شرح متن الورقات في أصول الفقه (13)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
فصل:
إذا تعارض نطقان فلا يخلو إما أن يكونا عامين أو خاصين، أو أحدهما عاماً والآخر خاصاً، أو كل واحد منهما عاماً من وجه خاصاً من وجه آخر، فإن كانا عامين فإن أمكن الجمع بينهما يجمع، فإن لم يمكن الجمع بينهما يتوقف فيهما إن لم يعلم التاريخ، فإن علم التاريخ نسخ المتقدم بالمتأخر، وكذلك إن كانا خاصين، وإن كان أحدهما عاماً والآخر خاصا فيخص العام بالخاص، وإن كان كل منهما عاماً من وجه وخاصاً من وجه فيخص عموم كل منهما بخصوص الآخر.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، في هذا المبحث -في هذا الفصل- تحدث المؤلف -رحمه الله تعالى- عن التعارض بين النصوص، والتعارض المقصود به الاختلاف في الظاهر بحسب ما يظهر للمجتهد، وإلا ففي حقيقة الأمر لا تعارض بين النصوص، لا يمكن أن يتعارض نصان صحيحان في الباطن في الحقيقة، وإنما التعارض إنما هو بحسب ما يظهر للمجتهد حسب فهمه، كما أنه لا يمكن أن يتعارض النص الصحيح مع العقل الصريح، لا يمكن أن يتعارض نص صحيح مع عقل صريح باق على فطرته، باق على خلقته ما اجتالته الشياطين، أما من اجتالتهم الشياطين وتأثروا بالبدع وأهلها هؤلاء يبدون شيئاً من التعارض بين عقولهم والنصوص، ويحتكمون في ذلك إلى عقولهم، ليتهم لما وجدوا مثل هذا التعارض بين عقولهم وبين النصوص حكموا النصوص وألقوا ما دلتهم عليه عقولهم، جعلوا الحكم العقل، لا شك أن هذا ضلال وعليه اعتماد كثير من طوائف المبتدعة؛ أرجعوا النصوص ووزنوها بعقولهم المتأثرة بكلام أهل البدع والضلال ممن يدعون الحكماء والفلاسفة، هؤلاء ضلوا في هذا الباب ضلالاً مبيناً.
شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- له كتاب، كتاب من أعظم الكتب يقع في أحد عشر مجلداً اسمه (درء تعارض العقل والنقل) بعض النسخ يوجد عليها موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول، فلا تعارض بين العقل الصريح الذي لم تجتاله الشياطين، ولا تأثر بقواعد المخالفين لدين الإسلام، هذا من جهة.
الناحية الثانية هي أن التعارض يكون في الظاهر بين النصوص النطقية، ولذا يقول المؤلف: إذا تعارض نطقان: نعم، يقول: إذا تعارض نطقان: فهذا التعارض الظاهري يكون بين النصوص النطقية يعني القولية، فلا تعارض بين الأفعال، لا تعارض بين الأفعال، كما أفاده كلام المؤلف وجزم به جمع من أهل العلم، أيش معنى التعارض بين الأفعال؟
أن يفعل النبي -عليه الصلاة والسلام- فعلاً ويفعل ضده، يفعل شيئاً ويفعل ضده، كيف يفعل شيئاً ويفعل ضده؟ يتصور؟ كيف؟
طالب:.......
كيف يتصور أن يفعل الشيء ويفعل ضده؟
طالب:.......
نعم؟
طالب:.......
في حال منفصل، لكن أريد مثالاً يفعل فعلاً ويفعل ضده، لا تقول يفعل فعلاً ويتركه، والترك فعل، أنا أريد فعل يفعله، يوجده -عليه الصلاة والسلام- ويوجد فعلاً يضاده؟
طالب:.......
كيف؟
طالب:.......
هذا تعارض؟
طالب:.......
لا، هو يتعارض الشرب قائماً مع قول، ما يتعارض مع فعل، يتعارض مع النهي عن الشرب قائماً، يتعارض مع قول ما يتعارض مع فعل.
طالب:.......
كيف؟
قول، النهي عن الوصال.
طالب:.......
أنا أقول: أريد تعارضاً بين فعلين متضادين من النبي عليه الصلاة والسلام؟
لا يمكن؛ جمع من أهل العلم قالوا: لا يمكن.
طالب:.......
هذا تعارض؟
طالب:.......
كيف؟
طالب:.......
يعني البول قائماً هل مقتضاه النهي عن البول جالساً، والبول جالساً مقتضاه النهي عن البول قاعداً، هم يقولون: جزم جمع من أهل العلم أنه لا يتصور، إلا عند من يقول: إن الترك فعل، فقد يفعل شيئاً ويتركه أحياناً، يفعل النبي -عليه الصلاة والسلام- شيئاً على جهة التعبد ويتركه أحياناً، ويأتي فيه ما يأتي من أنه يكون تركه لبيان الجواز.
طالب:.......
هو الظاهر ما يمكن يوجد النبي -عليه الصلاة والسلام- فعلين متناقضين.
طالب:.......
مرجح عند كثير من أهل العلم بقول الصحابي:
لئن قعدنا والنبي يعمل |
| فذاك منا العمل المضلل |
هم تركوا وسموه فعلاً.
طالب:.......
طيب.
طالب:.......
هل فيه تعارض؟ يعني تعدد الحالات، تعدد الحالات تسمى تعارض؟
نعم، الصلاة من قيام، والصلاة من قعود، والصلاة على جنب، هذا تعارض؟
طالب:.......
ما تقرر المسألة إلا بقول، الذين أوردوا الخلاف والإشكال أوردوا النهي عن البول قائماً، ما يلزم كون النبي -صلى الله عليه وسلم- بال جالساً، ما فيه خلاف..
طالب:.......
هاه.
طالب:.......
لو لم يرد النهي على ضعفه ما وجد خلاف.
طالب:.......
وليس لها عموم، هو تقدم أن الفعل لا عموم له، تقدم أن الفعل لا عموم له.
إذا تعارض نطقان فلا يخلو: انتهينا من تعارض الأفعال.
