اللؤلؤ المكنون في أحوال الأسانيد والمتون (02)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نأتي إلى درسنا، والله المستعان.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الأبيات المقروءة أمس استوعبت وإلا بقي منها شيء؟
طالب: إحنا وقفنا على: وإنما طريقها الرواية".
طيب وأنت قرأت إلى؟
طالب:........
وأنت قرأت أمس.......
طالب:........
طيب إذاً نأتي على الأبيات الباقية من درس الأمس ثم نقرأ الجديد -إن شاء الله تعالى-.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وإنما طريقها" يعني طريق معرفة الوحيين "الرواية" لأنها لا تدرك برأي ولا استنباط.
"فافتقر الراوي إلى الدراية" لا بد أن يدري ما يروي؟ وكيف يروي؟ وعمن يروي؟
بصحة المروي عن الرسولِ |
| ليعلم المردود من مقبولِ |
لا بد أن يعرف صحة المروي، ويعرف المقبول من المردود، في عصر الصحابة في أول الأمر ليسوا بحاجة إلى مثل هذه القواعد وهذه الضوابط، وليسوا بحاجة إلى تمييز المقبول من المردود؛ لأنهم يأخذونه مباشرة من النبي -صلى الله عليه وسلم-، إنما احتيج إلى ذلك بعد أن ظهرت الفرق المبتدعة، وكذبوا على النبي -عليه الصلاة والسلام- وافتروا عليه تأييداً لبدعهم.
ولذا يقول الناظم -رحمه الله تعالى-: "لا سيما بعد تظاهر الفتن" بعد أن وجدت هذه الفتن وهذه الفرق لما وجدت الفتن بعد مقتل عثمان -رضي الله عنه-، وما حصل بين علي -رضوان الله عليه- مع معاوية -رضي الله عنه-، وما حصل بين الصحابة مما شجر بينهم احتاج بعض الضعاف ضعاف الدين بل ضعاف العقول أن يضع بعضهم في تأييد ما يذهب إليه، فوجدت الخوارج وجدت الروافض، وجدت النواصب، وجد القدرية، وكل فرقة تعرف أن دعواها لا تنفق بين الناس إلا بنص، أيدوا بدعهم ببعض المتشابه، ونظروا إلى النصوص بعينٍ واحدة، فنظر الخوارج إلى نصوص الوعيد، ونظر المرجئة إلى نصوص الوعد، وأوغلوا في الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولذا احتيج إلى نقد الرجال "بعد تظاهر الفتن ** ولبس إفك المحدثين بالسنن" هنا جاءت الحاجة إلى معرفة أحوال الرجال؛ لأنه ليس كل أحدٍ يقبل قوله، وليس كل أحد تقبل روايته، ولذا يختلفون في رواية المبتدع، ويؤكدون على رد ما يؤيد بدعته، وسيأتي تفصيل القول في رواية المبتدع -إن شاء الله تعالى-.
فقام عند ذلك الأئمة |
| بخدمة الدين ونصح الأمة |
ما قصروا، حذروا من الضعفاء، حذروا من الرواية عن المبتدعة، "تثبتوا في قبول الأخبار"، "سموا لنا رجالكم"، "العلم دين فانظر عمن تأخذ دينك"، "الإسناد من الدين"، "بيننا وبين القوم القوائم" يعني الإسناد، المقصود أنهم شددوا في هذا الباب؛ لئلا يدخل في الدين ما ليس منه، واستمر الأمر على بيان أحوال الرواة في أول الأمر الكلام بقدر الحاجة قليل، ثم ازداد لما ازداد عدد الوسائط زاد الكلام، وكثرت أقوال أهل العلم في الرواة جرحاً وتعديلاً، وصنفت في ذلك المصنفات، وألف في السنة، وميز الصحيح من الضعيف، فألفت كتب الصحاح والسنن والمسانيد، والصحاح خصصت لما صح وثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، والسنن والمسانيد فيها الصحيح والضعيف والحسن من غير بيان اكتفاءً بالأسانيد؛ لأنه إذا أسند برئ من العهدة، والناس في أول الأمر يعرفون الرواة، والعهد قريب، كثيرٌ منهم عاشر الرواة وعاصرهم وعاش بينهم وعاشوا معه، يعرف أن فلان ضعيف، يعرف أن فلان في عدالته كلام، يعرف فلان في ضبطه كلام، لكن بعد ذلك احتيج إلى التصنيف في الجرح والتعديل، وكثر كلام أهل العلم في الرواة حتى أنه ليوجد في الراوي الواحد أكثر من عشرة أقوال، فاحتيج إلى ضبط ذلك بالقواعد، قواعد الجرح والتعديل، شروط الجارح شروط المعدل، متى يقبل الجرح؟ متى يقبل التعديل؟ المقصود أن أهل العلم ما قصروا، وألف في الأحاديث الضعيفة على حدة، ألف في الموضوعات على حدة، المقصود أن..
فقام عند ذلك الأئمة |
| ................................... |
يعني بالأمر خير قيام، وهذا من حفظ الدين الذي تكفل الله بحفظه.
................................... |
| بخدمة الدين ونصح الأمة |
خلصوا صحيح السنة وما نسب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.
.........................من مفترى
|
| حتى صفت نقيةً كما ترى |
أحاديث صحيحة معروفة في الصحيحين وغيرهما، الأحاديث الضعيفة نبه عليها أهل العلم، نبهوا على جميع الرواة جرحاً وتعديلاً، ميزوا الضعيف والموضوع، ألف في الموضوعات وغير ذلك.
وخلصوا صحيحها من مفترى |
| حتى صفت نقيةً كما ترى |
المتقدمون كانت عندهم القواعد في الصدور، لا يوجد كتاب في أصول الفقه عند المتقدمين قبل الإمام الشافعي، ولا يوجد في علوم الحديث كتاب مستقل يجمع جميع ما يحتاج إليه المتأخرون، أما ما يحتاجونه فلم يقصروا فيه، والحاجة كلما طال العهد تزداد، ولذا تجدون في كل علمٍ من العلوم في التصنيف فيه يبدأ مختصر حسب الحاجة، ثم يزيد أهل العلم فيه مما يحتاج إليه مما طرأ بعد، ثم يزاد عليه كذلك.
ثم إليها قربوا الوصولا |
| لغيرهم فأصلوا أصولا |
يعني ضبطوا وضعوا قواعد يستعين بها من جاء بعدهم على معرفة المقبول من المردود.
ولقبوا ذاك بعلم المصطلح |
| حيث عليها الكل منهم اصطلح |
هناك اصطلاح وهو العرف الخاص عند أهل هذا الشأن هذا يسمونه اصطلاح، فإذا اصطلح أهل الحديث على شيء سمي مصطلح أهل الحديث، واصطلح أهل اللغة على شيء قيل: مصطلح أهل اللغة، اصطلح أهل التجارة على شيء قيل: مصطلح التجار، اصطلح أهل الزراعة على شيء وهكذا..
