الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن الله -جل وعلا- خلق الجن والإنس لهدف عظيم، وهو تحقيق العبودية لله -جل وعلا- فقال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[(56) سورة الذاريات].
ومن نعمة الله -جل وعلا- على المسلمين أن نوع لهم العبادات، فلم يجعلها نوعاً واحداً بل أنواع، افترض عليهم الفرائض، وسن لهم السنن؛ ليرتب لهم عليها الأجور، وجعل هذه الشرائع متنوعة، فمنها البدنية، ومنها المالية، ومنها المشترك بين المال والبدن، ومنها القاصر على النفس، ومنها المتعدي إلى الغير، فلو كانت نوعاً واحداً، بأن كانت بدنية فقط، كثير من المسلمين مستعد أن يدفع الأموال الطائلة ولا يكلف نفسه وبدنه شيئاً، فيشق عليه أن يؤدي ركعتين ويسهل عليه أن يتصدق بألفين، ومن الناس من هو بعكس ذلك وضده، فيشق عليه إخراج المال، ويسهل عليه ما يتعلق بالبدن، فهو مستعد أن يصلي الليل كله ويصوم النهار، ولكن يصعب عليه ويشق عليه أن يتصدق بالشيء اليسير.
الفرائض لا بد من الإتيان بها، سواءً وافقت هوى النفس أو خالفت، لكن الكلام فيما عدا ذلك من النوافل.
قد يفتح للإنسان باب يوصله إلى الجنة متعلق بالبدن، فليلزم هذا الباب، وقد يفتح للإنسان بابٌ يوصله إلى الجنة وهو متعلق بالمال، وقد أوتي المال فليلزم هذا الباب ويكثر من الإنفاق في سبيل الله.
وأبواب الجنة الثمانية مخصص لكل عبادة منها باب، وقد يدخل الإنسان من جميع الأبواب كأبي بكر -رضي الله عنه- ومثله من يجود بعبادة ربه بجميع أنواعها.
من العبادات ما يطلب فيه السر، وهذا هو الأصل؛ لأنه الأقرب إلى الإخلاص، سواءً كان في ذلك العبادات البدنية أو المالية، وجاء في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: ((ورجل تصدق بصدقة، فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمنيه))، ومنها ما يسن إظهاره وإشهاره كالشعائر، كالصلوات الخمس، والجمعة والأعياد، هذه شعائر، وشعائر الحج أيضاً.
ومنها ما نحن بصدد الحديث عنه وهو الأضحية، يسن إظهارها كصدقة الفطر، وإن كانت صدقة تدخل في عموم ما يسر، إلا أنها شعيرة، كثير من الناس يشتري الرز من المحل ويقدر أن في بيته كذا -عدد كذا من الأولاد والبنات والزوجة- ثم يذهب إلى المحل ويشتري بقدرهم ويدفعها إلى الفقير والأولاد لا يعرفون شيئاً عن صدقة الفطر، مع أن السنة أن تحضر إلى البيت وتكال أمام الأولاد بالصاع وتوزع؛ لينشأ الناشئ على هذه العبادة وهذه الشعيرة، وقل مثل هذا في الأضحية، بعض الناس يذهب إلى البنك، ويأخذ إشعار بأنه دفع قيمة أضحية، وأولاده لا يدرون هل ضحى أو لم يضحي؟! مع أن السنة إشهار وإشعار وإظهار هذه الشعيرة، يشتري الأضحية أو يربيها ويسمنها في بيته كما كان السلف يفعلون ذلك، ثم بعد ذلك يجتمع هو وأولاده يوم العيد بعد الصلاة فيذبحونها، يسمون ويكبرون ويأكلون ويغدون ويتصدقون؛ لينشأ الناشئة على هذه الشعائر، مع الأسف أنه في كثير من بيوت المسلمين لا يعرفون شيئاً عن كثير من العبادات، حتى ما أمر بفعله في البيت من النوافل تجد كثير من الناس يصليها في المسجد، وبعضهم لما سئلوا –وهم من طلبة العلم- قيل له: لماذا أنت تصلي النافلة في المسجد وفعلها في البيت أفضل؟ حتى أن الإمام أحمد سئل عن راتبة المغرب هل تجزئ في المسجد فتردد؛ لأنها بيتية، وكذلك راتبة العشاء وغيرها من النوافل ((وصلاة المرء في بيته أفضل إلا المكتوبة))؛ ليتعلم الشباب، ليتعلم النسا، ليتعلم الأطفال من فعل أبيهم لهذه العبادة العظيمة، ولذا سئل بعض الناس قال: أنا إذا صليت في البيت أتساهل في أمر الصلاة، لكن إذا صليتها في المسجد وأمام الناس أضبطها وأتقنها.
قلنا هذا خلل في القصد، هذا خلل في النية، خلل ظاهر في النية؛ لأنه يظهر -والله أعلم- أنه يتقنها؛ لما يرى ممن يراه من الناس، وإلا فما الفرق في العبادة أن تكون في مكان أو في مكان آخر، والمعبود هو الله -جل وعلا-، وإذا مثل الإنسان بين يدي ربه ينبغي أن تكون صلاته كما قالوا صلاة مودع، وما يدريه لعله ألا يصلي غير هذه الصلاة.
وبعضهم إذا كان في بيته تجوز تجوزاً شديداً، وفعل ما جاء فعله ظاناً أنه هو السنة، فحمل طفله وصبيه وهو يصلي، وقال النبي -عليه الصلاة والسلام- حمل أمامة وهو يصلي، ولا يدري ما الأعذار التي ذكرت في ظروف هذا الخبر، والحديث متفق عليه، وحمل الصبي في الصلاة لا يؤثر، لكنهم يغفلون عن شيء مهم جداً، وهو أنه قد يحمل الطفل في الصلاة وهو فيه نجاسة، لكن لا يدري بها الحفاظة موجودة ويمكن فيها نجاسة فتكون الصلاة حينئذ باطلة؛ إذا صلى وهو حامل نجاسة تكون باطلة، نخن نشاهد في الحرم، في المسجد الحرام من يصلي وهو حامل طفل ويزعم بذلك أنه يطبق السنة وهو لا يدري ماذا يحمل، إذا أراد أن يطبق السنة، أولاً: السنة هذه سنة حاجة، لا يقال أن فعلها أفضل من تركها، هي تشريع بالنسبة للنبي -عليه الصلاة والسلام- وأفضل من عدمه بالنسبة له، أما بالنسبة لغيره ففعله يدل على الجواز لا سيما عند الحاجة، إذا لم يجد ما يكفيه مؤونة هذا الطفل فإنه يحمله صلاته صحيحة.
المقصود أن العبادات منها ما يطلب فيه السر وهذا هو الأصل، ومنها ما يطلب فيه الإعلان والإشهار، وهذا موجود في الشريعة، والتنوع من سمة شريعتنا، ولله الحمد والمنة.
الموضوع الذي هو محل الحديث بعنوان:
الأضحية:
الأضحية ضبطت بأربعة ألفاظ: أُضحية بضم الهمزة، وإضحية بكسرها، وجمعها حينئذ أضاحي، وضحية كهدية وعطية، وجمعها حينئذ ضحايا كهدايا وعطايا، وأَضحاة بالتاء المربوطة، وجمعها أضحى، كأرطاة وأرطى.
الأضحية أخذت التسمية من وقت فعلها، وهو الضحى؛ لأنها تذبح ضحى يوم العيد، وسمي العيد بها فقيل عيد الأضحى.
يلزم من هذا دور وإلا ما يلزم؟ يلزم منه الدور وإلا ما يلزم؟ يعني ترتيب الشيء على شيء مترتب عليه هذا يسمونه دور وهو ممنوع، فيلزم من هذا وإلا ما يلزم؟
طالب............
ما يلزم لماذا؟
طالب: .........
الأضحية أخذت من الضحى، من الوقت الذي تذبح فيه، والعيد سمي بها، فلم يرتب الشيء على شيء مترتب عليه، وإنما مرتب على غيره، رتب العيد على الأضحية، والأضحية على الوقت –الضحى- هل يلزم من هذا تسلسل وإلا ما يلزم؟
نعم.
طالب..........
لا يلزم، لماذا؟
طالب: ........
