شرح ألفية الحديث للحافظ العراقي (50)

بسم الله الرحمن الرحيم

شرح ألفية الحافظ العراقي (50)

(آداب طالب الحديث)

الشيخ/ عبد الكريم الخضير

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول الناظم -رحمه الله تعالى- في آداب طالب الحديث:

وَاقْرَأْ كِتَابًا فِي عُلُوْمِ الأَثَرِ

 

كَابْنِ الصَّلاَحِ أَوْ كَذَا الْمُخْتَصَرِ
ج

اقرأ كتابًا في علوم الأثر من أجل أن تعرف صحيح الحديث من ضعيفه؛ لأن علوم الأثر، علوم الحديث، مصطلح الحديث، أصول الحديث هي القواعد المُعرِّفة بحال الراوي والمروي عنه من حيث القبول والرد، فلا يمكن أن يعرف طالب العلم الصحيح من الضعيف، المقبول من المردود إلا بعد معرفة قواعد هذا العلم، وأشار الناظم إلى أن كتاب ابن الصلاح يفيد في هذا الباب فائدة عظيمة، وقد تعب عليه مؤلفه، وجمعه من متفرقات كتب هذا الفن كمؤلفات الخطيب وغيره ممن سبقه.

"أو كذا المختصر" يعني منظومته كما نص على ذلك في شرحه، وهي مختصر لابن الصلاح، كما قال في مقدمتها:

لخصت فيها ابن الصلاح أجمعه
 
ج

 

وزدتها علمًا تراه موضعه

وأيضًا من مختصرات ابن الصلاح النافعة مختصر النووي الإرشاد، وكذا مختصره الثاني التقريب، ومختصر الحافظ ابن كثير، واختصار علوم الحديث وما كُتب عليه، كل هذه يستفيد منها طالب العلم فائدة كبيرة، إضافة إلى ما كتب قبل ذلك من المحدث الفاصل والجامع للخطيب، والإلماع، وغيرها من الكتب، وكذا ما كتبه من تأخر عنهم، كالسيوطي في التدريب، والصنعاني في توضيح الأفكار، وما كتبه المعاصرون في هذا العلم أيضًا مفيد فائدة كبيرة، وفيها أمثلة غير ما تقدم في كتب مَن سبق، فيُعنى طالب العلم بجميع ما كتب في هذا الفن، سواءً كان للمتقدمين أو المتأخرين، حتى يتمرن على القواعد التي سطرها أهل العلم، مقرونًا ذلك بالتخريج، والنظر في الأسانيد على ما سبق أن بيناه في مناسبات كثيرة.

وبالصحيحين ابدأن ثم السنن

 

 

...................................
ج

الصحيحين لا سيما صحيح البخاري الذي ينبغي أن يكون هو ديدن طالب العلم بعد أن يحفظ المختصرات التي ألفت للمبتدئين والمتوسطين كالأربعين، ثم العمدة، ثم البلوغ، ثم المحرر، والمنتقى وغيرها مما كتبه أهل العلم في أحاديث الأحكام، وكذلك ينظر أيضًا في الأبواب الأخرى من أبواب الدين كالترغيب والترهيب وغيرها، ثم بعد ذلك يقرأ في الكتب المسندة التي هي رأس المال بالنسبة لهذا العلم، وعلى رأسها صحيح البخاري، وبعضهم يرى أن يقدم بين يدي ذلك ما كتبه من تقدم عن البخاري ومسلم كالموطأ مثلًا، ويجعل ذلك في التوطئة والتمهيد لهذا العلم.

على كل حال طالب العلم عليه أن يعنى بصحيح البخاري، ويجعله محور عمله؛ بحيث ينظر في أحاديثه أولًا فأول، فيبدأ بالحديث الأول وينظر فيه، وينظر في مواضع تخريجه في ثنايا الكتاب، فنجد الحديث الأول خرجه الإمام البخاري في سبعة مواضع، ينظر في هذه المواضع كلها، السبعة، ويقارن بينها في الأسانيد، وطرق وصيغ الأداء، وفي المتون، وما يزيد وما ينقص، يأخذ تصورًا كاملاً لهذا الحديث في مواضعه السبعة من صحيح البخاري، ولماذا زاد هنا، ولماذا نقص هناك، وينظر في تراجم الإمام البخاري على هذه المواضع السبعة، فهي فقهه وهي استنباطه من هذا الحديث، وهذا فقه السنة لمن أراد العمل بالسنة، وينظر أيضًا ما يذكره البخاري في ثنايا أو بعد هذه التراجم من المعلقات والموقوفات والآثار يكون لديه تصور كامل بالكتاب على هذه الطريقة، ثم ينظر من وافق المؤلف على تخريج هذا الحديث، فينظر في الكتب الستة دفعة واحدة، وهذه طريقة مجربة ونافعة، يعني يأخذ الحديث الأول وينظر في مواضع تخريجه من البخاري، في المواضع السبعة، وينظر في مسلم بعد ذلك بطرقه وأسانيده، ثم ينظر فيمن وافق البخاري ومسلم على تخريج هذا الحديث، وهو في كل ذلك إذا رجع إلى الموضع الثاني هو الآن يجعل الأصل الموضع الأول، ثم الموضع الثاني إذا نظر فيه وقارن بينه وبين الموضع الأول في الأمور الثلاثة التي ذكرناها أو الأربعة في الترجمة في الإسناد في صيغ الأداء، وهذه في غاية الأهمية، في متن الحديث من حيث الزيادة والنقصان يشير على الموضع الثاني أنه دُرس في الحديث الأول، ثم بعد ذلك الموضع الثالث ثم الرابع ثم الخامس ثم السابع إلى آخره، وإذا نظر في الحديث في صحيح مسلم أشّر عليه، يضع عليه إشارة أن هذا الحديث دُرس مع الحديث الأول في صحيح البخاري، ثم يأتي إلى هذا الحديث في سنن أبي داود وينظر فيه كالنظر السابق بين مواضع البخاري وصحيح مسلم، ويضع عليه علامة أن هذا الحديث من سنن أبي داود سبقت دراسته مع الحديث الأول في صحيح البخاري، ثم ينظر في سنن الترمذي ويصنع فيه كما صنع في سنن أبي داود، وينظر في الزيادات، وينظر كيف ترجم عليه أبو داود؟ بما ترجم عليه الترمذي؟ ثم النسائي، ثم ابن ماجه وهكذا.