ولقبوا ذاك بعلم المصطلح |
| حيث عليها الكل منهم اصطلح |
بحسب احتياجهم إليها، نعم يعني لو نظرنا إلى أول ما كتب في المصطلح، سواءً ما وجد مبثوثاً في كتب الإمام الشافعي، أو من خلال سؤالات الأئمة، وما دمج في تواريخيهم، وما كتبه الترمذي في جامعه من بعض القواعد، والدارقطني ومن جاء بعدهم إلى أن جاء الرامهرمزي فصنف كتابه: (المحدث الفاصل بين الراوي والواعي) لكنه لم يستوعب، طبيعي أنه لا يستوعب، يعني أول لبنة توضع في هذا البناء من عمل البشر هل يتصور أن تكون مستوعبة؟ لا يتصور، ولو استوعب الأول انقطعت الأجور عمن جاء بعده خلاص، ليس لمن جاء بعده دور.
وهذا الدين -ولله الحمد- أبواب الخير فيه كثيرة مشرعة مترعة، كل من جاء إلى يوم القيامة يجد له مما يناسبه مما يقربه إلى الله -عز وجل-، فجاء بعد الذي لم يستوعب من استوعب نوعاً ما وبقي أشياء، جاء الحاكم أبو عبد الله فألف المعرفة معرفة علوم الحديث لكنه لم يهذب ولم يرتب، هل يتصور أن التأليف في العلوم في بداية الأمر من الناحية الصناعة من ناحية الصناعة وترتيب المعلومات بعضها على بعض يكون مثل صنيع المتأخرين الذين استفادوا من المتقدمين وتخرجوا على كتبهم، وصاروا عالةً عليهم؟ يعني يصير دور المتأخر شيء من الزيادة مما احتيج إليه وترتيب وتهذيب، والفضل للمتقدم كما قال ابن مالك:
وهو بسبقٍ حائزٌ تفضيلاً |
| مستوجبٌ ثنايا الجميلا |
فالسابق له فضل على اللاحق؛ لأنه استفاد منه.
ثم بعد الحاكم، الحاكم قال فيه الحافظ ابن حجر: إنه لم يهذب ولم يترب، وقال ابن خلدون في مقدمته: إنه أول من هذب هذا العلم ورتبه، فهل نأخذ بقول ابن خلدون أو بقول ابن حجر؟ نعم؟
طالب:........
إيش؟
طالب:........
نجمع بينهما؟ ماذا نقول؟
طالب:........
ابن خلدون رتب وهذب نقيض الدعوى.
طالب:........
كثير من طلاب العلم يقولون: نقبل كلام ابن حجر وابن خلدون ما له اعتبار، المسألة نظر، شخص نظر في كتاب وقال: مرتب هذا يحتاج إلى نص؟ نقول: ابن خلدون ما له نظر؟
طالب:........
نعم، كلامك له حظ من النظر، يعني إذا نظرنا إلى كلام ابن حجر: لم يهذب ولم يرتب بالنسبة لمن جاء بعده، يعني إذا قارنا (معرفة علوم الحديث) بـ(علوم الحديث) لابن الصلاح وجدنا أن المعرفة ما رتب مثل ترتيب ابن الصلاح، رتبه وإن كان أيضاً يلاحظ عليه بالنسبة لمن جاء بعده أن ابن الصلاح لم يرتب، جاء بعده من هو أدق منه في الترتيب، وكلام ابن خلدون: إنه أول من هذب ورتب بالنسبة لمن قبله، ابن الصلاح جاء بعدهم، أبو نعيم قبله وضع مستخرج على المعرفة للحاكم، ثم جاء القاضي عياض فألف (الإلماع) وهو كتابٌ لطيف لكنه في بابٍ خاص من هذا العلم وهو (أصول الرواية وتقييد السماع في التحمل والأداء) ثم جاء ابن الصلاح فنظر في هذه الكتب، بل قبله وقبل القاضي عياض الخطيب البغدادي الذي ألف (الكفاية في قوانين الرواية) وألف (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع) وألف في غالب أنواع علوم الحديث، كل نوع من أنوع علوم الحديث وضع فيه مصنف خاص، ابن الصلاح جاء بعدهم فنظر في هذه المؤلفات واعتنى بتآليف الخطيب فأخرج (الكتاب وعلوم الحديث) ثم بعد ذلك سار الناس بسير ابن الصلاح وداروا في فلكه، وعنوا بكتابه، كما قال الحافظ: "فلا يحصى كم شارح له ومختصر..، كم ناظمٍ له ومختصر، ومستدركٍ عليه ومنتصر وإيش؟ ومعارض له ومنتصر، المقصود أن الناس داروا في فلكه، فلا تحصى مختصراته، ونظم من قبل جمعٍ من أهل العلم، شرح من قبل جمعٍ غفير، حشي، وضعت عليه النكت، المقصود أن الناس عنوا به، وكأنه ألغى ما قبله من الكتب، لكن هي الأصول، تبقى أصول، هو جمع هذه الأصول وتبقى الأصول أصول، ولذا يقول:
وزاد من جا بعدهم عليها |
| بحسب احتياجهم إليها |
وما زال الناس يكتبون في علوم الحديث، والباب ما زال بحاجة، الأمثلة التي تتكرر في كتب المصطلح يمكن تغير، يمكن يضاف إليها، يمكن أن ينظر إليها من وجهات أخرى، المقصود أن هذا العلم ما زال حياً، وما زال التأليف فيه باقياً، والمسألة ما هي بمسألة نص لا يحتاج إلى تقديم ولا تأخير ولا إعادة نظر، هذه مسألة صناعة قابلة للتطوير، والعمدة في ذلك على ما قاله المتقدمون، مجرد أن ينظر في كلامهم ويجمع كلامهم ويصاغ ويقدم للمتعلمين.
وكل بحث أهل هذا الفن |
| في حال إسناد وحال المتن |
نعم ما في غير هذا، أهل هذا الفن الذين هم أهل الحديث، أهل مصطلح الحديث بحثهم في أمرين: هما موضوع هذا العلم السند والمتن، هل غير السند والمتن؟ لا يوجد غير سند ومتن عندنا، وتقدم تعريف السند وتعريف المتن، وذكره المؤلف هنا في البيت الذي يليه فقال:
عنوا بالإسناد الطريق الموصلة |
| للمتن عمن قاله أو فعله |
الإسناد الطريق الموصل للمتن، حكاية طريق المتن، سلسلة الرجال أو الرواة الذين يذكرهم المحدث ابتداءً من شيخه وانتهاءً برسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
عنوا بالإسناد الطريق الموصلة |
| للمتن عمن قاله أو فعله |
يعني سواءً المنقول بهذا الإسناد قول أو فعل، "عمن" و(من) هذه من صيغ العموم فتشمل من قاله، سواءً كان النبي -عليه الصلاة والسلام- في المرفوع، أو الصحابي في الموقوف، أو التابعي فمن دونه في المقطوع على ما سيأتي بيان ذلك كله -إن شاء الله تعالى-.
جوالمتن ما إليه ينتهي السند |
| من الكلام والحديث.. |
عطف على الإسناد، وإن شئت أن تستأنف لطول الفصل قلت: "والحديث ما ورد".
المتن ما ينتهي إليه السند من الكلام، أو هي الألفاظ الغايات من هذه الأسانيد، الأسانيد مجرد وسائل لمعرفة هذه الألفاظ التي هي المتون.
