شرح مختصر الروضة - العلة
بسم الله الرحمن الرحيم،
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال –رحمه الله تعالى-: "وللعَلم المنصوب أصناف".
المقصود بالعَلَم المنصوب خطاب الوضع، المقصود به خطاب الوضع؛ لأن خطاب الوضع: ما وُضِع علمًا مُعرِفًا للحكم.
"أحدها العلة، وهي في الأصل العرض الموجب لخروج البدن الحيواني عن الاعتدال الطبيعي".
نعم العلة هي: المرض، العلة هي: السقم والمرض العرض؛ لأنه طارئ موجب لخروج البدن الحيواني سواءٌ كان في الحيوان أو في الإنسان عن الاعتدال الطبيعي، عن الاعتدال اعتدال الأمزجة الطبيعية، فتُخرجه عن اعتداله فيعتل ويمرض ويسقم، هذا الأصل فيها.
"ثم استُعيرت عقلاً لما أوجب الحكم العقلي لذاته، كالكسر للانكسار، والتسويد للسواد، ثم استُعيرت شرعًا لمعانٍ".
استُعيرت العلة عقلاً بما أوجب العقل الحكم العقلي لذاته، السبب أو علة الانكسار الكسر، أيش علة السواد؟ التسويد، لو أتيت بلون صابغ فطليت به لوحًا أبيض مثل هذا فصار حكمه السواد، لكن ما العلة الباعثة على هذا السواد؟ هو التسويد، كما أن العلة الباعثة على الانكسار الكسر.
"ثم استُعيرت شرعًا لمعانٍ:
أحدها: ما أوجب الحكم الشرعي لا محالة، وهو المجموع المركب من مقتضى الحكم وشرطه ومحله وأهله، تشبيهًا بأجزاء العلة العقلية.
الثاني: مقتضى الحكم، وإن تخلف لفوات شرطٍ، أو وجود مانع.
الثالث: الحكمة، كمشقة السفر للقصر والفطر، والدَّين لمنع الزكاة، والأبوة لمنع القصاص".
العلة استُعيرت شرعًا لمعانٍ ثلاثة تُطلق العلة بإيزاء ما أوجب الحكم الشرعي لا محالة، فالذي يُوجب الحكم الشرعي الموجب للحكم الشرعي لا محالة هو: الدليل، يقول: "وهو المجموع المركب من مقتضى الحكم" الذي هو الدليل الشرعي، الشرط يعني مع وجود الشرط، والمحل القابل "تشبيهًا بأجزاء العلة العقلية" يعني مع توافر الأسباب وانتفاء الموانع، فهذا مُوجب للحكم الشرعي لا محالة، لكن لو وُجِد دليل مع وجود مانع، وُجِد دليل مقتضي الحكم مع وجود سبب مع انتفاء سبب، كل هذا لا يوجد معه الحكم لا محالة.
{وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة:43] وجد مانع من إقامة الصلاة الحيض مثلاً انتفى سبب وهو التكليف هذا لا يقتضي الحكم.
"الثاني: مقتضى الحكم" وإن تخلف الحكم تُطلق العلة لمقتضى الحكم "وإن تخلَّف" يعني: الحكم "لفوات شرط أو وجود مانع" {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة:43] مع وجود أو فوات شرط شخص غير متوضئ هو مأمور، والعلة الموجبة هي الدليل وُجِد مانع وهو الحيض من إقامة الصلاة فالتكليف باقي، وإن كانت ممنوعة من الصلاة في وقتها.
تُطلق العلة بإيزاء الحكمة، علة القصر السفر، العلة عندنا علة وعندنا حكمة، وعندنا سفر وعندنا مشقة، فالأصل المشقة، المشقة الناتجة بسبب السفر من جهة، وبسبب الخوف من جهةٍ أخرى، فالأصل في القصر السفر مع وجود المشقة الناتجة عن السفر نفسه مع الخوف؛ ولذا جاء التقييد بقوله تعالى: {إِنْ خِفْتُمْ} [النساء:101] ثم صار القصر في السفر ولو لم تُوجد المشقة، ولو لم يُوجد الخوف؛ لأنه صدقة تصدق الله بها على عباده.
"كمشقة السفر للقصر والفطر" قد يكون هذا المسافر مرتاح في سفره أكثر من راحته في بلده، وهذا يُتصور فيمن عمله في بلده عمل شاق عامل يشتغل بالشمس ليل نهار، عامل في منجم في بلده، سافر للنزهة مثلاً وارتاح ضرب له خيمةً على بعد مائة كيلو، وصار يقصر الصلاة ويجمع، ويُفطر في رمضان، ما علة القصر علة الترخُّص، هل الأصل فيها المشقة؟ لا ما في مشقة، نقول: هذه رخصة.
