شرح منسك شيخ الإسلام ابن تيمية (08)

السلام عليكم ورحمة الله وبركات.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: ويصح وقوف الحائض، وغير الحائض‏.‏ ويجوز الوقوف ماشيًا، وراكبًا،‏ وأما الأفضل فيختلف باختلاف الناس، فإن كان ممن إذا ركب رآه الناس لحاجتهم إليه، أو كان يشق عليه ترك الركوب وقف راكبًا، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقف راكبًا‏.‏ وهكذا الحج، فإن من الناس من يكون حجه راكبًا أفضل، ومنهم من يكون حجه ماشيًا أفضل، ولم يعين النبي -صلى الله عليه وسلم- لعرفة دعاء، ولا ذكرًا، بل يدعو الرجل بما شاء من الأدعية الشرعية، وكذلك يكبر ويهلل ويذكر الله –تعالى- حتى تغرب الشمس‏.‏

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:ويصح وقوف الحائض وغير الحائض"، الوقوف لا تشترط له الطهارة وإن كانت الطهارة أكمل لكنها ليست بشرط؛ فلذا يصح من الحائض وغيرها، فقد قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لعائشة لما حاضت افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت، يعني جميع ما يفعله الحاج افعليه ولم يستثن من ذلك إلا الطواف، وهذا اللفظ بعمومه يتناول جميع أفعال الحج دون استثناء، اللهم إلا الطواف وهذه دلالته الأصلية، وهناك دلالة فرعية جانبية يلتفت لها بعض العلماء ويهملها كثير منهم، فمنهم من يقول إن قول النبي يتضمن أن الحائض تقرأ القرآن يستدل بهذا على هذا؛ لأن الحاج يقرأ القرآن ولم يستثن من أفعال الحاج  -عليه الصلاة والسلام- افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت، فالدلالة الأصلية للنص هي ما يتعلق بأمور الحج، وما عدا ذلك قد يتناوله اللفظ بعمومه وإن كان غير مراد للمتكلم، كما قيل من أن الحائض تقرأ القرآن، الشاطبي وهو يقرر هذه الأمسألة يرى أن الدلالة الفرعية لا يلتفت إليها؛ وإنما الدلالة الأصلية هي مفاد الخبر ولا يلتفت إلى الدلالة الفرعية، أهل العلم حينما يشرحون الأحاديث أو يفسرون الآيات لا شك أنهم يستنبطون من الحديث الواحد مسائل كثيرة جدًا، منها ما يقرب من لفظ الخبر ومنها ما يبعد، لكنهم لا يلتفتون إلى مثل هذا الاستدلال، نظير ذلك: الحنفية حينما قالوا إن وقت الظهر ينتهي بمصير ظل الشيء مثليه، والعصر يبدأ من هذا الوقت، دليلهم على ذلك أن الأدلة النصية الأصلية في الباب كلها تدل على أن وقت الظهر ينتهي عند مصير ظل الشيء مثله والعصر يبدأ من هنا، الحنفية استدلوا بأي شيء؟ قالوا في الحديث الصحيح قال النبي -عليه الصلاة والسلام-«إنما مثلكم ومثل من كان قبلكم كمثل رجل استأجر أجيرًا من أول النهار إلى وقت الظهر يعني إلى زوال الشمس بدينار، ثم استأجر أجيرًا من وقت الظهر إلى العصر بدينار، ثم استأجر أجيرًا من وقت العصر إلى غروب الشمس بدينار، فاحتج أهل الكتابين الذين هم المثل بمن عمل أول النهار ووقت الظهر، وهذه الأمة مثلهم من عمل وقت العصر، احتج أهل الكتابين فقالوا نحن أكثر عملاً وأقل أجرًا، قال الحنفية لا يمكن أن يكون النصارى أكثر عملاً من المسلمين إلا إذا قلنا إن وقت الظهر يمتد إلى مصير ظل الشيء مثليه، مع أن النصوص الصحيحة الصريحة التي دلالتها أصلية في الباب تدل على أن وقت الظهر ينتهي بمصير ظل الشيء مثله، هذه دلالة فرعية يعني الالتفات إليها بعيد جدًا، وكونها مقصودة للمتكلم بعيد؛ ولذا الشاطبي يقرر أن الدلالة الفرعية لا التفات إليها في مقابل الدلالات الأصلية، فهل يستدل بقوله -عليه الصلاة والسلام- افعلي ما يفعل الحاج غير ألا  تطوفي بالبيت على أن الحائض تقرأ القرآن؟ الحديث ما سيق لهذا، الحديث سيق لأعمال الحج هذه دلالته الأصلية، وكلام الشابطي ليس على إطلاقه، ولو استدل بالدلالة الفرعية حيث لا معارض مع قوتها وظهورها ووضوحها لا مانع، لكن مثل هذا معارض، واستدلال الحنفية أيضًا معارَض، ويصح وقوف الحائض مثل ما ذكرنا مثل قوله -عليه الصلاة والسلام- لعائشة افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت وغير الحائض من باب أولى، ولو لم يكن متطهرًا يعني محدثًا حدث أصغر، وماذا عن الجُنب؟ الجنب حكمه حكم الحائض، يعني صلى الجمع ثم نام يسيرًا فاحتلم ولم يجد ماء، نقول لا تقف أو تراخى في الاغتسال، تساهل كعادة كثير من الناس لا يبادر إليه وقوفه صحيح؛ لأنه لن يعترضه ما يشترط له الغسل فوقوفه صحيح، ولا شك أن الأكمل أن يقف على طهارة وأن يستقبل القبلة وأن يلح في الدعاء وأن يكثر منه وأن يحضر قلبه ويخشع لربه، هذا لا شك أنه هو المطلوب، لكن ليس هذا كله بشرط المسألة مسألة صحة وإجزاء وإسقاط طلب، قال "ويجوز الوقوف ماشيًا وراكبًا" يجوز الوقوف ماشيًا وراكبًا ما الذي يقابل الوقوف الجلوس؟ إذا قيل كان يمشي فوقف أو وقف ثم مشى؟

طالب: ..............

الوقوف المراد به الاستقرار، والمشي الحركة، فهما متقابلان فكيف يقول يجوز الوقوف ماشيًا مثل ما تقول يجوز الاضطجاع واقفًا؟ هذا الأصل في الكلام، لكنهم يطلقون الوقوف ويريدون به المكث والبقاء في عرفة، هذا الوقوف ولا يعني أنه وقوف على الأقدام؛ ولذا قال ماشيًا

"ماشيًا وراكبًا، وأما الأفضل فيختلف باختلاف الناس فإن كان ممن ركب الناس رآه الناس لحاجتهم وكان يشق عليه"فمثل هذا الركوب أفضل له ومنهم من يكون ... إلى آخره. هل المراد بالمشي هنا أن يجوب عرفة يمينًا وشمالاً طولاً وعرضًا يستغرق في ذلك الوقت؟ أو المراد بالمشي ما يقابل الركوب ؟ ماذا عندكم ؟

طالب: ..............

