شرح العقيدة الطحاوية (03)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

يقول هذا أنا أسهر على القراءة إلى قريب من الساعة الثانية ثم أنام وأؤخر الوتر إلى قبيل الفجر فلا أقوم هل أوتر قبل النوم؟

نعم، توتر قبل أن تنام؛ لأن الثانية بعد وقت النزول الإلهي بعد ثلث الليل فهي محل القيام أوتر قبل أن تنام لتضمن، لكن لا يكون الخطر على صلاة الفجر انتبه.

يقول هل اطلعتم على كتاب الرياض الندية على شرح الطحاوية للشيخ ابن جبرين-رحمه الله فما تقييمكم له وهل ينصح بالتحضير للدرس منه؟

أنا رأيته واقتنيته في خمسة مجلدات لكن إلى الآن لم أطلع على شيء منه ما تيسر لي الاطلاع عليه كما أن هناك شرحا للشيخ عبد الرحمن البراك والشيخ صالح الفوزان والمشايخ كلهم لهم شروح كلها نافعة إن شاء الله تعالى.

يقول يوجد كتاب مفقود شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز.

إذا كان الموجود على الطاولة يمكن؟

طالب: ............

 يوجد الطحاوية وتفسير، ويوجد أيضا تفسير ابن كثير، وأضواء البيان، كلها موجودة على الطاولة لابن أبي العز يقول مكتوب في الورقة الثانية اسم عبد المجيد الداود يصير صاحبه معروفا.

لكن هل هذا من إنشاد الضالة في المسجد أولا..؟

طالب: ............

على كل حال يوضع على الطاولة إذا أراده صاحبه يجده إن شاء الله.

بعض الإخوان من طلاب العلم يتثاقل على حمل الكتب ويضع الكتاب في المسجد في حلْقة الدرس بحيث لا يطّلع عليه إلا أثناء الدرس وأهل العلم يقولون: أن من لا يعرف الكتاب إلا في الدرس قل أن يفلح، فالمفترض أن يكون الكتاب مع صاحبه يذهب به إلى بيته ويطالع الدرس قبل الحضور ويراجع عليه إن كان هناك شروح أخرى، ثم يستمع إلى الشرح إن كان فيه زوائد استفادها وإن لم يكن فيه إلا توضيح ما انبهم عليه من كلام أهل العلم والسؤال عنه هذه فائدة الدرس وإلا فالأصل أن طالب العلم هو الذي يطلع بنفسه.

سم.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين

 قال المؤلف رحمه الله تعالى قوله: نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله إن الله واحد لا شريك له. اعلم أن التوحيد أول دعوة الرسل وأول منازل الطريق وأول مقام يقوم فيه السالك إلى الله عز وجل قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}[المؤمنون:23] وقال هود عليه السلام لقومه {اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ}[هود:50] وقال صالح عليه السلام لقومه {اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ}[الأعراف:73] وقال شعيب عليه السلام لقومه {اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ}[الأعراف:85] وقال تعالى {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ}[النحل:36] وقال تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُون}[الأنبياء:25]  وقال -صلى الله عليه وسلم- «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله» ولهذا كان الصحيح أن أول واجب يجب على المكلف شهادة أن لا إله إلا الله لا النظر ولا القصد إلى النظر ولا الشك كما هي أقوال لأرباب الكلام المذموم، بل أئمة السلف كلهم متفقون على أن أول ما يؤمر به العبد الشهادتان ومتفقون على أن من فعل ذلك قبل البلوغ لم يؤمر بتجديد ذلك عقيب بلوغه بل يؤمر بالطهارة والصلاة إذا بلغ أو ميّز عند من يرى ذلك ولم يوجِب أحد منهم على وليِّه أن يخاطبه حينئذٍ بتجديد الشهادتين وإن كان الإقرار بالشهادتين واجبًا باتفاق المسلمين ووجوبه يسبق وجوب الصلاة لكن هو أدّى هذا الواجب قبل ذلك.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

