شرح متن الورقات في أصول الفقه (20)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
وأما الحظر والإباحة فمن الناس من يقول: إن الأشياء على الحظر، إلا ما أباحته الشريعة، فإن لم يوجد في الشريعة ما يدل على الإباحة فيستمسك بالأصل وهو الحظر، ومن الناس من يقولُ بضده، وهو أن الأصل في الأشياء الإباحة إلا ما حظره الشرع، ومعنى استصحاب الحال: أن يستصحب الأصل عند عدم الدليل الشرعي.
وأما الأدلة فيقدم الجلي منها على الخفي، والموجب للعلم على الموجب للظن، والنطق على القياس، والقياس الجلي على الخفي، فإن وجد في النطق ما يغير الأصل وإلا فيستصحب الحال.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: درس اليوم في مسألتين:
أولاهما: الأصل في الأعيان المنتفع بها قبل ورود الشرع، الأعيان المنتفع بها قبل ورود الشرع.
المسألة الثانية: في تعارض الأدلة، فيما إذا وجد الإنسان عيناً يمكن أن ينتفع بها، ولم يجد فيها نصاً يدل على إباحتها، ولا نصاً يدل على منعها، فهل ينتفع بها؛ بناءً على أن الأصل هو الإباحة، حتى يجد دليلاً على المنع، أو يكف عنها بناءً على أن الأصل المنع، والحظر حتى يجد دليل الإباحة.
هذه مسألة خلافية بين أهل العلم، والخلاف فيها طويل، من العلماء من يقول: لا حلال إلا ما أحله الله، ومنهم من يقول: لا حرام إلا ما حرمه الله.
المؤلف -رحمه الله تعالى- لما ذكر هذه المسألة، فقال: وأما الحظر والإباحة فمن الناس من يقول أن الأشياء على الحظر إلا ما أباحته الشريعة: يعني ممنوع أن تتصرف في ملك الغير إلا بإذنه، وما خلقه الله -عز وجل- ملكٌ له، فلا يجوز أن تتصرف فيه إلا بإذنه، فأنت ممنوع من استعماله حتى تجد الدليل الذي يدل على إباحة استعماله، فإن لم يوجد في الشريعة ما يدل على الإباحة يتمسك بالأصل وهو الحظر، هذا قول.
ومن الناس -وهذا القول الثاني- من يقول بضده، وهو أن الأصل في الأشياء على الإباحة إلا ما حظره الشرع: فمن العلماء من يقول: إن الأشياء بعد البعثة موصوفة بالحظر كما كانت قبل البعثة محرمة، وذكرنا دليل هذا القول، وهو أن الفعل والانتفاع بهذه الأعيان تصرّف في ملك الله -عز وجل- بغير إذنه؛ إذ جميع ما على وجه الأرض مما يمكن أن ينتفع به هو ملك لله -عز وجل-، والتصرف في ملك الغير بغير إذنه لا يجوز، فممنوع أن تنتفع بشي من ملك غيرك إلا بإذنه.
القول الثاني: وهو أن الأصل في الأشياء على الإباحة، يعني أنه مأذون فيها إذناً عاماً مع عدم الحرج، ودليل ذلك أن الله تعالى خلق العبد، وخلق له ما ينتفع به، خلق العبد، يعني لو قلنا: لا ينتفع بشيء حتى يجد دليلاً يدل على إباحته، ماذا عن حكم الأشياء بعد البعثة مباشرة، وقبل صدور الأدلة التي تدل على إباحة هذه الأعيان، يعني هل ينتظر الناس الذين تدينوا بهذا الدين، وتبعوا النبي -عليه الصلاة والسلام- حتى يوجد ما يبيح لهم الانتفاع بهذه الأعيان؟
الله -سبحانه وتعالى- لما خلقهم وخلق لهم ما ينتفعون به، دل ذلك على إباحته لهم، إذ لو لم يَُح لهم، لكان خلقه -جل وعلا- إياها عبثاً، أي خالياً عن الحكمة، يعني لماذا خلقت هذه الأشياء التي يمكن أن ينتفع بها؟ لينتفع بها.