هو لا يقصد بذلك أن يمشي ولا كونه راكبا، إما أن يكون واقفًا على قدميه وهذا الأصل في لفظ الوقوف، أو على دابته راكبًا ويقال له وقوف وإن كان جالسًا على دابته؛ ولذا يصنع الأفضل والأرفق به وما يحتاج إليه فيه من جلوس على الأرض أو قيام على قدميه أو على دابته، قال وأما الأفضل فيختلف باختلاف الناس، فإن كان ممن إذا ركب رآه الناس لحاجتهم إليه يعني الناس يحتاجون هذا الشخص لكونه من أهل العلم كحال النبي -عليه الصلاة والسلام- الناس بأمس الحاجة إليه، ينظرون ماذا يصنع ويسألونه عما يشكل عليهم فلو كان جالسًا على الأرض لصعب الوصول إليه بخلاف ما إذا كان راكبًا، ومن هذا طوافه -عليه الصلاة والسلام- على الدابة لكي يُرى ويُقتدى به ويُسأل، وأما بالنسبة لغيره فيفعل الأفضل والأنفع له ولغيره ، قال "وأما الأفضل فيختلف باختلاف الناس فإن كان ممن إذا ركب رآه الناس لحاجتهم إليه أو كان يشق عليه ترك الركوب وقف راكبًا" وقف راكبًا، يعني مقتضى اللفظ أن يكون على دابته وهو واقف أيضًا إذا قلنا أن الوقوف يراد به حقيقته اللغوية والعرفية، لكن المراد أن يجلس على دابته "فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقف راكبًا" والمراد بالوقوف عمومًا بعرفة هو المكث فيها

"وقف راكبًا وهكذا الحج فإن من الناس من يكون حجه راكبًا أفضل ومنهم من يكون حجه ماشيًا أفضل"؛ لأن أهل العلم يختلفون في الأفضل أن يحج راكبًا أو يحج ماشيًا؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- حج راكبًا، خرج من المدينة وهو راكب دابته القصواء،والرجال بمعنى المشاة قُدموا في الآية على الركبان، فمن قال إن المشي أفضل قال لتقديمهم في الآية، ومن قال إن الركوب أفضل قال إن النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو القدوة حج راكبًا ويقول الشيخ -رحمه الله- وهكذا الحج فإن من الناس من يكون حجه راكبًا أفضل، ومنهم من يكون حجه ماشيًا أفضل، قال -رحمه الله-:"ولم يعين النبي -صلى الله عليه وسلم- لعرفة دعاء ولا ذكرًا بل يدعو الرجل بما شاء من الأدعية الشرعية" ما عين دعاء خاصا إلا أن أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلى آخره هل هذا دعاء أو ذكر؟ ذكر لكنه في الوقت نفسه دعاء عبادة؛ ولذا قال دعوة أخي ذي النون لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، وهي إن لم تكن دعاء مسألة إلا أنها دعاء عبادة، فيدخل دخولاً أوليًا في ما يطلب في هذا الموقف العظيم، والشيخ-رحمه الله- يقول: كنت ألفت في أيام الشباب في -مقدمة الكتاب- منسكًا ضمنته أدعية -في أول الكتاب- يقول: فإني كنت قد كتبت منسكًا في أوائل عمري، فذكرت فيه أدعية كثيرة، وقلَّدت في الأحكام من اتبعته قبلي، وهو على مذهب الحنابلة -رحمه الله- ومن طالع شرحه لعمدة الفقه عرف أنه حنبلي، لكنه لما اطلع على الأدلة وعرف كيف يتعامل معها اجتهد اجتهادًا مطلقًا وإلا فهو في الأصل حنبلي، قال وقلدت في الأحكام من اتبعته قبلي من العلماء، هذا منسك قديم لشيخ الإسلام ذكر فيه أدعية كثيرة، ذكر أدعية عند الإحرام، وأدعية في الطواف، وأدعية في السعي، وأدعية في الوقوف، وأدعية في منى، وأدعية في مزدلفة وهكذا، ذكر كغيره ممن يكتب في المناسك، يجتهدون ويتحرون فيضعون هذه الأدعية، وكثير منها وارد وثابت لكنه في غير هذا الموضع، يعني الخطأ من أين يأتي؟ يعني لو أن إنسانا قال أنا أكتب أدعية لعرفة، وأدعية لمزدلفة، وأدعية لمنى، وأدعية للرمي، وأدعية للطواف، وأدعية للسعي، وأنتقيها من صحيح السنة ومن القرآن، من الأدعية القرآنية وصحيح السنة نقول مصيب أو مخطئ؟ مخطئ؛ لأنه خصصها بأوقات لم يرد بتخصيصها شرع، ولذا تجدون الكتب التي تشتمل على أدعية فيها دعاء الشوط الأول، دعاء الشوط الثاني، دعاء الملتزم، دعاء المروة، دعاء الصفا، إلى غير ذلك، هذه كلها من البدع، تخصيص الأدعية في هذا المكان بدعة، وأكثر ما يحصل الزحام ويولد الضيق في المطاف من القراءة في هذه الكتب، تجد بعض الناس ما يعرف يقرأ لكن قيل له خذ هذا الكتاب، فتجده يتهجأ وبدل ما يطوف في ربع ساعة يطوف في ساعة، ويعوق الناس، ويقف حتى يتبين الحرف، ويقف هل هذا المكان له دعاء خاص أو ليس له دعاء خاص يبحث عنه؟ أكثر الزحام سببه هؤلاء الذين يقرؤون من الكتب، ولذا كره بعض العلماء القراءة في المطاف من المصحف، بل بعضهم كره القرآن مطلقًا؛ لأنه لم يرد به نص إلا ما بين الركنين، فمثل هذا الذي يولد الزحام لو يمنع ويوجه الناس أن اذكروا الله بأي ذكر وارد، سبحوا وهللوا وكبروا لا شك أن مثل هؤلاء يوجدون أزمة لا سيما في أوقات الزحام، إضافة إلى أن هذه الأدعية لا أصل لها في هذه الأماكن، يعني كثير منها له أصل شرعي وردت به السنة، لكن في تخصيص كل مكان أو وقت بدعاء لم يخصصه الشرع ابتداع، المقصود أنه لا يقال أن هذا دعاء يوم عرفة، فالإنسان عليه أن يحفظ من أدعية الكتاب والسنة ، ويدعو في يوم عرفة وفي غير عرفة.

