شرح كتاب الإيمان من صحيح مسلم (04)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فيقول الإمام مسلم- رحمه الله تعالى- فيما ترجم له الإمام النووي- رحمه الله- في باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العِظَام" قال مسلم- رحمه الله- "حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير الهمْداني" والهمْداني هذه النسبة إلى همْدان تختلف عن النسبة إلى همَذان، والرواة في الصحيحين كلهم على النسبة الأولى بإسكان الميم وبالدال المهملة، "قال حدثنا أبو خالد يعني سليمان بن حيّان الأحمر" وقوله يعني أنها من مزيده- رحمه الله- مسلم يعني، يقول الإمام مسلم حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير الهمداني يذكر من اسم شيخه ونسبه وكنيته وما يريد من بيان حاله على ما شاء؛ لأنه يحكي من نفسه، لكن في شيخ شيخه لا يزيد على ما ذكره شيخه، وإن أراد الزيادة بيّن أنها مزيدة من قِبَله، وكثيرًا ما يبين الإمام مسلم نسب شيخ شيخه بقوله يعني، والإمام البخاري كثيرًا ما يقول وهو فلان بن فلان، هو ابن فلان، حدثني محمد هو ابن فلان ليبين بهذا الضمير أنه هو الذي زاد في نسب شيخ شيخه مما لم يذكره شيخه، والإمام مسلم هنا يقول "حدثنا أبو خالد" يعني ما قال له محمد بن عبد الله بن نمير قال حدثنا أبو خالد فقط، فزاد مسلم اسمه ونسبه فقال يعني سليمان بن حيّان الأحمر "عن أبي مالك الأشجعي" وكناه هنا بأبي مالك الأشجعي وسماه في الطريق الثاني قال حدثنا سعد بن طارق هو أبو مالك" الأشجعي "عن سعد بن عبيدة عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «بني الإسلام على خمسة»" يعني في بعض الألفاظ "خمسة" بالتذكير يعني أركان، وفي بعض الألفاظ وسترد في هذا الباب " على خمسٍ" يعني خصال أو دعائم أو قواعد كما هو معلوم في تذكير العدد وتأنيثه أنه يخالف المعدود خمسة، يعني أركان خمس، يعني دعائم أو قواعد أو خصال "على أن يوحَّد الله" وذكرنا سابقًا في النصوص يُذكر العدد إجمالاً ثم يُفصل، وفائدة ذكر العدد ضبط المعدود وضبطه عند التحديث به وعند مراجعته، يعني من يحفظ الحديث لولا أنه جيء بالعدد إجمالاً لا يبعد أن ينسى خصلة لأنه لا يوجد ما يدل عليها، لكن إذا قيل: "«بني الإسلام على خمسة»" فإذا عددها الراوي أو الحافظ ونسي واحدة ويعدها بأصابعه راجع، ما يترك ما نسيه يرجع إليه لأن العدد نقص "«على أن يوحد الله»" في الرواية الأخرى «على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله» ومعناه أن يُوحد الله هي كلمة التوحيد «وإقام الصلاة» هذا الركن الثاني، أما الركن الأول فلا إسلام لمن لم ينطق بالشهادة «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله»، وأما الركن الثاني وهو آكد الأركان بعد الشهادتين فهو الصلاة، والعلماء يذكرون كفر تارك الصلاة إما جحدا فهذا إجماع، وإما تهاونًا وكسلاً فقال به جمع من أهل العلم وهو المرجح للأدلة الصحيحة الصريحة «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر» «بين العبد وبين الشرك ترك الصلاة» "«وإقام الصلاة»" إقام الصلاة تقويمها وإقامتها واستقامتها على ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في قوله: «صلوا كما رأيتموني أصلي» ما قال أداء الصلاة أو الصلاة فقط، ونصوص الكتاب والسنة تنص على إقامة الصلاة وهذا قدر زائد على مجرد أدائها على أي وجه، فلا بد من إقامتها بما تشتمل عليه من شروط وأركان وواجبات وسنن، لكن معلوم أن كل شيء له حكمه فالشروط لها أحكامها، والأركان لها أحكامها، والواجبات لها