ومن أهل العلم من قال بالتوقف، يعني الأدلة متكافئة، أيش الفرق بين القول بالوقف والتوقف، وهل المتوقف قائل؟ يعني من توقف في بيان حكم مسألة ما، هل يمكن أن يدرج قوله في أقوال أهل العلم الذين لهم قول في هذه المسألة؟
نعم، هم يذكرون: القول الثالث التوقف في كثير من المسائل، يذكرون الأقوال المتقابلة، ويذكرون أدلتها، وقيل بالوقف، سبق لنا مسألة اللغات ومبدأ اللغات ما كانت توقيفية أو كانت توقيفية أو توفيقية، أو تلفيقية، ورابعها التوقف،رابع الأقوال، وهنا ثالثها التوقف.
من الأئمة من يقول: إن الأصل في الأعيان الحضر، الملك لله -عز وجل- لا يجوز أن ترتفع إلا بإذنه، ولا ورد الإذن، وهذا دليله ظاهر.
القول الثاني: دليله أيضاً -وهو القول أن الأصل في الأشياء المنتفع بها الإباحة- دليله أيضاً ظاهر، خلق هذه الأمور، وذكرها على سبيل الامتنان من الله -عز وجل- وأن الله امتن بها، {خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} [(29) سورة البقرة]، دل على أنه ينتفع بها، حتى يرد دليل المنع.
والثالث: التوقف؛ لأن دليل الفريقين متكافئ، أدلة الفريقين متكافئة.
الآن المسألة متصورة؟ دعنا من مسألة الضرورة، الضرورة لها حكمها، اضطر إلى أكل حشيش يأكل، مضطر، نعم، وجد شيئاً ضاراً لا يجوز له أكله، وجد شيئاً متساوي الطرفين لا يضر ولا ينفع، وأراد يجرب، لو قال قائل: يا أخي وأيش الفرق بين البرسيم -علف الأغنام- نعم، وبين الخس، أيش الفرق بينهن، أنت تأكل خس ولا تأكل برسيم، ليش ما نأكل برسيم؟ تقول له حرام وإلا حلال؟ وأيش تقول؟
نعم، ما يضر، مثل الخس، ويش تقول له، حلال وإلا حرام؟ ليش ما تشتهيه، والله الناس يشتهونه، وأيش المانع؟ يعني مسألة تعارفنا على أننا ما نأكله وصرنا ما نشتهيه، وعرفنا أنه طعام للدواب وتركناه من أجل هذا، نعم، يقول: والله أنا جائز لي البسه ما هو جائر لي أطعمه وأيش المانع، باكل، أبش تقول له: حرام وإلا حلال؟ أنت ما عندك دليل لا يبيح ولا يحرم، كل على أصله في المسألة.
من يقول: إن الأصل المنع يمتنع حتى يجد دليلاً يبيح، من يقول الأصل: الإباحة يأكل حتى يجد دليلاً يدل على الإباحة.
طالب:.......
أنت وأيش يدريك أن ما عندهم دليل.....
طالب:.......
أنت إذا اعتقدت هذا القول لا تأكله إلا بدليل، إذا اعتقدت هذا القول واعتمدته لا تأكل غلاً بدليل أو تقليد، تقلد من تبرأ الذمة بتقليده.
أظن أن المسألة ظاهرة، وذكرت لكم سابقاً أن واحداً علق على كتاب في هذه المسألة قال: كالحشيش، المؤلف مثل بالحشيش، والمعلق تكلم في أربع صفحات ينقل ما جاء في كتب أهل العلم عن الحشيش وأنها مسكرة، وأنها حرام إجماعاً، وأنها..، نعم، وهو قصده حشيش البَر، طالع رحلة وجاز له..، نوع من أنواع الحشائش يأكل وإلا ما يأكل؟ افترض أن نفعها مضمون لكن ما تضر قطعاً يأكل وإلا ما يأكل؟
كل على أصله في هذه المسألة، نعم الورع، الورع كونك ما تدخل في جوفك إلا شيئاً تجزم بحله، هذا شيء، نعم، هذا أمر ثاني، يعني الورع حمل كثير من السلف أن يتركوا المباح خشية أن يقعوا في المحظور، فضلاً عن المختلف فيه.
