شرح المنظومة الحائية لابن أبي داود (4)

بسم الله الرحمن الرحيم

شرح المنظومة الحائية لابن أبي داود (4)

الشيخ: عبد الكريم الخضير

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

قال ابن حجر -رحمه الله تعالى-:

ذكر ما وقع بينه وبين الذهلي في مسألة اللفظ، وما حصل له من المحنة بسبب ذلك، وبراءته مما نسب إليه من ذلك.

قال الحاكم أبو عبد الله في تاريخه:

قدم البخاري نيسابور سنة خمسين ومائتين، فأقام بها مدة يحدث على الدوام، قال: فسمعت محمد بن حامد البزار يقول: سمعت الحسن بن محمد بن جابر يقول: سمعت محمد بن يحيى الذهلي يقول: اذهبوا إلى هذا الرجل الصالح العالم فاسمعوا منه، قال: فذهب الناس إليه فأقبلوا على السماع منه حتى ظهر الخلل في مجلس محمد بن يحيى، قال: فتكلم فيه بعد ذلك.

وقال حاتم بن أحمد بن محمود: سمعت مسلم بن الحجاج يقول: لما قدم محمد بن إسماعيل نيسابور ما رأيت والياً ولا عالماً فعل به أهل نيسابور ما فعلوا به، استقبلوه من مرحلتين من البلد أو ثلاث.

من مرحلتين يعني ثمانين كيلو استقبلوه، وليست استقبالهم على السيارات والقاطرات أو الطائرات، لا، على الأقدام وعلى الرواحل مسيرة ثلاثة أيام ليست بالسهلة عليهم أو يومين، لكنها عندهم أمر يسير، سهل عليهم؛ لأنهم وطنوا أنفسهم على هذا الأمر.

وفي رحلة ابن بطوطة التي تحدثنا عنها خرجوا من طنجة وبعد عشرة أيام يمشون عشرة أيام توفي القاضي فرجعوا ليدفنوه في طنجة، عشرة أيام، من يتحمل مثل هذا ممن ألف هذه الوسائل المريحة؟ من يتحمل أن يقف أمامه في سيارة عند إشارة ويبي يلف على اليمين؟ وواقف قدامه واحد، يتحملون الناس اليوم؟ ما يتحملون، لكن هم وطنوا أنفسهم على هذا، يسيرون على الأقدام الفراسخ، وكأنها خطوات عندهم، والله المستعان.

طالب:........

لا، مرحلتين يعني مسافة قصر، ثمانين كيلو، وثلاث مراحل مائة وعشرين كيلو، نعم مسيرة يومين، مسيرة ثلاثة أيام، نعم.

وقال محمد بن يحيى الذهلي في مجلسه: من أراد أن يستقبل محمد بن إسماعيل غداً فليستقبله، فإني أستقبله، فاستقبله محمد بن يحيى وعامة علماء نيسابور، فدخل البلد فنزل دار البخاريين، فقال لنا محمد بن يحيى: لا تسألوه عن شيء من الكلام، فإنه إن أجاب بخلاف ما نحن عليه وقع بيننا وبينه، وشمت بنا كل ناصبي ورافضي وجهمي ومرجئ بخراسان.

نعم هذه طريقة أهل العلم في مناقشة بعضهم لبعض إلى وقتنا هذا، والمشايخ ينتقد بعضهم بعضاً، لكنهم لا يظهرون ذلك للناس، يتناقشون فيما بينهم، لكن لا يظهرون ذلك للناس، وهكذا ينبغي أن يكون أهل العلم لا يشمت بهم الأعداء، ولا يتفرق بسببهم الجهال.

فقال لنا محمد بن يحيى: لا تسألوه عن شيء من الكلام، فإنه إن أجاب بخلاف ما نحن عليه وقع بيننا وبينه، وشمت بنا كل ناصبي ورافضي وجهمي ومرجئ بخراسان، قال: فازدحم الناس على محمد بن إسماعيل حتى امتلأت الدار والسطوح، فلما كان اليوم الثاني أو الثالث من يوم قدومه قام إليه رجل فسأله عن اللفظ بالقرآن، فقال: أفعالنا مخلوقة، وألفاظنا من أفعالنا، قال: فوقع بين الناس اختلاف.

وصار هذا مفتاح شر، هذا الذي سأل هذا السؤال، ويفعله بعض الناس اليوم، يفعله، يشوف يرى الناس مقبلين على شخص فيريد إسقاطه على حد اصطلاحهم، فيسألوه مثل هذا السؤال، ثم بعد ذلك تحصل الفتن، وتحصل المشاكل، ويحصل العداء والتحريشِ، وتزداد الأمور والطلاب يستوشون ويفشون مثل هذا الكلام، لا سيما جهالهم، فتزداد الشقة، وإلا فالأصل أن الخلاف يسير جداً، نعم.

فلما كان اليوم الثاني أو الثالث من يوم قدومه قام إليه رجل فسأله عن اللفظ بالقرآن، فقال: أفعالنا مخلوقة، وألفاظنا من أفعالنا، قال: فوقع بين الناس اختلاف، فقال بعضهم: قال: لفظي بالقرآن مخلوق، وقال بعضهم: لم يقل، فوقع بينهم في ذلك اختلاف، حتى قام بعضهم إلى بعض، قال: فاجتمع أهل الدار فأخرجوهم.

وقال أبو أحمد بن عدي: ذكر لي جماعة من المشايخ أن محمد بن إسماعيل لما ورد نيسابور، واجتمع الناس عنده حسده بعض شيوخ الوقت، فقال لأصحاب الحديث: إن محمد بن إسماعيل يقول: لفظي بالقرآن مخلوق، فلما حضر المجلس قام إليه رجل، فقال: يا أبا عبد الله ما تقول في اللفظ بالقرآن مخلوق هو أو غير مخلوق؟ فأعرض عنه البخاري، ولم يجبه ثلاثاً، فألح عليه، فقال البخاري: القرآن كلام الله غير مخلوق، وأفعال العباد مخلوقة، والامتحان بدعة، فشغب الرجل، وقال: قد قال: لفظي بالقرآن مخلوق.