أحكامها وكذلك السنن والمندوبات، "«وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة»" إيتاء يعني إعطاء الزكاة لمن يستحقها بشروطها المعروفة: إذا اكتمل النصاب وحال الحول وجبت الزكاة للأصناف الثمانية المفصلة في قوله- جل وعلا-: {۞ إِنَّمَا ٱلصَّدَقَٰتُ لِلۡفُقَرَآءِ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱلۡعَٰمِلِينَ عَلَيۡهَا } التوبة: ٦٠  إلى آخرها الثمانية، والزكاة الركن الثالث وهي آكد الأركان بعد إقام الصلاة وهي قرينتها في كثير من النصوص؛ ولذا قال أبو بكر- رضي الله عنه وأرضاه- "والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة "«وإيتاء الزكاة وصيام رمضان والحج»" الصيام هو الركن الرابع والحج هو الركن الخامس على خلاف في الروايات التي يأتي التنبيه عليها فالمتفق عليه من حديث ابن عمر في البخاري ومسلم تقديم الحج على الصيام وعلى هذا بنى الإمام البخاري ترتيب كتابه فقدم المناسك على كتاب الصوم، وجمهور أهل العلم على تقديم الصيام وسيأتي ما قيل في التقديم والتأخير في هذا النص، المقصود أن الأركان الأربعة العملية المرجح في الصلاة أن تاركها كافر، وأما الزكاة والصيام والحج قيل بكفره وهو الرواية عند الحنابلة وقول عند المالكية، والجمهور على أنه لا يكفر إذا اعترف بالوجوب، اعترف بوجوب الزكاة، اعترف بوجوب الصيام، اعترف بوجوب الحج لا يكفر وإن أتى موبقة من الموبقات وعظيمة من عظائم الأمور، وجاءت النصوص الشديدة في ترك الزكاة، وأيضًا في ترك الصيام، وكذلك في ترك الحج "فقال رجل لابن عمر" ابن عمر رتب هكذا صيام رمضان والحج قدم الصيام على الحج، قالوا إن هذا الرجل اسمه يزيد بن بشر السَكسكي، "فقال رجل الحج وصيام رمضان" يعني قدم الحج كأنه يذكر ابن عمر؛ لأن ابن عمر رواه في مناسبات بتقديم الحج على الصيام، وخرجه الإمام البخاري على هذا الترتيب الحج وصيام رمضان، قال هذا الرجل يزيد بن بشر السكسكي "الحج وصيام رمضان قال لا" يقول ابن عمر: "لا، «صيام رمضان والحج» هكذا سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" طيب أنت يا ابن عمر يا أبا عبد الرحمن غفر الله لك ولوالديك رويته لنا في مناسبات بتقديم الحج على الصيام وهنا ترد على من رد عليك؟! كأن ابن عمر رواه على الوجهين: مرة من سمعه من النبي -عليه الصلاة والسلام- بتقديم الصيام، ومرة بتقديم الحج وأن الأمر في هذا سعة، وأن الواو لا تقتضي ترتيبًا وأراد أن يؤدب هذا المعترض الذي يرد وهو لا يعرف حقيقة الحال، ومنهم من يقول أن ابن عمر نسي ما رواه سابقًا وتذكر هذا الترتيب ونسي الترتيب الأول فرد على هذا الرجل المعترض، وعلى كل حال الروايات كلها صحيحة وهي في الصحيحين تقديم الحج على الصيام في الصحيحين في البخاري ومسلم وتقديم الصيام على الحج في صحيح مسلم وغيره والأمر فيه سعة وكلها أركان "هكذا سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحدثنا سهل بن عثمان العسكري قال حدثنا يحيى بن زكريا قال حدثنا سعد بن طارق" هو أبو مالك الأشجعي الذي جاء ذكره في السند السابق "قال حدثني سعد بن عبيدة السلمي عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «بني الإسلام على خمس» في الرواية الأولى «على خمسة» وهنا قال "«على خمس على أن يعبد الله على أن يعبد الله»" وهناك قال «على أن يوحّد الله» وسيأتي قوله «بني على خمس شهادة أن لا إله إلا الله» وكلها بمعنى واحد { وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ } الذاريات: ٥٦  أي يوحدون ولا شك أن التوحيد أهم ما يُطلب من