أقول: ومثاله ما يوجد على ظهر الأرض من نباتات مما لا ضرر فيه، هل يباح أكله قبل الوقوف على دليل يبيحه؟ أو يمتنع من أكله حتى يوجد دليل على الإباحة؟ وكل على أصله، والمختار يعني من باب التوسعة، ويسر الدين وسماحته، صار عند جمع من أهل العلم -وهم الأكثر- أن الأصل فيما ينتفع به والأشياء النافعة الجواز؛ لقوله تعالى: {خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} [(29) سورة البقرة]، وهذا ذكره الله -جل وعلا- في معرض الامتنان، ولا يمتن إلا بجائز.
وأما بالنسبة لما يضر، فالأصل فيها التحريم لعموم حديث: ((لا ضرر ولا ضرار))، لعموم: ((لا ضرر ولا ضرار))، وأظن كررنا مراراً التمثيل بالسقنقور، نعم، مثلنا به مراراً، فلا داعي لتكراره.
المقصود أن المسألة واضحة ومتصورة، فلا أحد يمنعك من أن تأكل ما لا يضر، ولو لم تجد دليلاً يدل على إباحته، ما لم يكن ضاراً، أو يكون داخلاً في عموم ما ينهى عنه، نعم.
طالب:.......
حتى بعد البعثة، لكن بعد البعثة، بعد البعثة قبل ورود الدليل الذي يدل عليه.
طالب: لكن بعد ثبوت الأدلة المفيدة أن الأصل الإباحة، هل هناك من قال......؟
إيه إيه، الأصل في الأعيان المنتفع بها بعد ورود الشرع، كل على أصله، تدري أن بعض الناس يقعد قواعد في الأطعمة، الأصل الإباحة، بعضهم يقول: الأصل المنع، نعم، عندهم يختلفون فيها، ولذا يقول بعضهم: لا حرام ما حرمه الله، ومنهم من يقول: لا حلال إلا ما أباحه الله.
هنا يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:
لا حكم قبل بعثة الرسول
|
|
بل بعدها بمقتضى الدليل
|
قيل القول الثالث هذا الأخير: أن الأصل فيما ينفع والأصل فيما يضر، معروف أن الأصل، الخلاف في المسألة في الأعيان المنتفع بها، الأعيان المنتفع بها، ولا يمكن أن ينتفع فيما يضر.
طالب:.......
كل على..، أما بالنسبة للعبادات فهي توقيفية، العبادات توقيفية، لا يجوز لأحد أن يعمل شيئاً إلا بمقتضى الدليل مما يتعبد به لله -عز وجل-، وألا يعبد الله إلا بما شرع، وألا يعبد الله إلا بما شرع، العبادات مفروغ منها، ولذا لا تدخلها الأقيسة، فالعبادات توقيفية.
بالنسبة للمعاملات والمناكحات وغيرها من أبواب الدين والأطعمة هذه محل الخلاف.
الاستصحاب الذي أشار إليه المؤلف، معنى الاستصحاب أن يستصحب الأصل عند عدم الدليل الشرعي: فالاستصحاب: السين والتاء للطلب، المقصود به طلب الصحبة، كالاستشفاء، طلب الشفاء، والاسترقاء، طلب الرقية، والاستسقاء، طلب السقيا، معناه أن يستصحب الأصل عند عدم الدليل الشرعي: هذا تعريف المؤلف.
