هذا السؤال جوابه لا يكفيه مثل هذا الوقت، فأقول: كلمة "شرط كمال" تناقض، ماذا يعني شرط؟ يعني: أن الأمر لا يصح إلا به، وما معنى كمال؟ معناه: أنه قدر زائد على الواجب؛ لأن الأمور إما أن تكون ضروريَّة، أو حاجيَّة، أو كماليَّة تحسينيَّة.
فالضروريَّة: ما لا يكون الأمر إلا بها، فلا تقوم الحياة إلا بها.
والحاجيَّة: تثبت معها الحياة لكن مع مشقة.
والكماليَّة: تثبت معها الحياة بدون مشقة.
فالشروط والأركان ضروريَّة، والواجبات حاجيَّة، والسنن كماليَّة.
فهل العمل سنة في الإيمان، أو واجب، أو شرط؟ فإن قلنا: شرط، وقلنا: كمال، صار تناقضًا بلا شك.
والحافظ لما قال هذا الكلام يريد أن يَخرج من قول المعتزلة، والمعتزلة يقولون: شرط صحة، ويريدون بذلك أن من ادَّعى الإيمان، وأخلَّ بأي عملٍ مما أوجب الله عليه -لا سيما من الكبائر-، فإنه يُسلب منه الإيمان بالكليَّة، فليس بمؤمن. وأهل السنة ما يقولون بهذا، بل مرتكب الكبيرة عندهم مؤمن بإيمانه، لكنه فاسق بكبيرته، ولا يُسلب منه الإيمان بالكليَّة، نعم جاء مثل قوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن...» [البخاري: 2475] إلى غير ذلك، المقصود أن أهل السنة يجعلون جنس العمل شرطًا في صحة الإيمان، كما قرَّر ذلك أهل العلم، لا أنه مفردات هذا العمل، فمفردات هذا العمل ليست بشرط لصحة الإيمان، كما يقول المعتزلة.
والشيخ ابن باز -رحمة الله عليه- ما علَّق على هذه المسألة في (الفتح)، ومع ذلك سُئل عمَّن يقول: العمل شرط كمال، فقال: (هذا قول المرجئة)، والذي قرَّره شيخ الإسلام أن جنس العمل شرط، وماذا يعني أننا نقول: إن الإيمان قول، واعتقاد، وعمل؟ إلا أنه مركَّب من الأمور الثلاثة:
فالاعتقاد في القلب، فقد يعتقد الإنسان، لكن ما الذي يُدرينا أنه مؤمن؟
القول، «أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله» [البخاري: 25]، وما الذي يُصدِّق هذا القول؟
الذي يُصدِّقه العمل، فالإيمان مركَّب من الأمور الثلاثة.
والشيخ عبد الرحمن البراك له تعليقة نفيسة على الطبعة الجديدة من (فتح الباري) -طبعة دار طيبة-، فليُراجع كلام الشيخ.