طالب: ..............

المهم أنه دعاء مطلق هذا الأصل فيه، ما يقال أن هذا دعاء عرفة، لا يتعبد به في هذا المكان الخاص أو في هذا الوقت الخاص.

طالب: .................

كيف؟

طالب: ................

مع الوقت إذا قيل هذا دعاء عرفة ووزع على هذا الأساس، وإذا قيل هذا كتاب الوابل الصيب أو الكلم الطيب يوزع على الناس ليس فيه إشكال، ما يقول أحد هذا دعاء عرفة، بل الأذكار للنووي أوغيرها.

طالب: ......................

ذكر بعض الأدعية الجوامع الثابتة، لكن لا يقال إن هذه أدعية يوم عرفة، قال وأولى ما يقال مثلاً أو من أفضل ما يقال؛ لأنها أدعية جوامع.

طالب: .................

لا، هذه مسألة ثانية، مسألة ترتيب الأدعية، وهذه حقيقة ينبغي التنبه لها، كثير من الناس اعتاد ورد وأذكار للصباح والمساء وأدعية في أوقات معينة، تجد هذه الأذكار مرتبة عنده، لم يرد بهذا الترتيب نص على  أن هذا الذكر يقال بهذا الترتيب، فتجد الإنسان طول عمره مرتبا لهذه الأذكار وهو يقول أنا لا أتعبد بهذا الترتيب؛ وإنما لو قدمت وأخرت نسيت بعضه، إذا كان هذا هو القصد فلا إشكال، لكن يحرص أن يقدم ويؤخر في بعض الأوقات لا يتعبد بهذا الترتيب، قال ولم يعين النبي -صلى الله عليه وسلم- لعرفة دعاءًا ولا ذكرًا بل يدعو الرجل بما شاء من الأدعية الشرعية، لا بد أن تكون أدعية شرعية ليست بدعية ولا شركية،  ومع الأسف أننا نسمع من يقول يا أبا عبدالله جئنا بيتك وقصدك وحرمك نرجو مغفرتك -نسأل الله السلامة والعافية-، ونسمع ما هو أعظم من ذلك ونسمع البدع والشرك بأنواعه ولذا قال بل يدعو الرجل بما شاء من الأدعية الشرعية ويستحضر أثناء الدعاء، لا يدعو وهو غافل أو ساهي أو لاهي، بعض الناس تجده يقلب بصره يمينًا وشمالاً ويبحث عن الغادي والرائح وهو يدعو، هذا دعاؤه لا يجدي "وكذلك يكبر ويهلل ويذكر الله –تعالى- حتى تغرب الشمس"،ويذكر الله تعالى حتى تغرب الشمس، سيأتي في كلام شيخ الإسلام أن التلبية ليست مطلوبة من الجالس؛ إنما يلبي بين المشاعر، لكن لايلبي وهو جالس بمنى أو بعرفة أو بمزدلفة مع أنه ذكر شيخ الإسلام -رحمه الله- أنه ثبت عن الخلفاء الراشدين "وكذلك يكبر ويهلل ويذكر الله –تعالى- حتى تغرب الشمس"، لوقال شخص النفع المتعدي أفضل من النفع القاصر، بدلاً من أدعو وأذكر عشية عرفة أقيم درسا ينتفع به الناس يستغل هذا الجمع ويقيم درسا هل هذا أفضل أو لا؟ لا هذا من المواطن التي تكون فيه العبادة الخاصة أفضل كالاعتكاف، نعم إذا رأى منكرا ينكر، إذا رأى من يحتاج إلى الأمر يأمر، إذا رأى من يحتاج إلى توجيه يوجه لا إشكال، لكن يستغرق الوقت بهذا، لا، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-.

طالب: إن كان معه نساء وطلبن منه أن يدعو لهن يدعو وهن يؤمنن.

لو قيل إن بعض الناس ما يعرف يدعو ولا يحفظ أدعية فالتف مجموعة من الناس من هذا النصف إلى من عنده معرفة وحفظ للأدعية فقالوا أنت تدعو ونحن نؤمن ليس فيه إشكال -إن شاء الله- بهذا القصد.

والاغتسال لعرفة قد روي في حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وروي عن ابن عمر، وغيره، ولم ينقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أصحابه في الحج إلا ثلاثة أغسال‏:‏ غسل الإحرام، والغسل عند دخول مكة، والغسل يوم عرفة‏.‏ وما سوى ذلك كالغسل لرمي الجمار، وللطواف،والمبيت بمزدلفة فلا أصل له، لا عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا عن أصحابه، ولا استحبه جمهور الأئمة؛ لا مالك، ولا أبوحنيفة، ولا أحمد، وإن كان قد ذكره طائفة من متأخري أصحابه، بل هو بدعة إلا أن يكون هناك سبب يقتضي الاستحباب، مثل أن يكون عليه رائحة يؤذي الناس بها، فيغتسل لإزالتها‏.

يقول -رحمه الله-:"والاغتسال لعرفة قد روي في حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وروي عن ابن عمر وغيره" يعني من الصحابة، ثم ذكر الأغسال الثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- عند الإحرام تجرد لإهلاله واغتسل، وعند دخوله مكة  اغتسل بذي طوى  لدخول مكة، واغتسل يوم عرفة، وما عدا ذلك لا يحفظ عنه غسل لا عنه ولا عن أصحابه، إلا هذه الأغسال الثلاثة، فلا غسل للمبيت بمزدلفة، ولاغسل للمبيت بمنى، ولا غسل لطواف الإفاضة، ولا غسل لرمي الجمار، ما عدا هذه الثلاثة لم يؤثر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا عن أصحابه ولا نص الأئمة على استحبابه، ولا استحبه جمهور الأئمة لا مالك ولا أبو حنيفة ولا أحمد، ما ذكر الشافعي هل يقال أن الشافعي يستحب هذه الأغسال؟ يقول: ولا استحبه جمهور الأئمة لا مالك ولا أبو حنيفة ولا أحمد، يعني لو كان الشافعي معهم لقال ولا استحبه أحد من الأئمة ماذا عن مذهب الشافعي في هذه الأغسال؟ الشافعية يتوسعون في هذا يغتسلون لأدنى سبب، على كل حال ليس بمستحب إلا إذا وجد ما يدعو إليه كما ذكر الشيخ -رحمه الله- قال بل هو بدعة، إذا تُعبد به، ورأى أن هذه المواطن من المواطن التي يستحب فيها الغسل حينئذٍ يكون بدعة، بل هو بدعة إلا أن يكون هناك سبب يقتضي الاستحباب مثل أن يكون عليه رائحة يؤذي الناس بها فيغتسل لإزالتها، مثل أن يكون الجو حارا ويريد أن يتبرد أو يتنشط للوقوف والدعاء والذكر؛ لأن الشيطان يتسلط على الإنسان في هذه المواطن فيجلب له النوم قال أريد أن أتنشط، أنا إن لم أغتسل نمت، قلنا هذا لا إشكال فيه؛ لأنك لا تتعبد به.