وفي إرشاد الفحول معناه: أن ما ثبت في الزمن الماضي فالأصل بقاؤه في الزمن المستقبل، مأخوذ من المصاحبة، وهو بقاء ذلك الأمر ما لم يوجد ما يغيِّرُه، أن ما ثبت في الزمن الماضي فالأصل بقاؤه في الزمن المستقبل، قوله: مأخوذ من المصاحبة، وهو بقاء ذلك الأمر ما لم يوجد ما يغيِّرُه.
إذا لم يجد المجتهد بعد البحث والتحري دليلاً على وجوب شيء أو عدم وجوبه، ذكر له أو سمع شيئاً من فضائل رجب، أو ليلة النصف من شعبان، نعم، فأراد أن يصوم رجب، فبحث في الأدلة فلم يجد ما يدل على وجوب صوم رجب مثلاً، فيستصحب هذا الأصل؛ لأن الأصل عدم وجوب صومه.
أراد أن يصلي صلاة سادسة، فبحث عن دليل ما وجد؛ لأن الواجبات -الصلاة الواجبة- الصلوات الخمس، هل عليَّ غيرها؟ قال: ((لا، إلا أن تتطوع)) ما وجد ما يدل على وجوب صلاة سادسة، فلا يجب سوى الصلوات الخمس، كما في حديث ضمام: "هل عليَّ غيرها؟"، قال: ((لا، إلا أن تتطوع)).
طيب، صلاة العيد، صلاة الوتر -عند من يقول بوجوبهما- وجدوا أدلة توجبها، فأنت إذا لم تجد دليلاً تستصحب هذا الأصل، وهو أنه لا شرع إلا ما شرعه الله -عز وجل- يعني في العبادات، لا يتعبد الله إلا بما شرع، فتستصحب هذا الأصل، فإذا قال لك قائل: نصوم رجب على سبيل الوجوب والإلزام، نقوم ليلة النصف من شعبان، نقول: هات الدليل؛ نستصحب بالعدم، نستصحب العدم -عدم الدليل- الأصل العدم فنستصحبه حتى نقف على دليل.
والاستصحاب من الأدلة التي اختُلِف فيها، العلماء اختلفوا في الاستصحاب هل هو حجة عند عدم الدليل؟ فمنهم من قال: حجة، وهذا قول الحنابلة والمالكية وأكثر الشافعية، سواء كان في النفي أو في الإثبات، وحكاه ابن الحاجب عن الأكثر.
إذا نفى أمراً ثابتاً لك أن تطالبه بالدليل، وإذا أثبت أمراً -ولو لم يرد نفيه- فلك أن تطالبه بالدليل.
القول الثاني: أنه ليس بحجة، وإليه ذهب أكثر الحنفية والمتكلمين؛ لأن الثبوت في الزمان الأول يفتقر إلى الدليل، فكذلك في الزمان الثاني؛ لأنه يجوز أن يكون وأن لا يكون، وهذا خاص بالشرعيات، أيش معنى هذا الكلام؟
أكثر الحنفية يقولون: الثبوت في الزمان الأول، على أن الاستصحاب ليس بحجة، يحتاج إلى دليل، صلاة الخوف مثلاً، في عهده -عليه الصلاة والسلام- صلاها النبي -عليه الصلاة والسلام- في..، على ستة أوجه أو سبعة، كلها ثابتة، ونحن نستصحب هذا الأصل ونصليها بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام- إلى قيام الساعة؛ لأنها ثبتت بدليل لم يثبت نفيه، وصلاها الصحابة بعده، دليل على أن الحكم ليس خاصاً به، نعم، ليس خاصاً به، فإذا قال محمد بن الحسن، أو أبو يوسف: صلاة الخوف خاصة بالنبي -عليه الصلاة والسلام- نقول: نحن نستصحب الأصل، وهو فعل صلاة الخوف في عصره -عليه الصلاة والسلام- وفعل الصحابة بعده، قالوا: لا، صلاة الخوف ثبتت في حقه -عليه الصلاة والسلام- {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ} [(102) سورة النساء]، ونحن نحتاج إلى دليل كما ثبت الدليل في حقه، نحتاج إلى دليل، نقول: أيضاً نحتاج إلى دليل في مثل قوله -عليه الصلاة والسلام-، في قوله -جل وعلا-: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [(103) سورة التوبة]؛ هذا خطاب للنبي -عليه الصلاة والسلام- وهو خطاب لأمته من بعده عند الجماهير، بل لا أعرف من خالف في هذا بخلاف صلاة الخوف، إذن لا بد من ثبوت دليل يتناول الأمة، الخطاب للنبي -عليه الصلاة والسلام- خطاب لأمته ما لم يرد دليل يدل على التخصيص، عرفنا كلامهم في القول الثاني أنه ليس بحجة؟
