شرح حديث جابر في صفة حج النبي -صلى الله عليه وسلم- (2)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله:
قال جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- في صفة حج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ}[(158) سورة البقرة] ((أبدأ بما بدأ الله به)) فبدأ بالصفا، فرقي عليه، حتى رأى البيت فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره، وقال: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده)) ثم دعا بين ذلك: قال مثل هذا ثلاث مرات، ثم نزل إلى المروة، حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى، حتى إذا صعدتا مشى، حتى أتى على المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا، حتى إذا كان آخر طوافه على المروة فقال: ((لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي، وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل، وليجعلها عمرة)) فقام سراقة بن مالك بن جعشمٍ فقال: يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبدٍ؟ فشبك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصابعه واحدةً في الأخرى، وقال: ((دخلت العمرة في الحج -مرتين- لا بل لأبد الأبد)) وقدم عليّ من اليمن ببدن النبي -صلى الله عليه وسلم- فوجد فاطمة -رضي الله عنها ممن حل، ولبست ثياباً صبيغاً واكتحلت، فأنكر ذلك عليها، فقالت: إن أبي أمرني بهذا، قال: فكان علي -رضي الله عنه- يقول بالعراق: فذهبت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- محرشاً على فاطمة للذي صنعت، مستفتياً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما ذكرت عنه، فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها فقال: ((صدقتْ صدقتْ، ماذا قلت: حين فرضت الحج؟)) قال: قلت: اللهم إني أهلّ بما أهلّ به رسولك -صلى الله عليه وسلم- قال: ((فإن معي الهدي فلا تحل)) قال: فكان جماعة الهدي الذي قدم به علي إلى اليمن، والذي أتى به النبي -صلى الله عليه وسلم- مائة، قال: فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن كان معه هدي، فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى، فأهلوا بالحج، وركب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصلى بنا الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس، وأمر بقبةٍ من شعر تضرب له بنمرة، فسار رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فأجاز رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء، فرحلت له فأتى بطن الوادي، فخطب الناس، وقال: ((إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كل شيءٍ من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول بيتٍ أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعاً في بني سعد فقتلته هذيل، وربا الجاهلية موضوع، وأول رباً أضع ربانا، ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله، فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فروشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله، وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟)) قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فقال: بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: ((اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد)) ثلاث مرات.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:
تقدم في أول الحديث الإحرام، وهو ركن من أركان الحج كما تقدم أيضاً الطواف، والطواف الذي طافه النبي -عليه الصلاة والسلام- هو طواف القدوم، وهو سنة عند جماهير أهل العلم، وقيل بوجوبه، ثم خرج بعد ذلك النبي -عليه الصلاة والسلام- من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ}[(158) سورة البقرة] ((أبدأ بما بدأ الله به)) الله -سبحانه وتعالى- بدأ بالصفا ذكراً، وبدأ به النبي -عليه الصلاة والسلام- فعلاً، يقول الله -سبحانه وتعالى-: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ} فبدأ بالصفا ذكراً وبدأ النبي -عليه الصلاة والسلام- به فعلاً، فرقي على الصفا حتى رأى البيت فاستقبل القبلة، واتجه اتجاه الكعبة، ونظر إليها، وهذا سنة إن تيسر، وإلا فالجهة كافية؛ لأنه في هذه الأزمان مع كثرة العمد، وكثرة البنايات قد لا يتيسر، فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره، وفسر ذلك بقوله: قال: ((لا إله إلا الله وحده -هذا التوحيد- لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير)).
وهذا التوحيد من أفضل ما يقوله المسلم، بل أفضل ما قاله النبي -عليه الصلاة والسلام- والنبيون من قبله، ((أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير)) ومن قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير، في يومٍ مائة مرة حصل له أمور، واحد منها يكفي، كتب له مائة حسنة، وحطّ عنه مائة خطيئة، وحذر من الشيطان حتى يمسي... الخ.
فالمحروم من حرم مثل هذه الأذكار، والناس في غفلةٍ عن مثل هذا، إذا قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيءٍ قدير، كان كمن أعتق أربعةً من ولد إسماعيل، شيء لا يكلف، يعني عشر مرات تقال بدون مبالغة في دقيقة، لكن الحرمان لا نهاية له، من قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة حطّت عنه خطاياه، خطايا جمع مضاف فيفيد العموم، وإن كانت مثل زبد البحر.
على كل حال هذه مناسبة لذكر هذا الذكر فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يكثر من الذكر، والذكر في موطنه أفضل من غيره، فقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له في هذا الموضع أفضل من قراءة القرآن، كما أن التسبيح بالركوع والسجود أفضل من التلاوة، بل التلاوة حرام في حال الركوع والسجود كما هو معروف، لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، أنجز وعده، بنصر الدين وتحقيق ما وعده الله نبيه من إعلاء كلمته، ونصر عبده، يعني نفسه -عليه الصلاة والسلام-، وهزم الأحزاب وحده، في غزوة الأحزاب لما تحزبوا واجتمعوا لحربه -عليه الصلاة والسلام- هزمهم الله -سبحانه وتعالى-.
"ثم دعا بين ذلك" صيغة التكبير: الله أكبر، كما هو معروف، ثم دعا بين ذلك، دعا بين التوحيد والتكبير، قال مثل هذا ثلاث مرات، فأعاد التوحيد والتكبير والدعاء ثلاثاً، ومنهم من يقول: يوحد ويكبر ثلاثاً ويدعو مرتين، لكن الحديث صريح في كون الدعاء يكرر ثلاثاً كالتوحيد والتكبير، ثم نزل إلى المروة، بدأ بالصفا، والسعي هذا منه -عليه الصلاة والسلام- هو سعي الحج والعمرة، سعي القران، وهو ركن من أركان الحج، كما ِأنه ركن من أركان العمرة، والقارن لا يلزمه إلا سعي واحد، كما هو معروف، فهذا السعي ركن عند جماهير أهل العلم، وإن لم يره الحنفية ركناً، ومن العجب أن يستدل الحنفية بقوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ}[(158) سورة البقرة] يقول: يرفع الجناح يرفع الإثم فقط، ومع ذلكم يوجبون القصر مع أن دليله في القرآن بهذه الصيغة، {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ}[(101) سورة النساء] مع أن النبي -عليه الصلاة والسلام- سعى وقال: ((خذوا عني مناسككم)) بل أمر بالسعي.
"ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى" هو يسعى من الصفا إلى المروة هذا كله سعي، فكيف يقول: "حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى؟" السعي هو الجري، الركض، وجاء في بعض الروايات أن إزاره يرتفع عن ركبته -عليه الصلاة والسلام-، فدل على أنه سعي شديد.
"حتى إذا صعدتا مشى" فالسعي بين العلمين في الوادي فقط، قبله لا يسن السعي وبعده لا يسن السعي، كما أن السعي خاص بالرجال، كما قرره جمهور أهل العلم، وإن قال بعضهم بأن الاقتداء كما هو للرجال هو أيضاً للنساء، لكن النساء مطلوب منهن الستر، والسعي يعرضهن لما يخل بهذا الستر ويفتشه.