إلزام، ما دام قال: أفعالنا مخلوقة، يعني كما نطق بذلك القرآن {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [(96) سورة الصافات] فأفعال العباد مخلوقة، وللإمام البخاري مصنف في هذا (خلق أفعال العباد) لكن ألزموه بأنه ما دام يقول هذا الكلام فلا بد أن يقول: لفظي بالقرآن مخلوق، هو ما قال هذا، وهذا اللفظ المجمل لا يقوله البخاري ولا غيره، مسألة اللفظ؛ لأن اللفظ يطلق ويراد به الملفوظ، ويطلق ويراد به التلفظ، نعم.

وقال الحاكم: حدثنا أبو بكر بن أبي الهيثم حدثنا الفربري قال: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: إن أفعال العباد مخلوقة، فقد حدثنا علي بن عبد الله قال: حدثنا مروان بن معاوية قال: حدثنا أبو مالك عن ربعي بن حراش عن حذيفة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أن الله يصنع كل صانع وصنعته)).

قال البخاري: وسمعت عبيد الله بن سعيد يعني أبا قدامة السرخسي يقول: ما زلت أسمع أصحابنا يقولون: إن أفعال العباد مخلوقة.

قال محمد بن إسماعيل: حركاتهم وأصواتهم وأكسابهم وكتابتهم مخلوقة، فأما القرآن المبين المثبت في المصاحف، الموعى في القلوب، فهو كلام الله غير مخلوق، قال الله تعالى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [(49) سورة العنكبوت].

قال: وقال إسحاق بن راهويه: أما الأوعية فمن يشك أنها مخلوقة؟ وقال أبو حامد بن الشرقي: سمعت محمد بن يحيى الذهلي يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق، ومن زعم لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع، ولا يجالس ولا يكلم، ومن ذهب بعد هذا إلى محمد بن إسماعيل فاتهموه، فإنه لا يحضر مجلسه إلا من كان على مذهبه.

لأن هؤلاء الذين نقلوا له ما فهموه من كلام البخاري، سواء كان عن قصد أو غير قصد، هم فهموا من كلام البخاري أنه يقول: أفعالنا مخلوقة، رووا هذا بالمعنى وقالوا: إنه يقول: لفظنا بالقرآن مخلوق، لفظه مخلوق، وأما مسألة لفظي بالقرآن مخلوق هذه بدعة شنيعة؛ لأنها تحتمل التلفظ، وتحتمل الملفوظ، فنقلوا له ما فهموا، نقلوا له -نقلوا للذهلي- ما فهموه، وبعضهم حرف كلامه إلى ما يرد؛ ليوقع بين علماء المسلمين، نعم.

وقال الحاكم: ولما وقع بين البخاري وبين الذهلي في مسألة اللفظ انقطع الناس عن البخاري إلا مسلم بن الحجاج وأحمد بن سلمة.

قال الذهلي: ألا من قال باللفظ فلا يحل له أن يحضر مجلسنا، فأخذ مسلم رداءه فوق عمامته، وقام على رؤوس الناس، فبعث إلى الذهلي جميع ما كان كتبه عنه على ظهر جمّال، قلت: وقد أنصف مسلم فلم يحدث في كتابه عن هذا ولا عن هذا.

وقال الحاكم أبو عبد الله: سمعت محمد بن صالح بن هانئ يقول: سمعت أحمد بن سلمة النيسابوري يقول: دخلت على البخاري فقلت: يا أبا عبد الله إن هذا رجل مقبول بخراسان خصوصاً في هذه المدينة، وقد لج في هذا الأمر حتى لا يقدر أحد منا أن يكلمه فيه، فما ترى؟ قال: فقبض على لحيته، ثم قال: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [(44) سورة غافر] اللهم إنك تعلم أني لم أرد المقام بنيسابور أشراً ولا بطراً، ولا طلباً للرياسة، وإنما أبت علي نفسي الرجوع إلى الوطن لغلبة المخالفين، وقد قصدني هذا الرجل حسداً لما آتاني الله لا غير، ثم قال لي: يا أحمد إني خارج غداً لتخلصوا من حديثه لأجلي.

وقال الحاكم أيضاً عن الحافظ أبي عبد الله بن الأخرم قال: لما قام مسلم بن الحجاج وأحمد بن سلمة من مجلس محمد بن يحيى بسبب البخاري قال الذهلي: لا يساكنني هذا الرجل في البلد، فخشي البخاري وسافر.

وقال غنجار في تاريخ بخاري: حدثنا خلف بن محمد قال: سمعت أبا عمرو أحمد بن نصر النيسابوري الخفاف بنيسابور يقول: كنا يوماً عند أبي إسحاق القرشي، ومعنا محمد بن نصر المروزي، فجرى ذكر محمد بن إسماعيل فقال محمد بن نصر: سمعته يقول: من زعم أني قلت: لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب، فإني لم أقله، فقلت له: يا أبا عبد الله قد خاض الناس في هذا فأكثروا، فقال: ليس إلا ما أقول لك، قال أبو عمرو: فأتيت البخاري فذاكرته بشيء من الحديث حتى طابت نفسه، فقلت: يا أبا عبد الله ههنا من يحكي عنك إنك تقول: لفظي بالقرآن مخلوق، فقال: يا أبا عمرو احفظ عنى من زعم من أهل نيسابور -وسمى غيرها من البلدان بلداناً كثيرة- أننى قلت: لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب، فإني لم أقله إلا أني قلت: أفعال العباد مخلوقة.

وقال الحاكم: سمعت أبا الوليد حسان بن محمد الفقيه يقول: سمعت محمد بن نعيم يقول: سألت محمد بن إسماعيل لما وقع في شأنه ما وقع عن الإيمان، فقال: قول وعمل ويزيد وينقص، والقرآن كلام الله غير مخلوق، وأفضل أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي -رضي الله عنهم- على هذا حييت، وعليه أموت، وعليه أبعث -إن شاء الله تعالى-.

كلام الذهبي في المسألة تعقيباً على القصة أوردها بطولها، ثم قال: قلت -الحافظ الذهبي-...

