بلوغ المرام - كتاب الطهارة (03)
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام - كتاب الطهارة (3)
شرح: باب الآنية
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على رسولنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد: قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات, أولاهن بالتراب)) [أخرجه مسلم]. وفي لفظ له: ((فليرقه))، وللترمذي: ((أخراهن, أو أولاهن)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
وعن أبي هريرة: الواو تعطف مقدراً، أي وأروي أيضاً عن أبي هريرة، والمقدر هو متعلق الجار والمجرور، وأروي أيضاً عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات, أولاهن بالتراب)): ولغ الكلب، يقال: ولغ يلغ، كـ(وهب يهب)، إذا شرب منه بأطراف لسانه، أو أدخل لسانه فيه فحركه، أو لعقه بلسانه.
((طهور إناء أحدكم)): الإناء هو الوعاء، والطهور هنا المراد به التطهير، المصدر إناء أحدكم، والإضافة هنا لا مفهوم لها؛ لأن الطهارة والنجاسة لا يشترط فيها أن يكون الشيء مملوكاً للإنسان بنفسه،........ معنى هذا الحديث: ((طهور إناء أحدكم)) أنه بالنسبة لصاحبه لا بد من التطهير، وبالنسبة لغيره لا يحتاج إلى تطهير، يعني لو ولغ الكلب في إناء لزيد فباعه زيد على عمرو أو أهداه إلى عمرو قبل أن يطهره يلزم تطهيره وإلا لا؟ يلزم تطهيره.
إذن ((طهور إناء أحدكم)): الإضافة هنا لا مفهوم لها ((إذا ولغ فيه الكلب)): شرب منه بطرف لسانه، أو لعقه ((أن يغسله سبع مرات)): هذا بالنسبة للإناء، ((أولاهن بالتراب)): وجاء في رواية: ((أخراهن)) - الأخيرة- في رواية: ((إحداهن))، وفي رواية: ((وعثروه الثامنة بالتراب)).
((أولاهن بالتراب)): هذه الرواية يقول أهل العلم: إنها أولى ما ينبغي أن يعمل به من الروايات؛ لأن التراب إذا جعل مع الغسلة الأولى أزال أثره الغسلات اللاحقة، بخلاف ما إذا كان في الغسلة الأخيرة.
((وعثروه الثامنة بالتراب)) ((أخراهن)): يعني الأخيرة، فإنه يحتاج إلى غسل التراب فنزيد على القدر المحدد، ومعلوم أن العدد المحدد شرعاً إذا حصل به المقصود فإن الزيادة عليه تكون غير مشروعة، بل ممنوعة، فإذا غسل الإنسان أعضاء الوضوء أربعاً أربعاً، قلنا: خرجت من حيز السنة إلى الابتداع، بينما لو توضأ مرة مرة، أو مرتين مرتين، أو ثلاثاً ثلاثاً، أو بعض الأعضاء مرة، وبعضها مرتين، وبعضها ثلاثاً، ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- توضأ مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثاً ثلاثاً، وتوضأ ملفقاً بعضها مرة، وبعضها مرتين، وبعضها ثلاثاً.
المقصود أن العدد المحدد شرعاً لا يتجاوز، فإن تعبد بهذه الزيادة صار فاعلها مبتدعاً، وإن لم يتعبد به، ولم يكن له عادة أساء وظلم.
وعلى هذا لو شك هل توضأ مرتين أو ثلاثاً، كم يعتمد؟
طالب:.......
نعم؟
طالب:.......
هو تردد يعني إذا شك هل صلى ركعتين أو ثلاثاً يجعلهما ركعتين ويزيد ثالثة ويسجد للسهو وانتهى الإشكال، لكن لو توضأ..، ولو توضأ مثلاً ثم شك هل غسل العضو مرتين أو ثلاثاً؟
طالب:.......
سواء أيش؟
طالب:.......
يزيد رابعة؟
طالب:.......
احنا قلنا: في الصلاة أنه إذا تردد هل صلى ركعتين أو ثلاث يجعلهما ركعتين؟
طالب:.......
إيه؟
طالب:.......
هم قالوا: يبني على الأقل؛ لأنه متيقن؟ نعم يبني على الأقل؛ لأنه متيقن.
طالب:.......
كيف؟
طالب:.......
أنا أقول: هل الباب واحد في الصلاة والوضوء أو يختلف؟
تعرفون عند الحنابلة ما في فرق يعني إذا شك هل توضأ مرتين مرتين، أو ثلاثاً ثلاث، يجعلهن مرتين ويزيد ثالثة، وما في إشكال كما لو تردد هل صلى ركعتين أو ثلاثاً، لكن هناك فرق بين الصلاة والوضوء؛ لأن الصلاة لا تصح بالعدد الأقل، بينما الوضوء يصح بالعدد الأقل، فلو شك هل صلى ركعتين أو ثلاثاً يجعلهما ركعتين ويسجد للسهو وينتهي الإشكال؛ لأنه لو قلنا: رجح الأقل، وهو في الحقيقة ما صلى إلا ركعتين بطلت صلاته، فهنا الخيار بين نقص مبطل للصلاة، وبين زيادة معفو عنها للشك والنسيان؛ لأن القاعدة في النسيان أنه ينزل الموجود منزلة المعدوم، ولا عكس -ولا ينزل المعدوم منزلة الموجود- ولو كان ناسياً، بينما في الوضوء إذا قلنا: اجعلهما غسلتين وزد ثالثة وهو في الحقيقة غسل ثلاثاً خرج إلى حيز الزيادة عن القدر المشروع، بينما لو قلنا: اجعلها ثلاثاً، لو افترضنا أنه نقص عن الثلاث إلى ثنتين، في إطار السنة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- توضأ مرتين مرتين، وإذا كان الخيار بين السنة والبدعة يرتكب السنة، هذا الأصل.
وهنا إذا شك هل غسل ستاً أو سبعاً، قال: ست وإلا سبع؟
ستاً؛ لأن القدر لا بد منه، بينما في الوضوء الثالثة منها بد، ما يلزم أن تأتي بثالثة، هنا القدر المحدد لا بد منه، السبع لا بد منها.