"صعدتا حتى إذا أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا حتى إذا كان آخر طوافه على المروة..." الخ، هذا السعي بدءً من الصفا، وقد صعد النبي -عليه الصلاة والسلام- على الصفا، "ثم أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا" يعني صعد عليها، والصعود سنة عند الأكثر، وقال بعضهم بوجوبه، وأنه لا بد منه، وأنه من تمام السعي.
"حتى إذا كان آخر طوافه" يعني آخر سعيه بين الصفا والمروة كان آخره على المروة، فدل على أن الذهاب سعية والرجوع سعية، وإلا لو كان الذهاب والرجوع سعية واحدة لكان آخر طوافه على الصفا، وشذ من قال بأن السعي الذهاب والرجوع، كامل الذهاب من الصفا إلى المروة والرجوع من المروة إلى الصفا شوط واحد، شذ من قال بهذا، على كل حال الأدلة الصحيحة الصريحة تدل على أن الذهاب سعية من الصفا إلى المروة، والرجوع من المروة إلى الصفا سعية أخرى، وحينئذٍ ينتهي السعي على المروة.
"حتى إذا كان آخر طوافه على المروة، قال: ((لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل))"
الرسول -عليه الصلاة والسلام- جاء عنه أنه حج مفرداً، وثبت أنه تمتع، وثبت في رواية الأكثر أنه حج قارناً، وهذا الكلام يؤيد القول بأنه كان قارناً، فقال: ((لو أني استقبلت من أمري لم أسق الهدي وجعلتها عمرة)) دل على أنه لم يعتمر عمرة كاملة بطوافها وسعيها وتقصيرها والتحلل الكامل منها، فهذا يؤيد أنه -عليه الصلاة والسلام- كان قارناً، إذاً كيف يصح عنه أنه حج مفرداً؟ وكيف يثبت عن الصحابة أنهم قالوا: تمتع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتمتعنا معه؟ ثم نقول هذا الكلام أنه كان قارناً؟ هل نقول: بتعدد القصة؟ يعني مرة متمتع ومرة قارن مرة مفرد، النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يحج إلا مرة واحدة بعد فرض الحج إجماعاً، وأشرنا في درس الأمس أنه حج قبل الهجرة مرة أو مرتين على عادة قومه، وإرثهم من أبيهم إبراهيم.
وحديث جبير بن مطعم في الصحيحين، وأنه رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- بعرفة واستنكر حديث ابن مطعم أن يقف النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو من الحمص، لكن هذه الحجة قبل حجة الوداع، قبل الهجرة، إذاً الرسول -عليه الصلاة والسلام- حج بعد فرض الحج مرة واحدة إجماعاً فلا بد من التوفيق بين هذه الروايات، بعض أهل العلم ممن يجبن عن توهيم الرواة يقول: بتعدد القصة، كما هو الشأن في صلاة الكسوف ففي الصحيحين أنه -عليه الصلاة والسلام- صلى صلاة الكسوف ركعتين، في كل ركعة ركوعان، وفي صحيح مسلم ثلاث ركوعات، وجاء أربع ركعات، في سنن أبي داوود خمسة ركوعات في كل ركعة، قال بعضهم: بتعدد القصة، وأنه صلى صلاة الكسوف على وجوه وصور مختلفة، كما صلى صلاة الخوف كذلك، وشيخ الإسلام يقسم أنه ما صلاها إلا مرة وأن إبراهيم لم يمت إلا مرة؛ لأن النصوص كلها تنص على أنه لما مات إبراهيم كسفت الشمس، فالذي يجبن تخطئة الرواة الثقاة يقول: بتعدد القصة، والذي يجرؤ ويقول: لا مانع من أن يخطئ الثقة والأمر كذلك، فالراوي مهما بلغ من الحفظ والضبط والإتقان يخطئ، يتطرق إليه السهو والغفلة والنسيان ليس بمعصوم.
على كل حال جمع أهل العلم بينما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- في أنواع النسك الثلاثة، من قال: أنه كان مفرداً نظر إلى إحرامه أولاً، فهم لما خرجوا من المدينة ما كانوا يعرفوا إلا الحجة، ما كانوا يعرفون العمرة، يعني مع الحج، نظر إلى إحرامه أولاً وأنه أحرم مفرداً ثم أمر بالقران، فقيل له: (صل في هذا الوادي المبارك وقل كذا) عمرة في حجة، أو نظر إلى صورة فعله -عليه الصلاة والسلام-، من قال أفرد نظر إلى صورة الفعل، وصورة الفعل لا فرق فيها بين القارن والمفرد، لا فرق بين حج القارن والمفرد إلا الهدي، لو أن شخص وصل إلى مكة يوم عرفة، أو آخر يوم عرفة فخشي فوات الحج فتردد هل يحرم مفرد وإلا يحرم قارن؟ نقول: لا فرق، في الصورة لا فرق، ولن يعوقك القران عن شيء، اللهم إلا أنه يلزمك الهدي، أقول: من قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أفرد نظر إلى صورة الفعل، وأنه لا فرق بين صورة حج القارن وصورة الحج المفرد، من قال: تمتع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نظر إلى المعنى الأعم للتمتع، فالمعنى الأعم للتمتع يشمل القران والتمتع معاً، معنى تمتع يعني أتى بالنسكين في سفرةٍ واحدة، ولذا الآية في قوله تعالى: {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}[(196) سورة البقرة] يشمل النسكين، يشمل التمتع ويشمل القران، فالتمتع بمعناه الأعم يشمل النوعين، ومن قال: قرن فقد حكى الواقع، وهذه رواية الأكثر، فقال: ((لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت)) (لو) جاء في الحديث الصحيح أنها تفتح عمل الشيطان، يعني الشخص الذي يقول: لو أني فعلت كذا، لو خرجت اليوم كسبت، لو ما خرجت اليوم ما بردت، لو فعلت كذا، لو فعلت كذا، هذا مذموم؛ لأن (لو) تفتح عمل الشيطان.
