شرح ألفية الحديث للحافظ العراقي (44)

بسم الله الرحمن الرحيم

شرح ألفية الحافظ العراقي (44)

(التسميع بقراءة اللَّحان والمصحف - إصلاح اللحن والخطأ- اختلاف ألفاظ الشيوخ)

الشيخ: عبد الكريم الخضير

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا والسامعين يا ذا الجلال والإكرام.

قال الحافظ -رحمه الله تعالى-:

التَّسْمِيْعُ بِقِرَاءَةِ اللَّحَّاْنِ وَالْمُصَحِّفِ

وَلْيَحْذَرِ اللَّحَّانَ وَالْمُصَحِّفَا


فَيَدْخُلاَ فِي قَوْلِهِ: مَنْ كَذَبَا


وَالأَخْذُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ لاَ الْكُتُبِ
ج

 

عَلَى حَدِيْثِهِ بِأَنْ يُحَرِّفَا


فَحَقٌّ النَّحْوُ عَلَى مَنْ طَلَبَا


أَدْفَعُ لِلتَّصْحِيْفِ فَاسْمَعْ وَادْأَبِ
جج

إِصْلاَحُ اللَّحْنِ وَالْخَطَأِ

وَإِنْ أَتَى فِي الأَصْلِ لَحْنٌ أَوْ خَطَا
وَمَذْهَبُ الْمُحَصِّلِيْنَ يُصْلَحُ
فِي اللَّحْنِ لاَ يَخْتَلِفُ الْمَعْنَى بِهِ
وَيُذْكَرُ الصَّوَابُ جَانِبًا كَذَا
وَالْبَدْءُ بِالصَّوَابِ أَوْلَى وَأَسَدْ
وَلْيَأْتِ فِي الأَصْلِ بِمَا لاَ يَكْثُرُ
وَالسَّقْطُ يُدْرَى أَنَّ مِنْ فَوْقٍ أَتَى
وَصَحَّحُوْا اسْتِدْرَاكَ مَا دَرَسَ في
صِحَّتَهُ مِنْ بَعْضِ مَتْنٍ أَوْ سَنَدْ
وَحَسَّنُوا الْبَيَانَ كَالْمُسْتَشْكِلِ

 

فَقِيْلَ: يُرْوَى كَيْفَ جَاءَ غَلَطَا
وَيُقْرَأُالصَّوَابُ وَهْوَ الأَرْجَحُ
وَصَوَّبُوْا الإِبْقَاءَ مَعْ  تَضْبِيْبِهِ
عَنْ أَكْثَرِ الشُّيُوْخِ نَقْلًا أُخِذَا
وَأَصْلَحُ الإِصْلاَحِ مِنْ مَتْنٍ وَرَدْ
كَابْنٍ وَحَرْفٍ حَيْثُ لاَ يُغَيِّرُ
بِهِ يُزَادُ بَعْدَ يَعْنِي مُثْبَتَا
كِتَابِهِ مِنْ غَيْرِهِ إِنْ يَعْرِفِ
كَمَا إذَا ثَبَّتَهُ مَنْ يُعْتَمَدْ
كَلِمَةً فِي أَصْلِهِ  فَلْيَسْأَلِ
ج

اخْتِلاَفُ أَلْفَاْظِ الشُّيُوْخِ

وَحَيْثُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ شَيْخٍ سَمِعْ
بِلَفْظِ وَاحِدٍ وَسَمَّى الْكُلَّ: صَحّْ
بَيَانُهُ مَعْ قالَ أَوْ مَعْ قالاَ
اقْتَرَبَا فِي اللَّفْظِ أَوْ لَمْ يَقُلِ
بِأَصْلِ شَيْخٍ مِنْ شُيُوخِهِ فَهَلْ

 

مَتْنًا بِمَعْنَى لاَ بِلَفْظٍ فَقَنِعْ
عِنْدَ مُجِيْزِي النَّقْلِ مَعْنىً وَرَجَحْ
وَمَا بِبَعْضِ ذَا وَذَا وَقالاَ:
صَحَّ لَهُمْ وَالْكُتْبُ إِنْ تُقَابَلِ
يُسْمِي الجَمِيْعُ مَعْ بَيَانِهِ؟ احْتَمَلْ
ج

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فيقول الناظم -رحمه الله تعالى-:

"التسميع بقراءة اللحان والمصحف" اللحن: هو مخالفة قواعد العربية في النطق، وينقسم إلى: لحين يحيل المعنى، ولحن لا يحيل المعنى، والمصحف التصحيف والتحريف قريبان من حيث الغاية وهو التغيير، ويشمل التحريف تغيير اللفظ والمعنى، والتصحيف يختص باللفظ، ومنهم من يفرق بينهما بأن التصحيف في تغيير الحروف، والتحريف في تغيير الشكل، وعلى كل حال يجمعهما التغيير، فإذا غيرت صورة الكلمة أو غير شكلها، أو غير نقطها وإعجامها هذا كله تصحيف، وألف فيه مؤلفات، والتحريف لا شك أنه واقع بقصد أو بغير قصد، فما كان منه بقصد هو مشابه لفعل أهل الكتاب، الذين يحرفون الكلم عن مواضعه، وما كان منه بغير قصد فإن هذا معفوُ عنه إلا مؤثر في الحكم على الراوي إذا وقع التحريف منه أو التصحيف ولو كان بغير قصد فإنه مؤثر في الحكم عليه، بدلًا من أن يكون ثقة إذا كثره منه هذا ينزل، هذا خلل في ضبطه، قال -رحمه الله-:

وليحذر اللحان والمصحفا

 

