شرح العقيدة الواسطية (36)
طالب: .............
كيف؟
طالب: .............
بلا شك نعم، فهي فسق يعني ترد للفسق، لكن ماذا عن كتب السنة والأئمة عن المبتدعة لولا تخريج أحاديث بعض المبتدعة في الصحيحين ما صار فيه نزاع ولا إشكال، ما صار عندنا أدنى إشكال.
طالب: ............
هو ساقط العدالة لكنه متأول، يعني عند أهل العلم يرون أنه ينصر ما يراه الحق، وفرق بين من يعاند بلا شبهة وبين من يعاند بشبهة، فرق عندهم بين هذا وهذا الذي لا شبهة عنده، كالفاسق الذي يشرب الخمر ويرى أن الخمر محرم، هذا لا تقبل روايته فاسق، لكن الذي يخالف مع نوع شبهة ويرى أنه ينصر الحق، هذا عند أهل العلم تقبل روايته؛ لأنه يتدين بهذا.
طالب: ..................
ناظروهم لكنهم مازالت عندهم شبهة، مازال عندهم شبه؛ ولذلك يفرقون بين الداعية وغير الداعية، فمن جهتين الداعية أولاً قام عليه من الحجة ما لم يقم على التبع؛ لأنه جاء هذا المذهب عن بينة وعن إصرار فرق بينه وبين التابع هذا الذي لم يقم عليه من الحجة مثل ما قام على الداعية؛ ولذلك تجد فرقًا بين الكافر العادي في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- وبين أبي طالب؛ أبو طالب كافر لولا شفاعة النبي عليه الصلاة و السلام لكان في أي طبقة من طبقات النار لكان في الدرك الأسفل من النار، بينما الدرك الأسفل لمن؟ للمنافقين، وهم أسوأ من الكفار، ما الذي جعله في حالة أسوأ من الكافر العادي، وقد نصر الدعوة وذاد عنها، وأحاط النبي -صلى الله عليه وسلم- بالعناية؟ قيام الحجة عليه بأجلى صورها، ما له أدنى عذر، بينما الكافر العادي قد يعتذر أنه ما بلغه من الحجة مثلما بلغ أبا طالب، وكذلك الدعاة عندهم من العلم ونوظروا ونوقشوا ونافحوا عن بدعهم عن إصرار أكثر من الأتباع؛ ولذا يفرق أهل العلم بين الداعية وغير الداعية أيضًا، الداعية يتهم بأن يضع ما يؤيد بدعته؛ ولذلك عامة أهل العلم يردون ما يرويه المبتدع مما يؤيد بدعته.
على كل حال المسألة طويلة الذيول، لكن هذا أصلها، وهذا هو سبب التفريق بين من فسق بعمله وبين من فسق باعتقاده، الفاسق بالعمل لا تقبل روايته {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} والفاسق باعتقاد قالوا: إنه معه شبهة، معه دليل يستدل به ومستمسك يستمسك به، بخلاف فاسق العمل.
طالب: .................
فرق بين أن تعذره وبين أن تجزم بأنه مخطئ ومخالف، مخطئ ومخالف لكن تقبل روايته إذا عذرته ما رتبت على عمله إثم، والمبتدع الذي تقوم عليه الحجة من أتباع الدعاة هم مخالفون ولا يعذرون، ومع ذلك عندهم من الشبهة ما يجعل خبرهم مقبولاً، الأمر الثاني الذي أردت أن أذكره أن هناك مجرد بلوغ للحجة {لأنذركم به ومن بلغ} هذا يكفي بالنسبة للعرب الذين يفهمون هذه الحجة بمجرد سماعها، كالعرب الذي في زمن النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا يكفيهم {لأنذركم به ومن بلغ} مجرد بلوغ الدليل يكفي الأعاجم الذين لا يفهمون العربية أو من في حكمهم ممن تطاول بهم العهد في العصور المتأخرة لا يفهمون، كثير من العوام ما يفهمون النصوص، مثل هذا يوضح له، فهنا بلوغ حجة وهنا فهم حجة مرتبة ثانية، وهناك مرتبة ثالثة وهي إزالة ما يمنع من قبول الحجة إزالة ما يمنع من قبول الحجة، فبلوغ الحجة هذا يكفي فيمن يفهم ممن هو على مستوى العرب الذين على عصر النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن الله -جلَّ وعلا- يقول: {لأنذركم به ومن بلغ} يعني مجرد بلوغ الحجة، فهم الحجة هؤلاء الأعاجم لا بد أن يفهموا، وفي حكمهم من لا يفهم، يعني عندنا من عوام المسلمين ما يفهم النصوص، لماذا؟ لتأثير الحقائق العرفية عليهم، بعض الناس تأثروا بالحقائق العرفية فغطت عليهم الحقائق الشرعية ونفهم هذا جيدا، لا بد من بيان الحقائق الشرعية وما يراد بها في نصوص الكتاب والسنة؛ لأنه ما يكفي أن تقول لغني عامي: ادفع زكاتك لمحروم، يكفي أن تقول هذا؟ يدفعه لمن؟ لمن عنده الملايين في البنوك لكنه بخيل، هذا يسميه محروم، هذا يعطى من الزكاة؟ هذا غطت عليه الحقيقة العرفية على الحقيقة الشرعية، فلا بد من بيان النص، زوال المانع من قبول الحجة هذا ما يحتاج إليه إذا فهم الحجة ما لك دعوة أنك تزيل المانع من قبولها، وإيش معنى زوال المانع من قبولها؟ أنت تقول له: والله الطواف بالقبور حرام، التوسل بالأولياء ودعوتهم من دون الله حرام، شرك، وتأتي بالنصوص وتأتي بأقوال أهل العلم الذين هم من وجهة نظرك هم الأئمة أهل الحق وأهل السنة والجماعة، لكن عنده علماء يثق بهم، ومن رأى النور وهو يرى الناس يتمسحون بهم ويقبلون أيديهم وأرجلهم يفعلون ما يفعل، فأنت إذا أتيت له بإمام تقتدي به جاءك بما هو أعظم منه عنده، يقول: هذاك والله إمام عندي، لكن أنا عندي إمام هذا يمنع من قبول الحجة وهذه مشكلة بل معضلة، في كثير من الأقطار الإسلامية يحتجون بأئمتهم، هذا يمنع من قبول الحجة، هل يلزم زواله؟ ما يلزم إذا فهم الحجة، وقلت له: قال الله وقال رسوله، وفهم، يكفي ما يلزم المانع من قبول الحجة ولو قلنا بهذا ما كفرنا أحد؛ لأن كلٌّ عنده ما يمنعه النصارى عندهم ما يمنع اليهود عندهم ما يمنع وغيرهم، لماذا؟ لأن الحجج إذا بلغت كفت، والأعلام الذين يتمسك بهم كل فريق قد يتعرضون لشيء من التشويه للفريق الثاني، يعني لو جيت إلى مثلاً مصر والشام والمغرب والهند والسند وغيرهم ممن عندهم شيء من البدع، يعني فيه طوائف منهم لا شك أن عندهم بدعًا تقول لهم مثلاً: والله الشيخ محمد بن عبدالوهاب قرر في كتاب التوحيد كذا، يقول: إيش الوهابية هذي؟ هو يرضع من صغره، يُرضع مخالفة الوهابية، وأنهم طائفة ضالة، هذا موجود في كثير من الأقطار، فأنت إذا جئت بمن تقتنع بقوله وهو أهل لأن يُقنع به؛ لأنه عمدته الكتاب والسنة جاء لك بمثلها وأعظم عنده وفي بلده، هذا مانع من قبول الحجة ولم يقل أحد بزواله، ما يلزم زواله زوال المانع من قبول الحجة.
الوقت شوي حنا مقررين في هذا الفصل ينتهي الكتاب.
طالب: .................
يعني شبهة بشبهة؟
طالب: .................
لا لا، العامي مقلد، العامي مقلد، يعني حكمه حكم إمامه، ما عنده شيء، لكن الإشكال أن الآن العوام تُلقى عليهم الشبه كما تلقى على العلماء، الآن ما فيه ما يحجب هذه الشبه عن العامة بسبب وسائل الإعلام التي وصلت ودخلت قعر البيوت، صار يسمعها العامي والمتعلم على حد سواء.
طالب: .................
