شرح أبواب الصلاة من سنن الترمذي (07)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في السهو عن وقت صلاة العصر
حدثنا قتيبة قال: حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله» وفي الباب عن بريدة ونوفل بن معاوية.
حديث ابن عمر حديث حسن صحيح، وقد رواه الزهري أيضاً عن سالم عن أبيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-: باب ما جاء في السهو عن وقت صلاة العصر، الترمذي -رحمه الله- حمل حديث الباب الذي تفوته صلاة العصر على الساهي لا على المتعمِّد، وأما المتعمد فشأنه أعظم، من ترك العصر فقد حبط عمله، فالترمذي -رحمه الله- حمله على الساهي، وهل المراد بالحديث الذي تفوته صلاة العصر يعني يفوته وقت الاختيار أو يفوته وقت الاضطرار بكامله فيقضيها قضاءًا؟ يأتي الكلام فيه، إذا حملناه على الساهي والسهو عذر، والسهو والنسيان بمعنىً واحد، «من نام عن صلاة أو نسيها فليصليها إذا ذكرها لا كفارة لا إلا ذلك» على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.
المقصود أنه إذا حملناه على الساهي كما فعل الترمذي فإن المراد بهذا الخلل الذي يقع له «وكأنما وُتر أهله وماله» لما يحصل له من الأسف والأسى عند معاينة الثواب لمن صلى الصلاة في وقتها أو في أول وقتها، يلحقه من الأسف والأسى مثل أو نظير ما يلحق من فقد أهله وماله، وإذا كان هذا الأسف وهذا الأسى يلحق الساعي فما شأن العامد، ولا شك أن أمره أشد، ولذلك جاء فيه: من ترك العصر فقد حبط عمله، والعصر أمرها شديد، والتشديد فيها مع صلاة الصبح، والترغيب في فعلها في وقتها جاء في أحاديث أكثر من أن تحصر، والعصر هي الصلاة الوسطى على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى- في قول جماهير أهل العلم التي جاء التنصيص على المحافظة عليها عطفاً على العام: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى} [(238) سورة البقرة].
قال -رحمه الله-:
"حدثنا قتيبة قال: حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الذي تفوته صلاة العصر»" يقول ابن العربي في عارضته: فواتها أن يدخل الشمس صفرة، يعني ذهاب الوقت المختار مع بقاء وقت الاضطرار، ويروى عن ابن جريج كما يقول ابن العربي: إن فواتها بغروب الشمس.
"«الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وُتِر أهله وماله»" سلب أهله وماله، بقي بدون أهل ولا مال، فهل نستشعر مثل هذا إذا فاتتنا صلاة العصر؟ ذكر عن كثير من السلف أن من فاتته تكبيرة الإحرام يعاد، يمرض، فكيف بمن فاتته الصلاة مع الجماعة الواجبة أو من فاته وقت الاختيار؟ وبقي الوقت الذي جاء ذم من أخر الصلاة إليه «تلك صلاة المنافق» كما جاء في الحديث الصحيح، فكيف بمن أخرج الصلاة عن وقتها؟! وقد حكم جمع من أهل العلم أنه إذا أخرجها عن وقتها متعمداً أنه لا يصلي، ولا تنفعه لو صلى.
"«الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله»" سلب أهله وماله، فبقي وتراً فرداً، وهذا عند الترمذي على ما تقدم في الساهي غير المتعمد "«وتر أهلَه ومالَه»" ويجوز: "أهلُه ومالُه" لأن (وتر) مبني للمجهول، فالمفعول يكون نائب فاعل.
ينوب مفعول به عن فاعلِ ج |
| فيما له كنيل خير نائلِ |
الذي هو الواو هنا.
..................اضممن والمتصل |
| بالآخر اكسر في مضي كوصل |
«كأنما وتر أهلَه ومالَه» يجوز أن تقول: "وتر أهلُه ومالُه" يعني سلب الأهل والمال، أو سلب الشخصُ الأهلَ والمالَ، فنائب الفاعل إما أن يكون ضميراً يعود على الذي تفوته أو يكون نائب الفاعل الأهل والمال، يعني كما قيل: «عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه، وما حدثت به أنفسَها» أو أنفسُها، فالمتحدث هو الشخص يحدث نفسه أو أن النفس تحدثه ويجوز هذا وهذا.
"وفي الباب عن بريدة" عند البخاري "ونوفل بن معاوية" عند البخاري أيضاً، وفي الحديث التغليظ على من تفوته صلاة العصر، وأن ذلك مختص بها، جاء عند ابن حبان بلفظ: «الصلاة» بدل العصر «الذي تفوته الصلاة فكأنما وتر أهله وماله» وعلى كل حال من تفوته الصلاة فقد فاته الخير؛ لأن الصلاة عمود الدين، وماذا يدرك من فاتته الصلاة؟ وإذا قارنّا بين أمور الدنيا كلها بالصلاة فإننا نرى أنه لا نسبة بينهما «وركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها» يعني هذه المليارات التي يملكها الناس في جميع الأقطار، وهذه القصور، وهؤلاء الخدم، وهذه المركوبات، وهذه المأكولات والمشروبات كلها لا تقوم في صف ركعتي الصبح، والمراد بذلك النافلة وليست الفريضة، فماذا عن الفريضة؟! وبعض الناس إما أن يقول ذلك مازحاً ساخراً، إذا صلى شخص ركعتين وكثيراً ما يفعل هذا عند من عنده شيء من التغفيل، يقال له: هل تبيع الركعتين بألف؟ يقول: هات، هات يصلي ركعتين بدقيقتين والألف ما يدركه ولا بشهر ولا بشهرين، لا يجوز للطرفين معاً مثل هذا الكلام؛ لأن أمور الدين لا تجوز المساومة عليها ولو مازحاً، وأحياناً يسعى بعضهم في تأثيم أخيه، ويأثم معه؛ لأنه هو المتسبب كل هذا على سبيل المزاح، إذا حج، قال: تبيع الحجة بمائة ألف، يقول: هات نحج ثانية، ولا هو بشاري ولا شيء، لكن يدخل شيئاً من الخلل في قصد هذا الحاج الذي إن كان حجه مبروراً رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، ولا شك أن الندم على العبادة يعني على فعلها بعد تمامها لا يبطلها لكنه مع ذلك يخل فيها، يخل في أجرها الثابت لها، يعني لو صلى إنسان وندم أنه صلى، صام وندم أنه صام، الصلاة خلاص مضت يعني بعد الفراغ من العبادة لا يلتفت إلى الشيء، لكن مع ذلك الخلل يحصل بكونه يؤثر هذه الدنيا الفانية على دينه، وركعتا الصبح خير من الدنيا وما فيها، يعني الدنيا لو كانت تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافراً شربة ماء، وأي شيء أدنى من جناح البعوضة، لكننا لا نعرف حقيقة هذه الدنيا؛ لأن حبها أشرب قلوبنا، يعرف حقيقتها سعيد بن المُسيب هو الذي يعرف حقيقة الدنيا لما جاءه الواسطة يخطب ابنته لابن الخليفة، وقال له: يا سعيد جاءت الدنيا بحذافيرها، ابن الخليفة يطلب ابنتك، فقال له سعيد: إذا كانت الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة فما ترى أن يقص لي من هذا الجناح، ثم زوجها أحد طلابه الأشد فقراً، الذي لا يجد شيئاً البتة، والله المستعان.
"قال أبو عيسى: حديث ابن عمر حديث حسن صحيح" وأخرجه البخاري ومسلم من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر "وقد رواه الزهري أيضاً عن سالم عن أبيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-" ورواه مسلم والنسائي وابن ماجه، فالحديث مروي بأصح الأسانيد، مالك عن نافع عن ابن عمر أصح الأسانيد عند البخاري، وهذا متفق عليه بين الشيخين، رواه البخاري ومسلم، عن مالك عن نافع عن ابن عمر بأصح الأسانيد عند الإمام البخاري، ورواه مسلم من طريق الزهري عن سالم عن أبيه، وهذا هو أصح الأسانيد عند الإمام أحمد.
وخاض فيه قوم فقال مالكُ |
| عن نافع بما رواه الناسكُ |
ثم بعد ذلك قال:
وجزم ابن حنبل بالزهري |
| عن سالم أي عن أبيه البري |
هذه أصح الأسانيد.
سم.
باب: ما جاء تعجيل الصلاة إذا أخرها الإمام:
حدثنا محمد بن موسى البصري قال: حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي عن أبي عمران الجوني عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر -رضي الله تعالى عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «يا أبا ذر أمراء يكونون بعدي يميتون الصلاة فصل الصلاة لوقتها فإن صليت لوقتها كانت لك نافلة، وإلا كنت قد أحرزت صلاتك».
