام، ويعتمدون صوته وهم لا يرون شخصه، وهذا صائغٌ شائع في بلاد المسلمين وأمصارهم كما هو معروف، وأما ما أبداه شعبة من أنه قد يكون شيطان فلا وجه له، نعم قد..، قد يتلبس الشيطان في بعض الناس، لكن ما يتلبس ويقول كلام يليق بالشيخ، لا بد أن يأتي بكلام له منه هدف، منه مقصد، لا يقوله الشيخ ولا يليق به، وحينئذٍ يعرف أنه شيطان.
شرح: فرعٌ: إذا حدثه بحديث ثم قال: لا تروه عني...:
فرعٌ: إذا حدثه بحديث ثم قال: لا تروه عني، أو رجعت عن إسماعك ونحو ذلك، ولم يبدئ مستنداً سوى المنع اليابس، أو أسمع قوماً فخص بعضهم وقال: لا أجيز لفلانٍ أن يروي عني شيئاً، فإنه لا يمنع من صحة الرواية عنه، ولا التفات إلى قوله، وقد حدث النسائي عن الحارث بن مسكين والحالة هذه، وأفتى الشيخ أبو إسحاق الإٍسفراييني بذلك.
نعم، إذا حدث الشيخ مجموعة من الطلاب مائة طالب، مائتين طالب، فقال لواحدٍ منهم: أنت يا فلان لا تروي عني، لا أجيز لك أن تروي عني، كل الإخوان الحاضرين ذولاء يروون عني إلا فلان، إيش السبب؟ أبداً، أنا أحر، نقول: لا، ما أنت بحر، الحديث ما هو بملكك، سمع منك يروي عنك، هذا إذا لم يبدِ سبباً للمنع، أحياناً يحدث الشيخ زيد من الناس فيقول: لا تروي عني هذا الحديث، لماذا؟ والله أنا في شكٍ من ثبوته عندي، هل هو من سماعي أو لا؟ نعم إذا أبدى سبب مناسب يمتنع الطالب، لكن إذا لم يبدِ سبب مناسب يقول: بس لا تروي عني، لماذا؟ مزاج، أنا أحر، لا، لا، ما أنت بحر، هذا الحديث ليس بملكك، يروي عنك وأنت غير راضي.
يقول: "أو أسمعَ قوماً فخص بعضهم، وقال: لا أجيز لفلان أن يروي عني شيئاً، فإنه لا يمنع من صحة الرواية عنه -بل يروي عنه- ولا التفات إلى قوله، وقد حدث النسائي عن الحارث بن مسكين والحالة هذه" عرفنا أن النسائي -رحمه الله تعالى- حضر مجلس الحارث بن مسكين فطرده، والسبب: الحارث بن مسكين -رحمه الله- من الأئمة الثقات، ويأخذ أجرة على التحديث، والنسائي كأنه أعطاه أجرة أقل من المطلوب، وكان مظهر النسائي يوحي بغنى، فالشيخ كأنه تقال ما دفعه له فقال له: لا تسمع مني، أنا لا أجيز لك أن تسمع مني، فذهب الإمام النسائي -رحمة الله عليه- وجلس خلف اسطوانة، وراء عمود، صار يسمع الحديث ويحدث عن الحارث بن مسكين، ولا امتنع مع هذا المنع، لكن من ورعه -رحمة الله عليه- أنه لا يقول: لا حدثنا ولا أخبرنا، بل يقتصر على قوله: الحارث بن مسكين فيما قُرئ عليه وأنا أسمع، لا يقول: حدثنا ولا أخبرنا، والذين طبعوا السنن زادوا أخبرنا جرياً على العادة، مشياً على الجادة، وهذا خطأ.
الإجازة:
الثالث: الإجازة، والرواية بها جائزةٌ عند الجمهور، وادعى القاضي أبو الوليد الباجي الإجماع على ذلك، ونقضه ابن الصلاح فيما رواه الربيع عن الشافعي أنه منع من الرواية بها، وبذلك قطع الماوردي وعزاه إلى مذهب الشافعي، وكذلك قطع بالمنع القاضي حسين بن محمد المروروذي صاحب التعليقة، وقالا جميعاً: لو جازت الرواية بالإجازة لبطلت الرحلة، وكذلك روي عن شعبة بن الحجاج وغيره من أئمة الحديث وحفاظه، وممن أبطلها إبراهيم الحربي وأبو الشيخ محمد بن عبد الله الأصبهاني وأبو نصر الوائلي السجزي، وحكى ذلك عن جماعة ممن لقيهم، ثم هي أقسام..
الإجازة: هي الإذن بالرواية، إيش معنى إجازة؟ إجازة إذن بالرواية، يقول الشيخ للطالب: أجزت لك أن تروي عني الحديث الفلاني، أو الكتاب الفلاني، أجزت لفلان بن فلان بن فلان أن يروي عني صحيح البخاري، يعني أذن له أن يروي عنه، طيب سمعت الأحاديث من لفظ الشيخ؟ ما سمع شيء، قرأ الطالب على الشيخ؟ ما قرأ عليه شيء، هل يجوز أو هل تجوز الرواية بمجرد الإجازة؟ فيما تقدم القسم الأول الطالب يسمع من لفظ الشيخ، القسم الثاني الطالب يقرأ على الشيخ، وهنا لا يسمع الطالب من لفظ الشيخ ولا يقرأ على الشيخ، فهل يجوز للطالب أن يروي عن الشيخ بمجرد هذا الإذن بالرواية؟ جمهور العلماء أجازوا الرواية بالإجازة، ولنعلم أن إجازة الرواية بالإجازة لا توجد عند المتقدمين بين الصحابة والتابعين، لكن احتيج إلى الإجازة، متى احتيج إليها؟ لما كثرت جموع الطلبة، ودونت الأحاديث، صار كل شيخ له رواية بكتاب أو كتب يأتيه الطالب من المشرق أو من المغرب فيقول: بأرويه عنك، فالشيخ يرى أن هذه الأحاديث التي يريد أن يرويها هذا الطالب مدونة بكتاب، فإن قال له: اجلس واقرأ علي متى ينتهي؟ ليأتي طالبٌ آخر بعده فيقرأ عليه، نعم لو اجتمع مجموعة يستحقون أن يجلس لهم الشيخ لا بأس، لكن يجيء طالب بيقرأ صحيح البخاري يبي كم سنة؟ ثم ينتهي هذا ويجيء بعده شخص آخر، وذا يقول: أبي البيهقي، وهذا يقول: أبي النسائي، وذا يقول..، العمر ينتهي قبل ذلك، لما رأوا أن الرواية بالسماع والقراءة على الشيخ مما يعسر جداً أجازوا الإجازة، وأذنوا بالرواية بمطلق الإذن بالرواية، فإذا قال الشيخ: أذنت لك أن تروي عني الصحيح وذا جاء من المشرق، من أقصى المشرق يبي يروي عن الشيخ شيخٍ في الحجاز يروي عنه صحيح البخاري، يقول له: يا لله توكل على الله، اروِ عني صحيح البخاري، طيب ما سمعته من لفظك ولا قرأته عليك؟ قال: أبداً أذنت لك أن تروي عني، جمهور العلماء أجازوا ذلك، "وادعى أبو الوليد الباجي الاتفاق على ذلك" أن الرواية بالإجازة جائزة بالاتفاق، لكن هذا الاتفاق فيه نظر، هذا الإجماع منقوض لوجود الخلاف، الإمام الشافعي منع الرواية، منع الرواية بالإجازة، وقطع بذلك الماوردي، وهو من أئمة الشافعية، وعزاه إلى مذهب الشافعي، وعرفنا أنه من لفظه -رحمه الله-، قطع بذلك جمعٌ من الشافعية وقالوا: مذهب الإمام الشافعي لا يجيز الرواية بالإجازة، وعلل بعضهم ذلك أنه لو جازت الرواية بالإجازة لبطلت الرحلة، ما يحتاج أن تجيء من المشرق ترحل إلى الحجاز أو العكس لتروي أحاديث،. عارف أن جابر سافر مسافة شهر من أجل رواية حديث واحد، والرحلة سنة عند أهل الحديث من أجل طلب العلم والحديث، لكن لو جازت الإجازة يحتاج رحلة؟ وأنت بالمشرق يقول لك صاحب الحجاز: أجزت لك أن تروي عني صحيح البخاري، ولا تجيء، ما يحتاج.......، بعضهم يقول: من أجاز، أو من قال لغيره: اروِ عني ما لم تسمعه مني فكأنه قال له: أجزت لك أن تكذب عليّ، إيش معنى الرواية عن الشيخ؟ الرواية عن الشيخ تقول: حدثني فلان، أو سمعت فلان، أو قرأت على فلان، إيش غير هذا؟ تروي عن شخص وأنت ما سمعت من لفظه شيء؟ تروي عن شخص وأنت ما قرأت عليه شيء؟ يقول: "من أجاز الرواية بالإجازة فكأنه أجاز للشيخ أن يقول: أجزت للطالب أن يكذب علي، يروي عني ما لم يسمعه مني.