ثبت في الزمن الأول، ثبوته في الزمن الأول افتقر إلى دليل، صلاة الخوف في عهده -عليه الصلاة والسلام- ثبتت بدليل {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ}، بدليل أنه قبل ذلك قبل أن يرد هذا الدليل، الصلوات الخمس في يوم الخندق جمعت بعد غروب الشمس؛ لأنه لم يرد دليل، فورد الدليل للنبي -عليه الصلاة والسلام- {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ}، صلاها على أوجه، فالزمان الأول احتاج إلى دليل، إذن الزمان الثاني يحتاج إلى دليل، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ نعم، أما أصحاب القول الأول يقولون: خلاص ثبت الدليل، هذا فيما يراد نفيه.
أما ما يراد إثباته، فإن ثبت الدليل المثبت في حق النبي -عليه الصلاة والسلام- فالأصل الاقتداء والائتساء، إن لم يرد دليل من فعله، وقد ورد دليل من قوله عملنا بالدليل القولي؛ لأنه أعم، والفعل لا عموم له.
لو قال قائل: إن العمرة في رمضان ليست بمشروعة؛ بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يعتمر في رمضان، نعم، ماذا نقول؟
نقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- حث على العمرة في رمضان، وقال: ((إنها تعدل حجة))، كونه ما اعتمر لعارض رحمة بأمته، شفقة عليها، عدم تمكنه -عليه الصلاة والسلام- من ذلك، شيء آخر، لكن الدليل القولي يتناول النبي -عليه الصلاة والسلام- ويتناول الأمة، لكن كونه ما فعل لا يعني أنه ليس بمشروع.
صوم عشر ذي الحجة: بعض من كتب يقول: هذا من الأخطاء، من أخطاء الناس في عشر ذي الحجة الصيام؛ لأنه ثبت من حديث عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما كان يصوم العشر، نقول: أيضاً ثبت من حديث بعض أزواجه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يصوم تسع ذي الحجة، فإذا اعتضد هذا بالحث على العمل الصالح في هذه الأيام، ((ما من أيام العمل الصالح فيهن خير وأحب إلى الله من هذه الأيام العشر))، وثبت أيضاً: أن الصيام من أفضل الأعمال؛ ((من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً))، إذا انظم هذا إلى هذا قلنا: إن صيام تسع ذي الحجة مشروع، بل من أفضل الأعمال؛ لأنه عمل فاضل، عمل صالح، ((ما من أيام العمل الصالح))، وهذا عمل صالح، كونه -عليه الصلاة والسلام- ما صام كما في حديث عائشة، أو صام في حديث بعض أزواجه -عليه الصلاة والسلام-، كونه ما صام لا يعني أنه أن الصيام غير مشروع، مثل كونه لم يعتمر في رمضان، إذن هذه أمور واضحة.
منهم من يقول: إن الاستصحاب يصلح أن يكون مرجحاً يرجح به إذا تكافأت الأدلة في مسألة ما، فيستصحب الأصل، يعني وجدنا أدلة تدل على المنع، وأدلة تدل على الإباحة، نرجح بالاستصحاب؛ لأن الأصل أنه دليل وإن كان مختلفاً فيه، فهو من ضمن ما يدعم القول بالإباحة، قال به قوم.