المسلم لا تصح أي عبادة من غير موحد "«بني الإسلام على خمس على أن يعبد الله ويكفر بما دونه»" يعني بما سواه "«وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان»" هنا في هذه الرواية قدم الحج على الصيام قال رحمه الله "حدثنا عبيد الله بن معاذ" هو العنبري قال "حدثنا أبي قال حدثنا عاصم وهو ابن محمد.. عاصم ابن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن أبيه.." عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر "عن أبيه قال قال عبد الله قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «بني الإسلام على خمسة أو على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان» قال "وحدثني ابن نمير" السابق محمد بن عبد الله بن نمير الهمْداني حدثني ابن نمير "قال حدثنا أبي قال حدثنا حنظلة قال سمعت عكرمة بن خالد يحدث طاووسًا" وهو ابن كيسان "أن رجلاً قال لعبد الله بن عمر ألا تغزو؟" ألا تغزو؟ يعرض على عبد الله بن عمر الغزو ألا تغزو؟ ومعلوم ما ورد في الجهاد وفضله وأنه ذروة سنام الإسلام ابن عمر كأنه ما غزا في وقت الحديث حينما عرض عليه ألا تغزو؟ "فقال ابن عمر إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن الإسلام بني على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وحج البيت»" وهو بمعنى ما سبق وكون ابن عمر يسوق الحديث جوابًا لمن عرض عليه الغزو يصلح أن يكون جوابًا؟ لو قيل لواحد لماذا لا تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر يصح أن يقول بني الإسلام على خمس؟ يعني كون الغزو ليس بركن من أركان الإسلام كون الأمر بالمعروف ليس بركن من أركان الإسلام يعني أنه يجاب بهذا الجواب؟ نعم الغزو ليس بركن من أركان الإسلام لكن الجواب يحتاج إلى جواب يحتاج إلى أن نجيب عن قول ابن عمر إما أن الحاجة ليست داعية أو أن الجهاد غير متعيّن أو ابن عمر عنده ظرف يمنعه من الجهاد في هذا الوقت وقد قيل وقد قيل إن الجهاد سقط بفتح مكة وقد قيل إن الجهاد سقط بعد فتح مكة ونُسب هذا القول لابن عمر والثوري وابن سيرين وسحنون من المالكية بعد فتح مكة ما فيه جهاد يلزم إلا في حالات إذا نزل العدو في بلد التي يتعين فيها أو استنفره الإمام أو وجد بين الصفين حينئذٍ لا يجوز له أن يتولى عن الزحف يعني في الحالات الثلاث يتعين الجهاد وإذا كان المقصود بالجهاد الذي سقط بعد فتح مكة جهاد العين فرض العين وأنه لا يتعين إلا في الحالات الثلاثة هذا الكلام صحيح أما أن يسقط الجهاد من أصله هذا الكلام ليس بصحيح ولا إخاله يثبت عن ابن عمر ولا عمن ذكر معه إلا أنهم يريدون به كونه فرض عين والعلماء يذكرون الحالات الثلاث وأنها يتعين فيها الجهاد إذا دهم العدو البلد أو استنفره الإمام أو وجد بين الصفين وجد في المعركة لا يجوز له أن يفر ويتولى عن الزحف وإذا استنصره من دُهم بلده تعين عليه { وَإِنِ ٱسۡتَنصَرُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيۡكُمُ ٱلنَّصۡرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوۡمِۭ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُم مِّيثَٰقٞ }الأنفال: ٧٢  ويقول ابن العربي في آخر سورة الأنفال من أحكام القرآن يقول إذا استنصره من ظُلم ودُهم ودهمه العدو وجب على المسلمين النصر ولو لم يبق في المسلمين عين تطرف هكذا قال ابن العربي لأنه كونه يسلَم المسلم لغيره من الكفار هذا معناه أن الأمة تنتهي بهذه الطريقة وعلى كل حال الجهاد باقٍ إلى قيام الساعة وهو مصدر عز الأمة وما ضربت الذلة على الأمة إلا بعد أن تركت الجهاد في سبيل الله كما في الحديث المُصحَح من قبل جمع من أهل العلم «إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم بأذناب البقر وتركتم الجهاد في سبيل الله ضرب الله عليكم ذلاً لا يرجعه إلا أن تعودوا» فالجهاد باقي إلى قيام الساعة لكن الجهاد لا شك أن له ظروفه وأحواله وشروطه هذه أمور مقررة في كتب أهل العلم وجاءت بها النصوص ألا تغزو؟ فقال إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول «إن الإسلام بني على خمس» بعضهم يقول إن الجهاد هو جهاد الدفع فقط لا جهاد الطلب ومعلوم أن المقرر في كتب أهل العلم أن الجهاد ينقسم إلى القسمين الطلب والدفع والصحابة ما جلسوا في المدينة أو في مكة أو في أماكنهم إلى أن جاءهم العدو هم ذهبوا لطلب العدو في بلاد فارس والروم وفتحوا الأمصار وماذا يعني فرض الجزية يعني ننتظر إلى أن يأتوننا في بلداننا ونفرض عليهم جزية؟! ما قال بهذا أحد ولكن الظروف لها أحكامها يعني في وقت الضعف ضعف الأمة لا نستطيع أن نغزو أحد ولا يعني أننا نلغي الحكم الشرعي الحكم الشرعي باقي وتطبيقه وتنفيذه عند القدرة عليه وحديث ابن عمر موافق لما تقدم من حديث أبي هريرة وحديث عمر في قصة جبريل حينما جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وسأله عن الإسلام ففسره بالأركان الخمسة ثم بعد هذا فيما ترجم عليه النووي رحمه الله بباب الأمر بالإيمان بالله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وشرائع الدين والدعاء إليه والسؤال عنه وحفظه وتبليغه من لم يبلغه قال رحمه الله "حدثنا خلف بن هشام" حدثنا خلف بن هشام "قال حدثنا حماد بن زيد عن أبي جمرة" نصر بن عمران الضبعي أبو جمرة اسمه نصر بن عمران الضبعي ولا يوجد جمرة ولا أبو جمرة في الصحيحين بهذا اللفظ إلا هذا الرجل بالجيم والراء وأما من عداه فكلهم أبو حمزة أو حمزة "قال سمعت ابن عباس.." أبو جمرة "قال سمعت ابن عباس.." ابن عباس عرض على أبي جمرة نصر بن عمران الضبعي عرض عليه أن يبقى عنده ويترجم له يترجم بين يديه يترجم بين يديه والترجمة الأصل فيها أن تكون نقل الكلام من لغة إلى لغة ولكنه إنما يبلغ كلامه باللغة نفسها قال بعضهم إن أبا جمرة يعرف لغة فارس ويترجم لمن يرد ويأتي ليسأل ابن عباس من الفرس ولكن الأكثر على أنه يبلغ كلام ابن عباس بنفس اللغة العربية التي هي لغة ابن عباس وهو بمثابة من من عُرف عند أهل الحديث بالمستملي بالمستملي الذي قامت المكبرات مقامه الآن تكثر الجموع كما هنا والصوت لا يُبلغ فيتخذ المحدث المستملي وقد يحتاج إلى أكثر من واحد لأن الصوت لا يبلغ الآخذ إذا كثرت الجموع فإذا حدث بشيء بلغه المستملي الذي بينه وبينه مسافة بحيث يسمع كلامه إلى من لا يسمع كلام الشيخ هذا يسمونه مُستملي ويشترطون فيه أن يكون فهما حاذقًا وذكر العلماء في كتب المصطلح نوادر لبعض المستملين المغفلين يرجع إليها في كتب المصطلح فعلى هذا لا بد أن يكون هذا المستملي أو المترجم نبيها وعلى أن يكون ثقة لا يغير ولا يحرف وهذا أيضًا يشترط في المترجم من لغة إلى أخرى لا بد أن يكون ثقة لأنه قد يغير كلام المتكلم بما لا يراه المتكلم واشترط بعضهم العدد ولا يكفي مترجم واحد لأنه بمثابة الشهادة ولكن صنيع ابن عباس يدل على أن الواحد يكفي إذا كان ثقة لأنه في حكم المُخبر والمخبر خبر الواحد مقبول بالاتفاق "عن أبي جمرة قال سمعت ابن عباس ح وحدثنا" وعرفنا الحاء هذه حاء التحويل من إسناد إلى آخر "وحدثنا يحيى بن يحيى" التميمي وهو غير يحيى بن يحيى الليثي راوي الموطأ واللفظ له وهذه عادة الإمام مسلم أنه