فيبين المؤلف- رحمه الله تعالى- في بداية كلامه أهمية التوحيد وأنه هو الأصل الذي يترتب عليه قبول الأعمال أو ردها، فالذي لا يحقق التوحيد أعماله مردودة عليه، والذي يحقق التوحيد الجنة مآله؛ ولذا قال الإمام المجدد رحمه الله: باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب، تحقيق التوحيد تمحيصه وتنقيته من شوائب الشرك والبدع، وعلى هذا فأول ما يجب على المكلَّف ما سمعنا من آيات القرآن فيما جاء عن الأنبياء نوح وهود وصالح وشعيب وبقية الرسل أن أول ما يدعونهم إلى توحيد الله قال النبي -عليه الصلاة والسلام- «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وحتى يشهدوا أن لا إله إلا الله» يعني حتى يدخلوا في الإسلام بهذه الكلمة، ولما بعث معاذًا إلى اليمن قال «إنك تأتي قوما أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله» هذا أول ما يجب أن يطالب به المرء أما ما يراه المتكلمون من أن أول ما يجب عليه النظر ليتوصل إلى الحقيقة بنفسه أو القصد إلى النظر يعني ما يسبق النظر هذا أول ما يجب عليه أو الشك لا بد أن يقف الإنسان حيرانا بين مفترق طرق لا يدري يذهب يمينا أو شمالا، يشك في أول الأمر ثم بعد ذلك يصل إلى الحقيقة بنفسه وهذا كله لا دليل عليه ولا أصل له من كتاب ولا سنة ولا قول من يعتد بقوله من أهل العلم سلف الأمة وأئمتها، استدلوا بما جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام- في هذا الباب ثم قال أنه إذا شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله دخل في الإسلام، سواء كان مكلفًا أو قبل التكليف وقبل البلوغ، لكن إذا بلغ هل يجدد هذه الشهادة باعتبار أن ما تقدم نفل بالنسبة له؟ والفرض يقع هنا عند التكليف أو لا يجدد ما عرف في سيرة سلف الأمة وأئمتها من الصحابة والتابعين فمن بعدهم حتى الرسول -عليه الصلاة والسلام- لما بلغ عليا ما قال له قل لا إله إلا الله من جديد وكذلك بقية الصحابة من صغارهم الذين بلغوا سن التكليف في عهده -عليه الصلاة والسلام- ما حُفظ عنه أنه أمرهم بتجديد الشهادتين، ولا يؤمر الصبي إذا كُلِّف وإن كان بعضهم يرى أنه في مفصِل ما كان قبل التكليف سنة وما بعده فريضة كالصلاة؛ لأن من أهل العلم من يرى أنه إذا بلغ بعدها في وقتها أو في أثنائها فإنه يلزمه إعادة الصلاة، إذا بلغ في أثناء الصلاة أو بعدها في وقتها فإنه تلزمه الإعادة هذا منصوص عند الحنابلة، وعند غيرهم عند جمع من أهل العلم لأنه صلاها على أنها نفل فلا تجزئ عن الفريضة هذا الكلام ليس بصحيح، ما حفظ ولا بواقعة واحدة أن شخصًا أُمر بالإعادة عندما بلغ، وما أدري ما هذا الشخص الذي سوف يبلغ في أثناء الصلاة كيف يبلغ؟! لأنه إن ضبط بالوقت بالساعة بالدقيقة وهذا يمكن ضبطه لكن ألا يمكن أن يكون هناك زيادة في طول نهار أو قصر أو كذا، أو زيادة شهر أو نقص شهر أو خطأ في رؤية في بعض الأشهر أو ما أشبه ذلك؛ لأن المسألة كلها وقت الصلاة خمس دقائق كيف يبلغ في أثنائها؟! لا يتصور أن يبلغ باحتلام ولا يتصور أن يبلغ بإنبات في مدة خمس دقائق، لكن ممكن أن يقال أنه ولد في الدقيقة الفلانية والمسألة خمس دقائق هل يمكن أن تضبط مثل هذه الأمور؟! لا يمكن أن تضبط، وهذا من العنت الذي لا تأتي به الشريعة، أنه إذا بلغ في أثنائها أو في وقتها بعد فراغه منها في الوقت يؤمر بالإعادة، هذا الكلام ليس بصحيح وهذا مثله مثل الشهادتين ما حفظ عن أحد ممن يعتد بقوله من أئمة الإسلام لاسيما من السلف من الصحابة والتابعين أنه أمر بتجديد الشهادتين أو أمر بإعادة الصلاة، وقل مثل هذا في جميع الأمور المستقرة، ومن ذلك ما ينادي به بعضهم أحيانًا من غير دليل ولا أصل، والناس سائرون على جادة وعلى أصل بتجديد بيعة مثلاً أليست البيعة ثابتة ومنتهية ومفروغ منها؟ لا داعي أن يشوش على الناس بمثل هذا الكلام، هذا يشوش وهذا يشكك، وبعض الناس إذا قيل له جدد البيعة وفي نفسه شيء قد يقول لا، فهذا يوقع في حرج كبير، فلا داعي له وقد سمعناه من بعض من ينتسب إلى طلب العلم، أما الكبار ما سمعنا منهم شيئا أبدًا، لكن المسألة مطردة، الناس ماضون على جادة يشهدون أن لا إله إلا الله إذا بلغ تقول له اشهد أن لا إله إلا الله إذا وهو يصلي في الصلاة يقال له أنت بلغت في أثنائه هذه صلاة نفل صل فريضة، ما يمكن أن يقال مثل هذا، أو صام نصف النهار ثم بلغ يقال له أعد صيامك؛ لأن النفل لا يجزئ عن الواجب، كل هذا لا أصل له ولا قائل به من سلف الأمة ولا دليل عليه من كتاب ولا من سنة.

وهنا مسائل تكلف فيها الفقهاء فمن صلى ولم يتكلم بالشهادتين أو أتى بغير...