ومنهم من عكس، من قال: يرجح الناقل عن الأصل، يرجح الناقل عن الأصل، ليش يرجح الناقل عن الأصل؟
وجدنا دليلاً يدل على الإباحة، والأصل الإباحة، اعتضد هذا الدليل بالأصل، وجدنا دليلاً ينقل عن هذه الإباحة -عن هذا الأصل- فهل نقول: نؤيد الدليل المبقي على الأصل بالاستصحاب؟ أو نقول: لا نعمل بالدليل الناقل عن الأصل، وهذا الدليل الموافق للأصل كان في أول الأمر، وإلا لزم على ذلك النسخ مرتين، نصير نقلنا عن الأصل، ثم نسخنا هذا الناقل، لكن كوننا نقول: إن هذا المبقي للأصل في أول الأمر، بناءً على أن الأصل الإباحة، ثم جاء ما ينقل عن هذا الأصل.
وعلى كل حال المسألة خلافية، هل الأصل..، هل يؤيد ما يؤيد الاستصحاب، والأصل أن يبقى الحكم على أصله، أو نقول: يرجح الناقل عن الأصل على المبقي له، المسألة معروفة.
المسألة أيضاً فيها أقوال أخر أضربنا عن ذكرها؛ اختصاراً.
يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:
وحد الاستصحاب أخذ المجتهد
|
|
بالأصل عند دليل حكم قد فقد
|
عندنا مسألة ترتيب الأدلة، ترتيب الأدلة، كيف ترتِّب الأدلة؟
أنت باحث أردت أن تستوعب، أو كلفت ببحث مسألة، وأردت أن تستوعب جميع ما قيل فيها من أدلة، وبذلت جهدك، واجتمع عندك من الأدلة الشيء الكثير.
معلوم أنك تبدأ بالأدلة من الكتاب، نعم، ثم من صريح صحيح السنة، ثم بالإجماع، ثم بالقياس، إلى آخر الأدلة، هذا الترتيب الطبيعي حسب القوة، ترتب من ظاهر، هل يستدل شخص على حكم المسألة يقدم القياس على الكتاب والسنة، أو يقدم السنة على القرآن؟!
نعم من أهل العلم من يكتفي بالإجماع، فيقول: المسألة هذه جائزة بالإجماع، أو دليلها الإجماع، وفيها دليل من الكتاب والسنة، فيستدرك عليه فيقال: هذا الحكم جائز بالكتاب والسنة والإجماع.
فأنت عند ترتيبك للأدلة في المسألة الواحدة -ولو لم يحصل تعارض- الترتيب الطبيعي أن تبدأ بالقرآن ما يدل على هذه المسألة من كتاب الله -عز وجل-، ما يؤيد هذه المسألة من صحيح السنة، ثم بعد ذلك الأدلة الأخرى المتفق عليها والمختلف فيها على الترتيب.
لكن إذا تعارضت هذه الأدلة، إذا تعارضت هذه الأدلة، جمعت في المسألة عشرين دليلاً، عشرة منها تؤيد الإباحة، وعشرة يستدل بها على تحريم هذا الفعل، نقول: تعارضت الأدلة، في هذه المسألة تعارضت الأدلة، إن أمكن الجمع بين هذه الأدلة بوجه من الوجوه المعتبرة عند أهل العلم، ولو بحمل خاص..، عام على خاص، مطلق على مقيد، إذا أمكن الجمع تعين، إذا لم يمكن الجمع وعرفنا المتقدم من المتأخر قلنا: هذا ناسخ، إذا لم يمكن الجمع ولم نعرف المتقدم من المتأخر لا بد من الترجيح، إذا لم يمكن الترجيح فأيش؟ فالتوقف.