لأنه منتهي، لأن التسلسل يرتب شيء على شيء، والشيء على آخر، والثاني على ثالث، والرابع على الخامس، وهكذا إلى ما لا نهاية، يعني قول الشاعر:
لولا مشـيبـي مـا جفـا |
|
لولا جفــاه لـم أشــب |
هذا أيش؟
دور؛ لأن المشيب رتب على الجفا، والجفاء رتب على المشيب، هذا دوره ممنوع، لكن إذا قلنا: الدجاجة من البيضة، والبيضة من الدجاجة، والدجاجة من البيضة، والبيضة من الدجاجة... إلى آخره هذا إيش؟ تسلسل، والتسلسل معروف يبحث في كتب العقائد، وهل يوجد التسلسل في الماضي أو في المستقبل، وهل يمنع فيهما أو يقر فيهما؟ مسألة طويلة الذيول بحثها شيخ الإسلام في كثير من كتبه، وقرر أنه لا مانع من التسلسل في المستقبل، وأما في الماضي فيمنعه الجمهور.
على كل حال نعود إلى موضوعنا.
أدلة مشروعية الأضحية:
الأضحية مشروعة، ودل على شرعيتها الكتاب والسنة والإجماع، مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع:
أما الكتاب، فلقول الله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}[(2) سورة الكوثر]، فالصلاة المراد بها صلاة العيد، والمراد بالعيد عيد الأضحى. {وَانْحَرْ}: نحر الهدي والأضاحي وما يحصل بعد الصلاة يوم العيد.
مقتضى الأمر هنا الوجوب، وبه يقول الحنفية في الجملتين، فيوجبون صلاة العيد، ويوجبون الأضحية، والأمر ظاهر في الوجوب.
شيخ الإسلام يوافقهم على الصلاة، فيوجب صلاة العيد، ويؤكد في مسألة الأضحية، ومقتضى السياق أن يوجَب الأمران، وإن كان يوجد ما يصرف الأمر من الوجوب إلى الاستحباب في الجملتين عند الجمهور، وفي الأخيرة منهما عند شيخ الإسلام -رحمه الله-.
{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} طيب، القرآن دل على وجوب صلاة العيد ووجوب الأضحية -كما يقول الحنفية- لكن هل يقولون بالوجوب أو بالفرضية؟ هل يقولون صلاة العيد فرض، والأضحية فرض كالصلوات الخمس والجمعة، وكالزكوات المفروضة أو يقتصرون على قولهم واجبة؟
نعم.
طالب: .......
واجبة وليست بفرض، فهم يفرقون بين الفرض والواجب، ويقولون: إن الفرض ما ثبت بدليل قطعي، والواجب ما ثبت بدليل ظني، طيب، {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} ثابت بالقرآن القطعي، كيف يقولون واجب وليس بفرض؟
طالب: ........
نعم، دلالته ظنيه، وليست بقطعية، ولذا يقولون في حديث صدقة الفطر: "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "يقولون واجبة وليست بفريضة، مع أن نص الصحابي يقول: فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن الخبر ليس بقطعي، فيكتفون بالوجوب.
وهذه مسألة أيضاً النزاع فيها قديم، والمسألة معروفة ومبسوطة في الأصول، هذا بالنسبة لدلالة الكتاب على مشروعية الأضحية وحكمها والخلاف فيها سيأتي.
ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أحاديث كثيرة صحيحة تدل على مشروعيتها، منها: حديث أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يضحي بكبشين أملحين أقرنين، ويسمي ويكبر، ويضع رجله على صفاحهما، وفي لفظ ذبحهما بيده" متفق عليه، وفي لفظ "سمينين"، ولأبي عوانة في صحيحة: "ثمينين" بالمثلثة بدل السين.
سمينين وثمينين، وفي ترجمة عند الإمام البخاري: ويذكر سيمنين، مع أن لفظ سمينين ثابتة، ولفظ ثمينين -بالمثلثة بدل السين- في صحيح أبي عوانة، يعني بالمستخرج وهذه مما تزيده المستخرجات على أصولها، وهي من أهم فوائد المستخرجات، فإذا ورد مثل هذا، الأصل فيه سمينين، والفرع فيه ثمينين، هل نقول أن اللفظين ثابتان، أو نقول الثابت أحدهما، إما هذا أو هذا؟ نعم.
طالب: ..........
يعني هل نقول إن النبي -عليه الصلاة والسلام- ضحى بكبشين أقرنين أملحين سمينين ثمينين؟ فبعض الرواة ذكر لفظ وبعضهم ذكر لفظ آخر، أو أن اللفظ الوارد واحد فبعضهم قال سمينين وبعضهم قال ثمينين؟ والثاء والسين تتبادلان بالنسبة لبعض الناس، قد يكون المحدث أثرم مثلاً، فالسين ينطقها ثاء مثلاً، وقد يكون من جهة يبدلون الثاء بالسين.
على كل حال في مثل هذا لا بد من الترجيح، إلا إذا وجد طريق صحيح قرن فيه بين اللفظين؛ لأنه في المستخرج ثمينين بدل سمينين، وهذا اللفظ أو ذاك لا شك أنه يتمسك به من يقول سمينين أن الأفضل في الأضحية الأنفع للفقير، الأنفع هو الأفضل سمينين، فيلاحظ السمن وهو أنفع، ومن يقول باللفظ الثاني ثمينين يقول: الأفضل الأغلى ثمناً.
ولو افترضنا كبشاً زنته خمسون كيلاً وقيمته ألف ريال، ووجدنا كبش آخر زنته ثلاثون كيلاً وقيمته ألف وخمسمائة ريال، أيهما أفضل؟
طالب: ........
ما يوجد مثل هذا؟
طالب: ........
ما تلقى كبير بألف ريال يصل إلى خمسين كيلو، وتجد نجدي أصغر منه بكثير ثلاثين كيلو وقيمته ألف وخمسمائة؟ ما نجد هذا؟ أيهما أفضل؟ لأن هذه واقعة عملية نحتاج إليها؟
طالب...............
نعم.
طالب.............
كيف؟
طالب...........
يعني المقصود منها هو اللحم، فينظر إليه أكثر مما عداه.
لا شك أن السمين الذي يمكن توزيعه على أكبر عدد من الفقراء أفضل من ضده، الذي هو أقل منه وزناً، لكن إذا نظرنا من ناحية ثانية، مسألة طيب النفس بالعبادة، وجاء الأمر بذلك: ((فطيبوا بها نفساً)) -وإن كان الحديث فيه مقال- الذي يشتري بألف وخمسمائة مثلاً، نفسه أطيب أم الذي يشتري بألف فقط؟ أيهما.
طالب..........
أطيب نفس؟
طالب.........
كيف؟
طالب...........
أطيب نفس يعني الذي يبذل أكثر أطيب نفس وإلا الأقل؟
طالب...........
نعم.
طالب...........
لا، لا ما يلزم، لا، لا الناس يتفاوتون في هذا الباب، لكن لا شك أن البذل دليل على طيب النفس، يعني لو شخص عنده -في نيته- عمارة مسجد، وقيل له إن هناك حي في شمال الرياض محتاج إلى مسجد والمتر بألفين ريال قال: لا، لا في حي آخر في جنوبه أو في شرقه المتر بمائتين ريال، ويش هو الألفين، أيهما والحاجة واحدة؟
لا شك أن الذي يبذل الأموال أطيب نفس، أطيب نفس من الذي يفاضل بينها ويدخر بعضها لنفسه.
طالب: .........
أنت لو كانت واحد، لو كانت المسألة مفترضة في شخص واحد يمكن يطيب بالألف ولا يطيب بالألف والخمس، لكن بعض الناس يطيب بألف وخمس وبعضهم ما يطيب بمائة وخمسين.
طالب...........
((فطيبوا بها نفساً)) يعني نفس مرتاحة وهو يبذل لله -جل وعلا- لا شك أن الذي يبذل الأكثر أطيب نفساً من الذي يخير بين الأمرين فيختار الأقل، فلا شك أن هذا له ميزة، وله مرجح من أهل العلم، والثاني له مرجح من أهل العلم.
ولمسلم من حديث عائشة أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بكبش أقرن يطأ في سواد، ويبرك في سواد، وينظر في سواد، فأتي به ليضحي به، فقال لها: يا عائشة ((هلمي المدية)) يعني السكين، هلمي المدية: يعني هاتيها. ثم قال: ((اشحذيها بحجر))؛ لتكون أحد وأريح في الذبح، (( اشحذيها بحجر)) ففعلت، ثم أخذها وأخذه -يعني الكبش- فأضجعه ثم ذبحه قال: ((باسم الله، اللهم تقبل من محمد وآل محمد، ومن أمة محمد، ثم ضحى به)).