وعرفة كلها موقف، ولا يقف ببطن عُرَنة، وأما صعود الجبل الذي هناك فليس من السنة، ويسمى جبل الرحمة، ويقال له إلال على وزن هلال، وكذلك القبة التي فوقه التي يقال‏:‏ لها قبة آدم، لا يستحب دخولها، ولا الصلاة فيها‏.‏ والطواف بها من الكبائر، وكذلك المساجد التي عند الجمرات لا يستحب دخول شيء منها، ولا الصلاة فيها‏.‏ وأما الطواف بها أو بالصخرة، أو بحجرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وما كان غير البيت العتيق، فهو من أعظم البدع المحرمة‏.‏

يقول -رحمه الله تعالى-:"وعرفة كلها موقف" كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-«وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف وارفعوا عن بطن عرنة» وارفعوا عن بطن عرنة، فما كان في داخل حدود عرفة كله موقف، والنبي -عليه الصلاة والسلام- وقف في آخرها عند الصخرات لكنها كلها موقف، فمن وقف في آخرها أو في أدناها في أثنائها في وسطها كل هذا مجزئ، لكن على الإنسان أن يتأكد أنه داخل حدود عرفة؛ لأن الوقوف لا يمكن استدراكه إذا فات وقته ، ويوجد ولله الحمد دوريات تنبه الناس على أن هذا  الموقف ليس من عرفة، وإلا كثير من الناس ما يعرف الحدود حتى كثير من أهل العلم ما يعرف حدود المشاعر؛ لأن همهم أداء هذه العبادة وليسوا من أهل المكان فيعرفونه، والدليل على ذلك اختلافهم في نمرة هل هي من عرفة أو ليست منها، فدل على أن أهل العلم لا يولون مثل هذه الأمور اهتمامهم؛ إنما يهتمون بما جاؤوا من أجله وهو لب الحج والإخلاص فيه وأداؤه على مقتضى ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وبعض الناس لا سيما من الرحالين تجد اهتماماتهم غير هذا، يهمه أن يطلع فوق جبل ويهمه أن يعرف هذا الأثر، ويعرف ذلك الموضع، وهذا المشهد، وهذا القبر، وهذا الطريق المؤدي إلى كذا..، هذه وظيفة كثير من الرحالين ولذا تجدونها لا تسلم من البدع، بل في بعضها ما هو شرك -نسأل الله العافية- على كل حال عرفة كلها موقف كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا بطن عرنة، قال:"ولا يقف ببطن عرنة"؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- نهى عن الوقوف فيه وأشرنا سابقًا إلى أن مذهب الجمهور أن الوقوف ببطن عرنة لا يجزي؛ لأنها ليست من عرفة، والإمام مالك -رحمه الله- فهم من الحديث أنها من عرفة ولو لم تكن منها لم تستثن، ما قال عرفة كلها موقف وارفعوا عن مزدلفة مثلاً أو الأماكن التي يتفق على أنها ليست من عرفة وإنما هذه لكونها منها إلا أن الوقوف فيها مفضول أو لا يجوز يعني يأثم مع  الإجزاء على رأي المالكية أو يجبره بدم، لكن الجمهور على أنه لا يجزئ الوقوف ببطن عرنة،

"وأما صعود الجبل الذي هناك فليس من السنة"، صعود الجبل الذي يسمونه جبل الرحمة وهذه التسمية قديمة جدًا تسميته بجبل الرحمة، لكنه لم يرد بها ، لكن العلماء يتداولون هذه التسمية "ويقال له إلال على وزن هلال"، هذا الجبل يقال له إلال على وزن هلال، قال "وكذلك القبة التي فوقه التي يقال لها قبة آدم لا يستحب دخولها ولا الصلاة فيها والطواف بها من الكبائر" هذه القبة المنسوبة إلى آدم، يعني إثبات النسبة لآدم -عليه السلام- بعد تطاول الزمان وبعد العهد هل يمكن إثباتها؟ كثير من المشاهد التي تُدَّعى دون إثباتها خرط القتاد، كثير من المشاهد التي يصرف لمن يدَّعى أنه دفن فيها الإثبات لا يمكن؛ لأن هذه أمور لا تدون في كتب ويتوارثها الناس ولا يكتب عليها؛ لأن الأمور العامة في الغالب إذا لم يرد بها شرع لا تضبط، الذي يضبط مثل هذه الأمور إذا ورد به شرع وتتابع الناس على امتثال ما ورد فيه وترددوا عليه، هل يشك أحد أن مسجد قباء موضعه هذا المكان المعروف ما يشك أحد لماذا؟ هذا يسميه أهل العلم تواتر العمل والتوارث، لكن هذه الأمور البدعية تروق لبعض الناس، فبرى مثلا أن  هذا المكان مناسبا، فيقول إنه دفن فيه كذا لماذا؟ لأجل أن يؤيد بدعته من جهة، وقد يرتزق من ورائه فتجد الناس ينساقون وراءه ويقلدونه، أو يتراءى له الشيطان في المنام ويقول: إن الجبل الفلاني دفن فيه كذا، وأما إثبات هذه القبة وكونها لآدم فيحتاج إلى اتصال في الإسناد، وقد انقطعت الأسانيد من دهور، فلا يستحب دخولها؛ لأنه لم يرد بها شرع، واستحباب الحكم الشرعي يحتاج إلى نص، ولا الصلاة فيها تخصيص بقعة بالصلاة فيها دون غيرها بغير دليل شرعي أيضًا بدعة،"والطواف بها من الكبائر"، بل الطوائف بغير البيت من عظائم الأمور ، ومع الأسف أن من يعبد القبور يطوفون حول هذه الأضرحة كما يطوفون بالبيت، وقد يطوفون بالبيت ويلهجون بمعبوداتهم من غير الله -جلَّ وعلا- وإن زعموا أنهم أولياء، وإن كانوا أولياء في الحقيقة، لكن العبادة خاصة بالله -جلَّ وعلا- لا يجوز صرفها لنبي مرسل ولا لملك مقرب.