فإذا قلنا: اجعل التراب في الغسلة الأخيرة، أو في الثامنة احتاج إلى أن يزيد؛ لغسل التراب، فيخرج عن حيز المشروع فيزيد على سبع، وإن كانت في الزيادة لا للنجاسة الأصلية، وإنما هي لإزالة التراب كما هو الواضح، فالأمر يكون أخف، لكن ينبغي ألا يزاد ولا في الصورة على القدر المشروع.
أخرجه مسلم، وفي لفظ له: ((فليرقه)): يعني لمسلم، من حديث أبي هريرة: ((فليرقه)): وهذه اللفظة تدل على نجاسة ما ولغ فيه الكلب، نجاسة ما ولغ فيه الكلب؛ لأن الإراقة إتلاف وإضاعة للمال، وقد جاء النهي عن إضاعة المال، فإذا جاز لنا مخالفة هذا النهي دل على أن ما يقابل هذا النهي أمراً واجباً، ووجوب هذه الإراقة لا شك أنه لنجاسته وخروجه عن حيز المالية، وحينئذ لا يكون مالاً؛ لأن النجس ليس بمال، ولذا لا يجوز بيعه، وإذا كان ما ولغ فيه نجساً فهو نجس، وهذا قول جمهور أهل العلم، خلافاً لمالك، الجمهور على أن الكلب بجميع أجزائه نجس حتى شعره، والإمام مالك يرى أنه طاهر، الكلب طاهر عند الإمام مالك والأمر بالغسل هنا للتعبد لا لنجاسته.
إذن: الأمر بالإراقة أيضاً تعبد؟!
الغسل معقول المعنى ولا غسل إلا من حدث أو خبث، ولا حدث هنا، إذن: يبقى ولا حدث هنا إذن: يبقى الخبث وهو نجس، فالحديث دليل صريح واضح على نجاسة الكلب.
منهم من يقول: إن شعره طاهر، شعره طاهر، هذا المعروف عند جمع من أهل العلم وأنه يمكن أن يستفاد منه.
والجلد إذا دبغ فيه خلاف ستأتي الإشارة إليه قريباً إن شاء الله تعالى.
من أدلة المالكية أولاً: جوابهم عن هذا الحديث أن الأمر بالغسل للتعبد، يستدل المالكية بحل أكل ما صاده الكلب، ولا بد أن يباشره، بفمه، ولم يرد غسله ولا تتريبه –الصيد- هذا دليل قوي، صح وإلا لا؟ الكلب حينما يصيد يصيد بأيش؟
طالب:.......
بأسنانه بالفك، بأسنانه، ولا جاء الأمر بغسله سبعاً مع التراب، لماذا؟ نعم؟
طالب:.......
كيف يجيب الجمهور عن هذا -عن هذا الدليل- وهو قوي؟ نعم.
طالب: الكلب معلم
طيب والمعلم ما هو بكلب؟
طالب:.......
الإناء، إذا ولغ الكلب..، إذا ولغ فيه الكلب، المراد به الجنس، نعم، كلب الصيد المعلم إذا ولغ في إناء يغسل وإلا ما يغسل؟
طالب: يغسل.
يجب غسله، إذن: هو داخل، نعم.
طالب:.......
للجمهور أن يقولوا ويجيبوا عن الصيد؛ لأنه لا بد أن يطبخ، والطبخ أبلغ من الغسل، ولهم أن يقولوا -أو لبعضهم أن يقول، وقد قال-: إن الصيد لا بد فيه أن يغسل وأن يترب، وإن سكت عنه في النصوص؛ لأنه إذا جاء الحكم في نص واحد ما يلزم أن يأتي في جميع النصوص يصير معروفاً، يصير معروفاً، ما يلزم أن ينقل الرواة كل شيء؛ لأنه نقله من تقوم به الحجة.
لكن غسل المصيد وتتريبه لا شك أنه عنت، لا ..... الشرع بمثله، وهو أيضاً إفساد له، لكن إذا طبخ زال المحظور، لكن قد يقول قائل: إذا ولغ الكلب في الإناء، أنا أبى أطبخ الإناء مثل الصيد، يطهر وإلا ما يطهر؟ نعم؟
طالب:.......
نقول: نعم هذه المسألة منصوص عليها ولا تقبل الاجتهاد، لا تخضع للاجتهاد، قد يقول قائل: في المدن لا يوجد تراب، نغسله بصابون وإلا شامبو أو ما يقوم مقامه، يكفي وإلا ما يكفي؟
طالب: لا يكفي.
عند كثير من أهل العلم يكفي؛ لأن المقصود التنظيف ويحصل بهذه التنظيف، لكن أثبت الطب أن في لعاب الكلب جرثومة لا يقضي عليها إلا التراب، لا يقضي عليها إلا التراب، وهذا قبل المجاهر، وقبل المختبرات، هذا قبل ألف وأربعمائة سنة.
طالب:.......
كيف؟
طالب:.......
لا، لا بد من غسل الإناء، لا بد من غسله سبعاً، الماء يراق والإناء يغسل سبعاً، ((طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب)) فالإناء له الغسل والتتريب، والماء له الإراقة، مع أن ابن عبد البر قال عن لفظة: ((فليرقه)) أنه لم ينقلها أحد من الحفاظ من أصحاب الأعمش، كأنه يريد أن يشكك في ثبوتها، لكن إذا كان الماء نجساً فلا مخالفة في هذه الزيادة، وحينئذ إذا نقلها من تثبت الحجة بنقله لا يلزم أن ينقلها جميع الحفاظ.