ينبه على صاحب اللفظ ينبه على صاحب اللفظ وهذا من دقته وتحريه الإمام البخاري ما ينبه على صاحب اللفظ وهذه المسألة أشرنا إليها في دروس سابقة وقلنا أن هذا لا يعني أن الألفاظ ألفاظ الأحاديث ومتون الأحاديث في صحيح مسلم أدق منها في صحيح البخاري لأن مسلم يعنى بألفاظ شيوخه أما من فوقهم ما يدري عن ألفاظهم لاسيما وأن الرواية بالمعنى جائزة عند جماهير أهل العلم فيمكن أن يكون شيخ شيخه ممن روى الحديث بالمعنى فيتفق في هذا مع البخاري مع أن الحافظ ابن حجر يقول ظهر لي بالاستقراء أن البخاري إذا روى الحديث عن شيخين فاللفظ للآخر منهما للأخير وحدثنا يحيى بن يحيى واللفظ له "قال أخبرنا عباد بن عباد عن أبي جمرة عن ابن عباس قال قدم وفد عبد القيس على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" قدموا عليه من شرق الجزيرة من جهة البحرين والبحرين أعم من أن يكون القطر أو الإقليم المعروف المشهور يتجاوز يشمل شرق الجزيرة كلها فقدموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قدم وفد عبد القيس على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "فقالوا يا رسول الله إنا هذا الحي.. إنا هذا الحي من ربيعة" إنا هذا الحيَّ منصوب على الاختصاص يعني نخص هذا الحي وأصل الحي منزل القبيلة منزل القبيلة ثم أطلق عليها على القبيلة لأن بعضهم يحيى ببعض لأن بعضهم يحيى ببعض من ربيعة "وقد حالت بيننا وبينك كفار مضر" وقد حالت بيننا وبينك كفار مضر فلا نخلص إليك إلا في شهر حرام نعم كانت الجزيرة فيها قطاع الطرق بكثرة لا يستطيع الإنسان أن يصل إلى ما يريد إلا بمشقة عظيمة وقد يصل وقد لا يصل من قطاع الطرق وهؤلاء لا يصلون لأنه حال بينهم وبين النبي -عليه الصلاة والسلام- كفار مضر ومع الأسف أن قطع الطريق إلى وقت قريب إلى أن توحدت الجزيرة على يد الملك عبد العزيز رحمه الله فالحجاج من تلك الجهات يصعب عليهم الحج عن طريق البر فكانوا يأتون عن طريق البحر في الأحساء وما جاورها يذهبون إلى البحرين ويأتون عن طريق البحر وقد نعم الناس بهذا الأمن مدة طويلة نسأل الله جل وعلا أن يديمه على الناس لأنه من أعظم نعم الله جل وعلا هذا الأمن ولكن على الناس أن يسعوا في تثبيته بالثبات على أسبابه ولا يسعوا بأنفسهم أن يعملوا ما يخل بهذا الأمن أو يفعلوا أشياء ومن أعظم ما يثبت الأمن التوحيد تقرير التوحيد الخالص { وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡـٔٗا } النور: ٥٥  "وقد حالت بيننا وبينك كفار مضر فلا نخلص إليك إلا في شهر الحرام" فلا نخلص يعني نصل إليك يخاطب النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا في شهر الحرام لأن تعظيم الأشهر الحرم معروف حتى عند الكفار حتى عند الكفار معروف تعظيم الأشهر الأشهر الحرم وهي أربعة ذو القَعدة وذو الحجة ومحرم ورجب وللناس في عدها طريقان منهم من يبدأ برجب وينتهي بالمحرم ومنهم من يبدأ بالقعدة وينتهي برجب على كل حال الأمر سهل إذا عرفت ما فيه إشكال في شهر الحرام الشهر سمي بذلك لشهرته وظهوره وشهر الحرام وفي رواية أخرى أشهر حرم قالوا إن هذا من إضافة الموصوف إلى صفته من إضافة الموصوف إلى صفته والكوفيون لا يحتاجون إلى تقدير يجيزون هذا والبصريون يقولون إن هذا لا يجوز فيحتاجون إلى تقدير شهر الحرام يعني شهر الوقت الحرام فيكون الموصوف محذوف مسجد الجامع مسجد المكان الجامع إلى آخر ما ورد من نظائر هذا وهذا مذكور في كتب النحو في الإضافة "فمُرنا بأمر نعمل به" فمُرنا بأمر نعمل به "وندعو إليه.. "فمرنا بأمر نعمل به وندعو إليه مَن وراءنا" في رواية فمُرنا بأمر نعمل به ندخل به الجنة ويكون ندخل جواب الطلب يكون مجزوم على أنه جواب الطلب إن تأمرنا نعمل أو جواب شرط مقدر والأمر لا يختلف ندعو إليه من وراءنا يعني من قومنا "قال «آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع آمركم بأربع»" يعني خصال "«وأنهاكم عن أربع»" يعني خصال "«الإيمان بالله» ثم فسرها لهم فقال «شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن تؤدوا خمس ما غنمتم»" كم عددها؟ قال أربع الإيمان بالله ثم فسرها يعني نعد الإيمان بالله؟ أو نعد التفصيل؟ "«شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن تؤدوا خمس ما غنمتم وأنهاكم عن أربع»" ثم بينها "«أنهاكم عن الدباء»" وهو القرع الدباء هو القرع وقد يقال له اليقطين هذا يُفرغ من لبه وييبس ويصير إناء إناء صلب "«والحنتم»" قالوا في معناها هي الجرار أو الجرار الخضر الجرار كلها أو الجرار ذات اللون الأخضر تستورد من مصر أو من الطائف أو منهما معًا ويستورد فيها الخمر "«والحنتم والنقير»" فعيل بمعنى مفعول منقور يؤتى إلى جذع النخلة وينقر حتى يصير كالإناء "«والنقير والمقيَّر والمقيَّر»" يعني المطلي بالقار المطلي بالقار لأن النقير إذا كان من خشب يتشرب ما يوضع فيه من سائر لكن إذا طلي بالقار أو بالزفت على ما سيأتي في قوله والمزفت لا يشرب الماء تنظرون من في الإنشاءات والعماير يطلون الجدران بالقار اللي هو الزفت الأسود يطلونها من أجل ألا تتشرب الماء "«والحنتم والنقير والمقير» زاد خلف في روايته «شهادة أن لا إله إلا الله» وعقد واحدة" مادامت أربع من أجل «شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وإقام الزكاة وإيتاء الزكاة وأن تؤدوا خمس ما غنمتم» قال رحمه الله "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى ومحمد بن بشار وألفاظهم متقاربة" يعني ما ما تستحق أن ينبَّه عليها بدقة إما بزياة حرف أو نقص حرف أو شيء لا يؤثر وإلا لو كان هناك شيء مؤثر حتى في اللفظ يبينه الإمام مسلم بدقته "قال أبو بكر حدثنا.." قد يبين ألفاظه متقاربة ومع ذلك بيّن "قال أبو بكر حدثنا غندر عن شعبة" قال أبو بكر حدثنا غندر فجاء بلقبه أبو بكر بن أبي شيبة محمد بن المثنى ومحمد بن بشار أبو بكر قال حدثنا غندر جاء بلقبه "وقال الآخران محمد" بن المثنى ومحمد بن بشار قال "وقال الآخران حدثنا محمد بن جعفر" هذا اسمه ابن أبي شيبة ذكره بلقبه غندر وهو بفتح الدال وضبطه بعضهم بضمها لكن الأكثر على أنه بفتحها وغندر لقب لقبه به شعبة لأنه كثير الحركة بالمجلس وغندر المشاغب "وقال الآخران حدثنا محمد بن جعفر" وهذا اسمه ومن دقة الإمام مسلم أنه بيّن أصحاب الألفاظ والا ما يختلف كلاهما ذات واحدة سواء سميناه باسمه أو بلقبه قال "حدثنا شعبة" وهو ابن الحجاج "عن أبي جمرة قال كنت أترجم بين يدي ابن عباس وبين الناس فأتته امرأة تسأله عن نبيذ الجر" الانتباذ في الأوعية الصلبة الجرار تسأل ابن عباس عن نبيذ الجر "فقال إن وفد عبد القيس أتوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «من الوفد؟ أو من القوم؟»" الوفد قوم من علية القوم يأتون ليقابلوا الكبراء والملوك والزعماء يوفدون من قبل قومهم "«من الوفد؟ أو من القوم؟» قالوا ربيعة قال «مرحبًا بالقوم أو بالوفد غير الخزايا ولا الندامى غير الخزايا ولا الندامى»" غيرَ منصوب على الحال والخزي والعار معروف والندم معروف أنه يأتي بعد فعل ما يذم عليه ولا الندامى يقول لا يعتريكم خزي ولا ندم إن شاء الله تعالى "فقالوا يا رسول الله إنا نأتيك من شقة بعيدة" مسافة بعيدة تشق علينا أن نتردد عليك "وأن بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر" والخزايا جمع خزيان والندامى جمع ندمان أو نادم ويكون هذا من باب الإتباع وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر "وأننا لا نستطيع أن نأتيك إلا في شهر الحرام فمرنا بأمر فصل فمرنا بأمر فصل نُخبر به من وراءنا ندخل به الجنة" نخبر به من وراءنا فنعمل به ويعمل به من وراءنا وإذا فعلنا ذلك دخلنا به الجنة "قال فأمرهم بأربع ونهاهم عن أربع قال أمرهم بالإيمان وحده وقال «هل تدرون ما الإيمان بالله؟» قالوا الله ورسوله أعلم قال «شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن تؤدوا خمسًا من المغنم شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان شهادة أن لا إله إلا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن تؤدوا خُمسًا من المغنم»" طيب هذي خمس وأمرهم بأربع قالوا أن تؤدوا خمسًا من المغنم معطوف على آمركم بالإيمان على الأصل ما هو على الفروع «بني الإسلام على خمس» وآمركم ما الإيمان أتدرون ما الإيمان؟ ثم فسره بأركان الإسلام مما يدل على أن الإسلام والإيمان شيء واحد إذا افترقا بالإمكان أن تجيب عن الإيمان بأركان الإسلام وتجيب عن الإسلام بأركانه المعروفة ومعلوم أن الإمام البخاري ومحمد بن نصر المروزي وجمع من أهل العلم يرون أن الإسلام هو الإيمان والإيمان هو الإسلام لا فرق بينهما والأكثر على أن حقيقة الإيمان تختلف عن حقيقة الإسلام في حال الاجتماع وأما في الافتراق فقد يعبّر بهذا عن هذا وبهذا عن ذاك "وأن تؤدوا خمسًا من المغنم ونهاهم عن الدباء والحنتم والمزفت" المطلي بالزفت وهو المقيّر المطلي بالقار وبعضهم يجعل القار نوع من الزفت فهو أخص منه "قال شعبة وربما قال النقير" المنقور أصل النخلة خشبة تنقر وتجعل كالإناء "وربما قال النقير قال شعبة قال المقير وربما قال المقير وقال «احفظوه وأخبروا به من وراءكم»" وقال أبو بكر في روايته أخبروا به مِن ورائكم وقال أبو بكر في روايته مَن وراءكم والمعنى واحد وإن كان مِن غير مَن "وليس في روايته المقير" طيب هذه الأشياء هذه الأواني لماذا نهي عن الانتباذ بها؟ وسيأتي الإذن بالانتباذ في الأسقية هذه الأواني صلبة وإذا وضع انتبذ فيها ووضع التمر أو العنب وصب عليه الماء وانتُظر وتغير وصار مسكر ما يُدرى لأنها ما تتأثر هذه الأوعية لصلابتها لكن الأسقية من الأدم من الجلد مجرد ما يحدث أدنى تغيير تنتفخ وإذا زاد هذا التغيير انشقت تقطعت وهذا هو السبب ثم بعد ذلك نسخ هذا الحكم «كنت نهيتكم عن الانتباذ بالأوعية فانتبذوا ما شئتم ولا تشربوا مُسكرًا» لأنه في أول الأمر في أول الأمر في تحريم الخمر قد يشرب الإنسان متذرعًا بأنه خفي عليه الأمر أو كذا لأن الخمر ما بعد نُزعت من جذور القلوب يحبونها حب شديد لكن بعد ما استقر تحريمها وألفته قلوبهم وأقلعوا عنها انتبذوا بما شئتم "وحدثني عبيد الله بن معاذ" وهو العنبري قال حدثني أبي "قال حدثنا أبي ح وحدثنا نصر بن علي الجهضمي قال أخبرني أبي" وهو علي بن نصر "قالا جميعا حدثنا قرة بن خالد عن أبي جمرة عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الحديث نحو حديث شعبة وقال «أنهاكم عما ينبذ في الدباء والنقير والحنتم والمزفت» وزاد ابن معاذ في حديثه عن أبيه قال وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- للأشج أشج عبد القيس" وهو من الوفد قال للأشج أشج عبد القيس «إن فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والأناة».