على حديثه بأن يحرفا

يحذر الشيخُ الطالبَ اللحان والمصحف الذي يقرأ ويخطئ في قراءته فيرفع المفعول وينصب الفاعل، أو غير ذلك مما تقتضيه قواعد اللغة العربية، هذا يحذر كل الحذر؛ لأن المعاني تتبع الإعراب، فعلى الشيخ أن يتخذ قارئًا يقرأ قراءة سليمة من جهة العربية، ولا يصحف ولا يحرف؛ لأنه يوجد في القراء وهو يقرأ من كتاب فضلًا عن كونه من حفظه، تجده يقرأ الكلمة مكسرة، لا يحسن إعرابها ولا يحسن النطق بها على وجهها، مثل هذا الطالب يُحذر، وإذا وجد طالب من هذا النوع فإن هذا لا يمكن من الرواية ولا من القراءة، الآن المتداول عند الشيوخ القراءة عليه، تجد الشيخ لا يهتم بمن يقرأ، والخطأ وإن كان مصدره الطالب إلا أنه قد ينسب إلى الشيخ، لا سيما إذا لم يرد عليه، بعض الشيوخ يمشي لا سيما إذا كثر ما يستطيع أن يرد كل كلمة، لكن إذا قل ممكن أن يرد، وقد لا تكون الأهلية عند الشيخ أن يرد كل شيء لا سيما ما خفي إعرابه، وقد يكون الطالب بمنزلة يهاب الشيخ أن يرد عليه كل شيء، يعني بمنزلة من العلم والفضل وخير وصلاح يهاب الشيخ يرد عليه كل شيء، قد ينبه إلى بعض الأشياء، ويترك بعض الأشياء، لكن السامع ما يعذر، السامع لا سيما بعد وجود الآلات التي تحفظ مثل هذه الأمور، التسجيل لو سُمع الطالب يقرأ ويقره الشيخ السامع ما يعرف وضع هذا الطالب إنما يعرف الشيخ، فعلى الشيخ أن يهتم بالطالب.

ومما قيل في ترجيح العرض على السماع فيما تقدم في طرق التحمل قالوا: إنه في حال السماع لو أخطأ الشيخ ما وجد من يرد عليه، إما جهل من الطلاب أو هيبة الشيخ، وفي حال العرض إذا أخطأ الطالب الذي يقرأ فإن الشيخ لن يتردد في الرد عليه، وهذا هو الأصل، لكن بعض الناس يكون بمنزلة، الناس ليسوا سواء، قد يكون أفضل من الشيخ يعني بدون مبالغة بعض الطلاب، والشيخ يعرف أن الطالب هذا أخطأ، لكن يصعب عليه أن يرد عليه كل شيء، فالذي يكثر منه اللحن هذا يُحذر، لا يقرأ، ولا يروي؛ لأنه يفسد أكثر مما يصلح، هذا يصلح كثيرًا فيما إذا غاب القارئ المعتمد عند الشيخ، ثم قيل: من يقرأ؟ فقام واحد من الطالب مجتهد -جزاه الله خيرًا- لكن كثير التصحيف والتحريف ما تعود يقرأ، لأن القراءة تحتاج إلى دربة، تحتاج إلى عادة؛ ولذا العربية الذي يأتي التنبيه عليها:

...................................
ج

 

فحق النحو على من طلبا
ج

يعني قد يهتم الطالب بالعربية، ويتدرج فيها على الجادة، يقرأ كتب المبتدئين على الشيوخ ويتقنها ويضبطها ثم يقرأ ما دون للمتوسطين وللمتقدمين يضبط القواعد عن ظهر قلب، وإذا سأل أعرب صحيحًا، وإذا قرأ في كتاب وأراد أن يعرب يعرب صحيحًا، لكن إذا نطق لكونه لم يتعود يخطئ، وهذا موجود حتى في مهرة العربية الذين يقتصرون على العلم النظري؛ لأن الاهتمام بالعربية يفيد الطالب من جهتين: جهة النطق السليم، ومعرفة موقع الكلمة من الإعراب، الذي يترتب عليه فهم المعنى، أما الفائدة الأولى وهو النطق الصحيح إنما تأتي بالمران، وكثرة القراءة على العلماء المجودين الضابطين المتقنين، الذين لا يفوتون شيئًا، ومعرفة موقع الكلمة من الإعراب، وما يترتب على هذا الموقع من فهم للمعنى، هذا أيضًا يستفيده من يعنى بالعربية، قد يستفيد الطالب الفائدة الثانية وتفوته الأولى، أما إذا أدرك الأولى ونطق بالكلمة نطقًا صحيحًا فإن الثانية في الغالب مضمونة؛ لأنه لن ينطق إلا بعد معرفة، لكنه قد يعرف موقع الكلمة لكنه ينطقها خطأ، هذا عادة من لم يتعود، الذي لم يتعود القراءة ينطق الكلمة خطأ، إما ملحونة أو مصحفة أو شيء من هذا؛ ولذا على طالب العلم أن يحرص على القراءة على الشيوخ المتقنين الذين لديهم عناية بتربية طلابهم.

وليحذر اللحان والمصحفا

 

على حديثه بأن يحرفا

لأنه إذا نقل عنك لن ينقل على الصواب، ما دام من عادته اللحن والتصحيف، وبعض الناس مبتلى بسبق اللسان تجده يريد شيئًا فينطق بغيره، كثير هذا في الناس، الناس يتفاوتون في هذا تفاوت بيّن وواضح، مثل هذا إذا نقل فتوى ما يعتمد على نقله، فيسيء إلى الشيخ أكثر مما يحسن، فلا بد أن يكون النقل دقيقًا، قد يكون رأي الشيخ في كثير من المسائل ليس بصريح، وإنما هو إيماء كما هو في كلام أحمد كثير، وكثير من طلاب العلم ممن يحضر عندنا يقول: إن الشيخ ما يرجح، لكن بطريق الإيماء يفهم الحاذق من الطلاب الراجح من المرجوح؛ لأنني آتي بالقول الراجح وأكد عليه، وأشير إلى ما عداه لقوته، هذا في الكلام العادي، أما في تقرير مذاهب أهل العلم فهو معروف المسألة، طالب العلم الذي لا يفهم يبغي يسوق الكلام على عواهنه ويسمع كلمة قد تكون في قول مرجوح وغفل عما عداها وقال: إن الشيخ يقول كذا.

...................................