((هلمي المدية)): يعني السكين، ويقوم مقام السكين كل ما أنهر الدم، كل ما أنهر الدم قطع الودجين وقطع البلعوم يجزئ ولو كان حجراً، كما فعلت الجارية -جارية كعب- كانت ترعى غنماً لكعب في شعب من الشعاب فرأت علامات النَّفاق الذي هو الموت على شاة منها، فأخذت حجراً فذبحتها به، فسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((كلوا)).
كل ما أنهر الدم فإنه يذبح به، إلا السن والظفر، كما في الصحيحين. ((أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة))، ومقتضى الحديث أنه لا يجوز الذبح بالعظام؛ لأن العلة كون السن عظم، وجاء النهي عن الاستنجاء بها، والدم المسفوح بحكم الاستنجاء؛ لأنه نجس، والعظم زاد إخوانكم الجن، لكن ماذا عن السن؟ كونه عظم هل المعنى لأنه زاد إخواننا من الجن؟ سن الإنسان زاد إخوانه من الجن؟ نعم.
طالب: .........
يعني لابد أن نربط النصوص بعضها ببعض، يعني النهي عن الاستنجاء بالعظم؛ لأنه زاد إخواننا من الجن، والتعليل بعدم الذبح بالسن؛ لأنه عظم، فيمنع التذكية بالعظام مطلقاً، لكن هل العلة الموجودة هنا هي العلة الموجودة في باب الاستنجاء؟ نعم.
طالب........
كيف؟
طالب: ......
تختلف، إذن لماذا نهينا عن التذكية بالعظم؟ أما السن فعظم، ما يصلح أن يكون زاداً لإخواننا الجن فحكمه حكم الاستنجاء كما سمعنا، لكن السن لا يصلح أن يكون زاداً لإخواننا الجن؛ لأنه يعود أوفر ما كان لحماً؛ ليستفيد منه الجن، أما العظم لم يعود إليه لحمه.
ترى الحديث فيه، الحديث في الصحيحين متفق عليه، وسمعنا وأطعنا، لكن من ناحية التفقه لا بد أن نعرف العلة، لا سيما وأن الحديث معلل في الطرفين، أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة، يعني مقتضى كونه عظم، وهو لن يكون زاداً للجن؛ لأننا أمرنا بعدم الاستنجاء بالعظم؛ لأنه زاد إخواننا من الجن، فهل كون النهي عن التذكية بالسن لأنه زاد إخواننا الجن؟
لا، ما يقول هذا أحد، لكن مقتضى كونه عظم هل يكفي عله للنهي أو للمنع من التذكية به لا سيما والعلة منصوصة، أو نقول: هذه علة منصوصة قريبة من التعبدية، كما لو لم ينص عليها؛ لأن كونه عظم هل نستفيد من ذلك في مسألة الإلحاق في القياس؟
طالب:........
مسألة الإلحاق في باب القياس، ما الفائدة من معرفة العلل؟
القياس، الفائدة من معرفة العلل القياس، فماذا نقيس على السن؟ لأنه عرفنا أنه عظم، أي عظم لا نذبح به، وقد جاء التعليل بكونه زاد إخواننا من الجن، أما السن لن يكون زاداً لإخواننا من الجن، يبدو أنني ما استطعت أن أوصل لكم الإشكال الذي عندي، مفهوم وإلا ما هو مفهوم؟
يعني مقتضى العلة أنه عظم، يعني لا نذبح بالسن؛ لأنه عظم، نقول: العظم نهي عن الاستنجاء به؛ لأنه زاد إخواننا من الجن والسن ليس كذلك، يبقى أن التذكية به ممنوعة، سواءً عرفنا العلة أو لم نعرف، يعني هذه العلة هل نقول هي معقولة لنقيس عليها بقية العظام؟ العظام ممنوعة بنصوص أخرى، لكن هل يمكن أن نقيس عليه عظام ما لا يؤكل لحمه لمن يتدين بدين الإسلام مثلاً، لو وجدنا عظم خنزير مثلاً، هل يكون زاداً لإخواننا من الجن؟
طالب: .......
لا.
عظم كلب، نعم.
طالب: .......
لا يكون زاداً لإخواننا من الجن؛ لأنهم مسلمون، ولا يحل لهم إلا ما يحل لنا، إذن نلحق هذه العظام وإن لم تكن زاداً لإخواننا الجن بالسن؛ لأنها عظم.
استفدنا من هذا وإلا ما استفدنا؟ استفدنا من هذه العلة طيب.
((وأما الظفر فمدى الحبشة)): كون الظفر مدى الحبشة، يقتضي أن المنع للتشبه، صح وإلا لا؟ صح وإلا لا؟ المنع للتشبه، فيستعملون الظفر مكان السكين، طيب اشتريت مسواك سواك اشتريته وتحتاج إلى سكين لتشيل اللحاء عنه فتستعمله بالسكين، ما وجدت سكين هل تستعمله بظفرك وإلا لا؟ أو نقول: لا تستعمله؛ لأنه مدى الحبشة؟
يعني مقتضى التعليل بكونها مدى الحبشة، مقتضى التعليل كونها مدى الحبشة هل يعني هذا أننا لا نستعملها في الذبح، ونستعملها في بقية الاستعمالات التي هي غير الذبح؟ العلة المنصوصة بالخبر أنها مدى الحبشة والمنع للتشبه، والمدية تستعمل في الذبح وغير الذبح، والظفر يستعمل في الذبح وغير الذبح، فهل ننزع اللحاء من السواك بالظفر، أو لا؛ لأنه مدى الحبشة؟
طالب:..........
إذن ما الفائدة من التعليل في كونها مدى الحبشة؟
طالب.................
نعم.
طالب: ...........
والسواك.
طالب...............
خليه
طالب............
يغني إيش الفائدة من التنصيص على العلة؟ لو قال لا تذبحوا بالسن ولا بالظفر لانتهى الإشكال،
طالب..........
أقول ما الفائدة من التنصيص على العلة في الحديث؟ إلا ليستفاد منها في باب القياس والإلحاق.
طالب............
نعم. كيف؟
طالب............
يعني ألحقنا بالعظم بعض العظام التي هي ليست زاداً لإخواننا من الجن، كعظم ما لا يؤكل لحمه، فالظفر حينما مُنِعنا من استعماله في الذبح؛ لأنه مدى الحبشة، فهل نقول أن الظفر لا يستعمل مطلقاً في جميع الاستعمالات التي تستعمل بها السكين؛ لأنه مدى الحبشة؟ ويستعمل فيما عدا ذلك في غير ما يستعمل فيه المدية، يستعمل ما فيه إشكال، لكن فيما تستعمل فيه المدية نكون بذلك تشبهنا بالحبشة؛ لأننا استعملنا مديتهم يعني سكينهم وهي الظفر، في حَل وإلا ما في حَل؟
نعم.
طالب............
لا، لا ينهر، ينهر ما فيه إشكال، ينهر، العصفور يكفيه الظفر، يعني مقتضى النهي التشبه، مادام تشبهنا استعملناه فيما يستعمله فيه الحبشة الذين نهينا عن التشبه بهم.
يعني هل استعمال المدية خاص بالذبح، فنقول الظفر مثله لا يذبح به، ويكون له استعمالات أخرى غير الذبح؟ أو أنهم لا يذبحون إلا بالظفر-وهذا مستحيل- فنمنع ونحسم مادة الذبح بالظفر دون ما عدا؟، هل يمكن أن نقول أن الحبشة لا يذبحون إلا بالظفر، يذبحون الجمل بالظفر؟
ما يمكن لا يمكن، فلا شك أن العلة المنصوصة هذه قاصرة وإلا متعدية؟
طالب: .......
وإذا كانت قاصرة ويش الفائدة من ذكرها؟
طالب...........
لا، هو التعليل ظاهر في كونه مدى الحبشة، العلة المنصوصة كونه مدى الحبشة.
طالب............
في أيش؟
طالب: .......
لأنه مدية، طيب.
طالب............
طيب هم يستعملون غير الظفر، ويستعملون الظفر في الذبح وغيره، المسألة أوسع مما جاء في الخبر، ها الإخوان شاركوا ما هي المسألة...
نعم.
طالب............
كيف؟
طالب............
ترى ما فهمت والله ولا سمعت؟
طالب............