قال الذهبي -رحمه الله تعالى-: قلت: المسألة هي أن اللفظ مخلوق سئل عنها البخاري، فوقف فيها، فلما وقف واحتج بأن أفعالنا مخلوقة، واستدل لذلك، فهم منه الذهلي أنه يوجه مسألة اللفظ، فتكلم فيه، وأخذه بلازم قوله هو وغيره.

وقد قال البخاري في الحكاية التي رواها غنجار في تاريخه:

حدثنا خلف بن محمد بن إسماعيل، قال: سمعت أبا عمرو أحمد بن نصر النيسابوري الخفاف ببخارى يقول: كنا يوماً عند أبي إسحاق القيسي ومعنا محمد بن نصر المروزي، فجرى ذكر محمد بن إسماعيل البخاري، فقال محمد بن نصر: سمعته يقول: من زعم أني قلت: لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب، فإني لم أقله، فقلت له: يا أبا عبد الله قد خاض الناس في هذا، وأكثروا فيه، فقال: ليس إلا ما أقول.

قال أبو عمرو الخفاف: فأتيت البخاري فناظرته في شيء من الأحاديث حتى طابت نفسه، فقلت: يا أبا عبد الله ها هنا أحد يحكي عنك أنك قلت هذه المقالة، فقال: يا أبا عمرو احفظ ما أقول لك: من زعم من أهل نيسابور وقومس والري وهمذان وحلوان وبغداد والكوفة والبصرة ومكة والمدينة أني قلت: لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب، فإني لم أقله إلا أني قلت: أفعال العباد مخلوقة.

وقال أبو سعيد حاتم بن أحمد الكندي: سمعت مسلم بن الحجاج يقول: لما قدم محمد بن إسماعيل نيسابور ما رأيت والياً ولا عالماً فعل به أهل نيسابور ما فعلوا به، استقبلوه مرحلتين وثلاثة، فقال محمد بن يحيى في مجلسه: من أراد أن يستقبل محمد بن إسماعيل غداً فليستقبله، فاستقبله محمد بن يحيى وعامة العلماء، فنزل دار البخاريين، فقال لنا محمد بن يحيى: لا تسألوه عن شيء من الكلام فإنه إن أجاب بخلاف ما نحن فيه وقع بيننا وبينه، ثم شمت بنا كل حروري وكل رافضي وكل جهمي وكل مرجئ بخراسان...

المسألة وضحت يعني كلها من الحساد الذين استوشوا هذه المسألة وهذه القضية وألزموا البخاري بلازم لم يلتزمه، وكلامه حق، أفعال العباد مخلوقة، لكن الحسد، وإرادة التفريق بين العلماء موجودة في كل عصر وفي كل مصر، استغلها بعض المغرضين، وأرادوا أن يفرقوا بين الإمامين، ووجدوا مدخلاً، فاستغلوا هذه الفرصة، فحصل ما حصل.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر لنا يا رب العالمين.

قال الناظم -رحمه الله تعالى-:

وبالقدر المقدور أيقن فإنه
ولا تنكرن -جهلاً- نكيراً ومنكراً
وقل: يخرج الله العظيم بفضله
على النهر في الفردوس تحيا بمائه
وأن رسول الله للخلق شافع
ولا تكفرن أهل الصلاة وإن عصوا
ولا تعتقد رأي الخوارج إنه
ولا تك مرجياً لعوباً بدينه
وقل: إنما الإيمان قول ونية
وينقص طوراً بالمعاصي وتارة
ودع عنك آراء الرجال وقولهم
ولا تكُ من قوم تلهو بدينهم
إذا ما اعتقدت الدهر يا صاح هذه
           

 

دعامة عقد الدين والدين أفيحُ
ولا الحوض والميزان إنك تنصح
من النار أجساداً من الفحم تطرح
كحب حميل السيل إذ جاء يطفح
وقل في عذاب القبر: حق موضح
فكلهم يعصي وذو العرش يصفح
مقال لمن يهواه يردي ويفضح
ألا إنما المرجي بالدين يمزح
وفعل على قول النبي مصرح
بطاعته ينمي وفي الوزن يرجح
فقول رسول الله أزكى وأشرح
فتطعن في أهل الحديث وتقدح
فأنت على خير تبيت وتصبح

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول الناظم -رحمه الله تعالى- بعد أن أنهى الكلام على عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة ذكر معتقدهم في ركن ركين عظيم من أركان الإيمان، لا يصح الإيمان إلا به، هو الإيمان بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، وجاء ذكره في آيات كثيرة، وذكره النبي -عليه الصلاة والسلام- في جوابه لجبريل لما سأله عن الإيمان، وذكر فيه: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، وهو ركن من أركان الإيمان بإجماع من يعتد بقوله من أهل العلم، والإيمان بالقدر المقدور المقدر من قبل الله -جل وعلا- المقضي منه -سبحانه وتعالى- لا يصح الإيمان إلا به.

ومن ينتسب إلى القبلة اختلفوا إلى طرفين ووسط، طرف نفوا القدر، وقالوا: إن الأمر أنف، وهؤلاء وجدوا في عصر الصحابة، وذكروا لابن عمر -رضي الله عنه- في أول حديث في صحيح مسلم، وأقسم أن أحدهم لو أنفق ما أنفق ما قبل منه حتى يؤمن بالقدر، واحتج عليهم بحديث جبريل حينما سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الإيمان فذكر له أركانه، وفيها الإيمان بالقدر.

هؤلاء قالوا: لا قدر، والأمر أنف، والله -جل وعلا- لا يعلم الشيء حتى يقع، فنفوا العلم السابق، ونفوا الكتابة، ونفوا المشيئة، ونفوا الإيجاد والتكوين، نفوا المراتب كلها، وهؤلاء لا شك في كفرهم؛ لأن من أنكر العلم كفر كما قال أهل العلم، لكن هذا النوع من القدرية يقول أهل العلم: إنهم انقرضوا، فصار النفاة ينفون المشيئة والإيجاد والتكوين، يقرون بالمرتبتين الأولى والثانية، يقرون بالعلم، ويقرون بالكتابة، لكنهم ينفون الثالثة والرابعة التي هي المشيئة والإيجاد والتكوين.