إذا تعارض القول مع الفعل: لأنه يقول: عندنا المسألة مفترضة فيما إذا تعارض نطقان، قول مع قول، عرفنا أنه لا يمكن يوجد تعارض فعلين، إذا تعارض قول مع فعل، ومنه الأمثلة التي ذكرت الآن، كان يأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بأمر ويفعل بخلافه، أو ينهى عن شيء ويفعل ذلك الشيء -عليه الصلاة والسلام- هذا متصور قول مع فعل، متصور، كأن يأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بأمر ويفعل خلافه، أو ينهى عن شيء ويفعل ذلك الشيء.
وللتوفيق بين مثل هذه النصوص المتعارضة مسالك لأهل العلم منهم من يجعل الفعل صارفاً، فعل المنهي عنه يصرف النهي من التحريم إلى الكراهة، وترك المأمور به، أو فعل خلاف المأمور يصرف الأمر من الوجوب إلى الاستحباب.
إذا تعارض القول مع فعله -عليه الصلاة والسلام- منهم من يقول: يصرف الأمر من الوجوب إلى الاستحباب؛ لفعله -عليه الصلاة والسلام- ففعله دال على الجواز، ويصرف النهي من التحريم إلى الكراهة بفعله -عليه الصلاة والسلام- وفعله دال على الجواز، ويبقى النهي لكراهة التنزيه.
منهم من يسلك مسلك آخر ويحمل الفعل على الخصوصية، يقول: فعله خاص به -عليه الصلاة والسلام- والأمر والنهي عام للأمة، ولو أخذنا مثالاً: ((غطِّ فخذك؛ فإن الفخذ عورة)) [حديث جرهد].
وحديث أنس في الصحيح: "حسر النبي -عليه الصلاة والسلام- عن فخذه": يقول البخاري -رحمه الله تعالى-: حديث أنس أسند، وحديث جرهد أحوط، هل نقول: إن فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- حينما حسر عن فخذه يدل على أن النهي..، أو الأمر في قوله: ((غط فخذك)) للاستحباب لا للوجوب، وفعله يدل على الجواز؟ هذا قول، أو نقول: ((غط فخذك)) هذا بالنسبة للأمة، وكونه حسر -عليه الصلاة والسلام- وعارض فعله قوله هذا خاص به عليه الصلاة والسلام؟ الكلام ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟
طالب:.......
أيش هو؟
طالب:.......
يسلك مثل هذا لرفع مثل هذا التعارض، يعني كيف توفق بين قوله: ((غط فخذك)) والنبي -عليه الصلاة والسلام- حسر عن فخذه؟ هذا مسلك عند بعض أهل العلم، يقول: هذا خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام-.
مثله أيضاً: النهي عن استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط، مع أنه -عليه الصلاة والسلام- رآه ابن عمر قبل أن يقبض بعام مستدبراً القبلة، واختلفت أنظار أهل العلم في التوفيق بين النصوص، منهم من قال: هذا خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام- لكن التخصيص يدل على..، لا بد له من وجود مخصص، حمل هذا الأمر على الخصوص يدل على..، لا بد له من مخصص.
الأمر الثاني: لو نظرنا إلى ما عندنا من أمثلة، مثل الأمر بتغطية الفخذ، وكون النبي -عليه الصلاة والسلام- حسر عن فخذه، وكونه -عليه الصلاة والسلام- أمر الأمة أن تنزه جهة الكعبة، واستدبرها -عليه الصلاة والسلام- هل تغطية الفخذ أكمل أو كشفه أكمل؟ التغطية أكمل، نقول: كيف يطلب الكمال من الأمة، ويفعل النبي -عليه الصلاة والسلام- خلاف هذه الصفة التي هي الكمال؟
طالب:.......
لا، لا ما نقول: من غير قصد لا، لا معروف هذا؛ حسر ما بيقول: انحسر، يقول: "حسر النبي -عليه الصلاة والسلام- عن فخذه" نعم.
طالب:.......
هناك لما كان على البئر دخل أبو بكر وعمر، ثم لما دخل عثمان غطاه، استحيا منه فغطاه، المقصود أن مثل هذه المسالك يسلكها أهل العلم؛ لرفع التعارض، لكن ينبغي أن ينظر إلى مثل هذه النصوص بدقة، فلا شك أن تغطية الفخذ أكمل من كشفه، فكيف يطلب الكمال من الأمة والنبي -عليه الصلاة والسلام- أولى بكل كمال يطلب من الأمة، كيف ينهى بل يأمر باحترام جهة الكعبة ويخالف ذلك؟
النبي -عليه الصلاة والسلام- أولى من يعظم شعائر الله، كثير من أهل العلم يستروح إلى مثل هذا ويطرد، كل ما تعارض قول مع فعل قال: فعله خاص به.
عرفنا المسالك في مثل هذا التعارض؟
إما أن يكون الفعل دال على الجواز، وحينئذ يحمل الأمر على الاستحباب، والنهي على التنزيه، أو يحمل فعله على أنه خاص به في غير هذين المثالين؛ لأنه لا بد أننا ننظر إلى..، ما نسلك مسلك نرفع به تعارضاً، ونقع فيما هو أشد منه، أو نقول: إن الفعل خاص به، وأمره ونهيه موجه إلى غيره -عليه الصلاة والسلام-.
طالب:.......
في أيش؟
طالب:.......
أي مسألة؟
طالب:.......
الاستقبال وإلا..، أو الفخذ؟
طالب:.......
لا كل مسألة بعينها، يعني ما في شك أن هناك نصوص لا مانع من حملها على الخصوصية به -عليه الصلاة والسلام- لكونه إما لكون الفعل أكمل أو لكونه مساو مع الأمة، فلا مانع من أن نسلك التخصيص به -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه فعل، فعل مع نهيه، أو فعل مع أمره فيكون قوله موجه إلى غيره وفعله خاص به، هذا، لا مانع منه إذا لم يترتب عليه شيء مما ذكر.
طالب:.......
وين؟
طالب:.......
كيف؟
طالب: يعني عندما جعل الوجوب ما يمنع، أن نقدم هل على الخصوصية أو على البيان؟
نعم، يعني نرجح المسلك الأول وإلا الثاني؟ هل نقول: إن الفعل صارف والأوامر والنواهي تصرف بما هو دون الفعل عند الجمهور، يصرفون الأوامر بالعلل، بعلة الحكم يصرف الأمر من الوجوب إلى الاستحباب، والنهي من التحريم إلى الكراهة.
