قد جرى العرف عند أهل العلم أنه يقال بالنسبة لله -جل وعلا-: (عزّ وجلّ)، ولا يقال للنبي -عليه الصلاة والسلام-: (عزّ وجلّ)، وإن كان عزيزًا جليلًا، وبالنسبة للنبي -عليه الصلاة والسلام- أنه يقال كما أمر الله -جل وعلا-: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: ٥٦]: (صلى الله عليه وسلم) أو (عليه الصلاة والسلام)، وبالنسبة للصحابة: الترضي عنهم، كما جاء بذلك نصوص الكتاب والسنة: {رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ} [التوبة: 100]، وبالنسبة لمن دونهم الترحم فيقال: (الإمام أحمد رحمه الله)، (الإمام الشافعي رحمه الله)، هذا عُرف عند أهل العلم جروا عليه، لكننا نجد في استعمالات العلماء أحيانًا الترضي عن أئمتهم ومتبوعيهم، فتجد الشافعية يقولون: (قال الشافعي رضي الله عنه) والحنفية: (قال أبو حنيفة رضي الله عنه) وهكذا، يترضون عن أئمتهم مخالفين بذلك ما جرى عليه العرف، وأن الترضي خاص بالصحابة، والصلاة خاصة بالنبي -عليه الصلاة والسلام-.
وجاء من النصوص ما يدل على جواز الصلاة على غير الأنبياء كما في قوله -عليه الصلاة والسلام-: «اللهم صل على آل أبي أوفى» [البخاري: 1497]؛ امتثالاً لقوله -جل وعلا-: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: ١٠٣]، فقال: «اللهم صل على آل أبي أوفى»، هذا إذا كان على سبيل الاستقلال مخالفًا للعرف، ولا شك أن بعضهم يطلق الكراهة وبعضهم يجزم بالمنع، ولكن النصوص دلت على الجواز في مثل ما ذكرناه، لاسيما إذا كان في نفس الظرف جاء بصدقته وزكاته ممتثلًا لأمر الله -جل وعلا- فلا مانع من أن يقتدي وليّ الأمر الذي يأخذ الزكاة به -عليه الصلاة والسلام- ويقول مثل ما قال لابن أبي أوفى، هذا إذا كانت على سبيل الاستقلال، أما على سبيل التبع فلا خلاف في جواز ذلك، فيقال: (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم)، لا يختلف أهل العلم في جواز ذلك على سبيل التبع، والخلاف إنما هو إذا صلى على غير النبي أو على غير الأنبياء على جهة الاستقلال، وامتثال الصلاة الوارد الأمر بها في سورة الأحزاب إنما يتم بقول من ذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- أو ذُكر عنده أن يقول: (صلى الله عليه وسلم)، وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية: (هل يجوز أن يصلى على غير النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقال: اللهم صل على فلان؟ فأجاب –رحمه الله-: الحمد لله، قد تنازع العلماء: هل لغير النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يصلي على غير النبي -صلى الله عليه وسلم- مفردًا؟ على قولين: أحدهما: المنع، وهو المنقول عن مالك والشافعي واختيار جدي أبي البركات. والثاني: أنه يجوز، وهو المنصوص عن أحمد واختيار أكثر أصحابه: كالقاضي وابن عقيل والشيخ عبد القادر -يعني الجيلاني-. واحتجوا بما روي عن علي أنه قال لعمر: "صلى الله عليك". واحتج الأولون بقول ابن عباس: "لا أعلم الصلاة تنبغي من أحد على أحد إلا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-". وهذا الذي قاله ابن عباس قاله لما ظهرت الشيعة وصارت تظهر الصلاة على علي دون غيره، فهذا مكروه منهي عنه كما قال ابن عباس. وأما ما نقل عن علي -في قوله لعمر: "صلى الله عليك"- فإذا لم يكن على وجه الغلو وجعل ذلك شعارًا لغير الرسول فهذا نوع من الدعاء، وليس في الكتاب والسنة ما يمنع منه، وقد قال تعالى: {هو الذي يصلي عليكم وملائكته} [الأحزاب: ٤٣]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ما لم يُحدث»، وفي حديث قبض الروح: «صلى الله عليك وعلى جسد كنتِ تعمرينه». ولا نزاع بين العلماء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي على غيره كقوله: «اللهم صل على آل أبي أوفى»، وأنه يصلي على غيره تبعًا له كقوله: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد»)، وجاء ذلك في الصلاة الإبراهيمية في آخر الصلاة.
وقال شيخ الإسلام في موضع آخر: (وذهب الإمام أحمد وأكثر أصحابه إلى أنه لا بأس بذلك -الصلاة على غير النبي-؛ لأن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال لعمر بن الخطاب: "صلى الله عليك" وهذا القول أصح وأولى، ولكن إفراد واحد من الصحابة والقرابة كعلي أو غيره بالصلاة عليه دون غيره مضاهاة للنبي -عليه الصلاة والسلام- بحيث يجعل ذلك شعارًا معروفًا باسمه هذا هو البدعة)، ولذلك تجدون في شروح الأحاديث في الكتب التي تأثر أصحابها ببعض المذاهب البدعية تجدهم إذا ذُكر أبو بكر يقولون: (رضي الله عنه)، وإذا ذُكر عمر يقولون: (رضي الله عنه)، وإذا ذكر غيرهما من الصحابة قد لا يترضون عنهم، وإذا ذُكر علي قالوا: (عليه السلام)، وقد يقولون: (كرم الله وجهه)، فتخصيصه من بين أصحابه الذين فيهم من هو أفضل منه كأبي بكر وعمر وعثمان، وكون ذلك ديدن هذا الشخص هذا هو الذي يدخل في حيّز البدعة، لكن الأصل الجواز وينبغي ألا يُتخذ ذلك شعارًا.