 

وما آفة الأخبار إلا رواتها

فمثل هذا لا يؤمن في النقل ولا يصلح للقراءة ولا للرواية، بل لا بد أن يكون الناقل حاذقًا يفهم ما ينقل، ويتقن ما يقرأ.

وليحذر اللحان والمصحفا
فيدخلا في قوله: (من كذبا)

 

على حديثه بأن يحرفا
..................................

يدخل اللحان والمصحف في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار)) وهذا قاله كثير من أهل العلم، يعني مروي عن أهل العلم أن اللحان يدخل في حديث: من كذب، يعني إذا قلت: إنما الأعمالَ بالنيات كذبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ما قال هذا، أو صحفتَ أو حرفتَ كذلك.

...................................

 

فحقٌ النحو على من طلبا
ج

يجب تعلم النحو لماذا؟ لأنه لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، يعني لا يتم فهم الكتاب والسنة.. ومعلوم أن من العلم ما هو واجب على كل أحد، ومنه ما هو واجب على الكفاية، فمن وجب عليه يجب عليه أن يتعلم ما لا يُفهم إلا به، يعني ما يُعين على فهم الكتاب والسنة يجب على طالب العلم أن يتعلمه، قد يقول قائل: والله النحو ما وُجد في عصر الصحابة، فما له داع أن يُتعلم، علم حادث طارئ، الصحابة ليسوا بحاجة، يعني لو بحثت عن كلمة لحن في القواميس القديمة ما تجدها أبدًا؛ لأنهم ما يعرفون اللحن أصلًا، ليسوا بحاجة إلى تعريفه وهو ما هو بموجود عندهم، إذًا لا نتعرض لكلمة لحان؟ يعني اللحان والتلحين واللحن يعني لها مدلولات عرفية، ولها مدلولات اصطلاحية، فقراءة القرءان باللحن بعض الناس يتعاظم الأمر وهو يقع فيه، أعوذ بالله من يدخل التلحين واللحن والغناء في القرآن، وإذا قرأ تجده يلحن، يرفع المفعول، وينصب الفاعل، لماذا؟ لأنه أخذ الكلمة على معناها العرفي.

أقول: نص بعض أهل العلم إلى أن الذي يلحن في بعض قراءته للأحاديث أو يصحف أو يحرف أنه يدخل في حديث: من كذب؛ لأنه قال على النبي -عليه الصلاة والسلام- ما لم يقل.

...................................

 

فحقٌ النحو على من طلبا
ج

يعني يجب عليه أن يتعلم النحو ماذا يتعلم من النحو؟ يتعلم ما يفيده، ما ذكرناه من إصلاح لسانه عن الخطأ، وفهم الكلام بمعرفة موقع الكلمة الإعرابي، ويتدرج فيه؛ لأن كثير من طلاب العلم يعني يتصعبون النحو، ويقولون: درسنا الأجرومية والقطر والألفية وغيرها ما استفدنا كثيرًا، هو قطعًا هذا الذي يقوله؛ لأنه قرأ هذا الكتب، وقرأ على بعض أهل العلم فصار يكسر يرد عليه، أو خطب خطبة نبهه أكثر من واحد على الخطأ، فقال: ما استفدنا، أنت استفدت يعني إن فاتتك الفائدة الأولى لن تفوتك الفائدة الثانية، فالتعلم كله خير، لكن لا يعني أن معنى قوله:

...................................

 

فحقٌ النحو على من طلبا
ج

أن يفني عمره في تعلم النحو بحيث يعوقه عن تحصيل ما طُلب النحو له، وخير ما يطبق عليه النحو القرآن، وهناك كتب اسمها: كتب إعراب القرآن، يعني تعلمت الأجرومية، قرأت الأجرومية على شيخ، وحضرت الشرح، وراجعت الشروح، وأتقنتها أعرب الفاتحة، ثم اعرض إعرابك على كتب إعراب القرآن، ثم بعد ذلك أعطه من يقومه لك، وهكذا تستفيد فهم القرآن بهذه الطريقة، وإعراب القرآن في آن واحد، وتكتسب الدربة في هذا الفن الذي تصعبه كثير من طلاب العلم، يعني كأنهم يرون أن الفائدة منه ليست قريبة، يعني مثل أحاديث الأحكام مع أحاديث أبواب الدين الأخرى، يعني تجد طالب العلم مهتمًّا ببلوغ المرام، لكن لو تقول له: ماذا عندك بالرقائق؟ ماذا عندك بكتاب الاعتصام؟ كتاب التعبير مثلًا؟ أو كتاب المغازي؟ ما عنده شيء، يهتم بأحاديث الأحكام؛ لأنها عملية يحتاجها ويزاولها، مع أن الفقه في الدين لا يتم إلا بمعرفة جميع أبوابه، فإذا كانت الفائدة بعيدة يعني تصعب طالب العلم أن يصرف لها وقتًا.

...................................

 