هنا النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت)) هذا تمني، فعل خير، وحينئذٍ لا يكره، فقد تمنى النبي -عليه الصلاة والسلام- الشهادة، وأنه يقتل ثم يحيا ثم يقتل، ولا يدخل أيضاً في النهي عن التمني المذكور في قوله: {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ}[(32) سورة النساء]
((لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي، وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل، وليجعلها عمرة)) الذي معه الهدي ألا يستطيع أن يتمتع؟ بمعنى أنه يسوق الهدي معه، ثم يطوف ويسعى للعمرة، لكنه لا يحل؛ لأنه لا يجوز له أن يحلق رأسه حتى يبلغ الهدي المحل، لا يحل إلا في يوم العيد، وليس بينه وبين التمتع إلا الحلق أو التقصير الذي نهي عنه، فهل يمكن لمن ساق الهدي أن يتمتع؟ ويكون الحلق مما نهي عنه فيعذر، أو نقول: من ساق الهدي يلزمه القران؟
النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر أصحابه، من كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة، أو نقول: من ساق الهدي يلزمه القران؟ يجوز لمن ساق الهدي أن يتمتع؟ ونقول: ما لا يقدر عنه يسقط عنه كالتقصير؟ نعم يمنعه من التمتع ولم يفعل، وأيضاً التمتع بمعناه الأخص، التمتع بما منع منه بين النسكين، وهذا الذي يحصل له، وإن كان التمتع بمعناه الأعم كما أشرنا يشمل التمتع والقران، لكن بمعناه الأخص لا يمكن مع سوق الهدي، ولذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل)) هذا أمر، والأصل في الأمر، هنا اللام لام الأمر، ((فليحل وليجعلها عمرة)) الأصل في الأمر الوجوب عند أهل العلم، لأدلةٍ كثيرة، {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ}[(63) سورة النــور] عن أمره، فرتب على مخالفة الأمر عقاب، إذاً الأمر في هذا الأمر لازم وواجب، ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك)) الذي لم يسق الهدي يشرع له أن يجعل نسكه عمرة، لكن هل يجب أو يستحب؟ قيل: بالوجوب، قول ابن عباس ونصره ابن القيم، وقيل: باستحبابه، وهذا هو المذهب عند الحنابلة كما هو معروف، وغيرهم يقولون: أن هذا الأمر خاص بالصحابة، فمن أحرم بشيءٍ لزمه إتمامه ولا ينتقل إلى غيره، وهذا الأمر خاص بالصحابة.
"((فليحل وليجعلها عمرة)) فقام سراقة بن مالك بن جعشمٍ فقال: يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبدٍ؟" يقول: من ينصر الوجوب أن الله -سبحانه وتعالى- ألهم سراقة بن مالك فسأل هذا السؤال، ألهمه أن يسأل هذا السؤال للرد على من يقول: أنه خاص بالصحابة، ألعامنا هذا أم لأبد؟ فقال: ألعامنا هذا؟ المستفهم عنه؟ الانتقال من نسك إلى نسك، أو التمتع؟ أو العمرة مع الحج؟ هذا الذي لأبد؟ وقلب الإحرام؟
طالب:.........
والآن حجته -عليه الصلاة والسلام- كما قرر أهل العلم وجاء في الروايات الصحيحة أنه قارن، والعرب تعتبر العمرة مع الحج من أفجر الفجور، بل تعتبر العمرة مع الحج من أفجر الفجور.
فقوله: ألعامنا هذا أم لأبد؟ يعني فعل العمرة في أشهر الحج لأبد الأبد، دخلت العمرة في الحج مرتين، دخلت العمرة في الحج؟ أو نقول: أنه يجوز الانتقال من مفضولٍ إلى فاضل لأبد الأبد؟ وهذا لا يختص في عامه -عليه الصلاة والسلام-، وفي هذا رد على من يقول: أن الانتقال من نسك إلى نسك أفضل منه خاص بالصحابة، ولذا يقول من يقول بالوجوب أن الله -سبحانه وتعالى- ألهم سراقة بن مالك من أجل الرد على مثل هؤلاء.
وعلى كل حال إذا أحرم شخص بالحج مفرداً، وقبل أن يبدأ بطواف القدوم وأراد أن يجعلها عمرة، له ذلك أو ليس له ذلك؟ الجمهور لا، الأكثر لا؛ لأن هذا خاص بالصحابة، ليزيل ما علق بأذهانهم من أعمال الجاهلية، لكن القول المرجح أن له ذلك، فينتقل من المفضول إلى الأفضل، فإذا أهلّ مفرداً أو قارناً ثم قبل شروعه بطواف القدوم قال: أريد أن أجعلها عمرة، وقد حجّ قبل ذلك، حجّ حجة الإسلام سقطت عنه، ويريد أن يحج نفل فقلب إحرامه من الإفراد أو القران إلى عمرة مفردة، تحلل منها التحلل الكامل، فلما تحلل منها التحلل الكامل قال: أنا بالخيار، ثم رأى الزحام الشديد قال: أنا ما بعد تلبست بالحج، أريد أن أرجع إلى أهلي، الآن حل الحل كله، هل له أن يرجع قبل أن يحرم بالحج؟
طالب:.......
يجب عليه المضي في الحج ما بعد أحرم للحج على شان نقول: أتموا الحج؟
طالب:.........
قلنا له ما أهلّ بالحج هو أهلّ بعمرة، الآن قلنا له: يسوغ لك أن تجعل إحرامك عمرة، وحل الحل كله، بمعنى أنه يجوز له أن يصيب من زوجته ما يصيبه الحلال، هل له أن يرجع؟ لأنه يقول: أنا متطوع بالحج، والمتطوع أمير نفسه، إذا كان ذلك على سبيل الاحتيال يعامل بنقيض قصده، وإذا كان لا على سبيل الحيلة؟.
طالب:.........
نعم هذا كلامه -رحمه الله-، من حين أحرم بالعمرة فهو متلبس بالحج، العمرة عمرة التمتع إذا أحرم بها فهو متلبس بالحج قالوا: بلا نزاع.
طالب:..........
إيه جعلها عمرة.
طالب:..........
لا، نفترض مسألة أخرى غير هذا، شخص جاء من بلده يريد التمتع، يريد أن يحج متمتع فأحرم بالعمرة من المحرم، ثم طاف وسعى وحلق أو قصر وحل الحل كله، ثم رأى الزحام أو سمع إشاعات أو بلغه خبر عن أهله في بلده أو ما أشبه ذلك يقتضي رجوعه إلى بلده، قال: أنا إلى الآن متطوع، والمتطوع أمير نفسه، إلى الآن ما بعد تلبست بالحج، لكي يلزمني الإتمام؟ نعم، كلام شيخ الإسلام صريح في هذا، وأنه من تلبس بالعمرة التي ينوي الحج بعدها فقد تلبس بالحج، شاء أم أبى، تحايل أو لا، ولذا يلزمه الهدي، هدي التمتع، وسبب الوجوب لهدي التمتع الإحرام بالعمرة، كما قرر أهل العلم في القاعدة المعروفة أن كل عبادة أو عقد له سبب وجوب ووقت وجوب، كما هو معروف والقاعدة واضحة، معروفة، وذكرناها مراراً، والإخوان ما هم غرباء، فنقول له: لا يجوز لك أن ترجع، ولو حللت الحل كله، حتى تحج.
شخص خرج من بيته من الرياض يريد أن يحج، لما وصل الطائف بلغته هذه الإشاعات فرجع، نقول: أنت عازم على الحج من بلدك؟ إيش معنى هذا أنك ترجع من قرب الميقات؟ يجوز وإلا ما يجوز؟ يجوز؛ لأنه لم يتلبس بالحج إلى الآن، فهذه الصورة تختلف عن تلك الصورة.
