تعليق على البلبل في أصول الفقه (07)
ما يجيء هذا يرفع هكذا رفع، يجي؟
طالب: ...
القرب الشديد هذا ما له داعٍ؛ لأنه طويل.
نعم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف- رَحِمَهُ اللَّهُ-: "الثَّانِيَةُ: لَا تَكْلِيفَ عَلَى النَّائِمِ وَالنَّاسِي وَالسَّكْرَانِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ؛ لِعَدَمِ الْفَهْمِ. وَمَا ثَبَتَ مِنْ أَحْكَامِهِمْ، كَغَرَامَةٍ، وَنُفُوذِ طَلَاقٍ، فَسَبَبِيٌّ، كَمَا سَبَقَ.
فَأَمَّا: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43] فَيَجِبُ تَأْوِيلُهُ، إِمَّا عَلَى مَعْنَى: لَا تَسْكَرُوا ثُمَّ تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ، أَوْ عَلَى مَنْ وُجِدَ مِنْهُ مَبَادِي النَّشَاطِ وَالطَّرَبِ وَلَمْ يَزُلْ عَقْلُهُ، جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ".
المسألة الثانية مما يتعلق بالمكلَّف قد اشترطوا في التكليف العقل، فإذا زال العقل إما بنوم أو ذهول أو نسيان أو سكر بحيث يصل إلى حدٍّ لا يعقل ولا يعي ما يقول، ومثله أيضًا الغضبان إذا وصل إلى درجةٍ لا يستطيع أن يتحكم في كلامه ولا جوارحه، ولا يعي ما يقول؛ لأن منهم من يُسأل أو يقال له: أنت قلت كذا، فيجزم أنه لم يقل كذا، أو فعلت كذا، يجزم بأنه لم يفعل إذا وصل إلى هذا الحد ارتفع عنه التكليف.
يقول: "وَالسَّكْرَانِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ؛ لِعَدَمِ الْفَهْمِ. وَمَا ثَبَتَ مِنْ أَحْكَامِهِمْ، كَغَرَامَةٍ" سكران راكب سيارته وصدم يلزمه، لماذا يلزمه ونحن قلنا: غير مكلف؟ نقول: سببي، من باب ربط الأسباب بالمسببات، فهو حكم وضعي وليس بحكم تكليفي، "وَنُفُوذِ طَلَاقٍ" أيضًا سببي، معاملة له بما ارتكب، وبما جنت يداه، وبما تسبب فيه، هو الذي تسبب بالسكر، فطلاقه نافذ على هذا، اعترافه، لو اعترف بأن له أو عنده مبلغًا من المال لزيد من الناس، هل يقبل اعترافه أو لا يقبل؟
طالب: ...
يقبل؟ يعني إيقاع الطلاق عقوبة له.
طالب: ...
نعم، عقوبة، وإلا فهو غير مكلف في الأصل؛ لأن التكليف منوط بالعقل ولا عقل.
طالب: جعل ربط الأسباب بالمسببات.
عقوبة؛ لأنه هو المتسبب، اعترف بأن في ذمته مبلغًا من المال لزيد من الناس، ثم أفاق من سكره قال: لا، أنا ما أدري ماذا قلت؟ نقول: لا بد من البينة، وحينئذٍ يكون إقراره في الأول قرينة فتقبل البينة ولو ضعفت، أما مجرد الإقرار فلا يثبت به شيء؛ لأنه غير مكلَّف، إذا اعترف على نفسه بأنه زنى مثلاً، سكران اعترف بأنه زنى، يؤاخذ أو ما يؤاخذ؟
طالب: ما يؤاخذ؛ لحديث ماعز.
حديث ماعز، وفيه: «استنكهوه»، «أشربت خمرًا؟» في بعض الروايات، فدل على أن السكران لا يؤاخذ باعترافه.
طالب: ... النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أراد من الصحابة ...