"...والحديث ما ورد *** عن النبي.." الحديث ما ورد عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومنهم من يطلق الحديث بإطلاقٍ أعم، فيشمل به ما روي عنه -عليه الصلاة والسلام-، وما روي عن الصحابة والتابعين بالمعنى الأعم؛ لأن الحديث في الأصل ما يتحدث به، كلام المعاصرين حديث بهذا المعنى، المعنى الأعم كل ما يتحدث به حديث، لكن أهل العلم خصصوا الحديث بما يضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- المرفوع، ومنهم من أدخل معه كلام الصحابة والتابعين مما يشمله اسم الأثر، ولذا لو قيل لك في مكتبة: هذه الجهة هذه جهة كتب الحديث، وهذا قسم التفسير، وهذا قسم الفقه، لك أن تقول: لا يا أخي هذا التقسيم ما له أصل، كله حديث، كله مما يتحدث به، كله كلام، نقول: لا، نعم الإطلاق الأعم يشمل كل شيء، الحديث ما يتحدث به، لكن العرف والاصطلاح خصوه بما يروى عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإن جعله بعضهم مرادف للخبر.
وقد يقولون الخبر |
| كما أتى عن غيره كذا الأثر |
فيقولون: ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- الحديث، وما جاء عن غيره خبر، ولذا يقولون: من ينتسب إلى حديث محدث أو حديثي، ومن ينسب إلى الخبر إخباري نسبةً إلى المصدر، فإن قلت: أَخباري فهو نسبة إلى الجمع جمع الخبر، وأهل العلم يقررون أن النسبة إلى الجمع شاذة.
"كما أتى عن غيره" الخبر عنه وعن غيره -عليه الصلاة والسلام-، وعرفنا أن الحديث بالمعنى الأعم يرادف الخبر عنه وعن غيره -عليه الصلاة والسلام-، "كذا الأثر" الأثر أعم، الأثر عام، فكل ما يدلك على شيء فهو أثر، كتابتك هذه أثر، نطقك أثر، مشيك على الأرض أثر فهو أعم، لكن من أهل العلم من يطلق الأثر على الموقوف، والخبر على المرفوع كالحديث، وهذا منسوب لبعض الفقهاء من الخرسانيين، وإن كان كثيرٌ من أهل العلم ينتسب إلى الأثر لعنايته بالسنة، من يعتني بالسنة ينسب إلى الأثر، ويريدون بذلك المأثور عن نبي الله -صلى الله عليه وسلم-، وعن صحابته، من يعتني بالأحاديث وأقوال الصحابة يقال له: أثري، وانتسب إلى الأثر جماعة من أهل العلم بحق وبغير حق بمجرد دعوى، في مطلع الألفية ألفية العراقي:
يقول راجي ربه المقتدرِ |
| عبد الرحيم بن الحسين الأثرِ |
وما زال الاسم مطروق عند المتقدمين والمتأخرين.
وهاك تلخيص أصولٍ نافعة |
| لجل ما قد أصلوه جامعه |
يقول: خذ ملخص لما كتبه أهل العلم في هذا الباب أو في هذا الفن؛ لأنا عرفنا أنهم ابتدأوه ثم كل من جاء زاد، ولذا قال: "وزاد من جاء بعدهم عليها" الشيخ نظر -رحمة الله عليه- فيما كتبوه وأصلوه فلخص هذه الأصول.
وهاك تلخيص أصولٍ نافعة |
| لجل ما قد أصلوه جامعه |
لكثير مما ذكروه في كتبهم المطولة والمختصرة جمعه في هذه الأبيات القليلة، صفحات يسيرة تجمع جل ما أثروه بنظمٍ سلسل ماتع نافع جامع -فرحمه الله وأكرم مثواه-، نعم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين، أما بعد:
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
وَلْتُحْفَظَ اَلأَنْوَاعُ مِنْهُ مُجْمَلَةْ |
| مِنْ قَبْلِ أَنْ تَخُوضَها مُفَصَّلَةْ |
يكفي يكفي.
المؤلف -رحمه الله تعالى- بعد المقدمة ذكر فهرساً يجمع الأنواع، يجمع سرد الأنواع التي سوف يتحدث عنها في كتابه، ابن الصلاح -رحمه الله تعالى- ذكر في مقدمة الكتاب الأنواع السبعة والستين التي فصلها فيما بعد، والمؤلف هنا ذكر هذه الأنواع على سبيل الإجمال، ثم تحدث عنها تفصيلاً واحداً تلواً الآخر، وهذا ما يعرف عند أهل العلم باللف والنشر، تذكر الأقسام أو ما يراد الحديث عنه على سبيل الإجمال، ثم بعد ذلكم تنشر وتفصل، فإن كانت على نفس الترتيب ترتيب النشر والتفصيل على نفس ترتيب الإجمال سمي اللف والنشر المرتب، وإن كان فيها شيءٌ من الاختلاف من التقديم والتأخير سمي اللف والنشر غير المرتب، وقد يقول أهل البلاغة: المشوش، لف ونشر مشوش، وكونه مشوش هذا ليس بعيب، ليس بعيب إذا قدم في النشر ما أخر في الإجمال لمصلحة فهذا ليس بعيب، فقد جاء في أفصل الكلام اللف والنشر المرتب وغير المرتب كلها موجودة في القرآن وفي استعمالات العرب، في السنة أيضاً.
في القرآن اللف والنشر المرتب في سورة هود: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ..} [(105-106) سورة هود] {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ} [(108) سورة هود] ترتيب النشر على نفس ترتيب اللف، التفصيل مرتب على نفس ترتيب الإجمال، وجاء في سورة آل عمران: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ..} [(106) سورة آل عمران] {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ} [(107) سورة آل عمران] هذا غير مرتب والأول مرتب.
على كل حال الشيخ أجمل الأنواع ثم تحدث عن هذه الأنواع واحداً بعد الآخر، ولسنا بحاجة إلى أن نقرأ ما قرأه؛ لأنه مجرد قراءة، وشرح هذه الأنواع سيأتي تفصيلاً فلا داعي إلى أن نعيد ما قرئ إجمالاً؛ لأنه إن وقفنا عنده إن وقفنا عند كل كلمة كلمة، ماذا بقي للتفصيل، وإذا كان مجرد ذكر النوع ما في فائدة، وستأتي تفصيلاً -إن شاء الله تعالى-.
الحافظ ابن حجر ترتيبه لكتابه: (النخبة) ترتيبٌ بديع مبتكر، يختلف عن ترتيب من تقدمه ممن كتب في هذا العلم، على هذه الطريقة اللف والنشر المرتب، لكن هذا لف للعناوين يعني كما فعل ابن الصلاح، وذاك لفٌ للأنواع، يعني ذاك لف للأنواع، ذاك يشبه السبر والتقسيم، وهذا جاء بهذه الأنواع بأسمائها وذاك جاء بالأسماء وحصرها في أنواع وتقسيمها إلى أنواع متجانسة ثم تحدث عن هذه الأنواع بالتفصيل.