وعلى كل حال الذي استقر عليه العمل عند المتأخرين جواز الرواية بالإجازة، التي هي مجرد الإذن بالرواية، وعرفنا أنه بعد التدوين الأمر سهل، ما يترتب عليه تصحيح ولا تضعيف، فالخطب سهل.
ثم هي أقسام، نعم.
أقسام الإجازة:
ثم هي أقسام، أحدها: إجازة من معينٍ لمعين في معين، بأن يقول: أجزتك أن تروي عني هذا الكتاب، أو هذه الكتب، وهي المناولة، فهذه جائزة عند الجماهير، حتى الظاهرية، لكن خالفوا في العمل بها؛ لأنها في معنى المرسل عندهم، إذ لم يتصل السماع.
القسم الأول من أقسام الإجازة أو النوع الأول من أنواعها: إجازة من معين، يعني من شخصٍ معين في معين لشخصٍ معين، إجازة من شخص معين الشيخ معين، لمعين الطالب معين، وفي معين يعني في كتابٍ معين، كأن يقول زيد من الناس وهو شيخ يروي الكتب بالأسانيد: أجزت لفلان بن فلان -يعين المجاز- أن يروي عني الكتاب الفلاني، فيعين الكتاب المجاز به، بأن يقول: أجزتك أن تروي عني هذا الكتاب، أو هذه الكتب، وهي المناولة، كيف هي المناولة؟
طالب:.......
لا، هذه غير المناولة، المناولة سيأتي ذكرها، هذه غير المناولة، إجازة مجردة بأن يقول: أجزتُ لفلان بن فلان أن يروي عني صحيح البخاري، لكن إن كان معه صحيح البخاري وقال: خذ هذا صحيح البخاري على ما سيأتي، هذا صحيح البخاري خذه فاروه عني هذه المناولة المقرونة بالإجازة على ما سيأتي، لكن المسألة مفترضة بإجازة مجردة، شخص يجيز لزيد من الناس أن يروي عنه صحيح البخاري هذه إجازة من معين لمعين في معين، وهذه جائزة عند جماهير..، عند جميع من يقول بالرواية بالإجازة، وهم الجمهور، الظاهرية الذين يقولون: لا تصح الإجازة، ويمنعون الإجازة، وابن حزم يشدد في الإجازة، يقول: يعمل بها، خالفوا في العمل بها؛ لأنها في معنى المرسل عندهم، إذ لم يتصل السماع، الرواية منقطعة بمثل هذه الإجازة عند الظاهرية، لكن العمل بها، العمل بـ..، لا بأس، تعمل؛ لأن الكتاب ثابت من غير طريقك، فهل يلزمك أن تأتي بسند متصل إلى البخاري لتعمل بحديثٍ في صحيح البخاري؟ ما يلزم، وأشرنا إلى هذا سابقاً، وعلى كل حال هذه أعلى أنواع الإجازة، والذين يجيزون متفقون على صحة هذا النوع، نعم.
الثاني: إجازة لمعين في غير معين، مثل أن يقول: أجزتُ لك أن تروي عني ما أرويه، أو صح عندك من مسموعاتي ومصنفاتي، وهذا مما يجوزه الجمهور أيضاً روايةً وعملاً.
إجازة من معين شخص معين لشخص معين لكن الكتاب غير معين، مثل أن يقول: أجزتُ لك أن تروي عني ما أرويه، أو ما صح عندك من مسموعاتي ومصنفاتي هذه..، هذا النوع من الإجازة يحتمل أمرين: الأمر الأول: أن يكون المجاز به غير المعين يؤول إلى التعيين، الاحتمال الثاني: أن لا يؤول إلى التعيين، فإن كان يؤول إلى التعيين أجزتُ لك أن تروي عني ما أرويه، الذي يرويه الشيخ معين، مهما ما بلغ من الكثرة يؤول إلى التعيين، يمكن الآن وقت الإجازة ما هو معين، لكن بالتتبع يتعين، أو ما صح عندك من مسموعاتي ومصنفاتي يؤول إلى التعيين، ويؤول إلى العلم، لكن إذا كان لا يؤول إلى التعيين وهو المجهول، الإجازة بالمجهول على ما سيأتي فإنها لا تصح الإجازة بها على ما سيأتي، إذا كانت الإجازة في غير معين لكنه يؤول إلى التعيين، ويؤول إلى العلم فإنها تجوز عند أكثر من يجيز الإجازة وإن منعها بعضهم، نعم.
الثالث: الإجازة لغير معين، مثل أن يقول: أجزتُ للمسلمين أو للموجودين أو لمن قال: لا إله إلا الله، وتسمى الإجازة العامة، وقد اعتبرها طائفة من الحفاظ والعلماء، فممن جوزها الخطيب البغدادي، ونقلها عن شيخه القاضي أبي الطيب الطبري، ونقلها أبو بكر الحازمي عن شيخه أبي العلاء الهمداني الحافظ، وغيرهم من محدثي المغاربة -رحمهم الله-.
الإجازة، الإجازة لغير معين هي الإجازة العامة، أجزتُ لجميع المسلمين، أجزتُ للموجودين ممن هو على ظهر الأرض الآن، وشبيهة بالعامة أن يقول: أجزتُ لأهل الأقليم الفلاني، أجزتُ لأهل الهند، أجزتُ لأهل مصر، أجزتُ لأهل المغرب هذه شبه عامة، فالمجاز غير معين، أجزتُ لمن قال: لا إله إلا الله، هذه ضعيفة، والإجازة في أصل الرواية بها ضعف، وتزداد ضعفاً بمثل هذا التوسع، فإذا وقف على إجازة عند شخص يقول: أجزتُ لمن قال: لا إله إلا الله، مثل هذه الإجازة في غاية الضعف؛ لأن الأصل في إجازة الإجازة فيه نظر، ولو كانت معينة، ولو كان الكتاب معين؛ لأنها على خلاف الأصل، فالرواية إنما هي عن سماع من لفظ الشيخ، أو عرض على الشيخ، لكن إجازة ما لم يسمع، أو رواية ما لم يسمعه الطالب، أو لم يقرأه على الشيخ هذا على خلاف الأصل، وأجيز للحاجة، فالأصل في إجازتها فيه ضعف، وفي الاستدلال لجوازها غموض، فإذا حصل هذا التوسع مع ضعف الأصل لا شك أن الرواية بالإجازة العامة ضعيفة جداً.
"وقد اعتبرها طائفة من الحفاظ والعلماء، فممن جوزها الخطيب البغدادي، ونقلها عن شيخه القاضي أبي الطيب الطبري، ونقلها أبو بكر الحازمي عن شيخه أبي العلاء الهمداني الحافظ، وغيرهم من محدثي المغاربة -رحمهم الله-"، وهؤلاء إنما نظروا إلى الأثر المرتب على الرواية، يعني هل الرواية لها أثر؟ كونك تروي أو ما تروي له أثر في صحة الأحاديث وضعفها؟ ما له أثر، لكن يبقى أنك تروي عن شخصٍ بعينه، شخصٍ تقول: أنبأنا فلان بالإجازة أو عن فلان، يعني ينبغي أن يكون لك به وله بك عناية، ولذا الحافظ ابن عبد البر -رحمه الله- يرى أن الإجازة لا تجوز إلا لماهرٍ بالصناعة، ما تجوز لأي شخص، فكيف بمن يقول بجواز إجازة من قال: أجزت من قال: لا إله إلا الله، أجزتُ لجميع الموجودين، أجزتُ لأهل الإقليم الفلاني كل هذا ضعيف.