وفي الباب عن عبد الله بن مسعود وعبادة بن الصامت -رضي الله عنهما-.
حديث أبي ذر حديث حسن، وهو قول غير واحد من أهل العلم يستحبون أن يصلي الرجل الصلاة لميقاتها إذا أخرها الإمام، ثم يصلي مع الإمام، والصلاة الأولى هي المكتوبة عند أكثر أهل العلم، وأبو عمران الجوني اسمه عبد الملك بن حبيب.
يقول الإمام -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء تعجيل الصلاة إذا أخرها الإمام"
يعني لا ينتظر الإمام ولو كان السلطان الأعظم إذا أخرها تأخيرًا إلى الوقت الذي جاء ذم من أخر الصلاة إليه أو أخرجها عن وقتها لأنه وجد من الأمراء في أواخر القرن الأول، في أواخر عهد الصحابة من يؤخر الصلوات إلى آخر وقتها، ووجد من يخرجها عن وقتها كالحجاج، وأخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- عما سيحصل في أمته، وهذا من دلائل نبوته -عليه الصلاة والسلام-.
"باب: ما جاء في تعجيل الصلاة إذا أخرها الإمام" قال -رحمه الله-:
"حدثنا محمد بن موسى البصري" قال أهل العلم: لين، يقول ابن حجر: ليِّن، وتقدم من الرواة من قال فيه ابن حجر: مقبول، وهو اللين إذا توبع، واللين هو المقبول إذا لم يتابع، وبيّنا هذا في مناسبات كثيرة، على كل حال اللين في حيز الضعيف ما لم يتابع، فإذا وجد من يتابعه على رواية الحديث صار الحديث في مرتبة الحسن، وحكم عليه الترمذي بالحسن، لكنه مخرج في صحيح مسلم، يعني اللين هذا الضعيف إذا تُوبع وانتقل من الضعف إلى الحُسْن، هل نستطيع أن نقول: إن الحديث ينتقل أكثر من درجة ما دام.. الحديث مخرج في الصحيح، في صحيح مسلم، هل نستطيع أن نقول: إن الحديث صحيح مع أن فيه راوٍ ليِّن؟ طريق الإمام مسلم صحيح، لكن طريق الترمذي -رحمه الله تعالى- وإن حكم عليه بالحسن إلا أن فيه راوٍ لين فهو ضعيف، هذا الضعيف إذا وجد له من يتابعه على رواية..، إذا وجد لحديثه شاهد أو متابع فإنه يرتقي إلى مرتبة الحسن لغيره، ومنهم من يقول: إذا كان الشاهد أو المتابع في أحد الصحيحين فإن الحديث يرتقي أكثر من درجة فيكون صحيحاً كما قرره الحافظ ابن كثير في اختصار علوم الحديث، وأكثر أهل العلم على أنه لا يرتقي إلا درجة واحدة، يعني إذا توبع ولو كان الشاهد أو المتابع في الصحيح فإنه يكون حينئذٍ حسناً.
قال: "حدثنا محمد بن موسى قال: حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي" صدوق زاهد مشهور "عن أبي عمران الجوني" اسمه عبد الملك بن حبيب كما سيأتي في كلام الإمام الترمذي، وهو ثقة من كبار الطبقة الرابعة "عن عبد الله بن الصامت" الغفاري، ابن أخي أبي ذر، أبو ذر يكون عمه "عن عبد الله بن الصامت" وهو ثقة، عن عمه "أبي ذر" الغفاري الصحابي الزاهد المشهور، الذي ألصقت به الاشتراكية، كتب عنه كثيراً عن الاشتراكي الزاهد أبي ذر الغفاري زوراً وبهتاناً، أبو ذر لا شك أنه زاهد، ويرى أن في المال حقوق غير الزكاة، هذا رأيه، واختلف مع ولاة الأمر في وقته حتى أنه نُفي إلى الربذة، المقصود أن قوله لا يتفق مع قول الملاحدة والزنادقة الشيوعيين الاشتراكيين، وإن كان له رأي في المال يختلف فيه مع ولي الأمر، وجاء في الحديث: «ليس في المال حق سوى الزكاة» وجاء أيضاً عن عائشة: "إن في المال حقاً سوى الزكاة" ولا شك أن هناك حقوق، منها النفقات، ومنها أوقات الضرورات، وغيرها مما جاءت به النصوص من الحقوق التي في مال المسلم عليه، وهو في الأصل مال الله {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [(33) سورة النــور] نعم أبو ذر زاد على غيره ممن عاصره في وجوب الإنفاق، وأن المال لا يُدخر أكثر من الحاجة وهكذا، المقصود أن هؤلاء يتشبثون به، ويدعمون مذاهبهم الباطلة، ويلصقون به ما يوافق آراءهم، والله المستعان.
"عن أبي ذر قال: قال رسول -صلى الله عليه وسلم-" اسمه: جندب بن جنادة الغفاري "قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «يا أبا ذر أمراء يكونون بعدي يميتون الصلاة» يميتون الصلاة أي يؤخرونها عن وقتها المختار كذا قال النووي، يعني لا أنهم يخرجونها عن وقتها بالكلية، وقال ابن حجر: صح عن الحجاج أنه كان يؤخرها حتى يخرج وقتها، والحجاج معروف وضعه أنه مسرف، مسرف على نفسه في أبواب كثيرة من أبواب الدين، لا سيما الظلم وسفك الدماء، وتأخير الصلوات وغيرها، وإذلال بعض الصحابة كأنس، المقصود أن أمره إلى الله -جل وعلا-، ووجد من أهل العلم من يحكم بكفره، ومنهم من يقول: أمره إلى الله، وكيف يفعل بلا إله إلا الله، المقصود أن مثل هذا أمره إلى الله، والحافظ ابن كثير ذكر كثير من أخباره في ترجمته، وذكرنا منها ما ذكره الحافظ ابن كثير حول قراءة ابن مسعود، وأنه يود لو أنه حكها من المصحف بضلع خنزير، يعني مع اهتمامه وشدة عنايته بالقرآن، والله المستعان، فالإنسان عليه أن يحتاط لنفسه، ولا يتساهل في أمر دينه ولا يتنازل بل عليه أن يأخذ هذا الدين بقوة وحزم وعزم، ولا يتراخى؛ لأنه إذا تراخى وارتكب شيئاً من المحظورات، أو ترك شيئاً من الواجبات، ابتلي وعوقب بما هو أشد منها، ثم بعد ذلك يعاقب بما هو أشد وهكذا، إلى أن يجد نفسه قد خرج من الدين بالكلية.
وذكرنا مراراً أنه لا يتصور من عاقل فضلاً عن مسلم أن يقول: سبحان ربي الأسفل، لكن ما قالها أول كلمة قالها هذه؟ والمعاصي سبب من أسباب الاسترسال في الجرائم والمنكرات إلى أن ينسلخ المرء من دينه بالكلية
{ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ} [(61) سورة البقرة] يعني بسبب عصيانهم {وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} [(61) سورة البقرة] المقصود أن الإنسان عليه أن يأخذ في دينه بالحزم والعزم، ولا يتراخى ولا يتساهل، ولا يأخذ بالرخص، ولا يتتبع الأقوال الشاذة كما هو حاصل الآن؛ لأنه ما من مسألة إلا وفيها الأقوال التي هي عبارة عن طرفين ووسط، فيها التشديد، وفيها التسهيل الزائد، وفيها القول المتوسط التي تعضده النصوص، فإن أخذ على نفسه بالتشديد في كل شيء، يخشى عليه أن يكون...، أن يأخذ برأي الخوارج، وأن يكون متشدداً متطرفاً، وإذا تساهل وتسامح وأخذ بالطرف الآخر يخشى أن يكون مرجئاً ينسلخ من دينه وهو لا يشعر، فعليه بالجادة التي هي الوسط، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [(143) سورة البقرة].