الترجيح: كيف ترجح بين هذه النصوص، النصوص هذه المتعارضة في الظاهر من القرآن، أو من السنة، أو منهما معاً، فالمؤلف -رحمه الله تعالى- يقول: وأما الأدلة فيقدم الجلي منها على الخفي، والموجب للعلم على الموجب للظن، والنطق على القياس، والقياس الجلي على الخفي، فإن وجد في النطق ما يغير الأصل وإلا فيستصحب الحال: المراد بالأدلة هنا: ما يثبت به الأحكام الشرعية من الكتاب والسنة والإجماع والقياس، التي مضى الحديث عنها إجمالاً، فإذا كان في المسائل التفصيلية، الآن إجمالي، نتحدث إجمالاً عن الأدلة إجمالاً على ضوء ما تقدم الذي هو موضوع أصول الفقه.
يعني موضوع أصول الفقه الأدلة الإجمالية، فالأدلة الإجمالية يكون النظر فيها إجمالي مثل ما هنا، لكن لو كان عندنا دليل تفصيلي، دليل تفصيلي يدل على حكم مسألة ما فإن الكلام في هذا التعارض ودفعه يكون على سبيل التفصيل.
يعني إذا تعارض دليل من القرآن مع دليل من السنة، {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [(2) سورة الكوثر]، {{فَصَلِّ}، دليل من القرآن، هل المراد بالصلاة الصلوات الخمس؟ {فَصَلِّ لِرَبِّكَ}؟ هل المراد به الصلوات الخمس، نعم؟
ليس المراد به الصلوات الخمس، لكن: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ} [(238) سورة البقرة]: المراد به الصلوات الخمس {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}، هذا دليل من القرآن استدل به بعضهم على وجوب صلاة العيد.
في حديث ضمام وهو من السنة: هل عليَّ غيرها؟ قال: ((لا، إلا أن تتطوع)).
فالنظر في تعارض..، في التعارض بين هذين الدليلين من وجوه:
أحد هذه الوجوه: أن أحدهما قطعي الثبوت وهو الآية، والثاني ظني وهو الحديث، فمن هذه الحيثية نقدم القطعي على أيش؟ الظني.
إذا نظرنا إلى هذين النصين من جهة أخرى، وجدنا أن الحديث يدل على المدعى بمفهومه بمفهومه، والآية تدل على المدعى بمنطوقها.
طيب، إذا نظرنا من جهة ثالثة، وهو أن دلالة الحديث على المدعى أصرح وأجلى من دلالة الآية على المدعى ولو كانت مفهومة، صح وإلا لا؟
يعني حينما يقول: هل علي غير الخمس؟ يقول: ما عليك شيء، هذا ما هو بصريح في نفي الزائد؟ نعم، لكن {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}، أين الدلالة على صلاة العيد؟ ما في إلا اقترانه بالنحر، نعم، فالحديث أصرح في الدلالة، وإن كان ظنياً وإن كان مفهوماً، إلا أنه أصرح وأجلى من دلالة الآية على المدعى.
إذا تعارض عند المجتهد أكثر من فرد من أفراد ما ذكر -من أدلة الكتاب والسنة والإجماع والقياس والاستصحاب، وقول الصحابي -عند من يقول به- الأدلة الإجمالية- فلا بد من ترجيح بعضها على بعض إذا لم يمكن الجمع كما هو معروف، فيقدم الجلي وهو ما اتضح المراد منه، يقدم الجلي على ما اتضح المراد منه على الخفي وهو ما لم يتضح المراد منه، والموجب للعلم على الموجب للظن، والنطق على القياس، والقياس الجلي على الخفي، نعم، لا بد أن يقدم الجلي وهو ما اتضح المراد منه، بأن كان نصاً في الدلالة على المدعى، على الخفي وهو ما كانت دلالته ظاهرة أو مؤولة، الموجب للعلم وهو القرآن ومتواتر السنة -على ما تقدم- على الموجب للظن، وما ثبت من أخبار الآحاد، وهذا تقدم بسطه، والنطق: وهو قول الله -جل وعلا- وقول رسوله -عليه الصلاة والسلام- على القياس -الذي تقدم شرحه- إلا إذا كان النص عاماً، فإنه يخص بالقياس.