على كل حال كل مسألة لها ما يحتف بها من قرائن، أحياناً قد يرجح التخصيص ويمال إليه ويستروح إليه، وأحياناً يرجح الصرف.
طالب:.......
نعم. لا يمكن حمله على الخصوصية هذا، لا يمكن حمله على الخصوصية، الصرف أقرب؛ لأن التغطية أكمل من الحسر، فلا يطلب من النبي -عليه الصلاة والسلام- دون ما يطلب من الأمة في الكمالات؛ لأنه أكمل الخلق -عليه الصلاة والسلام-.
طالب:.......
أيش هو؟
طالب:.......
لا لا، كل ما يطلق عليه فخذ، يعني ما يطلق عليه فخذ يشمله النص الأول والثاني.
طالب:.......
عاد مسألة العورة في الصلاة، والعورة خارج الصلاة مسألة لا بد من التفريق بين داخل الصلاة وخارج الصلاة؛ من أهل العلم من قال: ((غط فخذك)): في الصلاة، محمول على الصلاة، ((فإن الفخذ عورة)): يعني في الصلاة، منهم من قال بذلك، كالأمر بتغطية المنكب، كالأمر بتغطية المنكب.
على كل حال المسألة تمثيل يعني، هو عندنا أمثلة وإشكالات كبيرة هنا، نعم، وعندنا في رأس المسألة يقول: إذا تعارض نطقان: مقتضى التعارض أن يختلف حكم أحدهما عن حكم الآخر، أن يختلف الحكم في أحدهما عن الآخر، لكن إذا جاء الحكم في أحد النصين موافقاً لحكم النص الآخر، يصير فيه تعارض وإلا ما فيه تعارض؟ نعم، ولو كان أحدهما عاماً والآخر خاصاً؟
طالب:.......
يعني عندنا نص عام له حكم، وجاء نص خاص له ذلك الحكم، يعني مثل ما نقول: التنصيص على بعض أفراد العام بحكم موافق لحكم العام، هل هناك تعارض؟ ما في تعارض، إذن يحمل العام على الخاص وإلا ما يحمل؟ يحمل وإلا ما يحمل؟
الحكم واحد، يحتاج إلى حمل، يبقى العام على عمومه، والخاص يندرج تحت العام في الحكم، والتنصيص عليه للعناية به والاهتمام بشأنه.
فالمسألة في مسألة التعارض، والمراد بالتعارض اختلاف الحكم، فتخرج مسألة ما إذا نص على بعض أفراد العام بحكم موافق.
يقول: فلا يخلو إما أن يكونا عامين أو خاصين: أو بينهما عموم وخصوص مطلق، أو بينهما عموم وخصوص وجهي، القسمة رباعية.
فإما أن يكونا عامين أو خاصين، أو أحدهما عاماً والآخر خاصاً: يعني عموم وخصوص مطلق، أو كل واحد منهما عاماً من وجه وخاصاً من وجه.
إذا كانا عامين أو خاصين، أو أحدهما عام والآخر خاص من وجه، يعني بينهما عموم وخصوص من وجه، أما إذا كان بينهما عموم وخصوص مطلق هذا ما فيه إشكال، نعم، يوفق بينهما بحمل العام على الخاص.
الإشكال فيما إذا كانا عامين متساويين في العموم أو خاصين متساويين في الخصوص، أو بينهما عموم وخصوص وجهي، هذا محل البحث، أما إذا كان أحدهما عام والآخر خاص ما فيه مشكلة؛ يحمل العام على الخاص.
الحالات الأربع التي أشار إليها المؤلف بقوله: فلا يخلو إما أن يكونا عامين: وهذه هي الحالة الأولى، أن يكونا عامين متساويين في العموم بأن يصدق كل واحد منهما على ما يصدق عليه الآخر، ومثاله: حديث بسرة بنت صفوان: ((من مس ذكره فليتوضأ)) [والحديث صحيح مخرج في السنن ومصحح عند أهل العلم]، مع حديث طلق بن علي -رضي الله عنه- سئل عن الرجل يمس ذكره: أعليه الوضوء؟ قال: ((لا؛ إنما هو بضعة منك)) [مخرج أيضاً في السنن وصححه جمع وحسن آخرون، فهو أقل في الرتبة من حديث بسرة].
فإن كانا عامين: فأمكن الجمع بينهما جمع، وإن لم يمكن الجمع بينهما يتوقف فيهما إن لم يعلم التاريخ، فإن علم التاريخ فينسخ المتقدم بالمتأخر.
نأتي إلى مثالنا: ((من مس ذكره فليتوضأ))، سئل عن الرجل يمس ذكره أعليه الوضوء؟ قال: ((لا)): هذا تعارض بين عامين، هل يمكن الجمع بينهما؟ هل يمكن؟ بعضهم جمع، صحيح، جمع بحمل الأمر بالوضوء على أيش؟ على أيش؟
طالب:.......
لا، على الاستحباب، والصارف لهذا الأمر من الوجوب إلى الاستحباب الحديث الثاني، الحديث الثاني حديث طلق، فإن أمكن الجمع بينهما جمع، وإن لم يمكن الجمع بينهما -شيخ الإسلام كأنه يميل إلى الجمع ويقول: إن الأمر بالوضوء على سبيل الاستحباب والصارف له حديث طلق بن علي- إن لم يمكن الجمع بينهما يتوقف فيهما.
طيب، هل نلجأ إلى التوقف لعدم إمكان الجمع قبل أن ننظر في وجوه الترجيح، وقبل أن ننظر في التاريخ؟
يتوقف فيهما إن لم يعلم التاريخ، وعلى هذا يقدم القول بالنسخ -إن علم التاريخ- على التوقف، ويقدم عليهما الترجيح إن أمكن بوجه من وجوهه الكثيرة.
الآن لو نظرنا عرفنا مسلك شيخ الإسلام وهو التوفيق بينهما بحمل الأمر على الاستحباب، نأتي إلى الترجيح، أكثر أهل..، كثير من أهل العلم -لا أقول أكثر- كثير من أهل العلم رجحوا حديث بسرة، وقالوا: هو أصح، ونص على ذلك الإمام البخاري، وهو أيضاً أحوط، يرجح من جهات: الأولى: لأنه أصح، الثانية: لأنه أحوط، والثالثة: لأنه ناقل عن البراءة الأصلية.