كم باقي؟ كم الساعة؟

طالب: ............

طيّب.

قال للأشج واسمه المنذر بن عائذ العصري قال له «إن فيك خصلتين» خلتين خلقين يحبهما الله ورسوله «يحبهما الله» ما هما؟ «الحلم والأناة» طيب كيف استدل على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- من اللقاء الأول أن فيه حلم وأناة قالوا إن الأشج لما وصلوا إلى المدينة بادر قومه بالدخول ولقاء النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو تأخر وربط دابته ناقته عقلها وأظهر من متاعه ثوبًا نظيفًا لم يستعجل مثل ما استعجلوا راحوا على هيئتهم بعد السفر تأخر ولبس الثوب النظيف وعقل دابته ثم قدموا على النبي -عليه الصلاة والسلام- دل هذا على على أناته والحلم الأناة يعني التروي والحلم هو العقل وقالوا أن سبب وصفه بالحلم أنه أخذ عليهم البيعة منهم وممن من وراءهم وافق كلهم على هذا قال الأشج هذا نعطيك البيعة منا لكن من وراءنا حتى نصل إليهم ونعرض عليهم ما عرضت علينا فإن وافقونا أخذنا عليهم وإن خالفونا قاتلناهم فدل هذا على إيش؟ على عقله لأن الإنسان ما يتحدث عن غيره "قال حدثنا يحيى بن أيوب قال حدثنا بن علية عن سعيد بن أبي عَروبة عن قتادة" عَروبة أبو عَروبة اسمه مهران "عن قتادة" وهو ابن دعامة "قال حدثنا من لقي الوفد الذين قدموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من عبد القيس" من لقي الوفد مبهم هذا يؤثر في سند الحديث؟ لا، لأنهم صحابة من لقي الوفد "من عبد القيس قال سعيد وذكر قتادةُ" وذكر قتادةُ أن "وذكر قتادةُ أبا نضرة" قال سعيد "وذكر قتادة أبا نضرة عن أبي سعيد" يعني ممن لقي الوفد وحدثوا حدثنا من لقي الوفد الذين قدموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من عبد القيس "وقال سعيد وذكر قتادة أبا نضرة عن أبي سعيد الخدري في حديثه هذا" وأبو نضرة اسمه المنذر بن مالك بن قِطْعة كذا ضبطه النووي وهو مضبوط في التقريب ابن قُطَعة قُطَعة بضم القاف وفتح الطاء العوقي "عن أبي سعيد الخدري في حديثه هذا أن أناسًا من عبد القيس قدموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا يا نبي الله إنا حي من ربيعة وبيننا وبينك كفار مضر لا نقدر عليك إلا في أشهر الحرم" يعني الأربعة أو في شهر الحرام مفرد مضاف يعم الأربعة يعني ليس شهر واحد وإن قال بعضهم إن المراد بالشهر الحرام رجب الذي ينسب إلى مضر يقال رجب مضر أشهر الحرم يعني الأربعة "فمرنا بأمر نأمر به من وراءنا وندخل به الجنة إذا نحن أخذنا به فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا»" وهو معنى الشهادة وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وصوموا رمضان وأعطوا الخمس من الغنائم»" ولم يُذكر الحج لأنه لم يكن فُرض وأنهاكم عن أربع عن الدباء والحنتم والمزفت والنقير» قالوا يا نبي الله ما علمك بالنقير؟" استغربوا أنه يعرف النقير "قال «بلى، جذع تنقرونه جذع تنقرونه»" جذع نخلة أو جذع أثلة شجرة كبيرة "«تنقرونه فتقذفون فيه من القطيعاء»" تقذفون تلقون وترمون من القطيعاء نوع من التمر صغار لا يروج بيعه للأكل لأن الحبة الصغيرة هذه ما هي مرغوبة عند الناس فيستعملونه في هذا لأنه أمره سهل.

المؤذن يؤذن.

نقف على قوله «وأنهاكم عن أربع وأنهاكم عن أربع».

"