نعم الأفضل في حقه أنه إن لم يتضرر مما لا يُوجد له مشقة فالنبي –عليه الصلاة والسلام- صام في السفر، وصام أصحابه في السفر منهم الصائم ومنهم المفطر، لكن إذا وجدت المشقة فالفطر أفضل، إذا زادت المشقة بحيث لا تُحتمل فيأتي حديث «أولئك العصاة» «وليس من البر الصيام في السفر» «ذهب المفطرون بالأجر» فالمسألة تدريج إن كان الصيام وعدمه على حدٍّ سواء؛ فالصيام أولى للإسراع في إبراء الذمة، إن وجدت المشقة ولو يسيرة فالفطر أفضل، إن زادت المشقة أثِم الصائم «أولئك العصاة».
"والدَّين لمنع الزكاة" ما العلة في منع الزكاة من ممن يملك النِّصاب؟ العلة والحكمة في الوقت نفسه؛ لأن العلة هنا تُطلق بإيزاء الحكمة، العلة وجود الدَّين الذي ينقص النِّصاب وهذا على المذهب أنه لا زكاة في مال من عليه دَين ينقص النِّصاب، شخص عنده مبالغ لكنه مدين للناس بأموال كثيرة فلا يبقى عنده إلا شيء أقل من النِّصاب على مذهب مالك، والتفصيل المعروف عند أهل العلم أنه إن كان المال ظاهر له حكم، وإن كان باطن له حكم...إلى آخره.
"والأبوة لمنع القصاص" الأصل القصاص القاتل يُقتل، لكن إذا كان القاتل الأب فالحكمة في منع القصاص منه الأبوة، وهي أيضًا العلة؛ لأن العلة هنا تُطلق بإيزاء الحكمة.
"الثاني: السبب وهو لغةً: ما توصِل به إلى الغرض، واشتُهر استعماله في الحبل أو بالعكس، واستُعير شرعًا لمعانٍ:
أحدها: ما يُقابل المباشرة، كحفر البئر مع التردية، فالأول سببٌ، والثاني: علة. الثاني: علة العلة، كالرمي، هو سببٌ للقتل، وهو علة الإصابة التي هي علة الزهوق.
الثالث: العلة بدون شرطها، كالنِّصاب بدون الحول.
الرابع: العلة الشرعية كاملةً، وسميت سببًا؛ لأن عليتها ليست لذاتها، بل بنصب الشارع لها، فأشبهت السبب، وهو ما يحصل الحكم عنده لا به".
"الثاني السبب" يقول: "وهو لغةً: ما توصِل به إلى الغرض" {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ} [الحج:15] يعني ما يُوصله إلى السماء، يُوصله إلى غرضه، الحبل والدلو الذي يُستخرج به الماء سبب.
"واشتُهر استعماله في الحبل أو بالعكس" يعني ما توصِّل بالغرض إليه.
طالب:........
ما معنى أو بالعكس؟
طالب:........
يقول: وهو أولى، العكس أولى، الأصل استعماله في الحبل، ثم طُرد في كل ما يُتوصل به إلى الغرض، وهنا التعليق يقول: وهو أولى؛ لأن تدرج استعمال الألفاظ يغلب فيه استعماله بالحسيات الجزئية، يعني أولاً في الجزئي يُطلق على الحبل: سبب، ثم يُعمم في كل ما يُتوصل به إلى الغرض، الحبل سبب أو السبب كل ما يُتوصل به إلى الغرض، ثم أُطلق على الحبل؛ لأنه يُتوصل به إلى الغرض.
هنا التعليق يقول: أولى، بالعكس أولاً الإطلاق الجزئي، ثم تُؤخذ منه القاعدة الكلية.
طالب:........
أين؟
طالب:........
لا، الكلام وضعي ما هو من حيث اللغة لغة العرب يعني هل هم يستعلمون الجزئيات قبل، ثم من مجموعها يتوصلوا إلى القواعد الكلية أو العكس؟
طالب:........
يعني مثل ما نقول بالنسبة للقواعد الفقهية مع مسائل الفقه، يعني هل القواعد الفقهية أُخِذت من مجموع مسائل جُمعت المسائل المشابهة لبعض الأشباه والنظائر، ثم استُنبط منها قواعد، أو القاعدة قبل ثم استُنبط منها مسائل فقهية فرعية؟
طالب:........
نظير هذا.
طالب:........
أظن الشافعية والمتكلمين لهم رأي، والحنفية لهم رأي والمسألة يطول شرحها.
"واستُعير لمعانٍ" استُعير السبب لمعان.