يعني دخول الظفر في الذبح قطعية ما عندنا إشكال، يعني التنصيص على بعض أفراد العام في النص دخوله قطعي هذا ما فيه إشكال، لكن ماذا عن بقية الأفراد التي تلحق بالأصل بالقياس؟ ومثلنا بمثال كل يستعمله واضح يا أخي، اشتريت مسواك وتبي تستعمله وتبي تشيل اللي فوقه ما معك سكين بأي شيء تشيله فهي إلا بأسنانك أو بظفرك، كثير من الناس يستعملون الظفر، نقول: ممنوع لا تستعملوا الظفر؛ لأنه مدى الحبشة؟ الظفر يستعمل في القطع في كثير من الأشياء نعم.
طالب............
إيه.
طالب: .......
طيب.
طالب.............
ما صنعنا شيئاً؛ لأنه نص على علة والعلة معتبرة عند أهل العلم، والعلة المنصوصة لها شأن عند أهل العلم يدور الحكم معها وجوداً وعدماً.
الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- ترجم: باب أضحية النبي -صلى الله عليه وسلم- بكبشين أقرنين ويذكر سمينين، وأجمع المسلمون على مشروعية الأضحية.
إذا عرفنا هذا، وأن الأضحية عبادة لا يجوز صرفها لغير الله تعالى، ((من ذبح لغير الله فقد أشرك)) كما قال -جل وعلا- {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}[(162 - 163) سورة الأنعام]، فالنسك وهو الذبح كالصلاة لا يجوز لغير الله -جل وعلا-، يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله- تعالى وقد ذكر الآية في آخر سورة الأنعام: يأمره -{قُلْ إِنَّ}- يأمره تعالى أن يخبر المشركين الذين يعبدون غير الله -عز وجل- ويذبحون لغير اسمه، أنه مخالف لهم في ذلك، فإن صلاته لله، ونسكه على اسمه وحده لا شريك له، وهذا كقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}[(2) سورة الكوثر] أي: أخلص له صلاتك وذبحك، فإن المشركين كانوا يعبدون الأصنام ويذبحون لها، فأمره الله تعالى بمخالفتهم والانحراف عما هم فيه، والإقبال بالقصد والنية والعزم على الإخلاص لله تعالى.
وقد جاء في الصحيح عند مسلم وغيره من حديث علي-رضي الله عنه- قال: ((لعن الله من ذبح لغير الله))، وقد ورد في فضل الأضحية أحاديث كثيرة لكنها كلها ضعيفة.
حديث عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق دم، إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض، فطيبوا بها نفساً)) رواه الترمذي وقال: حسن غريب لا نعرفه من حديث هشام -يعني هشام بن عروة- إلا من هذا الوجه، ورواه ابن ماجة أيضاً وفي إسناده سليمان بن يزيد راويه عن هشام وهو ضعيف.
وعن زيد بن أرقم قال: قال أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا رسول الله ما هذه الأضاحي؟ قال: ((سنة أبيكم إبراهيم)) قالوا: "فما لنا فيها يا رسول الله" قال: ((بكل شعرة حسنة)) قالوا: فالصوف قال: ((بكل شعرة من الصوف حسنة)). رواه ابن ماجة والحاكم وقال صحيح الإسناد، وقال المنذري في الترغيب: "بل واهٍ" يعني ضعيف جداً، عائذ الله المجاشعي وأبو داود نفيع بن الحارث الأعمى كلاهما ساقط، وحكم عليه الألباني -رحمه الله- بالوضع في ضعيف الترغيب.
وذكر المنذري في الباب أحاديث كثيرة ولكنها كلها ضعيفة، ويكفينا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- فعل وحث على ذلك، وأمر به كما سيأتي في أدلة الوجوب، لكن أجمع المسلمون على مشروعيتها، يعني ولو لم يثبت هذا الفضل المذكور فيها، يعني حينما ينازع في الأجر المرتب على الجلوس بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس، هل نقول أن الجلوس ليس بسنة؟ يعني حينما يقال الخبر لا يثبت ((من صلى الصبح في جماعة ثم جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كان له أجر حجة)) قالوا: هذا ضعيف، وإن كان النزاع موجود منهم من يحسنه، على اعتبار أنه ضعيف هل من جلس نقول له: لا تجلس، الحديث لم يثبت؟
طالب: ..........
لا يا أخي، العمل مشروع ولو لم يثبت هذا الخبر، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يجلس في مصلاه حتى تنتشر الشمس.، فالأضحية مشروعة بل من أفضل الأعمال واختلف في وجوبها، ولو لم يثبت الأحاديث التي ذكرها المنذري.
ذكر الخلاف في حكم الأضحية:
أجمع المسلمون على مشروعيتها، واختلفوا في حكمها، فذهب أكثر أهل العلم إلى أنها سنة مؤكدة في حق الموسر، ولا تجب عليه، قال النووي في المجموع: "هذا مذهبنا وبه قال أكثر العلماء، منهم أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وبلال، وأبو مسعود البدري، وسعيد بن المسيب، وعطاء، وعلقمة، والأسود، ومالك، وأحمد، وأبو يوسف، وإسحاق، وأبو ثور المزني، وداود، وابن المنذر".
الجمهور قالوا: بأنها ليست بواجبة، وإن كانت مستحبة، سنة مؤكدة.
وقال ربيعة والليث بن سعد وأبو حنيفة والأوزاعي هي واجبة على الموسر، إلا الحاج بمنى، وقال محمد بن الحسن: هي واجبة على المقيم بالأمصار، والمشهور عن أبي حنيفة أنه إنما يوجبها على مقيم يملك نصاباً.
وقال ابن قدامة في المغني: أكثر أهل العلم على أنها سنة مؤكدة غير واجبة، وذكر من تقدم ذكره في الطرفين، إلا أنه ذكر مالكاً فيمن أوجبها وهو خلاف المعروف من مذهبه بل مذهبه أنها سنة.
من قال بوجوبها استدل بأدلة، منها: قوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}[(2) سورة الكوثر] وقد تقدم.
ومنها ما رواه البخاري في صحيحه من حديث جندب بن سفيان البجلي قال: شهدت النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم النحر فقال: ((من ذبح قبل أن يصلي فليعد –أمر- فليعد مكانها أخرى، ومن لم يذبح فليذبح)).
فقوله: فليعد، وليذبح كلاهما أمر؛ لاقتران الفعل بلام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب.
من أدلتهم ما رواه أبو داود في سننه عن عامر بن أبي رملة قال: "أخبرنا مخنف بن سليم قال: ونحن وقوف مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعرفات قال: ((يا أيها الناس إن على كل أهل بيت في عام أضحية وعتيرة، أتدرون ما العتيرة؟ قال: هي التي يقول الناس الرجبية)).
قال ابن حجر في الفتح: أخرجه أحمد والأربعة بسند قوي، لكن قال الخطابي فيه أبو رملة مجهول، وقال ابن حجر في التقريب: أبو رملة شيخ لابن عون لا يعرف، يعني فكيف يكون بسند قوي وأبو رملة لا يعرف.
قال الذهبي في الميزان: عامر أبو رملة فيه جهالة وقال عبد الحق: إسناده ضعيف.
وقال أبو داود في سننه بعد سياق الحديث: العتيرة منسوخة، هذا خبر منسوخ، والناسخ له ما رواه الجماعة من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا فرع ولا عتيرة)).
والعتيرة -كما قال الترمذي-: ذبيحة كانوا يذبحونها في رجب يعظمون بها الشهر المحرم شهر رجب.
من أدلتهم ما رواه أحمد وابن ماجه -وصححه الحاكم- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من وجد سعة فلم يضحي فلا يقربن مصلانا)).
قال ابن حجر في البلوغ في هذا الحديث: رواه أحمد وابن ماجه وصححه الحاكم، ورجح الأئمة غيره وقفه.
وقال في فتح الباري: وأقرب ما يتمسك به لوجوب الأضحية حديث أبي هريرة رفعه: ((من وجد سعة فلم يضحِّ فلا يقربن مصلانا)) يقول: أخرجه ابن ماجه وأحمد ورجاله ثقات، لكن اختلف في رفعه ووقفه، والموقوف أشبه بالصواب، قاله الطحاوي وغيره، ومع ذلك فليس صريحاً في الإيجاب، وفي المسألة أحاديث أخرى كلها ضعيفة، لكن الأحاديث التي ذكرناها هي التي يعول عليها من يقول بوجوب الأضحية.