لا لا، هؤلاء لا عبرة بهم، هؤلاء العبرة هؤلاء عوام في ميزان الشرع يعني هؤلاء مثل الذين يكتبون في الصحف الآن في نقض بعض القواعد المسلمة، وبعض المسائل التي يُفتى بها على القول الراجح بدليله، هؤلاء إذا ناقشتهم في الوضوء وجدتهم صِفْرًا، لكنهم أهل هوى يتبعون المتشابه كما جاء في الكتاب الله -جلَّ وعلا-.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:
طيب يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: ويحاسب الله الخلائق، يحاسب الله الخلائق يعني من أهل التكليف من الجن والإنس يحاسبهم، فيجازيهم بأعمالهم إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، وهذا الأصل أن الجميع محاسبون؛ ولذلك نصبت الموازين لمعرفة مقدار رجحان الحسنات أو السيئات كما تقدم في ذكر الميزان، يخرج من هذا العموم من جاء النص فيه بأنه لا يحاسب، وذلك كالسبعين الألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب كما جاء في الحديث الصحيح، وأنهم هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون، وجاء في بعض الأخبار أن مع كل واحد سبعين ألفًا، وفي بعضها مع كل ألف سبعين ألفًا، فهؤلاء لا يحاسبون، ومن باب أولى الأنبياء، مع أنه من نوقش الحساب يهلك، ومن نوقش الحساب عذب كما جاء في الحديث الصحيح، وقالت عائشة -رضي الله عنها-: وماذا عن قوله -جلَّ وعلا-: {فسوف يحاسب حسابًا يسيرًا} قال: «ذلك العرض» العرض هو مجرد عرض؛ ولذا قال الشيخ -رحمه الله تعالى-: ويحاسب الله الخلائق ويخلو بعبده المؤمن فيقرره بذنوبه، «وما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه، ليس بينه وبينه ترجمان» يقرره بذنوبه، يخلو بعبده المؤمن ويقرره بذنوبه كما وصف ذلك في الكتاب والسنة، عملت كذا في يوم كذا، عملت كذا في يوم كذا، حتى يخشى على نفسه من الهلاك، ثم يبشره الله -جلَّ وعلا- بأنه ستره في الدنيا وأنه يغفر له في الآخرة، وأما الكفار فلا يحاسبون محاسبة من توزن حسناته وسيئاته، فإنه لا حسنات لهم {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءًا منثورًا} لا حسنات لهم، وقد يفعلون بعض الأعمال الصالحة من الإحسان إلى الغير وهذا يجازون به في الدنيا، ومن أهل العلم من يقول: إنهم يجازون بحسناتهم حتى في الآخرة، وأنهم يحاسبون ويخفف من عذابهم مما عملوه من غير الشرك، من غير الشرك.
وعلى كل حال سواء هذا أو هذا فالنتيجة واحدة وهي الخلود في النار -نسأل الله السلامة والعافية- فإنه لا حسنات لهم، ولكن تعد أعمالهم فتحصى، فيوقفون عليها ويقررون بها، في بعض النسخ يجزون بها، في بعض النسخ أيضًا يخزون؛ لأنه ينادى عليهم على رؤوس الخلائق -نسأل الله السلامة والعافية- وأما بالنسبة للمؤمنين فإنه يخلو الرب -جلَّ وعلا- بعبده فيقرره بذنوبه، لا يفضحه بين الخلائق كما هي حال الكافر، فيوقفون عليها يقررون بها، ثم بعد هذا قال: وفي عرصات القيامة: الحوض المورود للنبي -صلى الله عليه وسلم-، إذا بعث الناس من قبورهم {ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون} مثلما تقدم كما رتب الشيخ -رحمه الله تعالى- بعد فتنة القبر بعد هذه الفتنة إما نعيم وإما عذاب، وتقوم القيامة التي أخبر الله بها فيقوم الناس من قبورهم لرب العالمين حفاة إلى آخره، فتنصب الموازين، الشيخ رتب ترتيبًا ولعله يقصد هذا الترتيب، يعني ترتيب ذكري مبني على الترتيب الزمني، فتوزن بها أعمال العباد وتنشر الدواوين وصحائف الأعمال، فآخذ كتابه بيمينه إلى آخره، ثم يحاسب الله الخلائق يعني المحاسبة بعد الوزن؛ لأنه قال في الأول: تنصب الموازين، ثم قال: ويحاسب الله الخلائق، أو هذا أيضًاح وبيان لكيفية الوزن؟ لا، الوزن توضع الحسنات في كفة والسيئات في كفة، فمن ثقلت موازينه ومن خفت موازينه.