هؤلاء أثبتوا مع الله -جل وعلا- خالقاً، وهذا معتقد المعتزلة الذين زعموا أن العبد يخلق فعله، ولا يوجده الله -جل وعلا- كما أنه لم يشأه، إذ لو شاءه لكان ظالماً لهم.

الطرف الثاني: بالغوا في إثبات القدر، وقالوا: إن العبد مجبور، ولا مشئية له ولا إرادة، يتحرك من غير اختيار، وحركته كحركة أوراق الشجر في مهب الريح، الريح تميلها تبعاً لاتجاهها، ووفق الله -جل وعلا- أهل السنة إلى التوسط في هذا الباب كغيره من أبواب الدين، فهم الوسط من بين الفرق، وأثبتوا القدر بمراتبه الأربع، بالعلم والكتابة والمشيئة والإيجاد والتكوين، أثبتوا المشيئة مطلقة لله -جل وعلا-، والإرادة التامة، وأثبتوا للعبد مشيئة وإرادة فلم يقولوا: إنه مجبور، لكنهم مع ذلكم يقرنون مشيئة العبد بمشيئة الله -جل وعلا- {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ} [(29) سورة التكوير] {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى} [(17) سورة الأنفال]   {وَمَا رَمَيْتَ} هذا نفي للعمل على سبيل الاستقلال {إِذْ رَمَيْتَ} إثبات للعمل، ولا يستقيم مع النفي إلا أن يحمل على أنه تابع لإرادة الله -جل وعلا-، ولكن الله -جل وعلا- رمى، يعني وما أصبت، نفوا الإصابة، إذ حذفت، يعني رميت، ولكن الله -جل وعلا- هو الذي أصاب، وهذا ملاحظ، الإنسان بقدرته أن يأخذ الحجر ويرمي الطير، فهذا من فعله، لكن الإصابة بيد الله -جل وعلا-، قد يصيب وقد لا يصيب، وقد يكون من أمهر الناس، ومع ذلكم لا يصيب؛ لأن الله ما أراد له الإصابة، وقل مثل هذا في كل التصرفات، قد يكون الإنسان من أبلغ الناس، ويتكلم في موضوع يتقنه ويحسنه، لكنه إذا لم يرد الله -جل وعلا- إحسانه لا يحسنه، وسائر الأعمال على هذا، العبد له حرية وله اختيار {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [(10) سورة البلد] فله حرية واختيار، لكن مع ذلكم هذه الحرية وهذا الاختيار لا يستقل بها العبد، بل هي تابعة لمشيئة الله -جل وعلا-، فالقدرية يقولون: إذا قام العبد مثلاً وذهب إلى المسجد هذا العبد الذي قام على رجليه ومشى الخطوات إلى المسجد كل هذا لا علاقة لله به -جل وعلا-، هذا يخلقه العبد في نفسه، فأثبتوا خالقاً مع الله -جل وعلا-، ولذا سموا مجوس هذه الأمة، وجاء بهم الخبر.

بالمقابل الجبرية تقول: إن العبد لما قام على رجليه، وتحرك وخطى الخطوات إلى المسجد، يعني هو والمقعد سواء، الله -جل وعلا- هو الذي أمضاه إلى المسجد لا حرية له، إذا كان لا حرية له والله -جل وعلا- هو الذي أمضاه، ما الفرق بين المطيع والعاصي؟ الجبرية فروا من شيء وهو إثبات خالق مع -جل وعلا-، لكنهم مع ذلك أثبتوا أمراً خطيراً جداً، وإذا كان العبد مجبورًا، والله -جل وعلا- جبره ولم يترك له حرية ولا اختيار في أفعاله كيف يعذبه؟ إن عذبه وقد جبره على الفعل فقد صار ظالماً له.

ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له
 
ج

 

إياك إياك أن تبتل بالماء

 يعني المجبور المكره الآن هل هو مكلف؟ المكره من قبل البشر هل يكلف؟ فكيف إذا أكره من قبل الله -جل وعلا- على هذا العمل وجبر عليه؟ يعني من باب أولى، إذا أجبره الذي كلفه وطالبه بالعمل لا شك أن هذا ضلال -نسأل الله السلامة والعافية-، والذي له مراجعات في تفسير الرازي يكن على حذر شديد من مسألة الجبر، فالرجل جبري، إضافة إلى المسائل الأخرى التي ضل فيها، وأورد فيها من الشبه ما لا يستطاع دفعه.

أنا أقول: ينتبه طالب العلم لهذه المسألة في هذا الكتاب؛ لأنه يورد شبهة قد يكون طالب العلم المتوسط لا يتخلص منها، فمن السلامة ألا يقرأ في هذا الكتاب، لكن إذا دخل طالب العلم البصير على علم بهذا الكتاب وما يحتوي هذا الكتاب خف الأمر، يعني يصير عنده تصور، بخلاف ما لو دخل على جهل، ما يعرف واقع الكتاب، ويسمع هذه الشبهة القوية عنده؛ لأنه بارع في إلقاء الشبه، لكن الإجابة عن هذه الشبه ضعيف جداً، حتى قال القائل: إنه يورد الشبهة نقدًا ويجيب عنها نسيئة، فليكن طالب العلم على حذر شديد من هذا الكتاب، ومسألة الجبر قد يشترك معه غيره في تقرير مسائل الاعتقاد على مذهب الأشعرية، وبعضها فيها شوب اعتزال، لكن يشاركه غيره، أما مسألة الجبر هذه عنده مشكلة، مشكلة كبيرة جداً، تجعل طالب العلم المتوسط لا ينظر في مثل هذا الكتاب.

عرفنا أن الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان، لا يصح إلا به، وأنه له مراتب، وأن مذهب أهل السنة يثبتون المشيئة التامة لله -جل وعلا- مع بقية المراتب، ويثبتون للعبد حرية واختيار وإرادة، لكنه لا يستقل بها.

"وبالقدر المقدور" مقدور وإلا مقدر؟.

على كل حال هو اسم مفعول، إن كان من الثلاثي فهو مقدور، وإن كان من الرباعي فهو مقدر، والقدر أصل المادة المصدر مصدر إيش؟ مصدر ثلاثي وإلا رباعي؟ ثلاثي، المصدر الثلاثي، وإلا فالمصدر الرباعي قدر يقدر تقديراً.