"فشبك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصابعه واحدة في الأخرى وقال: ((دخلت العمرة في الحج –مرتين- قال: لا، بل لأبد الأبد)) دخلت العمرة في الحج، إيش معنى دخول العمرة في الحج؟ دخولها ضمن أفعاله بالنسبة لمن؟ للمفرد أو المتمتع؟ للقارن، بالنسبة للقارن، دخلت العمرة في الحج مرتين، لا، بل لأبد الأبد، ومنهم من يقول: أن حكم العمرة دخل في حكم الحج، وعلى هذا لا تلزمه العمرة ولا تجب، يجزي عنها الحج، والعمرة المرجح فيها أنها واجبة، نعم وجوبها ليس مثل وجوب الحج، ركن من أركان الإسلام، يأثم بتركها، لكن الأمر فيها أخف، والخلاف بين أهل العلم معروف.
وقدم علي من اليمن ببدن النبي -صلى الله عليه وسلم- فوجد فاطمة -رضي الله عنها- زوجته، ممن حل ولبست ثياباً صبيغاً، ما تصور أن الناس بيحلون قبل أن يبلغ الهدي محله، قبل يوم العيد، ولذا حلت الحل كله، فأنكر عليها.
"فأنكر ذلك عليها، فقالت: إن أبي أمرني بهذا" تعني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: فكان علي يقول بالعراق بعد أن ذهب إلى العراق وحال إمارته على المؤمنين. يقول: "فذهبت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- محرشاً يغري النبي -عليه الصلاة والسلام- بها، محرشاً يغريه بها، انظر ما صنعت، حلت ولبست ثياب صبيغة واكتحلت، كأنها ما تلبست بنسك، محرشاً على فاطمة التي صنعت مستفتياً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما ذكرت عنه، يقول: فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها فقال: ((صدقت صدقت)) نعم، من طاف وسعى وقصر يحل الحل كله إذا لم يسق الهدي ((ماذا قلت حين فرضت الحج؟)) يعني يا علي ماذا قلت حين أهللت؟ فأخبر أنه أهل بإهلالٍ معلق، اللهم إني أهل بما أهل بك رسولك -صلى الله عليه وسلم-، فيجوز الإهلال مطلق، ويصرفه لما شاء من الأنساك، ويجوز الإحرام معلق، كإحرام فلان مثلاً، لكن إذا قال: أحرمت بما أحرم به زيد، أو أهللت بما أهل به زيد، ثم تبين أن زيد لم يحج؟ أو زيد ساق الهدي وهذا لم يسق الهدي، نقول: يلزمه أن يفعل مثل ما يفعل زيد، أو كل له وضعه؟ كل له ظرفه؟ فالنبي -عليه الصلاة والسلام- ساق الهدي، فلزمه القران، أهلّ بهما معاً، وعلي -رضي الله عنه- ساق الهدي كذلك، فلزمه القران، لكن أبا موسى الأشعري وقد قال: أهللت بما أهل به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يكن معه هدي جعلها عمرة، أمر بما أمر به غيره من الصحابة أن يحل.
قال: "فإن معي الهدي فلا تحل" قال: "فكان جماعة الهدي" يعني مجموع الهدي الذي قدم به علي من اليمن، والذي أتى به النبي -صلى الله عليه وسلم- مائة من البدن، قال: "فحل الناس كلهم، وقصروا إلا النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومن كان معه هدي" وهذا وإن كان لفظه العموم حل الناس وأكد بكل، إلا أنه لا يشمل مثل عائشة، وليس معها هدي، لماذا؟ يقول: "فحل الناس كلهم إلا الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومن كان معه هدي" عائشة ليس معها هدي، ولم تحل؛ لأنها لما حاضت خشيت فوات الحج أمرت بإدخال الحج على العمرة فصارت قارنة، ولم تحج.
"فلما كان يوم التروية" وهو الثامن من ذي الحجة توجهوا إلى منىً فأهلوا بالحج، فالسنة أن يتوجه الناس يوم التروية وهو اليوم الثامن إلى منى، ويصلون بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، خمسة أوقات، ويهلون في ذلك اليوم، والإهلال قبل يوم التروية وبعده خلاف السنة، وماذا عمن لم يجد الهدي؟ ويؤمر بصيام ثلاثة أيام في الحج، متى يصوم؟
طالب:........
قبل إحرامه بالحج؟ قبل تلبسه بالحج؟ نعم، هو متلبس بالحج، وعلى هذا يصوم الثلاثة الأيام في السادس والسابع والثامن، ولو كان صيامه يومين قبل أن يتلبس بالحج، إذا أردنا أن نطبق القاعدة، سبب الوجوب الإحرام بالعمرة التي ينوي بها التمتع إلى الحج، ووقت الوجوب متى؟ فجر يوم العيد أو طلوع الشمس من يوم العيد؟ على الخلاف المعروف عند أهل العلم، وإذا قلنا: يجوز الفعل بعد السبب وقبل الوقت، قلنا: أنه يصوم قبل يوم العيد، يوم العيد معروف حكم صيامه حرام، ولا يستثنى أحد بخلاف أيام التشريق يحرم صومها لكن يستثنى من لم يجد الهدي ولم يستطع الصيام قبل ذلك، يوم عرفة يكره صيامه عند الأكثر، وقال بعضهم بتحريم صيامه، وجاء في الحديث وإن كان فيه مقال: نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة، فعلى هذا يصوم قبل عرفة، السادس والسابع والثامن، أو يصوم قبل ذلك إن كان قد أتى إلى مكة في أول العشر مثلاً، يصوم الثالث والرابع والخامس، قبل أن يتهيأ للحج، إن لم يتمكن من الصيام ممن عجز عن الهدي قبل يوم عرفه يصوم أيام التشريق، إن لم يتمكن في أيام التشريق فإنه متى يصومها؟ إذا رجع إلى أهله أو في مكة في الحج، يعني في أشهر الحج على رأي مالك، أشهر الحج يوم العيد خلاص انتهت عند الجمهور، وعن مالك تستمر إلى نهاية الحجة، وعلى هذا إذا صام الثلاثة الأيام لا شيء عليه، صامها في وقتها، وإذا عجز عن الصيام في وقته، هل يرجع إلى الأصل الذي هو الدم وجوباً؟ أو يصوم، لا سيما وقد انتقل إلى الصيام بمسوغٍ شرعي، وهو عدم القدرة على الهدي؟ مسألة طويلة الذيول، ومسألة خلافية بين أهل العلم، لعله يتيسر شرحها إن بقي في الوقت شيء.
"فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منىً فأهلوا بالحج" أحرموا به "وركب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصلى بنا الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس" هذه السنة، "وأمر بقبةٍ من شعر تضرب له بنمرة، فسار رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وكل هذا على سبيل الاستحباب، يعني لو أن شخص من غير مانع لم يحرم بالحج إلا يوم عرفة، وخرج مباشرةً إلى عرفة، ما جلس بمنى وبات بها إلى ليلة التاسع، وجلس بنمرة كفعله -عليه الصلاة والسلام-، لا شك أن الاقتداء به، والائتساء به أكمل، لكن هذه سنن، من تركها لا شيء عليه، من تركها لا شيء عليه.