والثاني مقرر للبراءة الأصلية، وإذا أردنا أن نعبر بعبارة أخرى نقول: مؤسس، وحديث طلق بن علي مؤكد، أيش معنى مؤسس ومؤكد؟
حديث بسرة مؤسس لحكم جديد، وحديث طلق بن علي مؤكد لحكم البراءة الأصلية، والتأسيس عند أهل العلم أولى من التأكيد.
إن نظرنا إلى الترجيح حديث بسرة أرجح، إن نظرنا إلى الجمع فقد أمكن بصنيع شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- بحمل الأمر على الاستحباب.
ننظر آخر الأمور وهو النظر في التاريخ؛ لنقول بالنسخ، أيهما أقدم؟ أيهما أقدم؟ نعم؟
طالب:.......
لا هو هناك قرائن تدل على التاريخ، يعني طلق بن علي قدم إلى المدينة متى؟ في أول الهجرة في أول الهجرة فهو متقدم على حديث بسرة، فيكون منسوخاً بحديث بسرة.
على كل حال كل له مسلكه في التوفيق بين هذه النصوص، وكلام شيخ الإسلام يجمع الأقوال، ولا شك أن حديث بسرة أصح وأحوط.
مثل له أيضاً بحديث: ((خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)) بعد ذلك؟ نعم؟
طالب:.......
نعم، ((ويظهر فيهم السمن)) الشاهد ذم من يشهد قبل أن يُستشهد، وجاء وصفه بأنه شر الشهود، وجاء أيضاً: ((ألا أخبركم بخير الشهود، الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها)) تعارض، هذا تعارض.
جمع بينهما الأول يذم من يؤدي الشهادة قبل أن يستشهد إذا كان من له الشهادة عالم بهذه الشهادة، إذا كان صاحب الشأن -صاحب الحق- يعرف أن عندك شهادة، حينئذ لا تؤديها إلا إذا طلبت منك.
ويحمل الثاني على ما إذا لم يكن عالماً بها، وحينئذ يخشى من ضياع الحق، يخشى من ضياع الحق، إذا لم يكن صاحب الحق عالماً بالشهادة التي عندك فعليك أن تبادر بأدائها؛ لئلا يضيع الحق.
إن لم يمكن الجمع بوجه من الوجوه، ولم يمكن الترجيح، ولم نعرف المتقدم من المتأخر حينئذ يحكم بالتوقف، والتعبير بالتوقف أولى من التعبير بالتساقط، أولى من التعبير بالتساقط، يعني التساقط بين أيش؟
بين النصوص، ويمكن أن تسقط النصوص؟
لأن هذا التعارض ليس بحقيقي، ليس بحقيقي، وإنما هو فيما يظهر للمجتهد، لذا يقول ابن حجر: "لأن خفاء الترجيح إنما هو بالنسبة للمعتبر في الحال الراهنة، مع احتمال أن يظهر لغيره ما خفي عليه".
من الأمثلة: قوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [(3) سورة النساء]، مع قوله -جل وعلا-: {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [(23) سورة النساء]، فالآية الأولى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [(3) سورة النساء] بعمومها تشمل الأختين، والثانية: {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [(23) سورة النساء] بعمومها تشمل ملك اليمين، الآية الأولى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} شاملة للأختين وغيرهما، لكنها خاصة بملك اليمين، والآية الثانية: عامة في ملك اليمين والحرائر من الزوجات، لكنها خاصة بالأختين، ويمكن أن يجعل هذا المثال للصورة الأخيرة، وهو العموم والخصوص الوجهي، ولذا توقف كثير من أهل العلم للتوفيق بين هاتين الآيتين، لماذا؟ حتى قال قائلهم: أحلتهما آية وحرمتهما آية، أحلتهما: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [(3) سورة النساء]، وحرمتهما: {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [(23) سورة النساء]، وعلى كل حال يمكن يرجح التحريم؛ لأنه أحوط؛ والأبضاع الاحتياط لها مطلوب.
إن علم التاريخ نسخ المتقدم بالمتأخر -كما تقدم في مبحث الأسبوع الماضي- ومثال ذلك آيتي المصابرة، وقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها))، والعلم بالتاريخ ((كنت نهيتكم)) فافعلوا، واضح، ومثله أيضاً ما جاء في آية المصابرة {الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ} [(66) سورة الأنفال].
الحالة الثانية: أن يكون التعارض بين نطقين خاصين متساويين في الخصوص، ومثال ذلك: حديث جابر في صفة حج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه -عليه الصلاة والسلام- صلى الظهر يوم النحر بمكة، قصة جابر، قصة أو حديث جابر في صفة حج النبي -عليه الصلاة والسلام- مخرجة في الصحيح -صحيح مسلم-: "صلى الظهر يوم النحر بمكة"، وحديث ابن عمر -وهو أيضاً صحيح- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلاها بمنى، تعارَض نطقان وإلا فعلان؟
طالب:.......
صحيح، نطقان، في حديث جابر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى الظهر يوم النحر بمكة، وحديث ابن عمر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلاها بمنى، وكلاهما في الصحيح، يقول النووي: ووجه الجمع بينهما أنه -عليه الصلاة والسلام- طاف للإفاضة قبل الزوال، ثم صلى الظهر بمكة، يعني على مقتضى ما جاء في حديث جابر في أول وقتها، ثم رجع إلى منى فصلى بها الظهر مرة أخرى بأصحابه حينما سألوه ذلك.
إن لم يمكن الجمع وعلم التاريخ فالثاني ناسخ، كما في قوله -جل وعلا-: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} [(50) سورة الأحزاب]، مع قوله -جل وعلا-: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} [(52) سورة الأحزاب]، فالثانية لا شك أنها ناسخة للأولى، نعم؟
طالب:.... كلام النووي...؟
كيف؟
طالب:.......
يعني مثل ما كان معاذ يصلي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يصلي بقومه، فيه إشكال؟ فيه مشكلة؟
طالب:.......
نافلة إيه، لذا يختلفون في صلاة المفترض خلف المتنفل، يقول الناظم من الاختيارات:
وعند أبي العباس ذلك جائز |
| لفعل معاذ مع صحابة أحمد |
المقصود أن المسألة ما فيها إشكال؛ كونك تصلي فريضة، ثم تعيدها نافلة عند قومك أو معهم ما فيه إشكال، ((إذا صليتما في رحالكما))، ثم جئت والجماعة قد صلوا صلي معهم ما فيه إشكال.