وأما الإجازة للمجهول أو بالمجهول ففاسدة، وليس منها ما يقع من الاستدعاء لجماعة المسمين، لا يعرفهم المجيز، أو لا يتصفح أنسابهم ولا عدتهم، فإن هذا سائغٌ شائع، كما لا يستحضر المسمع أنساب من يحضر مجلسه ولا عدتهم، والله أعلم..
طالب: تابع لها؟
هذه المعلقة، المعلقة، نعم.
ولو قال: أجزت رواية هذا الكتاب لمن أحب روايته عني، فقد كتبه أبو الفتح محمد بن الحسين الأسدي وسوغه غيره، وقواه ابن الصلاح، وكذلك لو قال: أجزتك ولولدك ونسلك وعقبك رواية هذا الكتاب، أو ما يجوز لي روايته، فقد جوزها جماعةٌ منهم أبو بكر بن أبي داود، قال لرجل: أجزتُ لك ولأولادك ولحبل الحبلة، وأما لو قال: أجزتُ لمن يوجد من بني فلان فقد حكى الخطيب جوزاها عن القاضي أبي يعلى بن الفراء الحنبلي، وأبي الفضل بن عمروس المالكي، وحكاه ابن الصباغ عن طائفة، ثم ضعف ذلك، قال: هذا يبنى على أن الإجازة إذنٌ أو محادثة، وكذلك ضعفها ابن الصلاح، وأورد الإجازة للطفل الصغير الذي لا يخاطب مثله، وذكر الخطيب أنه قال للقاضي أبي الطيب: إن بعض أصحابنا قال: لا تصح الإجازة إلا لمن يصح سماعه، قال فقال: قد يجيز الغائب عنه ولا يصح سماعه عنه، ثم رجح الخطيب صحة الإجازة للصغير، قال: وهو الذي رأينا كافة شيوخنا يفعلونه، يجيزون للأطفال من غير أن يسألوا عن أعمارهم، ولم نرهم أجازوا لمن لم يكن موجوداً في الحال، والله أعلم.
ولو قال: أجزتُ لك أن تروي ما صح عندك مما سمعته وما سأسمعه فالأول جيد والثاني فاسد، وقد حاول ابن الصلاح تخريجه على أن الإجازة إذنٌ كالوكالة، وفيما لو قال: وكلتك في بيع ما سأملكه خلاف، وأما الإجازة بما يرويه إجازة، فالذي عليه الجمهور الرواية بالإجازة على الإجازة، وإن تعددت، وممن نص على ذلك الدارقطني، وشيخه أبو العباس ابن عقدة والحافظ أبو نعيم الأصبهاني والخطيب وغير واحدٍ من العلماء، قال ابن الصلاح: ومنع من ذلك بعض من لا يعتد به من المتأخرين، والصحيح الذي عليه العمل جوازه، وشبهوا ذلك بتوكيل الوكيل.
يقول -رحمه الله-: الإجازة للمجهول بالمجهول، الإجازة للمجهول: إجازة الشيخ للراوي المجهول، أو بالمجهول الذي لا يؤول إلى العلم، كأن يقول: أجزتُ لبعض الناس، أو يقول: أجزتُ لفلان أن يروي عني بعض مسموعاتي، بعض الناس ما يمكن تحديده، فلا يؤول إلى العلم، وبعض المسموعات لا يمكن أن تؤول إلى العلم، هذا النوع من الإجازة فاسد.
يقول: "وليس منها ما يقع من الاستدعاء لجماعة المسمين لا يعرفهم المجيز، أو لا يتصفح أنسابهم ولا عدتهم، فإن هذا سائغٌ شائع كما لا يستحضر المسمع أنساب من يحضر مجلسه ولا عدتهم، والله أعلم".
تكتب قائمة فيها عشرة طلاب، عشرين، ثلاثين، مائة، ألف طالب، يكتبون للشيخ استدعاء، إيش معنى استدعاء؟ خطاب، يطلبون منه أن يجيزهم، ثم يكتبون وكتبه، أو مقدمه فلان وفلان وفلان وفلان يسردون قائمة، قلوا أو كثروا، هل يشترط أن يكون الشيخ يعرف هؤلاء علشان ما نقول: إنها إجازة لمجهول؟ يلزم أن يتصفح أسماءهم ويعرفهم؟ لكن لو كتب بعد ذكر أسمائهم: أجزتُ لهؤلاء المذكورين أن يرووا عني كتاب كذا، صحيح لذلك، قاله فلان بن فلان، تصح الإجازة، ولا يلزم أن يعرف هؤلاء الذين ذُكر أسماؤهم في الاستدعاء، في الخطاب، كما أنه لا يلزم أن يعرف أسماء من حضر عنده، يروون عنه، ولو لم يعرف أسماءهم، ولو لم يعرف أنسابهم، وكذا إذا ذكرت أسماؤهم في الاستدعاء، وطلبت منه إجازة، ليس هذا من النوع المجهول؛ لأنه معلوم مضبوط متقن، لو أراد الرجوع إليهم وجده في المكتوب متى شاء، ولو قال: أجزتُ رواية هذا الكتاب لمن أحب روايته عني، يعني تعليق الإجازة بالمشيئة، لمن شاء أن يروي عني، لمن أحب أن يروي عني أجزتُ لمن أحب أن يروي عني، هذا كتبه أبو فتح الأسدي، وهو معروف من علماء الحديث، لكنه مُتكلمٌ فيه، مطعونٌ فيه، وسوغه غيره، وقواه ابن الصلاح إذا علقه بالمشيئة، معنى هذا أنه متى روى عن هذا الشيخ فقد شاء، يعني وقعت المشيئة.
"وكذلك لو قال: أجزتك ولولدك ونسلك وعقبك رواية هذا الكتاب" ونسلك وعقبك، يعني ما تناسلوا ولو بمائة، مائتين سنة، يروون عن الشيخ، فإذا قال: حبلٌ الحبلة، ولد ولد الولد، أروي هذا الكتاب عن الشيخ الفلاني، الشيخ الفلاني مات قبل أن تولد بمائة سنة، كيف تروي عنه هذا الكتاب؟ و"لو قال: أجزتك ولولدك ونسلك وعقبك رواية هذا الكتاب، أو ما يجوز روايته، فقد جوزها جماعة منهم أبو بكر بن أبي داود -صاحب السنن- قال لرجل: أجزتُ لك ولأولادك ولحبل الحبلة" كل هذا توسع في باب الرواية غير مرضي أصلاً؛ لأن الرواية بالإجازة في أصله ضعف، فكيف يتوسع مثل هذا التوسع؟! "وأما لو قال: أجزتُ لمن يوجد من بني فلان" هناك الإجازة لمن يولد تبعاً للموجود، إجازة لموجود ولمعدوم تبعاً لإيش؟ للموجود، هنا إجازة للمعدوم استقلالاً، وليست تبعاً، وهذه أقرب إلى المنع من تلك.
يقول: "وأما لو قال: أجزتُ لمن يوجد من بني فلان فقد حكى الخطيب جوازها عن القاضي أبي يعلى بن الفراء الحنبلي، وأبي الفضل بن عمروس المالكي، وحكاه ابن الصباغ عن طائفة ثم ضعف ذلك" لا شك تجيز شخص معدوم لمن سيولد لفلان؟! "قال: هذا ينبني على أن الإجازة إذن أو محادثة، وكذلك ضعفها ابن الصلاح، وأورد إجازة للطفل الصغير الذي لا يخاطب مثله" طفل أبو سنة أو سنتين يخاطب مثله؟ ما يخاطب مثله.