فحقٌ النحو على من طلبا
ج

يعني طالب العلم يقرأ على الطريقة المعروفة عند أهل العلم، يقرأ الأجرومية أولًا، وينظر في شرح الكفراوي وفيه إتقان للإعراب؛ لأنه لا يمر به مثال إلا ويُعربه، ويقرأ أيضًا حاشية العشماوي فيها ضوابط وقواعد قد لا توجد في المطولات، ثم يقرأ القطر، وما شرح به، وإعراب شواهده، يستفيد فائدة كبيرة، ثم بعد ذلك إن أراد أن ينظر في الألفية وشروحها وإن اقتصر عن هذين الكتابين كفاه؛ لأن العلماء قالوا: إن النحو بالنسبة للكلام كالملح في الطعام، يعني لو أن طالبًا أنبرأ لشرح المفصل، شرح المفصل لابن يعيش مطبوع في عشرة أجزاء، والصفحة الواحدة يعني لو طبعت مفرودة صارت مثل الأجرومية، الصفحة الواحدة من شرح المفصل تعادل الأجرومية؛ لأنه مرصوص، فمثل هذا لا شك أنه يعوق عن تحصيل غيره من العلوم، وإن كان فيه فائدة، وتعرض لكثير من الإشكالات في النصوص مفيد جدًّا، لكن مع ذلك تحصيله فيه وعورة، لكن ذكرنا مرارًا أن من أفضل وسائل التحصيل اختصار الكتب، لو أنت مسافر في نزهة مثلًا، رائح إلى أبها وإلا رائح يمينًا وإلا شمالاً، المقصود أنك مسافر، تقول: والله أنا بعيد عن كتبي، ولا أستطيع أن أراجع، خذ كتابًا واحدًا، إما في أصول الفقه تأخذ لك شرح مختصر التحرير، أو شرح مختصر الروضة، أو في العربية تأخذ مثل شرح المفصل وأنت عجل، وتدوّن منه فوائد على الأصل، بحيث بدل ما هو بعشرة يطلع في مجلد، أنت تفهم وتستفيد من هذا الكتاب، وأنت ما بين يديك كتب تقول: والله ضيعت، في نزهة، افترض أنك خرجت لك لمدة أسبوع في رحلة برية وإلا شيء ومعك كتاب تستفيد، فاختصار الكتب مهم جدًّا لتثبت العلم لدى طالب العلم، يعني بإمكانك مثلًا في هذا الفن أن تأخذ حاشية الصبان على شرح الأشموني على الألفية يعني تستطيع أن تلخص هذا الكتاب، بدل ما هو في أربعة مجلدات في مجلد تأخذ منه الضروري، في هذه الكتب وفي هذه الحواشي فوائد كثيرة، لكن أهل العلم ينظرون إلى الفائدتين التي أشرت إليهما في مطلع الكلام فيقتصرون على الكتب المختصرة وإلا فالكتب المطولة فيها فوائد عظيمة ودرر، وحل إشكالات في النصوص، ومع ذلك تحصيلها في وقت الطالب بين كتبه وبين يديه ما يتعلق بالكتاب والسنة لا شك أنه يعوقه عن تحصيل ما هو أهم منه.

...................................

 

فحقٌ النحو على من طلبا
ج

يقبح بطالب العلم لا سيما إذا كان يتصدى لنفع الناس أن يلحن لحنًا جليًّا وإلا الخفي قد لا يسلم منه أحد، يقبح بخطيب أن يخطب والناس تمج الكلام الملحون، يخطب ويكسر الكلام، يرفع وينصب بدون قواعد ولا ضوابط، فعليه أن يعنى بهذا؛ ولذا قال:

...................................

 

فحقٌ النحو على من طلبا
ج

يذكر في كتب الأدب أن الوليد بن عبد الملك وهو يخطب قال: "يا ليتُها كانت القاضية" قال أحدهم –ما أدري والله سموه نسيت الآن، من إخوانه- قال: "يا ليتها تقوم القيامة ولا يقوم واحد يلي أمر المسلمين يلحن مثل هذا اللحن في القرآن، أسهل يعني عنده، يعني متى يؤمن جانب اللحن والتصحيف والتحريف؟

قال الناظم -رحمه الله تعالى-:

والأخذ من أفواههم لا الكتبِ
ج

 

أدْفعُ للتصحيف فاسمع وادأبِ
جج

يعني أن تتلقى العلم من أفواه الشيوخ، والشيوخ تلقوه عن شيوخهم، هذا يقيك شر التصحيف والتحريف؛ لأنك أخذت من أفواه الشيوخ أمنت، يعني أنا سمعت شخصًا يقرأ على الشيخ ابن باز -واحد من الكبار-، ما يحتاج نسميه، يقول: "سلمة بن كهبل" هل هذا أخذ من أفواه الشيوخ؟! يعني هل هذا يليق بطويلب فضلًا عن طالب له عناية بالحديث؟ سلمة بن كهبل سبحان الله، يعني تسمعون في "أيوب" كثير من طلاب العلم والمشايخ حتى بعض الكبار يقول: السِختياني وهو بفتح السين، لكن متى نأخذ هذا الضبط؟ إذا تلقيناه من الشيوخ، كثير يقول: شهر ذو القِعدة وهو القَعدة لماذا؟ لأنه لم يتلقَ من الشيوخ، فالأخطاء كثيرة بالنسبة لمن يأخذ من الصحف؛ لأن الصحف لا تضبط كل شيء.

والأخذ من أفواههم لا الكتبِ
ج

 

أدْفعُ للتصحيف فاسمع وادأبِ
جج

يعني خليك دؤوب، حريص دائم مستمر، مثابر على الأخذ من الشيوخ، وقديمًا قالوا: "من كان شيخه كتابه كان خطأه أكثر من صوابه".

بعد هذا إصلاح اللحن والخطأ، أنت وجدت خطأ ولحنًا في كتاب، أما إذا كان يقرأ سهل ترد عليه، لكن وجدته مكتوبًا هكذا خطأ، تعدل وإلا ما تعدل؟ تصحح وإلا ما تصحح؟

وإن أتى في الأصل لحن أو خطا
جج

 

فقيل: يُروى كيف جاء غلطا
ج

يعني مثل ما جاء يُروى، قال به بعض أهل التحري والتشديد قال: تروي ما في الكتاب ولو كان خطأً، وكأن هذا القائل يريد حسم مادة الهجوم على الكتب والتصرف فيها، يقول: لو كان خطأ اقرأ على الخطأ، واروِ على الخطأ، لكن مع ذلك بين الصواب لا تصحح في الكتاب، اروه كما هو، قل كذا في الكتاب والصواب كذا، وبعضهم يعكس يقول: اروِ على الصواب وبين أن في الأصل كذا، لكن كم وقفنا في الكتب التي يزعم تحقيقها أنه قال: كذا في الأصل وهو خطأ والصواب كذا، والواقع ضد ما يقول، كثير من التحقيقات يجعلون الكلمة المرجوحة في الأسفل والصواب على حد زعمهم في الأعلى، والمفترض العكس؛ لأنه أصوب، فحسمًا لهذا الهجوم على الكتب والتصحيح قال:

وإن أتى في الأصل لحن أو خطا
جج

 

فقيل: يُروى كيف جاء غلطا
ج

يُروى كما جاء، فتح المغيث الذي بأيدكم أول ما طُبع طبع بالهند في مجلد كبير سنة ألف وثلاثمائة وثلاثة، باللغة العربية بالخط الفارسي، الخط الفارسي الذي ما تعامل معه بكثرة يصعب عليه قراءة بعض الحروف، وتعب كثير من طلاب العلم في قراءة هذه الطبعة مع أنها مفقودة من عقود، لكن احتسب من احتسب وطبع الكتاب، المكتبة السلفية في المدينة طبعوا الكتاب، وتولى تحقيقه شخص اسمه: عبد الرحمن محمد عثمان، ضبط وتحقيق، وليتنا سلمنا من هذه الطبعة، يأتي إلى الحرف الذي لم يستطع قراءته بالفارسي ويرسمه كما هو، ويترجمه بين قوسين، يترجمه خطأ؛ لأنه ليس من أهل هذا الشأن، ما له علاقة بالحديث وعلوم الحديث، لكن له ارتباط بصاحب المكتبة وفعل هذا، وطبع كتبًا كثيرة على هذا الشكل، المقصود أن الكتاب طبع في لبنان أيضًا بعد ذلك، معتمدين على هذه الطبعة، فحذفوا الكلمة المترجمة، وحذفوا الأقواس وأبقوا الاجتهاد، فجاء الكتاب ممسوخًا، مسخ وتحريف، بدل ضبط وتحقيق، فمن أهل العلم من أهل التحري مثل ابن سيرين وعبد الله بن صخبرة وبعض العلماء يقول: لا تحرك شيئًا خله كما هو؛ لأنه قد يكون خطأ في نظرك، ويلوح صوابه عند غيرك، يعني مثلما ذكرنا من الأمثلة: "بابٌ: إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت" هذا الترجمة بالكسرة والياء محذوفة، وفي الحديث: ((إذا لم تستحي)) تحت الترجمة بياء، فيجئ طالب العلم فيقول: أحدهما خطأ أكيد، ولم معروف أنها تجزم، فإما أن تكون الترجمة خطأ فيضع ياء، أو يكون لفظ الحديث خطأ فيحذف الياء، وهو لا يدري أن الترجمة على لغة تميم، والحديث على لغة قريش؛ ولأن (يستحي) بياء واحدة عند تميم، وبياءين عند قريش، فإذا صحصح أخطأ، قال:

ومذهب المحصلين يُصلحُ
 

 

...................................

إذا كان خطأ يُصلح.

ومذهب المحصلين يُصلحُ
 

 

ويُقرأ الصواب وهو الأرجحُ

ومذهب المحصلين يعني أهل العلم "يُصلحُ ** ويقرأ الصواب وهو الأرجحُ" لكن هذا في الخطأ الذي لا يحتمل، قالوا: هذا في الخطأ الذي لا يحتمل.

في اللحن لا يختلف المعنى به
ويُذكر الصواب جانبًا كذا
ج 

 

وصوبوا الإبقاء ما تضبيبه
...................................

إذا كان خطأ لا يحتمل يُصلح، ويُشار في الحاشية أنه أصلح؛ لأنه قد يظنه خطأ لا يحتمل الصواب وهو في الحقيقة صواب أو له وجه على الأقل، وإن كان مرجوحًا.

في اللحن لا يختلف المعنى به
ج 

 

وصوبوا الإبقاء ما تضبيبه

اللحن الذي لا يختلف به المعنى، يعني إذا قلت: "إنما الأعمالَ بالنيات" المعنى يختلف وإلا ما يختلف؟ هذا لحن "إنما الأعمالَ بالنيات" وليس له وجه، مثل هذا يبقى، لكن يضبب عليه، "ويذكر الصواب جانبًا" يعني في الحاشية.

ويُذكر الصواب جانبًا كذا
والبدء بالصواب أولى وأسد
 
ج

 

عن أكثر الشيوخ نقلًا أُخذا
وأصلحُ الإصلاح من متنٍ ورد
 

 

"والبدء بالصواب أولى وأسد" يعني أنت تقرأ الكتاب أو تروي الحديث للطلاب، القلب فارغ من الحديث بالنسبة لكثير من الطلاب، فالذي يثبت فيه أول ما يُسمع "صادف قلبًا خاليًا فتمكنا" يقول: ابدأ بالصواب أولى وأسد، ثم بعد ذلك أشر إلى الخطأ.

...................................
 
ج

 

وأصلحُ الإصلاح من متنٍ ورد
 

 

يعني أصلح الإصلاح أفضل ما تصحح به الكتب ما جاء للحديث، أو للكلام من رواية أخرى، تصححه من حديث آخر، تصححه من رواية أخرى لهذا الحديث، يعني كما قالوا: أفضل طرق التفسير أن يفسر القرآن بالقرآن، يفسر القرآن بالسنة، الحديث يفسر بحديث، وهنا يُصلح الحديث من كتب الحديث.

...................................
وليأتِ في الأصل بما لا يكثرُ
ج
 
ج

 

وأصلحُ الإصلاح من متنٍ ورد
كابن وحرْف حيث لا يغيرُ

جج

"وليأتِ في الأصل بما لا يكثرُ" أنت وجدت كتابًا فيه: عن هريرة مثلًا -رضي الله عنه- تتركه هكذا أو تكتب عن أبي هريرة؟ مثل هذا يحتمل؟ يعني في صحابي اسمه هريرة؟ لو وجدت عن هريرة، أو عن جريج معروف أنه ابن جريج؛ ولذا قال:

وليأتِ في الأصل بما لا يكثرُ
ج
 
ج

 

كابن..............................

جج

إذا قال: عن جريج وابن جريج تكتب ابن جريج "وحرفٍ"، كابن ومثله كأبي مثلًا كأبي هريرة تذكر أبي هريرة.

...................................
ج
 
ج

 

كابن وحرْف حيث لا يغيرُ

جج

ما يغير المعنى لو زدته.