إن لم يمكن الجمع ولا عرف التاريخ فالترجيح.
الترجيح: زواج النبي -عليه الصلاة والسلام- بميمونة -ميمونة بنت الحارث- في الصحيح من حديثها أن النبي -عليه الصلاة والسلام- تزوجها وهو حلال، ومن حديث أبي رافع كذلك، نعم؟ وأيش هو؟
طالب:.......
حديث ميمونة، تزوجها النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو حلال، من حديثها ومن حديث أبي رافع، لكن ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- زوجها وهو محرم، تزوجها وهو محرم" .
هنا الترجيح، رجح أهل العلم حديث ميمونة وحديث أبي رافع على حديث ابن عباس؛ لأن ميمونة صاحبة القصة -صاحبة الشأن- الإنسان يضبط ما يتعلق به أكثر من ضبطه لما يتعلق بغيره، فميمونة صاحبة الشأن لا شك أنها تضبط هذه القصة أكثر من ضبط ابن عباس، وأبو رافع كان السفير بينهما -بين النبي -عليه الصلاة والسلام- وميمونة- الرسول، سفير بينهما، ورافع سفير بينهما -يعني رسول أرسله النبي -عليه الصلاة والسلام- يخطبها- فالمقصود أنه له علاقة بالقصة، فحديث ميمونة وما يشهد له من حديث أبي رافع مرجح.
أوجه الترجيح كثيرة جداً، يعني يرجح أهل العلم أحياناً بأدنى مرجح؛ قد يحتاج إلى أدنى مرجح لماذا؟ لرفع التعارض بين النصوص، ولذا كثرت المرجحات عند أهل العلم.
الحازمي في (مقدمة الاعتبار في معرفة الناسخ والمنسوخ من الآثار)، ذكر خمسين وجهاً من وجوه الترجيح، خمسين وجهاً من وجوه الترجيح.
وأوصلها الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى- إلى المائة، لكن السيوطي حصرها في ثمانية أقسام، وجعل تحت كل قسم فروع، أقسام رئيسية؛ لتكون القسمة حاصرة يسهل يعني ضبط هذه الأقسام وهذه الأوجه بالأقسام الرئيسية، ثم ما تفرع عنها، وأحياناً نحتاج إلى الترجيح بالقشة؛ لأن الترجيح مهما كان ضعفه أولى من التوقف، على أن من أهل العلم من يستروح ويميل إلى العمل بالنصين معاً، يعمل بهذا أحياناً وبهذا أحياناً إذا خفي الترجيح، وبعضهم يتوقف، هذا إذا أمكن العمل بالنصين، أما إذا لم يمكن العمل بأن كان التعارض كلياً فإنه حينئذ لا يلجأ لمثل هذا.
إذا كان التعارض بين نطقين أحدهما عام والآخر خاص هذا ما فيه إشكال، ما في إشكال في هذه الحالة، ونؤكد على مسألة التعارض؛ لأنه قد يذكر العام ويأتي نص خاص موافق له في الحكم، هذا ما نحتاج إلى كبير عمل، ما نحتاج إلى أي عمل بالنسبة لهذا؛ لأن التنصيص على بعض أفراد العام لا يقتضي التخصيص لعدم وجود التعارض.
إذا تعارض نطقان أحدهما عام والآخر خاص، يعني عموم وخصوص كلي، حينئذ يخص العام بالخاص، ولذا يقول: وإن كان أحدهما عاماً والآخر خاصاً فيخصّ العام بالخاص: مثلوا لذلك بحديث ((فيما سقت السماء العشر))، ((فيما سقت السماء العشر)) [الحديث متفق عليه]: وهو عام في القليل والكثير مما تخرجه الأرض، يخصصه حديث: ((ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة)) [وهو أيضاً متفق عليه]
من أمثلته: قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} [(38) سورة المائدة]: السارق: جنس يطلق على من أخذ من مال غيره خفية، حتى قال بعضهم: من حرز، لا يعني أن هذا الكلام..، أن الحرز ليس بشرط، لا، شرط، لكن قال بعضهم: إن الحرز يؤخذ من لفظ السرقة، السرقة يقولون: من مفهومها الأخذ بخفية من حرز، لكن ليس من مفهومها النصاب، فالمسروق يشمل القليل والكثير، يخصصه حديث: ((لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعداً)) هذا خاص لما يبلغ النصاب.
الحالة الرابعة: وهي التي تحتاج إلى مزيد بحث وعناية وانتباه، وهي فيما إذا كان التعارض بين نصين بينهما عموم وخصوص وجهي.
يقول: وإن كان كل واحد منهما عاماً من وجه وخاصاً من وجه، فيخص عموم كل واحد منهما بخصوصربع دينار فصاعداً)) هذا خاص لما يبلغ النصاب.
الحالة الرابعة: وهي التي تحتاج إلى مزيد بحث وعناية وانتباه، وهي فيما إذا كان التعارض بين نصين بينهما عموم وخصوص وجهي.
يقول: وإن كان كل واحد منهما عاماً من وجه وخاصاً من وجه، فيخص عموم كل واحد منهما بخصوص الآخر: هذه آخر الصور، وهي أعقدها، فتحتاج إلى مزيد انتباه، نعم عرضنا لها في مناسبات كثيرة، ومثلنا لها ونظَّرنا، لكنها تحتاج إلى مزيد انتباه؛ لأنها من أعقد مسائل الأصول.
أيش يقول المؤلف؟
وإن كان كل واحد منهما عاماً من وجه وخاصاً من وجه، فيخص عموم كل واحد منهما بخصوص الآخر: عندنا في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [(234) سورة البقرة]، هذا عام في كل متوفىً عنها، سواءً كانت حاملاً أو غير حامل، سواءً كانت حاملاً أو حائلاً، لكنه خاص بالمتوفى عنها.
عموم هذه الآية في شمولها كل متوفىً عنها من حامل وحائل، وخصوص هذه الآية يكمن في كون هذه المرأة متوفىً عنها لا غير.