يقول الفقهاء إذا صلى فمسلم حكمًا لماذا؟ لأن الصلاة تشتمل على الشهادتين لا بد أن يتشهد إذا صلى وهو يعرف الصلاة ومعنى الصلاة وماذا يراد بالصلاة؛ لأننا في هذا المسجد والمدرسة أمامنا قد يدخل بعض السائقين ويصلون مع الناس من أجل أن يتبردوا بدل ما يجلس بالشمس أو يكون جالسا بالمسجد والناس يصلون يصلي معهم وهو غير مسلم مثل هذا يحكم بإسلامه؟ أحدهم سألته، أنا رأيته يصلي قلت مسلم؟ قال لا، بابا مسلم يعني الكفيل لكنه دخل وصلى مع الناس لأنه لا يمكن أن يجلس بالمسجد ولا يصلي، ولا يجلس بالشمس ينتظر هذا الصبي يخرج من المدرسة، مثل هذا إذا دلت القرائن على أن هذه حاله لا يحكم بإسلامه وإذا حكم بإسلامه فالأمر شديد بالنسبة له، إذا ترك الصلاة مرتد ليس مثل الكافر الأصلي، يختلف هذا عن الكافر الأصلي فحكمه غير، المرتد يقتل ولا يقبل منه إلا الإسلام.

وهنا مسائل تكلم فيها الفقهاء.

هنا مسألة وهي واقعة إذا وقر الإيمان في قلبه، لكن لم ينطق بالشهادتين وعرفنا أن أول ما يجب على المكلف النطق بالشهادتين وقر الإيمان في قلبه واقتنع بالإسلام لكنه لم ينطق بالشهادتين فباغتته المنية فمات قبل أن ينطق بالشهادتين هذا حكمه في الظاهر وفي الدنيا حكمه حكم الكفار وأما في الآخرة فالله يتولاه، وبعض العلماء كالغزالي صرح بأنه يحكم بإسلامه مادام هذه حقيقته وعُرف عنه هذا الأمر والنبي -عليه الصلاة والسلام- علّق ترك القتل أو القتال بالنطق وما في القلوب لا يعلمه إلا الله- جل وعلا- ولا يمكن أن يرتب عليه أحكام، وكنت أقرأ هذه المسألة وأظنها نظرية حتى سألني سائل أفريقي يقول لي زميل نصراني فدعوته إلى الإسلام فاستجاب بعد مدة طويلة ووقر الإيمان في قلبه وقال نذهب إلى عالم لنسلم على يديه فذهبنا إلى شيخ وكان قد بقي على صلاة الظهر ربع ساعة فجئنا الشيخ فقلنا له هذا شخص يريد الإسلام فلقنه الشهادتين من أجل أن يصلي معنا الظهر قال لا، الوقت ضيق ولا يمكنني فبعد الصلاة إن شاء الله، وهذا محروم وحرم هذا المسكين، يقول خرجنا من بيته وإذا هناك تبادل إطلاق نار فأصابته رصاصة فمات فما الحكم؟ هذا اقتنع وسعى وبحث عمن يلقنه حتى صاحبه زميله هذا لو قال له قل لا إله إلا الله، قل أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله انتهى الإشكال، لكن مثل هذا ماذا يقال فيه؟ ما نطق بالشهادتين في الظاهر أنه ليس بمسلم وأما بالنسبة لما أقدم عليه فالله يتولاه.

طالب: ..وهذا سعى وبذل الأسباب...

إيه لكنه ما نطق بالشهادتين ما نريد أن نحرمه من الجنة أو نحكم له بالنار، الله- جل وعلا- يتولاه حكم عدل لن يظلمه لكن في أحكام الدنيا ما نطق نحن ما عندنا إلى الظاهر.

وهنا مسائل تكلم فيها الفقهاء فمن صلى ولم يتكلم بالشهادتين أو أتى بغير ذلك من خصائص الإسلام ولم يتكلم بهما.

لكن لو صام يحكم بإسلامه؟ لا، لأنه كتب على الذين من قبلنا الصيام فليس من خصائص هذه الأمة لو توضأ.

طالب: ...........

مثل الصيام لأن الوضوء موجود عند من قبلنا، ومن الخصائص الغرة والتحجيل لكن أصل الوضوء موجود لأن جريجا توضأ وإبراهيم-عليه السلام-توضأ والمقصود أن هذا ليس من خصائص هذه الأمة فلا يحكم بإسلامه.