«يميتون الصلاة فصل الصلاة لوقتها» لا تنتظرهم حتى يخرج الوقت المختار، أو يخرجونها عن وقتها، «فصل الصلاة لوقتها» يعني إذا عرفت من عادتهم المطردة أنهم يؤخرون الصلاة «فصل الصلاة لوقتها»، طيب يوجد مساجد في هذا البلد وغيره عرف عن أئمتها أنهم يؤخرون الصلاة يمكن بعد الناس بساعة، لكنها ما زالت في الوقت المختار، وأقول: لا ينبغي قصد هؤلاء هذه المساجد إلا لمن فاتته الصلاة؛ لأن هذا التأخير لا شك أنه مرجوح، والتعجيل أفضل، لكن يبقى أننا إذا وازنا بين هذا التأخير الذي هو ما زال في وقت الاختيار وبين فوات الجماعة قلنا: إن هذا التأخير أسهل من تفويت الجماعة، لكن يبقى أن أولئك الأمراء الذين أشار إليهم النبي -عليه الصلاة والسلام- تأخيرهم إلى الوقت الذي هو وقت الضرورة، وقت اصفرار الشمس، ولا يجوز للإنسان أن يؤخر العصر إلى أن تصفر الشمس، يأثم بذلك وإن كانت في وقتها الاضطراري، وتسمى أداء وليست بقضاء.
«فصل الصلاة لوقتها، فإذا صُليت» فإذا صُلِّيت يعني: صلاة الأمراء "لوقتها" أي في وقتها "كانت" أي صلاتك معهم "لك نافلة" أن تصلي الصلاة في أول وقتها، فإذا اتفق أنهم صلوها في الوقت، تأخروا لكنهم صلوها بالوقت، كانت لك نافلة، أي صلاتك معهم نافلة، ففي حديث أن الفريضة هي الأولى التي تصليها في أول وقتها، على أي حال كانت سواءً كنت فرداً أو جماعة إذا كانت صحيحة مجزئة مسقطة للطلب كما جاء في حديث الرجلين الذين وجدا في المسجد بعد أن سلم النبي -عليه الصلاة والسلام- من صلاته، وهما لم يصليا مع الناس، فجيء بهم النبي -عليه الصلاة والسلام- ترعد فرائصهما، من الهيبة للنبي -عليه الصلاة والسلام-، فسألهما النبي -عليه الصلاة والسلام- فقالا: صلينا في رحالنا، فقال: «إذا صليتما في رحالكما ثم جئتما المسجد والناس يصلون فصلوا معهم فإنها لكما نافلة» يعني إذا صليتم مع الجماعة نافلة، والصلاة الأولى التي صليتموها في رحالكما هي الفريضة، «فإن صليت» يعني صلاة الأمراء «لوقتها» يعني في وقتها «كانت لك نافلة» صلاتك معهم نافلة، وصلاتك الأولى هي الفريضة «وإلا كنت قد أحرزت صلاتك» يعني ضمنت صلاتك، أحرزت ضمنت صلاتك، وحصلتها في وقتها، وحصلتها في وقتها المختار.
"وفي الباب عن عبد الله بن مسعود" عند أحمد والطبراني "وعن عبادة بن الصامت" عند أبي داود "قال أبو عيسى: حديث أبي ذر حديث حسن" وأخرجه مسلم والنسائي وأحمد "وهو قول غير واحد من أهل العلم" قد يقول قائل: لماذا يصلي معهم ما دام صلى صلاة صحيحة مجزئة مسقطة للطلب؟ لأنه يخشى على نفسه من هؤلاء الأمراء الظلمة ويخشى أيضاً أن يوجد شقاق ونزاع في صفوف المسلمين وبين عامتهم، والخلاف كما قال ابن مسعود: "شر" ولا يعني أن صلاته معهم امتثالاً لهذا الحديث، إنما هي من باب الإقرار لهم على صنيعهم، لا، وإنما هي من أجل أن يضمن عدم أذيتهم، وأن لا يشق العصا الذي اجتمع عليهم، وإن كانوا فساقاً أو فجاراً ما داموا في دائرة الإسلام، ولا يجوز الخروج عليهم حينئذٍ إلا إذا رؤي الكفر البواح، أو أعلنوا ترك الصلاة، إذا كانوا لا يصلون، لا ما صلوا، فما داموا يصلون ولو كانت الصلاة فيها ما فيها مثل هذه الصلاة فإنه لا يجوز الخروج عليهم حينئذٍ، أما إذا رؤي الكفر البواح الذي فيه من الله برهان فيجوز حينئذٍ الخروج عليهم بشرطه عند أهل العلم، والشرط أن توجد القدرة على إزالتهم من غير إراقة دماء، لا بد من صيانة دماء المسلمين، فلا تُعرض دماء المسلمين للإراقة بسبب خلع شخص وإقامة آخر، لا يستطاع خلعه إلا بشر عظيم، وضرر مستطير إن هذا لا بد من الصبر عليه، ولو رئي منه ما رئي، كما جاءت بذلك النصوص.
قال -رحمه الله-: "وهو قول غير واحد من أهل العلم يستحبون أن يصلى الرجل الصلاة لميقاتها إذا أخرها الإمام، ثم يصلى مع الإمام، والصلاة الأولى هي المكتوبة عند أكثر أهل العلم" هي المكتوبة عند أهل العلم، وأشرنا سابقاً إلى أنه في بعض الدوائر الحكومية، وفي بعض المؤسسات، وفي بعض المدارس يؤخرون صلاة الظهر إلى نهاية الدوام؛ لئلا يختل نظام العمل، ولا شك أن بعض الناس يتذرع بالصلاة فيقضي أكبر وقت منشغلاً عن العمل باسم الصلاة، قبل الأذان بربع ساعة يقوم ليتجهز على حد زعمه للصلاة، ثم يتلوم ويتأخر إلى قرب الإقامة ثم إذا أقيمت الصلاة ذهب إلى المصلى ثم بعد ذلك جلس على حد زعمه للأذكار أكثر من العادة، العادة هو من السرعان، هو من السرعان في العادة، ولا يأتي إلا متأخر، وأول من يخرج، لكن هذا لأنه في دوام وفي عمل يتحايل على هذا العمل وهذا الدوام علماً بأن وقت الصلاة مستثنىً شرعاً، يعني لو يأتي صاحب عمل بعمال ويأمرهم بالعمل في وقت الصلاة ليس له طاعة هنا، بل لا بد أن يعطل العمل وقت الصلاة، طيب ما بيننا وبينهم في العقد أنهم يتركون العمل وقت الصلاة، لا، لا هذا ما يحتاج إلى استثناء، ولا يحتاج إلى اشتراط هذا مستثنىً شرعاً، لكن بعض الناس يتحين مثل هذه، ويستغل مثل هذه الفرص فيضيع بها العمل، وعادته إذا كان في بيته وبين أهل آخر من يدخل المسجد وأول من يخرج منه، وفي وقت العمل تجده يبادر، وقد يقرأ قرآن بعد الصلاة، ويصلي الرواتب، وراتبة الظهر ركعتان بعدها، ويقول: جاء الحث على أربع، وتجده يتلبث ويتلوم كله من أجل أن يفوت جزءاً من الدوام هذا لا يجوز له بحال.
"وهو قول غير واحد من أهل العلم يستحبون أن يصلى الرجل الصلاة لميقاتها إذا أخرها الإمام، ثم يصلى مع الإمام، والصلاة الأولى هي المكتوبة عند أكثر أهل العلم، وأبو عمران الجوني اسمه: عبد الملك بن حبيب" وهو مشهور بكنيته، قوله: "والصلاة الأولى هي المكتوبة عند أكثر أهل العلم" هذا قول الجمهور، وعليه يدل هذا الحديث، والحديث الآخر الذي سقناه آنفاً.
من أهل العلم من يقول: إن هذه الصلاة هي المكتوبة، لو افترضنا أنك صليت الصلاة في أول وقتها منفرداً، ثم وجدت ناس يصلون جماعة صليت معهم، الفريضة هي الأولى في قول الأكثر، من أهل العلم من يقول: لا، الثانية هي الفريضة لأنها أكمل، والله -جل وعلا- يحتسب لعبده الأكمل من صلاتيه، والضمائر محتملة، «فإنها لكما نافلة» الضمير يعود على ما صليتما في رحالكما، ولو قال قائل -وقد قيل-: إن الضمير يعود على هذه التي صليت مع الجماعة، لكان له وجه، لكن الأكثر على أن الأولى هي الفريضة، وهي التي صادفت المحل، قال: "وأبو عمران الجوني اسمه: عبد الملك بن حبيب" وهو مشهور بكنيته.
سم.
قال:
باب: ما جاء في النوم عن الصلاة:
حدثنا قتيبة قال: حدثنا حماد بن زيد عن ثابت البناني عن عبد الله بن رباح الأنصاري عن أبي قتادة -رضي الله عنه- قال: ذكروا للنبي -صلى الله عليه وسلم- نومهم عن الصلاة فقال: «إنه ليس في النوم تفريط، إنما التفريط في اليقظة، فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها».