كيف ما يُقرّ؟ المسألة أولاً: اعترافه، مجنون فيه نظر.
الأمر الثاني: لو وقع فعلاً وهو مجنون لا يقام عليه الحد.
طالب: ...
السكران مسألة أخرى؛ لأنه هو المتسبب، فكونه يعترف لا يقبل اعترافه؛ لأن الرسول- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- قال في قصة ماعز: «استنكهوه»، وفي رواية قال له: «أشربت خمرًا؟» قال: لا. وفرق بين شخص يؤتى به لأنه فعل، وبين شخصٍ يأتي بنفسه طائعًا مختارًا نادمًا، معاملة هذا غير معاملة هذا. يعني شخص يشهد عليه اثنان أو ثلاثة أنه زنى، ويعترف أنه زنى، يعني مع اعترافه وجود بينة، ثم يقال: إنه سكران. وبين شخص يأتي نادمًا يعترف بأنه، فمثل هذا يبحث له عن أدنى شبهة ترفع عنه الحد؛ لأنه تاب، والتوبة تجب ما قبلها، لكن إن أصر وبين أنه لا عذر له وكذا يُقام عليه الحد، وحينئذٍ تكون إقامة الحد كفارة له.
"فَأَمَّا: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43] فَيَجِبُ تَأْوِيلُهُ" الآن التأويل هنا ما معناه؟ حمله على المعنى المرجوح؛ لقرينة، لا بد من قرينة، المعنى الراجح في الآية: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} يعني حال كونكم سكارى، إذًا كيف يقال له: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} والتكليف مناطه العقل، ولا عقل؟
يقول: "إِمَّا عَلَى مَعْنَى: لَا تَسْكَرُوا"؛ لأنكم إذا سكرتم صليتم وأنتم سكارى، "لَا تَسْكَرُوا ثُمَّ تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ" معناه: لا تسكروا قرب وقت الصلاة، "أَوْ عَلَى مَنْ وُجِدَ مِنْهُ مَبَادِي النَّشَاطِ وَالطَّرَبِ" يعني في بداية النشوة، لكنه يعي ما يقول، وفيه الحديث: «لا يقبل الله صلاة من في جوفه خمر» صلاته صحيحة أو ليست صحيحة؟
طالب: ...
لا، فعلى هذا الحديث، إن كان يعي ما يقول، وإن كان في جوفه خمر صلاته صحيحة، إذًا كيف يقول الرسول: «لا يقبل الله صلاة من في جوفه خمر»؟ المراد بنفي القبول هنا نفي الثواب المُرتب على هذه العبادة.
طالب: أحسن الله إليك يا شيخ، الطلاق يصير مثل الاعتراف أو يختلف؟ طلاقه.
قالوا: يؤاخذ بطلاقه، المسألة خلافية، منهم من يطرد جميع تصرفاته يعني: لا تكليف فيه إلا ما يتعلق بحقوق المخلوقين؛ لأنها سببية، وما يتعلق بحقوق الله فهي في حكم الجنون، ومنهم من يقول: ما دام هو المتسبب، فهذا من باب ربط الأسباب بالمسببات، يقع طلاقه.
طالب: ...
لا يثاب على صلاته؛ لأن الرسول يقول: «لا يقبل الله صلاة من في جوفه خمر»، وأقل الأحوال في مثل هذا التعبير أنه الثواب المرتب على هذه الصلاة منفي، لكن كونها تصح أو لا تصح بحيث يؤمر بإعادتها، يعني هل قوله: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ} أو «لا يقبل الله صلاة من في جوفه خمر» مثل قوله- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: «لا يقبل صلاة حائض إلا بخمار» الحائض التي بلغت التكليف سن التكليف إذا صلت بغير خمار فصلاتها باطلة. لكن صلاة العبد الآبق صحيحة، مجزئة، مسقطة عن الطلب، لكن الثواب المرتّب عليها.. ليس فيها ثواب.
طالب: مثل الذي يأتي الكاهن يا شيخ.