ابن مندة يقول: "لا تعرف عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بوجه من الوجوه"، لكن هي مقتضى ما يصنع بالنجاسات، يعني هل كل نجاسة تلزم إراقتها؟
ماء نجس، قد يقول قائل: هذه اللفظة ليست ثابتة، أنا أريد أن أبقي هذا الماء، أقل الأحوال لو أطفئ به حريقاً، وإن جاء الأمر بإراقته، يعني إذا وجد خمر تلزم إراقته أو لا تلزم؟ يقول شخص: أنا أريد أن أركنه عله أن يتخلل، أنا لن أشربه، ولن أمكن أحد من شربه، لكن عله يتخلل بنفسه فيحل ويطيب، وهذا يقول: عندنا ماء متنجس وقعت فيه نجاسة هل يلزمني إراقته أو أبقيه أقل الأحوال أطفئ به حريقاً، هذا أقل الأحوال، وهذا يقول: أمسح به السيارة مثلاً، أو أغسل الحوش، أغسل البيت، نعم؟
نقول: هذه اللفظة تقتضي أن يراق؛ لئلا يستعمله من لا يعرف حاله، ولا شك أن إراقة هذا الماء سد لذريعة استعماله، وهي ثابتة في صحيح مسلم، ولا كلام لأحد ما دامت ثابتة في الصحيح، نعم؟
طالب:.......
نعم نعم، هل يقاس على الكلب الأسد والخنزير؟
الأسد جاء في حديث: ((اللهم سلط عليه كلباً من كلابك)) فقتله الأسد، يدخل وإلا ما يدخل؟
طالب:.......
هاه، يدخل وإلا ما يدخل؟
الظاهر عدم الدخول، الظاهر عدم الدخول؛ لأن (أل) هذه للكلب المعهود المعروف، وكونه يتوسع في هذه اللفظة فتستعمل في غير الكلب، نعم، ولذا لو حلف ألا يشتري كلباً فاشترى أسداً -على القول بجواز بيعه، بيع الكلب- اشترى أسداً يحنث وإلا ما يحنث؟
ما يحنث بلا شك، لا يحنث، وإن كانت الأيمان والنذور مردها إلى العرف، والأسد لا يقال له عرفاً: كلب، لكن الظاهر عدم دخول غير الكلب المعروف في مثل هذا النص، ولا يقاس عليه خنزير ولا غيره؛ لأن مثل هذه الأمور التي جاء الشرع بتحديدها، وأثبت الطب وجود هذه الجرثومة في لعاب الكلب خاصة يدل على أن الشرع له قصد ومغزى من تخصيص الكلب بهذا الحكم، وإلا لو كان يلحق به غيره لجاء اللفظ أعم، لفظاً يشمل الكلب وغيره، والله المستعان نعم.
وعن أبي قتادة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال في الهرة: ((إنها ليست بنجس, إنما هي من الطوافين عليكم)) [أخرجه الأربعة, وصححه الترمذي وابن خزيمة].
عن أبي قتادة: الحارث بن ربعي صحابي معروف، فارس النبي -عليه الصلاة والسلام-، شهد أحداً وما بعدها، توفي سنة أربعة وخمسين بالمدينة، أبو قتادة يروي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال في الهرة: ((إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم)): الهرة معروفة، معروفة وإلا غير معروفة؟ القط أو أيش؟ أيش؟
طالب:.......
البِسّ، نعم لا بأس، وهو أكثر الحيوانات أسماؤها..، له أسماء كثيرة جداً.
على كل حال هو معروف.
((إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم)): يعني تكثر ملابستكم لها، وملابستها لكم، ويشق عليكم التحرز منها، هي كالخادم في البيت ما يمكن أن يحجب عن مكان، نعم، أحكمت الأبواب، وأتقنت الأغلاق لكن من يحترز من مثل هذا؟
((إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم)): هذه العلة منصوصة بلا شك، تدل على أن الهر طاهر، وهذا يدل على ضعف الأمر بغسل ما ولغ فيه الهر مرة واحدة.
هذا الحديث له سبب وهو أن أبا قتادة، سكبت له زوجة ابنه ماءً فجاءت هرة فشربت منه، فتوضأ منه أبو قتادة، فتعجبت المرأة من كونه يتوضأ بماء..، فساق الحديث، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم)) وفي وراية: ((والطوافات)) وجُمع جمع سلامة، جمع مذكر سلام، أو جمع مؤنث سالم كما في الرواية الأخرى، والأصل أن فيما يجمع جمع سلامة أن يكون ممن يعقل، العاقل فقط، لكن الهرة عوملت معاملة العاقل؛ لأنها وصفت بوصفه، ووصفت بوصف العاقل ((إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم)) هذه العلة ألحق أهل العلم بالهرة كل طواف مما يشق الاحتراز منه، أما ما لا يشق الاحتراز منه فإنه لا يلحق به، ولذا يقول أهل العلم: "وسؤر الهرة وما دونها في الخلقة طاهر" يعني ما دونها من الخلقة لا يمكن التحرز منه، فأرة مثلاً، الفأر هل يمكن أن يتحرز منه؟ ممكن أن تخلو المستودعات من الفأر إلا شخص يتحسس أموره في كل وقت، وإلا مجرد ما يغفل يجد الفأر، نعم، وكانت الأمور أشد لما كانت الأبواب أقل إحكام، نعم، أقل إحكام مما هي عليه الآن، فلا يمكن التحرز بحال مما دون الهرة، لكن ما فوق الهرة، إذا كان عند الإنسان كلب أو حمار أو حيوان أكبر من الهرة يمكن التحرز منه، بخلاف ما دون الهرة، نعم؟
طالب:.......
مثله الهرة، مثله الهرة، الهرة إذا أكلت نجاسة ولغت في الماء، يعني ماء حكم بطهارته لا شك أنه يمكن أن تطرأ عليه نجاسة، لكن الأصل أنه طاهر، فإذا وجد فأر متلبس بنجاسة؛ لأنه خرج من المجاري ينجس للنجاسة التي علقت به، هذا الهر إذا أكل نجاسة والنجاسة باقية في فمه ينجس ما ولغ فيه، وما شرب منه، لكن إذا مضى عليه وقت بحيث تزول هذه النجاسة فإنه يرجع إلى الحكم الأصلي، نعم.
"وعن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- قال: "جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد فزجره الناس, فنهاهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما أقصى بوله أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بذنوب من ماء فأهريق عليه" متفق عليه.
"وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد" الأعرابي: واحد الأعراب، الأعرابي: واحد الأعراب، وهم سكان البادية، الأعراب له واحد من لفظه؟ نعم؟ نعم بياء النسب، نعم بياء النسب، أعرابي منسوب إلى الأعراب فهو واحدهم، والأصل في الأعراب أنهم جمع مفرده نعم آتي، لا، لا العربي غير الأعرابي، ما يلزم، نعم العربي غير الأعرابي، فجاءت النسبة إلى الجمع لشهرة هذا الجمع، وإلا فالأصل أن اللفظ إذا أريد النسبة إليه أن يعاد إلى مفرده، والنسبة إلى الجمع شاذة، إلا إذا كان الجمع بمنزلة يفوق فيها لفظ المفرد أو لا مفرد له من لفظه، الأنصار مثلاً الأنصار: جمع ناصر، تنسب الأنصار تقول: أنصاري، ولا تنسب إلى المفرد؛ لأن الشهرة للجمع وليست للمفرد، وإلا فالأصل أنك إذا أردت النسبة إلى الجمع تنسب إلى مفرده، فجمع صحيفة صحف، نعم صحائف وصحف، نعم إذا أردت أن تنسب إذا أردت أن تصف شخصاً يكتب في الصحف تقول له إيش؟
طالب:.......
لا، لا بد من رده على المفرد، تقول: صحفي ولا تقول: صُحفي، وهكذا؛ لأن النسبة إلى الجمع عند أهل العلم شاذة، يستثنى من ذلك ما صار الجمع فيه أشهر من المفرد.
"جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد" في ناحية أو في زاوية من زوايا المسجد "فزجره الناس" من الصحابة، قام إليه الناس؛ لأنه فعل فعلاً ينبغي أن يزجر من أجله، ينبغي أن يزجر من أجله "فنهاهم النبي -صلى الله عليه وسلم-" رفقاً به لجهله، وتأليفاً له، وتأليفاً له، ودرءاً للمفسدة العظمى؛ لأنه لو لم يمكن من إكمال بوله لتضرر هو وانتشرت النجاسة، بدلاً من أن يكون موضع النجاسة محدد يمكن تطهيره، يمكن ينجس أماكن أخرى "فزجره الناس فنهاههم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما قضى بوله أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بذنوب من ماء" بدلو، سجل، كما جاء في بعض الروايات فيه ماء "فأهريق عليه" صب عليه، وحينئذٍ يطهر، فالبول نجس، بول الآدمي نجس إجماعاً، والتطهير تطهير ما وقع عليه واجب، لكن من الأشياء التي يقع عليها البول ما يجب فيه العدد، ومنها ما يكفي فيه الصب فقط، ومنها ما يكفي مسحه، إذا بال إنسان على ما يتلفه الماء، بال على ما يتلفه الماء إيش تسوي؟ بال على ورق، تغسل الورق؟ يقولون هنا: يكفي مسحه وتعريضه للشمس، وحينئذٍ تنتهي هذه النجاسة، إذا بال على الشيء صقيل لا يشرب النجاسة، شيخ الإسلام -رحمه الله- يقول: يكفي مسحه، يمسح ويكفي، ويستدل بأن الصحابة والنبي -عليه الصلاة والسلام-، النبي -عليه الصلاة والسلام- وصحابته الكرام كانوا يذبحون الأنعام الثانية تلو الأولى وهكذا ولا يؤثر عنهم أنهم غسلوا السكين، مع أن الدم المسفوح نجس اتفاقاً، فقالوا: السكين صقيلة يكفي مسحها، ولا يحتاج غسلها، لو بال على مرآة مثلاً، لو بال على شيء يكفي مسحه، لكن الجمهور على أنه لا بد من الغسل، ولا تطهر مثل هذه الأشياء إلا بالغسل، إذا وقع البول على الثوب، أو على شيء يمكن غسله، وتقليبه، فلا بد من غسله ثلاثاً، للأمر بغسل الأنجاس ثلاثاً، وهذا هو الأصل في جميع النجاسات، لكن إذا كان مما لا يتيسر قلبه وعصره وفركه كالأرض يكفي في تطهيرها أن يصب عليها الماء، كما هنا، ولا يلزم نقل التراب، ولا فرق بين الأرض الرخوة والصلبة، لا فرق بينهما، بل تكاثر بالماء ويصب عليها ذنوب من ماء وينتهي الإشكال، نعم؟
طالب:.......
يغسل ثلاثاً؟
طالب:.......
كم تدور الغسالة؟ أكثر من ذلك، أكثر من ذلك.
يأتي معنا في بول الصبي الذي لم يأكل الطعام وأنه يكفي فيه النضح، وفي هذا بيان خلق النبي -عليه الصلاة والسلام- حيث رفق بهذا الجاهل، وجاء في بعض الروايات تسمية هذا الأعرابي بأنه ذو الخويصرة، ذو الخويصرة اليماني وإلا التميمي؟ نعم؟ نعم اليماني، فلطف به النبي -عليه الصلاة والسلام- وعذره بجهله، وعامله على مقتضى حاله تأليفاً له؛ لأن مثل هذا لو زجر وأنكر عليه بقوة وشدة يمكن ما يجي المسجد مرة ثانية؛ لأن مثل هؤلاء ما تمكن الإيمان من قلوبهم، أعرابي جافي، مثل هذا يرفق به، ويلطف به، ومن مصارف الزكاة التي هي ركن من أركان الإسلام إعطاء المؤلفة قلوبهم حتى يتمكن الإيمان من قلوبهم، وحينئذٍ يوكلون إلى إيمانهم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قد يعطي الشخص وغيره أحب إليه منه كما في الحديث الصحيح ((خشية أن يكبه الله في النار)) لأن الإيمان ما وقر في قلبه، ثم إذا لم يعطَ فإنه يرتد، وهذا حصل لكن الذين أعطوا هم في الأصل أعراب جفاة ما وقر الإيمان، أسلموا طمعاً في الدنيا، لما أعطوا حسن أسلامهم، والله المستعان.