وفي الباب عن ابن مسعود وأبي مريم وعمران بن حصين وجبير بن مطعم وأبي جحيفة وأبي سعيد وعمرو بن أمية الضمري وذي مخبر، وهو ابن أخي النجاشي.
وحديث أبي قتادة حديث حسن صحيح، وقد اختلف أهل العلم في الرجل ينام عن الصلاة أو ينساها فيستيقظ أو يذكر وهو في غير وقت صلاة عند طلوع الشمس أو عند غروبها فقال بعضهم: يصليها إذا استيقظ أو ذكر، وإن كان عند طلوع الشمس أو عند غروبها، وهو قول أحمد وإسحاق والشافعي ومالك، وقال بعضهم: لا يصلي حتى تطلع الشمس أو تغرب.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في النوم عن الصلاة: لا شك أن النائم مرفوع عنه القلم، ولا يؤاخذ؛ لارتفاع مناط التكليف الذي هو العقل، فلا يؤاخذ النائم ما لم يتسبب في تفويت الصلاة، فإذا تسبب في استغراقه في النوم عن الصلاة فإنه حينئذٍ يأثم على التسبب، فالنائم الذي نام واحتمال أن يمر به وقت صلاة كالنائم في الليل، أو قبل صلاة الظهر، أو قبل صلاة العصر، أو قبل صلاة من الصلوات عليه أن يوجد الأسباب التي تعينه على الاستيقاظ، ويعهد إلى من يوقظه، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- حينما عهد بذلك إلى بلال، لا بد أن يعهد إلى أحد يوقظه سواءً كان آدمياً أو آلة، أو غير ذلك مما يوقظه، ويتم به المقصود، أما ما لا يتم به المقصود فوجوده مثل عدمه.
إذا رأى أنه جرت العادة أنه لا يستيقظ برنة الساعة أو جوال أو ما أشبه ذلك، نقول: لا يكفي، لا بد أن يكون الأمر أبلغ من ذلك، ولا بد أن ينفي الموانع التي تمنعه من القيام عن الصلاة كالسهر مثلاً، أو التعب الشديد الذي يجعله يستغرق في النوم، بحيث لا يحس إذا أيقظ فلا بد من بذل الأسباب للاستيقاظ، ولا بد من انتفاء الموانع وإلا أثم لمخالفته ذلك.
قال -رحمه الله-: "حدثنا قتيبة قال: حدثنا حماد بن زيد عن ثابت" بن أسلم "البناني" وهو ثقة عابد "عن عبد الله بن رباح الأنصاري" وهو ثقة أيضاً، من الطبقة الثالثة، فكلهم ثقات "عن أبي قتادة" الصحابي الجليل الحارث بن ربعي "قال: ذكروا للنبي -صلى الله عليه وسلم- نومهم عن الصلاة" هذا في القصة الطويلة التي نام فيها النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الصلاة، وهم معه، فجعل بعضهم يهمس إلى بعض ما كفارة ذلك؟ فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «إنه ليس في النوم تفريط» والضمير اسم (إن) هو ضمير الشأن «إنه ليس في النوم تفريط» تقصير؛ لأن القلم مرفوع عن النائم ما لم يفرط، فلا يبذل سبب، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- بذل السبب وعهد بالإيقاظ إلى بلال لكنه نام، وأخذ بنفسه الذي أخذ بأنفسهم، فإذا وكل ذلك إلى أحد يوقظه فقد أخذ بالسبب، ولا بد من نفي المانع كما ذكرنا سابقاً، فلا يسهر حتى إذا بقي على الصلاة ساعة قال: أنام وأبذل السبب، أنت بذلت السبب صحيح، لكنك أوجدت المانع من القيام فلا يجوز حينئذٍ السهر في هذه الحالة.
«إنه ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة» يعني في حال اليقظة، في حال التكليف «فإذا نسي أحدكم صلاة» يعني تركها نسياناً {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [(286) سورة البقرة] «أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها» «فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها» يعني رفع الإثم في حال النسيان {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [(286) سورة البقرة] هل يعفيه من الصلاة إذا ذكرها؟ في الحديث: «فليصلها إذا ذكرها» المأمورات لا بد من الإتيان بها، ولو عذر في تركها نسياناً دون تفريط؛ لأن النسيان عند أهل العلم ينزل الموجود منزلة المعدوم ولا ينزل المعدوم منزلة الموجود، المؤاخذة والإثم مرفوع {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [(286) سورة البقرة] قال: قد فعلت، لكن لا يعفى عن فعل ما تركه نسياناً، فالنسيان ينزل الموجود منزلة المعدوم ولا ينزل المعدوم منزلة الموجود، شخص صلى بغير طهارة هل نقول: إن صلاته صحيحة لأنه ناسي؟ لا، نقول: النسيان لا ينزل المعدوم منزلة الموجود، ومثله لو صلى الظهر ثلاث ركعات، نقول: لا بد أن يأتي برابعة؛ لأن النسيان لا ينزل المعدوم منزلة الموجود، لكنه نسي وصلى خمس نقول: صلاته صحيحة، لو تعمد بطلت صلاته، لكن هذا ناسي، سهو، زاد خامسة، صلاته صحيحة؛ لأن النسيان ينزل الموجود منزلة المعدوم، «فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها» يعني بعد النسيان والنوم هكذا رواه الترمذي مختصراً، ورواه مسلم مطولاً، وفيه قصة نومهم عن صلاة الصبح.
هم في سفر ثم ناموا قبل صلاة الصبح، ووكل الإيقاظ إلى بلال، فما استيقظوا إلا بحر الشمس، فاستيقظ أبو بكر وعمر، وعرفوا من عادته -عليه الصلاة والسلام- أنه لا يوقظ حتى يستيقظ، فكبر عمر فرفع صوته بالذكر، فاستيقظ النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم أمرهم -عليه الصلاة والسلام- بالارتحال عن المكان الذي ناموا فيه إلى محل آخر، انتقلوا عن هذا المكان الجمهور قالوا: إنه انتقل عن المكان للعلة المنصوصة في بعض الروايات، وهو أنه مكان حضر فيه الشيطان، والحنفية يقولون: انتقل عن المكان ليخرج وقت النهي، مع أن وقت النهي خرج قبل ذلك؛ لأنهم أيقظهم حر الشمس، ولا يكون للشمس حر إلا وقد انتهى وقت النهي.
انتقلوا من المكان الذي حضر فيه الشيطان، شخص في بيته في غرفته استيقظ بعد طلوع الشمس بساعة هل نقول له: انتقل من هذا المكان الذي حضر فيه الشيطان إلى مكان آخر؟ ولنفترض أن البيت غرفة واحدة كما كان في عصر سلف هذه الأمة، كبيوته -عليه الصلاة والسلام-، البيت غرفة واحدة، نقول له: اخرج من البيت لأنه حضر فيه الشيطان؟ طيب متى يرجع؟ هذا قال جمع من أهل العلم: إن هذا خاص به -عليه الصلاة والسلام-، هو الذي عرف أن هذا المكان حضر فيه الشيطان، وهل كل مكان تفوت فيه الصلاة في مثل هذه الصورة يكون حضر فيه الشيطان؟
النبي -عليه الصلاة والسلام- تنام عيناه ولا ينام قلبه، تنام عيناه ولا ينام قلبه فكيف نام عن الصلاة وقلبه يقظان؟ نقول: إنه في هذه الحالة نام قلبه -عليه الصلاة والسلام-، وإن كانت العادة جرت أن قلبه لا ينام من أجل التشريع، والنبي -عليه الصلاة والسلام- إنما ينسى ليسن، يسهو في الصلاة من أجل أن يسن، ويكون هذا أكمل في حقه، ونام عن الصلاة من أجل تشريع الصلاة بالنسبة لمن خرج وقتها عليه غير مفرِّط بنوم أو نسيان.
ونومه -عليه الصلاة والسلام- عن الصلاة في هذه الصورة من نعم الله -جل وعلا- على أمته، يعني لو تصورنا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما نام ولا مرة عن الصلاة، ماذا يكون للمسلم المتحري المحتاط لدينه؟ هذا لا شك أنه يلحقه من الحزن والأسى شيء قد لا يحتمله، قد يكدر وينكد عليه صلاته، لكن يتسلى بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- فاتته الصلاة بسبب النوم، ويكون يعني أهدأ لباله، وإن كان يناله شيء من الأسى ولا بد؛ لأن هذا لا شك أنه خلاف الأصل، الأصل أن تصلى الصلاة في وقتها.