هل يصير مسلمًا أم لا؟ والصحيح أنه يصير مسلمًا بكل ما هو من خصائص الإسلام فالتوحيد أول ما يدخل به في الإسلام وآخر ما يخرج به من الدنيا كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة» فهو أول واجب وآخر واجب فالتوحيد أول الأمر وآخره أعني توحيد الإلهية فإن التوحيد يتضمن ثلاثة أنواع أحدها الكلام في الصفات والثاني توحيد الربوبية وبيان أن الله وحده خالق كل شيء والثالث توحيد الإلهية وهو استحقاقه سبحانه وتعالى أن يعبد وحده لا شريك له، أما الأول فإن نفاة الصفات أدخلوا نفي الصفات في مسمى التوحيد كالجهم بن صفوان ومن وافقه فإنهم قالوا إثبات الصفات يستلزم تعدد الواجب وهذا القول معلوم الفساد بالضرورة فإن إثبات ذات مجردة عن جميع الصفات لا يتصور لها وجود في الخارج وإنما الذهن قد يفرض المحال ويتخيله وهذا غاية التعطيل.

هل يمكن أن يتصور إنسان بدون صفات؟ يمكن أن يتصور شخص ليس له رأس وليس له عينان ولا أذنان ولا يدان ولا رجلان ولا قلب ولا صدر ولا رئة، ليس له من هذا شيء يتصور شيء بالعدم المحض هل يتصور شيء؟ لا يتصور شيء هؤلاء الذين قالوا إذا أثبتنا الصفات أثبتنا مع الله غيره فيلزم على هذا نفي الصفات، وإذا قلنا بوجود صفات وخالق وإله ورب لله صفات متعددة فقد أثبتنا معه آلهة وأربابا هذا الكلام باطل ولا يمكن أن يمشي على عاقل لكنه الضلال وقد عوقب الجهم بأمور قد ذكر الحافظ ابن حجر في كتاب التوحيد من شرح البخاري قال إن الجهم هذا غاية في الجهل، سئل عن امرأة طُلقت قبل الدخول، فقال تعتد أربعة أشهر وعشرا- نسأل الله العافية- عقوبات يعني الإنسان متى ما خالف هذا الصراط ومتى ما حاد عن السنة والكتاب يعاقب بمثل هذا وأشد، هم يظنون أن العقول تستقل بمعرفة الغيبيات هذا الكلام باطل من كل وجه، العقل محدود لا يدرك إلا ما يوصل إليه أو ما يوصله إليه الحواس، العقل بمجرده لا يدرك في الأمور العادية إلا إذا أوصلته الحواس رأى شيئا تصوره العقل، لمس شيئا، شم شيئًا، إلى آخره بما يدرك بالحواس يدركه العقل، ولا يمكن أن يحيط به، قد يدركه إدراكًا على وجه ما وليس إدراكا محيطًا من كل وجه، وما عن الله- جل وعلا- إنما يُدرك بالسمع بما جاء عنه وعن نبيه -عليه الصلاة والسلام- وهؤلاء الذين ينفون الصفات من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة وغيرهم ممن ينفي الكل أو البعض هؤلاء أمرهم عظيم وشأنهم خطير، إذا جاء الرب جل وعلا بغير صفته التي تعرف من خلال ما جاء عنه وعن نبيه -عليه الصلاة والسلام- من صفات فإن أهل السنة يقولون لست بإلهنا لأنهم يعرفون كيف يثبتون وكيف ينفون، لكن إذا جاءهم بالصفات التي وردت في الكتاب والسنة سجدوا له ما موقف الذي ينكر الصفات في هذا الموقف العظيم ماذا يصنع الذي ينكر الصفات الأمر خطير خطير جدًا، ليس بالسهل تثبت إلها وخالقا ما له صفات ثم إذا جاء بالصفات التي ذكرها في كتابه وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- وسجد له المؤمنون الموحدون الذين أقروا له بما جاء عنه وعن نبيه -عليه الصلاة والسلام- ماذا تصنع يا مسكين!! فالآثار المترتبة على إنكار الأسماء وإنكار الصفات خطيرة جدًا وبعض الناس يتساهل يقول الأشاعرة ما بيننا وبينهم إلا شيء يسير وهم من أهل السنة وكذلك الماتريدية وقرره بعض أهل العلم ممن ينتسب إلى مذهب الإمام أحمد وغيرهم كثير، لكن في شرح السفارينية ذكر أن أهل السنة والجماعة ثلاث فرق الأثرية وإمامهم أحمد بن حنبل، والأشعرية وإمامهم أبو الحسن، والماتريدية وإمامهم أبو منصور، لكن هذا الكلام ليس بصحيح الذي ينفي عن الله ما جاء عنه وعن رسوله وينفي ما جاء بالسنة يكون من أهل السنة؟! لا يمكن ويبقى أن من اعتقد شيئًا لشبهة لا بنوع معاندة أو عنده نوع شبهة لا بمعاندة فأمره أسهل من المعاند، ويبقى أن الأتباع أخف من رؤوس البدع المؤصِلين المنظرين؛ ولذلك تجد أهل العلم يتساهلون في أمر النووي أكثر مما يتساهلون في أمر الرازي يتساهلون في هذا؛ لأن النووي واضح من مؤلفاته ومن أسلوبه ومن طريقته قصد الحق والإخلاص في قصده وطلبه، لكن الرازي منظر لمذهب الأشاعرة مذهب الجبرية، يعني تفسيره طافح بهذه الأمور فأمره أشد بلا شك، وإن كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو من أهل الإنصاف يقول بعدما سئل عن أبي عبد الله الرازي ابن الخطيب قال وبعض الناس يطعن في قصده يعني إذا سمعت كلامه في تفسيره يعني هجم على قلبك أنه يقصد شيئا غير ما جاء عن الله وعن رسوله لاسيما وأنه تعرض لأئمة السنة وعلمائها أئمة الإسلام بالذم وشنّع عليهم ووصفهم بأوصاف شنيعة جدًا قبيحة لما ذكر عند قوله جل وعلا: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى:11] قال وقد صنف في أعضاء الله يعني الصفات وقد صنف للتنفير، وقد صنف في أعضاء الله شخص يدعى محمد بن إسحاق بن خزيمة ثم وصفه بأبشع الأوصاف، وشيخ الإسلام وغيره يقولون إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول صنف كتابًا سماه التوحيد والأصح والأحق أن يسمى كتاب الشرك من هذا النوع لأنه أثبت الصفات والصفات غير الموصوف عندهم، فأثبتوا إلها غير الله- جل وعلا-مثل ما أشار المؤلف رحمه الله والله المستعان، ومثل هؤلاء يعاقَبون بعدم تيسير النصوص عليهم، تجد من أصعب الأمور عليه يمكن حفظ القرآن في وقت الصبا قبل أن يدخل فيما دخل فيه مع أنه قد يعاقب بنسيانه أو نسيان كثير منه لكن السنة كيف يحفظها وهذا مذهبه؟ ما يوفق أبدا ولذا في تفسير سورة العصر في تفسير الرازي ذكر حديث امرأة جاءت بعد صلاة العصر في أسواق المدينة تبحث أين محمد أين محمد؟ فدلوها عليه فقالت شربت الخمر وزنت وجاءت بمولود وقتلته فقال لعلك لم تصلي العصر، الآلوسي نقل هذا الخبر من كتاب الرازي وقال تفرد بذكره الإمام هم يسمون الرازي الإمام إذا أطلق الإمام عند الشافعية وعند الأصوليين مقصودهم الرازي، تفرد بذكره الإمام، ولعمري أنه إمام في معرفة ما لا يعرفه أهل الحديث مدح أو ذم؟ ذم شديد يعني ما وُجد هذا الخبر إلا عنده وهذا على حساب ماذا؟ على حساب الأحاديث الصحيحة لأن من شُغل بالضعيف حرم من الصحيح من شغل بالكلام حرم من النص من شغل بالقيل والقال حرم من التوفيق وهكذا.