إذا انتهى من أحاديث البخاري بهذه الطريقة يبقى عنده زوائد مسلم التي ليست عليها إشارة أنها درست مع أحاديث البخاري، هذه أحاديث تبقى يسيرة، فإذا انتهى من مسلم ونظر فيه مثل نظره في البخاري انتهى الآن من صحيح البخاري ينظر في زوائد مسلم ويجردها ويقارنها بمن وافق مسلمًا على تخريجها على الطريقة السابقة، فيقارن بين مسلم وأبي داود من الأوجه التي ذكرناها سابقًا، ثم بعد ذلك يضع إشارة في سنن أبي داود أن هذا الحديث دُرس مع الحديث رقم... في صحيح مسلم، ثم الترمذي، ثم النسائي، ثم ابن ماجه، فإذا انتهى من زوائد مسلم نظر في زوائد أبي داود التي ليست عليها إشارات، هذه زوائد أبي داود على الصحيحين، فإذا انتهى من زوائد أبي داود على الطريقة السابقة نظر في زوائد الترمذي التي ليست عليها إشارات، دُرست مع البخاري، ولا درست مع مسلم، ولا درست مع أبي داود، هذه زوائد الترمذي، ثم بعد ذلك ينظر في زوائد النسائي وابن ماجه، وهذه طريقة حقيقة تحتاج إلى وقت، تحتاج إلى جهد، يعني طالب العلم ما يصلح أن يخصص لها ساعة في اليوم، ما يكفي، ولا ساعتين، تحتاج إلى خمس ساعات؛ لينتهي من الكتب الستة في غضون سنة أو سنتين على الكثير، وليس بكثير أن ينفق هذه المدة على الكتب الستة؛ لأنها دواوين الإسلام، إذا انتهى منها ينظر في الكتب الأخرى على ما سيأتي ذكره سنن البيهقي ومسند أحمد.. إلى غيرها من الكتب.

قال:

وبالصحيحين ابدأن ثم السنن

ج

 

...................................
ج

وذكرنا أنه يجعل المحور -محور العمل- كله على صحيح البخاري، ثم ينظر في زوائد مسلم التي لم يخرجها البخاري، ثم زوائد السنن.

"ثم السنن" لأنها هي التي تلي الصحيحين، وينظر أيضًا مع السنن ما اشترط فيه الصحة، ولو لم يفِ مؤلفه بما اشترط والتزم، أو تساهل في تطبيق شرطه، أو تساهل في شرطه كصحيح ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، ثم السنن والبيهقي، والبيهقي له شأن عظيم عند أهل العلم؛ لأن زوائده على الكتب كثيرة جدًّا، يدخل في السنن التي أشار إليها السنن الأربعة: سنن أبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، سنن الدارمي وسنن سعيد بن منصور وغيرها من السنن، ويدخل فيها أيضًا المصنفات فهي بمعنى السنن، إلا أنها تكثر فيها الآثار، السنن فيها آثار لكنها قليلة جدًّا بالنسبة للمرفوعات، وأما بالنسبة للمصنفات فالآثار فيها كثيرة.

..........................ثم السنن
 
ج

ج

 

والبيهقي ضبطًا وفهمًا.............
ج

ضبط للألفاظ، وفهم للمعاني، بالطريقة التي شرحناها يحصل له ذلك، يعني إذا أشكل عليه لفظ عند البخاري أو لفظ عند مسلم، أو حيره معنًى من معاني هذه الأحاديث يرجع فيها إلى الشروح، ويعلق عليها بتعليق مختصر؛ لأن التطويل يعوق عن تحصيل ما هو بصدده من حفظ للمتون، واستقرار في ذهنه لهذه المتون.

"ضبطًا وفهمًا" لأنه إذا نظر في الألفاظ، ألفاظ الأحاديث، لا شك أن بعضها يوضح بعضًا، قد يكون الحديث مختصرًا في موضع، يبسط في موضع آخر من البخاري أو عند مسلم أو عند غيرهما، وهذا المبسوط يوضح المختصر. "ضبطًا وفهمًا"، والضبط يكون لأسماء الرواة في الأسانيد، ويكون أيضا في الألفاظ – ألفاظ المتون، وعلى طالب العلم أن يعنى بالضبط؛ لأنه إذا حفظ على الخطأ استمر عليه، ولو ضبط فيما بعد ما يثبت في الذهن؛ لأن الذي يثبت في الذهن أول ما يسمع الخبر، فإذا راجع عليه، راجع على الأسانيد كتب الرجال، كتب المشتبه، كتب المؤتلف والمختلف يستفيد فائدة عظيمة، ثم بعد ذلك ينظر في ألفاظ المتون من كتب الغريب، ولو احتاج أن يراجع بعض كتب اللغة لبعض الألفاظ التي لم يكتشف له معناها في كتب الغريب فحسن.

"ضبطًا وفهمًا" يعني ما يكفي أن يحفظ أو يسرد ويجرد من دون الضبط والفهم؛ لأن العمل لا يتأتى إلا بعد الضبط والفهم.

"ثم ثن" يعني بعد ذلك البداءة بالصحيحين والسنن والبيهقي، يعني عطف البيهقي على السنن يجعل مراد الناظم من السنن السنن الأربعة، أو أن يجعل المراد بالسنن الجنس، كل ما صُنف في السنن وعطف البيهقي عليه من عطف الخاص على العام؛ للاهتمام بشأن الخاص والعناية به، مثل ما قلنا: سنن البيهقي له شأن عظيم عند أهل العلم، صحيح أنه أكثر استدلالا لمذهب الشافعي، لكن يبقى أنه استدلال لفقه الإسلام، فيه ما يدل لمذهب الشافعي، وفيه ما يدل لغيره، والكتاب بحر محيط إلى جد وأخذه بقوة.

ثم ثن بما اقتضته حاجة من مسندِ     أحمد والموطأ الممهدِ

ما اقتضته الحاجة يعني من الزائد، يعني ما يزيد في مسند أحمد الحاجة داعية إليه، لكن لا يلزم النظر في جميع مسند الإمام أحمد؛ لأن كثيرًا من متونه مرت في الكتب الستة والبيهقي، لكن زوائد أحمد على هذه الكتب تدعو إليها الحاجة، وكذلك زوائد الموطأ الممهد.