"وفي الباب عن ابن مسعود" عند أبي داود والنسائي "وأبي مريم" يقول الشارح: لم أقف عليه "وعمران بن حصين" عند البخاري ومسلم "وجبير بن مطعم" يقول: الشارح أيضاً: لم يقف عليه "وأبي جحيفة" واسمه: وهب السوائي عند أبي يعلى والطبراني "وأبي سعيد وعمرو بن أمية الضمري" عند أبي داود "وذي مخبر" "ويقال: ذي مخمر" وبعضهم يصوب الميم، كالأوزاعي، وكان لا يقوله إلا بالميم، ومثله في طبقات ابن سعد، "وهو ابن أخي النجاشي" وحديثه عند أبي داود "قال أبو عيسى: وحديث أبي قتادة حديث حسن صحيح" وهو مخرج في صحيح مسلم مطولاً، ورواه أيضاً أبو داود والنسائي "وقد اختلف أهل العلم" لكن لو كان العكس، إحنا نقول: رواه مسلم مطولاً، لكن لو كان العكس مطول عند الترمذي ومختصر عند مسلم ماذا نقول؟ نقول: رواه الترمذي وأصله في مسلم، يعني أصل القصة موجود في مسلم لا تفصيلها.
"وقد اختلف أهل العلم في الرجل ينام عن الصلاة أو ينساها فيستيقظ أو يذكر وهو في غير وقت صلاة عند طلوع الشمس أو عند غروبها" يعني استيقظ وقد بقي على طلوع الشمس دقيقة أو دقيقتان يتمكن من الوضوء فيهما ثم يحرم يكبر تكبيرة الإحرام مع بزوغ الشمس أو مع غروبها في الوقت المضيق الذي نهينا فيه عن الصلاة، استيقظ في هذا الوقت المضيق والصلاة صلاة فجر أو صلاة عصر "وقد اختلف أهل العلم في الرجل ينام عن الصلاة أو ينساها فيستيقظ أو يذكر وهو في غير وقت صلاة -يعني في وقت نهي- عند طلوع الشمس أو عند غروبها، فقال بعضهم: يصليها إذا استيقظ أو ذكر" إذاً حديث الباب: «فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها» يعني بمجرد ذكره إياها يصليها، بغض النظر عن الوقت، وتكون الفريضة مستثناة من أحاديث النهي، وبهذا قال أحمد وإسحاق والشافعي ومالك وهو قول الجمهور؛ لأن الفرائض لا تدخل في أحاديث النهي.
"وقال بعضهم: لا يصلي حتى تطلع الشمس أو تغرب" لأن هذا وقت نهي، ووقت نهي مغلظ، والأحاديث -أحاديث النهي- تشمل الفرائض والنوافل، وبه قال الحنفية، وأدلتهم أحاديث النهي.
لكن حديث: «من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح» الركعة الثانية ستكون وقت بزوغ الشمس في الوقت المُغلظ، والركعة الثانية من العصر ستكون وقت غروب الشمس وهو الوقت المغلظ، فماذا يقول الحنفية في مثل هذا؟ يقولون: إذا طلعت عليه الشمس وهو في صلاة الصبح بطلت صلاته ولو صلى ركعة، والحديث حجة عليهم، ولا يقولون مثل هذا في صلاة العصر، إذا غابت عليه الشمس يكملها؛ لأنها إذا طلعت يدخل وقت نهي، وإذا غابت يخرج وقت نهي، فيفرقون بين هذه وهذه، المقصود أن جمهور أهل العلم أن صلاة الفريضة لا تدخل في أحاديث النهي، والحنفية يجعلونها شاملة للنوافل والفرائض، ولا شك أن الراجح هو قول الجمهور، «فليصلها إذا ذكرها» وأيضاً: «من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح» وهذا وقت مغلظ، وأمر بإكمالها: «فليضف إليها أخرى» كما جاء في بعض الروايات.
بالنسبة للكسوف إذا وجد في وقت النهي، في الحديث: «فإذا رأيتموهما فصلوا» وعلق الصلاة بالرؤية، ولا ينظر في هذه الرؤية إلى الوقت، لا وقت نهي ولا غيره، لكنها داخلة في الخلاف باعتبار أن جماهير أهل العلم على أن صلاة الكسوف سنة من النوافل وليس من الفرائض، ونقل الإجماع على كونها سنة النووي، قال: أجمع أهل العلم على أن صلاة الكسوف سنة، وترجم أبو عوانة في صحيحه بقوله: باب وجوب صلاة الكسوف، فالذي يراها واجبة يقول: هي مستثناة من أحاديث النهي، والذي يراها مستحبة ومندوبة وسنة مؤكدة يقول: لا تصلى في أوقات النهي إلا من يقول: إن ذوات الأسباب تصلى في أوقات النهي، وسيأتي بحث الأوقات، أوقات الكراهة وما يعارضها -إن شاء الله تعالى- في درس لاحق.
نعم؟
باب: ما جاء في الرجل ينسى الصلاة
حدثنا قتيبة وبشر بن معاذ قالا: حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها» وفي الباب عن سمرة وأبي قتادة.
حديث أنس حديث حسن صحيح، ويروى عن علي بن أبي طالب أنه قال في الرجل ينسى الصلاة قال: "يصليها متى ما ذكرها في وقت أو في غير وقت" وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق، ويروى عن أبي بكرة -رضي الله عنه- أنه نام عن صلاة العصر فاستيقظ عند غروب الشمس فلم يصلِ حتى غربت الشمس، وقد ذهب قوم من أهل الكوفة إلى هذا، وأما أصحابنا فذهبوا إلى قول علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-.
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الرجل ينسى الصلاة" وفيه الحديث السابق: «فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها» وهو جزء مما يدخل في الحديث السابق "باب: ما جاء في الرجل ينسى الصلاة" قال -رحمه الله-: "حدثنا قتيبة -وهو ابن سعيد- وبشر بن معاذ قالا: حدثنا أبو عوانة" وأبو عوانة: الوضاح بن عبد الله اليشكري غير صاحب الصحيح المسند، مسند أبي عوانة المستخرج على صحيح مسلم، هذاك أبو عوانة الإسفرائيني، وهذا أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري، هذا متقدم وذاك متأخر "حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها»" زاد مسلم: «لا كفارة لها إلا ذلك» يعني بمجرد ذكره إياها فإنه يصليها، يقول النووي: "لا يجزئه إلا الصلاة" يعني لا يكفر إذا نام عن الصلاة، يقول: نكفر كفارة يمين، أو ما أشبه ذلك، أو عتق رقبة، أو شيء، لا، لا، لا كفارة لها إلا ذلك، لا يجزئه إلا الصلاة، ولا يلزمه مع ذلك شيء آخر، يعني في أصل الشرع لا يلزمه شيء آخر يعني في أصل الشرع، لكن وجد من يلزم نفسه بشيء يشبه به النذر الذي لا يجب عليه بأصل الشرع أنه كلما فاته ركعة في يوم تصدق بصدقة، أو صام عنها يوماً، أو فعل محظوراً أو ارتكب شيئاً فإنه يلزم نفسه بشيء، ووجد من سلف هذه الأمة أن من قال: متى اغتاب شخصًا تصدق بدرهم فسهلت عليه الغيبة، مع أنها لا يكفي؛ لأن هذه حقوق العباد، قال: فنذر أنه إن اغتاب شخصًا أن يصوم يوماً فكف عن الغيبة، يعني يتخذ بعض الناس مثل هذا لردع النفس وزجرها عن الاسترسال في المحرم، وإلا فالأصل أن في النصوص ما يكفي ويزجر، والصلاة إذا نام عنها أو نسيها يصليها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك، لكن لو كان من باب الحرص عند شخص من الأشخاص يقول: عدد الركعات المكتوبة في اليوم والليلة سبعة عشر ركعة، كل ركعة أتصدق بعشرة، إن رأى أن هذا المبلغ يردعه استمر عليه وإلا زاد فيه قال: أتصدق عن كل ركعة بمائة، وعلى هذا لو فاتته الركعات كلها فعليه أن يتصدق بألف وسبعمائة، لا شك أنه يردعه، لكن هذا قدر زائد على ما شرع الله -جل وعلا-، وفي مشروعيته نزاع، وإن فعله بعضهم من باب الصيانة والحياطة والاهتمام بشأن الدين، وبعض الناس في المقابل يستوي عنده أن يدرك الصلاة أو تفوته الصلاة، بل بعضهم يقصد ويعمد إلى أن تفوته الركعتان الأوليان لطولهما بالنسبة له، ينتظر حتى تنتهي الركعتان الطويلتان، ولا شك أن هذا من وسواس الشيطان، وهذا إذا استمر على ذلك لا يلبث أن يتساهل في أمر الصلاة كلها، يتساهل في أمر الجماعة، ثم يتساهل في أمر الوقت، ثم يتساهل في أمرها بالكلية؛ لأن التساهل والتنازل لا حد له.
