التعليق على تفسير سورة القمر من تفسير الجلالين (03)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله رب العالمين، وصلى وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين:

أما بعد:ـ

فيقول المفسر -رحمه الله تعالى- في قوله -جل وعلا-: {وَلَقَدْ جَاء آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ} [(41) سورة القمر] {وَلَقَدْ جَاء آلَ فِرْعَوْنَ} "قومه"، {وَلَقَدْ جَاء آلَ فِرْعَوْنَ} الآل: هم الأهل في الأصل والأتباع، ويدخل فيهم الشخص دخولاً أولياً {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [(46) سورة غافر] مع أنه جاء في سورة هود أنه يقدم قومه فهل يسلم فرعون؟ لأن الله -جل وعلا- قال: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ} فماذا عن فرعون؟ دخوله في آله دخولاً أولياً {وَلَقَدْ جَاء آلَ فِرْعَوْنَ} "قومه معه"، {النُّذُرُ} "الإنذار"، نذر قضايا أنذرهم بها موسى -عليه السلام- فالمراد بـ {النذر} "الإنذار على لسان موسى وهارون فلم يؤمنوا"، والنذر يأتي ويراد به جمع النذير، والنذير والمنذر بمعنى واحد، جاءهم أكثر من منذر جاءهم موسى، جاءهم هارون، ويطلق الجمع على الاثنين، فأقل الجمع اثنان عند جمع من أهل العلم، أو يكون المراد بالنذر ما أنذرهم به وخوفهم به موسى -عليه السلام-.

فلم يؤمنوا، بل {كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا} [(42) سورة القمر]، يقول: أي "التسع التي أؤتيها موسى"، التسع:

اليد، والعصى، والقمل، والضفادع، والدم، والطمس وأيضاً، الجراد، والسنين بقت واحدة، نعم.

طالب ...........

الطوفان إيش لا، الدم نعم تسع.

طالب : ذُكر

نعم كيف؟ قبل ذلك، طيب نعيد، هات.

طالب :.........

الطوفان، الجراد، القمل، الضفادع، الدم هذه خمس، العصى، واليد، والطمس، والسنين تسع بل {كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا} أي: "التسع التي أؤتيها موسى{فَأَخَذْنَاهُمْ} الله -جل وعلا- يملي ويمهل لكنه لا يهمل، وإذا أخذ {أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ} يعني ما في مثناوية بقوة، وهذا أمر يسير عليه -جل وعلا-، {فَأَخَذْنَاهُمْ} "بالعذاب" أخذ {عَزِيزٍ} "قوي"، {مُّقْتَدِرٍ} "قادر لا يعجزه شيء"، "قادر لا يعجزه شيء"، يعني إذا نظرنا إلى قدرة البشر مثلاًَ بآلاتهم وبجموعهم وعددهم وعتادهم وجدنا أن هناك شيء من القوة، بل قوة قد تكون مهولة يعني كما حصل من التتار في منتصف القرن السابع، حيث شنوا حروب إبادة للمسلمين وقتل في بغداد وحدها في ثلاثة أيام يعني قيل: "ألف ألف وثمان مئة ألف" -مليون وثمان مئة ألف في ثلاثة أيام- قوة مهولة، وتيمور لما أحاط بدمشق فعل ما فعل نسأل الله العافية آبادها عن بكرة أبيها، محاها من الوجود، ما بقي إلا رسوم يسيرة ونفر يسير لا شأن لهم، والتواريخ ما زالت شاهدة بهذا، وما فعله النصارى بالأندلس قريباً من ذلك، قوى قد ينهار أمامها كثير من الناس لكنها مع ذلك قوى بشريه لا تعدوا أن تكون قوى بشرية، تحت قدرة الباري -جل وعلا- سلط مثل هؤلاء الظلمة على المسلمين بما كسبت أيديهم، يعني لو نظرنا إلى تاريخ المسلمين قبل حروب وغزو التتار، وجدناهم في انصراف عن ما خلقوا له وتشبث بهذه الدنيا، تمسك بها، ولهو وغفلة ومعاصي استحقوا بها هذه العقوبة التي من حكمها التصفية، والرجعة، والعودة إلى الله -جل وعلا- وهكذا حصل.

في الحروب الأخيرة في بعض البلدان المنتسبة أهلها إلى الإسلام حصل فيها شيء من هذا، لكن قبل ذلك ما كان، ماذا عن وضع المسلمين فيها؟ لا يعرفون من الإسلام إلا الاسم، لا يعرفون منه إلا  الاسم ليس هناك شر محض، يعني في بلاد البلقان شخص من الدعاة ذهب إليهم قبل الحرب، يقول: إن في شخص كبير في السن ذو لحية كثة بيضاء، ويكرر من قول: لا إله إلا الله يبيع سمك، وعنده مصحف جوامعي قطع كبير، إذا باع سمكة قطع ورقة ولف السمكة فيها وأعطاها الزبون، يعرفون من الإسلام شيئاً هؤلاء؟ ما يعرفون شيئاً، لكن شوف وضعهم الآن، تغير وضعهم فهم ليس هناك شر، ليس هناك شر محض، يعني التفت الناس إلى الدين، وتعلموا الدين، وعملوا بالدين نعم هذا الأمور التي ابتلي بها المسلمون لا يجوز للمسلم أن يفرح بها، لا يجوز للمسلم أن ينظر إلى أخيه المسلم وهو يهان، وهو يقتل، وينتهك عرضه هذا لا يجوز أن يصبر على هذا بل تجب عليه إعانته، لكن مع ذلك الله -جل وعلا- حكيم عليم، تغيرت الأحوال وتبدلت تغيراً كبيراً جداً، يعني لو نظرنا إلى ما فعله الدنمارك بالنسبة لجناب المصطفى -عليه الصلاة والسلام- هذا ليس بشر محض، كثير من بيوت المسلمين لا يعرفون عن النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا أن اسمه محمد وأنه رسول، لكن ماذا عن حياته؟ ماذا عن خصائصه، ماذا عن شمائله؟ ماذا عن سيرته؟ ماذا عن أوصافه -عليه الصلاة والسلام-؟ ما يعرفون شيئاً، كثير من بيوت المسلمين تقرأ فيها كتب السيرة والشمائل والمغازي الآن بقوة، كثير من طلاب العلم اضطروا إلى أن يرجعوا إلى المصادر فاستفادوا كثيراً، وإذا كان الكلام في عرضه -عليه الصلاة والسلام- فالله -جل وعلا- يقول عنه: {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} [(11) سورة النــور] نعم خير، شوف الآثار المترتبة على مثل هذا تغيرت أحوال المسلمين بعد غزو التتار، ورجعوا من جديد وعادوا إلى الإسلام من جديد، فلا يعني هذا أننا نفرح بمثل هذا المصائب أبداً، لكن لها جوانب وجوانب أخرى، يعني لو راجعنا مثلاً الجزء الثاني عشر من "النجوم الزاهرة" واطلعنا على ما فعله تيمور بدمشق بحيلة ماكرة، يعني شيء، أمر مخوف يجعل الإنسان يتوقع العقوبة في أي لحظة؛ لأن حالنا ليست بعيدة من أحوالهم، فعلينا أن نقرأ ونتدبر ونعتبر، وأن ما حل بالقوم يحل بنا مثل ما قص الرب -جل وعلا- عن الأمم الماضية، الآن قص علينا قصة نوح، وقصة هود مع قومه عاد، وقصة ثمود، وقوم لوط، ثم القصة الخامسة قصة فرعون مع موسى -عليه السلام-، ومآل الجميع الهلاك والدمار فليخشي الإنسان أن يقع في مثل ما وقعوا فيه، فتكون نتيجته كنتيجتهم كما سيأتي.

{أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ} [(43) سورة القمر] يعني هل أنتم أفضل منهم؟ {أَمْ لَكُم بَرَاءةٌ فِي الزُّبُرِ} معكم صكوك من الرب -جل وعلا- نزل عليكم كتب تبرئكم مما حل بهم.

