بناء الكعبة الأخير

السؤال
هل الكعبة اليوم من بناء قريش حين تهدَّمتْ بسبب السيل، أم ما زالت من بناء إبراهيم وإسماعيل -عليهما الصلاة والسلام-؟
الجواب

جاء في الصحيح في (البخاري) وغيره عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لها: «يا عائشة، لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية لأمرتُ بالبيت، فهُدم، فأدخلتُ فيه ما أُخرج منه، وألزقتُه بالأرض، وجعلتُ له بابين، بابًا شرقيًّا، وبابًا غربيًّا، فبلغتُ به أساس إبراهيم»، فذلك الذي حمل ابن الزبير -رضي الله عنهما- على هدمه، قال يزيد: وشهدتُ ابن الزبير حين هدمه، وبناه، وأدخل فيه من الحجر، وقد رأيتُ أساس إبراهيم حجارة، كأسنمة الإبل، قال جرير: فقلتُ له: أين موضعه؟ قال: أُريكه الآن، فدخلتُ معه الحجر، فأشار إلى مكان، فقال: ها هنا، قال جرير: فحزرتُ من الحجر ستة أذرع أو نحوها [البخاري: 1586].

وقد ذكر العلماء أن الكعبة بُنيتْ خمس مرات:

- إحداها: بنتها الملائكة قبل آدم، وحجَّها آدم فمَن بعده من الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم-.

- الثانية: بناها إبراهيم -عليه السلام- قال تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} [الحج: 26]، وقال تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ} [البقرة: 127].

- الثالثة: بنتها قريش في الجاهلية [البخاري: 1583 / ومسلم: 1333]، وحضر النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا البناء قبل النبوة [البخاري: 364 / ومسلم: 340]، ثبت ذلك في الصحيحين، وكان له -صلى الله عليه وسلم- من العمر حينئذٍ خمسٌ وعشرون سنة، وقيل: خمسٌ وثلاثون.

- الرابعة: بناها ابن الزبير -رضي الله عنهما-، ثبت ذلك في الصحيحين [البخاري: 1586 / ومسلم: 1333].

- الخامسة: بناها الحجاج بن يوسف في خلافة عبد الملك بن مروان، ثبت ذلك في الصحيح [مسلم: 1333]، واستقرَّ بناها الذي بناه الحجاج إلى الآن.

وقيل: إنها بُنيت مرتين أُخريين قبل بناء قريش.

وقيل لإمام مالك -رحمه الله-: ألا نبنيها على قواعد إبراهيم؟ لأن ابن الزبير حقَّق ما تمناه النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يبنيها على قواعد إبراهيم -عليه السلام-، فجاء الحجاج ورماها بالمنجنيق، وتهدَّمتْ، فبنوها على ما كان موجودًا في عصره -عليه الصلاة والسلام-، وبقيتْ، ولما جاء عهد الإمام مالك قيل له: لو أُعيدتْ على بناء إبراهيم؟ فمنع من ذلك؛ لئلا تكون ملعبةً للملوك: كلُّ ملك يأتي يَهدم ويبني، ويقول: (أنا على قواعد إبراهيم)، ويأتي مَن بعده ويقول: (لا، أنا على ما عُهد في عَهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقد تمنَّاها ولم يصنع شيئًا -عليه الصلاة والسلام- فلا نصنع شيئًا)، هذا تأويل وهذا تأويل، ولو تُرك المجال للملوك كلٌّ يُحقِّق ما يميل إليه لصارتْ ملعبةً للصبيان كما قال الإمام مالك -رحمه الله-.