"وأمر بقبةٍ من شعر تضرب له بنمرة، فسار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية" يزعمون أنهم أهل الحرم، فلا يخرجون منه وعرفة من الحل ليست من الحرم، ومزدلفة كما هو معروف من الحرم، كانت قريش ومن يدين بدينها من الحمس يقفون بالمشعر، ولا يخرجون إلى عرفة، بينما غيرهم من القبائل يخرجون إلى عرفة، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- خالفهم في هذا ووقف بعرفة {ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}[(199) سورة البقرة] "حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء" ونمرة بجنب عرفات وليست منها، ولذا لا يجزئ الوقوف فيها، "فنزل به حتى إذا زاغت الشمس فأمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي -وادي عرنة- فخطب الناس" وهو أيضاً ليس من عرفة، ولا يجزئ الوقوف فيه عند جمهور العلماء، وإن قال مالك بالإجزاء مع الإثم، وادعى أنه من عرفة، ودليل الجميع حديث واحد، دليل الجمهور ودليل مالك حديث واحد، هو قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ارفعوا عن بطني عرنة)) الجمهور يقول: أمرنا بأن نرفع عنه ولا نقف فيه؛ لأنه ليس من عرفة، ومالك يقول: لولا أنه من عرفة لم يذكر، ما يحتاج إلى ذكر لو لم يكن من عرفة فيجزئ الوقوف فيه مع الإثم، وقد يلزمون الواقف فيه بدم، لكن يجزئه الوقوف، والصواب هو قول الجمهور كما هو معروف.
"فخطب الناس، وقال: ((إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا)) هذا تشبه، التشبيه بهذه الحرمات أو المحرمات المجتمعة يدل على شدة التحريم في هذه الأشياء، في الدماء والأموال، ((إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا)) يعني التشبيه بالمحرم شديد الحرمة يدل على شدة التحريم، لكن التشبيه بالأمر السهل يدل على أن المشبه أمره يسير، يعني ولو ظن المتكلم أنه شديد، كشخص قال لزوجته: هي عليه حرام كحرمة الكلاب على مكة، هذا وقع، تحرم عليه زوجته وإلا ما تحرم؟ لكن هو في ظنه وزعمه أن هذا أعظم شيء؟ هذه مسألة واقعة، شخص قال لزوجته: هي حرام علي كحرمة الكلاب على مكة،
طالب:.........
كيف؟ لكن هو يقصد التحريم، كونه أخطأ في التشبيه شيء آخر، ولذا يلزم بأي شيء؟
طالب:........
أو كفارة يمين؟ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}[(1) سورة التحريم] مسألة خلافية كما هو معروف، على كل حال.
"كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع" كل شيء من أمر الجاهلية موضوع، بيعهم وشراؤهم، أنكحتهم، تملكم للعبيد وغيره، نقول: موضوع ليس بصحيح؟ أو هي أمور صحيحة؟ يعني مما لم يأت الإسلام بتقريره.
"ألا كل شيء من أمر الجاهلية -هذا عموم أريد به الخصوص- تحت قدمي موضوع" هذا تعبير على أنه لا يستحق أي تقدير ولا احترام مما فعل في الجاهلية مما يخالف الإسلام، "ودماء الجاهلية موضوعة، وأن أول دمٍ أضع من دماءنا دم ابن ربيعة بن الحارث" وجاء في بعض النسخ الصحيحة من صحيح مسلم: "دم ربيعة بن الحارث" بدون ابن، المقتول ابن لربيعة بن الحارث، اسمه: إياس، أو آدم، أو الحارث، كان مسترضع في بني سعد فقتلته هذيل، جاءه حجر طائش فقتله، فمن قال، يعني من روى أنه دم ربيعة بن الحارث فقد عنى بذلك المستحق للدم، المطالب به، صاحب الدم الذي يطالب به هو ربيعة بن الحارث الأب، وإلا فربيعة عُمّر وعاش إلى خلافة عمر -رضي الله عنه-، والمقتول ابنه كان مسترضعاً في بني سعد، ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، ابن عم النبي -عليه الصلاة والسلام-.
طالب:........
ضبطت بهذا وهذا، هو راضع ومرضع، من حيث الصياغة، راضع ومرضع، لكن السين والتاء هنا لها أثر وإلا ما لها أثر؟ يعني نقول: أنه مسترضع يعني طلب رضاعه في بني سعد؟ ليت الشيخ يسعفنا في مثل هذا؟
أحد المشايخ الحاضرين في الدرس: منكم نستفيد يا شيخ.
لكن الإخوان أيضاً منكم يطلبون، على كل حال الروايات ثبتت بهذا وهذا، والخطب سهل -إن شاء الله تعالى-، فقتله هذيل، "وربا الجاهلية موضوع، وأول رباً أضع ربانا، ربا العباس بن عبد المطلب" العباس عمه، وعم الرجل صنو أبيه، مثل أبيه، والابن شريك لأبيه في المال، فكونه رباً للعباس فهو ربا للعم والعم مثل الأب والابن شريك للأب، إذاً إضافته إليه -عليه الصلاة والسلام- حقيقية، كونه -عليه الصلاة والسلام- "أول دمٍ أضع من دمائنا دم ابن ربيعة" ابن عمه، وأول ربا يضعه -عليه الصلاة والسلام- ربا عباس بن عبد المطلب، هذا يدل على أن القدوة ينبغي أن يبدأ بنفسه وبأقرب الناس إليه، ولذا جاء في الحديث: ((لو أن فاطمة بنت محمدٍ سرقت لقطعت يدها)) هكذا يفعل من يريد الامتثال، أما الذي يأمر الناس وينهاهم ويجبرهم على أشياء هو يخالفها مثل هذا حري وجدير بأن يخالف ولا يطاع أمره، ولو فرض ما فرض، فرض الأوامر بالسيف، إذا لم يتمثل الإنسان نفسه، ويبدأ بنفسه وأقرب الناس إليه فإن أوامره لا بد أن تعصى، وعلى هذا يقال لمن دعا الناس إلى الخير ينبغي أن يكون أسبق الناس إلى فعل الخير، من نهاهم عن فعل المنكرات ينبغي أن يكون أبعد الناس عنها، ولا تتصور العصمة في غيره -عليه الصلاة والسلام-، فلا إفراط ولا تفريط، لا نقول: أنه لا يأمر ولا ينهى إلا المعصوم، كما أننا لا نقول: بانفكاك الجهة من كل وجه، كما يقول بعض الأشعرية: ينبغي للزاني أن يغض، أو يجب على الزاني أن يغض بصره عن المزني بها، الجهة منفكة، هو منهي عن الزنا ومأمور بالغض، ما استطاع أن يجتنب المنهي يفعل المأمور؟ نقول: لا، هذا تلاعب، فلا نطلب من الآمر والناهي والمرشد والموجه والمعلم والداعية أن يكون معصوماً، لكن عليه أن لا يأمر بشيء إلا ويسارع إلى فعله ليكون قدوة ليتم الاقتداء به، بفعله قبل قوله.