مع قوله -جل وعلا-: {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [(4) سورة الطلاق]، هذه الآية عامة في كل مفارقة، سواءً كان الفراق بسبب الطلاق أو الوفاة، لكنه خاص بأولات الأحمال، ظاهر ما بين النصين من التعارض؟ ظاهر ما بينهما من العموم و الخصوص؟
يعني إذا جاءك شخص قال: إن أباه توفي نعم، وترك أمه وهي حبلى، يعني لو قلت: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} في أحد بينتقدك؟ لأنك استدللت بنص قطعي بالآية، هذه متوفىً عنها يلزمها أن تتربص أربعة أشهر وعشراً، يعني لو لم يرد في الباب إلا هذه الآية، نعم، لكن للطرف الآخر أن يقول: لا يا أخي يقول الله -جل وعلا-: {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}، والآية الأولى تتناول كل متوفىً عنها، وهذه المذكورة في السؤال فرد من أفراد من توفي عنهن، كما أنها فرد من أفراد الآية الثانية -أولات الأحمال-؛ لأنها حبلى –حامل- ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟
يعني ليس استدلال من استدل بالآية الأولى أولى بالقبول ممن استدل بالآية الثانية، وهنا يكمن الصعوبة في مثل هذه الصورة.
تفضل أذِّن.
أقول: هذه المسألة تحتاج إلى مزيد انتباه؛ الآية الأولى تدل على أن كل متوفىً عنها تتربص أربعة أشهر وعشر ليال، وتشمل بعمومها الحامل وغير الحامل، لكنها خاصة بالمتوفى عنها، والآية الثانية تشمل كل مفارقة سواءً كانت بمفارقة أو طلاق، لكنها خاصة بأولات الأحمال.
هنا عموم وخصوص وجهي، ماذا يقول المؤلف؟
فيخص عموم كل واحد منهما بخصوص الآخر: يخص عموم كل واحد منهما بخصوص الآخر: أنا لا أستوعب مثل هذا الكلام، كيف يخص عموم كل واحد منهما بخصوص الآخر؟
الآن التساوي من كل وجه، التساوي من كل وجه، فإذا خصصنا عموم الآية الأولى بخصوص الآية الثانية قال لنا الطرف الآخر: لا يا أخي، لماذا لا نخصص عموم الآية الثانية بخصوص الآية الأولى؟
ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ إذن نحتاج إلى أيش؟
مرجح خارجي من غير النصين، نحتاج إلى مرجح خارجي من غير هذين النصين؛ لأننا كوننا نرجح خصوص عموم الآية الأولى بخصوص الآية الثانية والعكس ما سوينا شيئاً، ما يمكن في مثل هذا المثال الذي بين أيدينا، إذا قال لك شخص: والله هذه زوجة متوفىً عنها وحامل، لا بد أن تمكث أربعة أشهر وعشراً؛ لأن الآية الأولى تدل على ذلك، هي متوفىً عنها لا بد أن تمكث أربعة أشهر وعشراً، يقول لك الثاني: لا، هذه ذات حمل، والله -سبحانه وتعالى- يقول: {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}: هذا خاص بذوات الأحمال، نقول: فيه عموم من وجه آخر، وهو أنه شامل للمتوفى عنها والمطلقات.
إذن نحتاج إلى مرجح خارجي، يعني لوجود مثل هذا التعارض قال بعضهم: المتوفى عنها الحامل تعتد بأيش؟
بأقصى الأجلين؛ لتخرج من العدة بيقين، يعني لو بعد شهر ولدت تخرج من العدة؟
على هذا الكلام ما تخرج حتى تمكث أربعة أشهر وعشراً، إذا ولدت بعد سبعة أشهر تخرج من العدة إذا أكملت أربعة أشهر وعشراً؟
لا، حتى تضع الحمل؛ قيل بذلك، ثم ارتفع هذا الخلاف وأجمع أهل العلم على أن الحامل المتوفى عنها تخرج من العدة بأيش؟ بوضع الحمل؛ والمرجح حديث سبيعة، حديث سبيعة الأسلمية -وهو في الصحيحين- حديث سبيعة الأسلمية أنها كانت تحت سعد بن خولة، وهو من بني عامر بن لؤي، وكان ممن شهد بدراً فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته -يعني بيسير- فلما تعلت من نفاسها تجملت للخُطَّاب، فدخل عليها أبو السنابل ابن بعكك -رجل من بني عبد الدار- فقال لها: ما لي أراك متجملة، لعلك ترجين للنكاح، والله ما أنت بناكح حتى يمر عليك أربعة أشهر وعشراً، قالت سبيعة: "فلما قال لي ذلك، جمعت عليّ ثيابي حين أمسيت، فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسألته عن ذلك، فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي، وأمرني بالتزويج إن بدا لي"، هذا مرجح لأيش؟
لكون الحامل المتوفى عنها كالمطلقة، فتخرج من عموم: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} لهذا الحديث الخاص، فاحتجنا إلى مرجح خارجي.
يقول ابن دقيق العيد -وهذا الكتاب الذي يشرح فيه ابن دقيق العيد العمدة خير ما يتمرن عليه طالب العلم في ربط الفروع بالأصول -يعني هذا الكتاب -صحيح فيه صعوبة، الكتاب فيه صعوبة، لكن فائدته عظمى، يعني الذي ينفق عليه وقتاً طويلاً ويفهمه، يستفيد فائدة لا تقدر؛ فيه كلام لا يوجد في المطولات، حواشي الصنعاني عليه أيضاً نافعة، لكن العبرة بكلام ابن دقيق العيد- اسمعوا ما يقول ابن دقيق العيد: في الحديث دليل على أن الحامل تنقضي عدتها بوضع الحمل أي وقت كان، وهو مذهب فقهاء الأمصار، وقال بعضهم من المتقدمين: إن عدتها أقصى الأجلين، فإن تقدم وضع الحمل على تمام أربعة أشهر وعشراً انتظرت تمامها، وإن تقدمت الأربعة الأشهر والعشر على وضع الحمل انتظرت وضع الحمل، وقيل: إن بعض المتأخرين من المالكية: اختار هذا المذهب، وهو سحنون.
وسبب الخلاف: تعارض عموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ} الآية، مع قوله تعالى: {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}؛ فإن كل واحدة من الآيتين عام من وجه، وخاص من وجه، فالآية الأولى: عامة في المتوفى عنهن أزواجهن، سواء كن حوامل أم لا، والثانية: عامة في أولات الأحمال، سواء كن متوفى عنهن أم لا.