النظر في مسند الإمام أحمد باعتباره مرتبًا على المسانيد، واستخراج زوائده مع أثناء النظر في الكتب الستة فيه وعورة، وفيه صعوبة؛ لأنك تحتاج النظر إلى من روى الحديث من الصحابة ثم ترجع إليه، وقد تحتاج إلى شاهد يشهد لما جمعته من الكتب الستة فلا تستطيع الوقوف عليه؛ لأن المتن غير مرتب على ضابط يضبطه، إنما النظر إلى أسماء الصحابة، نعم رُتب المسند على صحيح البخاري، وله أكثر من ترتيب، الكواكب الدراري لابن عُروة المشرقي هذا ترتيب لمسند الإمام أحمد على أبواب البخاري، وهذا في غاية النفاسة والأهمية لطالب العلم، يعني يأتي بالترجمة للبخاري، ترجمة البخاري، وفِقه البخاري، وآثار البخاري ثم يورد الأحاديث من مسند أحمد، فأحيانًا نحتاج إلى تصريح من راوٍ من الرواة الذين وصفوا بالتدليس في صحيح البخاري، وإن كنا لا نحتاج إليها من حيث الثبوت، لكن نحتاج إلى أن ندفع عن البخاري بمثل هذا من استدراكات الدارقطني وغيره، ننظر في ما رواه أحمد فنجد التصريح بالسماع، وهذا كثير عند أحمد، وهذا يفيدنا فائدة عظيمة، قد يقول قائل: ما نحتاج إلى هذا الحديث في مسند أحمد وهو مخرج في البخاري، أيضًا مسألة الزوائد تنظر في هذا الباب تجد فيه أحاديث في مسند أحمد تحت هذه الترجمة لا توجد عند البخاري، هذه زوائد، أو لا توجد عند الكتب الستة كلها، هذه زوائد يحتاجها طالب العلم.

على كل حال مضى في مبحث الحسن، قال:

قال: ومن مظنة للحسنِ

 

جَمْعُ (أبي داود) أي في السننِ

ثم بعد ذلك تكلم عن السنن كلها، ثم قال:

وبعدها في رتبة ما جُعلا
 

 

على المسانيد فيدعى الجفلا

 

يعني المسانيد بعد السنن، والسبب في ذلك أن السنن ترجمت بأحكام شرعية، باب حكم كذا، أو باب وجوب كذا، أو باب استحباب كذا، أو باب كراهية كذا، أو باب تحريم كذا، فالمؤلف يستدل بما يورده من أحاديث على هذا الحكم الشرعي، فينتقي أقوى ما عنده من الأحاديث بينما إذا ترجم بصحابي لا يلزمه أن يأتي بأقوى ما عنده، يأتي بجميع ما يذكر عن هذا الصحابي من غير انتقاء كما هو واقع المسانيد، وإن كان شيخ الإسلام -رحمه الله- يقرر أن شرط الإمام أحمد إن لم يكن أعلى من شرط أبي داود فهو مثله، لكن عموم المسانيد أقل رتبة من منزلة السنن.

..........................من مسندِ
ج

 

أحمدَ والموطأ الممهدِ
ج

الموطأ هو الممهد؛ لأن الإمام وطأه توطئة، يعني مهده كما طلب منه المنصور أبو جعفر أن يوطئه ويمهده ويسهله للقراء، ومنهم من يقول: إن سبب التسمية مأخوذة من المواطأة وهي الموافقة؛ لأنه عرضه على أئمة عصره فوافقوه عليه.

"والموطأ الممهدِ *** وعللٍ" يعني ينظر بعد ذلك في كتب العلل إذا استوعب الكتب الستة ومسند أحمد والموطأ والبيهقي والدارمي وغيرها من مهمات هذا الفن ينظر في كتب العلل، والعلل كما تقدم في بحث المُعلّ من أهم بل جمع من أهل العلم يطلقون على أنها أهم علوم الحديث، وأدق أنواع علوم الحديث، وأغمض أنواع علوم الحديث، ولا يكمل لهذا النوع إلا الكَمَلَة من المحدثين، الأئمة الحفاظ الكبار؛ لذا يصعب فهم بعض العلل، والحفظ سهل، الجمع سهل، لكن النظر في العلل، والنظر في العلل له شأن عند أئمة هذا الشأن، له شأن عظيم، وبعضهم يقول: لأن أعرف علة حديث خير من أن أحفظ مائة حديث.

وعلى كل حال في وقتنا مثلًا هل يقول طالب العلم: أتجه إلى العلل وأنظر في هذه العلل الخفية الغامضة وأديم النظر في كتب العلل، أو الحمد لله الآن الأحاديث حكم عليها وانتهت وعرف الصحيح من الضعيف من الحسن، وأتفرغ للنظر في المتون، والتفقه ودراية هذه الأحاديث، على كل حال كله خير، لكن إذا جمع بين النوعين كمل ونبل.

وعللٌ وخيرها لأحمدا

 

...................................
ج

لأنه قد يقول قائل: أنا والله وقتي ما يسمح أن أنظر في المتون والأسانيد وأصحح وأضعف وأعلل وأنظر في كتب العلل، وأنظر في مختلف أنواع الحديث يعني العمر ما يستوعب هذا، وأنا مطالب بعلوم أخرى تتعلق بالقرآن، وتتعلق بالعقيدة، وتتعلق بالفقه وغيره، قد يقول: أنا يكفيني المتون المحكوم عليها بالصحة وأتفقه عليها، وهذه طريقة مسلوكة عند جمع من أهل العلم يعني يعتنون بما صح من السنة وما يمكن أن يستدل به من حسن، ويكتفي بذلك عن النظر في الأسانيد والعلل وغيرها، وبعضهم يقول: لا، معرفة العلل أهم من الفقه في متون الأحاديث، وعلى كل حال الفقه هو الغاية، نعم تجدون بعض الناس همته في الأسانيد أكثر، بعض الناس همته في الرواية أكثر، وبعض العلماء همته في الدراية أكثر، وبعضهم يوفق للجمع بين الأمرين، يعني لو ضربنا ثلاثة أمثلة مثلًا: الشيخ ابن باز والألباني وابن عثيمين، الثلاثة كل واحد يختلف عن الثاني، وإن كان القاسم المشترك كلهم يتفقهون في السنة ومن علماء السنة، لكن لو نظرنا إلى الألباني رأينا عنايته بالأسانيد والتصحيح والتضعيف أكثر، وفقهه في هذا المجال أقل بكثير من عنايته بالثبوت من عدمه، والشيخ ابن باز -رحمه الله- وفق للجمع بين الأمرين على السواء، يعني له عناية كبيرة بالسنة، بالصحيح والضعيف وحفظ الأسانيد، وحفظ المتون، ومع ذلك له يد وله باع في الاستنباط والفقه.

الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- يلاحظ عليه أن عنايته بالتفقه أكثر من عنايته بالثبوت من عدمه، لكنه لا يعتمد حديثًا ضعيفًا إنما يقلد في هذا، فإذا وضعت الشيخ ابن عثيمين في كفة والألباني في كفة وجدنا أن الشيخ ابن باز في القلب، يعني هذا واقع الشيوخ الثلاثة، كلهم على خير يعني، هم متكاملون، ما يقال: إن هذا مثلًا أهمل جانبًا مهمًّا، وذاك أهمل، لا، هم متكاملون، وهذا واقع الشيوخ الثلاثة، والموفق من يستطيع الجمع، مشكلة أن ما دام تذم التقليد، والتقليد لا محالة أنت واقع فيه واقع، الوقوع في التقليد أمر فطري لمن لا يسعفه تركيبه على النظر في جميع، أو لا يسعفه وقته مثلًا في النظر في جميع ما يحتاج إليه من أحكام، فإما أن يقلد في الوسيلة، وإما أن يقلد في الغاية، لا بد، يعني إن اتجه إلى المتون تصحيح وتضعيف ما تمكن من استنباط جميع ما يمكن استنباطه من هذه المتون، فيضيق عليه الوقت فيحتاج إلى أن يقلد في بعض الأحكام، والعكس يعني إن تفرغ للمتون لا بد أن يقلد في الأحكام على الأحاديث ولا محالة، وإن لم يقلد في الأحكام لا بد أن يقلد في أحكام العلماء على الرجال، يعني الاجتهاد المطلق بمعناه على الإطلاق لا شك أنه دونه خرط القتاد كما يقول أهل العلم، يعني لا بد أن تجتهد في الرجال، وتخرج بحكم مستقل أداه إليك اجتهادك في الأحكام على جميع الرجال، ثم بعد ذلك النظر في الأسانيد والتصحيح والتضعيف، ثم بعد ذلك الاستنباط بما يختص بك من فهم لهذا المتن، هذا لا شك أن السنة يعني فيها طول، وفي ضبطها عسر، لا سيما مع ظروف الناس التي يعيشونها الآن، إلا إنسان وفق وتفرغ بكليته للسنة هذا يمكن أن يجمع، ويبقى أنه لن يخرج عن قول الله تعالى: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}.

وعللٌ وخيرها لأحمدا

 

...................................
ج

العلل للإمام أحمد هي مروية عنه من كثير ممن يروي عنه من أصحابه، "وخيرها لأحمدا" الإمام أحمد له باع في هذا الفن ومشهود له فيه، ومن الراسخين فيه. والدارقطني، فيه أيضًا علل ابن أبي حاتم، وهو مطبوع قديمًا في مجلدين ثم بعد ذلك كثر تحقيقه وبُسط وحقق في رسائل، وهو نافع في الجملة، يعني صحيح أن الأحكام إشارات بكلمات يسيرة، لكن من استطاع أن يربط بين هذه الكلمات ويعرف السبب الذي من أجله أطلقت هذه الكلمات وهذه الإشارات على هذه الأخبار، لا شك أنه يتمكن في هذا العلم، ويستطيع أن يمشي فيه.

الدارقطني، علل الدارقطني، وقبله يعقوب بن شيبة، المسند المعلل ليعقوب بن شيبة من أعظم ما صنف في هذا الباب إلا أنه لم يكمُل، على ما سيأتي في كلام الناظم -رحمه الله-.

علل الدارقطني أشاد به الحافظ ابن كثير إشادة يعني ما رأيته أطلقها على أي كتاب كان، والكتاب يستحق من هذا وأكثر، وطبع منه قسم كبير يمكن ستة عشر مجلدًا، وعلى طالب العلم المتمكن أن يعنى به، وإلا طالب العلم المتوسط لو أفنى عمره في قراءة هذا الكتاب قد لا يستفيد، وقد يترك النظر في هذا العلم بالكلية؛ لأنه قد لا يستفيد منه، يعني مع الأسف أن بعض طلاب العلم يسمع إشادة ابن كثير فيذهب مباشرة إلى علل الدارقطني ويترك البخاري ومسلم والسنن وغيرها، ثم بعد ذلك النتيجة؟ أنه يترك؛ لأنه لا يستطيع أن يتخلص من هذا الكتاب، يعني نظير من يسمع إشادة ابن القيم في العقل والنقل لشيخ الإسلام، أو نقض التأسيس ثم بعد ذلك يترك كتب شيخ الإسلام كلها؛ لأنها صعبة بالنسبة له، لكن لو أخذ العلم بالتدريج على ما سيأتي لاستطاع أن يفهم؛ لأن العلوم كلها مرتب بعضها على بعض، العلوم درجات مثل درج السلم، من صعد إلى أعلى السلم قبل أسفله هذا يسقط، ولا يستطيع أن يصل، لكن من أخذ السلم من بدايته إلى نهايته هذا يصل؛ ولذلك يقول بعد ذلك: "واحفظه بالتدريج".

وعلل وخيرها لأحمدا
 

 

والدارقطني والتواريخ غدا

 

بعضهم يقول: إن الدارقطني أخذ هذه العلل من المسند المعلل ليعقوب بن شيبة، بعضهم يقول: إنه أخذه من مسند يعقوب بن شيبة، وهذا الكلام ليس بصحيح، بل منزلة الإمام الدارقطني تكمل لمثل هذا العمل بلا شك.

وعلل وخيرها لأحمدا
من خيرها الكبير للجعفي
 

 

والدارقطني والتواريخ غدا
...................................

 

التاريخ الكبير، يعني تواريخ الرجال ما هي تواريخ الأحداث والأخبار.

طالب:........

هذا الأصل، هذا الأصل أنه يكتب.

طالب: كيف يصل إلى موضع الحديث؟

لا مخدوم هذا، مخدوم.

طالب:.......

بدون حاسب عندك الأطراف.

طالب:.......

لا، عندك الأطراف مكتوبة مع الصحيح، صحيح البخاري مكتوب أطرافه ومواضعه.

طالب:.......

عند الحاجة، إذا دعت إلى ذلك الحاجة، وإلا في هذه المرحلة يكتفي بالجمع.