طالب: .................

نعم بلا شك.

طالب: .................

في كلام شيخ الإسلام؟ لأنه يتفاوت، من طاف من أجل المقبور هذا مشرك شركا أكبر، ومن طاف لله -جلَّ وعلا- متقربًا إليه بهذه البقعة التي يرى أنها مباركة أو فيها رجل صالح أو مبارك هذا كلام شيخ الإسلام الطواف بها من الكبائر، فهو يطوف لله يتقرب لله -جلَّ وعلا- في هذا المكان، فرق بين من يدعو المقبور وبين من يدعو الله -جلَّ وعلا- عند القبر يتبرك بصاحب القبر، بينهما فرق.

طالب: ...............

فرق بين أن يطوف لله وبين أن يطوف لغيره، إن طاف لغيره هذا شرك أكبر مخرج عن الملة، يقرأ قرآن حول القبر لله –مثلاً- يصلي لله -جلَّ وعلا- عند قبر، ما يتصور؟

طالب: .................

أقول على حد زعمه على سبيل التنزل ولإجراء كلام شيخ الإسلام على مجراه.

فإذا أفاض من عرفات ذهب إلى المشعر الحرام على طريق المأزمين وهو طريق الناس اليوم، وإنما قال الفقهاء‏:‏ على طريق المأزمين؛ لأنه إلى عرفة طريق أخرى تسمى طريق ضب، ومنها دخل النبي  -صلى الله عليه وسلم- إلى عرفات، وخرج على طريق المأزمين‏.‏

وكان -صلى الله عليه وسلم- في المناسك والأعياد يذهب من طريق ويرجع من أخرى، فدخل من الثنية العليا، وخرج من الثنية السفلى‏.‏ ودخل المسجد من باب بني شيبة، وخرج بعد الوداع من باب حزورة اليوم‏.‏ ودخل إلى عرفات من طريق ضب، وخرج من طريق المأزمين وأتى إلى جمرة العقبة يوم العيد من الطريق الوسطى التي يخرج منها إلى خارج منى، ثم يعطف على يساره إلى الجمرة،ثم لما رجع إلى موضعه بمنى الذي نحر فيه هديه، وحلق رأسه، رجع من الطريق المتقدمة التي يسير منها جمهور الناس اليوم‏.‏

قال -رحمه الله تعالى-:فصلٌ فإذا أفاض من عرفات، يعني بعد أن تغرب الشمس ويسقط القرص وتذهب الصفرة كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-ذهب إلى المشعر الحرام على "طريق المأزمين" ويريد الشيخ -رحمه الله- بالمشعر الحرام مزدلفة، يطلق عليها المشعر الحرام مع أن الجبل الموجود فيها هو المشعر، وقد أقيم المسجد مكانه الآن، كما سيأتي ووصفه بالحرام في مقابل المشعر الحلال الذي هو ماذا؟ عرفة، ذهب إلى المشعر الحرام ويراد بذلك مزدلفة عن طريق المأزمين هذا في الرجوع وفي الذهاب إليها كما تقدم من فعله -عليه الصلاة والسلام- ذهب من طريق ضب، وضربت له القبة بنمرة ثم استبطن الوادي وصلى الظهر والعصر ثم دخل عرفة من طريق ورجع من غيره "من طريق المأزمين وهو طريق الناس اليوم"، هل الناس يتقيدون بفعله -عليه الصلاة والسلام-؟ وهل مثل هذا الفعل مما يقتدى به فيه؟ هل هو من الأفعال التي يتعبد بها أو نقول كان هذا  أرفق به -عليه الصلاة والسلام- ولا يتعبد به؟

ابن عمر يبالغ في الاقتداء بمثل هذه الأفعال، يبالغ مبالغة شديدة مما لم يوافقه عليه أحد من الصحابة ولا ممن جاء بعده، حتى ذكر ابن عبد البر -رحمه الله- أنه كان يكفكف دابته لتقع مواطئ أخفافها على أخفاف دابة النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا تكلُّف لكن صدر من صحابي جليل عن اجتهاد هو عليه مأجور لكنه مع ذلك مخطئ لم يوافقه عليه أحد من الصحابة ولا ممن جاء بعده من الأئمة، فهل نقول مثل هذا في الذهاب إلى عرفة الأفضل أن نذهب من طريق ضب ونرجع من طريق المأزمين، أو نفعل الأرفق بنا؟ والإنسان إن يتيسر له الذهاب من نفس الطريق والرجوع مع نفس الطريق من غير مشقة لا شك هذا من تمام الاقتداء، لكن لو أراد أن يذهب من طريق ضب فمنع قيل له هذا للراجع وليس  للذاهب، يريد أن يرجع من طريق المأزمين فقيل لا، هذا للذاهب، منع من ذلك أجره أجر نية الاقتداء يحصل، ومثل ذلك ذهابه إلى العيد من طريق ورجوعه من طريق، وهل تلحق به الجمعة، يعني مثل العيد وذهابه إلى الجمرة من طريق ورجوعه من طريق، هذه ينص أهل العلم على أنها مما يقتدى به فيها لا سيما وأن بعضهم التمس عللا وحكم واضحة وظاهرة لا تختص به -عليه الصلاة والسلام-، لا سيما إذا كان القاصد لمثل هذا الفعل مما يحتاج الناس إليه، قال "وهو طريق الناس اليوم" طريق الناس اليوم يعني في الذهاب إلى عرفة؛"وإنما قال الفقهاء على طريق المأزمين" لأن لعرفة "لأنه إلى عرفة طريق أخرى"، نقول أخرى أو آخر؟

طالب: ...............