ولعل هذا التعارض هو السبب لاختيار من اختار أقصى الأجلين؛ لعدم ترجيح أحدهما على الآخر: لا يمكن الترجيح، وذلك يوجب أن لا يرفع تحريم العدة السابق إلا بيقين الحل، وذلك بأقصى الأجلين، غير أن فقهاء الأمصار اعتمدوا على هذا الحديث -حديث سبيعة- يعني فجعلوه مرجحاً؛ فإنه تخصيص لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ} مع ظهور المعنى في حصول البراءة بوضع الحمل. [هذا كلامه في هذه المسألة وهو ظاهر].
نأتي إلى مسائل أخرى تزيد هذه الصورة وضوحاً، تزيد هذه الصورة وضوحاً، وإن كنا بسطناها في مواضع، لكن ما يمنع أننا نعيدها للمناسبة: عندنا أحاديث النهي عن الصلاة في الأوقات الخمسة -وأنا أعرف أن بعض الإخوان يملّ مثل هذا الكلام لكثرة ما أعدناه في مناسبات كثيرة؛ يرد في الفقه ويرد في الحديث، ويرد في كل كتاب من كتب السنة، ويرد في مثل هذا الموضع، لكن هذه مناسبته- أحاديث النهي عن الصلاة في الأوقات الخمسة، مع ما جاء فيما يخص ذوات الأسباب.
أحاديث النهي: منها حديث عقبة بن عامر: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا"، فذكر الأوقات الثلاثة المضيقة: "حينما تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس، وحين تتضيف الشمس للغروب حتى تغرب"، هذه ثلاثة أوقات، مع النهي عن الصلاة بعد طلوع الصبح إلى طلوع الشمس، وبعد صلاة العصر إلى أن تتضيف الشمس للغروب، فالأوقات خمسة، مثل هذه الأحاديث التي تنهى عن الصلاة في هذه الأوقات معارض بمثل قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) وهناك أحاديث أخرى فيها الصلاة في هذه الأوقات.
أحاديث النهي فيها عموم وفيها خصوص، أحاديث ذوات الأسباب، ونمثلها بتحية المسجد فيها عموم وخصوص، عموم وخصوص وجهي، أحاديث النهي عامة في جميع الصلوات، خاصة في هذه الأوقات، أحاديث ذوات الأسباب عمومها في الأوقات، خصوصها في الصلوات.
الأئمة الثلاثة -أبو حنيفة ومالك وأحمد- مذهب المالكية والحنفية والحنابلة عملوا بأحاديث النهي، ومنعوا من التطوع في هذه الأوقات مهما كان سبب الحمل على ذلك –وأقول: التطوع؛ لأن الفرض خارج من الخلاف- الشافعية في مقابل الثلاثة عملوا بخصوص أحاديث ذوات الأسباب في مقابل عموم أحاديث النهي، فإذا قال الحنفي أو المالكي أو الحنبلي: أحاديث النهي خاصة، وأحاديث ذوات الأسباب عامة -وله أن يقول ذلك؛ لأن فيها عموم وخصوص- يقول له الطرف الأخر: أحاديث ذوات الأسباب خاصة، يعني في هذه الصلوات، وهي عامة في الأوقات، فليس قبول قول أحدهما بأولى بالقبول من قول الآخر؛ هما قولان متكافئان من كل وجه من حيث النصوص، العموم والخصوص وجهي، ظاهر التعارض و إلا ما هو بظاهر؟ ظاهر؟
يعني للحنفي أو الحنبلي أو المالكي أن يقول: أحاديث ذوات الأسباب عامة، وأحاديث النهي خاصة، وكلامه صحيح؛ أحاديث ذوات الأسباب عامة في الأوقات، وأحاديث النهي خاصة في هذه الأوقات، للطرف الآخر –الشافعي- يقول: العكس أحاديث النهي عامة في جميع الصلوات، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة بهذه الصلوات، وليس قول أحدهما بأولى بالقبول من الآخر، وعرفنا السبب أن العموم والخصوص وجهي، وبهذا نعرف أن من يتعرض لبحث هذه المسألة ويقول: عموم وخصوص، والخاص مقدم على العام، ويأتي يتنفل في أي وقت هذا كلام فيه ما فيه.
أقول: في الطرفين عموم وخصوص، ولا يمكن التوفيق بين هذه النصوص إلا بمرجح خارجي، يعني إذا أردنا أن نسلك ما قاله المؤلف، نخصص عموم أحدهما بخصوص الآخر، كيف نخصص عموم أحدهما؟ يمكن؟ ما يمكن، إذن لا بد من مرجح خارجي، هناك في المسألة الأولى طلبنا مرجحاً خارجياً فوجدنا حديث سبيعة.
هنا نحتاج إلى مرجح خارجي، الذين يمنعون من إيقاع النوافل في هذه الأوقات ولو كانت ذوات أسباب يقولون: الحظر مقدم على الإباحة، أنت أمرت بالصلاة إذا دخلت المسجد، لكن من الذي نهاك عن الصلاة في هذه الأوقات؟ أليس هو الذي أمرك؟
يقولون: الحظر مقدم على الإباحة، لا شك أن النهي ويلتحق به قواعد: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فعلى هذا نترك المحظور، وإن ترتب عليه ترك مأمور؛ لأنه في الحديث الصحيح: ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه))، فلا شك أن القائل: بأن الحظر مقدم على الإباحة يوافق عليه الشافعية، وبهذا يرجح قول الأئمة الثلاثة، وهو أن الداخل إلى المسجد لا يتنفل في الأوقات الخمسة، من هذه الحيثية رجحوا بهذا بالقاعدة، بالمقابل للشافعية أن يقولوا -أن يرجحوا قولهم بقواعد أخرى- يقولون: العموم المحفوظ أولى من العموم الذي دخله الخصوص، فالعموم المحفوظ أقوى؛ لأن العموم يضعف بقدر ما يدخله من المخصصات، وعموم أحاديث ذوات الأسباب محفوظ وإن دخله خصوص أحاديث النهي، يعني نستحضر خصوص أحاديث النهي وأنه دخل عموم أحاديث ذوات الأسباب، لكن ما دخل عموم أحاديث النهي من المخصصات أكثر مما دخل عموم أحاديث ذوات الأسباب من المخصصات، فعلى هذا يبقى عموم أحاديث ذوات الأسباب أقوى من عموم أحاديث النهي، وبهذا يرجح الشافعية مذهبهم.