إذا خصصنا النص العام بالقياس، عندنا دليل قياس، وعندنا دليل من الكتاب أو من السنة لكنه عام، يتناول هذا الفرد بعمومه، وعندنا ما يخرج هذا الفرد بقياسه على ما خرج بالنص، نعم.
حبس من يأتي الفاحشة حتى الوفاة -آية النساء- نعم؟
طالب:.......
من نسائكم، نعم؟
طالب:.......
حتى..، نعم، {أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً} [(15) سورة النساء]، {حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ} [(15) سورة النساء]، هذا يتناول بعمومه أيش؟ من يتناول؟
طالب: الحبس، يتناول المحصن.....
نعم المحصن والثيب.
طالب: البكر.
كيف؟
طالب: المحصن والبكر.
نعم، الإحصان ضد البكارة، لكن هل نقول: إن هذا الحكم منسوخ بحديث عبادة: ((خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً، الثيب بالثيب جلد مائة والرجم، والبكر بالبكر جلد مائة وتغريب سنة)) نقول: منسوخ؟ هذا يمكن أن يقول به من يرى نسخ القطعي بالظني -القرآن بالسنة- وحينئذ لا إشكال، لكن الذي لا يقول بالنسخ يقول: هو بيان بيان، فالحكم ساري إلى أمد، وقد انتهى الأمد، فقد جعل الله لهن سبيلاً، وليس من باب النسخ.
هاه، النص في الإماء، النص في الإماء، دعونا من هذه الآية، {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [(25) سورة النساء]، {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} [(2) سورة النــور]، هذا المثال يكون أوضح، {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ}: هذا يتناول الأحرار والعبيد، بعمومه يتناول الأحرار والعبيد، خرج الإماء بقوله: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ}، وخرج العبيد بالقياس على الإماء، فالعموم -عموم الزانية والزاني- مخصوص بالقياس بالنسبة لذكور العبيد، مخصوص بقياسه على الإماء، فهنا القياس يخص العموم، فنحن قدمنا القياس على عموم النطق؛ لأن عندهم الترجيح، بل بعضهم يجعله من وجوه الجمع وهو في الحقيقة ترجيح، نرجح الخاص على العام، في الجزء الذي ورد فيه النص الخاص، فالتخصيص والتقييد نوع من أنواع النسخ، يطلق عليه بعض المتقدمين: النسخ، بمعناه الأعم، لا شك أن فيه رفع حكم بالنسبة لما ورد فيه الدليل الخاص، لكنه رفع جزئي وليس برفع كلي.
والله مملة الأصول أشوف الإخوان.....
يقدم الجلي، وهو ما اتضح المراد منه على الخفي: وهو ما خفي المراد منه، والموجب للعلم: وهو القرآن ومتواتر السنة على الموجب للظن: وهو ما ثبت من أخبار الآحاد على النطق: وهو قول الله وقول رسوله على القياس: الذي تقدم شرحه، إلا إذا كان النص عاماً فإنه يخص بالقياس.
يعني قدمنا القياس -قياس العبيد على الإماء- قدمنا هذا القياس على عموم قوله -جل وعلا-: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ}.
القياس الجلي: وهو ما نص على علته، أو أجمع عليها، يقدم على القياس الخفي، وهو ما ثبت علته بالاستنباط، فإن وجد في النطق من الكتاب والسنة ما ينقل عن الأصل، إن وجد في النطق -الدليل من الكتاب والسنة- إن وجد فيهما ما ينقل عن الأصل الذي تحدثنا عنه قريباً وهو البراءة الأصلية، عمل بالنص، عمل بالنص الناقل عن الأصل، تركنا الأصل وعملنا بالنص، نعم؛ لأننا وجدنا ما ينقل عن هذا الأصل، وإن لم نجد نصاً ينقل عن الأصل فإننا نعمل بالاستصحاب، وهو العدم الأصلي الذي سبقت الإشارة إليه.
وقدموا من الأدلة الجلي
|
|
على الخفي باعتبار العمل
|
تفضل، تفضل أذن....