قد يقول قائل: هناك أشياء الآمر والناهي لا يستطيع تركها، أب مدخن هل له يزجر أولاده ومن تحت يده عن الدخان؟
طالب:........
يقول: لا أستطيع، أنا أقول: يستطيع، أنت تتحدث بلسان غيرك؟ هو يقول: لا أستطيع.
طالب:........
هو مأمور بالنهي، ويبذل جهده ويستفرغ وسعه في الإقلاع، على كل حال الآن مثلما ذكرنا، مثلما دلّ عليه هذا الحديث العظيم، أن من أمر أو نهى أو أرشد أو وجه ينبغي أن يكون أسبق الناس إلى فعل ما يأمر به، وقد جاء في الحديث: الناس يرون من يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر في النار، فيقول: ما بالك يا فلان كنت تنهانا عن كذا وتأمرنا بكذا؟ قال: نعم، كنت آمركم بكذا ولا أفعل، وكنت أنهاكم عن كذا وأرتكب، نسأل الله العافية.
"فإنه موضوع كله، فاتقوا الله في النساء" عناية شرعية بالنساء؛ لأن الضعف ملازم لهن، "اتقوا الله في النساء" فعلى المسلم أن يتقي الله -سبحانه وتعالى- ويمتثل هذه الوصية، ويعنى بمن تحت يده من الضعفة، من النساء والصبيان وغيره، فالشرع اعتنى بالبنات، وحث على العناية بهن، وكذلك أوصانا بالنساء، ((استوصوا بالنساء خيراً)) ((فاتقوا الله في النساء)) لأن المعاملة والمعاشرة تكون في البيوت غالباً ما يعز فيها البينات، فإذا ظلمت المرأة في بيتها من أين لها أن تأتي ببينة لترفع الظلم عنها؟ فخوطب ضمير الإنسان في مثل هذا، والمسألة مفترضة في مسلم يتمثل الأوامر ويجتنب النواهي، ((اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله)) إما بكلمة التوحيد التي تحرم المسلم على الكافر والعكس، أو بالعقد بالإيجاب والقبول أو بذلك كله، نعم عليك حقوق ولك حقوق، فأدّ الذي عليك، وعلى المرأة أن تؤدي ما عليها، ((ولكم عليهن أن لا يوطئن فروشكم أحد تكرهونه)) يعني لا تأذن لأحدٍ مطلقاً أنت تكرهه ولو كان من المحارم، ((فإن فعلن ذلك -يعني خالفن- فاضربوهن ضرباً غير مبرح)) تؤدب المرأة كما يؤدب الولد، والمعلم يعلم المتعلم، لكن كل هذا حسب التوجيه الشرعي غير مبرح، لا يكسر عظم، ولا يجرح ولا يخدش، يفعل ما يتم به المقصود من غير زيادة؛ لأن الزيادة على ما أذن به شرعاً حرام، فالذي يؤدي الغرض هو المطلوب، ((ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف)) فالكسوة والنفقة والسكنى واجبة على الزوج لزوجته، للزوجة على زوجها، كل هذا واجب للنساء على أزواجهن، من تنازل عن شيءٍ من ذلك من النساء كما لو تنازلت عن شيءٍ من مهرها فكلوه عن طيب نفس، كل هذا عن طيب نفس من غير إكراه، {فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا}[(4) سورة النساء] إذا تنازلت عن شيءٍ من حقوقها بطوعها واختيارها فالأمر لا يعدوها.
"((وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إذا اعتصمتم به كتاب الله))" ترك النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو مصون محفوظ من التحريف والتغيير والزيادة والنقصان، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[(9) سورة الحجر] فهو كما تركه إلى أن يرفع في آخر الزمان، والاعتصام به هو المخرج من الفتن، وهو حل المشكلات والمعضلات، وهو دواء وعلاج لأمراض القلوب والأبدان، فمن تمسك بكتاب الله واعتصم به لن يضل في الدنيا ولا في الآخرة، ولا يشقى في الآخرة، وأنتم والكلام عن القرآن والعناية به أمر جاءت به النصوص، فجاء الحث على قراءة القرآن، وعلى فهم القرآن، وعلى إقراء القرآن، وعلى تدبر القرآن، قراءة القرآن بالنسبة للمسلم أمر مطلوب، جاء الترغيب فيه، بكل حرف عشر حسنات، وعلى طالب العلم على وجه الخصوص من يعنى بالعلم الشرعي آكد، ومن المؤسف أن بعض من ينتسب إلى العلم مهمل للقرآن، يهمه ما يشتمل بزعمه على الأحكام العملية، تجده من حلقة إلى حلقة يتتبع دروس الحديث والفقه وهو هاجر لكتاب الله، والعلم والنور كله في كتاب الله، وزيادة الإيمان واليقين إنما تنشأ عن تدبر القرآن.
فتدبر القرآن إن رمت الهدى |
| فالعلم تحت تدبر القرآنِ |
{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}[(24) سورة محمد] والأمر بالتدبر في أربع آيات، وجاء الأمر بالترتيل، وعلى كل حال وضع طلاب العلم بالنسبة للقرآن غير مرضي، كثير منهم لا أقول كلهم، يوجد -ولله الحمد- من له ورد يومي من القرآن، لا يخل به سفراً ولا حضراً هذا موجود، لكن علينا أن نعنى بالقرآن، شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- يقول: من قرأ القرآن على الوجه المأمور به -يعني بالترتيل والتدبر والتفهم والتغني وتحسين الصوت- يورث القلب من الإيمان واليقين والطمأنينة ما لا يدركه إلا من فعله" هذا شيء ذكره شيخ الإسلام وأكد عليه هو وابن القيم وكتبهم مملوءة من هذا، وغيرهم ممن يعنى بأدوية القلوب.
ولذا تجد من يتتبع الأحكام في الظاهر ويغفل عن هذا الجانب المهم والعلاج الناجع لأدوية القلوب تجده في غفلة، كثير من الناس يشكو قسوة القلب، عامة الناس يشكو الغفلة وعدم الخشوع في الصلاة، سبب هذا ومرده هجر القرآن، هجراً حقيقياً أو حكمياً، على كل حال القرآن والعناية به أمر مستفيض بالنصوص الشرعية وأهل العلم أفاضوا في هذا وبينوا ولم يبق إلا العمل.
يقول: ((وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟)) قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت" ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ من الأسئلة التي لا بد منها، بل من الأصول التي يجب على كل مسلم معرفتها والعناية بها، وليس معنى هذا أنا نرددها باللسان دون معرفة محتواها والعمل بمقتضاها، نشهد أن الرسول بلغ وأدى ونصح ومع ذلك نخالفه، يأمر بلا نأتمر، وينهى فلا ننتهي، هذا التصديق باللسان إن لم يصدقه العمل فهو إلى التكذيب أقرب، نعم التصديق باللسان مع الاعتقاد أمر لا بد منه، والعمل أيضاً لا بد منه.
"فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: ((اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد)) ثلاث مرات، يرفعها إلى السماء" وهذا من أدلة علو الله -سبحانه وتعالى- على خلقه، وأنه بائن من خلقه، وأنه مستوٍ على عرشه، استواءً يليق بجلاله ويناسب عظمته -عز وجل-، واستواؤه لا ينافي نزوله كما جاءت بذلك النصوص، كما أن نزوله لا يناقض استوائه كما هو مقرر في كتب أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، وعلى كل حال العلو متواتر، إثبات العلو هو مذهب أهل السنة والجماعة، وهو مذهب سلف الأئمة وأئمتها، ولا ينكره إلا مبتدع، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
"أولاً: ركعتا الإحرام فيهما من الخلاف ما سمعتم، وأن القول بمشروعة صلاة الركعتين للإحرام، قول جماهير أهل العلم حتى قال النووي: هو قول عامة أهل العلم، ومن يقول: بأنه لا تشرع صلاة الإحرام وإنما النبي -عليه الصلاة والسلام- أحرم بعد فريضة هي الصبح على قول النووي أو الظهر على ما اختاره ابن القيم ورجحه، ليس المراد من تأكيدنا على ركعتي الإحرام أو وقوع الإحرام بعد صلاة والترجيح لقول عامة أهل العلم مهم بقدر ما يهمنا احترام أهل العلم؛ لأن بعض الناس إذا اتجه له رأي وقلد فيه شخص ممن يثق به وأسلم له القياد ازدرى غيره، وتكلم في غيره، فإذا قلت: الأئمة الأربعة على مشروعية صلاة الإحرام، صلاة ركعتي الإحرام، قال: يقول الشيخ الفلاني، هذا الكلام ما هو صحيح، صحيح النبي أحرم بعد الفريضة، لكن لم يذكر أن للإحرام صلاة، ثم يناقش في كون الإحرام قد يقع بعد ركعتين ينوى بهما سنة الوضوء، شخص ما اعتاد سنة الوضوء في عمره كله، يغالط نفسه ويقول: هذه سنة الوضوء، وليس معنى هذا أننا نحط من قدر الطرف الآخر ممن قال: بأنه لا صلاة للإحرام شيخ الإسلام، شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو شيخ الإسلام كما هو معروف، وقال به بعض أئمة العصر كما هو معروف، وشاع هذا القول، وصار هو المتقرر في ذهن كثير من المتعلمين بحيث صاروا ينكرون على من يصلي ركعتين للإحرام، إذا عرفنا أن القول الآخر هو قول عامة أهل العلم فأهل العلم لهم قدرهم، ولهم شأنهم، وسواء رجح قول أو آخر لا شك أن العمدة والمرجح والأصل هو الدليل.
لكن ينبغي أن يحفظ لأهل العلم مكانتهم وكرامتهم ولا يزدرى أحد على حساب أحد، ولعل هذا من إفرازات ما شاع قبل عشرين سنة أو أكثر من نبذ التقليد والتقليل من شأن فقهاء الأمة وكتب الفقه، صاروا يبحثون عمن يعتني بالدليل وهذا أمر مطلوب، لكن الأئمة الكبار فقهاء الإسلام وعلماء الأنصار هم أهل الدليل في الجملة، الإمام مالك، الإمام أحمد، الشافعي، إسحاق، غيرهم من الأئمة، هؤلاء هم المحدثون وفي الوقت نفسه هم الفقهاء، فلا انفكاك بين الفقه والحديث، فإذا قال قائل بركعتي الإحرام ليس معناه أنه يستهين بالقول الآخر، أو يستهين بمن قاله؟ لا، أو قال بعدم صلاة النافلة في وقت النهي، الأمر كذلك، لكن ينبغي التوسط في الأمور كلها، وإنزال الناس منازلهم؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أنزلوا الناس منازلهم)) وعائشة تقول: "أمرنا أن ننزل الناس منازلهم" وهذا مر بنا بالأمس.
يقول: هل يصلي ركعتي الإحرام في وقت النهي؟
نقول: لا، لا يصلي ركعتي الإحرام في وقت النهي، أوقات النهي الخمسة لا تصلى فيها ركعتا الإحرام، لثبوت النهي، عقبة بن عامر يقول: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا" حديث عمر وغيره في النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر معروف، فللتعارض المذكور يغلب جانب الحظر فتمنع الصلاة في هذه الأوقات على تفصيلٍ طويل في هذه المسألة، لأن من يتصدر للإجابة على أسئلة الناس من يقول: أحاديث النهي عامة، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة، والخاص مقدم على العام، نعلم أن المنع من التنفل في أوقات النهي هو قول الجمهور، المالكية والحنفية والحنابلة، ويقول الشافعية بفعل ذوات الأسباب في أوقات النهي، فإذا قال الشافعي ومن يقول بقوله: تفعل ذوات الأسباب؛ لأن أدلتها خاصة وأحاديث النهي عامة، قال الطرف الآخر: بالعكس، يمنع من التنفل في هذه الأوقات؛ لأن أحاديث النهي خاصة بهذه الأوقات، وأحاديث ذوات الأسباب عامة في جميع الأوقات، فليس قول أحدهما بأولى بالقبول من قول الآخر.
وعلى كل حال هذا التعارض بين النصوص من باب العموم والخصوص الوجهي، ولذا تعد هذه المسألة من عضل المسائل والترجيح فيها في غاية الصعوبة، يعني لا يجرؤ طالب أو متعالم يقول: هذا خاص وعام والخاص مقدم على العام، لا، ليس الأمر كذلك، لأن للطرف الآخر أن يقول مثل هذا الكلام سواء، فلهذا ننصح طلاب العلم أن لا يتجرؤوا على الأئمة؛ لأن الأمة ما تزال بخير إذا احترمت علماءها وكبارها، مثل تحية المسجد، تحية المسجد والذي ترجح لدي أنه في الوقتين الموسعين لا مانع من فعل ذوات الأسباب، وفي الأوقات الثلاثة المضيقة لا تفعل ذوات الأسباب ومن باب أولى النوافل المطلقة، يعني عند طلوع الشمس حتى ترتفع قيد رمح، مقدار ربع ساعة أو أقل بقليل 12 دقيقة، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس، وهو يقرب من ذلك مقدار ربع ساعة، وحين تتضيق الشمس للغروب حتى تغرب، وهذه الأوقات الثلاثة هي المضيقة وأمرها أشد.
طالب: قضاء الفرائض؟
قضاء الفرائض ما فيها شيء، النائم عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، هذا وقتها، الفرائض لا تدخل فيها، خلافاً للحنفية.
طالب:........
إذا أحرمت في وقتٍ مضيق لا تتسنن، لا تصلي، حتى الموسع أنا عندي مثل هاتين الركعتين ليس من القوة بحيث تعارض بهما أحاديث النهي.
طالب:........
سجود التلاوة على خلاف؟ إن كان صلاة فحكمها حكم النوافل، وعند من يقول: بأن سجود التلاوة ليست بصلاة يسجد متى شاء في أي وقت، قول ابن عمر في الصحيح أنه ليس بصلاة، يسجد لغير القبلة، ويسجد على غير طهارة، ولا تشمله أحكام الصلاة.