"وذكر الخطيب أنه قال للقاضي أبي الطيب: إن بعض أصحابنا قال: لا تصح الإجازة إلا لمن يصح سماعه، فقال: قد يجيز الغائب عنه، ولا يصح سماع الغائب عنه" يعني قياس الإجازة على السماع مع الفارق، قياس الإجازة على السماع قياسٌ مع الفارق؛ لأن الإجازة تصح مع عدم الحضور، والسماع لا يصح إلا من حاضر يسمع الكلام، "ثم رجح الخطيب صحة الإجازة للصغير"، ثم قال..، إذا صححوا سماعه بمجرد الحضور فيما تقدم سماع الصبيان صححوه، وهذا تبعاً لما كررناه مراراً أن الفائدة من الرواية مجرد إبقاء سلسلة الإسناد، وأنه لا يترتب عليه لا تصحيح ولا تضعيف، إذاً يجيزوا لمن شاء، ويأذنوا لمن شاء أن يروي عنهم.
"ثم رجح الخطيب صحة الإجازة للصغير، ثم قال: وهو الذي رأينا كافة شيوخنا يفعلونه يجيزون للأطفال من غير أن يسألوا عن أعمارهم" يقول: "ولم نرهم أجازوا لمن لم يكن موجوداً في الحال" تطلب إجازة لولدك يسألك الشيخ موجود صغير في المهد نعم يجيز، لكن لا ما بعد يوجد، لعل الله يجيب لنا ولد يروي عنك، هذا ما أجازوه، يقول: "ولم نرهم أجازوا لمن لم يكن موجوداً في الحال"، والله المستعان.
"ولو قال -له-: أجزت لك أن تروي عني ما صح عندك مما سمعته وما سأسمعه" الشيخ يروي، يروي البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، يروي الستة، لكن ليست له رواية بالمسند، ولا بالبيهقي، ولا مستدرك الحاكم، ولا ابن حبان، ولا ابن خزيمة، يقول: أنت تروي الستة الآن عني وهذه الخمسة؛ لأن هاذولاء الذين أنا جاد في تحصيل الرواية، أجزتُ لك أن تروي عني ما صح عندك مما سمعته من الكتب الستة، وما سأسمعه في المستقبل، أنا إلى الآن ما عندي رواية في الكتب الخمسة هذه، لكن إذا صار لي رواية أجزتُ لك أن تروي من الآن، "فالأول جيد والثاني فاسد" كيف يأذن له بما لا يستطيع أن يرويه بنفسه؟ الشيخ نفسه ما يستطيع أن يروي، ما عنده رواية، فكيف يأذن لغيره أن يروي عنه بما ليست عنده له به رواية؟ "وقد حاول ابن الصلاح تخريجه على أن الإجازة إذنٌ كالوكالة" يعني لو صار لشخصٍ وكيل يبيع عنه، ويشتري له، أصدر وكالة اليوم، تاريخ اليوم (15/ 7) هذا الموكل له عقار، بدأ يبيع من هذا العقار، انتهى هذا العقار الموجود وقت الوكالة، ملك الموكل عقارات جديدة بعد تاريخ (16) تاريخ (20) في آخر الشهر، في الشهر الثاني، وهذا مستمر على البيع –الوكيل-، نقول: تنفع الوكالة السابقة قبل ملك العقار الذي وكل في بيعه؟ تنفع وإلا ما تنفع؟
طالب:.......
إذا قال: وكلتُ فلان أن يبيع عني عقاراتي، باع العقارات الموجودة إلى تاريخ الوكالة، لكن الموكل ملك عقارات بعد التاريخ هذا، وهذاك استمر يبيع، نقول: بيعه صحيح وإلا فاسد؟ نعم؟
طالب:.......
الذي بعد التوكيل؟ لكن إذا سمع، سمع هذا الوكيل يحرج ويبيع ولا أنكر عليه ولا شيء؟
طالب:.......
هم قاسوا الرواية بما لم يسمع على الوكالة بما لم يملك، هو كونه يعرف أنه يبيع ومستمر في البيع ولا يمنعه يدل على صحة الوكالة وصحة البيع...... لو اقتصر على ما يوجد وقت الوكالة لمنعه من البيع، يقول: قف أنا ما وكلتك إلا إلى تاريخ...، ما أملكه إلى وقت تاريخ الوكالة، وعلى كل حال الأصل في الإجازة ضعيف، ثم تزداد ضعفاً في مثل هذا، هذا توسع غير مرضي.
الإجازة بما يرويه إجازة، الشيخ يروي عن شيخه بإجازة، وشيخه يروي عن شيخه بإجازة، وشيخ الشيخ يروي بإجازة، هل تصح الإجازة على الإجازة؟ بمعنى أن يكون في السند أكثر من إجازة؟ أو لا يروي بالإجازة إلا من صح سماعه من شيخه عن شيخه؟ أجازوا الإجازة على الإجازة، أجازوا الرواية بالإجازة على الإجازة، يقول: "وأما الإجازة فيما يرويه إجازة فالذي عليه الجمهور الرواية بالإجازة"، وقد اجتمع في بعض الأسانيد ست أجايز، يعني ست إجازات، "وممن نص على ذلك الدارقطني وشيخه أبو العباس بن عقدة، والحافظ أبو نعيم الأصبهاني والخطيب وغير واحد من العلماء"؛ لأنها إذا صحت لواحد تصح لشيخه تصح لشيخ شيخه وهكذا، "قال ابن الصلاح: ومنع من ذلك بعض من لا يعتد به من المتأخرين، والصحيح الذي عليه العمل جوازه، وشبهوا ذلك بتوكيل الوكيل"، يعني إذا جازت الرواية من زيد لعمرو بالإجازة فلتجز من عمر لبكر إيش اللي يمنع؟
نعم المناولة.
المناولة:
القسم الرابع: المناولة، فإن كان معها إجازة مثل أن يناول الشيخ الطالب كتاباً من سماعه، ويقول له: اروِ هذا عني، ويملكه إياه، أو يعيره لينسخه ثم يعيده إليه، أو يأتيه الطالب بكتابٍ من سماعه فيتأمله، ثم يقول: اروِ عني هذا، ويسمى هذا عرض المناولة، وقد قال الحاكم: إن هذا إسماعٌ عند كثيرٍ من المتقدمين، وحكوه عن مالكٍ نفسه والزهري وربيعة ويحي بن سعيد الأنصاري من أهل المدينة، ومجاهدٍ وأبي الزبير وسفيان بن عيينة من المكيين، وعلقمة وإبراهيم والشعبي من الكوفة، وقتادة وأبي العالية وأبي المتوكل الناجي من البصرة، وابن وهب وابن القاسم وأشهب من أهل مصر، وغيرهم من أهل الشام والعراق، ونقله عن جماعة من مشايخه، قال ابن الصلاح: وقد خلط في كلامه عرض المناولة بعرض القراءة، ثم قال الحاكم: والذي عليه جمهور فقهاء الإسلام الذين أفتوا بالحرام والحلال أنهم لم يروه سماعاً، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق والثوري والأوزاعي وابن المبارك ويحيى بن يحيى والبيوطي والمزني وعليه عهدنا أئمتنا، وإليه ذهبوا وإليه نذهب، والله أعلم.
كمل، كمل مرة واحدة.
أما إذا لم يملكه الشيخ الكتاب ولم يعره إياه فإنه منحطٌ عمن قبله، حتى إن منهم من يقول: هذا مما لا فائدة فيه، ويبقى مجرد إجازة، قلتُ: أما إذا كان الكتاب مشهوراً كالبخاري أو مسلم أو شيء من الكتب المشهورة فهو كما لو ملكه أو أعاره إياه، والله أعلم.
ولو تجردت المناولة عن الإذن بالرواية فالمشهور أنه لا تجوز الرواية بها، وحكى الخطيب عن بعضهم جوازها، قال ابن الصلاح: ومن الناس من جوز الرواية بمجرد إعلام الشيخ للطالب أن هذا سماعه، والله أعلم.