أحياناً يذكر النشر قبل اللف، استعمله الحافظ في النخبة أحياناً يتحدث عن النوع ثم الذي يليه ثم الثالث ثم الرابع ثم يقول: فالأول كذا والثاني كذا والثالث كذا، إن كان كذا فالأول كذا والثاني كذا والثالث.. إلى آخره، يعني سواءً جئنا باللف ثم النشر أو العكس، يعني أقرب ما يكون في الصورة التنظير عندنا صنيع أهل اللغة فإن قدمنا اللف وأخرنا النشر كل المعاجم التي تبحث في متن اللغة على هذه الطريقة، مبنية على تقديم الألفاظ، عكسه أن يكون عندك النشر وتبحث عن لفه عن عنوانه عن..، هذا يسمى فقه اللغة، وهذا مجرد تنظير وإلا يوجد اختلاف في عمل هؤلاء وعمل هؤلاء من جهة أخرى، ولذا قال:
.....................فهذه ألقابُ ما |
| يشهر منه والجميع قسما |
(وسأعيد الكل في مواضعه..) سأعيد، سوف يعيد هذه الأسماء في مواضعها.
وسأعيد الكل في مواضعه |
| في النظم إجمالاً وتفصيلاً فعه |
يعني انتبه، الماضي وعَى، والمضارع يَعي، والأمر إيش؟ نعم عِ عين مفردة مثل "قِ" من الوقاية، قِ نفسك النار، الأمر بالحرف المفرد، لكن إن وقفت عليه جئت بهاء السكت كما هنا "فعه" لفلان كلامٌ جميل في كتاب كذا فره يعني انظر إليه.
مبيناً أنواعه معتبراً |
| جهات تقسيماته محرراً |
بعض الناس يمل من التكرار، ويود أن كل ما يوجد من تكرار في الكتب يحذف، ويتمنى أنه في جميع العلوم يقتصر على الصافي، يؤلف كتاب ما فيه مكررات، ثم يؤتى للكتاب الآخر وتذكر زوائده والثالث كذلك والرابع كذلك، فيجمع مكتبة حديثية مكتبة فقهية مكتبة..، في كل العلوم تحدث المكررات، وبدلاً من أن تكون الكتب في بعضها ما في البعض الآخر تطويل بغير طائل، نقول: لا يا أخي، هذا التكرار مفيد، ومقصود لأهل العلم، فأنت إذا درستَ متناً باعتبارك مبتدئاً، وهذا المتن يشتمل على خمسمائة مسألة مثلاً، ثم لما انتهيت منه انتقلت إلى المتن الذي يليه، نصور ذلك بعمدة الفقه مثلاً التي ألفها الموفق للمبتدئين، انتهيت من هذا الكتاب تنتقل إلى المرحلة التي تليها المقنع للإمام الموفق وقد ألفه للطبقة الثانية، هل من الحسن أن يقال: لا تنظر في جميع الكتاب المسائل التي مرت عليك بالعمدة اتركها؟ ضياع وقت، يعني هل وصل بالمسلم من الحرص على وقته أن يستضيق بمثل هذه الأمور؟ أهل العلم رتبوا هذه الأمور، وجعلوا بعضها يتركب أو مرتبٌ على بعض لترسخ هذه العلوم، كي ترسخ هذه العلوم، أنت إذا قرأت المسألة في كتاب ثم قرأتها في كتابٍ آخر بشكلٍ أوسع لا شك أن هذه المسألة تثبت عندك، ولذا المطالبة من بعض الناس أن تكون العلوم متكاملة، هذه دعوى، يعني اللي تدرسه في الحديث لا تدرسه في الفقه، واللي تدرسه في الفقه لا تدرس في التفسير إن مر عليك، هذه دعاوى تضيع يا أخي، يعني مسألة تمر عليك مرة واحدة تضبط هذه المسألة، تمر عليك في كتاب فيها شيء من الاستغلاق، تمر عليك في كتابٍ آخر صحيح مكررة لكن مبسوطة بأسلوبٍ أوضح، وإلا كان يلغى التأليف بعد المتقدمين، خلاص الفقه لسنا بحاجة.
لماذا ابتدأ مسلم تأليف كتابه ابتداءً وفيه ما يتفق مع ما في البخاري الشيء الكثير، ما اقتصر على زوائد؛ لئلا يتكرر العمل، بل البخاري نفسه لماذا كرر الأحاديث ثلاثة أضعاف في صحيحه أو أكثر من ثلاثة أضعاف؟ إذا تكرر ورود الكلام عليك العلم على ذهنك لا شك أن بعضه يوضح بعضاً، بعض المواضع يكون مستغلق، بعض المواضع يكون أوضح، أيضاً التكرار بدلاً من أن تقرأ المسألة عشر مرات اقرأها في هذه الكتب وإذا انتهيت ضبطت هذه المسائل، ولذا قال:
فلا يملنك ما تكررا |
| لعله يحلو إذا تقررا |
كم من مسألة قرئت مراراً فإذا وجدت بعد ذلك في كتابٍ بأسلوبٍ أوضح وبدراسة أوعب يطرب لها الإنسان، ما يقول: والله مليت، البخاري حينما كرر الأحاديث -رحمة الله عليه-، هو بالمكرر أكثر من سبعة آلاف، وبدون المكرر ألفين وخمسمائة ثلاثة أضعاف، هل تظنون أن هذا التكرار لا فائدة فيه لنعتمد على المختصرات؟ لا يا إخوان، البخاري -رحمة الله عليه- لا يكرر الحديث الواحد في موضعين بإسناده ومتنه من غير زيادة فائدة سواءً كانت في المتن أو في الإسناد إلا في نحو عشرين موضع فقط، وإذا اقتصرنا على ما لا تكرار فيه، يعني حذفنا كل المكررات ماذا يبقى للأبواب اللاحقة؟ إذا قلنا: والله هذا الحديث مر في كتاب الطهارة فلسنا بحاجة إلى أن نذكره في كتاب بدء الخلق مثلاً ماذا يبقى للأبواب الأخيرة من أبواب الدين؟
نضرب مثال واحد، وهذه مسألة ينبغي أن يوليها طلاب العلم عناية فائقة، يعني كثير من الناس يعمد إلى زوائد كذا زوائد كذا، نعم الحفظ شيء ودراسة الكتب شيء آخر، كتاب الرقاق من صحيح البخاري، وقد أبدع الإمام -رحمة الله عليه- في هذا الكتاب، سواءً كان في انتقاء المرويات، سواءً كان في سياق المتون والأسانيد، سواءً في تراجم أبواب هذا الكتاب، أو فيما يختاره من الآثار، كتاب الرقاق يقرب من مائتي حديث، وترجم على كل حديث بترجمة فقه من الإمام -رحمة الله عليه-، لو رجعنا إلى المختصرات، كم في مختصر الزبيدي في كتاب الرقاق من حديث؟ الأصل مائة وثلاثة وتسعين المختصر كم؟
طالب:........