{فَأَخَذْنَاهُمْ} "بالعذاب"{أَخْذَ عَزِيزٍ} "قوي" {مُّقْتَدِرٍ} "قادر لا يعجزه شيء"، الآن الأمم الكافرة وقد أجلبت على المسلمين بخيلها ورجلها بجموعها بقوتها، هل استطاعوا أن يدفعوا عن أنفسهم ما حل بهم؟ يعني ما هم يشنون حروب إبادة على المسلمين، وقع في بلدانهم كوارث من فيضانات وغرق وحرائق استطاعوا أن يردوا شيئاً، في أثناء هذه الحروب استطاعوا أن يردوا شيئاً ما استطاعوا، لكن الله -جل وعلا- ((إذا أخذ الظالم لم يفلته)) {فَأَخَذْنَاهُمْ} يعني "بالعذاب" {أَخْذَ عَزِيزٍ} "قوي"، {مُّقْتَدِرٍ} "قادر لا يعجزه شيء"، يعني النهاية أن ماتوا غرقاً خلاص، بطريقة لا يقدر عليها إلا الله -جل وعلا-، لما موسى ضرب البحر بعصاه صار طريقاً يبساً ولوجوا فيه، فتبعهم فرعون وقومه لما تكاملوا أغرقوا، ما يحتاجون ولا إلى قبور الآن في أيسر وسيلة قادر لا يعجزه شيء.

{أَكُفَّارُكُمْ} أيه المخاطبون من "قريش"، {خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ} "المذكورين من قوم نوح"، قوم هود، قوم صالح، قوم لوط، قوم موسى، يعني هل كفار قريش، ومن يأتي من بعد قريش، هل هم أفضل من أولئك الكفار؟ لا فرق، لا فرق بين كافر وكافر، الكافر من قريش، الكافر من بني هشام مثل الكافر في أبعد وأوضع قبيلة وأبعد قرية لا فرق {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ} "المذكورين من قوم نوح إلى فرعون فلم يعذبوا"، فلم يعذبوا، أكفاركم فلم يعذبوا، أو فلن يعذبوا، لم وإلا لن، والمناسب يعني أكفاركم ممن قد مات فنقول لم يعذبوا، أو ممن هو موجود وقت الخطاب، موجود وقت الخطاب نقول لن يعذبوا في المستقبل، أو من مات منهم لم يعذبوا؛ لأن لم تقلب الفعل المضارع إلى المضي، تقلب الفعل المضارع إلى المضي فلم يعذبوا في الماض، وإذا قلنا لن يعذبوا يعني في المستقبل أيهما أولى، يعني الآن الخطاب لكفار قريش،  {أَكُفَّارُكُمْ} "يا قريش"، {خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ} "المذكورين من قوم نوح إلى فرعون" هؤلاء الذين عذبوا، وانتهى أمرهم {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ} من هؤلاء الذين عذبوا فلن يعذبوا، كفاركم لم يعذبوا؛ لأنهم خير من أولئك.

{أَمْ لَكُم} "يا كفار قريش"، {بَرَاءةٌ} "من العذاب"، {فِي الزُّبُرِ} "الكتب"، يعني هل نزل من كتب الله -جل وعلا- جاء عنه ما يدل على أن لكم براء من العذاب ولو كفرتم؟ الجواب عن الأول لا، ليسوا بخير من الكفار السابقين، وليست لديهم براءة من الله -جل وعلا- فالنتيجة هي نتيجة أولئك، النتيجة الحتمية لهؤلاء هي النتيجة الحتمية التي آل إليها أمر أولئك من الأمم السابقة.

{أَمْ لَكُم بَرَاءةٌ} "من العذاب" {فِي الزُّبُرِ} يعني "الكتب"، "والاستفهام في الموضعين بمعنى النفي أي: ليس الأمر كذلك"، فلستم بخير من أولئكم ولا يوجد لديكم براءة من الله -جل وعلا- من عذابه، فمصيركم مصيرهم، ومالكم مآلهم.

{أَمْ يَقُولُونَ} [(44) سورة القمر] "أي كفار قريش"، {نَحْنُ جَمِيعٌ} "أي: جمع"، {مُّنتَصِرٌ} "على محمد"؛ لأنهم اجتمعوا واتحدوا ضد النبي -عليه الصلاة والسلام- في بدر، يقول: {نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ} يعني كلامهم قبل بدر لأن الآية مكية، وكان عمر -رضي الله عنه- يقول: لا أدري ما معنى هذه الآية؟ {يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ * سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [( 44-45) سورة القمر] ما أدري متى؟ لكن لما حصلت وقعة بدر ناشد النبي -صلى الله عليه وسلم- ربه، وألح بالدعاء، ثم خرج فقال: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} فقال عمر: الآن عرفت معنى الآية، {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}.

{أَمْ يَقُولُونَ} "أي كفار قريش" {نَحْنُ جَمِيعٌ} "أي جمع"، {مُّنتَصِرٌ} "على محمد"، ولما قال أبو جاهل يوم بدر: إنا جمع منتصر" نزل {سيهزم الجمع ويولون الدبر}"، {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} في أول السورة قال المؤلف: السورة مكية إلا {سيهزم الجمع} بناء على أن الآية نزلت لما قال أبو جهل: إنا جميع منتصر، نزل على إثر ذلك قوله -جل وعلا-: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} مع أن بعضهم يرون أن هذه الآية أيضاً مكية فالسورة كلها مكية، وأنها سيهزم يعني في المستقبل وهذا وعد من الله -جل وعلا- لنبيه -عليه الصلاة والسلام-، ولا يلزم أن يكون نزولها في وقت تحققها.

{سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}، {نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ}، {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} منتصر والدبر، منتصر مفرد، والدبر مفرد، والجميع جمع، والأصل أن يقول: نحن جميع منتصرون، سيهزم الجمع ويولون الأدبار، لكن مراعاة رؤوس الآي، مراعاة رؤوس الآي إنما يكون بالإفراد، {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} "فهزموا ببدر ونصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليهم" انتهى الأمر، ما انتهى هذا العذاب الأدنى، هذا العذاب الدنيوي، وهناك عذاب أعظم {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ} [(21) سورة السجدة].

{بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ} [(46) سورة القمر]  ما انتهى الأمر، {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ} "بالعذاب"، {وَالسَّاعَةُ} "أي: عذابها" يعني ما يعقبها من عذاب، {أَدْهَى} أي "أعظم بلية {وَأَمَرُّ} "أشد مرارة من عذاب الدنيا"، والساعة يعني العذاب الذي يعقبها، {أَدْهَى} أي "أعظم بلية" من عذاب الدنيا، من العذاب الأدنى، {وَأَمَرُّ} "أشد مرارة من عذاب الدنيا"، والمرارة إنما تذاق بالفم، الطعوم كلها إنما تدرك بالذوق عن طريق الفم، وسيأتي قوله: {ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} [(48) سورة القمر]، {ذوقوا مس سقر}.

والذي قال: {أَدْهَى وَأَمَرُّ} يعني "أشد مرارة من عذاب الدنيا".

{إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ} [(47) سورة القمر] {فِي ضَلَالٍ} يقول: "في هلاك بالقتل في الدنيا"، والضلال إنما يقابله الهدى، فهم ضالون: المجرمون ضالون عن طريق الله المستقيم، حائدون مائلون عنه ملحدون جائرون عن سواء السبيل، وهنا قال: {فِي ضَلَالٍ} يعني "في هلاك بالقتل في الدنيا{وَسُعُرٍ} "نار مسعرة بالتشديد"، "نار مسعرة بالتشديد"، مسعرة "أي مهيجة في الآخرة"، موقدة، مسجرة -نسأل الله العافية-، مسعرة يصلونها يوم الدين.

{يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ} [(48) سورة القمر] يعني "في الآخرة"، بعضهم يقول: {يُسْحَبُونَ فِي} بمعنى إلى، -يسحبون يجرون يدعون-، {يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ}، وأشرف ما في الإنسان وجهه، وإذا سحب على وجهه وجر على وجهه، ماذا يبقى له من الإكرام والاحترام؟ إذا كان يسحب على وجهه، هل يبقى له شيء من التقدير والاحترام والإكرام والإنعام؟ أبداً.

{يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ} أي "في الآخرة، {ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} يعني يقال لهم: {ذوقوا} وكثيراً ما يحذف القول ويقدر، يعني مثل ما ذكرنا في درس سابق {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم} [(106) سورة آل عمران] يعني يقال لهم: أكفرتم، "وهنا يقال لهم: {ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} إصابة جنهم لكم" وتمسكم النار.

{مَسَّ سَقَر} -نسأل الله العافية-، و{سَقَر} اسم من أسماء النار، {ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} ممنوع من الصرف؛ لأنه علم من الأعلام بالنسبة للنار، وهي مؤنثة علمية وتأنيث فهو ممنوع من الصرف.

{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ} [(49) سورة القمر] "منصوب بفعل يفسره" خلقناه، {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ} الأصل إننا، إنا دخلت على نون ناء المتكلم والأصل أنها للجمع، والعرب تؤكد فعل الواحد بضمير الجمع، {إنا} أصلها إننا، وناء بالنسبة للجماعة المتكلمين، لكن العرب تؤكد فعل الواحد بضمير الجمع، وهذا ذكره الإمام الحافظ في صحيحه في تفسير سورة {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ} [(1) سورة القدر] العرب تؤكد فعل الواحد بضمير الجمع، {إِنَّا كُلَّ} "منصوب بفعل يفسره" خلقناه، يعني إنا خلقنا كل شيء، {خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} {بِقَدَرٍ} يعني "بتقدير"، وفي هذا إثبات للقدر والإيمان به ركن من أركان الإيمان لا يصح إلا به، وظهر في أواخر عصر الصحابة من ينكر وينفي القدر، ويزعمون أن الأمر أنُف كما جاء في صحيح مسلم من حديث ابن عمر، وابن عمر قال: أخبرهم أنهم لو أنفقوا مثل أحد ذهب لم يتقبل منهم حتى يؤمنوا بالقدر، فالإمام بالقدر معروف ركن من أركان الإيمان.

ورأي أهل السنة والجماعة فيه وسط بين القدرية النفاة مجوس هذه الأمة، وبين الجبرية، أولئك ينفون القدر وأن الله -جل وعلا- لا يعلم الأشياء قبل وجودها، ولم يقدر على أحد شيئاً، والإنسان يتصرف بكامل الحرية، وله مشيئة وإرادة مستقلة عن إدارة الله ومشيئته، فيثبتون خالقاً مع الله -جل وعلا-، والجبرية على الضد من ذلك يرون أن الإنسان مجبور، وأن تصرفات المكلف وغير المكلف إنما هي كحركة ورق الشجر في مهب الريح ليس له أي دور في أعماله.

{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [(96) سورة الصافات] فهما على طرفي نقيض، وأهل السنة وسط بين القدرية الغلاة في النفي، وبين أولئك الجبرية الغلاة في الإثبات، أهل السنة وسط بينهما يرون أن المكلف له حرية، وله اختيار، وله مشيئة لكنها تابعة لمشيئة الله -جل وعلا- وإرادته، وأنه لن يخرج عما قدره الله عليه، ولن يحصل في ملك الله إلا ما يريد، وله حرية، ما أجبر على عمل لا يستطيعه، ما سلب الحرية والاختيار ثم قيل له افعل؛ ليكون تعذيبه في الجهتين تعذيبه ظلم، صار مجبور على الفعل تعذيبه ظلم، وفر القدرية من هذه الشبهة إلى ما هو شر منها فأثبتوا مع الله -جل وعلا- خالقاً أخراً، ولذا جاء الخبر بتسميتهم مجوس هذه الأمة، وأهل السنة مثل ما قلنا وسط في البابين يثبتون الحرية واختيار، ومع ذلك هذه الحرية والاختيار ليست مطلقة بل مقيدة بإرادة الله -جل وعلا-.

{بِقَدَرٍ} يقول: "حال من كل -يعني إن خلقنا كل شيء خلقناه- مقدراً"، مقدراً "حال من كل مقدراً"، "وقرئ {كل} بالرفع مبتدأ خبره خلقناه"، إذا عرفنا الناصب لكل، وننتبه للمقارنة بهذه الآية {إِنَّا كُلَّ} هذا هو المرجح قراءة النصب هي المرجح، قرئ {كُلُ} بالرفع وسيأتي {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ} [(52) سورة القمر] المرجح الرفع مع أنه بالإمكان أن يقول: فعلوا كل شيء {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ} يكون منصوب بفعل يفسره المذكور تقديره: فعلو كل شيء فعلوه فهنا المرجح النصب، وهناك المرجح الرفع لماذا؟ ما الفرق، وما السبب في ترجيح النصب هنا وترجيح الرفع هناك، إذا قلنا {كُلُ} بالرفع جعلناها مبتدأ خبره خلقناه {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [(49) سورة القمر]، ما الذي يترتب على هذا؟

طالب ...........

الشيخ : لا لا المسألة مسألة متعلقة بالاعتقاد نعم.

طالب .......... كل شيء مخلوق مثل القرآن

الشيخ : لا لا خالق كل شيء ما في إشكال، يعني يرد شيء مما لا يتعلق به الله -جل وعلا- من أسمائه وصفاته هذا خارج {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ} يعني إنا خلقنا كل شيء، يعني المخلوق كله مقدر لله -جل وعلا-، وإذ قدرنا يعني على رواية الرفع {كلُ شيء} كل شيء هذا مبتدأ خلقناه {بِقَدَرٍ} فيكون القدر متعلق بخلقناه ما هو متعلق بكل شيء على رواية النصب، القدر متعلق بكل شيء لا يخرج شيء عن تقدير الله -جل وعلا-، وإذا قلنا كل شيء خلقناه صار التقدير: بقدر متعلق بخلقناه، فيكون هناك أشياء لا يتناولها القدر مما لم يخلق؛ لأن خلقنا فعل ماضي يعني مما لم يخلق بعد لا يتعلق به القدر، يعني لو نظرنا إلى {إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [(20) سورة البقرة] بعضهم يقول: إن الله على ما يشاء قدير، أيهما أعم؟ نعم.

طالب .............

الأولى أعم بلا شك؛ لأن القدرة متعلقة بكل شيء ما يشاءه وما لا يشاءه، قدرة الله -جل وعلا- علقتها بكل شيء مما شاءه الله -جل وعلا- ومما لم يشاءه، منهم من يقول: إن الأمر في ذلك سهل؛ لأن الذي لا يشاءه الله -جل وعلا- ليس بشيء يعني عدم والعدم لا يتعلق به موجود، مثل مسألة من الدقائق تحتاج إلى انتباه، الطبري -رحمه الله- في أول سورة الملك قال:إن الله على ما يشاء قدير، والمفسر هنا ماذا قال في أول موضع؟ {إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [(20) سورة البقرة] الآية عشرين من سورة البقرة {إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ماذا قال؟ إن الله على كل شيء شاءه قدير هذا الكلام صحيح وإلا ليس بصحيح؟ نعم ليس بصحيح.

هذا الأصل أن القدرة باقية على عمومها وأنها تتناول كل شيء، لكن يشكل على هذا في صحيح مسلم في حديث أخر من يخرج من النار، لما يقول له: تمنى فيتمنى، (( يقول الله -جل وعلا- : فإني على ما أشاء قادر)). هذا يشكل على ما قررناه وإلا ما يشكل؟ يشكل، كيف نخرج من هذا الإشكال؟ يعني الطبري ما فيه، سهل نرد عليه، يعني لو لم يرد إلا كلام الطبري وهو إمام من أئمة السنة، يعني في أوائل سورة الملك قال: فإن الله على ما يشاء قادر، والمؤلف قال ذلك، والآية مطلقة.