...................................
والسقط يُدرى أن من فوقٍ أتى
ج


 

......................حيث لا يغيرُ
به.................................
ج

الشيخ قال: عن أبي هريرة، لكن الناسخ أسقط أبا هريرة، الشيخ قال: عن ابن جريج والناسخ أسقط ابن.

 والسقط يُدرى أن من فوقٍ أتى
ج


 

به يُزاد بعد يعني مثبتا
ج

يعني لو أن الشيخ روى الحديث على وجهه: عن عمرة عن عائشة: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يخرج رأسه فأرجله وأنا حائض وهو معتكف، أُسقطت عائشة، يعني هل كان الرسول، احتمال أن كان الرسول يخرج رأسه إلى عمرة؟ ما فيه احتمال، فإذا قلت: عن عمرة قل: يعني عن عائشة؛ ولذلك قال:

 والسقط يُدرى أن من فوقٍ أتى
ج


 

به يُزاد بعد يعني مثبتا
ج

هم يزيدون يعني ليبينوا أن الزيادة متأخرة، يعني لو كثيرًا ما توجد في الأسانيد يُذكر شيخ الشيخ بدون نسبة على ما سيأتي الزيادة في نسب الشيخ -الدرس القادم إن شاء الله-، يزيدون يعني، قال: حدثنا محمد يعني ابن بشار، أو هو ابن بشار، أو محمد يعني ابن جعفر، فيزيدونها؛ لأن الشيخ رواه إياه بدون نسبة، فيزيدون نسبته بعد يعني وهو.

وصححوا استدراك ما درس في
 

 

كتابه من غيره إن يَعرفِ

استدراك ما درس، تعرفون الكتب تتأثر مع الوقت، إما بأرضة تأكل أطراف الأوراق ويضيع منها بعض الحروف، أو ماء رطوبة، أو سوس، أو مجلد، أو غير ذلك مما تتعرض له الكتب، جاءت على طرف الكتاب وأكلت منه، نار احترق بعض الكتاب، وذهب من كل سطر كلمة، يقول:

وصححوا استدراك ما درس في
صحته من بعض متن أو سند
 
ج
 

 

كتابه من غيره إن يَعرفِ
كما إذا ثبته من يعتمد
ج

ج

تأتي إلى زميلك وتكمل نسختك من نسخته، لكن قد تكون هذا النسخة فريدة لا نظير لها، وجاءت أرضة وأكلت منها، ولا بد من الإفادة منها يلصق عليها ورق، ويستظهر الناقص، يقال: لعله كذا، إذا كان المستظهر هذا أهل لذلك؛ لأن منهم من قد بلغ إلى حد يستظهر الأسطر، تجد خرمًا في كتاب سطرين ثلاثة، ويقول: دعه لي حتى أتمه وأستظهر، ثم إذا جئته إذا به قد عبأ الأسطر الثلاثة، ثم إذا وقفت على نسخة بعد ذلك تجد الكلام صحيحًا على أقل الأحول، يعني في مكانه، وقد يكون مطابقًا بالحرف، على حسب خبرة هذا الشخص، ويعني مما يُذكر في هذا  كان عندي الطبعة الأولى من تفسير القرطبي، ومر عليّ كلام مشكل فيه خفاء، وعلقت عليه بسطرين، ثم وقفت على الطبعة الثانية فإذا بالتعليق بحروفه، أنا والله ما وقفت على الطبعة الثانية، وهم ما وقفوا على نسختي، أحيانًا يقع الحافر على الحافر، قد يوفق الإنسان إلى أن يقول ما يوضح الكلام بدقة، فمثل هذا الذي بلغت به المعرفة يعني يستظهر، أما يبقى الكلام محذوف من كل سطر كلمة أو حرف كيف يُقرأ؟! يعني معناه ارمِ الكتاب، لا بد يُستفاد منه، لكن لا بد أن يكون التصحيح من نسخة أخرى إن وجدت، وهذا أولى، وإن ما وجدت فالاستظهار وله أهله.

صحته من بعض متن أو سند
 
ج
 

 

كما إذا ثبته من يعتمد
ج

ج

يعني بعضهم قد يروي الحديث ويشك في كلمة، يتردد فيها لطول العهد، هل هي كذا أو كذا، يسأل من يثبته فيها، يقول: لا الأمر كذا، ويتسامحون في رواية مثل هذا، وفي مواضع كثيرة من صحيح البخاري: وثبتني فلان بكذا، وبعضهم يستدل له بشهادة المرأتين {أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [(282) سورة البقرة] إذا ذكرت أحداهما الأخرى وقبلت شاهدتهما مع هذا التذكير، فالنسيان للكلمة أو شيء من هذا ويثبته الثقة مقبول، ونص على هذا أحمد وغيره.

صحته من بعض متن أو سند
وحسنوا البيان كالمستشكلِ
 
ج
 

 

كما إذا ثبته من يعتمد
كلمة في أصله فليسألِ
ج

ج

هذا التثبيت، حسنوا البيان يعني ما يأخذ الكلمة من فلان ويرويه على أنه لا إشكال فيها، لا، يقول: أنا والله شككت هل هذه الكلمة أو تلك، وثبتني فلان سألت فلانًا فثبتني وقال: إن الصواب كذا، يعني المراد بهذه الكلمة كذا، "في أصله فليسأل" يسأل من أهل الخبرة والضبط والإتقان ممن شاركوه في الرواية فيثبتونه فيها، وهذا موجود بكثرة في كتب السنة، وهذا من دقتهم حيث لم يروا دون بيان، يعني الضرورة قائمة لرواية هذا الحديث، الحاجة قائمة لرواية هذا الحديث قد لا يكون إلا عند هذا الشخص، ثم بعد ذلك عليه أن يرويه فإذا شك في كلمة منه، أو في اسم راوٍ فإنه يتثبت فيه من غيره من أهل الحفظ والضبط والإتقان، يعني لو وجد في أصله كلمة كُتبت وكان يقرأها قديمًا ولا عنده إشكال؛ لأن نظره قوي، فجاء بشخص فقال له: اقرأ لي هذه الكلمة، أو صورتها محتملة؛ لأن بعض الكلمات وبعض الكتاب يكتبون بعض الكلمات على أوجه محتملة، تقرأ هكذا وهكذا، فيثبت بها، يعني عندك رواية في كتاب لشيخ الإسلام مثلًا، ترويه بالسند المتصل إلى شيخ الإسلام، فوقفت على النسخة الأصلية بخط شيخ الإسلام فعجزت تقرأها، كثير من الكلمات عجزت عنها، فجئت بخبير من الخبراء الذين لهم عناية ودربة في خط شيخ الإسلام وقلت له: اقرأ عليّ هذه الكلمة وإلا هذه الجملة وإلا هذا السطر ما فيه إشكال -إن شاء الله-، على أن يكون ثقة، يعني كالذي يتجرم من لغة إلى لغة؛ لأنه قد يقرأ لك هذا الكلام خطأ.