كم نصف؟ مائة؟ خمسين؟ سبعة أحاديث! كم يفوت طالب العلم إذا اقتصر على المختصر من فوائد أودعها الإمام وأبدع فيها في هذا الكتاب، ولا شك أن التكرار مفيد، يفيد طالب العلم، يعني إذا جئ لك بالفائدة على جهة ثم أوتي بها على جهة أخرى، جمعت المسائل استنبطت قاعدة، نظرت في قاعدة استدللت لها بمسائل فرعية، سواءً هذا أو ذاك كله نافع، كل هذا من وسائل تحصيل العلم الميسرة للعلم المحببة للعلم، لكن افترض أن البخاري اقتصر على ألفين حديث بدون تكرار ولا شيء، الملل يأتي هنا، يا أخي تقرأ حديث الأعمال بالنيات، لتحفظه تقراه عشر مرات، لكن اقرأه في سبعة مواضع من البخاري، وكل موضع فيه زيادة فائدة يعني خير عظيم يا أخي، أنت تريد أن تقرأ في المختصر تبي تقرأه عشر مرات علشان تحفظ، يا أخي بدل من أن تقرأه عشر مرات اطلع عليه في مواضعه السبعة، وفي كل موضع فائدة زائدة، ثم يقول قائل: إن التكرار هذا ممل ويضيع الوقت، وليتنا –والله- نختصر، وليتنا..، اختصار الكتب آفة، آفة اختصار الكتب، والاختصار لا ينفع إلا المختصر نفسه، ولذا نقول: قيام طلاب العلم باختصار الكتب للنفع للانتفاع الشخصي من وسائل التحصيل، ما يمنع أنك أنت تطلع بنفسك وتقرأ هذه المكررات وتقتصر على أكثرها فائدة ما يمنع، لكن كم بيحرم الذي يقرأ في مختصرك من الفوائد، أنت استفدت لأنك اطلعت على المواضع، لكن الذي يأتي بعدك؟
خلونا ننظر بمسائل حية، جاء طالب في الجامعة مثلاً كتاب كبير مائتين صفحة ثلاثمائة صفحة، فجاء وتبرع واحتسب أحد الطلاب واختصره لزملائه بخمسين صفحة، وكلهم قالوا: جزاك الله خير، هو تصور مسائل الكتاب وفهم الكتاب وهضم الكتاب، ويمكن أنه حذف مسائل مهمة، وقد يأتي أسئلة فيما حذف، كم جنى على زملائه بطريقته باسم التيسير والتسهيل؟!
وأقول: القراءة في هذه الكتب لا يملها طالب علم ولو كان فيها تطويل، لو كان فيها مكرر، يبقى أن علم السلف له فضله وله مزيته، كتب بنوايا صالحة خالصة؛ ولذا بقي نفعه، فنعود إلى كلام الناظم -رحمة الله عليه-:
فلا يملنك ما تكررا |
| لعله يحلو إذا تقررا |
إذا تقرر وفهمت المسألة وأتقنتها ولو كانت من أعقد المسائل لا شك أنها تحلو إذا فهمتها وتقررت في ذهنك، ولذا تجدون النحو وأصول الفقه -وهذه أمثلة- عند بعض الناس أثقل من جبل، وعند آخرين أخف من ريش صحيح، يعني اللي ما يفهم وجد الحاجز واستثقل ووضعت الحواجز النفسية دون فهم هذا العلم يكره هذا العلم، لكن إذا دخل في العلم وتيسر أمره، وفهم مسألة ثم مسألة يطرب ويحلو، يحلو له العلم ويتوغل فيه، وهكذا سائر العلوم، لكن بالنسبة للنحو وأصول الفقه الناس فيهما على طرفي نقيض.
أما شخص يديم النظر في هذه الكتب لأنها فتحت له مغاليقها فولج، وآخر وجدت الحواجز والسدود فاستثقله واستصعبه.
ونقول: هذه الاستطرادات لعلها تقوم في الوقت تقابل الأبيات التي طويناها، نعم.
اِعْلَمْ بِأَنَّ أَهْلَ هَذَا اَلشَّأنِ |
| ................................... |
خفف، خفف، سهل، سهل.
اِعْلَمْ بِأَنَّ أَهْلَ هَذَا اَلشَّانِ |
| ................................... |
يعني كالتبيان إيش تسوي له؟
يكفي، يكفي.
بعد سرد الأنواع والعناوين شرع المؤلف -رحمه الله تعالى- في الكلام على هذه الأنواع تفصيلاً، فبدأ بالقسم الأول وهو: المتواتر، جرياً على طريقة المتأخرين في تقسيم الأخبار إلى متواتر وآحاد، وأنكر بعضهم وجود المتواتر، وأنه لا يمكن أن يبحث في علوم الحديث، وشنع بعضهم يعني لا سيما من المتأخرين تقسيم الأخبار إلى متواتر وآحاد، وأن طريقة المتكلمين ويقصدون بذلك أن الآحاد فيه ما فيه، وسيأتي الكلام فيه -إن شاء الله تعالى-، وأنا أقول: لا ضير أن تقسم الأخبار بما يحصرها ويتمكن طالب العلم من ضبطها، وشيخ الإسلام وهو شيخ الإسلام ابن تيمية لم يخشَ هذا المحذور الذي ذكروه فقسم الأخبار إلى متواتر وآحاد، وهو من أشد الناس على البدع والمبتدعة، فلا مانع من أن يعتنى بالتنسيق الذي يذكره أهل العلم في كل فنٍ حسب اصطلاحهم على أن لا نلتزم وننساق وراء مبتدعٍ سواءً بقصد أو بغير قصد فنلتزم باللوازم التي يلتزمونها، والمحاذير التي يرتكبونها، لا، لا مانع أن نجري على الاصطلاح، لكن لنا نظرنا المستقل في هذه الاصطلاحات.
شيخ الإسلام ابن تيمية يقسم الأخبار إلى متواتر وآحاد، يقسم المتواتر إلى لفظي ومعنوي، يعني على طريقة أهل العلم في هذا، ولا توجد عنده أدنى حساسية، ولا يختلف اثنان في أن الأخبار متفاوتة، من الأخبار يلزمك سماعه بتصديقه، مجرد ما تسمعه خلاص صدق بحيث لا تبحث عنه، يفيدك العلم الضروري، ومن الأخبار ما يفيد ظن، ومنها ما يفيد علم نظري، منها ما يفيد علم ضروري، مجرد ما تسمعه يقال لك: جاء فلان من بغداد، جاء فلان من مصر، جاء فلان من الشام، هل تقول: ما أدري والله ويش الشام؟ بأروح أبحث في معجم البلدان علشان أشوف هل هناك شام وإلا ما شام؟ يحتاج إلى هذا؟ علم ضروري ما يحتاج، لكن لو قال لك: والله جيت أنا..، أو ذكر أن في قهب الطير كذا وإلا كذا خبر، يقول: جاء فلان من قهب الطير هذا بلد، ..... الموجود حقيقةً الذي يرى بالعين يفيد العلم، الذي مر على هذه البلدة ورآها بعينه أفاده العلم، الذي سمع عنها أفاده علم إذا تواتر الخبر عنها، وهو علمٌ نظري، لماذا؟ لأنك لن تصدق بها مباشرة، لا بد أن تبحث ويش البلد هذه؟ وكم من بلدٍ ذكر اسمه ومصحف، ذكر البلد مصحف عنده استمر على هذا؛ لأنه ليس من البلدان التي يلزم تصديقها بسماعها، فأنت إن احتجت إلى نظر واستدلال أفادك علم لكنه نظري، إن لم تحتج إلى نظر ولا استدلال أفادك العلم لكنه ضروري.