وشيخ الإسلام رد على من قيدها لأن من المفسرين من قال: لا يوجد عام إلا وقد دخله الخصوص، وذكروا منها هذا، وشيخ الإسلام في الفتاوى قال: إن في سورة الفاتحة والورقة الأولى من سورة البقرة عمومات كثيرة جداً لم يدخلها خصوص -محفوظة- باقية على عمومها ومنها هذه الآية، لكن لا يشكل علينا إلا ما جاء في حديث مسلم: ((فإني على ما أشاء قادر))، وفي سورة الشورى {وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِيرٌ} [(29) سورة الشورى] هذه ترد علينا وإلا ما ترد؟ {وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِيرٌ} يعني هل مفهومها أنه إذ لم يشأ لا يقدر؟ نعم أجيبوا يا أخوان، نعم، يعني يكون في ذلك ما يعرف بتعارض القُدَر، تعارض القدر ويكون هذا من باب المحال، والمحال كما قال شيخ الإسلام: ليس بشيء، ليس بشيء فلا يدخل في كل شيء، ليس بشيء أصلاً ما يتعلق به شيء لا نفي ولا إثبات، المسألة تحتاج إلى فهم دقيق يعني المسألة من دقائق المسائل، يعني لما أورد مثلاً بعض المبتدعة والمجلس مجلس علم وإلا مثل هذ الكلام ما يقال في مجالس عامة، لما أورد بعضهم بعض المفتونين قال: هل يستطيع الرب -جل وعلا- --تعالى الله عما يقولون- أن يخلق صخرة لا يستطيع تفتيتها، قالوا هذا في مثل هذا تعارض القدر فيه نفي وإثبات في آن واحد، لشيء واحد، متجهة لذات واحدة فهذا من باب النقيض، والنقيض عدم لا يتعلق به بشيء؛ لأنه محال، محال أن يوجد النقيضان في آن واحد أو ينتفيان في آن واحد، فمثل هذا لا يتعلق به حكم لا نفي ولا إثبات.

نكتفي بهذا لأن الموضع كل ما يبسط أظنه يزداد تعقيداً، هذا شأن المباحث الكلامية مشكلتها أنها لا تنتهي إلى حد مع أن الأمور محسومة شرعاً، يعني ولذلك الذي لا تدرك عقولهم مثل هذه الأشياء عليهم ألا يخوضوا فيها كما في مسائل القضاء والقدر، أهل العلم يحسمون هذه المسائل وينهون ويؤكدون على مسألة الكف عن الخوض فيها؛ لأنها قد توجد شبهات يضعف الإنسان عن حلها، فإذا ضعف الإنسان عن حلها صارت عالقة بذهن السامع بحيث لا يستطيع لا فهم الحل، لذا يحذرون من طرح هذه المسائل على عامة الناس، أما بالنسبة لطلاب العلم فسواء طرحت عليهم في الدروس، أو قراؤها في الكتب لا بد أن يطلعوا عليها، لابد أن يطلعوا عليها.

يقول -رحمه الله تعالى- في قوله: {وَمَا أَمْرُنَا} [(50) سورة القمر] "لشيء نريد وجوده" {إِلَّا وَاحِدَةٌ} "إلا أمرةُ" {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} يقول: "وما أمرنا لشيء نريد وجوده، {إلا} أمرةُ، {واحدةُ كلمح بالبصر} في السرعة وهي قول: كن فيوجد" {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [(82) سورة يــس]، {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} وهذا لا شك أنه تقريب وإلا إذا أراد شيئاً كان وما يشاءه يكون، قد يقول قائل: إن لمح البصر وإن كان في غاية من الخفة والسرعة إلا أنه يحتاج إلى وقت، إيش معنى وقت، يعني لا يلزم أن يكون وقت دقيقة أو أكثر أو أقل لا، المقصود أن لمح البصر يحتاج إلى وقت وإن كان يسيراً جداً بحيث لا يعتبر شيئاً يعني مثل ما جاء في ((لو أن أولكم وأخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا في صعيد واحد، فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك من ملكي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر)).

المخيط ينقص شيئاً من البحر وإلا ما ينقص، يعني يخرج يابس وإلا رطب، نعم رطب إذاً ينقص مهما كان ولو شيء يسير جداً، ما علمي وعلمك يقول الخضر يقول لموسى: (( علمي وعلمك إلا بمقدار ما نقص هذا العصفور من البحر)) لعصفور شرب من البحر، لكن كل هذا أمثلة تقريبية للمكلف، وإلا فالحقيقة لا ينقص شيئاً وهذا لا يحتاج إلى وقت البتة ولا كلمح البصر، لكن هذه أمور باعتبار أن البصر المخلوق لا يدرك أقل منها، المخلوق لا يدرك أقل من هذه الأمور فقربت له .

{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ} [(51) سورة القمر] "أشباهكم في الكفر من الأمم الماضية"، يعني كما تقدم في إهلاك قوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم لوط، وقوم فرعون في هذه السورة خمس من الأمم أهلكت وكلهم أشياع لقريش، لأنهم أمثال لهم ونظراء لهم، "أشباهكم في الكفر من الأمم الماضية{فَهَلْ مِن مُّدَّكِر}؟  "استفهام بمعنى الآمر، أي ادكروا واتعظوا".

{وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ} [(52) سورة القمر] "أي العباد مكتوب{فِي الزُّبُرِ} "كتب الحفظة"، أو في اللوح المحفوظ في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة، {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ} [(52) سورة القمر] "أي العباد مكتوب{فِي الزُّبُرِ} "كتب الحفظة" {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [(18) سورة ق]، وأهل العلم يقررون مثل هذه المسائل فيقولون: إن الحفظة تكتب كل شيء سواء كان فيه ثواب أو عليه عقاب، أو لا ثواب فيه ولا عقاب وهو مقتضى النصوص العامة، ومنهم من يقول: إنه لا يكتب إلا ما عليه حساب ثواب أو عقاب؛ لأن ما لا حساب عليه لا ثوب فيه ولا عقاب يعني من قبيل المباح ما الداعي إلى كتابته؟ يقول لا فائدة من كتاباته، لكن النصوص العامة تثبت أن الملائكة تكتب كل شيء، ولذا يقول: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ}.

{وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ} [(53) سورة القمر] "من الذنب أو العمل" {مُسْتَطَرٌ} "مكتوب في اللوح المحفوظ" في كتاب {لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} [(49) سورة الكهف] وهنا يقول: {كُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ} "من الذنب أو العمل" {مُسْتَطَرٌ} "مكتوب في اللوح المحفوظ"، ومكتوب أيضاً في كتب الحفظة.

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ} [(54) سورة القمر] هناك {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ} [(47) سورة القمر] وهنا {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} [(54) سورة القمر] القرآن مثاني إذا تحدث عن حال الكفار تحدث عن حال المؤمنين، هناك {فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ} وهنا {فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ}.

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ} "بساتين" {وَنَهَرٍ} "وأريد به الجنس" وإلا فلأصل أنهار فيها أنهار، "أريد به الجنس"، وعدل عن الجمع إلى المفرد مراعاة لرؤوس الآي كما تقدم نظيره مراراً وإلا فالمراد الجنس، "وقرئ بضم النون والهاء نُهُر جمعاً كأسد وأُسُد المعنى أنهم يشربون من أنهارها الماء واللبن والعسل والخمر" {فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ} [(15) سورة محمد] إلى آخره وهذه الأنهار تجري من تحتهم، وتجري بغير أخاديد ولا تحيد ولا تميل يميناً ولا شمالاً.