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد.
الحديث الأخير حديث أبي هريرة في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من وجد سعة فلم يضحِّ فلا يقربن مصلانا)) دلالته على وجوب الأضحية ظاهرة وإلا غير ظاهرة؟
طالب............
نعم، من أي وجه؟
طالب............
نعم، يعني مثل دلالة: ((من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربن مصلانا)). إذا قلنا بوجوب الأضحية بهذا السياق قلنا أن صلاة الجماعة ليست بواجبة من ذلك السياق، وصلاة الجماعة واجبة، ومع ذلك النهي عن قربان المسجد، وقربان المصلى إنما هو تعزير، ((من وجد سعة فلم يضحِّ فلا يقربن مصلانا)) هذا طرد له من المصلى، كما أن ((من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربن مساجدنا)) فلا يؤذنا، هذا أيضاً تعزير وليس فيه دلالة على عدم وجوب صلاة الجماعة.
فالمسألة طردية عكسية، يعني إن قلنا بأن هذا يدل على الوجوب -وجوب الأضحية- على هذا يلزمنا أن نقول بعدم وجوب صلاة الجماعة، كيف ذلك؟
لأننا إذا وازنا بين الأمرين المفعول والمتروك في الطرفين ظهرت لنا هذه النتيجة، وصلاة الجماعة واجبة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- هم بتحريق البيوت على المتخلفين، وقال للرجل الأعمى الذي لا يجد قائداً يلائمه: ((أتسمع النداء؟)) قال: نعم، قال: ((أجب لا أجد لك رخصة)) وأي وجوب أعظم من هذا، هذه أدلة من قال بالوجوب، فننظر إلى أدلة الجمهور.
الجمهور استدلوا بأدلة منها:
ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أم سلمة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئا))، وفي لفظ عند مسلم أيضاً: ((إذا دخل العشر وعنده أضحية يريد أن يضحي فلا يأخذن شعراً ولا يقلمن ظفراً))، وفي لفظ له عنها: ((إذا أراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره)).
ووجه الاستدلال أن الأضحية موكولة إلى إرادة المضحي، ولو كانت واجبة لما كانت كذلك، قال النووي: قال الشافعي: "هذا دليل على أن التضحية ليست بواجبة؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((وأراد)) فجعله مفوضا إلى إرادته، ولو كانت واجبة لقال: فلا يمس من شعره حتى يضحي".
الآن الاستدلال سياق الخبر هل هو لبيان حكم الأضحية، أو لبيان المنع من مس الشعر والبشر لمن أراد أن يضحي؟
يعني دلالته الأصلية نعم في حكم الأخذ من الشعر والبشرة لمن أراد أن يضحي، نعم فيه دلالة تبعية وليست أصلية، أن الأمر وكل إلى إرادة المضحي، ولا شك أن الدلالة التبعية معتبرة، إلا إذا عورضت بما هو أقوى منها؛ لأن الخبر إنما سيق من أجل منع من أراد أن يضحي أن يأخذ من شعره وبشرته شيئاً، ولم يسق لبيان حكم الأضحية، فدلالته الأصلية في حكم أخذ الشعر لمن أراد أن يضحي، ودلالته التبعية يعني لو لم يوجد معارض قلنا، على أنه يمكن أن يقال بمثل هذا السياق حتى في الأركان، نعم، من أراد أن يحج فليحتط لنفسه باللباس -مثلاً- لأن الوقت شتاء مثلاً، من أراد أن يحج فليحتط لنفسه باللباس، يعني يأخذ فروة يأخذ بطانية يأخذ شيئاً يتقي به من شر البرد، هل هذا يدل على عدم وجوب الحج؟ يعني الكلام سيق لبيان حكم الحج؟ إنما سيق للاحتياط، كما أن الحديث الذي معنا ((من أراد أن يضحي)) نعم سياقه للمنع من أخذ البشرة، ولذا الدلالة الأصلية ما سيقت من أجل حكم الأضحية.
والعلماء يختلفون في اعتبار الدلالة الفرعية، أما الأصلية يتفقون عليها، يتفقون على اعتبار الدلالة الأصلية، لكن الدلالة الفرعية يختلفون فيها اختلاف كبير، حتى أن الشاطبي كأنه يميل إلى عدم اعتبار الدلالة الفرعية، لكن لا شك أن القول الوسط أن الدلالة الفرعية إذا لم تعارض فهي معتبرة، والعلماء ما زالوا يستنبطون من أدلة الكتاب والسنة من الجملة الواحدة أكثر من فائدة، لا يقتصرون على الدلالة الظاهرة من النص، بل يسترسلون ويستنبطون منه أدلة أخرى، لكن مثل هذا إنما سيق لبيان حكم أخذ الشعر ممن أراد أن يضحي، وتنظيره مثل ما سمعتم، قد يكون فيكم من لم يحج حجة الإسلام، فإذا قيل لكم بمجموعكم بمن فيكم ممن لم يحج حجة الإسلام وهو قادر على ذلك وهي ركن من أركان الإسلام: إذا أراد أحدكم أن يحج فليحتط لنفسه، أو من أراد منكم أن يحج فليحتط لنفسه؛ لأن الجو بارد، ويخشى من الضرر، هل نقول أن هذا فيه ترخيص للجميع لمن أراد أن يحج أو لمن لم يرد، لا، دلالة الحديث الأصلية ما سيقت لهذا.
طالب...........
طيب أنا جيب لك مثال.
الحنفية يقولون: أن وقت صلاة العصر يبدأ من مصير ظل الشيء مثليه، يعني لو وقفت بالشمس صار ظلك طولك مرتين، والجمهور يقولون: لا، مثله مرة واحدة بس، إلى قدر هذا بمَ استدلوا؟
استدلوا بحديث: ((إنما مثلكم ومثل من قبلكم كمثل رجل استأجر أجيراً من أول الصبح إلى وقت الظهر بدينار، ثم استأجر أجيراً من وقت الظهر إلى العصر بدينار، ثم استأجر أجيراً من وقت العصر إلى غروب الشمس بدينارين، فاحتج أهل الكتاب نحن أكثر عملاً وأقل أجراً)).
وجه الاستدلال: اليهود الذين عملوا من أول النهار إلى الزوال واضح احتجاجهم، ولهم أن يحتجوا؛ لأنهم عملوا ضعف العمل الباقي، لكن اليهود كيف يطيب لهم الاستدلال بأنهم عملوا أكثر من عمل المسلمين، وصلاة العصر تبدأ من مصير ظل الشيء مثله؟
قالوا: لا، ما يمكن أن يحتج اليهود إلا إذا كان الوقت يمتد إلى مصير ظل الشيء مثليه، على شان يصح احتجاجهم.
نقول: الاستدلال بمثل هذا الحديث صحيح وإلا ما هو بصحيح؟ صحيح وإلا ما هو بصحيح؟ الدلالة أصلية وإلا فرعية؟
فرعية بعيدة كل البعد عن المراد، مع أن في حديث عبد الله بن عمرو: ((ووقت العصر من مصير ظل الشيء مثله إلى أن تغرب الشمس))، هذا في الصحيح، نقابل هذه الدلالة بمثل هذا الحديث الصحيح الصريح؟ يعني هل الدلالة من الأحاديث المعتبرة؟
يا إخواني، نفرق بين الدلالات قوة وضعفاً، لا بد من التفريق، يعني الأئمة حينما يتكلمون ويحتجون بالنصوص ما يتكلمون من فراغ، ما يتكلمون من فراغ، يعني ما تورد حديث على أبي حنيفة، حديث عبد الله بن عمرو في صحيح مسلم وتنكره أبداً، ما أحتج بهذا الحديث.
طيب صحيح، قال: صحيح لكن ما أحتج به، ما يمكن أن يقول هذا مثل أبي حنيفة، لكن يجيب لك حديث ما يخطر على بالك، ولا على بال غيرك من أهل العلم.
فالدلالة الفرعية لا شك أنها معتبرة، لكن يبقى أنها إذا عورضت بما هو أقوى منها تلغى، مثل المفهوم؛ المفهوم معتبر إذا عورض بمنطوق يلغى؛ لأنه أقوى منه، فمثل هذا ينتبه له.
فالدلالة الأصلية للخبر إنما هي لأخذ الشعر والبشر لمن أراد أن يضحي، الدلالة الفرعية ((وأراد أن يضحي)) لو لم تعارض لقلنا بها.