طالب:........

وين؟

طالب:........

المصدر الرباعي قدر يقدر تقديراً، والمصدر الثلاثي قدر يقدر قدراً، المقدور اسم المفعول من الثلاثي (أيقن) لا بد من اليقين، الإيمان بالقدر معناه اليقين، يعني هل يكفي غلبة ظن؟ لا يكفي، بل لا بد من اليقين، فلا يكفي غلبة ظن، ولا يكفي من باب أولى شك ولا وهم، فهذه الأمور العقدية لا بد أن يعقد عليها القلب، لا بد بحيث لا تقبل النقيض ولا التردد.

وبالقدر المقدور أيقن فإنه

 

...................................
ج

على أنه قد يأتي الظن ويراد به اليقين، قد يأتي الظن في النصوص ويراد به اليقين {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ} [(46) سورة البقرة] الإيمان بالبعث ركن، نعم الإيمان بالبعث ركن، والظن لا يكفي فيه الظن الاصطلاحي، إذاً الظن الذي هو اليقيني وارد في النصوص.

وبالقدر المقدور أيقن فإنه

 

دعامة عقد الدين والدين أفيحُ

ويش الفائدة من الإيمان بالقدر؟ الفائدة الراحة التامة ((واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعت الأمة على أن يضروك بشيء لم يضروك بشيء إلا بشيء كتبه الله عليك)) فإذا آمن الإنسان وأيقن بالقدر خيره وشره، وعلم أن حلوه ومره من الله -جل وعلا- ارتاح؛ ولذا لما سأل الصحابة النبي -عليه الصلاة والسلام- لما ذكر أن كل شيء مكتوب ومقدر، ومكتوب على الإنسان قبل أن يخلق، وقبل أن يوجد، قالوا: ففيم العمل؟ فقال: ((اعملوا فكل ميسر لما خلق له)) دلهم على العمل مع اعتقاد أن كل ميسر لما خلق له، فلا بد من العمل مع الاعتقاد، والذي يؤمن بالقدر خيره وشره على مراد الله -جل وعلا- يرتاح راحة تامة في هذه الدنيا، والذي يختل إيمانه بالقدر لا شك أنه يشقى، ولن يحصل له إلا ما كُتب له، لن يحصل له إلا ما كتب الله له، فتجد الهلع والجزع عند المصائب سببه عدم اليقين، وعدم الرضا بما قدر الرحمن.

وكن صابراً للفقر وادرع الرضا
 
ج

 

بما قدر الرحمن واشكره واحمدِ
ج

لا بد من هذا ليرتاح الإنسان؛ لأنه ماذا سيصنع إذا لم يؤمن بالقدر ما الذي بيده؟ ما بيده إلا الشقاء هذه شبهة المشركين {لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا} [(148) سورة الأنعام] هذه شبهة المشركين، هذا أمر قدره الله عليك وكتب لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: افعل، اعمل، أنت وما يدريك عن العاقبة، أنت اعمل فكل ميسر لما خلق له.

طالب:........

وين؟

طالب:........

شبهة المشركين {لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا} [(148) سورة الأنعام].

"فإنه دعامة عقد الدين" دعامة، الدعائم والأركان بمعنى واحد، دعامة للشيء الذي لولاه لسقط، قاعدة، لولا هذا الركن الركين وهذه الدعامة لسقط المبني عليه.

...................................

 

دعامة عقد الدين والدين أفيحُ

الدين واسع، الدين الذي ارتضاه الله للناس {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ} [(19) سورة آل عمران] {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} [(3) سورة المائدة] هذا الدين المعهود الذي جاء في فضله، وأن الله لا يقبل سواه، هو المراد هنا، ويطلق الدين ويراد به الجزاء {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [(4) سورة الفاتحة] يعني يوم الجزاء، لكن المقصود به الدين الذي هو الإسلام الذي ارتضاه الله بعد إكماله ولا يقبل الله من أحد سواه.

"والدين" هذا الدين الواسع "أفيح" فيه سعة في شموله لجميع نواحي الحياة، الدين أفيح يسع جميع التصرفات، فما من تصرف يتصرفه المكلف إلا وللدين فيه حكم، وغير المكلف أيضاً حتى جنايات البهائم في الشرع لها أحكام، الدين أفيح واسع، فهو يشمل جميع نواحي الحياة، ومن الضلال أن يزعم بعض الناس أن شيئاً من مناحي الحياة يمكن أن يستفاد من غير الدين، ويمكن أن يُستغنى عن الدين في هذه الجهة، لا يا أخي الدين شامل لكل شيء، لكل ما يحتاجه الناس، الدين أفيح، أفيح في عباداته، في المعاملات، في جميع نواحي الحياة، ومن نعم الله -جل وعلا- أن الأعمال متنوعة فيه، لا سيما ما يربط المخلوق بالخالق، وما تحقق به العبودية التي من أجلها خلق الإنس والجن من نعم الله -جل وعلا- أن تنوعت هذه العبادات، يعني ما صارت العبادة بالصلاة فقط، ولا بالصيام فقط، ولا بالحج فقط، ولا بالذكر، ولا بتلاوة القرآن فقط، تنوعت؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- ركب في بني آدم غرائز يتفاوت فيها بعضهم عن بعض، فمن الناس لو أن الله -جل وعلا- جعل العبادات كلها مالية، من الناس عنده استعداد يصلي ألف ركعة ولا ينفق درهم، مثل هذا ويش تصير حياته لو أن الدين -لأن الذي اضطرنا أن هذا الدين أفيح واسع- لو أن الدين جاء بالإنفاق فقط، ما في عبادات بدنية، كيف يعيش مثل هذا؟ وفي المقابل بعض الناس عنده استعداد ينفق الأموال الطائلة ولا يصلي ركعتين، مثل هذا كيف يعيش لو كانت العبادات كلها بدنية؟ فالله -جل وعلا- نوع العبادات لحكم عظيمة وشيخ الإسلام له رسالة في تنوع العبادات ليتكامل الناس، بعض الناس يتمنى..، مو الأنظمة تضع على المخالفات ضرائب، أحياناً بعض الضرائب ثلاثمائة ريال، ستمائة ريال، تسعمائة ريال، وبعض الناس يتمنى أن تكون تسعمائة جلدة ولا تسعمائة ريال، فمثل هذا لو كانت العبادات مالية يمكن ما يستطيع أن يعيش، فالله -جل وعلا- ركب فيهم هذه الغرائز، ونوّع العبادات لكي يصل إلى مراده بإذن الله -جل وعلا- من خلال هذه العبادة التي يسرت له وسهلت عليه، على أن القدر المشترك الواجب من كل نوع لا يعفى منه أحد.