يجوز لكن أيهما أولى؟ أخرى عند أهل الحديث كثير جدًا، في التخريج رواه من طريق أخرى، يؤنثون كثيرًا، لكن اضرب لهم طريقًا في البحر يبسًا ما قال يابسة الشيخ يقول؛"لأنه إلى عرفة طريق أخرى تسمى طريق ضب ومنها دخل النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى عرفات وخرج على طريق المأزمين،وكان -صلى الله عليه وسلم- في المناسك والأعياد يذهب من طريق ويرجع من طريق أخرى"، يذهب من طريق ويرجع من أخرى،"فدخل" يعني مكة "من الثنية العليا" التي يقال لها كَداء بالفتح "وخرج من الثنية السفلى" بالضم ولذا يقولون افتح وادخل واضمم واخرج،"ودخل المسجد من باب بني شيبة" في بعض المناسك يقولون وهو المحاذي لباب السلام، يعني على المسعى باب يقال له باب بني شيبة، فهل هذا هو المراد؟ هم يحرصون على أن تكون التسميات مطابقة لما جاء في النصوص، لكن الله أعلم هل هذا مطابق أو لا، النبي -عليه الصلاة والسلام-"دخل من باب بني شيبة وخرج بعد الوداع من باب حزورة، حزورة اليوم"كأن التسمية طارئة في عهده -رحمه الله-؛ لأنه قال وخرج بعد الوداع من باب حزورة اليوم، ما معنى اليوم؟ يعني الذي اسمه اليوم حزورة، مما يدل على أن التسمية حادثة، أو ليس له اسم في السابق، أو له اسم آخر،"ودخل إلى عرفات من طريق ضب وخرج من طريق المأزمين وأتى إلى جمرة العقبة يوم العيد من الطريق الوسطى التي يخرج منها إلى خارج منى ثم يعطف عن يساره إلى الجمرة"، يعني يضع الجمرات كلها عن يساره ثم إذا جاء إلى الجمرة الكبرى- جمرة العقبة- استدار عليها يعطف عن يساره فيجعلها تلقاء وجهه والبيت عن يساره ومنى عن يمينه، ثم لما رجع إلى موضع بمنى الذي نحر فيه هديه" يعني محل إقامته بمنى "الذي نحر فيه هديه وحلق رأسه رجع من الطريق المتقدمة التي يسير منها جمهور الناس اليوم" ما  معنى المتقدمة؟ يعني التي تقدم ذكرها؟ إذا كان التي تقدم ذكرها صار طريقه واحدا ذهابًا وإيابًا، لكن ما معنى المتقدمة؟

طالب: ...............

لا، هو آتٍ عن طريق منى وراجع عن طريق منى.

طالب: ...............

الكلام إذا رجع إلى منى معين؟ أين طريق...؟

طالب: ................

الآن جمرة العقبة يختلف فيها أهل العلم هل هي من منى أو ليست من منى؟ أنت تصور أن هذا الموقع جاءه من هذا الطريق ورجع من هذا الطريق، ما معنى متقدمة؟ يعني محاذية، ذهب من طريق ورجع من طريق آخر، والخلاف بين أهل العلم في جمرة العقبة هل هي من منى أو لا معروف، منهم من يقول هي من منى، قالوا؛ لأن رمي الجمرة تحية منى فأضيفت التحية إلى منى لأن الجمرة فيها، فكيف تحيا منى بما هو خارج عنها؟أصحاب القول الثاني قالوا تحية البيت الطواف، والطواف خارج البيت ولا مانع أن تحيا منى بما هو خارج عنها.

طالب: ............

ماذا به؟

طالب: .............

يعني من الطرق التسعة لا أدري، ما أعتني بهذه الأمور وهذا لا شك أنه نقص، ينبغي أن يعتني طالب العلم بهذه الأمور ما أدري والله، لأنه في وقت الموسم لا تستطيع أن تتأكد وإذا رجعت إلى بلدك انتهى كل شيء ، وإذا ذهبت في وقت من الأوقات لأداء عمرة ضننت بالوقت وشححت به أن تخرج من الحرم: من الطواف، من الصلاة، من التلاوة، لتتبع هذه المواطن لكن معرفتها فرض كفاية معرفتها فرض كفاية.

طالب: ................

لا، هم يختلفون في الجمعة هل تُلحق بالعيد أو لا؟، قال ثم رجع إلى موضعه بمنى الذي نحر فيه هديه وحلق رأسه، وعلى هذا إذا نزل من مزدلفة يباشر برمي الجمرة ثم ينحر هديه ثم يحلق رأسه رجع، وسيأتي هذا بالتفصيل، رجع من الطريق المتقدمة التي يسير منها جمهور الناس اليوم، الناس في هذه المواطن مواطن الزحام وجمهور الناس يقلد بعضهم بعضًا، فإذا رأوا الناس ذاهبين إلى الجمرة ذهبوا معهم من أي طريق كان من غير نظر هل هذا طريق الذاهب وهذا طريق الراجع، إلا إذا اضطر القائمون على الحج فرأوا أن الأرفق بالناس أن يوضع لهم طريق للذهاب وطريق يتبعه الناس، وإلا فالأصل أن الناس أكثرهم مقلد، والتقليد فطري بالنسبة لعموم الناس، الدليل على ذلك: حال الناس أثناء خروجهم من المسجد يوم الجمعة، يخرج أحدهم من الصف الأول ويخترق الصفوف ويتبعه ناس مع نفس الطريق الذي يمشي معه بين زيد وعمرو وتوجد فرجة من الجهة الثانية ما يتبعونها، فكثير من الناس مقلدة، وهذه فطرة إلهية يعني ما يفترض في جميع الناس أن يجتهدوا؛ إنما فطروا على هذا، والاجتهاد لا شك أنه فرض القادر والمستطيع.

فيؤخر المغرب إلى أن يصليها مع العشاء بمزدلفة، ولا يزاحم الناس، بل إن وجد خلوة أسرع، فإذا وصل إلى المزدلفة صلى المغرب قبل تبريك الجمال إن أمكن، ثم إذا بركوها صلوا العشاء، وإن أخر العشاء لم يضر ذلك.