على كل حال، مثل هذا يحتاج إلى بسط، مثل هذه المسألة على وجه الخصوص تحتاج إلى ضرب أمثلة، يعني من استدل على أن الحائض تقرأ القرآن بأيش، حائض تقرأ القرآن، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لعائشة: ((افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت)) قالوا الحاج يقرأ القرآن، طيب ولا يفعل غير هذا؟ افعلي يعني مما هو من أعمال الحج الخاصة به، افعلي كل ما يفعله الحاج، طيب الحاج يأكل ويشرب وينام ويتكلم وكذا، نقوم نلزم الحائض أن تفعل؛ لأن الحاج يفعل هذا، يعني إبعاد، إبعاد واستغراق في العموم، لا شك أن هذه الدلالة الفرعية يعني تضعف كلما بعدت، إنك تجد العلماء يستنبطون من الحديث عشر فوائد، يعني من جملة واحدة يستنبطون عشر مسائل الأولى واضحة مثل الشمس، ما يختلف فيها أحد، الثانية قريبة منها، الثالثة، قريبة منها، إلى أن تصل إلى العاشرة وفيها خفاء شديد، يعني هل كل هذه الفوائد معتبرة؟ نعم معتبرة إذا لم تعارض، فإذا عروض شيء منها بما هو أقوى منه، ألغي.
مما احتجوا به ما رواه البيهقي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((هن علي فرائض وهن لكم تطوع، النحر والوتر وركعتا الضحى))، وهذا الحديث إسناده ضعيف.
وقال النووي في الشرح المهذب: صح عن أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- أنهما كانا لا يضحيان مخافة أن يعتقد الناس وجوبها، صح عن أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- أنهما لا يضحيان مخافة أن يعتقد الناس وجوبها، يعني الواجب يمكن أن يترك من أجل أن يعتقد الناس أو لا يعتقد؟!
طيب الأمر استقر بوفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- فما الداعي لفعل أبي بكر وعمر؟ لأنهما خليفتان راشدان أمرنا باتباعهما والاقتداء بسنتهما.
لكن يأتي شاب في الثانوية -وهذه مسألة واقعة- الناس يصلون على الجنائز في المسجد الحرام وهو جالس جالس، سلموا الناس، لماذا لم تصلي؟ قال: لئلا يعتقد الوجوب، نجلس لبيان الجواز، هذه مسألة حقيقة يعني!! قد يقع بعض التصرفات من الشباب -أنا سمعت بأذني- وأنا ذاهب إلى رمي الجمرة يوم العيد اثنين من الشباب أجزم بأنهما ما دخلا الجامعة بعد، قال الحمد لله الذي ما أرانا ما كنا نتخوف من البدع، قال صاحبه: مثل إيش؟ قال: مثل قيام الليل ليلة مزدلفة، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- نام حتى أصبح!!
يعني حديث ما ترك الوتر سفراً ولا حضراً، وكونه ما نقل يعني هل يعني أنه ما حصل أو كذا؟ يعني تعجب من كيفية جرأة هؤلاء الشباب، على الإنسان أن يعرف قدر نفسه، عامة أهل العلم على الاستحباب، وأنها ليلة من سائر الليالي بل من أفضل الليالي، ومع ذلك يقول: ما رأينا مبتدعة ولله الحمد.
يعني الذين يسبون الصحابة ويدعون غير الله -جل وعلا- هؤلاء ما هم مبتدعة، لكن الذي يوتر ليلة مزدلفة هذا مبتدع.
هذا خلل، والله خلل في التصور وفي التحصيل، يحتاجون إلى تربية من جديد، يجلس والناس ألوف مؤلفة تصلي على الجنائز؛ لئلا يظن الوجوب! أو لبيان الاستحباب؟!، ولعله يريد أن فعله يصرف الحكم من كذا إلى كذا، والله المستعان.
أبو بكر وعمر على العين والرأس يتركان؛ لئلا يظن الوجوب؛ لأننا أمرنا بالاقتداء بهما، ولذلك كثير ما يستدل أهل العلم على الوجوب بفعل الخلفاء الراشدين، وأكثر من يستدل بهذا الإمام مالك -رحمه الله- يعني يذكر الخبر المرفوع، ثم يذكر فعل أبي بكر وعمر لماذا؟ ليبين أن الحكم محكم غير منسوخ، ولو كان منسوخاً لما فعله أبو بكر وعمر، فيستدل بفعلهما، وقد أمرنا بالاقتداء بهما، والله المستعان.
قال ابن حجر في فتح الباري: قال ابن حزم: لا يصح عن أحد من الصحابة أنها واجبة، وصحَّ أنها غير واجبة عن الجمهور، ولا خلاف في كونها من شرائع الدين.
استدل المجد ابن تيمية صاحب المنتقى جد شيخ الإسلام -رحم الله الجميع- على عدم الوجوب بتضحية الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن أمته، وذكر حديث جابر -رضي الله عنه- قال: "صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عيد الأضحى، فلما انصرف أتي بكبش فذبحه" فقال: ((باسم الله، الله أكبر، اللهم هذا عني، وعن من لم يضحِّ من أمتي)) رواه أحمد أبو داود والترمذي.
وحديث علي ابن الحسين عن أبي رافع أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين، فإذا صلى وخطب الناس أتي بأحدهما وهو قائم في مصلاه فذبحه بنفسه بالمدية، ثم يقول: ((اللهم هذا عن أمتي جميعاً، من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ))، ثم يؤتى بالآخر فيذبحه عن نفسه، ويقول: ((هذا عن محمد وآل محمد)) فيطعمهما جميعاً المساكين، ويأكل هو وأهله منهما، فمكثنا سنين ليس لرجل من بني هاشم يضحي؛ قد كفاه الله المئونة برسول الله صلى الله عليه وسلم". رواه أحمد.
يقول الشوكاني في شرحه: وجه "دلالة الحديثين على الوجوب أن تضحيته -صلى الله عليه وسلم- عن أمته وعن أهله تجزئ كل من لم يضحِّ، سواءً كان متمكناً من الأضحية أو غير متمكن، ثم تعقبه بقوله: ويمكن أن يجاب عن ذلك بأن حديث: ((على كل أهل بيت أضحية)) يدل على وجوبها على كل أهل بيت يجدونها، فيكون قرينة على أن تضحية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن غير الواجدين من أمته".
على كل حال مما تقدم من أدلة الفريقين، يتضح أن أقوى أدلة القائلين بالوجوب الآية، وحديث جندب بن سفيان والأمر بإعادة الذبح، ((فليذبح مكانها أخرى)) والذبح أيضاً ((ومن لم يذبح فليذبح)) هذا ظاهر في الوجوب.
وأقوى أدلة المخالفين رد أمر التضحية إلى إرادة المضحي كما في حديث أم سلمة عند مسلم وغيره، ولا شك أن الأدلة تقرب من التكافؤ، وإذا كان الأمر كذلك فالذي ينبغي على المسلم أن يحتاط لدينه، ويخرج من العهدة بيقين إبراءً للذمة وخروجاً من الخلاف، فيضحي إذا كانت الأضحية لا تشق عليه، أو إذا كان يستطيع أن يقترض ثم يجد سداداً لذلك فليقترض.
وترجم الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- باب سنة الأضحية، وقال ابن عمر: "هي سنة ومعروف".
هل على الحج أضحية:
الإمام مالك -رحمه الله تعالى- استثنى الحاج بمنى، وقال: "لا تسن له الأضحية؛ لأن ما يذبحه هدي لا أضحية" واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- ففي الاختيارات قال: "ولا تضحية بمكة وإنما هو الهدي".
وخالفهم جماهير أهل العلم؛ نظراً لعموم أدلة الأمر بالأضحية في الحاج وغيره، ولبعض النصوص المصرحة بمشروعية الأضحية للحاج بمنى، وترجم الإمام البخاري في صحيحه: باب الأضحية للمسافر والنساء.
ذكر حديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل عليها وقد حاضت بسرف، قبل أن تدخل مكة وهي تبكي فقال: ((ما لك، أنفست؟)) قالت: نعم، قال: ((إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاقض ما يقضي الحاج غير ألا تطوفي بالبيت))، فلما كنا في منى أُتيت بلحم بقر، فقلت: ما هذا؟ قالوا: ضحى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أزواجه بالبقر". وهذا الحديث في الصحيحين، وعند مسلم بلفظ "أهدى" بدل ضحى.
