هذا الكتاب اختصره الحافظ ابن كثير من كتاب (علوم الحديث) لابن الصلاح وسماه (اختصار علوم الحديث) أو (الباعث الحثيث إلى اختصار علوم الحديث)، وهذا الاسم الأخير (الباعث الحثيث) قديم؛ فقد ذكره صديق حسن خان وسمّى به كتاب ابن كثير، وصديق حسن خان توفي قبل مولد أحمد شاكر رحمهما الله، وأول من طبع كتاب ابن كثير هو الشيخ عبد الرزاق حمزة - رحمه الله - وطبع عليه ذلك الاسم (الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث)، ولما طبع الشيخ العلامة أحمد شاكر - رحمه الله - الكتاب ظن أن (الباعث الحثيث) اسم من وضع الشيخ عبد الرزاق حمزة، فقال في مقدمته ما نصه: "ثم رأيت أن أصل كتاب ابن كثير عُرف باسم (اختصار علوم الحديث) وأن الأخ العلامة الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة جعل له عنوانا آخر في طبعته الأولى بمكة، فسماه (اختصار علوم الحديث) أو (الباعث الحثيث إلى اختصار علوم الحديث) التزاما للسجع الذي أغرم به الكاتبون في القرون الأخيرة. وأنا أكره السجع وأنفر منه، ولكن لا أدري كيف فاتني أن أغير هذا في الطبعة الثانية التي أخرجتها، ثم اشتهر الكتاب باسم (الباعث الحثيث) وليس هذا اسم كتاب ابن كثير، وليس من اليسير أن أعرض عن الاسم الذي اشتهر به أخيرا؛ فرأيت من حقي - جمعا بين المصلحتين: حفظ الأمانة في تسمية المؤلف كتابه، والإبقاء على الاسم الذي اشتهر به الكتاب - أن اجعل (الباعث الحثيث) علما على الشرح الذي هو من عملي ومن قلمي، فيكون اسم الكتاب (الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث) والأمر في هذا كله قريب" ا. هـ كلام أحمد شاكر رحمه الله، ومن هنا أخذ البعض يشدد في التفرقة ويصرح في كل حين أن (الباعث الحثيث) اسم لشرح أحمد شاكر وليس لكتاب ابن كثير، وقد ظهر مما سبق أن (الباعث الحثيث) يطلق على أصل كتاب ابن كثير كما يطلق على شرح الشيخ شاكر أيضا، والله أعلم.
إِسْمَاعِيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير الْقَيْسِي، الشَّيْخ عماد الدّين ولد سنة سَبْعمِائة أَو بعْدهَا بِيَسِير وَمَات أَبوهُ سنة 703 وَنَشَأ هُوَ بِدِمَشْق وَسمع من ابْن الشّحْنَة وَابْن الزراد وَإِسْحَاق الْآمِدِيّ وَابْن عَسَاكِر والمزي وَابْن الرضي وَطَائِفَة وَأَجَازَ لَهُ من مصر الدبوسي والواني والختني وَغَيرهم واشتغل بِالْحَدِيثِ مطالعة فِي متونه وَرِجَاله فَجمع التَّفْسِير وَشرع فِي كتاب كَبِير فِي الْأَحْكَام لم يكمل وَجمع التَّارِيخ الَّذِي سَمَّاهُ "الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة" وَعمل "طَبَقَات الشَّافِعِيَّة" وجرح أَحَادِيث أَدِلَّة التَّنْبِيه وَأَحَادِيث مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب الْأَصْلِيّ وَشرع فِي شرح البُخَارِيّ ولازم الْمزي وَقَرَأَ عَلَيْهِ تَهْذِيب الْكَمَال وصاهره على ابْنَته وَأخذ عَن ابْن تَيْمِية ففتن بحبه وامتحن لسببه، وَكَانَ كثير الاستحضار حسن المفاكهة سَارَتْ تصانيفه فِي الْبِلَاد فِي حَيَاته وانتفع بهَا النَّاس بعد وَفَاته وَلم يكن على طَرِيق الْمُحدثين فِي تحصّيل العوالي وتمييز العالي من النَّازِل وَنَحْو ذَلِك من فنونهم وَإِنَّمَا هُوَ من محدثي الْفُقَهَاء وَقد اختصر مَعَ ذَلِك كتاب ابْن الصّلاح وَله فِيهِ فَوَائِد قَالَ الذَّهَبِيّ فِي المعجم الْمُخْتَص الإِمَام الْمُفْتِي الْمُحدث البارع فَقِيه متفنن مُحدث متقن مُفَسّر نقال وَله تصانيف مفيدة مَاتَ فِي شعْبَان سنة 774 وَكَانَ قد أضرّ فِي أَوَاخِر عمره.
----------------------
الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر، (1/445).