وهذا القول قد أفضى بقوم إلى القول بالحلول أو الاتحاد وهو أقبح من كفر النصارى فإن النصارى خصوه بالمسيح وهؤلاء عموا جميع المخلوقات.

يعني خصوه بالمسيح وكل حلول اتحاد كفر بلا شك وبلا نزاع لكن إذا خُص بشخص يعني يمكن يمشي على سُذَّجِ الناس يحيي الموتى، ويبرئ الأكمه والأبرص، يعني له شيء من الخصائص التي تجعل الناس يفتتنون به لكن من أدخل فيه الكلاب والخنازير والحشرات وكل شيء عموه بجميع المخلوقات- نسأل الله العافية- قالوا حالّ في كل شيء حتى الحشوش والقاذورات ما نزهوا الله جل وعلا عنها، فكفر النصارى وإن كان كفرا بالإجماع، ومن شك في كفر من يقول به فهو كافر عند أهل العلم، لكن يبقى أنه وإن كان كفرا لكن بعض الشر أهون من بعض، هل من يقول اتحد بالمسيح أو حل به مثل من يقول اتحد بخنزير أو حل به أو كلب؟! وكله كفر ما عندنا إشكال في هذا كفر بالاتفاق، ومع ذلك وهؤلاء يقال وهو أقبح من كفر النصارى ما قال أسهل أو أهون لا، لأن الكفر كله شنيع وهو أقبح من كفر النصارى فإن النصارى خصوه بالمسيح يقولون حل بالمسيح واتحد اللاهوت بالناسوت وهؤلاء عموا جميع المخلوقات ولم ينزهوا الله- جل وعلا- عن شيء تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا.

ومن فروع هذا التوحيد أن فرعون وقومه كاملوا الإيمان عارفون بالله على الحقيقة ومن فروع.

قد ألَّفوا في إيمان فرعون في مؤلفات، وزعم ذلك أهل الحلول والاتحاد مثل ابن عربي وابن سبعين والتلمساني وغيرهم.

ومن فروعه أن عباد الأصنام على الحق والصواب وأنهم إن..

زعموا أن إبليس مؤمن لأنه أقسم بعزة الله فهو عارف بالله جل وعلا والإيمان عندهم المعرفة.

