الاستكثار من نوافل الصلاة

Question
بعد الأذان وقبل الفريضة أتسنن ثمانيَ ركعات في الظهر والعصر والعشاء، وقبل المغرب أصلي أربعًا، وقبل الفجر أيضًا أصلي أربعًا، وبعد كل فريضة أصلي في المنزل ما شاء الله عدا الفجر، وفي يوم الجمعة أذهب للجامع مبكرًا وأصلي ما شاء الله، وأقرأ من المصحف بالترتيب الذي أنا أقرؤه في ختم المصحف، فهل فعلي هذا صحيح أم أكون مخطئًا، إذ إن بعض الإخوة يسألني ما الدليل على صلاتي وقراءتي من المصحف، عسى ألا تكون بدعة، أفيدوني ودلوني؟
Answer

الصلاة من أفضل الأعمال وخير مستكثر منه، فيستكثر الإنسان من هذه الصلاة، ويحرص على ما افترض الله عليه، ثم يأتي بالرواتب المكملة لهذه الصلوات، ففي الحديث الصحيح أنه إذا وُجد نقص في صلاة المرء قال الله -جل وعلا-: «انظروا هل لعبدي من تطوع» [أبو داود: 864]، فيكمل بها هذا النقص، ويرفأ الخلل الحاصل من التقصير في الفريضة من هذه النوافل، لكن هناك نوافل رواتب محددة لا يُزاد عليها: أربع قبل الظهر واثنتان بعدها، واثنتان بعد المغرب، واثنتان بعد العشاء، واثنتان قبل الصبح، فإذا صلى هذه الرواتب وأراد أن يزيد من النفل المطلق ما شاء فله ذلك ما لم يكن في وقت نهي، وما قبل صلاة الصبح كما هو معلوم وقت نهي، فيُميّز الأربع قبل الظهر ثم بعد ذلك يتنفل بما شاء بين الأذان والإقامة، ثم بعد الصلاة يصلي الركعتين الراتبة، ثم بعد ذلك إذا أراد أن يتنفل ما بين صلاة الظهر وبين العصر من الركعات المطلقة فهذا مأثور عن جمع من السلف أنهم يكثرون من النوافل، وقبل العصر أربع وليست من الرواتب وجاء الحث عليها «رحم الله امرءًا صلى قبل العصر أربعًا» [أبو داود: 1271]، وقبل المغرب يشمله «بين كل أذانين صلاة» [البخاري: 627]، فيصلي، وقد جاء الأمر بذلك أي: بالصلاة قبل المغرب وفي الثالثة قال النبي -عليه الصلاة والسلام- «لمن شاء» [البخاري: 1183]، وإذا أذن المغرب كان الصحابة –رضي الله عنهم- يبتدرون السواري يصلون [البخاري: 625]، لكنها ليست من الرواتب، فيصلي ما شاء الله له نفلاً مطلقًا وله أجره، وبعد المغرب يصلي الركعتين الراتبة -راتبة المغرب-، وإذا أراد أن يتنفل نفلاً مطلقًا بعد ذلك إلى صلاة العشاء فأجره على الله، وليس فيه إشكال، لكن لا يتعبّد بعدد معيّن في غير ما حُدد له شرعًا، ولا يَلتزم بهذا العدد، إلا فيما حُدَّ شرعًا، وقبل الصبح يصلي ركعتين ولا يزيد عليهما؛ لأنه وقت نهي، وإذا صلى في بيته راتبة الصبح واضطجع اقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام- ثم خرج إلى المسجد ووجد الصلاة قد أُقيمت فيصلي الفريضة مع الناس، وإذا وجد الصلاة باقي على إقامتها وقت فإن صلى ركعتين بنية تحية المسجد فلا بأس -إن شاء الله تعالى-؛ لأن الوقت موسع، وأمره سهل ما قبل الصلاة، وإن كان داخلًا في وقت النهي، فبعد أذان الصبح يصلي راتبة الصبح ولا يزد عليهما إلا إذا دخل المسجد قبل الإقامة فإنه وقت موسع يجوز له أن يصلي تحية المسجد.

وإذا أراد مثلًا أن يتنفل بعد صلاة الظهر نفلًا مطلقًا فإنه ينوي ركعتي الراتبة أولًا ثم بعد ذلك يتنفل بما شاء، لكن لا يلتزم كل يوم في هذا الوقت بعدد معين، فلا يتعبد بعدد لم يحدده الشارع.

بقي من سؤال السائل: القراءة من المصحف، يقول: إنه بعدما يتنفل بما شاء يقرأ من المصحف إذا جاء إلى صلاة الجمعة مبكرًا، فيتنفل ثم يجلس ينتظر الخطيب ويقرأ من المصحف، لا مانع من أن يقرأ من المصحف ولو كان يصلي، لا مانع من ذلك، يقرأ من المصحف سواء كان يصلي أو جالسًا ينتظر الصلاة، وبعض العلماء -وإليه ميل الإمام أحمد- على أن القراءة من المصحف أفضل من القراءة عن ظهر قلب، فيحرص على أن يقرأ من المصحف، وإذا قرأ من ظهر قلب فأجر الحروف يثبت له في الحالتين -إن شاء الله تعالى-، وإذا قرأ على الوجه المأمور به بالتدبر والترتيل فأجره عند الله -جل وعلا- عظيم جدًّا، وهو قدر زائد على أجر الحروف.

والبعض الآن يقرأ من الأجهزة الحديثة فيحصل بذلك المطلوب، لكن هجر المصاحف والاعتماد على هذه المحدثات -وإن كان يتم بها المطلوب- هو خلاف الأصل، ومع ذلك لا يُثرَّب على من قرأ فيها؛ لأنه يحصل بها المقصود.