إذا قيل: كم نصف الاثنين؟ قيل هذا الكلام لصبي صغير، لشيخٍ كبير لمتوسط لعالم عامي، هل نقول: انتظر، انتظر يا أخي خلي المحلات تفتح نروح نشتري آلة نقسم نحتاج إلى هذا؟ ما نحتاج، هذا ضروري ملزمٌ بتصديقه بمجرد سماعه، لكن لو قال لك واحد: ثلاثة عشر ألف وتسعمائة وستة وأربعين كم سبعهن؟ كم السبع؟ تحتاج إلى نظر واستدلال، تبي تطلع القلم وتقسم وإلا بآلة وإلا بشيء، لكن إذا استقر عندك، خرجت القسمة ضربت المقسوم على المقسوم عليه وطلعت النتيجة صحيحة تقسم عليه تحلف صار علم، نتيجته مائة بالمائة، هذا علم لكنه نظري، والأول علم لكنه ضروري.
قلنا: إن شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يقسم الأخبار إلى متواتر وآحاد، ويقسم المتواتر إلى لفظي ومعنوي، ويمثل للمتواتر اللفظي بحديث: ((من كذب..)) ويمثل بالتواتر المعنوي في كل مقام ما يناسبه، ففي منهاج السنة مثلاً يمثل للمتواتر المعنوي بأي شيء؟ فضائل أبي بكر وعمر متواترة تواتراً معنوياً، ويذكر الآحاد ويتكلم عن الآحاد، وما يفيد خبر الواحد على ما سيأتي، المقصود أن مثل هذه الأمور اصطلاحات لا تغير من الواقع شيء، وهنا نقول: لا مشاحاة في الاصطلاح، يعني كون الاسم لا يوجد عند المتقدمين لكن إذا كانت تسنده لغة العرب، ويسوده الواقع، ولم ينص المتقدمون على ما يخالفه ويعارضه لا مانع من اعتماده.
إذا كان أهل العلم جروا على اصطلاحات فيها ما يخالف بعض النصوص، وتواطؤا عليها واستعملوها من غير نكير، اصطلحوا على أن المكروه ما يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله، لكن لو استعرضنا النصوص ماذا تعني؟ ما معنى المكروه في النصوص الشرعية؟ كثير من النصوص تدل على أن المكروه محرم، بل من المحرمات الشديدة {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [(38) سورة الإسراء] وفيه ما فيه من العظائم، ولذا الإمام أحمد من ورعه يستعمل ما جاءت النصوص بأنه مكروه على الكراهة.
بعض الاصطلاحات درج خيار الأمة وعلماء الأمة وأتباعهم على ما يُرى في بادئ الرأي أنه معارض للنص "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر من رمضان" فرض هذا كلام الصحابي، يقول الحنفية: زكاة الفطر واجبة وليست بفرض، على اصطلاحهم الذي قعدوه.
هناك اصطلاحات تواطأ عليها أهل العلم، نعم ما يخالف النصوص يشاحح فيه، لكن ما لا يعارض نصاً وتسنده لغة العرب، ودرج عليه أهل العلم ما المانع من استعماله؟ المتقدمون ما يذكرون المتواتر، وينازع بعضهم في وجود المتواتر، إيش معنى وجوده؟ يعني هل ينازع أحد بأن حديث: ((من كذب..)) يروى عن سبعين صحابي، وكل صحابي يرويه عنه جماعة، وبمجرد ما تسمعه يقر في قلبك بمعنى أنك لا تتردد في قبوله؟ نعم؟ هم يقولون: لا وجود له، يعني أن هذا الحديث لا يبحثونه متواتر، لماذا؟ يحتاج لبحث، أهل الحديث بحثهم في الأسانيد والمتون من أجل معرفة ما صح وما لم يصح، المتواتر هل يحتاج إلى بحث؟ يحتاج إلى بحث المتواتر؟ هل ننظر هل يثبت أو ما يثبت؟ ما يحتاج إلى بحث، إذاً وجوده في كتب المصطلح نادر، يوجد في كتب المتأخرين تتميماً للقسمة، وإلا فالأصل أن المتواتر ما يحتاج له بحث، ولذا لا يشترط فيه ثقة الرواة إذا وصل إلى حد التواتر، لا ينظر في رجاله بالشروط التي ذكرها أهل العلم، ولا أريد أن أطيل عليكم بمثل هذا الكلام، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"نظير هذه الدعوى وهي صادرة من أناس -نحسبهم والله حسيبهم- من أهل الغيرة على هذا العلم، نظير هذه الدعوى أو الدعوة إلى الاجتهاد والاعتماد على النصوص من الكتاب والسنة ونبذ كتب الفقه، والكتب التي تعين على فهم كتب أهل العلم من باب أولى من كتب أصول الفقه وغيرها.
المتأخرون الذين قعدوا وألفوا في قواعد الحديث ومصطلح الحديث، وفي أصول الفقه، وفي علوم القرآن، وقل مثل هذا في علوم الآلة كلها، إنما اعتمدوا في تقعيدهم على كلام المتقدمين مع تطبيق كلامهم النظري على مواقع استعمالهم العملي، فلم يأتوا بشيء جديد من عندهم.
نعم المتأخرون جعلوا هذه القواعد مطردة، والمتقدمون لا يعرف عنهم قواعد مطردة، لا سيما في المسائل العملية، في تعارض الوصل والإرسال، والوقف والرفع، والحكم بالعلة والشذوذ، وأيضاً زيادة الثقة وغيرها.
المتقدمون يحكمون بالقرائن، والمتأخرون ألفوا في هذا العلم وقعدوا قواعد مطردة، كلٌ على حسب ما ترجح له من كلام المتقدمين، فمنهم على سبيل المثال من يقول: تقبل زيادة الثقة مطلقاً لأنها زيادة، ويؤيد كلامه بكلام المتقدمين، ويذكر لهذا الكلام أمثلة كثيرة من صنيع المتقدمين، ومنهم من يقول: لا تقبل مطلقاً، ويذكر أمثلة يستدل بها من صنيع المتقدمين على ما ذهب إليه.
أقول: الدعوة التي صدرت للتقليل من شأن كتب المتأخرين، أو لإعادة النظر في كتب المتأخرين صدرت من أناس قد تأهلوا، وألقيت هذه الدعوة على مبتدئين، كما قيل قبل ربع قرن أو أكثر من الزمان بنبذ كتب الفقه، والأخذ مباشرة من الكتاب والسنة، كيف نعتمد على أقوال البشر هم رجال ونحن رجال والنصوص عندنا؟ نقول: يا أخي كلامك صحيح، لكن هذا بالنسبة لمن تأهل، واستطاع أن يستنبط مباشرة من الكتاب والسنة، لكن لا يمكن أن يتأهل حتى يمر على كتب المتأخرين، لا يمكن، كيف نقول لشخص مبتدئ: تفقه من الكتاب والسنة وهو لا يعرف العام من الخاص، المطلق من المقيد، الناسخ من المنسوخ، المجمل من المبين، ما يعرف شيء كيف نقول له هذا؟ كيف يعمل العامي ومن في حكمه؟ ومعروفٌ أن العامي فرضه سؤال أهل العلم وهو التقليد، وفي حكمه من لم يتأهل من مبتدئي الطلبة هؤلاء فرضهم التقليد وسؤال أهل العلم، وبالنسبة للمتعلمين المبتدئين هؤلاء بدلاً من أن يسألوا أهل العلم في كل مسألةٍ مسألة يقرؤوا في كتبهم، وإذا أشكل عليهم شيء يسألون، وهم في طريقهم إلى التأهل للتفقه من الكتاب والسنة {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [(43) سورة النحل] فإذا كان الطالب المبتدئ يقال له: اجتهد، خذ من الكتاب والسنة، يالله ابدأ بالقرآن، ثم يأتي في أول موضع آية مطلقة ماذا يصنع؟ ولها ما يقيدها، سيأتيه بعد حين يعمل بالمطلق على إطلاقه، إذا واجهه في أول القرآن أو أول البخاري حديث منسوخ أو آية منسوخة ماذا يصنع وهو لم يتأهل؟ صادفت هذه الدعوة قلوباً خالية من أوساط المتعلمين، وهي مثل ما ذكرت هي متعينة بالنسبة للمتأهلين، ونختلف معهم في شيء واحد، وهو أن هذا الكلام يلقى للمبتدئين بس لا أكثر ولا أقل، من تأهل الأصل الكتاب والسنة، عليه أن يتفقه من الكتاب والسنة، لكن إذا قرأ في صحيح مسلم "باب: الأمر بقتل الكلاب" وأخذ المسدس وقد حصل، وكل ما رأى من كلب أفرغ في رأسه رصاصة، ودرس الغد: باب: نسخ الأمر بقتل الكلاب، مثل هذا يقال: اجتهد تفقه من الكتاب والسنة.