قال -رحمه الله-: "وفي الباب عن سمرة" وهو عند الإمام أحمد في المسند "وأبي قتادة" وقد تقدم في الباب الذي قبله "قال أبو عيسى: حديث أنس حديث حسن صحيح" وأخرجه الجماعة، الحديث أخرجه الجماعة عند البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، عند الأئمة كلهم "ويروى عن علي بن أبي طالب أنه قال في الرجل ينسى الصلاة قال: "يصليها متى ما ذكرها في وقت أو في غير وقت" يعني في وقت صلاة أو في غير وقت صلاة، يعني وقت نهي "وهو قول الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق" والإمام مالك، وكلهم استدلوا بحديث الباب، وجعلوا أحاديث النهي لا تتناول الفرائض "ويروى عن أبي بكرة" يروى عن علي، ويروى عن أبي بكرة، وهذه عند أهل العلم تسمى صيغة تمريض، يصدر بها الخبر إذا كان مشكوكاً في ثبوته، صيغة تمريض غير مجزوم به "ويروى عن أبي بكرة أنه نام عن صلاة العصر فاستيقظ عند غروب الشمس فلم يصل حتى غربت الشمس".
يقول الشارح: لم أقف على من أخرج هذا الأثر أثر أبي بكرة، ولا على من أخرج أثر علي -رضي الله عنه-، وما يراه أو ما يذكر عن أبي بكرة هو قول أبي حنيفة استدلالاً بأحاديث النهي "وقد ذهب قوم من أهل الكوفة إلى هذا" يريد بذلك الإمام أبا حنيفة ومن يقول بقوله "وأما أصحابنا" يريد بذلك أهل الحديث، وإن زعم بعضهم أنه يريد الشافعية، وتقدم أن من الشافعية من زعم أن الترمذي شافعي المذهب، يعني كما قيل في البخاري، لكن الشافعية ترجموا للترمذي في طبقاتهم، وتقدم لنا في صفحة مائتين وسبعة وتسعين يعني قبل كم حديث؟ في الحديث مائة وسبعة وخمسين، يعني قبل عشرين حديثاً، "وأما ما ذهب إليه الشافعي أن الرخصة لمن ينتاب من البعد والمشقة على الناس فإن في حديث أبي ذر ما يدل على خلاف ما قال الشافعي" فقد رد على الشافعي، ولو كان شافعياً لدافع عنه، فدل على أنه يريد "وأما أصحابنا" يريد بهم أهل الحديث "فذهبوا إلى قول علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-" من أنها تصلى الفائتة على أي حال وفي أي وقت، سواءً كان وقت نهي أو غير وقت نهي.
سم.
عفا الله عنك.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في الرجل تفوته الصلوات بأيتهن يبدأ؟
حدثنا هناد قال: حدثنا هشيم عن أبي الزبير عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود قال: قال عبد الله: "إن المشركين شغلوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء الله، فأمر بلالاً فأذن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء".
وفي الباب عن أبي سعيد وجابر -رضي الله عنهم-.
حديث عبد الله ليس بإسناده بأس إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من عبد الله، وهو الذي اختاره بعض أهل العلم في الفوائت أن يقيم الرجل لكل صلاة إذا قضاها، وإن لم يقم أجزأه، وهو قول الشافعي.
وحدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن يحيى بن أبي كثير قال: حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال يوم الخندق وجعل يسب كفار قريش قال: يا رسول الله ما كدت أصلي العصر حتى تغرب الشمس، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «والله إن صليتها» قال: فنزلنا بطحان فتوضأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتوضأنا، فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العصر بعد ما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب".
هذا حديث حسن صحيح.
يقول الإمام الترمذي رحمه الله تعالى: "باب: ما جاء في الرجل تفوته الصلوات" إذا فاتته صلاة واحدة معلوم أنه يصليها إذا ذكرها أو إذا استيقظ إذا كان نائمًا يعني من تفوته الصلاة لعذر يصليها إذا ارتفع هذا العذر وأما من تفوته صلوات فإنه يصليها على الترتيب، والترتيب واجب لأن الله جل وعلا شرع الصلوات مرتبة الصبح ثم الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم العشاء، مرتبة هكذا، وفعلها النبي عليه الصلاة والسلام، على الترتيب ولم يخل بهذا الترتيب، وقال «صلو كما رأيتموني أصلي» فيبدأ بالأولى منها، ثم يثني بالتي بعدها، والقول بوجوب الترتيب وأنه لا يسقط قول جمهور أهل العلم، استثنى بعضهم النسيان يسقط به الترتيب ويسقط أيضًا بخشية فوات وقت الاختيار بالنسبة للصلاة الحاضرة، ولا يسقط الترتيب إلا بنسيانه أو بخشية فوات وقت اختيار الحاضرة، فهو يبدأ بهن مرتبات، لذلك قال "باب: ما جاء في الرجل تفوته الصلوات بأيتهن يبدأ؟ قال حدثنا هنّاد قال: حدثنا هشيم عن أبي الزبير عن نافع بن جبير" هشيم مدلس وقال "عن أبي الزبير " وأبو الزبير مسلم.. محمد بن مسلم بن تدرس المكي مدلس أيضًا وقال "عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود قال قال عبد الله" وأبو عبيدة لم يدرك ولم يسمع من أبيه لم يسمع من أبيه على ما يذكره الترمذي فالحديث فيه أكثر من علة، لكن له طرق وله شواهد سيأتي ذكرها "قال: قال عبد الله بن مسعود : "إن المشركين شغلوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أربع صلوات" الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم العشاء أربع صلوات وكلها صُلِّيت بعد خروج وقت المغرب فهل يكون قد فاته من الصلوات أربع أو ثلاث؟ نعم، .. لماذا؟ لأن العشاء في وقتها، يقول ابن حجر قوله أربع صلوات تجوُّز لأن العشاء لم تكن فاتت "شغلوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء الله، فأمر بلالاً فأذّن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء" يعني حكم هذه الصلوات المقضيات حكم الصلوات المجموعات يؤذن للأولى ثم يقيم لكل صلاة كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام بعرفة ومزدلفة يؤذن للأولى ثم يقيم لكل صلاة ومثلها هذه الصلوات المقضية وثبت عنه أنه أمر بلالًا فأذن لما فاتته صلاة الصبح حتى خرج وقتها بالنوم ثم أمر بلالاً فأذن ثم أقام "فأمر بلالاً فأذن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء" فهذا فيه دليل على وجوب الترتيب في الفوائت وبعضهم يطلق وجوب الترتيب وبعضهم يستثني النسيان وضيق وقت الحاضرة ووجوبه هو قول الجمهور وقال الشافعي لا يجب، وقضاء الفوائت يجب أن يكون فوراً لأن بعض الناس قد ينتبه بعد طلوع الشمس ويقول متى ما قمت أصلي ما دام الوقت خرج ما الداعي لأن استعجل ويجب قضاء الفوائت فورًا مرتبة، الجمهور يقولون بوجوب الترتيب على ما ذكرنا والشافعية يقولون لا يجب وأدلة الجمهور حديث الباب مع قوله عليه الصلاة والسلام «صلو كما رأيتموني أصلي»، في هذا الحديث شغلوا النبي عليه الصلاة والسلام عن أربع صلوات، وفي الحديث الذي يليه شغلوه عن صلاة العصر، شغلوه عن صلاة العصر وهو أصح، الثاني أصح، وكلها في الخندق، كلها في الخندق هل يقال أن ما في الصحيحين أصح وأنه ما فاته إلا صلاة العصر أو نقول لا تعارض؟ لأنه وإن كان في يوم الخندق أربع صلوت يوم الخندق إلا أن يوم الخندق عبارة عن غزوة الأحزاب المشتملة على أيام فقد يكون في يوم شغلوه عن صلاة العصر وفي يوم ثانٍ شغلوه عن أربع صلوات ولا مانع من هذا، قال "وفي الباب عن أبي سعيد" وعند أحمد في المسند وعند النسائي وفيه أن ذلك قبل أن ينزل الله في صلاة الخوف {فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً} وفي الباب أيضًا عن جابر في الصحيحين، التعارض بين هذه الصلوات التي أخرها النبي عليه الصلاة والسلام يم الخندق عن وقتها وصلاها أربع متوالية بعد خروج وقتها هل هناك تعارض مع ما جاء في صلاة الخوف وأنها تصلى في وقتها لا بد أن تصلى في وقتها رجالاً أو ركبانًا على أي حال كان؟ منهم من يقو أن صلاة الخوف لا تصلى في الحضر وغزوة الخندق في الحضر ليست في سفر، وغزوة ذات الرقاع التي فيها صلاة الخوف في سفر، وهذا جار على قول الأكثر الذين يرون أن غزوة ذات الرقاع قبل الخندق وأما على ما رجّحه الإمام البخاري وابن القيم في زاد المعاد أن غزوة الخندق قبل غزوة ذات الرقاع فيكون حينئذٍ صنيعه هنا منسوخ بصلاة الخوف فالصلاة تصلى في وقتها ولو مع شيء من الخلل حفاظًا على الوقت ولا تؤخر عن وقتها كما حصل في غزوة الخندق قال أبو عيسى "حديث عبد الله ليس بإسناده بأس" وأخرجه النسائي ليس بإسناده بأس مع أن فيه تدليس وفيه انقطاع ولا شك أن هذا يؤيد قول من يقول أن الترمذي متساهل ليس بإسناده بأس إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من عبد الله فعلى هذا الخبر منقطع إلا أنه يُعضد بحديث أبي سعيد الذي أشير إليه في قوله وفي الباب فالترمذي إنما يقوي الأحاديث بالشواهد يقول هذا حديث حسن صحيح وفيه انقطاع وفيه راو فيه كلام لأنه يقول وفي الباب عن فلان وفلان وفلان فهو يقوي حديث الباب بالشواهد التي يذكرها "وهو الذي اختاره بعض أهل العلم في الفوائت أن يقيم الرجل لكل صلاة إذا قضاها، وإن لم يقم أجزأه، وهو قول الشافعي" بناءاً على حكم الأذان والإقامة وسيأتي إن شاء الله تعالى الخلاف في ذلك.