وأنهم إنما عبدوا الله لا غيره ومن فروعه أنه لا فرق..

عباد الأصنام على الحق والصواب لأنهم عبدوا شيئًا حل به الإله فكأنهم عبدوا الإله نسأل الله العافية لأنه حالّ في كل شيء، تعالى الله عما يقولون، فهم ما عدوا الحقيقة أنهم عبدوا الله الحال في هذا المكان، عباد الأصنام الذين جاء النص بتكفيرهم وجاء الأمر بحربهم وقتالهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله هم قالوا على الحق والصواب.

ومن فروعه أنه لا فرق في التحريم والتحليل بين الأم والأخت والأجنبية ولا فرق بين الماء والخمر والزنا والنكاح الكل من عين واحدة لا، بل هو العين الواحدة.

من عين واحدة على القول بالحلول بل هو العين الواحدة هذا مذهب الاتحاد تنظر إلى أي شيء فيما عند الاتحادية هو الله، أي شيء هو الله نسأل الله العافية وعند الحلولية هذا حل به الله جل وعلا تعالى الله عما يقولون.

ومن فروعه أن الأنبياء ضيقوا على الناس تعالى الله.

المشكلة أن رؤوس هؤلاء ومن يقررون هذه الأمور ويدافعون عنها ويؤصلونها ويقررونها وينظرونها تُدَّعى فيهم الولاية وأن من يحاكم هؤلاء بالدليل بالكتاب والسنة هؤلاء عوام لا يفهمون ما قاله هؤلاء الأولياء، دراويش ما يفهمون لذلك دافعوا عن ابن عربي بكل ما أوتوا من بيان وأن غيرهم ما يفهم كلامه إذا كنت لا تفهم الكلام فكيف ترد عليه؟

ألا بذكر الله تزداد الذنوب 

 

...........................

أنت لا تدري ماذا يقصد، طيب ماذا يقصد؟ هذا تحسين ظن فقط، يقول هذا الذي يدافع عنه أنا أيضًا ما أعرف ماذا يقصد لكن ما يمكن أن يكون كلامه خطأ وهو معروف بالولاية ومعروف بالعلم ومحل ثقة عند فئام قطعان من المسلمين والله المستعان.

ألا بذكر الله تزداد الذنوب  

 

وتنطمس البصائر والقلوب   

نحن ما نفهم هذا الكلام أليس عربيا؟! ما هو مناقض لقول الله جل وعلا {أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب}[الرعد:28] ؟! سبحان الله.

ومن فروعه أن الأنبياء ضيقوا على الناس.

لكن وكما جاء في الخبر لما سأل عمر أين عقولنا لما كنا نعبد التمرة فإذا جعنا أكلناها قال أخذها باريها فيحصل من الإنسان ما هو مثل هذا أو أشد.

ومن فروعه أن الأنبياء.

والسبب الله -جل وعلا- لا يظلم {وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيد}[فصلت:46] {إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ}[النساء:40]  أنت الذي أوقعت نفسك في هذا الموقف كلما ابتعدت عن النص عوقبت ثم ازددت، ازدادت العقوبة إلى أن تجد مثل ما قال بشر، قلناه في الدرس الماضي قال: سبحان ربي الأسفل نسأل الله العافية فالإنسان عليه أن يحتاط لنفسه ويهتم لها ويكون على وجل وخوف من أن يقع في مثل هذه الأمور وهو لا يشعر.

ومن فروعه أن الأنبياء ضيقوا على الناس تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا.

الأنبياء ضيقوا على الناس يقولون اعبدوا إلهًا واحدا! الآلهة كثير، وكل شيء الحقيقة واحدة تعددت الأسماء والحقيقة واحدة هذا كلام أهل الضلال نسأل الله العافية.

وأما الثاني وهو توحيد الربوبية كالإقرار بأنه خالق كل شيء وأنه ليس للعالَم صانعان متكافئان في الصفات والأفعال وهذا التوحيد حق لا ريب فيه وهو الغاية عند كثير من أهل النظر والكلام وطائفة من الصوفية وهذا التوحيد لم يذهب إلى نقيضه طائفة معروفة من بني آدم.

أقر به المشركون الذين قاتلهم النبي -عليه الصلاة والسلام- أقروا بتوحيد الربوبية لا يزعمون أن لهم خالقا غير الله- جل وعلا- أو رازقا غير الله أو شيئا يصفون أحدًا بشيء من خصائص الربوبية كلهم معترفون به، إلا من جحده وقلبه مقر ومعترف به مثل فرعون ومثل النمرود على عهد إبراهيم عليه السلام.

بل القلوب مفطورة على الإقرار به أعظم من كونها مفطورةً على الإقرار بغيره من الموجودات كما قالت الرسل عليهم السلام فيما حكى الله عنهم {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم}[إبراهيم:10]​​​​​​​ وأشهر من عرف تجاهله وتظاهره بإنكار الصانع فرعون وقد كان مستيقنًا به في الباطل كما قال له موسى عليه السلام{لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَـؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ}[الإسراء:102].