وما زالت المسألة من عضل المسائل، حتى قال جمع من أهل العلم: لا تدخل المسجد في أوقات النهي؛ لئلا تقع في الحرج؛ لأنك إن صليت عارضت حديث النهي، وحديث النهي صحيح، وإن جلست عارضت الأمر..، أو النهي عن الجلوس حتى تصلي ركعتين.
قال بعضهم: لا تدخل في أوقات النهي؛ دفعاً لهذا الحرج، وبعضهم قال: ادخل لكن لا تجلس، المسألة من عضل المسائل فيما قرره أهل العلم، ليست من السهولة بمكان بحيث يدخل الإنسان قبل غروب الشمس بخمس دقائق ويتنفل، ونفسه تطيب بهذا ومرتاح وما كأنه خالف شيئاً، بعض أهل العلم يقول: لا تدخل في هذا الوقت؛ منعاً للحرج، وبعضهم يقول: إذا دخلت لا تجلس.
قول الظاهرية في هذا غير معتبر؛ لأنهم يقولون: إذا دخلت اضطجع، فما تصير جلست ولا صليت في وقت النهي، لكنه لائق بمذهبهم.
على كل حال نعود إلى المسألة وهي تحتاج إلى مزيد مرجحات، والمرجح مع من يعمل بأحاديث النهي، وهم الجمهور، ويمنعون من الصلاة في أوقات النهي.
المرجِّح عرفناه، أن الحظر مقدم على الإباحة، أن تأتي بصلاة، صحيح أنك أمرت بها، لكن من الذي نهاك عن الصلاة في هذه الأوقات؟ هو الذي أمرك، والنهي أقوى من الأمر عند أهل العلم، ودليله كما ذكرنا: ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم))، أنا لا أستطيع أن أصلي في وقت النهي؛ لأني منهي عن الصلاة في هذا الوقت، ((وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) ما في مثناوية.
للقول..، لمن يقول بالقول الآخر مرجحه، وهو قول معتبر عند أهل العلم، لكن ليس من السهولة بمكان أن يدخل الإنسان في أي وقت يتنفل ونفسه تطيب بذلك ومرتاح، لا.
والذي أرجحه أن أوقات النهي الموسعة الأمر فيه سعة، يعني إذا دخلت بعد صلاة الصبح تنفل، دخلت بعد صلاة العصر تنفل؛ لأنك مأمور بأن تتنفل، صحيح أنك منهي، لكن ليس مثل النهي عن الصلاة في الأوقات المضيقة؛ لأن النهي عن الصلاة في الأوقات الموسعة قرر أهل العلم كابن عبد البر وابن رجب وغيرهم أن النهي عن الصلاة في الوقتين الموسعين، نعم؛ لئلا يسترسل الإنسان فيصلي في الأوقات المضيقة، فالنهي عن الصلاة فيها من باب منع الوسائل، والنهي عن الصلاة في الأوقات المضيقة الثلاثة، وهي أشد، النهي فيها أشد؛ لأن النهي فيها عن الصلاة وعن الدفن -دفن الأموات- بينما الوقتين الموسعين الأمر فيهما أوسع؛ وقد أقر النبي -عليه الصلاة والسلام- من قضى راتبة الصبح بعد صلاة الصبح، مع أنه وقت نهي.
وقضى النبي -عليه الصلاة والسلام- راتبة الظهر بعد صلاة العصر، فدل على أن الأمر فيه أوسع، بينما إذا طلعت الشمس بازغة حتى ترتفع هذا وقت ذروة بالنسبة للنهي، حين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول أيضاً وقت ذروة، ومثله حين تتضيف الشمس للغروب، وهي أوقات قصيرة، يعني لا تزيد على ربع ساعة في المواطن الثلاثة، يعني الإنسان يتحرى في هذه الأوقات ولا يصلي.
من صور هذه المسألة أو من أمثلة هذه الصورة الرابعة: ((من بدل دينه فاقتلوه)) ((من بدل دينه فاقتلوه)) مع ما جاء في النهي عن قتل النساء والذرية، ((من بدل دينه فاقتلوه)) عام في الرجال والنساء؛ لأن (من) من صيغ العموم، ((من بدل دينه فاقتلوه)) عام في الرجال والنساء، خاص بمن؟ بالمرتد، خاص بالمرتد، فعمومه في الذكور والإناث، وخصوصه بالمرتدين، والنهي عن قتل النساء، عمومه في المرتدات والكوافر الأصليات، فهو عام من هذه الحيثية وخصوصه في النساء دون الرجال.
يعني إذا قال قائل: هذه امرأة مرتدة، قال: تقتل؛ ((من بدل دينه فاقتلوه)) يرد عليه بالنهي عن قتل النساء، النهي عن قتل النساء، من قال: تقتل معه دليل؛ معه عموم حديث ((من بدل دينه فاقتلوه)) ومن قال: لا تقتل معه عموم حديث النهي عن قتل النساء.
لكن خصوص ((من بدل دينه)) يتناول هذه المرأة التي ارتدت وإلا لا؟ وعموم النص الثاني النهي عن قتل النساء يتناولها أيضاً فلا تقتل، فهناك عموم وخصوص وجهي.
إذن نحتاج إلى مرجح خارجي، كيف نأتي بمرجح خارجي؟
نقول: مثل ما قلنا سابقاً: إن العموم المحفوظ أولى وأقوى من العموم المخصوص، النهي عن قتل النساء عمومه محفوظ وإلا مخصوص؟ مخصوص بأشياء كثيرة؛ المرأة إذا قتلت تقتل وإلا ما تقتل؟ تقتل مع إمكان دخولها في النهي عن قتل النساء.
المرأة المحصنة إذا زنت ترجم وإلا ما ترجم؟ ترجم مع إمكان دخولها في عموم النهي عن قتل النساء، فعموم النهي عن قتل النساء مخصوص؛ دخله مخصصات، فضعف في مقابل عموم النهي عن قتل النساء، وضعف عن عموم..، صار أضعف من عموم حديث: ((من بدل دينه فاقتلوه)) وعلى هذا تقتل المرتدة وهو قول الجمهور، خلافاً للحنفية.
كم باقي على الإقامة؟
طالب:.......
والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"