ويقول الراوي بالإجازة: أنبأنا، فإن قال: إجازة فهو أحسن، ويجوز أنبأنا وحدثنا عند جماعة المتقدمين، وقد تقدم النقل عن جماعة أنهم جعلوا عرض المناولة المقرون بالإجازة بمنزلة السماع، فهؤلاء يقولون: حدثنا وأخبرنا بلا إشكال، والذي عليه جمهور المحدثين قديماً وحديثاً أنه لا يجوز إطلاق حدثنا ولا أخبرنا، بل مقيداً، وكان الأوزاعي يخصص الإجازة بقوله: خبَّرنا بالتشديد.
القسم الرابع من أقسام التحمل المناولة، إيش معنى المناولة؟ أن يناول الشيخ الطالب الكتاب، ويأذن له بروايته، يناول الشيخ الطالب الكتاب ويأذن له بروايته، يناوله إياه على سبيل التمليك، يعطيه إياه هبة، أو بيع يبيعه عليه، أو إعارة يعيره إياه حتى ينسخه، أو إجارة يؤجره إياه مدة، بمعنى أنه يمكنه من الكتاب، أما إذا لم يمكنه من الكتاب قال: خذ صحيح البخاري فاروه عني، يوم أخذه الطالب ناظره وقال: هاته، هذه مناولة؟ هذه مناولة لكن مناولة ما تنفع، بعضهم يقول: لا فرق بين هذه المناولة والإجازة، لكن إذا قال: خذ صحيح البخاري فاروه عني، تراه لك هدية، هذه مناولة، إذا قال: خذ صحيح البخاري إعارة لمدة شهر فاروه عني، هذه مناولة، خذ صحيح البخاري فاروه عني إجارة لمدة شهر كل يوم بخمسة إجارة، هذه مناولة إذا اقترنت بالإذن بالرواية، لكن إذا خلت عن الإذن، قال: خذ صحيح البخاري لك هديةً من عندي، يجوز أن يروي عنه بمجرد المناولة؟ بدون إذن في الرواية؟ لا يجوز، لماذا؟ لأن باب الهبة والعطية والهدية غير باب الرواية، ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
وإن خلت عن إذنٍ المناولة |
| قيل: تصح والأصح باطلة |
لا تصح الرواية بها، وهنا يقول: "فإن كان معها إجازة مثل أن يناول الشيخ الطالب الكتاب من سماعه ويقول له: اروِ هذا عني، أو يملكه إياه، أو يعيره لينسخه ثم يعيده إليه، أو يأتيه الطالب بكتابٍ من سماعه فيتأمله، ثم يقول: اروِ هذا عني" يأتي الطالب بكتاب وهذه صورة تحصل، الشيخ يحتاج فيبيع كتابه، هذا الطالب يجد هذا الكتاب بالحراج يباع، يشتريه، ثم يذهب إلى الشيخ هذا كتابك، الشيخ ينظر في الكتاب ويتأمله، يتأمل الكتاب، صحيح هذا كتابي احتجت وبعته، خذه فاروه عني، هذا عرض المناولة، بمعنى أن الطالب عرض الكتاب على الشيخ، ثم إن الشيخ ناوله الكتاب، وهذا النوع من العرض يختلف عن عرض القراءة، عرض القراءة الطالب يقرأ الكتاب على الشيخ، رواية بالعرض الذي هو القسم الثاني، هنا عرض مناولة يجد الطالب كتاب الشيخ يباع، أو يصل إليه بأي طريقة من الطرق بإرث أو هبة أو هدية، ثم يحضره للشيخ فيقول: هذا كتابك يا شيخ، ثم يأخذه الشيخ فيتصفحه، يتأمله يقول: صحيح هذا كتابي، والله هذا كتابي، اروه عني، يناوله إياه، فهذا عرض المناولة، "أو يأتيه الطالب بكتابٍ من سماعه فيتأمله، ثم يقول: اروِ عن هذا، ويسمى هذا عرض المناولة، وقد قال الحاكم إن هذا إسماعٌ عند كثيرٍ من المتقدمين، وحكوه عن مالك نفسه والزهري وربيعة ويحيى بن سعيد الأنصاري" وجمع من أهل العلم.
"قال ابن الصلاح: وقد خلط في كلامه عرض المناولة بعرض القراءة" حينما قال الحاكم: إن هذا إسماعٌ عند كثيرٌ من المتقدمين، يشير إلى إيش؟ إلى عرض المناولة، والذي هو إسماعٌ عند كثيرٌ من المتقدمين هو عرض القراءة وليس عرض المناولة، هؤلاء الذين أجازوا الرواية بالعرض صحيح هؤلاء أجازوا الرواية بالعرض، لكن هل مقصودهم عرض المناولة أو عرض القراءة؟ مقصودهم عرض القراءة، فالتبس الأمر على الحاكم، ولذا قال ابن الصلاح: "وقد خلط "يعني الحاكم في كلامه- عرض المناولة بعرض القراءة؛ لأن هؤلاء الأئمة الذين ذكر أسماءهم إنما يجيزون عرض القراءة ويسمونه إسماع، يعني في حكم السماع من لفظ الشيخ، أما مجرد المناولة، عرض المناولة يأتي الطالب بالكتاب ويعيده الشيخ إليه هذا إسماع عند هؤلاء الأئمة؟ لا، ما يمكن يصير إسماع عند هؤلاء الأئمة؛ لأن فيهم المتشدد، منهم من لا يجيز الإجازة أصلاً، فهذا هو سبب الخلط، أجازوا العرض فحمله على عرض المناولة، وهو في الحقيقة المراد عرض القراءة.
"ثم قال الحاكم: والذي عليه جمهور فقهاء الإٍسلام الذين أفتوا في الحرام والحلال أنهم لم يروه سماعاً"، صحيح ما رأوه سماع، حتى ولا الذين ذكرت يا حاكم لم يروه سماعاً، لكن أنت التبس عليك الأمر، "وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق والثوري والأوزاعي وابن المبارك" كيف تذكر هؤلاء أنهم لا يرون سماعاً، وأنت ذكرت عن نظرائهم من الأئمة وتقول: عليه جمهور فقهاء الإسلام؟ كيف فقهاء الإسلام وأنت ذكرت ممن يجيزه مالك والزهري وربيعة أئمة كبار؟ إلا أنه اختلط على الحاكم الأمر.
ويقول: "وعليه عهدنا أئمتنا، وإليه ذهبوا، وإليه نذهب" صحيح، هذا هو الحق في هذه المسألة، أن عرض المناولة ليس بإسماع، بل هو مجرد إذن بالرواية.
يقول: "أما إذا لم يملكه الشيخ الكتاب، ولم يعره إياه فإنه منحط عما قبله" يعني لم يمكنه من النسخة، عنده البخاري، جاء الطالب البخاري عنده في الدالوب، قال الشيخ: هذا صحيح البخاري أجزتُ لك أن ترويه عني، ثم سحبه منه، رجعه لمكانه، تسميها مناولة؟ هذه ليست مناولة، هذه مجرد إجازة، هذه إجازة مجردة لا مزية لها عن الإجازة، وإن كان بعضهم يقول: لها نوع من المزية، لها نوع مزية، إيش معنى هذا؟ أن الطالب شاف الكتاب ورأه أحسن ممن لم يرَ شيئاً، يقول: لها نوع مزية، "حتى أن منهم من يقول: هذا مما لا فائدة فيه، ويبقى مجرد إجازة".
يقول: "قلتُ: أما إذا كان الكتاب مشهوراً كالبخاري ومسلم أو شيء من الكتب المشهورة فهو كما لو ملكه أو عاره إياه" إيش الفرق بين أن يشتري الشيخ مائة نسخة من صحيح البخاري، وكل ما جاءه طالب من طلاب العلم يناوله البخاري من النسخ الموجودة هذه، يقول: أجزتُ لك -خذ نسخة- أجزتُ لك أن تروي عن صحيح البخاري، هذه نسميها إيش؟ مناولة، لكن ويش الفرق بين هذه النسخة والتي في المكتبات تباع؟ الطبعة واحدة ما تختلف، كتاب مشهور بين الناس معروف، يعني هل لها ميزة هذه المناولة؟ نعم إن كانت هذه النسخة بخط الشيخ وتعليقه، وإثبات سماعاته ومقابلاته لها ميزة، لكن نسخة طبعت منها المطابع ألوف مؤلفة لها ميزة؟ نعم له حقٍ عليك، وله معروف عليك، أهداك الكتاب، لكن يبقى أن لها ميزة هذه النسخة التي أهداك إياها لها ميزة؟ ليس لها ميزة عما في المكتبات، إلا إذا كانت نسخة نادرة، يعني ما توجد في المكتبات صحيح.