{لَقَدْ عَلِمْتَ}[الإسراء:102] يعني عندك علم ويقين أنه ما أنزل هؤلاء إلا الله جل وعلا رب السموات والأرض، وعندك من الأدلة والبصائر ما يجعلك توقن به لكن كما جاء في الآية الأخرى {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ}[النمل:14] لأنه لا يمكن أن يقر بوجود رب وهو يدعي الربوبية، لا بد أن يجحد والله المستعان.

كما قال له موسى عليه السلام {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَـؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَافِرْعَونُ مَثْبُورًا}[الإسراء:102] وقال تعالى عنه وعن قومه: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا}[النمل:14] ولهذا قال: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِين}[الشعراء:23] على وجه الإنكار له تجاهل العارف قال له موسى: {قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِين * قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُون * قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِين * قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُون * قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُون}[الشعراء:24-28]
 وقد زعم طائفة أن فرعون سأل موسى مستفهمًا عن الماهيّة.

لا عن الذات كأنه يقول الرب موجود والله موجود الذي خلق السموات، لا يسأل عن هذا إنما سأل عن ماهيته مم هو؟! لكن هذا الكلام ليس بصحيح؛ لأن الماهية لا يعرفها ولا موسى إلا ما أخبره الله به جل وعلا لكن يبقى أن فرعون جحد بلسانه لأنه لا يمكن أن يعترف ويدعي الربوبية لا بد أن يجحد لو أثبت أن هناك ربا خالقه وخالق غيره ما قبلت دعواه أنه رب الناس ما يقبلون دعواه.

وقد زعم طائفة أن فرعون سأل موسى مستفهما عن الماهية وأن المسؤول عنه لما لم تكن له ماهية عجز موسى عن الجواب وهذا غلط وإنما هذا استفهام إنكار وجحد كما دل سائر آيات القرآن على أن فرعون كان جاحدًا لله نافيًا له لم يكن مثبتًا له طالبًا للعلم بما هيته فلهذا بيّن لهم موسى أنه معروف وأن آياته ودلائل ربوبيته أظهر وأشهر من أن يسأل عنه بما هو بل هو سبحانه أعرف وأظهر وأبين من أن يُجهل بل معرفته مستقرة في الفِطَر أعظم من معرفة كل معروف ولم يعرف عن أحد من الطوائف أنه قال إن العالَم له صانعان متماثلان في الصفات والأفعال فإن الثنوية من المجوس والمانوية القائلين بالأصلين النور والظلمة وأن العالَم صدر عنهما متفقون على أن النور خير من الظلمة وهو..

فهما غير متكافئين وإن أثبتوهما هما غير متكافئين يقول:

لك يد في الظلام منفقة              .

 

..............................              .

لك يد في الظلام منفقة              .

 

..............................              .

إلى أن قال:

...........................              .

 

مما جعل المانوية تكذبُ    .

في ادعائهم أن الظلام إله وأنه مع النار إذا كان هذا ينفق في الظلام لصار الظلام محلا ووقتا للخير وهم يقولون النور للخير والظلام للشر.

متفقون على أن النور خير من الظلمة وهو الإله المحمود وأن الظلمة شريرة مذمومة وهم متنازعون في الظلمة هل هي قديمة أو حديثة فلم يثبتوا ربين متماثلين وأما النصارى القائلون بالتثليث فإنهم لم يثبتوا للعالَم ثلاثة أرباب ينفصل بعضهم عن بعض بل هم متفقون على أن صانع العالم واحد ويقولون بسم الأب والابن وروح القدس إله واحد وقولهم في التثليث متناقض في نفسه وقولهم في الحلول أفسد منه ولهذا كانوا مضطربين في فهمه وفي التعبير..

بعض النصارى وجد في تأريخه وهو يكتب تاريخ سنة ألف يعني في نهاية طباعة كتاب قال طبع سنة ألف وثمانمائة وما أدري خمسين أو ستين من التجسد الإلهي يعني من ميلاد عيسى عليه السلام تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا.

هذا موجود ومطبوع ويوجد في المكتبات ولكنه عندنا نادر يعني ما يوجد إلا على أن تاريخه قديم وإلا هو من كتب النصارى.

وقولهم في التثليث متناقض في نفسه وقولهم في الحلول أفسد منه ولهذا كانوا مضطربين في فهمه وفي التعبير عنه لا يكاد واحد منهم يعبر عنه بمعنى معقول ولا يكاد اثنان يتفقان على معنى واحد فإنهم يقولون هو واحد بالذات ثلاثة بالأقنوم والأقانيم يفسرونها تارة بالخواص وتارة بالصفات وتارة بالأشخاص وقد فطر الله العباد.