ثم قال الناظم -رحمه الله تعالى-:

"ولا تنكرن جهلاً" وفي طبعة الشيخ رشد رضا: "جهراً"

ولا تنكرن جهلاً نكيراً ومنكراً
ج

 

ولا الحوض والميزان إنك تنصحُ

"ولا تنكرن" (لا) هذه ناهية، والنون نون التوكيد الخفيفة "جهلاً نكيراً ومنكراً" جهلاً بعض الناس لا يلزم لإنكاره الشيء أن يكون جاهلاً، لكنه إذا أنكره عومل معاملة الجاهل، كما أن من عصى الله جاهلاً ولو كان عالماً بالحكم، فمن أنكر شيئاً بعد أن استيقنته نفسه فهو جاهل؛ لأنه قد يفهم بعضهم من قوله: "ولا تنكرن جهلاً" أنك إذا أنكرته عن علم فلا شيء عليك، نعم من أنكر التسمية لأن الخبر الوارد بها لم يثبت عنده هذه مسألة، لكن الملكين اللذين يسألان العبد إذا دفن وأنه ليسمع قرع نعالهم يأتيه ملكان هذا لا إشكال في ثبوته، ثبوته قطعي، أما التسمية فجاءت في حديث عند الترمذي يأتيه ملكان أحدهما المنكر والآخر النكير، جاء التسمية في حديث عند الترمذي، وصححه بعض أهل العلم، فإنكاره لعدم ثبوت الخبر فيه، يعني إذا كان من أهل النظر ولم يثبت الخبر عنده هذه مسألة أخرى، فيكون الإنكار عن علم، أما الإنكار عن جهل لثبوت الخبر عنده، أو لعدم بلوغه إياه، هذا جهل على الحالين، لكن خبر ثابت عنده، وينكر ذلك يكون جاهلاً من باب أن من عصى الله جاهلاً، وإذا لم يبلغه الخبر فهو جاهل، وقد يعذر بجهله، لا سيما ما يتعلق بالتسمية، والحديث عند الترمذي، وهو مصحح من قبل بعض أهل العلم.

ولا تنكرن جهلاً نكيراً ومنكراً
ج

 

ولا الحوض.......................

نكير ومنكر إذا سألا العبد عن الأصول الثلاثة من ربك؟ وما دينك؟ ومن هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فالمؤمن يقول: ربي الله، وديني الإسلام، والنبي الذي بعث فينا هو محمد بن عبد الله -عليه الصلاة والسلام-، فينبغي أن يعنى طالب العلم بهذه الأسئلة الثلاثة، ويعد لها جواباً، قد يقول أحد مثلاً: كل الناس يجيبون على هذه الأسئلة، كل الناس يجيبون، الأطفال في الصف الأول الابتدائي، وبعض الناس يلقنها الأولاد من سن الثالثة، وبعضهم قبل ذلك، وبعضهم بعد ذلك، والمسألة مسألة توفيق، لكن قد يقول: كل الناس يجيبون، الجواب ما هو بيدك، المسألة مسألة اعتقاد صحيح يصدقه العمل، أما مجرد الدعاوى فلا تنفع، وقد لا يجيب ولو كان من أكثر الناس قراءة للكتب، لكنه لم يعتقد الاعتقاد الصحيح، هذا على خطر عظيم، إذا كان عنده شك أو ارتياب فيما يقرأ وفيما يعتقد لا شك أنه لن يجيب؛ لأن المنافق أو المرتاب يكون جوابه: هاه لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته، فالمسألة تثبيت من الله -جل وعلا- في الدنيا وفي الآخرة، والتثبيت في الآخرة مترتب على الثبات في الدنيا، وعلى الإنسان أن يعمل ويسعى جاهداً في هذه الدنيا مخلصاً لله -جل وعلا-، ليثبت في الآخرة.

"نكيراً ومنكراً" وهذان الاسمان يدلان على أن هذين الملكين في صورة قبيحة منكرة، يستنكرها الإنسان، وليسا على صفة حسنة جميلة، يرغبها الإنسان، وهذا مأخوذ من التسمية، وجاءت أوصافهما في الأحاديث.

ولا تنكرن جهلاً نكيراً ومنكراً
ج

 

ولا الحوض.......................

الحوض حوض النبي -عليه الصلاة والسلام- من معتقد أهل السنة والجماعة الإيمان بعذاب القبر بعد السؤال من منكر ونكير، إما أن ينعم في قبره؛ ولذا يقول شيخ الإسلام في الواسطية: "ثم بعد هذه الفتنة" فتنة السؤال "ثم بعد هذه الفتنة إما نعيم وإما عذاب" فالذي يجيب بالأجوبة الصحيحة يقال له: نم، فينام كنومة العروس، يفتح له باب إلى الجنة، ويأتيه من روحها... إلى آخره، وأما بالنسبة للذي لا يجيب هذا -نسأل الله العافية- يضرب بمرزبة من حديد، ويفتح له باب من نار، ويعذب في قبره {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} [(46) سورة غافر] إلى يوم القيامة {غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [(46) سورة غافر] فالقبر فيه نعيم وفيه عذاب، فعلى المسلم لا سيما طالب العلم أن يعد العدة.