أنهارها في غير أخدود جرت

 

سبحان ممسكها عن الفيضان

لا تحيد يميناً ولا شمالاً مع أنها ليس فيها أخاديد وتجري من تحتهم، وفيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، يعني هل يخطر على قلب بشر أن النهر يجري من تحت الإنسان؟ لا يصيبه، وليس فيه أخدود، ولا يميل يميناً ولا شمالاً، يعني من العجائب أن يوجد عين تنبع عين ضعيفة جداً تنبع وتسير على الأرض، وتقصد الجهة المرتفعة دون النازلة يعني هذا شيء مذهل بالنسبة للإنسان؟ هذا شيء مذهل، يعني وجدت هذه في الدنيا فكيف بأنهار الجنة، يعني الناس ينظرون إلى هذا العين وهي ضعيفة جداً تنبع من الأرض والأرض قريبة من الاستواء إلا أن جهة من جهاتها فيها شيء من الارتفاع وتصعد، هذه بالنسبة لعقل البشر وتقدير البشر ووسائل البشر فيها شيء من الاستغراب، لكن فكيف بهذه الأنهار، أنهار تتدفق تجري من تحتهم، وهذا نهر ماء، وهذا نهر لبن، وهذا نهر خمر، وهذا نهر عسل، وكلها من غير أخاديد {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍَ} [(17) سورة السجدة] فهذه الأمور حقيقة ينبغي أن يقف عندها المسلم لا سيما طالب العلم؛ لأنها تحدوه إلى العمل.

منهم من فسر {نهر} بالضياء أخذاً من النهار الذي فيه الضياء، {في جنات} وضياء لا ظلام؛ لأن بساتين الدنيا بأشجارها قد تحجب هذه الأشجار الأنوار، فيكون فيه شيء من الظلام لا سيما فجر الليل وما قرب منه، يقول: {ونهر} فيه ضياء، وذكروا في هذا قول الشاعر:

لست بليل ولكني نهِر

 

لا أدرج الليل ولكن أبتكر

يعني من النهار نهاري وليس بليلي ما يسهر، وعمله كله بالنهار، على كل حال هذا قول فيه بعد والنهر واحد الأنهار، وأُثر الإفراد مراعاة لرؤوس الآي.

{فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ} [(55) سورة القمر] "مجلس حق لا لغو فيه ولا تأثيم وأريد به الجنس"  {مَقْعَدِ صِدْقٍ}، مقعد مضاف والمفرد إذا أضيف أفاد العموم، {مَقْعَدِ صِدْقٍ} "مجلس حق لا لغو فيه ولا تأثيم، وأريد به الجنس" يعني مقاعد ومجالس، ((المقسطون على منابر من نور، المقسطون على منابر من نور، عن يمين الرحمن الذين يعدلون في أنفسهم وأهليهم وما ولوا وما ولو)) وقرئ {مقاعد} في مقاعد صدق، "المعنى أنهم في مجالس من الجنات سالمة، في مجالس من الجنات سالمة من اللغو والتأثيم بخلاف مجالس الدنيا" التي لا تسلم غالباً من اللغو والتأثيم، "فقل أن تسلم من ذلك وأعرب هذا خبراً ثانياً".

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} [(54) سورة القمر]، {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ} [(55) سورة القمر] خبر ثاني، خبر بعد خبر، خبر ثاني وأعرب "بدلاً وهو صادق ببدل البعض، {فِي جَنَّاتٍ}، {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ} مقعد الصدق بعض من الجنات يعني إن المتقين في جنات في مقعد صدق، يعني خبر بعد خبر وتتعدد الأخبار.

من يك ذا بت فهذا بت

 

مصيف مقيض مشت

 أخبار متتابعة، ويجوز أن يكون بدل بدل بعض من كل، {في مقعد} المقعد بعض بالنسبة للجنة وصادق ببدل البعض وغيره الذي هو بدل اشتمال، بدل اشتمال يصدق به أيضاً؛ لان الجنة مشتملة على المقعد فيكون من باب بدل الاشتمال، "وهو صادق ببدل البعض وغيره".

{عِندَ مَلِيكٍ} [(55) سورة القمر] فعيل صيغة مبالغة، يقول: "مثال مبالغة" من ملك، وملك أيضاً مبالغة، فعل، مبالغة والأصل مالك اسم الفاعل، وهذه صيغ المبالغة التي منها فعيل وفعل، {مَلِيكٍ} مثال مبالغة أي عزيز الملك، "عزيز الملك واسعه".

{مُّقْتَدِرٍ} "قادر لا يعجزه شيء وهو الله -جل وعلا-" قادر، وأي قدرة أعظم من أن يجازي آخر من يدخل الجنة أخر من يخرج من النار بعشرة أمثال ملك أعظم ملك في الدنيا، يعني لو تصورنا ملك ذو القرنين أو ملك هارون الرشيد على سعته، يكفيك ملك هارون الرشيد يقول نعم، (( لك ومثله ومثله إلى عشرة أمثاله))، {مُّقْتَدِرٍ} "قادر لا يعجزه شيء وهو الله تعالى".

وعند، {الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ} يعني بالنسبة للمخلوق، إذا قيل: عند مليك معناه هكذا الملك جالس هنا، وهذا عنده هذا بالنسبة للمخلوق واضح ولذا يقول: "وعند، إشارة إلى الرتبة والقربة من فضله تعالى"، أو منه صفة القرب ثابتة، وإلا ما هي بثابتة ؟ ثابتة بالنسبة لله -جل وعلا- قرب يليق بجلاله وعظمته فلا نحتاج إلى مثل هذا إشارة إلى الرتبة والقربة من فضله تعالى، فصفة القرب ثابتة لله -جل وعلا-، ومعروف أن القرب يكون من الجانبين، فإذا كان الرب قريب من ربه، فالعبد قريب من ربه، وأقرب ما يكون العبد قريب من ربه وهو ساجد.

والله اعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين...

"
يقول: أنا شخص كنت أقوم الليل، أقوم من الليل كهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم إني بدأت أترك القيام شيئاً فشيئا حتى تركته؟ فما الأسباب المعينة على قيام الليل؟

أولاً: تعلم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- "إذا عمل عملاً أثبته" وأنت لو أنك من الأصل ما تقوم كان أسهل من كونك تقوم ثم تترك؛ لأن ترك الشيء عدولاً عنه ورغبة عنه يدل على ضعف في التدين -ضعف طارئ-، كنت على قدر من التدين قوي ومتين ثم بعد ذلك أصبحت تتنازل عنه، ((وأحب الأعمال إلى الله أدومه وإن قل))، فحاول أن تعود إلى قيام الليل تدريجياً، وإن كنت لا تستطيع أن تقوم بعد النوم فتوتر قبل أن تنام.

يقول: هناك بعض المطاعم تأتي بلحوم من خارج المملكة، ويقول: ولقد وردني أن طريقة ذبحها غريبة، يقول: إن هناك جهاز ينطق ببسم الله وهو نفس الجهاز ويذبح الحيوان دجاج أو غنم أو بقر؟

هذه ليست بذبحية، الذبح إنما هو يكون بيد مكلف، ويذكر اسم الله عليه، والمكلف إما مسلم أو كتابي لا يجوز ذبح الآلات من غير حضور مكلف وتسمية المكلف.

يقول: يكثر في مدينة جدة نقل الطالبات والمعلمات، والغالب على من يقوم بتوصيلهن مجموعة من الأخوة المستقيمين، فهل يعتبر إذا لم تبق في الحافلة إلا واحدة من الطالبات خلوة مع وجود فاصل زجاجي داخل المدينة، وهل هذا يعد من الدخول على النساء؟

لاشك أن هذه خلوة، وعلى الذي ينقل الطالبات داخل البلاد دون سفر أن يتخذ محرماً من محارمه؛ لئلا تحصل الخلوة المحرمة.