وكفاهم عيبا تناقض قولهم ما اتفقوا على شيء أصلاً، والنصارى عموما أهل اختلاف كما ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله اجتمع عشرة من النصارى لبحث مسألة فصدروا عن أحد عشر قولاً لا يمكن أن يتفقوا على شيء؛ لأن الأصل عندهم الذس هو إثبات الرب واعتقاد وحدانيته ما اتفقوا عليه- والله المستعان- فكيف يتفقون على غيره.

وقد فطر الله العباد على فساد هذه الأقوال بعد التصور التام وفي الجملة فهم لا يقولون بإثبات خالقين متماثلين والمقصود هنا أنه ليس في الطوائف من يثبت للعالم صانعين متماثلين مع أن كثيرا من أهل الكلام والنظر والفلسفة تعبوا في إثبات هذا المطلوب وتقريره ومنهم من اعترف بالعجز عن تقرير هذا بالعقل وزعم أنه يتلقى من السمع والمشهور عند أهل النظر إثباته بدليل التمانع وهو أنه لو كان للعالم صانعان فعند اختلافهما.

هذا الدليل العقلي على إثبات الرب الواحد، إثبات توحيد الربوبية لكن مادام عندنا الدليل السمعي الذي جاء عن الله جل وعلا لا نحتاج إلى مثل هذا إلا في العاضد وفي محاجّة من لا يتدين بالسمع بالدليل السمعي نحتاج إلى الدليل العقلي، وإلا فالأصل أننا لا نحتاج إليه؛ ولذا السواد الأعظم من المسلمين حتى كثير ممن ينتسب إلى العلم لا يعرف دليل التمانع.

لو كان للعالم صانعان فعند اختلافهما مثل أن يريد أحدهما تحريك جسم والآخر تسكينه أو يريد أحدهما إحياءه والآخر إماتته فإما أن يحصل مرادهما أو مراد أحدهما أو لا يحصل مراد واحد منهما والأول ممتنع لأنه يستلزم الجمع بين الضدين.

نعم لأنه يريد أحدهما ضد ما يريده الثاني فحصول الأمرين ممتنع لأنه جمع بين الضدين.

والثالث ممتنع لأنه يلزم خلوّ الجسم عن الحركة والسكون.

نعم إذا أراد أحدهما تحريك جسم والثاني تسكينه وقلنا إنه لم يحصل مراد واحد منهما ما حصل لا حركة ولا سكون وش يصير؟ ممتنع بلا شك لأن نفي النقيضين ممتنع كإثباتهما.

والثالث ممتنع لأنه يلزم خلو الجسم.

لكن هل هذه الأمور من باب الضد أو من باب النقيض؟

طالب: في الذات الواحدة أو من باب النقيض؟

كيف؟

طالب: يعني لا يمكن أن يكون متحركا وساكنا.

هل الحركة والسكون والإحياء والإماتة من باب الضد أو من باب النقيض؟ إذا قلنا من باب الضد قلنا لا يرتفعان ولا يجتمعان لكن يمكن أن يرتفعا ويحل محلهما شيء ثالث كالسواد والبياض لا يمكن أن يكون المحل في وقت واحد أبيض أسود لكن يمكن أن يرتفع السواد والبياض ويحل لون ثالث يكون أخضر مثلاً أو أحمر هذا الضد بينما النقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان فهل الذي معنا من باب الضد أو من باب النقيض؟

طالب: النقيض..

هو قال في الأول لأنه يستلزم الجمع بين الضدين وأما الثالث فممتنع لأنه يلزم خلو الجسم عن الحركة والسكون ولا شك أن هذا من باب النقيض وإلا لو كان من باب الضد لكان التزام هذا اللازم ما فيه شيء يحل شيء ثالث بدل الحركة والسكون، فالذي يظهر أنهما من باب النقيض وقوله أنه يستلزم الجمع بين الضدين يتسامحون في تسميته ضدا أو نقيضا في باب الاجتماع؛ لأن المؤدى واحد النقيضان لا يجتمعان والضدان لا يجتمعان لكن في باب الارتفاع الضدان يمكن أن يرتفعا ولكن النقيضين لا يمكن أن يرتفعا معًا.

والثالث ممتنع لأنه يلزم خلو الجسم عن الحركة والسكون وهو ممتنع ويستلزم أيضًا عجز كل واحد كل منهما والعاجز لا يكون إلهًا وإذا حصل مراد أحدهما دون الآخر كان هذا هو الإله القادر والآخر عاجزًا.

الإلهَ الإلهَ.

كان هذا هو الإلهَ القادر والآخر عاجزًا.

لأن هو هذه ضمير فصل لا محل له من الإعراب كما في قوله جل وعلا:{كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ}[المائدة:117]​​​​​​​.

أحسن الله إليك.

والآخر عاجزًا لا يصلح للإلهية وتمام الكلام على هذا الأصل معروف في موضعه وكثير من أهل انظر يزعمون أن دليل التمانع هو معنى قوله تعالى لو كان فيهما آلهة.

قف على هذا.

أحسن الله إليك.

 

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك...

"