طالب:.......

هو إذا نظر في مواضعه كلها وفي الكتب كلها لا شك أنه يرسخ في ذهنه، إن كانت الحافظة تسعفه.

طالب:.......

حديث آخر، إذا اختلف الصحابي حديث آخر، إذا كان الصحابي واحدًا صار تكرارًا.

طالب:.......

إيه، يصير طريق آخر لنفس الحديث.

طالب: بنفس اللفظ يا شيخ؟

ولو كان بنفس اللفظ، كما مضى في المتابعات والشواهد، مثل ما ذُكر في المتابعات والشواهد.

يقول: "والتواريخ غدا" يعني تواريخ الرجال -رجال الأحاديث-.

...................................
من خيرها الكبير للجعفي
 

 

................................غدا
...................................

 

التاريخ الكبير للإمام البخاري هذا من خير ما يقتنيه طالب علم، نعم طالب العلم المبتدئ قد لا يستفيد منه الفائدة المرجوة التي يرجوها، يعني يبتدئ بالتدريج مثل ما قلنا في متون سائر العلوم، يعني يبدأ بالتقريب والكاشف والخلاصة؛ لأن فائدتها قريبة، لكن التاريخ الكبير قد لا يقف على فائدتها إلا طالب علم متمكن.

طالب:.......

ما هو؟

طالب:.......

لا، لا تواريخ البخاري كبيرها وأوسطها وصغيرها كلها طريقتها واحدة، إلا أن هذا أكثر يعني فيه حدود ألوف مؤلفة يعني كم قالوا؟ بعضهم قال: أربعين ألف راوٍ، لكن العدد كبير يعني على الكتاب.

............................للجعفي
 
ج

 

والجرح والتعديل للرازي

ج

يعني الراوي الذي لا تجده في التاريخ الكبير، ولا في الجرح والتعديل، ولا في الثقات، ولا في الكامل لابن عدي هذا يكون شبه ميئوس منه؛ لأن طلاب العلم يشكل عليهم بعض الرواة، يعني رواة الكتب الستة ما فيهم إشكال، مخدومة الكتب الستة، وألف فيها الكتب الكثيرة بدءًا من الكمال للحافظ عبد الغني في رجال الكتب الستة، ثم تهذيبه للحافظ المزي، ثم تذهيبه وتهذيبه للذهبي وابن حجر إلى آخر السلسلة، هذه مخدومة، لكن الإشكال فيما إذا روى حديثًا خارج الكتب الستة، هذا قد يعوزه إعوازًا كبيرًا أن يجد الترجمة، فيلجأ إلى تاريخ البخاري، والجرح والتعديل، وثقات ابن حبان، والمجروحين والكامل لابن عدي، وقد لا يجده إلا في التواريخ، تاريخ بغداد، تاريخ نيسابور، تاريخ دمشق، تاريخ أصبهان، يجد فيها، نعم؟

طالب:.......

قد يكون متأخرًا يجده في السير للذهبي، ويجده في...، يبحث عنه إلى أن يجده، وقد لا يجد، يعني في شيوخ الطبري من لم يوجد له ترجمة.

من خيرها الكبير للجعفي
 
ج

 

والجرح والتعديل للرازي

ج

يعني في تشابه كبير بين التاريخ الكبير للبخاري والجرح والتعديل، الجرح والتعديل من أهل العلم من يقول: إن ابن أبي حاتم أخذ التاريخ الكبير وسأل عن رجاله واحدًا بعد الآخر يسأل أباه وأبا زرعة، يعني معوله وعمدته على التاريخ الكبير، وفي كل راوٍ يسأل عنه أباه وأبا زرعة فيعطيه الجواب، سألت أبي فقال كذا، يعني من الطرائف أن البخاري له كتاب اسمه: (الضعفاء الصغير) فيه ما يقرب من أربعين راوٍ ضعفهم البخاري، وفي الجرح والتعديل سأل ابن أبي حاتم أباه فقال: ذكره في الضعفاء، وقال أبي: ينبغي أن يحول، في حدود أربعين راوٍ، في بعضهم يعني اثنين أو ثلاثة قال: أتحتج به؟ قال: لا، يعني كيف يحول؟ أين يحول؟ وين يودى؟ لمن هو صار...؟ يبغي يحول عن الضعفاء ولا يحتج به، هذه من اللطائف التي ينبغي أن يعنى بها طالب العلم بأن هناك إشكالات في كتب الرجال، يعني مع المران تنحل، لكن قد تواجه طالب العلم في أول الأمر يقف أمامها، لا يستطيع أن يتصرف.

على كل حال الجرح والتعديل من أنفس ما ألف في هذا الباب، وإن قال بعضهم: إن أبا حاتم وأبا زرعة لما اطلعا على التاريخ الكبير قالا: لا ينبغي أن يكون إلا لنا وما أشبه ذلك من الكلام الذي لا يليق بالإمامين فجعل ابن أبي حاتم يسألهم عن الرجال، وذكر آراءهما فيهم، حتى قال بعضهم: إن البلاء قديم، يعني إذا وجد هذا عند هؤلاء الأئمة لا شك أن البلاء قديم، لكن يُربأ بإمامة هذين الإمامين العظيمين عن مثل هذا، نعم هناك توافق كبير بين الكتابين، لكن هناك أيضًا أحكام أبي حاتم وأبي زرعة على الرجال في الجرح والتعديل لا يوجد مثلها في التاريخ الكبير، التاريخ الكبير يشير إلى بعض ما يتعلق بالراوي ويشير إلى بعض مروياته، ويشير إلى السماع، يشير إلى العلل، كتاب عظيم، يعني لا يستغني عنه طالب العلم، لكن أيضًا كتاب الجرح والتعديل في غاية الأهمية، وهناك أوهام للإمام البخاري في تاريخه استدركها عليه ابن أبي حاتم، بيان خطأ البخاري في تاريخه، وكلٌ مجتهد، وكل مأجور -إن شاء الله تعالى-، ولا يعني أن يقول أحد: إن ابن أبي حاتم أعلم من البخاري أو شيء من هذا، يعني كما صنف الخطيب البغدادي (الموضح لأوهام الجمع والتفريق) وأكثره يتعلق بالبخاري، يجعل الاثنين واحد أو الواحد اثنين، لكن قدم له بمقدمة يعني تدل على إمامته، الخطيب -رحمه الله-، وعلى طالب كل علم أن يطلع على هذه المقدمة؛ لأنه ونحن ننظر أن هذا الكتاب انتقادات للأئمة، البخاري ومن في مقام البخاري، نقول: إن الخطيب يقدح في البخاري أو يقدح في هؤلاء الأئمة، أو يرى أنه أعلم منهم، أبدًا، قال: ما عشنا إلا على فتاتهم، وما نحن بالنسبة لهم إلا كالبقل الصغير بالنسبة إلى النخل الطوال، يقول: من أين جاءنا العلم إلا منهم؟ يعني كون الإنسان ينتقد لا يعني أنه أعلم من المنتَقد.