"ولا الحوض" حوض النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي جاء وصفه ووصف مائه، وعدل آنيته، وأنه يذاد عنه أقوام يعرفهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بأوصافهم وبأشكالهم، فمن ارتد بعده وكان قد آمن به يعرفه بعينه، وأما من لم يدركه من أمته يعرفه في الآثار التي تدل عليه؛ لأنه ارتد على عقبيه، فهؤلاء الذين ارتدوا على أعقابهم هؤلاء يذادون عن الحوض، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((أصحابي أصحابي)) ((أصيحابي)) في بعض الروايات، فيقال: ((إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك)) فلينتبه الإنسان إلى هذه المحدثات، ويلزم الجادة؛ لأن هذه المحدثات قد تكون في أول الأمر يسيرة، لكنها تشريع، مشاركة لله -جل وعلا- في التشريع، ينتبه لهذه المحدثات التي لا تزال تكبر شيئاً فشيئاً إلى أن يخرج بسببها من دينه فيرتد على عقبيه، ويذاد عن الحوض.

وبعض الطوائف كالرافضة يزعمون أن النص في الصحابة لأنهم ارتدوا، لكن من الذي ارتد على عقبيه والذي أحدث في الدين الحدث؟ من الأولى بهذا الوصف صحابة النبي -عليه الصلاة والسلام- الذين حفظ الله بهم الدين، وحملوا الدين، وبلغوه إلى أقاصي الدنيا، أو الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، فعبدوا من دون الله، عبدوا المشاهد والقبور ودعوا الأولياء، وحرفوا كتاب الله -جل وعلا-، وكذبوا الله في تبرئته لعائشة؟ أمور كثيرة -نسأل الله العافية- هذا الإحداث في الدين، إن لم يكن هذا هو الإحداث في الدين، فما معنى الإحداث؟ -نسأل الله السلامة والعافية-.

"والميزان" الميزان وله كفتان، وجاءت في ذلك الأخبار الصحيحة، وله لسان، لسان الميزان ما يضبط به الرجحان من عدمه، وأما خبر اللسان ففيه كلام، أما الكفتان فثابتتان، والميزان الذي توزن به الحسنات والسيئات لكل إنسان، ويوضع في الميزان في كفة، عندنا كِفة وعندنا كُفة، فماذا نقول هنا بالكسر وإلا بالضم؟ يقولون: كل مستدير كِفة، وكل مستطيل كُفة، كفة الثوب، توضع الأعمال الصالحة في كفة الحسنات، والأعمال المقابلة لها السيئة في كفة السيئات، فيوزن هذا وهذا، وأهل العلم يقولون: خاب من غلبت آحاده عشراته، كيف؟ الحسنة بعشر أمثالها والسيئة مثلها، فمن طول عمره آحاده تغلب عشراته هذا لا شك أنه خائب، خيبة وحرمان وخسران، وغبن أن تغلب الآحاد العشرات.

هذه الميزان الله -جل وعلا- لا يحتاج إليه؛ لأنه يعلم ما سيكون، وما يؤول إليه الأمر من رجحان الحسنات على السيئات أو العكس، لكنه من باب خروج أو باب ظهور الأمر من الغيب إلى الشهادة؛ لأنه لو اكتفي بعلم الله -جل وعلا- لادعى من يدعي أنه مظلوم، لكن إذا رأى أمام عينيه، شاف الميزان وقيل له: هذه حسناتك بقي منها شيء؟ يقول: لا، هذه سيئاتك؟ يقول: لا، لكنه بعد ذلك إذا رجحت الحسنات وقرر بسيئاته، عملت كذا يوم كذا نعم عملت، عملت كذا، فإذا رجحت كفة الحسنات وبدلت السيئات، وغفرها الله -جل وعلا- وتجاوز عنها، قال: لا، لي سيئات غير هذه، يطمع، المقصود أن الأعمال توزن، وصاحب العمل جاء ما يدل على وزنه أيضاً، يؤتى بالرجل السمين يوم القيامة فلا يزن عند الله جناح بعوضة، هذا يدل على أن الإنسان قد يوزن.

"والميزان إنك تنصحُ" تنصح بأن تعتقد هذه الأمور؛ ولذا قوله: "وقل" "ولا تنكرن" هذه أوامر ونواهٍ من مساوٍ، لكنه يتحدث بها على لسان الشرع الذي جاء بوجوب التزامها واعتقادها، وأما بالنسبة لمن يألف مثل الناظم ويأمر وينهى هذا مجرد ناصح، مبين للناس.

...................................
وقل: يخرج الله العظيم بفضله
على النهر في الفردوس تحيا بمائه
 

 

.........................إنك تنصحُ
من النار أجساداً من الفحم تطرحُ
كحب حميل السيل إذ جاء يطفحُ
ج

جاء أن العُصاة الذين ليس معهم من الإيمان إلا الشيء اليسير جداً يعذبون على قدر معاصيهم وذنوبهم إلى أن يصيروا حمماً، فحم، ثم بعد ذلك هذه الأجساد التي صارت فحمًا تطرح على النهر، يقال له: نهر الحياة في الفردوس في الجنة، تحيا به، تحيا بمائه، ينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، الحبة ما هي بحبة، الحبة نوع من النبات، حتى لما قالها النبي -عليه الصلاة والسلام- قال بعض الحاضرين كأنه من أهل البادية؛ لأن هذا النوع ما يعرفه كل الناس، كما تنبت الحبة في حميل السيل؛ ولذا قال:

على النهر في الفردوس تحيا بمائه
 

 

كحب حميل السيل إذ جاء يطفحُ
ج

السيل إذا جاء..، التي تنبت على جنب الوادي، فإذا جاء السيل ومشى مع الوادي نبتت، فهؤلاء الذين يخرجون.

وقل: يخرج الله العظيم بفضله
 

 

من النار أجساداً...................
ج

برحمة أرحم الراحمين يخرجون إذا انتهت الشفاعات، ولم يبقَ إلا رحمة أرحم الراحمين يخرج مثل هؤلاء، وهؤلاء من معهم مثل مثقال الذرة من إيمان، فهؤلاء آخر من يخرج من النار -نسأل الله السلامة والعافية-.

وإن رسول الله للخلق شافع

 

 

...................................

الشفاعة ثابتة بالكتاب والسنة وبإجماع أهل العلم، أما من نفاه فلا يعتد بقوله، لكن الشفاعة لها شروط، رضاه -جل وعلا- عن المشفوع له، وإذنه للشافع، لا بد أن يؤذن للشافعي {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [(255) سورة البقرة] {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [(28) سورة الأنبياء] فلا بد من تحقق الشرطين لتتم الشفاعة.