بعد هذا يقول المؤلف (الناظم) -رحمه الله تعالى-:

اختلاف ألفاظ الشيوخ

معلوم أن الحديث مصدره واحد وهو النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقد يقال الحديث في مناسبة واحدة ولا يتعدد، وقد يتعدد بتعدد مناسباته، المقصود أن المصدر واحد، وتجد الحديث الواحد الذي مخرجه واحد يُروى بألفاظ مختلفة، فمثلًا حديث النعمان بن بشير: ((الحلال بيّن والحرام بيّن)) مروي بألفاظ كثيرة في الصحيحين وغيرهم ((مشبهات))، ((مشتبهات))، ((متشابهات)) وغير ذلك، يعني في ألفاظ كلها مروية، هذا من اختلاف ألفاظ الشيوخ، فتجد المؤلف يروي الحديث عن اثنين أو ثلاثة أو أربعة، الأول له لفظ، والثاني له لفظ، والثالث له لفظ يختلف مع الأول، قد يختلف مع الثاني، يتفق مع الأول في شيء، يتفق مع الثاني في شيء، لكنها كلها في المعنى الواحد، وهذا جارٍ على مذهب الجمهور الذين يجيزون الرواية بالمعنى.

المؤلف يذكر جميع الألفاظ وإلا يذكر لفظًا واحدًا؟ لفظ واحد، يجمع الشيوخ أو يفرقهم؟ يجمعهم، يقول: حدثنا فلان وفلان وفلان، وفي النهاية يسوق متنًا واحدًا، وقد يكون في لفظ فلان ما يختلف من حيث اللفظ مع لفظ فلان، من أهل العلم من يبين صاحب اللفظ بدقة بالحرف، وهذه طريقة الإمام أحمد ومسلم صاحب الصحيح، حدثنا فلان وفلان وفلان واللفظ لفلان، حتى جزم كثير من أهل العلم أن مسلمًا إذا لم يبين صاحب اللفظ فإن الحديث يكون متفقًا عليه باللفظ بين من نسب إليه روايته.

الإمام البخاري ما يبين، غالبًا ما يبين، يعني بين في مواضع يسيرة، لكن الغالب أنه لا يبين، لكن الحافظ ابن حجر يقول: "ظهر لنا بالاستقراء أن البخاري إذا روى الحديث عن اثنين فاللفظ للآخر منهما" هو صاحب اللفظ، يعني هذا بالاستقراء وإلا البخاري ما يبين، على أنه وقع لنا أحاديث رواها عن طريق اثنين ولم يبين ثم بعد التحري والتقصي تبين أن اللفظ للأول، فهذه قاعدة أغلبية ليست كلية، يعني الغالب أن اللفظ للثاني، بعضهم يفضل مسلمًا على البخاري من هذه الحيثية من أجل البيان، ويقول: ينبغي لطالب العلم أن يحفظ أول ما يحفظ مسلمًا، يعني مختصر مسلم ما هم يحفظون الأصول، ثم يزيد عليه زوائد البخاري، هل هذا العمل جيد أو العكس أفضل؟ يحفظ لفظ البخاري ويزيد عليه زوائد مسلم؟ نعم هذا أفضل بكثير، إذًا كيف نقول: هذا أفضل مع أن مسلمًا يعتني بصاحب اللفظ والبخاري لا يعتني بصاحب اللفظ؟

طالب:.........

نعم لا يجزم بأن اللفظ الذي بينه مسلم هو لفظ النبي -عليه الصلاة والسلام-، لا شك أن البخاري أكثر تحريًّا وأكثر دقة، وأنظف أسانيد ومتون، ومع ذلك بيان مسلم هو الحديث رواه عن شيخين قال: هذا لفظ فلان، حتى لفظ فلان الذي بين فيه أنه لفظه لا يلزم أن يكون هو اللفظ النبوي، قد يكون اللفظ الذي أضرب عنه، لفظ الشيخ الثاني الذي ما ذكره هو الموافق للفظ النبوي، والله أعلم، وكون البخاري ما يبين المسألة مفترضة في رواة ثقات، روايتهم مقبولة وصحيحة، فليكن المعول على صحيح البخاري.

يقول:

وحيث من أكثر من شيخ سمع
بلفظِ واحدٍ وسمى الكل صح
بيانه...............................

 

متنًا بمعنىً لا بلفظ فقنع
عند مجيزي النقل معنىً ورجح
...................................

يقول: إذا روى الحديث عن اثنين وبينهما بعض الاختلاف في الألفاظ مع اتحاد المعنى ولم يبين هذا ماشي على جواز الرواية بالمعنى، ولا يضر إطلاقًا؛ لأنه لا يختلف المعنى، قال:

وحيث من أكثر من شيخ سمع
بلفظِ واحدٍ وسمى الكل صح

 

متنًا بمعنىً لا بلفظ فقنع
...................................

حدثنا فلان وفلان وفلان ولم يبين صاحب اللفظ إنما المعنى واحد يجوز على قول الجماهير في صحة الرواية بالمعنى.