يقول: "ولو تجردت المناولة عن الإذن في الرواية فالمشهور أنه لا تجوز الرواية بها، وحكى الخطيب عن بعضهم جوازها، قال ابن الصلاح: ومن الناس من جوز الرواية بمجرد إعلام الشيخ الطالب أن هذا سماعه"، سيأتي الرواية بمجرد الإعلام، الإعلام نوع من أنواع التحمل، سيأتي ذكره، والخلاف فيه قوي.
طيب إذا روى بالإجازة ماذا يقول؟ هل يستطيع أن يقول: سمعتُ فلان؟ إذا قال: أجزتُ لك أن تروي عن صحيح البخاري، هل يجوز أن يقول: سمعتُ حديث: (الأعمال بالنيات) من فلان وهو يرويه إجازة؟ أو يقول: حدثنا فلان، أو أخبرنا فلان، أو أنبأنا فلان؟ يقول: "ويقول الراوي بالإجازة: أنبأنا، فإن قال: إجازة فهو حسن"، لكن لو قال: حدثنا إجازة، أو إذناً، أو أخبرني فيما أجازني به، أو أنبأنا؛ لأنه في الاصطلاح قالوا: أنبأنا ماشي في الإجازة، هذا مجرد اصطلاح وإلا فالأصل أن الإنباء والإخبار بمعنىً واحد، لا يجوز إلا إذا قيد بما يدل على المراد، وأن الرواية بالإجازة، هم تجوزوا بأنبأنا، وكثر استعمال (عن) عند المتأخرين فيما يروى بالإجازة.
وكثر استعمال (عن) في ذا الزمن |
| إجازةً وهي بوصلٍ ما قمن |
يعني جديرة وحرية بالوصل إذا جاءت بصيغة (عن)، يقول: "فهو أحسن، ويجوز أنبأنا وحدثنا عند جماعة المتقدمين" لكن الأولى أن يبين مراده وطريقته في التحمل، فيقول: حدثنا وأخبرنا إجازةً، أو فيما أجاز لي، أو فيما أذن لي، وما أشبه ذلك.
يقول: "وقد تقدم النقل عن جماعة أنهم جعلوا عرض المناولة المقرونة بالإجازة بمنزلة السماع" المناولة، عرض المناولة المقرونة بالإجازة بمنزلة السماع، "فهؤلاء يقولون: حدثنا وأخبرنا بلا إشكال" وعرفنا أن الحاكم وهم، الحاكم وهم في ذكره العلماء الذين قالوا: بأن عرض المناولة مثل عرض القراءة فهي إسماع، هي ليست بإسماع.
"والذي عليه جمهور المحدثين قديماً وحديثاً أنه لا يجوز إطلاق حدثنا، ولا أخبرنا، بل مقيداً"، مقيد بما يدل على الواقع، بما يدل على حقيقة الحال، فيقول: حدثنا إجازة، أخبرنا إذناً، أو ما أشبه ذلك، يقول: "وكان الأوزاعي يخصص الإجازة بقوله: خبَّرنا بالتشديد" وهذا مجرد اصطلاح للأوزاعي، فإذا جاء في إسنادٍ يقول فيه الأوزاعي: خبرنا فلان عرفنا أنه رواه بطريق الإجازة، نعم.
المكاتبة:
القسم الخامس: المكاتبة، بأن يكتب إليه بشيء من حديثه، فإن أذن له في روايته عنه فهو كالمناولة المقرونة بإجازة، وإن لم تكن معها إجازة فقد جوز الرواية بها أيوب ومنصور والليث وغير واحد من فقهاء الشافعية والأصوليين، وهو المشهور، وجعلوا ذلك أقوى من الإجازة المجردة، وقطع الماوردي بمنع ذلك، والله أعلم.
وجوز الليث ومنصور في المكاتبة، أن يقول: أخبرنا وحدثنا مطلقاً، والأحسن الأليق تقيده بالمكاتبة.
المكاتبة: مفاعلة بين طرفين، يكتب الطالب إلى الشيخ بأن يكتب له ما بلغه من حديث في مسألة كذا مثلاً، فيكتب إليه الشيخ، أو يكتب الطالب للشيخ أن يكتب له ما يرويه من طريق فلان، أو من حديث فلان من الصحابة فيكتب له الشيخ، هذه مكاتبة، فإذا كتب الشيخ للطالب بحديث أو بأحاديث جاز للطالب أن يروي عنه هذه الأحاديث ولو لم يأذن له بروايتها، لكن أولى ما يقال: إن يقول الطالب: كتب إليّ فلان بكذا قال: حدثنا فلان عن فلان إلى آخره، وهذا النوع من الرواية موجود في الصحيحين وغيرهما من الصحابة إلى التابعين، من التابعين إلى أتباعهم، ممن دونهم، من شيوخ الأئمة، في البخاري كتب إلي محمد بن بشار قال، فالرواية بالمكاتبة صحيحة، ولو قال: أخبرنا أو حدثنا فالإخبار سائغ؛ لأن الإخبار يحصل بغير المشافهة، يحصل بالمكاتبة، يحصل بالإشارة، يحصل بنصب علامة، أو أمارة، كل هذا يحصل به الإخبار، فيجوز أن يقول: أخبرنا، لكن لو قال: كتب إلي فلان، أو حدثني فيما كتب به إلي، أو أخبرني كتابةً فهو أولى، نعم.
إعلام الشيخ أن هذا الكتاب سماعه من فلان من غير أن يأذن له في الرواية عنه:
القسم السادس: إعلام الشيخ أن هذا الكتاب سماعه من فلان من غير أن يأذن له في الرواية عنه، فقد سوغ الرواية بمجرد ذلك طوائف من المحدثين والفقهاء، منهم ابن جريج، وقطع به ابن الصباغ، واختاره غير واحدٍ من المتأخرين، حتى قال بعض الظاهرية: لو أعلمه بذلك ونهاه عن روايته عنه فله روايته، كما لو نهاه عن رواية ما سمعه منه.
إعلام الشيخ الطالب أن هذا الكتاب سماعه من فلان، يأتي الطالب إلى الشيخ وينظر في كتب الشيخ، ما هذا؟ هذا صحيح البخاري أرويه من طريق فلان، أرويه من طريق فلان مجرد إعلام يخبر الطالب أنه يروي هذا الكتاب عن طريق الشيخ الفلاني، يسوغ للطالب أن يروي هذا الكتاب عن هذا الشيخ عن شيخه مجرد إعلام؟ يعني مجرد كونك تدري أن فلان يروي عن فلان تروي عنه؟ لا، لا يجوز لك أن تروي، "إعلام الشيخ أن هذا الكتاب سماعه من فلان من غير أن يأذن له في روايته عنه،.... سوغ الرواية بمجرد ذلك طوائف من المحدثين والفقهاء منهم ابن جريج....، واختاره غير واحد من المتأخرين، حتى قال بعض الظاهرية: لو أعلمه بذلك ونهاه عن روايته فله روايته، كما لو نهاه عن رواية ما سمعه منه"، طيب الظاهرية إيش رأيهم في الإجازة؟ إذا أذن له في الرواية يمنعون، فكيف يقول بعض الظاهرية: لو أعلمه بذلك ونهاه مجرد إعلام يروي عنه؟ الآن الظاهرية يمنعون الإجازة فكيف يجيزون الرواية بمجرد الإعلام؟ الإجازة فيها إعلام وفيها زيادة، فيها إعلام أنه يروي البخاري من طريق فلان، وفيها إذنٌ له أن يرويه عنه، أما مجرد الإعلام ما في، يعني كونك مجرد ما تدري أن فلان يروي الكتب عن فلان تروي عنه؟ مجرد أن أخبرك الشيخ أن له رواية بالكتب من طريق فلان تروي عنه؟ لا شك أن الرواية بهذا الطريق ضعيفة، والله المستعان، نعم.