قال ابن حجر: الظاهر أن التصرف من الرواة، يعني بعضهم يقول أهدى، وبعضهم يقول ضحى؛ لأن الوقت واحد، وقت الأضحية ووقت الهدي واحد، فبعضهم يعبر عنه بالأضحية وبعضهم يعبر عنه بالهدي.
يقول: "الظاهر أن التصرف من الرواة؛ لأنه ثبت في الحديث ذكر النحر فحمله بعضهم على الأضحية؛ فإن رواية أبي هريرة صريحة في أن ذلك كان عمن اعتمر من نسائه، فقويت رواية من رواه بلفظ " أهدى" وتبين أنه هدي التمتع؛ فليس فيه حجة على مالك في قوله: لا ضحايا على أهل منى، وتبين توجيه الاستدلال به على جواز الاشتراك في الهدي والأضحية والله أعلم.
إذا عرف هذا فليس في الحديث ما ينفي التضحية، يعني لا نقول أنه قطعي في حكم التضحية لقوله: "ضحى عن نسائه بالبقر"؛ لاحتمال أن يكون أطلق ضحى وأراد أهدى، لا سيما وقد جاء في بعض الألفاظ "أهدى عن نسائه بالبقر"، لكن ليس فيه تعرض لنفي الأضحية؛ الأضحية ثبتت بأدلة أخرى، وكونه -عليه الصلاة والسلام- أهدى عن نسائه البقر، لا يعني أنه لم يضحِّ عنهن، إذا عرف هذا فليس في الحديث ما ينفي التضحية لعدم ذكرها، فتبقى على حكمها المبين في نصوص أخرى كما قال الجمهور.
في قواعد ابن رجب في من فروع قاعدة: (إذا اجتمعت عبادتان من جنس واحد ليست إحداهما مفعولة على جهة القضاء، ولا على طريق التبعية للأخرى في الوقت، تداخلت أفعالهما، واكتُفى فيهما بفعل واحد وهو على ضربين).
إذا اجتمعت عبادتان من جنس واحد: ليست إحداهما مقضية يعني والأخرى مؤداة، وليست إحداهما تفعل على طريق التبعية للأخرى، تداخلت أفعالهما، واكتفى فيهما بفعل واحد وهو على ضربين:-
أحدهما: أن يحصل له بالفعل الواحد العبادتان جميعًا، بشرط أن ينويهما على المشهور.
الثاني: أن يحصل له أحدى العبادتين، وتسقط عنه الأخرى، ولذلك أمثلة: فذكر منها:
إذا اجتمع عقيقة وأضحية فهل تجزئ الأضحية عن العقيقة أم لا؟
هذا المولود ولد في اليوم الرابع يوم العيد يوم السابع، وأراد أن يذبح العقيقة ونواها عقيقة وأضحية، تجزئ وإلا ما تجزئ؟
عبادتان من جنس واحد ليست إحداهما مقضية؛ كلها في الوقت، وليست هذه مشروعة على سبيل التبعية للأخرى، وليست تابعة لشيء آخر، تتداخل؛ مقتضى القاعدة أنها تتداخل.
إذا اجتمع عقيقة وأضحية فهل تجزئ الأضحية عن العقيقة أم لا؟.
على روايتين منصوصتين يعني عن الإمام أحمد، وفي معناه لو اجتمع هدي وأضحية واختار الشيخ تقي الدين أنه لا تضحية بمكة وإنما هو الهدي.
أقول: ينظر في قوله بمكة، هل المراد الحاج فقط، أو نقول المقيم بمكة لا أضحية عليه، كما أنه لا هدي عليه، هذه متعة وهذا قران ما عليه، {ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}[(196) سورة البقرة]، فهل أهل مكة ما يضحون؟ أو المراد من حج منهم، أو المراد من أهدى منهم، سواءً كان حاجاً أو غير حاج؟؟ الذي يظهر أن المراد من أهدى، حاجاً كان أو غير حاج، لكن من لم يهدِ، النصوص تشمل، تشمله كما تشمل غيره.
قال ابن القيم -رحمه الله- في الهدي، -الهدي الذي ينحر وإلا كتاب؟
طالب: ........
نعم، كتاب اسمه زاد المعاد، لكن تعارف أهل العلم على تسميته واختصار اسمه بـ(الهدي): "الأضحية والهدايا والعقيقة مختصة بالأزواج الثمانية المذكورة في سورة الأنعام، ولم يعرف عنه -عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا عن الصحابة، هدي ولا أضحية ولا عقيقة من غيرها، وهذا مأخوذ من القرآن من مجموع أربع آيات: إحداها: قوله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ}[(1) سورة المائدة].
والثانية قوله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ}[(27) سورة الحـج].
والثالثة قوله تعالى: {وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ* ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ}[(142-143) سورة الأنعام]، ثم ذكرها.
الرابعة قوله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ}[(95) سورة المائدة]، فدل على أن الذي يبلغ الكعبة من الهدي هو هذه الأزواج الثمانية، وهذا استنباط علي بن أبي طالب".
وهذا أمر مجمع عليه، أن الهدي والأضحية والعقيقة لا تصح إلا من بهيمة الأنعام، إلا ما حُكي عن الحسن بن صالح أنها تجوز التضحية ببقرة الوحش عن عشرة، والضبي عن واحد، وروي عن أسماء أنها قالت: ضحينا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالخيل، وما روي عن أبي هريرة أنه ضحى بديك، وكل هذه لا تثبت، ولا اعتبار بها.
وقت الأضحية:
ووقت الذبح يوم العيد بعد الصلاة أو قدرها، إلى آخر يومين من أيام التشريق، فتكون أيام النحر ثلاثة، يوم العيد، ويومان بعده، هذا المذهب عند الحنابلة، وهو قول عمر، وعلي، وابن عمر، وابن عباس، وأبي هريرة وأنس، وإليه ذهب مالك والثوري وأبو حنيفة، يعني قول الجمهور أنها ثلاثة أيام.
وروي عن علي-رضي الله عنه- أن آخر أيام الذبح آخر أيام التشريق، وتكون على هذا أربعه، وبه قال عطاء والحسن والشافعي لحديث: ((أيام منى كلها منحر))؛ ولأنها أيام تكبير وإفطار، فكانت محلاً للنحر كالأولين واختاره شيخ الإسلام.
ابن سيرين يقول: لا يجوز النحر إلا في يوم النحر خاصة؛ لأنها وظيفة عيد فاختصت بيوم العيد كالصلاة وأداء الفطرة يوم الفطر.
ودليل المذهب أن الذبح في ثلاثة أيام فقط بل هو قول الجمهور بل هو قول الأكثر، دليل المذهب النهي عن الادخار فوق ثلاث، ولا يجوز الذبح في وقت لا يجوز ادخار الأضحية إليه، وحكم الادخار سيأتي، وشيخ الإسلام، والمفتى به الآن أن الذبح في جميع أيام التشريق الثلاثة، وعلى هذا تكون أيام الذبح أربعة.
حكم ذبح الأضحية قبل الصلاة
من ذبح أضحيته قبل أن يصلي إمام المسلمين صلاة العيد فإن ذبيحته لا تجزئه عن الأضحية، وإنما شاته التي ذبحها لحم يأكله هو ومن شاء وليست بشاة نسك؛ لما روى البخاري في صحيحه عن البراء -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إن أول ما يبدئ به في يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر من فعل فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل فإنما هو لحم قدمه لأهله، ليس من النسك بشيء)) وفي الباب عن أنس وجندب ابن سفيان -وكلها متفق عليها- كلها مصرحة بأنه لا يجوز الذبح قبل الصلاة.
ومن كان في مكان لا تصلى فيه العيد فإنه يتحرى بذبح أضحيته قدر ما يصلي الإمام صلاة العيد عادة ثم يذبح، يعني لو انتظر ساعة بعد طلوع الشمس له أن يذبح؛ لأن الصلاة في الغالب تكون انتهت.
السن المجزئ للأضحية:
اختلف العلماء في السن المجزئ، ففي صحيح مسلم عن جابر-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضان))، والمسنة هي الثنية من كل شيء، من الإبل والبقر والغنم، قاله النووي.
ومذهب الجمهور أن الجذعة من الضان يجزئ، مع أنه يقول: ((لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضان)) الجمهور أن الجذع من الضأن يجزئ، سواءً وجدت المسنة أو لا.
