الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري

تصنيف الكتاب
كشاف الكتاب

الكرماني بكسر الكاف، وإن كان الدارج على ألسنة الكثير، وقاله النووي وغيره أنه بفتح الكاف الكَرماني، لكن الكِرماني نفسه ضبطها بكسر الكاف، ولما ورد ذكر كِرمان في الجزء التاسع صفحة (159) قال: "كرمان بكسر الكاف، وقال النووي: بفتحها، أقول: هو بلدنا وأهل البلد أعلم ببلدهم من غيرهم، وهم متفقون على كسرها"، وفي الجزء الرابع والعشرين صفحة (205) قال: "المشهور عند المحدثين بفتح الكاف، لكن أهلها يقولون: بالكسر، وأهل مكة أدرى بشعابها".  وقد جرى الشارح في باب الاعتقاد على طريقة الأشاعرة، ونكب عن طريقة السلف.
شرح الكرماني شرح متوسط ليس بالطويل مثل فتح الباري وعمدة القاري ولا بمختصر مثل شرح الخطابي، وهو شرح مشهور بالقول يعني يأتي باللفظة المراد شرحها فيقول: " قوله"، وهو جامع لفرائد الفوائد، وزوائد الفرائد. افتتحه بمقدمةٍ أشاد فيها بعلم الحديث وأهله، وأن صحيح البخاري أجلّ الكتب الصحيحة نقلاً وروايةً وفهماً ودراية، وأكثرها تعديلاً وتصحيحاً وضبطاً وتنقيحاً واستنباطاً واحتياطاً، قال: وفي الجملة هو أصح الكتب المؤلفة فيه على الإطلاق. ثم تحدث باختصار عن الشروح السابقة كابن بطال والخطابي ومغلطاي، ثم ذكر منهجه في كتابه، وأنه يشرح المفردات، الألفاظ غير الواضحة، ويوجه الإعرابات النحوية غير اللائحة، يتعرض لبيان خواص التراكيب بحسب علوم البلاغة، ثم يذكر ما يستفاد وما يتعلق بالحديث من المسائل الكلامية على حد زعمه، ثم يذكر ما يتعلق بأصول الفقه من الخاص والعام والمجمل والمبين وأنواع الأقيسة، ثم يذكر ما يتعلق بالمسائل الفقهية والمباحث الفروعية، ثم يذكر ما يتعلق بالآداب والدقائق، ثم ما يتعلق بعلوم الحديث واصطلاحات المحدثين، ثم يذكر اختلاف النسخ، فيرجح بعضها على بعض ثم يتعرض لأسماء الرجال، ثم يوضح الملتبس ويكشف المشتبه، ويبين المختلف والمؤتلف من الأسماء والأنساب وغيرها، ثم بعد ذلك يؤلف بين الأحاديث المتعارضة حسب الظاهر، ثم يبين مناسبة الأحاديث التي في كل باب، ثم بعد ذلكم ذكر في المقدمة رواة الصحيح كالسرخسي والكشميهني وأبي ذر الهروي وترجم لهم، ثم ترجم للإمام البخاري ترجمةً متوسطة، ثم ختم المقدمة بموضوع علم الحديث وحده، وعدد كتب الجامع وأحاديثه.  ويهتم بالرواة فيذكر اسم الراوي كاملاً وما يستطرف من أخباره بإيجاز لينشط القارئ، ويحفزه على القراءة، وليس مثل انتقاء وانتخاب النووي، كما ينبه على لطائف الأسانيد كالعلو والنزول وأوطان الرواة وصيغ الأداء وغير ذلك. فالكتاب لا شك أن فيه فوائد كثيرة جداً وهو شرح ماتع نفيس ومفيد في الجملة وقراءته سهلة لا تكلف شيئاً، وثلاثة أشهر كفيلة بإنهائه لطالب العلم. وقد اشتمل على غالب ما يحتاج قارئ الصحيح بأسلوبٍ واضح شيق، ولا شك أن الكتاب عمدة لمن جاء بعده من الشراح، لا تكاد تخلو صفحة واحدة من فتح الباري أو عمدة القاري أو إرشاد الساري من نقل عن هذا الكتاب، فالحافظ ابن حجر -رحمه الله- نقل عنه كثيراً في مئات المواضع، وتعقبه أيضاً في كثير من المواطن. وكتاب الكرماني على نفعه إلا أن فيه أوهاماً عديدة, وأحياناً تقع منه الأوهام بحيث يكون ردها والجواب عنها في الكتاب المشروح نفسه، حتى قال الحافظ ابن حجر: "وهذا جهل بالكتاب الذي يشرحه" , وسبب هذه الأوهام ما قاله ابن حجر في الدرر الكامنة: "هو شرح مفيد على أوهامٍ فيه في النقل؛ لأنه لم يأخذه إلا من الصحف"، وقال العيني بعد أن تعقب الكرماني في الجزء الأول صفحة (101): "وهذا إنما نشأ منه لعدم تحريره في النقل، واعتماده من هذا الفن على العقل", والكرماني أحياناً يحمل الخطأ للإمام البخاري، وأحياناً -وهذا نادر- يسيء الأدب مع الإمام البخاري، لكن هذه نادرة جداً، وقد تعقبه الشراح ممن جاء بعده ونبهوا على أوهامه، وهم ولا شك اعتمدوا عليه كلهم، وأفادوا منه فائدة كبيرة، حيث كشف لهم عن كثير من الأمور، بل فتح لهم الطريق؛ لكنهم تعقبوه، بعضهم تعصب عليه، وبعضهم أنصفه، وعلى كل حال الكتاب نافع وماتع على الأوهام التي فيه، فلو قدر أن تنشر هذه الأوهام، وهي عندنا مدونة على الكتاب كله، دُوِّنَت الردود عليه من الشروح الأخرى مع الكتاب؛ لأن الكتاب غاية في النفاسة؛ لكن الإشكال أن طالب العلم المبتدئ يقرأ الكتاب، وهو لا يعرف أن هذه أوهام، فتقع منه موقع القلب الفارغ. 
والكتاب مطبوع ومتداول، طُبع في خمسة وعشرين جزءًا من الأجزاء الصغيرة تقع في اثني عشر مجلداً، بطبعة جميلة جداً، وحرف جميل وكبير، مناسب جداً للقراءة.
وأفضل طبعاته الطبعة المصرية، وقد أبدعت المطبعة المصرية في طباعته.