القسم السابع: الوصية، بأن يوصي بكتابٍ له كان يرويه لشخص، فقد ترخص بعض السلف في رواية الموصى له بذلك الكتاب عن الموصي، وشبهوا ذلك بالمناولة وبالإعلام بالرواية، قال ابن الصلاح: وهذا بعيد، وهو إما زلة عالم أو متأول، إلا أن يكون أراد بذلك روايته عنه بالوجادة، والله أعلم.
الوصية: شخص عنده كتب من مروياته، أراد السفر قال: بدل ما أشيل هذه الكتب معي، أعرضها للتلف في فلان طالب علم يستفيد منها نعطيها إياه، أو حضرته الوفاة قال: بدل ما توزع هذه الكتب وتباع بالحراج بأبخس الأثمان، ويمكن يتفرق كل جزء يصير في بيت، تشال هذه الكتب برمتها وتسلم للطالب الفلاني، طالب علم ينفع الله به الإسلام والمسلمين، يستفيد من هذه الكتب، أوصى بكتبه لزيد من الناس، هل لزيد الموصى له أن يروي عن الموصي بمجرد الوصية؟ إذا آلت كتب زيد لعمرو يرويها عنه من غير إذن في الرواية؟ يعني إيش الفرق بين كونه يوصي بها إليه، أو يروح يشتريها من السوق؟ وجدها تباع في الحراج فاشتراها؟ يعني هل لهذه الوصية أثر في الرواية؟ ليس لها أثر في الرواية، وإن أجاز بعضهم الرواية بمجرد الإعلام، وهذا كما قال ابن الصلاح: "بعيد، وهو إما زلة عالم أو متأول، إلا أن يكون أراد بذلك الرواية بمجرد الوجادة" على القسم الثامن الذي سيأتي، يعني إذ وجد كتب وأحاديث بخط الشيخ الذي لا يشك فيه على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.
نعم، القسم الثامن.
الوجادة:
القسم الثامن: الوجادة، وصورتها: أن يجد حديثاً أو كتاباً بخط شخصٍ بإسناده، فله أن يرويه عنه على سبيل الحكاية، فيقول: وجدت بخط فلان حدثنا فلان ويسنده، ويقع هذا كثيراً في مسند الإمام أحمد يقول ابنه عبد الله: وجدتُ بخط أبي حدثنا فلان ويسوق الحديث، وله أن يقول: قال فلان إذا لم يكن فيه تدليس يوهم اللقي، قال ابن الصلاح: وجازف بعضهم فأطلق به حدثنا أو أخبرنا، وانتقد ذلك على فاعله، وله أن يقول فيما وجد من تصنيفه بغير خطه: ذكر فلان وقال فلان أيضاً، ويقول: بلغني عن فلان فيما لم يتحقق أنه من تصنيفه أو مقابلة كتابه، والله أعلم.
قلتُ: والوجادة ليست من باب الرواية إنما هي حكاية عما وجده في الكتاب، أما العمل بها فمنع منه طائفةٌ كثيرةٌ من الفقهاء والمحدثين أو أكثرهم فيما حكاه بعضهم، ونقل عن الشافعي وطائفة من أصحابه جواز العمل بها.
قال ابن الصلاح: وقطع بعض المحققين من أصحابه في الأصول بوجوب العمل بها عند حصول الثقة به، قال ابن الصلاح: وهذا هو الذي لا يتجه غيره في الأعصار المتأخرة لتعذر شروط الرواية في هذا الزمان، يعني فلن يبقى إلا مجرد وجادات، قلتُ: وقد ورد في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((أيُّ الخلق أعجب إليكم إيماناً؟)) قالوا: الملائكة، قال: ((وكيف لا يؤمنون عند ربهم؟!)) وذكروا الأنبياء، قال: ((وكيف لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم؟!)) قالوا: ونحن؟ فقال: ((وكيف لا تؤمنون وأنا بين أظهركم؟!)) قالوا: فمن يا رسول الله؟ قال: ((قومٌ يأتون من بعدكم يجدون صحفاً يؤمنون بما فيها)) وقد ذكرنا الحديث بإسناده ولفظه في شرح البخاري -ولله الحمد-، فيؤخذ منه مدح من عمل بالكتب المتقدمة بمجرد الوجادة لها، والله أعلم.
القسم الثامن: وهو الأخير من أقسام التحمل الوجادة، فهي مصدر وجد يجد وجادةً، وله مصادر أخرى تختلف معانيها كالوجد والوجدان والوجود، والذي معنا الوجادة، إيش معنى وجادة؟ أن يجد حديثاً أو كتاباً كاملاً فيه أحاديث بخط شخصٍ لا يشك فيه، وهذا الخط مسند، يعني بإسناد الكاتب، إذا وجدت بخط شخصٍ لا تشك فيه إن كان من شيوخك وقد أذن لك بالرواية فلا إشكال، إن كان من شيوخك وأنت لا تشك في خطه فلك أن تروي، لكن إن كان بينك وبينه مفاوز، تعرف خط عالم من العلماء، وأنت لا تروي عنه، ولم يجز لك أن تروي عنه، ولم يأذن لك بالرواية عنه، بل لم تدرك عصره، أنت تعرف خط ابن القيم، أو شيخ الإسلام، أو الشيخ محمد بن عبد الوهاب أو غيرهم، وجدتَ بخطه الذي لا تشك فيه، شيخ الإسلام خطه معروف، وجدت تقول: قال شيخ الإسلام؟ أو تقول: حدثنا شيخ الإسلام؟ أو تقول: أخبرنا شيخ الإسلام؟ أو تقول: وجدت بخط شيخ الإسلام؟ يقول: "فله أن يرويه على سبيل الحكاية"، فتقول: وجدتُ بخط فلان قال: حدثنا فلان، "ويسنده" يعني الكاتب يذكر السند، "ويقع هذا كثيراً في مسند الإمام أحمد" كثيراً ما يقول عبد الله: "وجدتُ بخط أبي"، هذا متصل وإلا منقطع؟ عندهم الوجادة الأصل فيها الانقطاع، وفيها شوب اتصال، لكن إذا كانت بخط شيخه ولا يشك فيه، خط أبيه الذي لا يشك فيه، وأدركه وروى عنه أحاديث كثيرة، فهي متصلة، في مثل هذه الصورة متصلة، "وجدتُ بخط أبي قال: حدثنا فلان ويسوق الحديث، وله أن يقول: قال فلان إذا لم يكن فيه تدليس يوهم اللقي" يعني وجدت بخط شيخ الإسلام -رحمه الله-، بخط شيخ الإسلام لا تشك أن هذا خط شيخ الإسلام، يعني لك أن تقول: قال شيخ الإسلام من خلال هذا الخط؟ نعم، لك أن تقول، ولا وجه لإيهام التدليس هنا، لماذا؟ لانتفاء المعاصرة، كيف يوهم التدليس وأنت بينك وبينه مفاوز سبعة قرون؟ هذا لا يوهم التدليس، لكن إذا أوهم التدليس، وجدت مثلاً بخط الشيخ فلان، الشيخ ابن عثيمين مثلاً، أو بخط الألباني مثلاً -رحم الله الجميع-، هل لك أن تقول: قال الألباني من خلال خطه؟ ألا يوهم أنك لقيت الألباني وسمعتَ منه هذا القول؟ الأولى أن تقول: وجدت بخط الشيخ فلان؛ لأن إطلاق القول يوهم اللقي.
"قال ابن الصلاح: وجازف بعضهم فأطلق فيه حدثنا أو أخبرنا، وانتقد ذلك على فاعله" حدثنا هو محدثك؟! نعم الإخبار، دائرة الإخبار أوسع من دائرة التحديث؛ لأن الإخبار يحصل بالمشافهة وبالمكاتبة، وبنصب علامة، وبإشارة مفهمة، أما التحديث لا يحصل إلا بالمشافهة، فمن قال: من حدثني من عبيدي بكذا فهو حر، فجاء واحد كتب له ورقة وأعطاه إياه يعتق وإلا ما يعتق؟ لا يعتق؛ لأن التحديث لا بد أن يكون مشافهة، لكن لو قال: من أخبرني بكذا فهو حر؟ أخبره بكتابة أو إشارة أو نصب علامة يعتق؛ لأن الإخبار يحصل بغير المشافهة.