فهذا فيه درس لمن يزاول ويمتهن دعوة الناس إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكون الرفق ديدنه؛ لأن الرفق ما صار في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه، بخلاف العنف، العنف لا يأتي بشيء لا يأتي بالفائدة، بل العكس يأتي بآثار سلبية وردود أفعال، والرفق مطلوب في كل حال وفي كل ظرف، لما أعطى النبي -عليه الصلاة والسلام- علي الراية ووجهه إلى خيبر قال له: ((انفذ على رسلك)) وهذا في الحرب التي تطيش فيها العقول ((انفذ على رسلك)) يعني لا تستعجل العجلة ما تأتي بشيء، فالرفق هو المطلوب في جميع الحالات، نعم إذا كان هناك أمر يفوت، حريق يخشى زيادة انتشاره فالمبادرة مطلوبة، جاء الأمر بالسعي إلى صلاة الجمعة {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [(9) سورة الجمعة] مبادرة، {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ} [(133) سورة آل عمران] {سَابِقُوا} [(21) سورة الحديد] المقصود مثل هذه الأمور تنبغي المبادرة إليها بالرفق؛ لأن المبادرة والمسارعة لا تعني العجلة، ولذا جاء في الحديث الصحيح: ((إذا سمعتم الإقامة فامشوا وعليكم بالسكينة، فامشوا وعليكم بالسكينة والوقار)) والله المستعان، نعم.
الحديث الذي يليه:
"وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أحلت لنا ميتتان ودمان, فأما الميتتان فالجراد والحوت, وأما الدمان فالطحال والكبد)) أخرجه أحمد وابن ماجه, وفيه ضعف".
نعم حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- المرفوع المصرح برفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- كما هنا قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لا شك أن فيه ضعف، المصرح برفعه فيه ضعف، كما أشار الحافظ -رحمه الله تعالى-، لكن الموقوف على ابن عمر من قوله صحيح، وهو وإن كان لفظه موقوفاً على ابن عمر فإن له حكم الرفع؛ لأن قول الصحابي أبيح لنا، أو أحل لنا، أو حرم علينا له حكم الرفع؛ لأن الذي يبيح والذي يحرم والذي يحلل هو الشرع، فالذي أحل لهم هاتين الميتتين وهذين الدمين هو من يملك التحليل والتحريم، وهو الله -سبحانه وتعالى- على لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام-، فله حكم الرفع.
الموقوف على ابن عمر صراحة صحيح، والمصرح برفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فيه ضعف على أن الموقوف كما ذكرنا له حكم الرفع، فهو مرفوع حكماً.
"((أحلت لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالجرد والحوت، وأما الدمان فالكبد والطحال)) أخرجه أحمد وابن ماجه، وفيه ضعف" لأنه من رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر، يقول الإمام أحمد: حديث منكر، هذا المصرح برفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ((أحلت لنا ميتتان ودمان)) وهذا مما يخص به قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [(3) سورة المائدة] {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [(3) سورة المائدة] فالميتة حرام إلا ما استثني، والدم حرام إلا ما استثني، على أن الدم ينبغي تقييده بما جاء في قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [(145) سورة الأنعام] فالدم المسفوح هو المحرم، بخلاف الدم الذي يبقى في اللحم، هذا ليس بمحرم، ولا ينظف اللحم منه، بل يبقى؛ لأنه ليس بمحرم.
هنا حملنا المطلق على المقيد {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [(3) سورة المائدة] هذا مطلق، نعم، {دَمًا مَسْفُوحًا} [(145) سورة الأنعام] نعم مقيد، وحينئذٍ في مثل هذه الصورة يحمل المطلق على المقيد فيه خلاف وإلا ما في خلاف؟ هاه؟ بدون خلاف بالاتفاق، لماذا؟ نعم؟ نعم؟
طالب:.......
نعم للاتفاق في الحكم والسبب، للاتفاق في الحكم والسبب.
((أحلت لنا)) التحليل بمعنى الإباحة، والحلال هو المباح ضد الحرام، الحلال ضد الحرام، أو نقيض الحرام؟ نعم؟ ضد، لماذا؟ نعم؟
طالب:.......
كلاهم مفقود؟ هاه؟ أو كلاهم موجود؟ نعم؟
طالب:.......
لا، ما يمكن يجتمعان، الضدان لا يجتمعان، كما أن النقيضين لا يمكن أن يجتمعا في الاجتماع يشترك الضد والنقيض، لكن في الارتفاع النقيضان لا يرتفعان، والضدان يمكن أن يرتفعا، وهنا تقابل الحل والحظر تقابل ضدية؛ لأنه يمكن أن يرتفع الحكم عن هذه العين؛ لأنها ليست حلال ولا حرام، إنما هي مكروهة أو مستحبة نعم.
((أحلت لنا ميتتان ودمان فأما الميتتان فالجراد والحوت)) الجراد معروف، وجاء في الحديث الصحيح: غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبع غزوات نأكل الجراد، فجاز أكله، وحله إجماع بين أهل العلم، إلا ما يذكره بعضهم عن جراد الأندلس وهو أن فيه مادة سامة مضرة، فيمنع ويحرم من أجل الضرر، وإلا فالأصل أن الجراد مباح.
والحوت: وتقدم هذا في الحديث الأول: ((الحل ميتته)) وعرفنا أن المراد به ما لا يعيش إلا في البحر، ولا فرق في ذلك بين الميت في البحر مما طفا على وجهه، أو جزر عنه، أو أخرج منه فمات، فهو حلال، شريطة ألا يعيش إلا في البحر، وأما ما يعيش في البر والبحر....... كان مما يجوز أكله.
وأما الدمان فالكبد والطحال، لا شك أن الكبد والطحال دم متجمد، وهي حلال بهذا النص، فهو مخصص للآية {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} [(3) سورة المائدة] كما عرفنا.