وكتب المؤتلف المشهورِ
ج

 

...................................

المؤتلف والمختلف وهذا النوع سيأتي -إن شاء الله تعالى- بسطه ومعناه، "والأكمل" يعني الأكمل في هذا الباب -كتب المؤتلف والمختلف- للدارقطني كتاب مطبوع في مجلدات، المؤتلف والمختلف، لكن الناظم تبعًا لابن الصلاح يرى أن أكمل كتب هذا الباب "الإكمال" للأمير ابن ماكولا أبو نصر، كتاب عظيم، لا يستغني عنه طالب علم، وهناك إكمال إكماله، وكتب كتبت حوله.

"واحفظه" يعني احفظ هذا العلم سواءً ما يتعلق بمتونه أو بأسانيده "بالتدريج" تقول: والله أنا الآن أنا بصدد حفظ الرجال فتأتي إلى تاريخ البخاري كل يوم تريد أن تحفظ مائة راوٍ، لا، ما يصلح هذا أبدًا، وحفظ الرجال يأتي تبعًا لحفظ الأحاديث، يعني في الطريقة التي ذكرناه في الجمع بين كتب السنة يمكن تحفظ الرجال، وتراجع عليهم كتب الرجال، وإن كنت ممن يراجع الشروح فأيضًا الشروح لها عناية بتراجم الرواة، يعني ما تنتهي منها إلا ولديك رصيد نافع تعتمد عليه مستقبلًا إذا فرغت من كتاب شرح من الشروح ممن يعنى بالتراجم، وأيضًا مع مراجعة كتب الرجال بالتدريج، يعني بالإمكان أن يفعل طالب العلم بكتب الرجال مثل ما قلنا في كتب الحديث، يجعل محور البحث عنده التقريب، التقريب لا يُسلّم للحافظ جميع النتائج التي توصل إليها، وهذه ليست المرحلة الأولى لطالب العلم، يعني طالب علم مبتدئ ما يُكمل لمثل هذا، ينظر في التقريب وماذا قال فيه الحافظ، ثم ينظر في الأصول: الكمال، وتهذيب الكمال، وتهذيب التهذيب، وتذهيب...، ينظر ما قيل في هذا الراوي، ويقارن بين هذه الأقوال فقد يوافق ابن حجر على النتيجة وقد يخالفه إذا كان أهلاً للنظر، والدراسات الحديثة فيها نماذج من مثل هذا مثل تحرير التقريب، يعني خالفوا الحافظ ابن حجر في كثير من النتائج، لكن لا يلزم أن يكونوا أصابوا، ولا يلزم أن يكون الحافظ هو المصيب، هذه مسائل اجتهادية، والنظر في الرجال بعد عصور الرواية ما فيه إلا من خلال كلام أهل العلم، يعني معرفة قواعد الجرح والتعديل لا بد منها لطالب العلم للنظر في أقوال العلماء في الرجال والموازنة بينها، فأنت تجعل التقريب بين يديك وتنظر في هذا الراوي وتراجع عليه الأصول، وهل كلام الأصول متجه مع نتيجة ابن حجر أو فيه بُعد أو قرب يعني ينظر طالب العلم بالطريقة التي درسها في علوم الحديث من قواعد الجرح والتعديل.

طالب:.......

تحرير التقريب، ما هو بتحرير التقريب اسمه؟ تحرير التقريب، هو وشعيب.

طالب:.......

بس هنا ما يلزم أن يوافقوا على النتيجة، لا يلزم أن يوافقوا على النتيجة، لكن أنا أقول: طالب العلم لا يقلد لا هذا ولا هذا، يعني طالب العلم لا أقول المبتدئ، المبتدئ ليس له مجال في هذا الباب، صعب، من الصعوبة بمكان أن ينظر في أقوال يعني عشرين قول في راوٍ؛ ولذلك تجدون أحكام الإمام الواحد قد تختلف، ابن معين يكون له أكثر من قول في الرجل، أحمد كذلك، وغيرهم من الأئمة يكون لهم أكثر من قول في الراوي، الحافظ ابن حجر وهو من المتأخرين المطلع على أقوال الأئمة يختلف قوله من موضع إلى موضع، يعني في تقريب التهذيب له نتائج قد تختلف عن أحكامه على الراوي في فتح الباري مثلًا أو في التلخيص.

يعني عبيد الله بن الأخنس قال في فتح الباري: ثقة، وشذ ابن حبان فقال: يخطئ، وفي التقريب ماذا قال؟ قال: صدوق يخطئ، وهو من رواة البخاري، يعني فتجد مثل هذا الاختلاف قد يكون لتغير اجتهاد، وقد يكون لغفلة وبعد عما كتبه سابقًا، قد تكون الحال تختلف، هو يكتب في التقريب ينظر في مروياته إجمالًا في البخاري وغيره، وقد يحفظ عليه أخطاء في غير الصحيح، لكن لما تكلم عليه في فتح الباري مقرونًا بالحديث المخرج في أصح الكتب، فلا شك أن الحال لها أثر في الحكم.

ابن لهيعة حكم عليه ابن حجر في مواضع كثيرة بالضعف، وفي مواضع أخرى بأنه صدوق، ولا يعني هذا أن الإنسان يطعن في هذه الكتب، هذه كتب بشر نتائجها خاضعة لاجتهاداتهم، والاجتهاد يقبل الصواب ويقبل الخطأ، والأجر ثابت -إن شاء الله تعالى- على الحالين.