نظير هذا ما عندنا، شخص مبتدئ في علم الحديث درس حديثاً روي موقوفاً ومرفوعاً ماذا يصنع؟ حديث رفع اليدين بعد الركعتين والقيام من التشهد الأول ماذا يصنع؟ من يقلد من المتقدمين؟ وبمن يقتدي من المتقدمين؟ المسألة مفترضة في المبتدئ، هل يقول: الحكم للرفع ويقلد في ذلك الإمام البخاري حيث أخرجه في صحيحه مرفوعاً؟ أو يقول: لا، الحكم للوقف لأنه هو المتأكد كما يقول الإمام أحمد؟ إذاً من يقلد من المتقدمين؟ الأئمة الكبار إذا أراد أن يقلدهم وهم الأصل وهم القدوة، وعلى عملهم وكلامه عمدة المتأخرين، لكن من يقلد من هؤلاء المتقدمين؟ هل يقلد شخص بعينه؟ هذا هو التقليد الذي ينفرون منه، هل ينظر باجتهاده؟ ليس من أهل النظر والاجتهاد، هل يوازن بين أقوالهم؟ لم يتأهل لهذا العمل، الواحد من الأئمة الكبار الواحد يعني إذا أراد أن يقلد واحداً منهم وقع في التقليد الذي يحذر منه، اختار مثلاً الإمام أحمد وقلده، الإمام أحمد أحياناً يحكم بوصل وأحياناً يحكم بإرسال لقرائن يدركها الإمام لكن لا يدركها من يقلده.
فأقول: المبتدئ لا بد أن يتمرن على قواعد المتأخرين، وفي الأحكام لا بد أن يدرس الفقه على الجواد المطروقة عند أهل العلم في كتب أهل العلم، ولا يعني هذا أن طالب العلم يستمر على هذه الطريقة لا، إذا حصلت له الأهلية للنظر في النصوص واستطاع أن ينظر في النصوص على مقتضى نظر أهل العلم وحاكاهم، وتأهل للموازنة بين النصوص، وعرف الراجح من الرجوح هذا فرض، لا يقلد في دينه الرجال.
وإذا قيل لطالب علم ادرس عمدة الفقه مثلاً، أو ادرس دليل الطالب أو ادرس زاد المستقنع، هل يعني هذا أن زاد المستقنع قرآن معصوم من الخطأ؟ الزاد خالف المذهب في اثنتين وثلاثين مسألة، وخالف الراجح في كثير من المسائل، لكن يعني هذا أن تتخذ الكتاب أو غير هذا الكتاب مما تختاره من أي مذهب من المذاهب تجعله منهج، منهج بحث، تدرس مسائل هذا الكتاب، تتصور هذه المسائل كمرحلة أولى أو عرضة أولى، تفهم هذه المسائل، تعود إلى الكتاب مرة ثانية تستدل لهذه المسائل؛ لأن الكتاب مجرد من الدليل، تبحث عن أدلة لهذه المسائل، ثم بعد ذلك مرحلة ثالثة أو عرضة ثالثة تنظر من وافق المؤلف من أهل العلم وقد عرفت دليله، ومن خالفه وابحث عن دليله، ثم بعد ذلك تتكون لديك الأهلية أهلية النظر، فإذا تكونت لديك الأهلية على هذه الطريقة نقول: فرضك أن تأخذ من الكتاب والسنة، لا يجوز لك أن تقلد في دينك الرجال، قلنا: إذا أشير بكتابٍ معين فلا يعني أنه أن صاحبه معصوم من الخطأ، وليس بدستور، أقول: ابحث ونقب وتعلم وتدرج في التعلم والتحصيل حتى تتأهل.
ومثله بالنسبة لعلوم الحديث اقرأ في كتب المتأخرين، تخرج عليها، وخرج الأحاديث على مقتضاها، فإذا خرجت مجموعة من الأحاديث تؤهلك للنظر في كلام الأئمة وترجيحاتهم وتكونت لديك الأهلية للعمل بالقرائن هذا فرضك، لا يمكن أن يوجد شخص يعارض كلام ابن حجر بكلام الإمام أحمد أو كلام أبي حاتم أو كلام الدارقطني، لكن المسألة مسألة تمرين، هذه مداخل فإذا ولجت وتأهلت هذه الدعاوى على العين والرأس ما أحد يرده ولا أحد يقف في طريقه، لكن الإشكال أن تطرح على المبتدئين، الإشكال أن تطرح مثل هذه الدعوات على المبتدئين؛ لأن هذا في الحقيقة تضييع لهم، شخص مبتدئ لا يعرف من العلم إلا اسمه، الآن بدأ أو عرف القراءة والكتابة وقرأ كتاب أو شيء من هذا، نقول له: اجتهد من الكتاب والسنة، الكتاب والسنة هناك علوم تعين على فهم الكتاب والسنة هي كالمقدمات، هي وسائل لفهم الكتاب والسنة لا بد من معرفتها.
قد يقول قائل: الصحابة ما قرؤوا لا في أصول الفقه ولا قرؤوا في علوم الحديث ولا..، ويبغي يسوي مثلهم، نقول: أنى لك؟ الصحابة عاشروا النبي وعايشوه -عليه الصلاة والسلام-، وعرفوا المقاصد وهم عربٌ أقحاح، وأخذوا العلم بالتدريج على حسب التنزيل، والحديث ما جاءهم دفعة واحدة إنما جاءهم مؤقتاً حسب الحاجة، وأفهامهم تختلف عن أفهامنا لكثرة الوسائط، أيضاً هم يأخذون من النبي -عليه الصلاة والسلام- مباشرة، فلا يكلفون بمعرفة الجرح والتعديل وقواعد الجرح والتعديل، وما قيل في الرواة، ليس هناك رواة، إذاً نحن لا بد أن نقرأ في كتب المتأخرين وننظر في مواقع الاستعمال عند المتقدمين، ونوازن، ونكثر من التمرين، ونديم النظر في كتب المتقدمين بعد مرحلة، يعني إذا أنهينا كتاب أو كتابين في علوم الحديث، يعني الذي يقرأ النخبة ويفهمها، ثم يقرأ بعدها اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير، ثم ألفية العراقي، بعد ذلك تأهل خلاص، إذا كان عنده ملكة، إذا تولدت الملكة، والملكة لا يمكن أن تتولد من الكلام النظري إطلاقاً، الملكة لا تتولد إلا من العمل، هذه العلوم عملية.