قال -رحمه الله-: "وحدثنا محمد بن بشار" المعروف ببندار "قال: حدثنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن يحيى بن أبي كثير قال: حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب قال يوم الخندق" يعني في غزوة الأحزاب، والغزوة يقال لها: يوم ولو كانت أياماً؛ لئلا يتعارض هذا الحديث مع الذي قبله.
"أن عمر بن الخطاب قال يوم الخندق وجعل يسب كفار قريش" لماذا؟ لأنهم تسببوا في تأخيرهم الصلاة، تسببوا في تأخيرهم الصلاة عن وقتها المختار كما حصل لعمر؛ لأنه صلى في آخر الوقت، أو بتأخيرها عن وقتها مطلقاً كما حصل لغيره، مما يأتي تفصيله في الحديث، الآن إذا حضر شخص إلى الصلاة فوجد الناس قد سبقوه بركعة أو ركعتين، أو سلّم الإمام بعض الناس يسب الإمام هذا الإمام يستعجل، وهذا الإمام لا ينتظر، وهذا الإمام ينقر صلاته وينظر في ساعته، ما مضى الوقت المحدد، ويلقي باللائمة على الإمام، لكنه لو تقدم صارت النظرة غير هذه، هذا الإمام تأخر، وهذا الإمام يطيل الصلاة، وهذا..، كل هذا من أجل أن يبرر لنفسه التقصير، والأصل والأولى أن يرجع باللائمة على نفسه لماذا تأخر؟ يلوم الإمام! عليه أن يلوم نفسه.
هل في قول أو في سب عمر -رضي الله عنه- كفار قريش مستمسك لمثل هذا؟ لا، النبي -عليه الصلاة والسلام- مع الصحابة ما تأخروا عن الصلاة، لكنهم شغلوا عنها بغير إرادتهم، أما هذا هو المقصر، ثم ينحو باللائمة على الإمام، عجّل الإمام، تقدم الإمام، ثم يأخذ في عرضه، ما انتظر، ونقر الصلاة نقراً، ولم يدرك الصلاة، شوف أكثر من صف يقضون الصلاة كلهم بسبب الإمام، لا، لا هو بسبب تأخرهم، وكل له من خطاب الشرع ما يخصه، قد نلوم الإمام في بعض الصور، لكن لا نعذر من تأخر.
وجعل يسب كفار قريش؛ لأنهم تسببوا في تأخيرهم الصلاة عن وقتها المختار كما حصل لعمر؛ لأنه صلاها في آخر وقتها، أو عن وقتها بالكلية كما حصل لغيره.
"قال: يا رسول الله" قال عمر: يا رسول الله "ما كدت أصلي العصر حتى تغرب الشمس" وكدت من أفعال المقاربة، لا تقترن بـ(أن) بخلاف عسى، حتى تغرب الشمس والمعنى أنه صلاها قرب غروب الشمس؛ لأن كاد إذا أثبتت نفت، وإذا نفيت أثبتت، هنا: ما كدت نفى فدل على أنه صلاها قبل غروب الشمس، لكن لو قال: كدت أصلي العصر قبل أن تغرب الشمس، قلنا: ما صلاها إلا بعد أن غابت الشمس، وماذا عن قوله -جل وعلا- في الساعة: {أَكَادُ أُخْفِيهَا} [(15) سورة طـه] يعني على القاعدة أنه أبرزها ولم يخفها، مع أنه في النصوص القطعية من الكتاب والسنة أنه لا يعلمها إلا الله -جل وعلا-، فقال أهل العلم في قوله: {أَكَادُ أُخْفِيهَا} [(15) سورة طـه] يعني حتى عن نفسي، أما عن الخلق فهذا مقطوع به، إخفاؤها عن الخلق هذا مقطوع به، إذا أثبتت نفت، لو قال: كدت أصلي العصر قبل أن تغرب الشمس، قلنا: إنه ما صلاها إلا بعد ما غربت، لكن لما قال: ما كدت أصلي العصر حتى تغرب الشمس، قلنا: إنه صلاها قبل أن تغرب الشمس، "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني بعضهم يقول في كاد في معاياة وإلغاز يقول:
إذا نُفيت -واللهُ أعلمُ- أثبتت |
| وإن أثبتت قامت مقام جُحودِ |
وإن أثبتت قامت مقام جحود، كما قيل في (إن) و(إذا) الشرطيتين:
أنا إن شككت وجدتموني جازماً |
| وإذا جزمت فإنني لم أجزمِ |
"فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «والله إن صليتها»" يعني: والله ما صليتها؛ لأن (إن) هنا نافية، "«والله إن صليتها» قال: فنزلنا بطحان" هكذا يضبطه أهل الحديث قاطبة (بُطحان) ويضبطه بعض أهل اللغة بفتح الباء، منهم من يسكن الطاء، ومنهم من يكسرها (بَطْحان) و(بَطِحان) وهو وادٍ في المدينة "فتوضأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتوضأنا، فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العصر بعد ما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب، ثم صلى بعدها المغرب.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الإمام البخاري ومسلم فهو متفق عليه، ويشيع عند بعض العامة أن الفوائت تقضى مع نظائرها، امرأة عليها صلوات فوائت فرطت فيها، أو رجل تساهل في صلوات كثيرة فتقضي الصلوات مع نظائرها، إذا صلت الصبح صلت صبح ثانية، إذا كان عليها يوم، إن كان عليها يومين صلت الصبح مرتين بعد الأصل، إن كانت عليها خمسة أيام صلت الصبح خمسة مرات، فإذا صلت الظهر كذلك، وإذا صلت العصر كذلك، هذا الكلام ليس بصحيح، بل قضاء الفوائت فوراً تسرد، يصلى خمس صلوات عن يوم كامل، ثم يتبع بيوم آخر، ثم يتبع بيوم ثالث وهكذا، ما لم يصل إلى حد المشقة، لكن على الإنسان أن يبادر بإبراء ذمته، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
"نعم النبي -صلى الله عليه وسلم- غضب على ذلك، وأمر بمخالفة المشركين، ولا شك أن حلق اللحية كبيرة من كبائر الذنوب، ونقل الاتفاق على ذلك ابن حزم وغيره، على أنها من الكبائر، وعند من يقول: إنها من الصغائر بالإصرار تكون كبيرة، بالإصرار عليها والمجاهرة بها تكون كبيرة.
الإنسان إذا دخل في الصلاة المعينة لا يجوز له أن ينتقل منها إلى غيرها، إذا دخل في صلاة العصر ثم تذكر أنه لم يصلِ الظهر لا يجوز له أن ينتقل إلى الظهر بنيته، أجازوا لمن صلى الفريضة منفرداً ثم غلب على ظنه وجود جماعة أن يقلب نية الفريضة إلى نفل شريطة أن يكون ذلك في الوقت المتسع.