يقول: في قوله تعالى في أواخر سورة الزمر: {لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [(58) سورة الزمر] أنه لم يقل فأكون من المسلمين، أو من المؤمنين، بل ذكر الإحسان؛ لأنه أعلى الدرجات؟

هو بعد ما عاين وتمنى الرجعة لا شك أنه لن يتمنى الأدنى مع قدرته على الأعلى، وكل واحد حتى من الأحياء من المسلمين يتمنى أن يكون محسناً مع أن من تمنى هذا الأمنية بعد أن عاين، أخبر الله -جل وعلا- عنه وعن أمثاله أنه سوف يعود إلى ما كان عليه قبل وفاته {وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ} [(28) سورة الأنعام].

يقول: ما حكم الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج؟

بدعة ما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا صحابته الكرام، ولا سلف هذه الأمة ولو كان خيراً لسبقونا إليه.
الأمر الثاني: أن معرفة الليلة التي أسري فيها بالنبي -عليه الصلاة والسلام- محل خلاف بين أهل العلم لم يتفق عليها.
وما حكم صنع الحلويات في هذا اليوم؟
تابع له، المرتب على البدعة بدعة أيضاً.
وهل ورد أثر في تخصيص هذا اليوم بعبادة أو صوم أو ...؟
لم يرد فيه شيء، جميع ما ورد فيه لا أصل له.

يقول: عندما يريد طالب العلم قراءة تفسير مختصر القرآن، هل من أول القرآن لآخره من قراءة سريعة، بحيث يأخذ فكرة عامة عن معنى هذه الآيات التي في السور؟ ومن ثم يقرأ من المطولات، أم أنه يبدأ من أول القرآن بتفسير مطول مفصل...

يقول: عندما يريد طالب العلم قراءة تفسير مختصر القرآن، هل من أول القرآن لآخره من قراءة سريعة، بحيث يأخذ فكرة عامة عن معنى هذه الآيات التي في السور؟ ومن ثم يقرأ من المطولات، أم أنه يبدأ من أول القرآن بتفسير مطول مفصل مثل: تفسير ابن كثير والطبري، أو يبدأ بالأجزاء الأخيرة ويقرأ في تفسيره على مختلف درجاتها؟
على كل حال الطالب المبتدئ يقرأ في المختصرات، ويقرأ في كتاب واحد يعتمده أما تفسير الشيخ ابن سعدي، أو تفسير الشيخ فيصل بن المبارك، ويقرآه من أوله إلى آخره قراءة درس كمتن من المتون، ويهتم بالكلمات الغريبة، ويراجع تفسير غريب القرآن للسجستاني، أو ابن قتيبة، أو المفردات للراغب، أو غيرها، يهتم؛ لأن معرفة الغريب يحل عند طالب العلم كثير من الإشكالات، ويعني أيضا بالإشكال بالنسبة للمعاني، المشكلات من ذلك مشكل القرآن لابن قتيبة وغيره، ويقرأ بعد ذلك ما يناسب الطبقة التي تلي طبقته من الكتب المتوسطة، فإذا قرأ في تفسير الشيخ ابن سعدي وتفسير الشيخ فيصل مع الجلالين استفاد فائدة عظيمة، ثم ينتقل إلى تفسير ابن كثير والشوكاني ثم بعد ذلك ينتقل إلى التفاسير المطولة.

يقول: ما حكم إزالة شعر الوجه للمرأة من غير الحاجبين؟

المرأة، الشعر الذي يخرج في وجه المرأة إزالته داخل في النمص إلا ما يقذرها، بحيث تقذر به، وتعاب به، ومن ذلك كما قال أهل العلم: لو خرج في موضع الشارب أو اللحية فإنها تزيله.

يقول: يوجد في الأسواق أسور يوضع على معصم اليد يفيد في إزالة الموجات الكهربائية من الجسم، ما حكم استخدامه وهل يعتبر تِولة؟

ينظر فيه الآن هو اتخذ سبب لإزالة هذه الموجات، كونه سبب شرعي، ليس بسبب شرعي؛ لأنه لم يرد فيه نص، كونه سبب عادي إذا اتفق أهل الخبرة والمعرفة وجرب واضطرد في ذلك، واحتيج إليه، احتاج إليه بعض الناس ممن تزيد عنده هذه الموجات ووصف له كعلاج لا بأس إذا كان مطرداً، أما إذ لم يعرف بذلك فهو من الشرك؛ لأنه ليس بسبب عادي ولا شرعي فلابد أن ينتبه لهذا، وقد يحتاجه فلان فيصرف له، وقد لا يحتاجه فلان فيكون من النوع الثاني.

يقول: هل جلوس الإمام في غرفة تابعة للمجسد يذكر الله يدخل في أجر من جلس إلى الإشراق، وهل الحديث ((ثم جلس في مصلاه)) يعم جميع المسجد؟

المسجد كله مصلى، ما كان داخل سور المسجد فهو كله مصلى، لكن المصلى الأخص هو المكان الذي أدى فيه الصلاة، فإن أمكنه أن يجلس فيه بلا مشقة فدخوله في النص قطعي يبقي بقية أجزاء المسجد، إن كان جلوسه في مكان أخر أرفق به ومما يعينه على الجلوس فالمسجد كله مصلى.

هذا يقول: ثناؤك في الدرس الأول على التصنيف، وأنه يحفظ اسم المصنف يفرحنا كثيراً، ويجعلنا نسأل عن شروحاتك المكتوبة التي نطالبك بها من زمن كشرح نظم النخبة وغيرها، فهل هناك كتب تحت الطبع؟

أما بالنسبة للمكتوب فكثير، لكنه بيد غيري على كثرة التفريغات تحتاج إلى مراجعة، والوقت يعني ما يسعف بمراجعة كل ما كتب فنحتاج إلى شيء من الوقت، أما نظم النخبة فيصدر قريباً -إن شاء الله تعالى-.

هذه من المغرب تقول: هل اللعب على الورق وما يمسى بالكارطا عندنا جائز، كما أنني حلفت ألا ألعبها وبعد ذلك حنثت فهل علي كفارة؟

نعم الكفارة لازمة، واللعب بالورق إذا كان لمجرد التسلية وليس فيه ضياع للوقت، ولا صد عن ذكر الله، ولا عن الصلاة، ولا يترتب عليه ألفاظ بذيئة، وليس فيها جعل مالي فإذا توافرت هذه الشروط فجمع من أهل العلم يطلقون الكراهة في مثل هذا، ولمشابهته للشطرنج التي جاء التحذير منها منع جمع من أهل العلم هذا الباب بالكلية وسدوه بالكلية، لكن العبث اليسير الذي لا يترتب عليه شيء، لا شك أن له أصل عبث يسير لا يترتب عليه شيء، كنتف عود مثلاً، أو إدخال للخاتم ولعب به وما أشبه ذلك هذا كله لا يؤثر، هذا من العبث واللهو الذي له أصل، أما ما عدا ذلك مما يترتب عليه شحناء وبغضاء كالعلل الموجودة في تحريم الخمر فإن هذه لا تجوز بالكلية ألبتة.

يقول: ما الكتب التي يعتمد عليها طالب علم الحديث معرفة رجال الأسانيد والحكم عليها، ومن هم شيوخهم وطلابهم مع ذكر أحسن الطبعات؟

معروف أن كتب الرجال كثيرة ومتشعبة، منها تواريخ الإمام البخاري، وسؤالات الإمام أحمد وعلله، ومنها أيضاً ما كتبه الإمام على بن المديني ويحيى بن معين والأئمة الكبار، والجرح والتعديل لأبن أبي حاتم، والثقات والمجروحين لابن حبان، ثم بعد ذلك ما يدور في فلك الكتب الستة الكمال للحافظ عبد الغني، وتهذيبه للحافظ المزي، وتهذيب تهذيبه لابن لحجر، والتقريب والكاشف والتذهيب وغيرها من الكتب، كلها ولله الحمد موجودة ومتداولة، أما ذكر أحسن طبعاته فتحاج إلى وقت لعله أن يتيسر في ذلك شيء مكتوب.