يعني لو شخص يدرس عمره في مدرسة دله للسيارات كيف يتعلم هذا؟ لكن يمسك المفتاح ويسوق السيارة يومين ثلاثة خمسة عشرة يتعلم، لكن الكلام النظري يقرأ كيف يخرج الحديث على الطرق المعروفة عند..؟ ولذا تلاحظون أنه لم يكتب في التخريج طرق التخريج عند المتقدمين شيء، يعني كيف تخرج الحديث من طرفه الأول؟ في كلمة غريبة؟ من صحابيه؟ من كذا من كذا؟ ما ألف فيه شيء إلا إلى وقتٍ قريب يمكن ربع قرن لما احتاجه الناس، وإلا فالأصل أن هذا علم عملي، أنت محتاج إلى حديث تبحث عنه في الكتب ثم تتعلم كيف تخرجه؟ لست بحاجة إلى أن تقرأ في كتاب تخريج لا أبداً هذا علم عملي، مثل ما تأخذ مفتاح السيارة أول يوم ثاني يوم تتعثر ثم بعد ذلك تسلك.
فأنت إذا تأهلت للنظر في..، وعرفت ما قاله المتأخرون، وما ذكروه من خلاف، وما استدل به كل واحدٍ منهم فأنت تتأهل -بإذن الله- إذا قارن ذلك العمل التخريج العملي، تعمل وتدرس الأسانيد عملياً، وتجمع الطرق، وتوازن بينها، وتنظر مواضع الوفاق والخلاف، وتعرض نتائجك على كلام المتقدمين وأحكامهم على الأحاديث بذلك تتأهل.
أما بالنسبة للقاء حصل مثل ما ذكر، اثنان وسوف يكون ثالث ورابع وخامس -إن شاء الله-، وأما بالنسبة للقاء الأول والثاني فخلال أسبوع -إن شاء الله- تنزل في الأسواق في شريطين أو ثلاثة أو أربعة ما أدري عاد، يمكن ثلاثة أشرطة، وأما اللقاءات اللاحقة تنزل في وقتها -إن شاء الله تعالى-، عسى أن يكون فيها فائدة.
إن كان قصده أنها ليست منسوخة حكماً هذا كلام صحيح، أما إن كان قوله وقصده أنها ليست منسوخة تلاوةً فهذا باطل مردود؛ لأن القرآن مصون محفوظ من الزيادة والنقصان، ولا توجد في المصحف فيما اتفق عليه الصحابة، حكمها باقٍ إجماعاً، وتلاوتها منسوخة إجماعاً.
أولاً: ما قرأته عن العلماء المتقدمين في شأن الصور هو ما تتناوله النصوص بغير خلاف، إذا كانت الصورة باليد بصنع الإنسان، أو كانت مجسمة هذا تتناوله النصوص والنصوص فيه بغاية الشدة، هؤلاء الذين تساهلوا من المتأخرين لهم وجهة نظر، وإن كانت من عندي مرجوحة في التصوير الشمسي وأنه عمل الآلة التي صورت الآلة ما هو بالآدمي، الآدمي ضغط الزر والآلة التي صورت، هذه حجتهم، ونقول: هذه الحجة عليلة؛ لأن الذي يضغط زر المسدس ويقتل شخص الذي قتل الذي ضغط الزر، ما نقول: المسدس الذي قتله؛ لأنه شيء في الشرع مقرر في الشريعة أن هناك مباشراً وهناك متسبباً، نعم المباشر للتصوير الآلة، المباشر للقتل المسدس، لكن المتسبب هو الذي ضغط الزر هذا هو المتسبب.
يقول أهل العلم: إن المباشرة تقضي على أثر التسبب، نقول: صحيح إذا كان المباشر يتجه إليه التكليف فالمتسبب لا علاقة له بالقضية إلا من باب أن يعزر لأنه دفع هذا المباشر، لكن إذا لم يكن المباشر مكلف يمكن أن يتجه إليه العقاب؟ فيرجع فيه الأمر إلى المتسبب، لو أن شخصاً ألقى مثقلاً على شخص وقال: إن الحجر الكبير هذا هو الذي قتله أنا ما لي دخل، نقول: أنت السبب في قتله، ما دام المباشر لقتله لا يتجه إليه خطاب يتجه الخطاب إلى المتسبب، ونظير الدعوى بأن التي صورت هي الآلة وليس الشخص نقول: لا، نظيره بالتمام من ضغط زر مسدس، إذا استطاع أن يتنصل الذي يضغط زر المسدس فيقتل مسلم ويقول: قتله المسدس إن وافقوه الناس فليفعل ما شاء في التصوير هذا مثله.
هم ينازعون أيضاً في التصوير المسمى تصوير الفيديو اللي يقولون: إنه مجرد حفظ، وأشبه ما يكون بالإطلالة مع نافذة أو مرآة أو ما أشبه ذلك، نقول: الفرق واضح، الإطلالة مع النافذة لا يمكن إعادتها، وكذلك المرآة، أما إذا حفظت الصورة بشريط يعاد حسب الحاجة، نقول: هذا تصوير، ولذا المتجه تحريم التصوير بجميع صوره وأشكاله وآلاته لذوات الأرواح، لا شمسي لا فيديو وغير ذلك كله، من باب أولى النقوش وما النقوش، ويدخل في ذلك مما أجمع عليه التصوير ذوات الظل، وينازع بعضهم فيما يسمونه بالعرائس ولعب الأطفال في الأسواق، ويقولون: إنها وجدت في عصر السلف، وجاءت بها النصوص، نقول: نعم، وجد في عصر السلف عرائس يتمرن عليها البنات، لكن إيش معنى..؟ ويش العرائس؟ العرائس شروحها في كتب الشروح أنها عبارة عن وساد كبير في رأسه وساد صغير، هذا كل الموجود، فهل في هذا شبه أو قرب مما يوجد في أسواق المسلمين من تصوير دقيق لهذه العرائس، إذا أضجعت بكت، إذا أضجعت ثانية غمضت عينيها، إذا أجلست ضحكت، إذا أوقفت دارت ورقصت وغنت، هذه لعب البنات عند المتقدمين؟ وما يدرون أن مثل هذه التساهلات جرت ويلات، وأدخلت محظورات، وأن بعض المفتونين استورد أحجام مناسبة للاستعمال، كله من جراء هذه الفتوى، نسأل الله العافية.
على كل حال إن وجد هذا الكلام من عالم تبرأ الذمة بتقليده فالعامي إذا قلد من تبرأ.. هذا فرضه، لكن يبقى أن للعلماء زلات ليسوا بالمعصومين، لهم زلات، والإشكال أن بعض الناس يأخذ من زلات أهل العلم ما يناسب هواه، هذا آثم إذا كان اقتداؤه لهذا العالم لأن هذه الزلة تناسب هواه، أو تخدم مصلحة من مصالحه، أو رغبة من رغباته، لا لأنه مرتاحٌ لها ومقتنع بصاحبها، الإثم ما حاك في النفس.