جاء في الحديث مما يستدل به من لا يجيز أكل الطافي يعني مات في البحر ثم طفا ((ما ألقاه البحر أو جزر عنه فكلوا، وما مات فيه فطفا فلا تأكلوه)) مخرج في المسند والسنن لكنه ضعيف، لا يعارض به مثل هذا الحديث، وأيضاً النبي -عليه الصلاة والسلام- أكل من الحوت الكبير الذي عثرت عليه السرية وأكلوا منه مدة فذهبوا بالبقية إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأكل منه، هذا في الحديث في البخاري، نعم.
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه, فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء)) أخرجه البخاري وأبو داود وزاد: ((وإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء)).
حديث: "أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا وقع الذباب))" وهو معروف أيضاً، يقول بعضهم: إن سبب تسميته هو أن أصل التسمية ذُبّ فآب يعني طرد فرجع، طرد فرجع، هذا وصفه باستمرار، يطرد فرجع صار ذباب، خففت إلى ذباب، وهو معروف لا يحتاج إلى مزيد بسط في سبب التسمية، وذكْر خواصه.
((إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه)) هذا أمر شرعي واللام لام الأمر ((ثم لينزعه)) وهذا خلاف ما يقوله الأطباء، وأنه يحمل ملايين الجراثيم، نعم، يحمل ملايين الجراثيم، لا شك أن في جناحه -في أحد جناحيه- داء، ولتكن جراثيم، لكن علاج هذه الجراثيم في الجناح الآخر، وقول بعض أهل الترف:
إذا وقع الذباب على طعام |
|
رفعت يدي ونفسي تشتهيه
|
هذا لو مسه الجوع ما فعل مثل هذا الفعل، والمسألة شرعية، قد يقول قائل وقد قيل ممن تكلم في الحديث من المتقدمين يقول: من أين للذباب العقل والفهم والتمييز بحيث يقدم الجناح الذي فيه الداء؟ وهل هذا مطرد؟ نقول: نعم مطرد، وكونه يعقل هو لا يعقل، لكن عند هذه المخلوقات -وإن كانت غير عاقلة- عندها من الملكات ما يحصل به تمييز ما ينفع وما يضر، بهيمة الأنعام إذا جرت إلى الذبح تنقاد وإلا ما تنقاد؟ لا تنقاد إلا بقوة، تقبل على ما ينفعها من أكل وشرب، وتهرب مما يضرها من سبع وجزار وما أشبه ذلك، فهذه قوى مدركة، فهذا الكلام الذي قاله بعضهم وما زال الكلام في حديث الذباب جاري من بعض من لا ينقاد للنصوص الشرعية إلا إذا عرضها على عقله فهذا خطر عظيم، كل نص وإن صح لا يقبله عقله لا بد أن يكون عنده فيه وقفة، لا شك أن مثل هذا يخشى عليه من الزيغ، يعني شخص يقول في حديث: ((لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)) والحديث في البخاري، يقول: الواقع يرد ذلك، تولت النساء فصرن أفضل من الرجال، وضرب مثل: إندي رغاندي وجولد مائير وتتشر، يعني هذا لو قاله عدو غير مسلم، ولا أتصور أن الوقاحة بالأعداء تصل إلى هذا الحد ليقولوا لنا مثل هذا الكلام، فكيف يقول هذا الكلام ممن ينتسب إلى العلم بل ينتسب إلى الدعوة، يرد حديث في صحيح البخاري لأن جولد مائير هزمت العرب رئيسة وزراء اليهود.
صديق حسن خان العالم المعروف، ولو قيل ما قيل بالنسبة لمؤلفاته، لكنه من أهل العلم في الجملة، كان ممن يحضر الدرس ملكة هوذال في الهند فلما وصلوا إلى هذا الحديث تزوجها وتنازلت له عن الملك،..... لا إشكال في أنه لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة، هذه هي الحكمة، لا بد من الانقياد والتسليم، سواءً أدركنا أو لم ندرك إذا صح الخبر، هناك أمور لا بد أن يقف العقل دونها، لا يمكن أن يستوعبها عقل مهما بلغ من الذكاء والفطنة والخبرة، كون الشمس كما في الحديث الصحيح وهي في فلكها تسير، تسجد تحت العرش كل ليلة، يمكن أن يستوعب مثل هذا؟ ما يستوعبه عقل، لكن نرضى ونسلم، أدركنا أو لم ندرك، الرب -جل وعلا- ينزل في آخر كل ليلة، في الثلث الأخير من الليل إلى السماء الدنيا، ويقرر أهل العلم أن العرش لا يخلو منه، يدركه عقل وإلا ما يدركه؟ ما يدركه عقل، يعني...... هنا لا يتطاول العقل إلى الوصول إليها، وهنا يقال: من أين للذباب أن يعقل فيقدم هذا الجناح ويؤخر ذاك؟ فيرد الحديث بمثل هذا الهراء، وهذا قاله بعض المتقدمين وكثير من المتأخرين، من أين للنملة وهي تجمع الطعام في جحرها، ومأواها أن تقسم الحبة نصفين لئلا تنبت؟ من أين لها العقل حتى تفعل مثل هذا الفعل؟ تكسر الحبة نصفين على شان ما تنبت لو جاءها رطوبة نبتت وخسرتها؟
ذكر شراح الصحيح أن فرساً أكره على أن ينزو على أمه فما رضي، حاولوا، ضربوه، أكرهوه، ألزموه، حملوه، ما نزا على أمه، فرس، فجللت الأم، غطيت، فنزا عليها؛ لأنه لا يعرفها، غطيت، فلما كشف الغطاء قطع ذكره بأسنانه، من أين لهذا الفرس أن يصنع مثل هذا الفعل؟ ويوجد مع الأسف الشديد بين المسلمين بسبب البعد عن الدين، وبسبب أسباب الشر والفساد التي انتشرت بين المسلمين مسخ الفطر من يقع على المحارم، نسأل الله السلامة والعافية، فالحيوانات خير منه، في هذا الباب، نعم هو لا يكفر بهذا، لكن يبقى أنه ممسوخ الفطرة، ومسخ القلوب أعظم من مسخ الأبدان، كما يقرر أهل العلم، نسأل الله السلامة والعافية.