وحكي عن عمر والزهري أنهما قالا لا يجزئ، الجذع من الضأن، استدلالاً بالحديث ((لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضان)) وقد يحتج لهما بظاهر هذا الحديث، وقال الجمهور هذا الحديث محمول على الاستحباب والأفضل.
اختلفوا في الجذع من الضأن فقيل ما له سنة تامة، قال النووي وهو الأصح عند أصحابنا، وهو الأشهر عند أهل اللغة وغيرهم، وقيل ما له ستة أشهر، وهذا قول الحنابلة كما في المقنع وشرحه يقول: "ولا يجزئ إلا الجذع من الضأن، وهو ما له ستة أشهر، والثني مما سواه، والثني من الإبل ما كمل له خمس سنين، ومن البقر ما له سنتان، ومن المعز ما له سنة"، فيجزئ الجذع من الضأن لحديث أبي هريرة عند أحمد والترمذي قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((نعم، أو نعمت الأضحية الجذع من الضأن)).
وعن أم بلال بنت هلال عن أبيها أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يجوز الجذع من الضأن ضحية)).
وعن مجاشع بن سليم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: ((إن الجذع يوفي مما يوفي منه الثني)) وعن عقبة بن عامر قال: "ضحينا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالجذع من الضأن" وهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضاً، وعلى العمل بها عامة أهل العلم، أن الجذع من الضأن يجزئ، وأن الحديث الأول محمول على الاستحباب.
ترجم الإمام البخاري -رحمه الله- باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي بردة: ((ضحِّ بالجذع من المعز، ولن تجزئ عن أحد بعدك))، وذكر حديث أبي بردة، وأنه ضحى قبل الصلاة، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((شاتك شاة لحم)) فقال: إن عندي داجناً، جذعة من المعز، فقال: ((اذبحها ولا تصلح لغيرك)).
وفي الاختيارات لشيخ الإسلام ابن تيمية، قال: "تجوز الأضحية بما كان أصغر من الجذع من الضأن لمن ذبح قبل صلاة العيد جاهلاً بالحكم ولم يكن عنده ما يعتد به في الأضحية غيرها؛ لقصة أبي بردة بن ميار ويحمل قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((ولن تجزئ عن أحد بعدك)) أي بعد حالك، يعني شيخ الإسلام حمل الحديث على الحال، لا على الشخص، والجمهور على أنها لا تجزئ عن أحد أبداً، يعني لا يذبح، إذا ما كان عنده إلا جذعة من المعز لا يذبح، أو أقل من جذع الضأن لا يذبح، ليست أضحية، ليست مما يشرع التقرب به؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((لن تجزئ عن أحد بعدك))، شيخ الإسلام يقول: تجزئ، وحمل الحديث على الحال، يعني بعد حالك، يعني غير حالك هذه لا تجزئه، أما من كانت حاله مثل حالك تجزئ، ولا شك أن هذا من شيخ الإسلام -رحمه الله- مقبول باعتبار إحاطته بنصوص الشريعة وقواعدها العامة والمصالح وغيرها والمقاصد -مقاصد الشريعة- لكن غيره هل يمكن أن يقول مثل هذا الكلام؟ هل يمكن أن يقول غير شيخ الإسلام غير هذا الكلام، يعني هل لطالب علم أن يقول: أبداً لن تجزئ، يقول تجزئ، يمكن أن يقوله طالب علم؟ ما يمكن، هل يمكن أن يقول طالب علم: أحابستنا هي الرسول يقول: ((أحابستنا هي)) يقول الحائض ما تحبس الرفقة، لكن شيخ الإسلام بسعة علمه واطلاعه على نصوص الشريعة ومقاصدها وقواعدها العامة يقول مثل هذا الكلام، ولا إمامة إلا بجرأة، كما هو معروف، لكن يبقى أن الجرأة لمن؟ ما يقول والله شاب من الشباب أو متعلم من المتعلمين ولا حتى عالم دون شيخ الإسلام بمراحل أن يقول مثل هذا الكلام.
لا يجزئ في الأضحية العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضلعها، الكبيرة التي لا تنقي، كما رواه أحمد والأربعة، وصححه الترمذي وابن حبان من حديث البراء بن عازب، قال أبو داود: "لا تنقي يعني ليس لها مخ".
وأخرج أبو داود من حديث عقبة بن عامر السلمي أنه قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن المصفرة" وهي التي تستأصل أذنها، والمستأصلة التي استئصل قرنها، والبخقاء التي تبخق عينها، والمشيعة وهي التي لا تتبع الغنم عجفاً أو ضعفاً، والكسراء الكسيرة لكن الحديث فيه ضعف.
وأخرج أيضاً أبو داود عن علي قال: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نستشرف العين والأذن ولا نضحي بعوراء ولا مقابلة ولا مدابرة ولا خرقاء ولا شرقاء المقابلة مقطوعة طرف الأذن، والمدابرة المقطوعة من مؤخرة الإذن، والشرقاء قال: المشقوقة الإذن، والخرقاء مخروقة الأذن للسمة، يعني للوسم، وهذا أيضاً ضعيف.
مقطوع الألية، يستورد من الغنم ما هو مقطوع الألية لا سيما من استراليا، جمع من أهل العلم على أنه يجزئ؛ لأن قطع الألية إنما هو لمصلحته كالخصاء، لمصلحة الفحل أو المضحى به.
أخرج أحمد وابن ماجة والبيهقي من حديث أبي سعيد قال: اشتريت كبشاً لأضحي به، فعدى الذئب فأخذ الألية منه، فسألت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((ضحي به)) والحديث ضعيف؛ لأن فيه جابر الجعفي مضعف عند أهل العلم شديد الضعف، وشيخه مجهول، لكن له شاهد عند البيهقي.
من أحكام الأضحية:
أفضل الأضاحي الإبل ثم البقر ثم الضأن ثم الماعز، فتجزئ البدنة والبقرة عن سبعة، قال شيخ الإسلام: "الأجر في الأضحية على قدر القيمة مطلقاً"، ولعل مستنده قوله في الحديث: "ثمينين".
وتنحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى، فيطعنها بالحربة في الوهدة التي بين أصل العنق والصدر، ويذبح البقر والغنم ويقول عند ذلك: بسم الله والله أكبر، اللهم هذا منك ولك، اللهم تقبله عن فلان.
يتولى الذبح بنفسه إن كان يحسن ذلك كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإذا كان لا يحسن ذلك ولم يعتد هذا الأمر فأقل الأحوال أن يحضر الذبح، ثم يأكل ويهدي ويتصدق منها أثلاثاً.
لا يجوز لمن أراد أن يضحي أن يأخذ من شعره أو بشرته شيئاً -كما تقدم في حديث أم سلمة- وبذلك قال سعيد بن المسيب، وربيعة، وأحمد بن حنبل، وإسحاق، وداود، وقال بعضهم أن الحديث محمول على الكراهة، كراهة التنزيه لا التحريم.
في البخاري من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "كنا نتزود لحوم الأضاحي على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة" يعني يأخذون يتزودونها أكثر من ثلاثة أيام، يعني طريقهم هذا يأكلون منها، بل قد يدخرونها إذا وصلوا إلى المدينة يبقى منها شيء.
عن سلمة بن الأكوع قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة وبقي منها شيء))، يعني نهي عن الادخار بعد ثلاث، والصحابة: كنا نتزود لحوم الأضاحي على عهده إلى المدينة وهذا يستمر أكثر من ثلاثة أيام، بل يأخذ أسبوع وأكثر. سلمة بن الأكوع قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة وبقي منه شيء))، فلما كان العام المقبل قالوا: يا رسول الله، نفعل كما فعلنا عام الماضي قال: ((كلوا وأطعموا وادخروا فإن ذلك العام كان بالناس جهد فأردت أن تعينوا منها))، يعني تتصدقون بما زاد عن حاجتكم في الأيام الثلاثة.
ومن حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: "الضحية كنا نملح منه فنقدم به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة فقال: ((لا تأكلوا إلا ثلاثة أيام)) وليست بعزيمة، ولكنه أراد أن نطعم والله أعلم.
وجاء في الخبر أن النهي عن الادخار فوق ثلاث إنما كان من أجل الدافة: قوم قدموا إلى المدينة وبهم حاجة وجوع، فنهي عن الادخار من أجل أن يتصدق على هؤلاء المحتاجين، والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.