يقول: ((ما من امرأة خلعت ثيابها في غير بيت زوجها إلا هتكت الستر بينها وبين ربها)) هل هذا الحديث صحيح؟

نعم، ثابت.
وهل يدخل في هذا إذا خلعت المرأة ثيابها في غرف تبديل الملابس في بعض المحلات لتجرب الفستان؟
نعم يدخل فيه.
وهل يدخل أيضاً إذا خلعت ملابسها في المشاغل النسائية لإزالة الشعر وغيره؟
نعم يدخل فيه، لكن لو زارت أهلها أو أحداً من محارمها أو أقاربها أو احتاجت أن تسكن في بيت أخر غير بيت زوجها، ثم احتاجت إلى خلع الملابس فلا مانع؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لفاطمة بنت قيس: ((اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك)).

يقول: بعض العلماء ألحق الماتريدية والأشاعرة المتقدمين بأهل السنة الحنابلة، وعلل ذلك بكون الخلاف في بعض مسائل الاعتقاد يسوغ لإمكان الاجتهاد فيها...

يقول: بعض العلماء ألحق الماتريدية والأشاعرة المتقدمين بأهل السنة الحنابلة، وعلل ذلك بكون الخلاف في بعض مسائل الاعتقاد يسوغ لإمكان الاجتهاد فيها، فقد اختلف أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- في بعضها، وفرق بين المتأخرين منهم والمتقدمين، وقال: بإن المتأخرين أتوا بطوام لم يكن عليها أسلافهم؟
لا شك أن المتأخرين بعد أن ألزموا بلوازم التزموا بها، فأخرجتهم عن مسار أئمتهم المتقدمين، والسفاريني ذكر في مقدمة شرحه لعقيدته أن أهل السنة ثلاث فرق:
الأثرية وإمامهم الإمام أحمد بن حنبل.
والأشعرية وإمامهم أبو الحسن.
والماتريدية وإمامهم أبو منصور، لكن هذا الكلام لم يوافق عليه، وكون الصحابة اختلفوا في بعض مسائل الاعتقاد كالروية مثلاً، كرؤية النبي -عليه الصلاة والسلام- لربه وما أشبه ذلك، يجعل المتأخر له حق النظر فيما اختلفوا فيه، أما ما اتفقوا عليه فليس له حق النظر، ما اتفقوا عليه وأجمعوا عليه لا يسوغ لأحد النظر فيه، ولا يسوغ فيه خلاف ولا الاجتهاد، ما دام الصحابة اتفقوا على ذلك، فكيف يقال: إن الأشاعرة الذين ينفون الصفات التي أجمع عليها سلف الأمة يتأولونها يقال: هم من أهل السنة لا، نعم لو قيل إنهم أقرب إلى أهل السنة نعم، أقرب من غيرهم في بعض أبواب الاعتقاد مع أنهم في بعض الأبواب هناك بعد بينهم وبين أهل السنة، وهناك لوازم ألزموا بها والتزموا بها، شيء لا يمكن أن يقروا عليه، فالذي ينكر ما ثبت عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام- بالنسبة لما يتعلق بالرب -جل وعلا- من أسماء وصفات وأفعال وما أشبه ذلك هذا لا يمكن أن يكون من أهل السنة ويخالف السنة، وكذلك الماتريدية.

هذا يقول: خرجت مع أهلي إلى السوق، واشتريت لهم أغراضاً ورجعت إلى البيت بعد العشاء، لكن رأيت كثيراً من النساء متكشفات لا يغطين شعورهن وأيديهن...

هذا يقول: خرجت مع أهلي إلى السوق، واشتريت لهم أغراضاً ورجعت إلى البيت بعد العشاء، لكن رأيت كثيراً من النساء متكشفات لا يغطين شعورهن وأيديهن يقول: لو أخبرنا أحد أن هذا في غير بلاد المسلمين ممكن نصدق، لكن هذا الشيء موجود في بلاد غير بعيدة عن الحرمين الشريفين؟
على كل حال التبرج موجود والمخالفات موجودة، التبرج موجود في بلاد الحرمين وغيرها من البلدان، ولا شك أن هذا تساهل من أولياء الأمور بالنسبة للنساء، والنساء بحاجة إلى أن يحزم أمرها من قبل وليها ولا يترك لها هذا الأمر؛ لأنها ضعيفة وسريعة التأثر والتقليد، النساء من القدم على هذا إلا من منّ الله عليها بالهداية، ولذا جاء النهي عن التبرج في نصوص الكتاب والسنة {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [(33) سورة الأحزاب]، لكن كما أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- ((لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القُذة بالقُذة)) وذكر القرطبي أن من مظاهر تبرج الجاهلية الأولى يقول: شق القميص من الجانبين، نظرت إلى أسواق المسلمين وما يعرض فيها وجدت هذا الأمر موجوداً، وهي معصية من المعاصي مخالفة من المخالفات، ولا شك أن لها أثرها على الشباب وغير الشباب ممن يفتتن بهذه المظاهر والمناظر، فهي شريكة لمن يفتتن بها بل هي السبب في فتنة الرجال بها.
وفتنة الرجال بالنساء هي أخوف ما يخافه النبي -عليه الصلاة والسلام- على هذه الأمة، وقد وقع ما خافه وجد التبرج، وجد التحرش من الجنس الثاني، ولا شك أن الطرفين شريكان في هذا الأمر والمسؤولية والتبعية تقع أولاً على ولي أمر المرأة، المرأة نفسها المباشرة، ثم على ولي أمرها، ثم على ولاة الأمر عامة، وولاة الأمر كما هو معلوم وظفوا لمن ينكر هذا الأمور في الأسواق، ولكن لا شك أن المسألة تحتاج إلى مزيد عناية ومزيد حزم في هذا الباب ونسأل الله التوفيق للجميع.

يقول: ما نصيحتكم لنا من الآن حتى نعان على العبادة في رمضان؟

عليك أن تتعرف على الله -جل وعلا- في الرخاء، يعني في أيام السعة في مثل هذه الأيام؛ لأن أيام المواسم إنما يستفيد منها ويستغلها من تعرف على الله في الرخاء، أما شخص عاش على اللهو والغفلة ثم بعد ذلك إذا جاءت أيام المضاعفات أراد أن يستغلها فهذا في الغالب لا يعان.

يقول: سؤالي عن صحة قول بعض المفسرين: بأن يوسف -عليه السلام- تزوج بامرأة العزيز بعد وفاة زوجها، ووجدها عذراء، ورزق منها بنين؟

هذا يتداوله بعض المفسرين الذين لهم نهم بالإسرائيليات، والله أعلم بصحة ذلك.

يقول: هل وضع لافتة على الطريق مراقب بالرادار يعد من الكذب؟

يعني إن كان ليس بمراقب فهو كذب، إن خالف الواقع صار غير مراقب بالفعل فهو كذب.

يقول: هل يجوز مشاهدة الصور الجنسية، أو الأفلام بحجة تعلم فنون المعاشرة؟ وهل يجوز للزوج إجبار زوجته على مشاهدة مثل هذه الأفلام؟

لا يجوز له هو فضلاً عن أن يجبر زوجته، ولا يجوز له اقتناء مثل هذا الأفلام.