السجود على حائل لا يخلو إما أن يكون متصلاً بالمصلي أو منفصلاً عنه، فإن كان منفصلاً عنه جاز بلا كراهة، مثل الفرش والسجادة، النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى على الخمرة وصلى على الحصير، هذا لا إشكال فيه، أما السجود على المتصل كالشماغ فالعلماء يطلقون الكراهة، والكراهة عندهم تزول بأدنى حاجة، لو شك في نظافة الفرش مثلاً أو أحس بأنه تنبعث منه روائح تمنع خشوعه فإنه حينئذٍ له أن يسجد على شماغه.
وما قولكم في التفريق بين المتصل والمنفصل بالنسبة للسجود؟
هذا ما قرره أهل العلم، هذا ما قرره أهل العلم من التفريق بين المتصل والمنفصل.
ثم ادعى أناس بأنهم رأوه فإنه يحكم بوهمهم ولا تقبل شهادتهم، فما مدى صحة هذا القول؟ وما هو منشأ الخلاف في المسألة؟ وهل قول الفلكيين يعارض النصوص؟
العبرة في أمور الدين بما جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، ولا التفات إلى قول أحد كائن من كان، ما دام الحديث ثبت بقوله -عليه الصلاة والسلام-: «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته» فصيامنا وفطرنا مرتبط برؤية الهلال، وهذه مقدمة شرعية ينتج عنها حكم شرعي صحيح، طابق الواقع أو خالفه كما هو الشأن في جميع الأحكام القضائية، تبنى على شهادة الشهود، ويحكم بالحق لصاحب البينة، سواء طابقت البينة الواقع أو لم تطابقه، كما جاء من قوله -عليه الصلاة والسلام-: «إنما أنا بشر أقضي على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فإنما أقضي له بقطعة من نار فليأخذها وليدعها» هذا حكم شرعي نافذ، ولو خالف الواقع، ما دامت المقدمات شرعية فالنتيجة شرعية، ومع ذلك يتحرى في الشاهد الذي يشهد برؤية الهلال يتحرى فيه، وفي عدالته، وإذا ثبتت عدالته وما دام يقبل خبره في أمور الدين في إثبات النص فما المانع من أن يقبل خبره في غير ذلك من الأحكام؟
على كل حال هذه مقدمة شرعية إذا رآه من تثبت الرؤية بشهادته علينا أن نصوم، ولا نحكم بوهم وخطأ الثقة لمجرد قول الفلكيين أبداً؛ لأننا ما أحلنا عليهم، وإنما أحلنا على الرؤية، والأصل في الرؤية الرؤية بالعين المجردة، ولا نكلف اتخاذ آلات من مناظير ودرابيل وغيرها هذه لم نكلف فيها، لكن إذا وجدت من أجل وضوح الرؤية فلا مانع، لكنها لا تطلب إذا فقدت، ولا تعلق الرؤية بها لا نفياً ولا إثباتاً، وعلى كل حال هؤلاء الذين يشككون في صيام الناس، في حج الناس، هؤلاء حقيقة عليهم أن يتقوا الله -جل وعلا-، وقد سمعنا من يقول: إن الناس وقفوا في غير يوم عرفة؛ لأن الشهود شهدوا قبل ولادة الهلال بساعات، هذا الكلام لا قيمة له في الميزان الشرعي، «إنا أمة أمية لا نقرأ ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا» كما بين النبي -عليه الصلاة والسلام- وعلق ذلك بالرؤية.
المذاهب كلهم يقولون بأن هذه الأعمال التي ليست من جنس الصلاة إذا طالت فإنها مبطلة.
أو لا يشكل عليه حمل النبي -عليه الصلاة والسلام- لأمامة وهو في الصلاة؟ وهل حمله لها ضرورة؟
لا يشكل عليه لأن هذا يسير يحملها، وبإمكانه أن يضع إحدى يديه على الأخرى وهو حامل لها، وإذا ركع وضعها، وإذا قام حملها، وهذا عمل يسير، والدليل على أنه يسير فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- له؛ لأنه لا يتصور منه أن يفعل ما يخل بصلاته، فما كان مثله فحكمه حكم اليسير، مثل القراءة في المصحف، حمل المصحف أثناء الصلاة للحاجة عند أهل العلم هذا مثل حمل أمامة.
الذي يقول بخلق القرآن أتى بدعة عظيمة حكم جمع من أهل العلم بكفر من يقول بذلك، وكفروا ابن أبي دؤاد كالإمام أحمد وغيره؛ لأنه حمل الناس على القول بخلق القرآن، وعلى كل حال هذه بدعة مغلظة لا تجوز الصلاة خلفه قصداً، لكن إذا صلى الإنسان وهو لا يعلم أن هذا ممن يقول بذلك، أو لم يجد غيره فمن صحت صلاته عند أهل العلم صحت إمامته، لكن لا يجوز تقديمه على الأخيار.
الذين يسدلون في الصلاة هم الإباضية والمالكية في كثير من أتباع الإمام مالك والرافضة، هؤلاء يسدلون أيديهم، وأنت إذا كنت لا تميز بين هؤلاء الاحتمال أن يكونوا من المالكية، واحتمال أن يكونوا من هؤلاء أو من هؤلاء، وعلى كل حال إذا كنت لا تدري بيقين أنهم من هؤلاء أو من هؤلاء، ولم تجد جماعة غيرهم فأنت تصلي خلفهم، لكن إذا غلب على ظنك أنهم من هؤلاء المبتدعة لا سيما وأن الإباضية يقولون بخلق القرآن؛ لأنهم فئة من الخوارج، وأما الرافضة فشأنهم وأمرهم أعظم -نسأل الله السلامة والعافية-، إذا شككت في ذلك وغلب على ظنك فلا تصلي خلفهم، فمع الاحتمال أن يكونوا من المالكية؛ لأن من المالكية، بل كثير من أتباع الإمام مالك يسدلون أيديهم ولا يقبضونها أثناء القيام في الصلاة.
هذا الحديث حسن، ينبغي المواظبة على هذه الأربع قبل صلاة العصر.
الحديث يشمل الثانية والثالثة والرابعة بشرطه، أي بشرط العدل.
(ابن) إذا وقعت بين علمين متوالدين بأن كان الثاني ابناً للأول فإنها حينئذٍ تحذف الألف ألف الوصل، هذه تحذف إذا وقعت بين علمين، ثم تعرب إعراب ما قبلها، إذا كانا متوالدين تعرب إعراب ما قبلها، إما صفة أو عطف بيان أو بدل، لكن إذا وقعت بين علمين غير متوالدين مثل: عبد الله بن مالك بن بحينة؛ لأن بحينة زوجة مالك وهي أم عبد الله، ومثل عبد الله بن أبي بن سلول؛ لأن سلول أم عبد الله وزوجة أُبيّ، أما إذا وقعت بين علمين متوالدين أحدهما والد للثاني فإنها تتبعه في الإعراب، تقول: عبد الله بنُ عباس بنِ عبد المطلب؛ لأن العباس ولد لعبد المطلب فتتبع حينئذٍ العباس في إعرابه.
ليس له أن يؤخر تزويج البنات الأخريات من أجل الكبرى، هذا لا يملكه هو وهذا عضْل، فمن تقدم إليها أحد من الخطاب تزوج إذا حان وقتها، إذا كانت مطيقة لذلك تزوج، ولا يجوز تأخيرها إذا تقدم لها الكفء.
هذا الكلام ليس بصحيح، مسلم حين ينفي لفظة أو ينكرها بناءً على أنها لم تثبت عنده من قوله -عليه الصلاة والسلام-، ولا يظن به أنه ينتصر لهذا المذهب الفاسد، «هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم» هذا هو الثابت عنده.
هذا إذا لم يستطع التحايل على إسقاطه، فإنه يكون حينئذٍ مكرهاً، والمكره معفو عنه.
المقصود شرح العمدة لابن دقيق العيد، واسمه: (إحكام الأحكام) مطبوع في مجلدين، وهما مع حاشية الصنعاني مطبوع في أربعة مجلدات، وهو كتاب عَسِر على طالب العلم المتوسط، وهو أصعب من جميع الشروح في تقديري، فإذا استطاع طالب العلم أن يهضمه ولا يصعب عليه شيء فإنه حينئذٍ -بإذن الله- لا يحتاج إلى معلم.
المعنى صحيح، وهذا سيأتي في آخر الزمان، وجاء ما يدل على أن الإنسان يمر على القبر فيقول: يا ليتني كنت مكانه، يعني صاحبه، يعني مكان صاحبه لكثرة الفتن.