"أحدها: ما يُقابل المباشرة، كحفر البئر مع التردية، فالأول سببٌ، والثاني: علة" جاء شخص حفر بئر، جاء شخص وجرح سلك مائتين وعشرين، لكن جاء ثاني هو رمى هذا الشخص في البئر أو قذفه بحيث يجعله يُلامس هذا السلك المجروح، الأول مُتسبب والثاني مباشر.
لو شخص ألقى آخر من شاهق، فتلقاه آخر بسيف قبل أن يصل إلى الأرض الملقي الأعلى هذا متسبب، والمباشر هو القاتل.
لو أقبلت سيارة تمشي بسرعة، فجاء واحد ودفع شخص إليها، هذا الدافع متسبب وذاك مُباشر للقتل.
"ما يُقابل المباشرة، كحفر البئر مع التردية، فالأول سببٌ، والثاني: علة".
"الثاني: علة العلة، كالرمي، هو سببٌ للقتل" هو ما قتل لكنه رمى.
"وهو علة الإصابة التي هي علة الزهوق" الآن الرمي علة الزهوق أو علة العلة؟ عندنا رمي وإصابة وزهوق، الزهوق هو النهاية، فهل بمجرد الرمي تُزهق الروح، أو لا بُد من الإصابة مع الرمي؟ {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17].
{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ} [الأنفال:17] هنا أثبت له الرمي فكيف ينفيه عنه؟ المقصود وما أصبت {إِذْ رَمَيْتَ} [الأنفال:17] يعني إذ قذفت، ولكن الله أصاب، أنت رميت بالفعل، لكن هل أنت اللي أصبت؟ لا الله هو الذي أصاب.
"الثالث: العلة بدون شرطها، كالنِّصاب بدون الحول" سبب لوجوب الزكاة وجود النِّصاب، يقول: يُطلق السبب بإيزاء العلة بدون شرطها، فوجد النِّصاب وجبت فيه الزكاة، لكن من شرطه أو من تمام وجوب الزكاة تمام الحول.
الرابع: العلة الشرعية كاملةً، وسميت سببًا؛ لأن عليتها ليست لذاتها" هي ليست موجبة لذاتها "بل بنصب الشارع لها" الموجب هو الله سبحانه وتعالى.
"فأشبهت السبب، وهو ما يحصل الحكم عنده لا به" وهذا فيه إشكال السبب يحصل الحكم به أو عنده؟ بمعنى أن السبب هل هو مؤثر بنفسه أو ليس بمؤثر؟
طالب:........
مِن عند مَن؟
طالب:........
يحصل عنده لا به؟
طالب:........
هو لا شك أن الأسباب مؤثرة، لكن ليست مؤثرة إنما الله –سبحانه وتعالى- هو الذي جعلها مؤثرة، لا نقول مثل ما تقول الأشاعرة: أن السبب وجوده مثل عدمه، الكفيف ممكن يرى أيش المانع؟ لأن الإبصار لا يحصل بالبصر، وإنما يحصل عنده، وهذا مبني على رأيهم في إلغاء الأسباب، فعندهم يحصل عند السبب لا به، السبب ما له قيمة يعني وجوده مثل عدمه ما في فرق بين الكفيف والمبصر ما في فرق إطلاقًا من أي وجه؛ ولذا لا يحصل الإبصار بالبصر.
يحصل الرِّي والشِّبع بالأكل والشُّرب صح ولا لا؟ هم يقولون: لا، الأكل والشرب ما له قيمة هذا سبب، والأسباب ما لها قيمة، لكن يحصل الرِّي والشِّبع عندها لا بها؛ ولذا يُكررون في كتبهم أنه يجوز ما المانع من أن يرى الأعمى وهو في الصين البقة في الأندلس -صغار البعوض- أيش اللي يمنع؟ لأن الأسباب ما لها قيمة، والبصر سبب.
ولذا قال على مذهبهم: "وهو ما يحصل الحكم عنده لا به" وهذا الكلام ليس بالصحيح.
طالب:........
...على شيء؟
طالب:........
مثل الشرط.
نكمل ولا؟
طالب:........
كمل كمل.
طالب:........
يحصل الحكم به.
"الثالث: الشرط، وهو لغةً: العلامة، ومنه: {جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد:18].
وشرعًا: ما لزم من انتفائه انتفاء أمرٍ على غير جهة السببية. كالإحصان والحول، ينتفي الرجم والزكاة لانتفائهما، وهو عقليُّ كالحياة للعلم، ولغويٌّ كدخول الدار لوقوع الطلاق المعلق عليه، وشرعيٌّ كالطهارة للصلاة وعكسه المانع، وهو ما يلزم من وجوده عدم الحكم، ونصب هذه الأشياء، مفيدةً مقتضياتها حكم شرعي، إذ لله تعالى في الزاني حكمان: وجوب الحد وسببه الزنى له".
وجوب الحد وسببية الزنا؛ لأن هذا حكم تكليفي.