على كل حال يقول: "وله أن يقول فيما وجد في تصنيفه بغير خطه: ذكر فلان أو قال فلان" يعني مثل المصنفات بغير الخط المطبوعات، وجدت كتاب مكتوب عليه تأليف فلان بن فلان شيخ الإسلام ابن تيمية، ابن القيم، ابن قدامة تنقل من هذا الكتاب وتقول: قال فلان إذا لم تشك بنسبة الكتاب إلى فلان، إذا أنت لم تشك بنسبة الكتاب إلى فلان لا بأس أن تقول: قال فلان، والنسخة مضبوطة موثقة، وإلا إذا كانت الطبعة محرفة كيف تثق بهذه الطبعة وتنسب الكلام المحرف إلى المؤلف؟ لا.
طالب:.......
إذا كانت النسخة موثوقة، مصححة، والنسبة، نسبة الكتاب ثابتة إلى مؤلفه لا بأس أن يقول: قال فلان، قال ابن قدامة في المغني إيش اللي يمنع؟ لكن إذا كان الكتاب مشكوك في نسبته تقول: قال فلان؟ قال ابن القيم في أخبار النساء؟ لا، قال ابن القيم في الفوائد المشوقة إلى علوم القرآن؟ لا، هذه الكتب لا تثبت نسبتها إلى ابن القيم، أحياناً يوجد كتاب بخط فلان، ولا يذكر مؤلفه، فينسب إلى الكاتب من باب غلبة الظن، وأن هذا الكلام ما فيه إشكال لو نسب إلى هذا الشخص، حاشية المقنع، الطبعة الأولى ما ذكر عليها اسم، الطبعة الثانية ذكر عليها اسم الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب؛ لأنها وجدت بخطه، والكلام اللي على الحاشية تليق بالشيخ، يعني ما فيها ما ينكر، كتاب: (توضيح توحيد الخلاق) هذا طبع منسوب لمن؟ للشيخ سليمان بن عبد الله؛ لأنه وجد بخطه، وهو في الحقيقة لغيره، على كل حال إذا أنت لم تشك في نسبة الكتاب إلى مؤلفه، واستفاضت نسبته إليه، ونقل منه أهل العلم على أساس أنه لفلان، ولم يشكك فيه أحد، فلك أن تقول: قال فلان، شريطة أن يكون الكلام مضبوط ومتقن، غير معرض لتحريف أو تصحيف؛ لأن بعض المطابع مثل بعض النساخ ما يحسن ولا يتقن.
يقول: "وله أن يقول فيما وجد في تصنيفه بغير خطه: ذكر فلان" وذكر ابن قدامة في المغني، وقال فلان أيضاً تقول: قال فلان، ويقول: "بلغني عن فلان فيما لم يتحقق أنه من تصنيفه أو مقابلة كتابه، والله أعلم" يعني إذا شككت في نسبة هذا الكلام تقول: ينسب لفلان، أو وجدت في كتابٍ نسب إلى فلان، نسب لابن القيم، نسب لشيخ الإسلام وهكذا، فلا تجزم بمجرد وجوده في ذلك الكتاب المشكوك فيه.
"قلتُ -يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: والوجادة ليست من باب الرواية، وإنما هي حكاية عما وجده في الكتاب" يعني حكاية واقع، يعني وجدت كذا يصور ما وجد، "وأما العمل بها فمنع منه طائفة كثيرةٌ من الفقهاء والمحدثين، وأكثرهم فيما حكاه بعضهم" يعني إذا كان الكاتب ما تشك في أن هذا خطه، ويروي هذا الكلام بإسناده المتصل الذي لا إشكال فيه، كيف يمنع العمل به؟ أما الكلام المشكوك فيه، الخط المشكوك فيه، الكلام الذي يغلب على الظن أن من نسب إليه لا يقول مثل هذا الكلام لا يجوز لك أن ترويه، إلا على سبيل التمريض، تقول: يذكر عن فلان، أو وجدتُ بخطٍ زعم ناسخه نسبته إلى فلان وهكذا.
يقول: "ونقل عن الشافعي وطائفة من أصحابه جواز العمل بها، قال ابن الصلاح: وقطع بعض المحققين من أصحابه في الوصول بوجوب العمل بها عند حصول الثقة به" الوجادة إذا لم يشك في الكاتب مثل الكتاب المؤلف لا يلزم أن يكون لك به رواية، لا يلزم أن تكون لك به رواية، تجزم أن هذا كلام شيخ الإسلام، وأنت تعتقد إمامة شيخ الإسلام، والكلام الذي في هذا..، الكلام المكتوب بخط شيخ الإسلام لا تشك أولاً في خطه ولا في صحته ونسبته لشيخ الإسلام لماذا لا تقول: قال شيخ الإسلام؟
"قال ابن الصلاح: وهذا هو الذي لا يتجه غيره في الأعصار المتأخرة" الكتب كلها وجادات، فإذا لم يعمل بما وجد في هذه الكتب فإنه يتعذر العمل بها، ولا يتوجه غيره في الأعصار المتأخرة "لتعذر شروط الرواية في هذا الزمان" قال: "فلم يبقَ إلا مجرد وجادات" ما الدليل على العمل بالوجادة؟ ما الدليل على العمل في الوجادة؟ ذكر الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- حديثاً "عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((أي الخلق أعجب إليكم إيماناً؟)) قالوا: الملائكة، قال: ((وكيف لا يؤمنون وهم عند ربهم؟)) وذكروا الأنبياء، فقال: ((وكيف لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم؟)) قالوا: فنحن؟ قال: ((وكيف لا تؤمنون وأنا بين أظهركم؟)) قالوا: فمن يا رسول الله؟ قال: ((قومٌ يأتون من بعدكم يجدون صحفاً يؤمنون بما فيها))" عملوا بالوجادة، وأُثني عليهم؛ لأن السياق سياق مدح، وعملوا بما يجدون في الصحف، فهم عملوا بالوجادة، وأثني عليهم بها، وهذا الحديث مخرج في جزء الحسن بن عرفة، وهو حديث حسن، رواه الحسن بن عرفة في جزئه المشهور.
يقول: "وقد ذكرنا الحديث بإسناده ولفظه في شرح البخاري ولله الحمد" وذكره أيضاً في أوائل التفسير، الحافظ ابن كثير يقول: "ذكرناه بإسناده ولفظه في شرح البخاري" وهو أقرب من ذلك شرح البخاري مفقود، لكن تفسيره موجود، وذكر هذا الحديث في أوائل التفسير بإسناده، والحديث مخرجٌ كما ذكرنا في جزء الحسن بن عرفة وإسناده حسن.
يقول: "فيؤخذ منه مدح من عمل بالكتب المتقدمة بمجرد الوجادة لها، والله أعلم".
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"أما بالطرق المعروفة: السماع أو العرض على الشيخ هذا نادر جداً أن تكون الكتب اتصلت بالسماع، وإن يوجد في بعضها سماع، ثم إجازة أو عرض وإجازة، لكن سماع من أول السند إلى آخره منا إلى الرسول -عليه الصلاة والسلام- هذا نادر، هذا موجود في القرآن، أما بالنسبة للسنة فاعتمد الناس في العصور المتأخرة على الإجازة، ويندر أن يوجد أسانيد متصلة بالسماع، والله المستعان، لكن ينبغي لطالب العلم أن لا يقتصر على الإجازات، ولا يعول عليها، بل عليه أن يعتني بالقراءة على الشيوخ؛ لأن العلم لا يمكن أن يحصل إلا بهذه الطريقة؛ لأن الألفاظ لا يمكن أن تضبط إلا بالتلقي، لا سيما أسماء الرواة التي لا تدرك بالاجتهاد، ولا تعرف من خلال السياق، فلا يستدل عليها بما قبلها ولا ما بعدها، بل إنما تدرك ضبطاً وإتقاناً من أفواه الشيوخ، والله المستعان.