واحفظه بالتدريج ثم ذاكرِ
ج

 

به والاتقان اصحبن وبادرِ

احفظ الحديث، احفظ الرجال، احفظ العلل بالتدريج، يعني بالإمكان أن يجعل طالب العلم وقته مقسمًا، ففي أول النهار يحفظ خمس آيات، عشر آيات، ويراجع عليها التفاسير، ولا يكثر بعد، يتخذ له تفسيرين ثلاثة أربعة من التفاسير التي كل واحد منها يخدم جانبًا من الجوانب، يحفظها وينظر في هذه التفاسير، ثم بعد ذلك ينظر في الأحاديث على ما شرحنا، ثم بعد ذلك ينظر في الرواة على ما ذكرنا، كل يوم راويان، ثلاثة، خمسة، إذا كان الكلام فيهم مختصر، ومن الأحاديث واحد اثنين ثلاثة، حسب طولها وقصرها، بهذا، بالتدريج، هو إن حفظ بعد من النظم مثلًا لأي علم من العلوم بيتين، ثلاثة، خمسة، نظر في كتب اللغة، نظر في مفرداتها، حفظ له مفردة مفردتين، ثلاث، خمس، بالتدريج، يعني لا يأتي...، مثل بعض الناس يأتي متحمسًا يقول: خلاص أنا أحفظ القرآن بشهر، الزهري حفظ بشهر ولا أنا أردئ من الزهري، فيجلس على جزء اليوم كاملًا، ثم إذا جاء من الغد تفلت عليه ما استطاع أن يراجعه، فضلًا عن كونه يحفظ نصيبًا جديدًا.

طالب:......

لا، يختبر نفسه، إن كانت حافظته تسعفه لحفظ عشر آيات فليفعل، إن كانت لا تسعفه يزن هذه الحافظة، ولا يرهق نفسه أكثر؛ لأن من أراد العلم جملة فاته جملة؛ ولذلك قال:

واحفظه بالتدريج ثم ذاكرِ
ج

 

...................................

أنت الآن حفظت، والحفظ مُعرض للنسيان تنتقي لك من زملائك منهم على مستواك في الحفظ والفهم، ثم تذاكر معهم ما حفظت، فالمذاكرة هي التي تثبت المحفوظ، إن لم تجد ذاكر نفسك، ردد على نفسك، والآن المسجل آلة التسجيل بمنزلة الزميل، سجل المادة واسمعها ورددها ثانية وهكذا، وإن كتبتها بعد وعرضتها على الكتاب هذا أيضًا جيد.

............................ثم ذاكرِ
 
ج

 

به والإتقان اصحبن................

ج

الإتقان لا بد منه؛ لأن بعض الناس يحفظ على أي وجه، ونسمع من يحفظ القرآن كاملاً، لكنه يلحن لحون جلية ويغير ألفاظًا، ما هي بمسألة لحن وإلا إخلال بأحكام تجويد وإلا غيره، لا، يغير كلمة بكلمة، وحفظ يقرأ، لماذا؟ لأنه حفظ على الخطأ، فلا بد من الإتقان قبل الحفظ، وأثناء الحفظ، وبعد الحفظ أيضًا يثبت هذا الإتقان.

...................................
إذا تأهلت إلى التأليفِ

 

.............والإتقان اصحبن وبادرِ
 ..................................

ما معنى التدرج؟ احفظ، ذاكر، أتقن، ألّف، هذه وصايا لطالب العلم يعض عليها بالنواجذ، "وبادرِ ** إذا تأهلت" بهذا الشرط؛ لأن بعض الناس تعجل النتيجة وصار أضحوكة للقراء، لا بد أن يتأهل، ولا مانع من أن يتمرن قبل التأهل، ويعرض أعماله لمن يسدده، ويصحح له، ويُقوّم الخطأ، لكن لنفسه لا لغيره، أما إذا أراد التأليف لغيره لا بد من التأهل، ولا يستعجل في النشر، كم من شخص بادر بالتأليف، ثم بادر بالنشر فندم ولات ساعة مندم.

...................................
 إذا تأهلت إلى التأليفِ
 

 

..............................وبادرِ
تمهر..............................

يعني قلّ أن يمهر من يحفظ العلم، ويُعنى بالعلم إذا لم يعلم ويؤلف؛ ولذلك قال: "تمهر وتذكر" وليس المراد بالذكر أن يكون هدفًا لأن يكون له ذكر وشرف وشأن عند الناس، لا، إنما يذكر بخير، ويدعى له بسبب هذا التأليف، هذا هو المقصود فيما ينفعه في الآخرة، وأما في الدنيا يعني كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لعدي بن حاتم: ((إن أباك أراد شيئًا فحصله)) أراد أن يقال: جواد وانتهى، ليس له في الآخرة نصيب، لكن الذكر هنا المراد به ما ينفع في الآخرة.

وهذا أيضًا الواقع يشهد به، يعني من شيوخنا الكبار ما ألف، نُسي، خلاص، ومن طلاب طلابهم من يُذكر على كل لسان، تدخل المكتبات، تدخل المعارض من باب وتخرج من باب ما تسمع ذكر لهذا الإمام إطلاقًا؛ لأنه ما ألّف، من يعرف ابن راوه؟ معروف عند طلاب العلم؟ أو ابن أرومه؟ هؤلاء أئمة حفاظ كبار يضاهون البخاري ومسلم وأحمد وأبي حاتم، لكن ما تركوا مؤلفات، نسوا، خلاص، إلا ما يذكر في كتب التراجم، يُشاد بهم إشادة بالغة ويثنى عليهم ثم بعد ذلك النتيجة؟ ما انتفع بهم أحد، إلا من تعلم على أيديهم.

...................................
طريقتان...........................

ج

 

...........وتذكر وهو في التصنيفِ
 ..................................

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك.

 

يعني بعد أن حثّ المؤلف على التأليف بعد التأهل ذكر الطرق والمناهج التي سلكها أهل العلم في التصنيف،

"وهو في التصنيفِ ** طريقتان" يعني منهم من يصنف على طريقة، ومنهم من يؤلف على طريقة أخرى.

.......................جمعه أبوابًا
ج

 

أو مسندًا تفرده صحابًا

إما على الأبواب، وإما على المسانيد، على الأبواب إما على طريقة الجوامع التي تجمع بين أبواب الدين كلها كالبخاري ومسلم والترمذي، أو تجمع أبوابًا معينة؛ كالسنن تجمع أحاديث الأحكام، مصنفات الموطئات فيها أحاديث الأحكام، هذه هي الغالب، وأما بالنسبة للجوامع فتجمع جميع أبواب الدين، وقد يفرد باب مثلًا من هذه الأبواب، وقد يفرد جزء من هذا الباب، وقد تفرد مسألة كجزء رفع اليدين، والقراءة خلف الإمام، جزء البسملة، أجزاء حديثية عند أهل العلم يجمعون فيها ما ورد في هذه المسألة بعينها، هي داخلة في الأبواب، يعني وإن كانت بابًا واحدًا، لكن الأصل أن السنن التي عليها الكلام الأصول، أصول الإسلام جمعت أبواب تشمل أبوابًا كثيرة منها ما يشمل جميع أبواب الدين، ومنها ما يقتصر على أحاديث الأحكام.