وإن رسول الله للخلق شافع

 

 

...................................

للناس كلهم، لجميع الخلائق، وهذه الشفاعة العظمى وهي من خصائصه -عليه الصلاة والسلام-، حينما يشتد الناس، يشتد الهول، هول الموقف على الناس، ويلجمهم العرق، وتدنو منهم الشمس يفزعون إلى آدم، يخبرونه بما حصل لهم، ويطلبون منه أن يشفع، فيقول آدم يذكر معصيته، وأنه أكل من الشجرة، وأنه لا يملك إلا نفسه في هذا الموقف، اذهبوا إلى غيري، فيأتون نوحاً، يقولون لآدم: أنت أبو البشر خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، فيقول ما يقول، ثم يذهبون إلى نوح، فيقولون له: أنت أول الرسل، وأنت كذا وكذا، فيقول: أنا لي دعوة واحدة صرفتها على قومي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيم، فيذهبون إلى إبراهيم -عليه السلام-، ويطلبون منه، ويذكر الكذبات الثلاث، ويعتذر منهم، فيذهبون إلى موسى، فيقول: إنه قتل نفساً بغير حق، يذهبون إلى عيسى ولا يذكر خطيئة، اذهبوا إلى محمد، فيذهبون إليه فيقول: أنا لها، أنا لها، فيسجد تحت العرش -عليه الصلاة والسلام-، ويطيل السجود، ويحمد الله -جل وعلا- بمحامد يلهمه إياها، فيقال له: ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعط، ثم يشفع في الخلائق، فيستفتح باب الجنة فيفتح، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يشفع هذه الشفاعة، وهي من اختصاصه -عليه الصلاة والسلام- لا يشاركه فيها أحد، كما أن من الشفاعات التي يختص بها -عليه الصلاة والسلام- شفاعته لعمه أبي طالب في أن يخفف عليه من العذاب، وهناك شفاعات يشترك فيها الأنبياء والصالحون، إخراج بعض أهل النار، وعدم إدخال بعضهم ممن استحقها.

المقصود أنواع الشفاعة كثيرة، وهي مثبتة عند أهل السنة والجماعة، باتفاق أئمة الإسلام الذين يعتد بقولهم، وأما من نفاها فلا عبرة به، من نفى الشفاعة لا عبرة بقوله بعد ثبوتها بالكتاب العزيز، وبمتواتر السنة، ولا يعني أننا إذا قلنا: متواتر السنة أننا لا نثبت بالآحاد، نثبت العقائد بالآحاد، ولا إشكال عندنا في هذا، لكن إذا كانت المسألة متواترة يذكرها أهل العلم من باب تقوية المسألة، وإلا فالآحاد والمتواتر الآحاد بأقسامه كله مقبول في هذه الأبواب.

وإن رسول الله للخلق شافع
 
ج

 

وقل في عذاب القبر................
ج

في البيت الذي قبله:

على النهر في الفردوس تحيا بمائه
ج

 

كحب..............................

في نسختي دمشق والمنار: "كحبة" ويمكن ينكسر البيت بهذا، وهنا يقول:

وإن رسول الله للخلق شافع
 

 

وقل في عذاب القبر: حق موضحُ
ج

في نسخة دمشق: بالحق موضِح، أو بالحق موضَح.

وإن رسول الله للخلق شافع
 

 

...................................
ج

ذكرنا شفاعته -عليه الصلاة والسلام-.

...................................
 

 

وقل في عذاب القبر: حق موضحُ
ج

"حق موضح" عذاب القبر حق، وجاء فيه الأحاديث الصحيحة، ويدل عليه قوله -جل وعلا-: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ} [(46) سورة غافر] غدواً وعشياً يعني قبل قيام الساعة وهذا في القبر {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [(46) سورة غافر] ومن أدلة عذاب القبر اليهودية التي قالت لعائشة ودعت لها: وقاك الله عذاب القبر، أو أعاذك الله من عذاب القبر، فعرضت ذلك على النبي -عليه الصلاة والسلام- وأقرها، وصار يستعيذ بالله من عذاب القبر دبر كل صلاة، وهذا الحديث صحيح، نعم؟

طالب:.......

المقصود أن القبر حقيقة أو حكماً، قبر كل شيء بحسبه، الغريق قبره في البحر، ما أكلته السباع قبره في بطونها، المقصود أن الأمور نسبية، والقبر نعمة من نعم الله -جل وعلا- على بني آدم، نعمة {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} [(21) سورة عبس] امتنان، نعمة من الله -جل وعلا-، إذا تصورنا حال الشخص الذي لا يدفن، ماذا تكون حاله؟ وما تكون حال أهله؟ تصور أنه يلقى في البراري والقفار أو بين الناس في الأزقة، أو في بيوت الناس ماذا يصنعون به؟ يؤذيهم برائحته ونتنته، ويتأذون بمرآه، بعد أن كان أعز الناس لديهم صار جيفة، لكن من نعم الله -جل وعلا- أن ألهم الغراب ليريه كيف يواري سوءة أخيه.

وفي الأديان في عند الهندوس وغيرهم مسألة الإحراق، وفي الهند جاء شخص وأعلن إسلامه، وسئل لماذا أسلمت؟ هل دعاك أحد؟ فقال: لا ما دعاني أحد، ما الذي دعاك إلى الإسلام؟ قال: ماتت أمه، فذهب ليحرقها على عادتهم، فجمع لها الحطب العظيم، فأشعل هذا الحطب، وأوقده عليها، وذكر أن النار أكلت الكفن فقط، وانطفأت وبقيت أمه عارية أمام الناس كما خُلقت، فجمع لها حطب مرة ثانية فأحرقها، ثم جاء ليعلن إسلامه، قال: لو لم يكن في دينكم إلا قبر الميت، فالحمد لله على نعمه التي لا تعد ولا تحصى.

...................................
ولا تكفرن أهل الصلاة.............
ج

 

وقل في عذاب القبر: حق موضحُ
...................................
ج

 

جاءت الإقامة؟...

"