مثل الذي يأتي الكاهن، وعليه قوله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27]، مقتضاه لو قلنا: إن نفي القبول ينافي الصحة لقلنا: إنه في السابق يلزمهم إعادة العبادات كلها، أن يعيدوا جميع عباداتهم، لكن ليس هذا هو المراد، إنما المراد: نفي الثواب المرتب على هذه العبادات لارتكابهم المحذورات، أو لإخلالهم ببعض الواجبات، ولذا يقول ابن عمر- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وأرضاه-: (لأن يقبل الله مني ...)
طالب: سجدة واحدة، لتمنيت أن أموت الساعة.
نعم، المقصود أنه يقصد بذلك أن صلاته صحيحة، لكن الثواب المرتب عليها يريده تامًّا.
"وَلَمْ يَزُلْ عَقْلُهُ، جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ" لأنه إذا زال عقله ارتفع عنه التكليف.
"الثَّالِثَةُ: الْمُكْرَهُ، قِيلَ: إِنْ بَلَغَ بِهِ الْإِكْرَاهُ إِلَى حَدِّ الْإِلْجَاءِ، فَلَيْسَ بِمُكَلَّفٍ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: هُوَ مُكَلَّفٌ مُطْلَقًا، خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ. لَنَا: عَاقِلٌ قَادِرٌ يَفْهَمُ، فَكُلِّفَ كَغَيْرِهِ. وَإِذَا أُكْرِهَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ، أَوِ الصَّلَاةِ فَصَلَّى، قِيلَ: أَدَّى مَا كُلِّفَ بِهِ. ثُمَّ إِنْ قَصَدَ التَّقِيَّةِ كَانَ عَاصِيًا، وَإِلَّا كَانَ مُطِيعًا.
قَالُوا" -المعتزلة-: "الْإِكْرَاهُ يُرَجِّحُ فِعْلَ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ فَيَجِبُ، وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ غَيْرُهُ فَهُوَ كَالْآلَةِ، فَالْفِعْلُ مَنْسُوبٌ إِلَى الْمُكْرَهِ".
المكرِه.
المكرِه وَتَرْجِيحُ الْمُكْرَهِ عَلَى الْقَتْلِ بَقَاءَ نَفْسِهِ يُخْرِجُهُ عَنْ حَدِّ الْإِكْرَاهِ، فَلِذَلِكَ يُقْتَلُ.
وَالْحَقُّ أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ مَبْنِيٌّ عَلَى خَلْقِ الْأَفْعَالِ، مَنْ رَآهَا خَلْقَ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ بِتَكْلِيفِ الْمُكْرَهِ، إِذْ جَمِيعُ الْأَفْعَالِ وَاجِبَةٌ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى، فَالتَّكْلِيفُ بِإِيجَادِ الْمَأْمُورِ بِهِ مِنْهَا وَتَركِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، غَيْرُ مَقْدُورٍ، وَهَذَا أَبْلَغُ. وَمَنْ لَا، فَلَا. وَالْعَدْلُ الشَّرْعِيُّ الظَّاهِرُ، يَقْتَضِي عَدَمَ تَكْلِيفِهِ".
الآن المسألة مربوطة بخلق أفعال العباد: المعتزلة يقولون: هو غير مكلَّف، لماذا؟ لأن العبد يخلق فعله، فهذا العمل الذي فعله أو هذا الفعل الذي فعله المُكرَه إنما خلقه المكرِه، والمُكرَه مثل الآلة، والعمل الذي فعله المُكرَه إنما هو خلق للمكرِه، فلا تكليف على مُكرَه.
لا شك أن الإكراه متفاوت، منه الإكراه الملجئ، والإكراه الذي ليس فيه إلجاء، الإكراه يتفاوت، شخص ما تُرك له من حرية التصرف شيء، ولا واحد بالمائة، يختلف عمن قيل له بحيث يغلب على ظنه أنه يتضرر.