...................................
بيانه...............................

 

عند مجيزي النقل معنىً ورجح
...................................

المرجح بيانه؛ لأن هذا من التحري والدقة، والخروج من العهدة، إذا بين خرج من  العهدة، أحيانًا يرد في السند عند أبي داود: حدثنا فلان وفلان المعنى، وقد يقول: المعنى واحد، فإذا اقتصر على المعنى فمراده واحد، يعني ما يختلف بين المعنى فيما رواه فلان عن معنى ما رواه فلان، وإن اختلفوا في اللفظ.

...................................
بيانه مع قال أو مع قالا
 
ج

 

............................ورجح
وما ببعض ذا وذا وقالا

أحيانًا مسلم -هذا موجود عنده- يقول: حدثنا قتيبة بن سعيد ويحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة واللفظ لفلان وفلان قالا، أو اللفظ لفلان قال، يبين إن كان صاحب اللفظ واحدًا قال: قال، واللفظ لقتيبة قال، واللفظ لقتيبة ويحيى قالا، وأحيانًا يقول: حدثنا الثلاثة: قتيبة بن سعيد، ويحيى بن يحيى، وأبو بكر بن أبي شيبة قال أبو بكر: حدثنا، لماذا يقول هذا؟ بعض أهل العلم يقول: إنه أعاد لفظ أبي بكر؛ لأنه هو صاحب اللفظ، يعني حدثنا قتيبة ويحيى وأبو بكر بن أبي شيبة قال أبو بكر: حدثنا فلان عن فلان.. إلى آخره، فلماذا يعيد أبا بكر دون قتيبة ويحيى إلا لأنه له مزية عليهما؟ له مزية عليهما بأي شيء؟ بلفظه.

"مع قال أو مع قالا" يعني إذا كان صاحب اللفظ واحدًا قال، وإذا كان صاحب اللفظ اثنين قال: قالا، وإذا كانوا ثلاثة قال: قالوا.

...................................
اقتربا في اللفظ أو لم يقلِ
 
ج

 

وما ببعض ذا وذا وقالا
صح لهم...........................

يعني قد يروى الحديث عن اثنين ويقول: واللفظ مقارب أو متقارب أو تقارب في اللفظ، تقاربا في اللفظ؛ ولذا وقال:

اقتربا في اللفظ أو لم يقلِ
 
ج

 

صح لهم...........................

وكل هذا لتصحيح الرواية بالمعنى، أو لم يقل تقارب في اللفظ، ما يحتاج أن يقول: تقاربا في اللفظ.

...................................
بأصل شيخ من شيوخه فهل
 
ج

 

صح لهم والكتب إن تقابلِ
يسمي الجميع مع بيانه احتمل

يروي صحيح البخاري من طريق ثلاثة من الشيوخ، وعرفنا أن عليه أن ينسخ صحيح البخاري، ويقابل هذا المنسوخ بالأصل، فإذا أراد أن يروي عن الثلاثة ماذا يصنع؟ إذا كانوا يلتقون برواية واحدة عن شيخ واحد الثلاثة يكتفي بنسخة واحدة يقابل عليها أصول الشيوخ الثلاثة، لكن إن اقتصر على مقابلته على أصل واحد يروي عن الثلاثة أو يروي عن صاحب الأصل؟ الآن يروي البخاري عن ثلاثة من الشيوخ وقلنا: إنه لا بد أن ينسخ الكتاب، ويقابل الكتاب على أصله، ما تقدم هذا؟ فإذا روى عن ثلاثة إما أن ينسخ عن النسخ الثلاثة، ويقابلها بأصولها أو يقتصر على نسخة واحدة يقابلها بالأصول الثلاثة، هذا نسخ نسخة واحدة وقابلها بأصل واحد من هذه الأصول، هل يروي عن الثلاثة أو يروي عن واحد الذي قابل نسخته بأصله؟ نعم؟

طلب:..........

كيف؟

طلب:.........

نحن انتهينا من الرواية باللفظ، الأدب الشفوي هذا انتهينا منه، الآن يؤدي تحريري من كتاب، الآن يؤدي تحريري عندنا قلنا: لا بد أن ينسخ الأصل، ولا بد أن يقابل على الأصل كما تقدم في أبواب مضت، يروي البخاري عن ثلاثة، وقابل على أصل واحد منهم، وترك أصلين يقول: يكفيني واحد أنا، نعم؟

طالب:........

إيه لكن هؤلاء الثلاثة كل واحد يختلف عن الثاني، أيضًا بزيادة ونقصان كما هو معلوم، يعني أبو ذر يروي البخاري من طريق ثلاثة، وقد يختلف مع بعضهم، يعني رواية أبي ذر في بعض طرقه عن الكشمهني مع أنه تجد فروقًا بينه وبين الكشمهني، فعلى كل حال إذا كان يروي الحديث عن ثلاثة وافترض أنهم لا يلتقون، كل واحد له طريقه، فقابل نسخته التي انتسخها من الكتاب على أصل واحد منهم، هل يسوغ له أن يروي على الثلاثة أو يقتصر على من قابل نسخته بأصله؟

طالب: يقتصر.

يقتصر؟ يقول:

...................................
بأصل شيخ من شيوخه............
 
ج

 

..................والكتب إن تقابلِ
...................................

يعني دون البقية بأصل واحد فهل يسمي الجميع مع بيانه احتمل، مع البيان، يعني إذا أراد أن يحدث يقول: حدثنا فلان وفلان وفلان، الثلاثة، مع مقابلته بأصل فلان، يعني يروي من كتاب فلان وفلان وهو لم يقابل كالرواية من الأصل غير المقابل، ما أجازها الخطيب ومن معه على أن يبين أنه ما قابل؟ هذا منه، فإذا بين وقال: مع مقابلة الأصل بكتاب فلان دون فلان وفلان، إذا بين خرج من العهدة، فهل يسمي الجميع مع بيانه احتمل، هذا مثل ما تقدم من الرواية في الأصل غير المقابل، والله أعلم.

 

وصلى الله وسلم على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"