يقول: ألا ترى يا شيخ أن ركعتي الإحرام خاصة بمن أحرم من ذي الحليفة؟
لا وجه للتخصيص هنا، لأن من أحرم أخذ الوصف الذي هو الإحرام، من أي ميقاتٍ كان على حدٍ سواء.
الرسول -عليه الصلاة والسلام- في هذا الكتاب لزم تلبيته، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، والناس يلبون بألفاظٍ أخرى وبصيغٍ لا محظور فيها، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يسمعهم ولا ينكر عليهم، ولكنه لزم تلبيته -عليه الصلاة والسلام-.
الأصل في الرمل أنه الإسراع في المشي مع تقارب الخطى، إن تيسر فهو مشروع مسنون وإلا يسقط.
بعض الناس يهز المنكبين وهو يمشي مشي؟
هذا ليس برمل.
طالب:.......
على كل حال، الطهارة شرط عند جماهير أهل العلم، الطهارة شرط عند جمهور أهل العلم، وعلى هذا عليه أن يتوضأ.
طالب:........
على كل حال إذا تيسر الإسراع في المشي فهو المطلوب، لكن من قدر على بعض العبادة وعجز عن بعضها فإن كان البعض المقدور عليه مقصود لذاته أتي به وإلا فلا، الذي يعجز عن قراءة الفاتحة نقول له: يلزمك القيام؛ لأنك تقدر عليه، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً)) يقول: أنا لا اقرأ، الوقوف من أجل القراءة، نقول: لا، القيام مقصود لذاته، الذي لا يعرف القراءة يقول: أنا لا أستطيع لا أعرف أن اقرأ ولا آية من كتاب الله، لكن أستطيع أن أحرك لساني مثل الذين يقرؤون، نقول: تحريك اللسان ليس مقصود لذاته، لا تحرك لسانك.
الأصلع الذي لا شعر في رأسه، قال بعضهم: بإمرار الموس على رأسه؛ لأنه مقدور عليه، نقول: لا داعي له لأن مجرد إمرار الموس غير مقصود لذاته، وإنما هو تبع.
طالب:...
المقصود أنه ما دام يسمى شعر يلزمه، ما دام يسمى شعر يلزمه.
مرّ بنا بالأمس أن تحمل الصغير والكافر والفاسق صحيح دون أدائهما، فعند الأداء لا بد من توافر الشروط، التحمل تلقي الحديث عن الشيوخ، والأداء هو أداء الحديث للطلاب والتلاميذ، يعني تبليغ الحديث هذا الأداء، وحين الأداء لا بد من اكتمال الشروط.
على كل حال إن دخلت تبعاً لغيرها كزوجها مثلاً فالصدقة بثمن هذه الأضحية لأنها سقطت التضحية عنها، الصدقة بثمن هذه الأضحية أو جعلها بمشروعٍ متعدي النفع أولى، وإلا فالأصل أن التضحية أفضل من الصدقة بثمنها، ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها.
على كل حال الحج باب من أبواب العلم بل من أهم أبوابه، والتفقه في الدين أمر مطلوب شرعاً، ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) كما في الحديث الصحيح، فالقراءة في كتب العلم عموماً ككتب التفسير والحديث والفقه والعقائد وغيرها مما يخدمها كله عبادة، بل من أفضل العبادات، ويستوي في ذلك يوم العيد قبله وبعده.
لا شك أن العلاج شاق في أول الأمر، سواء كان ذلك العجب أو الرياء أو التشريك، طلب دنيا أو غيره، فعلى الإنسان أن يجاهد نفسه، والعجب محبط للعمل -نسأل الله العافية-.
والعجب فاحذره إن العجب مجترفٌٌ --- أعمال صاحبه في سيله العرمِ
يقول الشيخ حافظ -رحمه الله-.
فعلى الإنسان أن يجاهد نفسه ويعودها التواضع ويذكرها بما اشتملت عليه من نقائص، لو تذكر الإنسان وتصور حاله ووضعه من بداية عمره إلى أن شبّ وترعرع وجد من النقص الشيء الكثير الذي يصل به إلى أن يزدري نفسه فضلاً عن أن يعجب بها، والله المستعان.
فعلى كل حال الجهاد لا بد منه، قد يقول قائل: أنه لا يستطيع أن يجاهد نفسه لتصحيح نيته؟ فهل يترك التعلم؟ الجواب: لا، عليه أن يتعلم، وعليه أن يجاهد، والعلم الشرعي كفيل بإذن الله -سبحانه وتعالى- أن يدعو إلى تصحيح النية، وإذا حرص المرء وجاهد نفسه وعلم الله -سبحانه وتعالى- منه صدق النية أعانه على الإخلاص، والله المستعان.
أهل العلم من شراح الحديث وغيرهم قالوا: يسن أن يقرأ مثل هذه الآية إذا فرغ من طوافه واتجه إلى المقام لصلاة الركعتين، وكذلك إذا رقي على الصفا يقرأ: أبدأ بما بدأ الله به كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ}[(158) سورة البقرة]... الخ.
أما بالنسبة لطواف الوداع ما في إشكال، يسقط عن الحائض والنفساء، وأما أسماء بنت عميس فلم يذكر من أمرها شيء، فعلها طهرت قبل الانصراف؛ لأنه لا حد لأقل النفاس، لا حد لأقله، قد تلد المرأة بدون دم، فلا يلزمها نفاس، وقد تلد مع دم ينقطع بعد يوم أو يومين أو أكثر إلى أربعين يوماً على قول، أو إلى ستين كما هو معروف في القول الثاني، على كل حال يقول: هل رجعت إلى المدينة وعادت أم انتظرت حتى طهرت؟ ما ذكر عنها شيء، لكن على كل حال يلزمها طواف الإفاضة بعد أن تطهر كالحائض، ولذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام- في عائشة: ((افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت)) فلا بد أن تطهر لتؤدي طواف الإفاضة، وهو ركن لركن، ما نقول أنها خافت رفقة، تتضرر ما تتضرر ما علينا، هي جاءت بعد تمام الاستطاعة، وإلا فالأصل أن الحج إنما هو مع الاستطاعة.
وطواف الإفاضة ركن والحج ركن من أركان الإسلام كما هو معروف، إذاً يلزمها أن تطوف كما وجه النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت)) الاحتمالات التي ذكرها شيخ الإسلام -رحمه الله- تعالى لا شك أن شيخ الإسلام هو شيخ الإسلام، وهذا اجتهاد منه، وكل يؤخذ من قوله ويترك، ما دام عندنا نصح صحيح صريح ((افعلي ما يفعله الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت)) ولذا قال في حديث صفية: ((أحابسة هي؟)) فدل على أن الحائض تحبس الرفقة.
طالب:........
تخرج وترجع؛ لأنه لا حد لآخره، لكن ما ترتكب المحظور المرتب على التحلل الثاني، ترجع لطواف الإفاضة بس على أن لا يقربها زوجها؛ لأنها ما حلت إلى الآن.