يقول -رحمه الله تعالى-: يعني إذا وصل إلى مزدلفة، إلى جمع، إلى المشعر الحرام "يؤخر المغرب إلى أن يصليها مع العشاء في مزدلفة"؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلاها جمع تأخير؛ لأن وقت المغرب استغرق في الطريق، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- مكان وقوفه عند الصخرات في آخر عرفة، والناس أمامه وبين يديه ومن خلفه ووسيلة الانتقال التي هي الدابة القصواء لا شك أنها ليست مثل الوسائل اليوم، بعض الناس يصل بعشر دقائق من غروب الشمس أو ربع ساعة، وبعض الناس ما يصل إلا بعد خروج وقت العشاء، فالناس يتفاوتون لكن هذا الذي حصل منه -عليه الصلاة والسلام- وصل في وقت العشاء، فصلى المغرب ثم حُطّت الرحال ثم صُليت العشاء بأذان واحد وإقامتين، كما جاء في حديث جابر، فالفصل بين الصلاتين المجموعتين بما ذُكِر، الجمهور على أنه إذا كانتا مؤخرتين فلا مانع من الفصل ما لم يخرج وقت الثانية، يفصل بينهما يصلي الأولى ثم يصلي الثانية لأنها في وقتها وإذا كانتا مقدمتين فلا يجوز الفصل بينهما، إذا كان الجمع جمع تقديم لا يجوز الفصل بينهما وإذا كان الجمع جمع تأخير عند الأكثر يجوز الفصل بينهما، شيخ الإسلام يرى أنه لا فرق سواء جمع تقديم أو تأخير الوقت الواحد وقت للصلاتين بسعته بطوله، ولذا يقول فيؤخر المغرب إلى أن يصليها مع العشاء بمزدلفة، مفهوم قوله فيؤخر المغرب سواء كان باختياره أو بغير اختياره يعني يفترض أنه وصل بعد ربع ساعة من نفرته من عرفة، يبادر بالصلاة أو يؤخر المغرب إلى دخول وقت العشاء، أو يصليها في وقتها ويؤخر العشاء في وقتها؟ هذه احتمالات، الآن من وصل في وقت العشاء هذا ليس فيه إشكال يصنع كما صنع النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي المغرب ثم يريح الدواب ويحط الرحل ثم يصلي العشاء، لكن ماذا لو وصل إلى مزدلفة في أول وقت المغرب، هل يجمع جمع تقديم؟ أو يصلي المغرب ثم ينتظر بالعشاء إلى وقتها؟ أو يؤخر المغرب مع العشاء؟ مفهوم كلام الشيخ قال: فيؤخر المغرب إلى أن يصليها مع العشاء بمزدلفة، لكن قوله بمزدلفة أنه لا يصليها في الطريق، وعلى هذا لو خشي خروج وقت العشاء وهو في الطريق نقول يؤخر المغرب إلى أن يصليها مع العشاء بمزدلفة أو يصلي في الطريق خشية أن يخرج الوقت بمنتصف الليل؟ بعض الناس ما يصل مزدلفة إلا بعد خروج وقت العشاء، هل يصليها في الطريق أو يؤخر حتى يصل مزدلفة؟ على قول كثير من أهل العلم أن وقت العشاء يخرج بطلوع الفجر هذا ما فيه إشكال ، لكن على القول الصحيح الذي يؤيده حديث عبدالله بن عمرو في مسلم ووقت صلاة العشاء من مغيب الشفق إلى منتصف الليل الأوسط ، والقول الآخر أدلته ليست صريحة مثل هذه الصراحة؛ إنما منها ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من يؤخر الصلاة حتى يجيء وقت أخرى، وقالوا مادام ما جاء وقت الفجر فهو وقتها، على كل حال افترض أن وقت العشاء ينتهي بمنتصف الليل وانتصف الليل أو قرب انتصاف الليل قبل أن يصل إلى مزدلفة، هل نقول صل الصلاة في وقتها أو أخر حتى تصل إلى مزدلفة ولو خرج الوقت؟ الوقت شرط لصحة الصلاة، فالأولى أن يصليها في وقتها، ولا ينتظر إلى مزدلفة؛ لأنه إذا أخرها فالأمر عظيم، يخشى بطلانها إذا أخرها متعمدًا ولو كان مشتغلاً بعبادة، لكن إذا صلاها في الطريق من أهل العلم من يقول لا تجزئ؟ لايقول أحد لا تجزئ، فيؤخر المغرب إلى أن يصليها مع العشاء بمزدلفة ولا يزاحم الناس، النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو منصرف من عرفة إلى مزدلفة قد شنق للقصواء الزمام، يعني رده إليه حتى أن رأسها ليصيب مورك رحله يعني يجره، من أجل ماذا؟ ألا تسرع به ويومئ بيده -عليه الصلاة والسلام- اليمنى السكينة السيكنة، لكن ماذا عن حال الناس اليوم وقت الانصراف؟ حالهم أو حال كثير منهم تشبه حال المجنون، وما أكثر الحوادث التي سببها السرعة الزائدة، نعم الإنسان خُلق من عجل، وكان عجولاً، لكن مع ذلك هناك نصوص تقيد هذه العجلة، هناك أخلاق جبل عليها الإنسان، لكن هناك أخلاق لا بد أن يتخلق بها، السكينة السكينة يومئ بيده اليمنى أيها الناس السكينة السكينة، ولذا قال لا يزاحم الناس "بل إن وجد خلوة يعني فجوة أسرع"يعني نص، كما في الحديث كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا وجد فجوة نص،"فإذا وصل إلى المزدلفة صلى المغرب قبل تبريك الجمال إن أمكن"، قد لا يمكن لماذا؟ لأنه قد لا يجد ماء يتوضأ به، النبي -عليه الصلاة والسلام- نزل في طريقه فبال و توضأ وضوءًا خفيفًا فقال له أسامة الصلاة يا رسول الله قال الصلاة أمامك يعني بالمزدلفة، لكن افترض أن شخصا وصل إلى مزدلفة ما وجد ماء أو وجد الناس مزدحمين على الماء، هل نقول تصلي المغرب قبل تبريك الجمال؟ تبادر بقدر الإمكان، وما لا تستطيعه وما لا تدركه يثبت لك أجره إن قصدته ومنعت منه "ثم إذا برَّكوها صلوا العشاء وإن أخر العشاء لم يضره ذلك" مادامت في وقتها، يعني صلوا المغرب وبركوا الجمال وتعشوا أكلوا طعام العشاء، ثم بعد ذلك صلوا العشاء لا إشكال، ولو أخروها إلى آخر وقتها فلاحرج؛ لأن الصلاتين المجموعتين في وقت الثانية يجوز الفصل بينهما.

طالب: ................

تُخرج عن وقتها النبي أخر، حطوا الرحال.

طالب: ................

المسألة إذا جاز القليل جاز الكثير، مادامت في الوقت، ومن هذا أخذ أهل العلم أن الصلاتين المجموعتين في وقت الثانية يجوز الفصل بينهما وأما في وقت الأولى فلا.

طالب: ...............

هذا وجه وقال به جمع من أهل العلم، والأصل التوقيت، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ما وصل إلا في وقت العشاء فجمع.

طالب: ................

يصلي الظهر في وقتها والعصر في وقتها لا، أ  خلاف السنة لكن الصلاة صحيحة.

طالب: ................

لا، هناك ما هو أشد من ذلك، بعض الناس ينصرف من مزدلفة من منتصف الليل قبل طلوع الفجر وقيل به، لكن ينصرف من مزدلفة قبل صلاة الصبح ثم تطلع عليه الشمس ما وصل إلى منى وما استطاع أن يقف في الطريق ولا مكن من الوقوف، هل نقول أن هذه حالة اضطرار ولو خرج الوقت أو يصلي على حسب حاله في سيارته، يصلي ولو لم يتمكن من أداء الصلاة على وجهها؟ نعم إذا خشي خروج الوقت يصلي على أي حال وإن أخر العشاء لم يضره ذلك على ما تقدم.