طريقتان جمعه أبوابًا
 
ج

 

أو مسندًا..........................
 

يعني على أسماء الصحابة "تفرده صحابًا" يعني على أسماء الصحابة.

فالجمع على الأبواب منها الكتب الستة، والبيهقي والدارمي والموطأ والمنصف وغيره، على الأبواب، وأما المسندات على أسماء الصحابة فتقدم ذكرها في باب الحسن.

كمسند الطيالسي وأحمدا
 

 

وعده للدارمي انتقدا

فهو عد مسند الدارمي من ضمن المسانيد المرتبة على الصحابة، وواقع كتاب الدارمي على الأبواب، الدارمي المعروف المتداول سنن وليس بمسند، لكن ذَكر الخطيب في ترجمته أن له السنن، أو له الجامع والمسند، فإن كان غير الموجود بين أيدينا فكلامه صحيح، مسند أبي يعلى. ومنهم من يرتب المسانيد هذه أسماء الصحابة على الحروف، كما فعل الطبراني في معجمه الكبير، ومنهم من يفرده على القبائل، ومنهم من يفرده على السابقة في الإسلام، فيقدم العشرة كما صنع الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-.

وجمعه معللًا كما فعلْ
ج
 
ج

 

يعقوب أعلى رتبة وما كملْ
ج

وجمعه معللًا أعلى رتبة، يعني جمع الحديث معلل سواءً كان على الأبواب أو على المسانيد أعلى، يعني مع ذكر العلل التي في هذه الأحاديث، كما فعل يعقوب بن شيبة في مسنده المعلل، لا شك أنه أعلى رتبة ممن يذكر الأحاديث بأسانيدها ولا يذكر عللها، "أعلى رتبة وما كمل" يعني يعقوب بن شيبة ما كمل المسند، حتى قال بعض العلماء: إنه لا يوجد كتاب في العلل كاملاً، كيف؟ إذا نظرنا في علل ابن أبي حاتم وجدناه شمل أبوابًا كثيرة جدًّا إلى آخر الأبواب، لكن مع ذلك إن كمل في الأبواب ما كمل في أحاديث الأبواب، وإن كمل في أحاديث الأبواب ما كمل في الأبواب، وما ذلكم إلا لصعوبة هذا النوع، وصعوبة الإحاطة به من كل وجه.

وجمعوا أبوابًا أو شيوخا أو

 

تراجمًا أو طرقًا وقد رأوا
ج

"وجمعوا أبوابًا" أبواب من أبواب الدين خاصة، يعني مثل ما ذكرنا في مسألة رفع اليدين، أو جزء القراءة خلف الإمام، أو جزء البسملة، أو ما أشبه ذلك.

"أو شيوخًا" يعني أحاديث الشيوخ، يعني رتبوا على شيوخهم، يعني كما فعل الطبراني في الصغير.

"أو شيوخًا أو تراجمًا" تراجم يعني كما في كتب الأطراف، التراجم يعني سلاسل، فلان عن فلان، أحاديث مالك عن نافع عن ابن عمر، وقد يترجم بالصحابي كما فعل المِزي، كما فعل الحافظ ابن حجر في إتحاف المهرة يترجمون بالصحابي، ثم بعد ذلك يذكرون أحاديثه نظير ما يفعله أصحاب المسانيد، لكنهم يقتصرون على طرف الحديث، وهذه كالفهارس، ثم بعد ذلك يرتبون أسماء الصحابة على الحروف فيقدمون: آب اللحم، وأبيض بن حمال، ويؤخرون أبا هريرة في الكنى، ويقدمون الرجال على النساء وهكذا.

"أو تراجمًا" يعني على التراجم، مما ألف على التراجم تقريب الأسانيد للحافظ العراقي، يعني هذا ألف على التراجم، تراجم ست عشرة ترجمة قيل فيها: إنها أصح الأسانيد، هذه التراجم إذا طالت كما فعل المزي وابن حجر وغيرهم، إذا طالت أحاديث الصحابي الواحد رُتب الرواة عنهم على الحروف، يرتبون التابعين على الحروف، فإذا كثر الرواة عن التابعي رُتبوا أيضًا على الحروف ليسهل الوقوف عليهم، وإلا إذا أردت أن تراجع حديثًا من مرويات أبي هريرة في تحفة الأشراف وتصورنا أن الكتاب غير مرتب، يعني الرواة عنه غير مرتبين ما يمكن تصل إليه.

"تراجمًا أو طرقًا" طرقًا أو طرفًا؟ نعم؟

طالب:........

ماذا قال الشارح؟

طالب:........

نعم طرق الحديث الواحد، يعني طرق حديث: ((من كذب عليّ)) طرق حديث: أم زرع، طرق حديث: ذي اليدين، هذه جمع فيها أهل العلم طرق الأحاديث في أجزاء، وقد تكون في مجلدات، وقد يصنف على الأطراف، أطراف الأحاديث، لكن هذا لا يوجد عند المتقدمين، يوجد عند المتأخرين، يقتصرون على طرف الحديث، على أول الحديث وترتب هذه الأطراف على الحروف، وهذه بمثابة الفهارس؛ لأنها تحيلك إلى المصادر الأصلية، وفيها نفع عظيم.

...................................

كراهة الجمع لذي تقصيرِ

 

...........................وقد رأوا
...................................
 
ج

كراهة الجمع يعني التأليف والتصنيف لمن لم يكمل، ولم يتأهل له، رأوا كراهة ذلك.

كراهة الجمع لذي تقصيرِ

 

كذاك الإخراج بلا تحريرِ
ج

يعني كون الطالب أو حتى المتأهل، الطالب لديه تقصير لا بد أن ينتظر حتى يتأهل، المتأهل لا بد أن يحرر، فلا يستعجل بالنشر قبل التحرير، لا بد أن يحرر ولا يخرج المؤلف إلا متقن مضبوط؛ لئلا يكون هدفًا للنقد، والله أعلم.

 

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"