على كل حال الحديث صحيح، هو في البخاري وليس لأحد أن يتكلم فيه بحال، مهما بلغت منزلته من العلم، ومن أنكره لا حجة له إلا مقتضى عقله والعقل وشواهد الأحوال تشهد لمثل هذا الحديث.
((إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه، ثم لينزعه فإن في أحد جناحيه داء, وفي الآخر شفاء)) هذا يدل على أن الذباب لا ينجس ما وقع فيه ولو مات؛ لأن الشراب إذا كان حاراً ووقع فيه الذباب فالذي يغلب على الظن أنه يموت، يقول أهل العلم أخذاً من هذا الحديث: إن كل ما لا نفس له سائلة فإنه لا ينجس بالموت، ما لا نفس له سائلة يعني ليس له دم، فإنه لا ينجس ولو مات "رواه البخاري وأبو داود، وزاد: ((وإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء)) على كل حال يقول أهل التجربة: إن لدغة العقرب والزنبور إذا دلكت بالذباب فإنه يبرأ -بإذن الله تعالى-، لوجود هذا الدواء الذي بجناحه الآخر.
طالب:.......
إيش هو؟
طالب:.......
إيش فيه؟
طالب:.......
شكله، أقصد جميل وإلا قبيح؟ نعم؟
طالب:.......
هذا الذباب على صغره وقبحه لو اجتمعت قوى الدنيا كلها ما استطاعت تصنع مثله {إِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ} [(73) سورة الحج] لو اجتمعت الدنيا كلها، لو خطف الذباب شيء مهما صغر ودق ما يمكن تسلبه ولا قوى العالم كلها {ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [(73) سورة الحج] الله المستعان.
على كل حال الذباب اسم للجنس، جنس هذا الطائر الصغير سواءً صغر أو كبر، فيدخل في الحكم.
نأخذ الحديث الذي يليه وإلا دخلنا على وقت الشيخ؟ لأن هذا الحديث مكمل للباب لكن...
طالب:.......
إيش؟
الأمر ما في شك أنه لمصلحة البدن هنا، لمصلحة البدن، فكون........ من هذا الطعام ويريقه مع اعتقاده صحة الخبر وأن فيه..، ما يضره هذا، ما يضر، نعم؟
طالب:.......
هاه؟
طالب:.......
إذا وقع في الشراب لا شك أن هذا الداء ينتشر في الشراب، أما في الطعام لا ينتشر، يبقى المكان الذي وقع فيه محدود يلقى وما حوله وينتهي الإشكال.
اللهم صلِ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.
الخلوة كونها تستعمل هذا الماء في طهارة كاملة، وضوء أو اغتسال، أي نرفع حدث من المرأة إذا لم تكن بمرأى أحد، خلت به، ومثله خلوة الرجل؛ لأن خلوة الرجل مثل خلوة المرأة على ما سمعنا في الحديث السابق، ولا فرق.
لا شك أن الأصل في البحر المجموع من الماء ووعائه وظرفه، والعلماء حينما قالوا: إن المقصود بالبحر في هذا الحديث على وجه الخصوص المكان؛ لكي يستقيم الكلام، فإذا قدرنا مكان البحر الماء، وقلنا: ماء البحر هو الطهور ماؤه، ماء البحر هو الطهور ماؤه، يستقيم الكلام أو لا يستقيم؟ لا يستقيم، وإذا قلنا: المكان، المكان والظرف الذي يحوي هذا الماء ما حواه من الماء هو الطهور، فمكان البحر هو الطهور ماؤه.
لو افترضنا أن هذا الإناء وفيه الماء، كأس وفيه ماء، وقلنا: ما بين أيدينا هذا هو الطهور ماؤه، هل نقصد بمرجع الضمير الماء نفسه؟ الماء هو الطهور ماؤه؟ نفس الشيء، لا يستقيم الكلام، وإذا أعدنا الضمير على الظرف الذي هو الكأس، الكأس هو الطهور ماؤه يعني الماء الذي حل فيه.
ونأتي إلى السؤال، وهو يستشكل يقول: إذا كان المقصود هو المكان فلم يكن سياق الحديث على هذه الصفة، ما قيل: مكان البحر هو الطهور، لنخرج الماء، فاعل المصدر، الطهور الماء، وتقدير المكان من أجل سبك الكلام على وجه يصح، فالمقصود بالحديث هو الماء بلا شك، ولذا أفصح عنه في الحديث نفسه فقال: ((هو الطهور ماؤه)) ((هو الطهور..)): إذا قلت: زيد القائم أبوه، أو رأيت زيداً القائمَ أبوه، نعم، من القائم؟ زيد؟ نعم؟ وإن كان الموصوف بالقيام هو زيد، لكن القيام والحدث إنما قامه الأب، وهذا يقال له النعت الأيش؟ الحقيقي؟ أو السببي؟
نعت سببي وليس بحقيقي؛ لأنه ليس وصفاً للمنعوت، رأيت زيداً القائم أبوه، القائم بلا شك من الناحية الإعرابية وصف لزيد، ونعت لزيد، لكن ليس هو القائم بالفعل، القائم أبوه، وهنا حينما نخبر عن مكان الماء، ونسند إليه الطهورية، إنما أسندناها في الحقيقة إلى الماء، ولذا جاء في الحديث: ((هو الطهور ماؤه)) ما جاء هو الطهور فقط، لو كان سياق الحديث هو الطهور لقلنا: ماء البحر هو الطهور، قدرنا ماء البحر، لكن لما بين فاعل المصدر ما احتجنا ولا حصل عندنا أدنى إشكال في أن نقدر مكان البحر.
وعلى هذا لو أخذ من ماء البحر في جوالين أو جراكل ما يتغير، هو ماء البحر الذي أخبر عنه بأنه طهور، أسند إليه الطهورية؛ لأن عندنا الطهور مسند، وماؤه مسند إليه؛ لأنه فاعل.