ويبيت بمزدلفة، ومزدلفة كلها يقال لها‏:‏ المشعر الحرام، وهي ما بين مأزمي عرفة إلى بطن مُحَسِّر‏.‏ فإن بين كل مشعرين حدًا ليس منهما، فإن بين عرفة ومزدلفة بطن عرنة، وبين مزدلفة ومنى.

ليس منهما، وعلى هذا يكون كلام الشيخ دالاًّ على أن بطن عرنة ليس من عرفة و لا من مزدلفة.

وبين مزدلفة ومنى بطن محسر‏.‏ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ «‏عرفة كلها موقف،وارفعوا عن بطن عرنة، ومزدلفة كلها موقف، وارفعوا عن بطن محسِّر، ومنى كلها منحر، وفجاج مكة كلها طريق‏».‏والسـنة أن يبيت بمـزدلفة إلى أن يطـلع الفجر، فيصـلي بها الفجـر في أول الوقت، ثم يقف بالمشعر الحرام إلى أن يسفر جـدًا قبل طلـوع الشمس، فـإن كان مـن الضعفة كالنساء والصبيان ونحوهم فإنه يتعجل من مزدلفة إلى منى إذا غاب القمر، ولا ينبغي لأهل القوة أن يخـرجوا مـن مـزدلفـة حتى يطلع الفجـر، فيصلوا بها الفجـر، ويقفوا بها، ومزدلفة كلها موقف، لكن الوقوف عند قزح أفضل، وهو جبل الميقدة، وهو المكان الذي يقف فيه الناس اليوم‏.‏ وقد بني عليـه بناء، وهـو المكان الذي يخصـه كثير مـن الفقهاء باسـم المشعـر الحرام‏.‏ فـإذا كان قبل طلوع الشمس أفاض من مزدلفة إلى منى، فإذا أتى محسرًا أسرع قدر رمية بحجر، فإذا أتى...

يقول -رحمه الله تعالى-:"ويبيت بمزدلفة" يبيت بمزدلفة والمبيت لا يلزم منه النوم؛ إنما يمكث بمزدلفة وإن كانت السنة أن ينام ليستعد لأعمال يوم النحر كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- بما ذكره جابر في حديثه الطويل أنه نام حتى أصبح، وما ذكر جابر -رضي الله عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قام من الليل على عادته ولا ذكر الوتر مع أنه ذكر في أحاديث أخرى أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر ونهى ورخص مما لم يذكره جابر، فإما أن يكون جابر ترك التنصيص على قيام الليل؛ لأن هذا من عادته -عليه الصلاة والسلام- أو أنه خفي عليه، وأما الاستدلال بمثل هذا على أنه لا يشرع قيام الليل ليلة مزدلفة ولا الوتر، فهذا ترده النصوص العامة التي منها  أنه لم يترك الوتر ولا ركعتي الصبح، كذلك لم يذكر ركعتي الفجر فالنبي -عليه الصلاة والسلام- لم يترك الوتر ولا ركعتي الفجر سفرًا ولا حضرًا وعدم الذكر ليس ذكرا للعدم، ولا مانع أن يخفى على جابر ما يخفى، قد يكون جابر لما نام النبي -عليه الصلاة والسلام- نام هو أيضًا، ثم صلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ما كتب له على عادته وأوتر ثم نام، ثم استيقظ لما أصبح فرآه جابر على هذه الحال، المقصود أن مثل هذا النفي لا يقتضي ترك قيام الليل ولا ترك الوتر، نعم النوم مطلوب في هذه الليلة من أجل الاستعداد لأعمال يوم النحر والنبي -عليه الصلاة والسلام- نام واستغرق في نومه، وإن كان لا ينام قلبه -عليه الصلاة والسلام- لأنه زاول أعمالاً في يوم عرفة تحتاج إلى راحة بعدها، وسوف يزاول في يوم الحج الأكبر يوم النحر أعمالا تحتاج إلى راحة قبله "ويبيت بمزدلفة ومزدلفة كلها يقال لها المشعر الحرام وهي ما بين مأزمي عرفة إلى بطن محسِّر" هذه حدودها، وعلاماتها وأعلامها واضحة وظاهرة، وصدر بحث ودراسة من بعض طلاب العلم فيه شيء من التغيير لحدود مزدلفة، كتاب مطبوع بقدر منسك شيخ الإسلام –رحمه الله- مطبوع ما رأيتموه؟ موجود لأحد أساتذة جامعة أم القرى ، لكن على طالب العلم في مثل هذه المواطن أن يتحرى وأن يستخير ويستشير قبل ذلك؛ لأن هذه الأمور أمور يترتب عليها عبادات ، فإذا زيد فيها فاحتمال أن تكون الزيادة باطلة قائم، فيقف الناس في غير الموقف الشرعي، وإذا نقص منها حرم الناس من موقف شرعي واضطروا إلى التضايق في مكان الأصل أنهم في سعة منه، قال "وهي ما بين مأزمي عرفة إلى بطن محسِّر فإن بين كل مشعرين حدًا ليس منهما"لا من هذا ولا من هذا "فإن بين عرفة ومزدلفة بطن عرنة وليس من مزدلفة ولا من عرفة، وبين مزدلفة ومنى بطن محسِّر قال النبي -صلى الله عليه وسلم-»عرفة كلها موقف وارفعوا عن بطن عرنة، ومزدلفة كلها موقف وارفعوا عن بطن محسر» الذي يقول بأن بطن عرنة من عرفة؛ لأنه لو لم يكن منها لما احتيج إلى أن ننهى عن الوقوف فيها، هل يقول أن بطن محسر من مزدلفة، يعني القول المعروف عن مالك يلزم منه أن يكون وادي محسر من مزدلفة، لأنه قال "ومزدلفة كلها موقف وارفعوا عن بطن محسر" مثل ما قال ارفعوا عن بطن عرنة اللفظ واحد، فهل نقول أن محسرًا من مزدلفة؛ لأنه لو لم يكن منها لما نص عليه كما قالوا في بطن عرنة، يلزمهم هذا ولازم لهم،"وارفعوا عن بطن محسِّر ومنى كلها منحر وفجاج مكة كلها طريق" وأيضًا ومنحر فالنحر في الحرم، النحر للهدي في الحرم، وسيأتي، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

"