يقول: لماذا لم يهلك الله -عز وجل- هذه الأمم الكافرة به -سبحانه وتعالى- المشركة، رغم أنهم قد فعلوا في الأرض أكثر، وأكثروا فيها الفساد، وفعل، يقول: وفعل بوش وأعوانه للمسلمين كما فعل فرعون وأعوانه بموسى ومن معه، فما الحكمة من عدم إهلاكهم؟

أولاً: الأمم التي أهلكت آذت من لا يستحق الأذى، آذت أنبياء، آذت أولياء، وأما بالنسبة للأمم المتأخرة فلا شك أن فيهم ظلم وطغيان وجبروت، ولديهم من الأسلحة الفتاكة التي يتوصلون إلى أذى المسلمين أكثر مما كان عليه الأمر في السابق، لكنهم سلطوا على المسلمين بذنوبهم هم ظلمة ومستحقون للانتقام من الله -جل وعلا-، لكن بالمقابل الطرف الثاني {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [(30) سورة الشورى] يعني فرق بين من يتصدى لنبي من الأنبياء ويؤذيه ويؤذي أصحابه والمتبعين له المقتدين به، وبين من يؤذي، بعضهم استحق هذا الأذى بذنوبه، والبعض الآخر يبعثون على نياتهم؛ لأن المصائب إذا نزلت عمت الصالح والطالح، وكثير منهم شركاء، والساكت عن الحق والساكت عن الإنكار مستحق للعقوبة، على كل حال هذا ابتلى من الله -جل وعلا- وهذا تمحيص، لا يعني أنهم استحقوا هذا العذاب بمعنى أنه لا يلام من آذاهم؛ لأن الإنسان، والمسائل مثل هذا المسائل يكون فيها أكثر من طرف، يكون فيها أكثر من طرف، دعونا في أمور فردية شخص من المسلمين عاصي سلط عليه ظالم، نقول: سلط عليه بما كسبت يداه هذا بالنسبة لهذا العاصي، وبالنسبة للظالم {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} [(42) سورة إبراهيم] كل له خطابه من الشرع، كل له ما يخصه من خطاب الشرع، يعني كون هذا مستحق للعقوبة؛ لأنه عاصي لا يعني أن من اعتدى عليه ليس بآثم ولا ظالم لا، فهذا مستحق لهذه العقوبة لتكفير ذنبه، وذاك ظالم بلا شك لاعتدائه على مسلم، وإن كان في الأصل مستحق لكن العقوبة ليست من البشر، العقوبة من الله -جل وعلا-، هو الذي يعاقب على هذه الذنوب، لكن قد يعاقب بعذاب الآخرة وقد يعجل هذه العقوبة على يد ولي أمر يقيم عليه الحد بأمر الله -جل وعلا-، وقد يعاقبه بتسليط ظالم عليه، لكن هذا لا يعفي الظالم من كونه مرتكب لجريمة.

يقول: أنا من الذين يتمنون العلم، وأعمل جاهداً لعمل برامج للمراجعة سواء للقرآن أو الدروس، لكنها لا تنجح؟ فبماذا تنصحونني؟

على كل حال المسألة إذا عرفت قدر العلم، إذا عرفت قدر ما تطلب ولن تعرف ذلك إلا بقراءة النصوص الواردة، والنظر في سير أهل العلم الذين صبروا على شدائد التحصيل، هذا يعطيك دفعة قوية لمضاعفة الجهد، فعليك أن تعنى بهذا الأمر وتتابع الحفظ والمراجعة.

هذا يقول: ما هي أحكام الزينة المتعلقة بالعروس سواء ليلة الدخلة أم ليلة العقد، وهل تظهر بكامل زينتها للنساء أم هو خاص للزوج فقط، مع العلم بوضع رموش تركيبة على رموش العين...

هذا يقول: ما هي أحكام الزينة المتعلقة بالعروس سواء ليلة الدخلة أم ليلة العقد، وهل تظهر بكامل زينتها للنساء أم هو خاص للزوج فقط، مع العلم بوضع رموش تركيبة على رموش العين، ورسم الحواجب بقلم الكحل الأسود، أو بني، أو إدعاج العين برسم من الألوان المختلفة؟
الزينة ليلة العرس معروف أنها مطلوبة لكنها في الأصل للزوج، الأصل أن التزين إنما يكون للزوج، ولا مانع أن تخرج بزينتها للنساء بالحدود الشرعية بالأمور المباحة؛ لأن حكم النساء حكم المحارم فلا تبدي من بدنها ما لا يجوز إظهاره لغير المحارم.
مع العلم بوضع رموش تركيبة على رموش العين؟
هذا وصل لا يجوز.
رسم الحواجب بقلم الكحل الأسود أو بني أو إدعاج العين؟
هذا إذا سلم من التشبه وكان بلون الشعر، أو بلون أخر غير لون البشرة، بحيث إذا رآها الرائي قال: إنها نامصة، فهذا، وسلم الأمر في ذلك كله من التشبه، فالأمر فيه سعة -إن شاء الله تعالى-.

يقول: أخذت على نفسي عهداً ألا أحضر درساً يشغلني عن وردي اليومي من القرآن فهل هذا صحيح؟

نعم صحيح، وردك اليومي من القرآن لابد أن تعتني به ولا تتركه على الفراغ؛ لأن بعض طلاب العلم يترك القرآن في أوقات الفراغ، فإذا تقدم إلى الصلاة قبل الإقامة بربع ساعة أو أقل أو أكثر قرأ القران وإلا فلا، هذا لن يقرأ القرآن حتى يكون له ورد مخصص محدد له أول وله أخر في كل يوم، وطالب العلم يليق به جداً أن يقرأ القرآن في سبع ولا يشق عليه ولا يعقه عن أي عمل من الأعمال، في وقت ضائع يصلي الصبح ويجلس في مصلاه يقرأ القرآن حتى تنتشر الشمس، وحينئذ يقرأ القرآن في سبع وهذا لا يعقه عن شيء، لا من أمر دينه ولا دنياه.

يقول: رجل لا يستطيع المشي ويسكن في الدور الثاني؟ هل يجب عليه أن يذهب إلى صلاة الجماعة ولو بشراء عربية يركب عليها؟

صلاة الجماعة واجبة بالنسبة لمن يسمع النداء، لما جاء ابن أم مكتوم ورجل أعمى بعيد عن المسجد، وبينه وبين المسجد وادي وفيه مشقة عليه، رخص له النبي -عليه الصلاة والسلام- في أول الأمر، ثم قال له: ((أتسمع النداء))، قال: نعم، قال: ((أجب لا أجد لك رخصة)) فإذا كان يستطيع شراء العربية بما لا يشق عليه في ماله فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

يقول: بخصوص كفارة الإطعام، هل يجوز إخراج نوع من الطعام لا يحبه المخرج، بينما يحبه من يأكله؟

{لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} [(92) سورة آل عمران] {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ} [(267) سورة البقرة] كل هذا يدل عل أن الإنسان عليه أن يخرج مما يحب، لكن قد يكون كما هو حال بعض الناس يحب أشياء يتفرد بها، بينما غيره لا يحبها فينظر إلى الأنفع للمتصدق عليه.
بخصوص العدد، هل يكون احتساب العدد بالنسبة لمن يأكل هذا المقدار، أو بالنسبة لمن يكفيهم هذا الطعام؟
إذا كان الطعام نيئاً غير مطبوخ فالمعتبر أنه بالكيل المعروف نصف صاع، نصف صاع لكل مسكين -خمسة آصع- كفارة اليمين، أما إذا كان مطبوخاً وقدر مثلاً أن هذا الطعام طعام على ما يقولونه في المطاعم عشرة أنفار فإن هذا يكفي؛ لأن القصد الإطعام.

يقول: عمري خمس وثلاثون سنة، وأقسم بالله أن عندي رغبة شديدة لطلب العلم وبعض الأخوة يقولون: لا تستطيع أن تكون طالب علم مؤصل، فهل أستطيع أن ابدأ بطلب العلم بعد هذا العمر، وكيف ابدأ؟

تستطيع، وحفظ القرآن عجائز جاوزن السبعين من العمر، وصالح بن كيسان بدأ بطلب العلم على أحد الأقوال وعمره تسعون سنة، وأقل ما قيل في عمره خمسون، وتابع الطلب وحفظ الحديث ولازم الزهري حتى عد من كبار الآخذين عن الزهري، مع كثرة من أخذ الحديث عن الزهري يعد صالح بن كيسان من كبارهم ومن أشهرهم، وأقل ما قيل في عمره خمسون سنة فلا تيأس.