البرك والمسابح هل هي من الماء الجاري أو الراكد؟
الآن ما فيها فلاتر تطلع الماء وتدخله مرة ثانية؟ نعم؟ هي راكدة في وقت، هي تصير راكدة أو باستمرار متجددة؟ نعم؟
طالب:.......
إذا كانت متجددة فليست راكدة.
طالب:.......
نعم، إذا كانت راكدة غير متجددة لها أحكام الماء الراكد فلا يجوز الاغتسال به.
إذا أزيلت النجاسة بمعالجةٍ..؟
لكن إذا استصحبنا أن النهي عن الاغتسال، ولا يغتسل فيه وهو جنب، ولا يغتسل فيه من الجنابة، قلنا: إن الاغتسال التنظيف أو للتبرد أو..، أمرها أخف.
إذا أزيلت النجاسة بمعالجة أو مواد كيماوية هل يطهر الماء؟
إذا ذهبت عين النجاسة، وذهبت أوصافها سواءً كان ذلك بمعالجة أو غير معالجة، إذا لم يكن للنجاسة أثر فعلى قول مالك هو طهور؛ لأنه حينئذ لم يتغير، وإذا كان للنجاسة أثر من لون أو طعم أو ريح فالإجماع قائم على أنه نجس.
يقول: هل ما تغير لونه أو ريحه أو طعمه قليلاً هل يضر في طهوره؟
وإذا تغير لونه أو طعمه أو ريحه بنجاسة تقع فيه، لا بطول مكثه، أحياناً يتغير -تتغير رائحته- يكون منتن، نعم منتن، لكنه بسبب طول المكث، ونعرف جميعاً أن الماء يأسن بطول مكثه، ولهم طريقة في تطييبه، لكن إذا كان بطول مكثه من غير نجاسة تقع فيه فهو طاهر.
اللحم والطعام، إذا أنتن من طول البقاء، يعني لو أتيت بالغداء -بقية غداء أمس مثلاً- وأحضرته اليوم، وجدته متغيراً، هل يجوز أكله أو لا يجوز أكله؟ وهل هو طاهر أو نجس؟
هو طاهر بلا شك، ولو أنتن، لكن هل يجوز أكله أو لا يجوز أكله؟ نعم؟
نعم يا إخوان؟
طالب:.......
نعم إذا كان يضر، تغيره كثير مفسد لا يجوز للضرر، لا لنجاسته؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أضافه يهودي على خبز شعير وإهالة سنخة -يعني متغيرة- وجاء في حديث الصيد: ((كله ما لم ينتن)) يعني تتغير رائحته، والمقصود بـ ((كله ما لم ينتن)) يعني نتناً مفسداً للطعام بحيث يكون ضاراً، أما إذا كان التغير بحيث لا يضر ولو كانت رائحته غير طيبة، فإنه يؤكل.
الطاهر طاهر في نفسه غير مطهر لغيره، والطاهر يجوز شربه، يجوز شربه ولا يؤثر على الجرم الذي يقع عليه، لكنه لا يجوز الوضوء به، وهو ما تغير بالأشياء الطاهرة، والطهور هو الطاهر في نفسه والمطهر لغيره، والنجس معروف ما تغير بالنجاسة، هذا عند من يقول بتقسيم المياه إلى ثلاثة أقسام، وأما من يقول بتقسيمها إلى قسمين فقط طهور ونجس، أو طاهر ونجس فكل ما جاز شربه يجوز الوضوء به، ما دام يسمى ماء.
في حديث ابن عمر: ((إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث))، هذا مما ينبغي بيانه ولكن شدة الاختصار جعلتنا نطوي بعض الأشياء المهمة، وإلا معنى القلة على أقل الأحوال، شيء لا بد من بيانه.
القلة: جاء بيانها في بعض الروايات بقلال هَجَر، وقلال هجر يقول ابن جريج: إنها معلومة المقدار، معلومة المقدار، والقلة تساوي قربتين وشيئاً، وجعلوا هذا الشيء نصفاً؛ من باب الاحتياط، وحدها بعضهم بما يقله الرجل المتوسط بيديه، يعني يستطيع حمله، سميت بذلك؛ لأنه يستطيع أن يقلها، يعني يحملها.
وجاء في تفسير القلة أنها ما يبلغ رؤوس الجبال، فإذا كانت القلة تبلغ رؤوس الجبال، فالقلتان طوفان، نعم، لكنه قول ضعيف جداً، ولا يتلفت إليه.
المقصود أن أولى ما يقال في تعريف القلة ما اعتمده الأكثر، وأنها محدودة بقلال هجر، وهجر هل هي البلد المعروف الأحساء والبحرين وما والاها؟ أو قرية قرب المدينة؟ يختلف الشراح في ذلك.
نعم؟
طالب:.......
كيف؟
طالب:.......
خمسمائة رطل، خمسمائة رطل، خمسمائة رطل تقريباً.
إذا كان لونه لم يتغير ولكن له طعم مثل الديزل أو البنزين؟
يعني ماء متغير بأمور..، بأشياء طاهرة، متغير بأشياء طاهرة، لكنها لم تسلب الماء اسمه، يعني من رآه قال: هذا ماء، هذا يرفع الحدث.
نعم، الجنب من أصابته جنابة، بسبب إنزال من جماع أو احتلام، ولا بد من حصول اللذة من غير النائم، أما النائم فيكفي في ثبوت الجنابة خروج الماء؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- في حديث أم سلمة قال: ((نعم، إذا هي رأت الماء))، ولم يقيد ذلك بلذة، أما غير النائم لا بد من حصوله بلذة؛ لأن خروج الماء منه بغير لذة هذا مرض.
عرفنا الخلاف -جاءت به نجاسة- كل على مذهبه، من يفرق بين القليل والكثير، ويرى أن القليل يتغير بمجرد ملاقاة النجاسة يقول: هو نجس إذا كان قليلاً، ولا يتنجس إذا كان كثيراً، والذي لا يفرق بين القليل والكثير وهو مذهب مالك ورجحه شيخ الإسلام يقول: لا ينجس إلا بالتغير.