ثم بعد ذلك يحاسب الله الخلائق ويخلو بعبده فيقرره بذنوبه إلى أن قال: وأما الكفار فلا يحاسبون محاسبة من توزن حسناته وسيئاته، فإنه لا حسنات لهم، يعني الوزن خاص بالمسلمين، وأما الكفار فلا يحاسبون محاسبة من توزن، ولكن تعد أعمالهم فتحصى فيوقفون عليها ويقررون بها، وفي عرصات القيامة بعد ذلك -بعد هذه المحاسبة- يحتاجون إلى إلى الشرب، يحتاجون إلى الشرب؛ لأن الوزن والمحاسبة ينشأ عنها ظمأ، قال: وفي عرصات القيامة الحوض المورود للنبي -صلى الله عليه وسلم- الذي جاء في وصفه أن ماءه أشدُّ بياضًا من اللبن وأحلى من العسل، آنيته عدد نجوم السماء، وطوله شهر وعرضه شهر، من يشرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبدًا، ويمد هذا الحوض من نهر الكوثر الذي اختص به النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأما بالنسبة للحوض فالنبي -عليه الصلاة والسلام- له الحوض المورود، وهو أعظم حياض الأنبياء، فقد جاء «إن لكل نبي حوضًا»، وجاء أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يسقي أمته من هذا الحوض، ويأتي أناس يعرفهم وأنهم من أمته فيذادون عن هذا الحوض، فيقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: «أصحابي، أصحابي»، فيقال له -عليه الصلاة والسلام-: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فيقول: «سحقًا، سحقًا» يعني: بعدًا بعدًا، مادام غيروا وبدلوا، ولا شك أن هذا يشمل من غير التغيير التام الكامل بالردة مثلاً، كما أنه يشمل من غير دين الرسول -عليه الصلاة والسلام- بإحداث ما ليس منه فيه كالمبتدعة «ماؤه أشد بياضًا من اللبن وأحلى من العسل، آنيته عدد نجوم السماء، وطوله شهر وعرضه شهر، من يشرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبدًا» ثم بعد هذا الصراط -يعني الشراح- يقولون: إن الشيخ يقصد هذا الترتيب، وأن الصراط بعد الحوض والحوض قبل الصراط، ومنهم من يقول: هذا الترتيب غير مراد، وأن الحوض إنما يشرب منه من يجتاز الصراط، وعلى كل حال ليس هناك من النصوص ما يقطع بالترتيب إنما هي فهوم واجتهادات من أهل العلم.
الصراط منصوب على متن جهنم، هو جاء في الحديث الصحيح «أن بين ظهراني جهنم»، وهو الجسر الذي يمر بين الجنة والنار، يمر الناس على قدر أعمالهم، يمر الناس على قدر أعمالهم، فمنهم من يمر كلمح البصر، ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كفرس الجواد، ومنهم من يمر كركاب الإبل، ومنهم من يعدو عدوًا، ومنهم من يمشي مشيًا، ومنهم من يزحف زحفًا، ومنهم من يخطف خطفًا ويلقى في جهنم، هؤلاء متفاوتون، ولا شك أن التزام المسلمين بالصراط المستقيم في دار الدنيا متفاوت تفاوتًا بينًا، وعلى قدر هذا التفاوت يكون التفاوت في جواز الصراط، هناك من الناس من يلزم الصراط المستقيم، ويكون هو ديدنه بحيث لا يحيد عنه يمنة ولا يسرة، فمثل هذا إذا لزمه في الدنيا لزمه في الآخرة، وصار مروره عليه كلمح البصر، ثم إذا كان عنده شيء من الخلل اليسير يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح إلى أن قال: ومنهم من يمر كالفرس الجواد كركاب الإبل، ومن يعدو عدوًا، ومنهم من يمشي مشيًا، ومنهم من يزحف زحفًا، ومنهم من يخطف خطفًا ويلقى في جهنم، مثل هؤلاء لا شك أنهم متفاوتون كتفاوت التزامهم بالصراط المستقيم في الدنيا، ويلقى في جهنم، فإن الجسر عليه كلاليب تخطف الناس بأعمالهم، كلاليب تخطف الناس بأعمالهم، فمن مر على الصراط دخل الجنة، من مر على الصراط دخل الجنة، الجسر كلمة عربية فيما يصعد عليه ليتجاوز به ما تحته يسمونه الآن (كبري) هذه كلمة تركية وليست عربية، العربية الجسر، ومنهم من يخص الجسر بما يمر على الماء، يعني: حافتي النهر يكون بينهما جسر، وهذا شيء معروف مشاهد وقائم في القديم والحديث، لكنه هنا الجسر الذي بين الجنة والنار هو الصراط، ثم بعد ذلك قال: فمن مر على الصراط دخل الجنة بعد هذا الجسر الذي هو الصراط قنطرة بين الجنة والنار؛ لأنه قال: فمن مر على الصراط دخل الجنة، يعني: مآله إلى الجنة، لكنه قبل ذلك يوقف على القنطرة، فإذا عبروا عليه اجتازوا هذا الجسر، فإنهم يوقفون على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتص لبعضهم من بعض، فيقتص لبعضهم من بعض، قد يقول قائل: هذا فيه شيء من الإرباك في التصور، يعني عندنا ميزان تجاوزناه ورجحت كفة الحسنات، ثم جاءنا بعد ذلك صراط، احتمال مادام رجحت كفة الحسنات على السيئات، فمن رجحت حسناته على سيئاته، كيف يمكن أن يخطف ويلقى في النار، ثم بعد ذلك إذا تجاوز الصراط يوقف على قنطرة فيقتص لبعضهم من بعض، هذا وارد والا ما هو بوارد؟ يعني إذا رجحت الحسنات على السيئات ماذا يبقى بعد هذا؟ يبقى أن النتيجة ضمنت الآن {فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية} يعني صار من أهل الجنة {وأما من خفت موازينه فأمه هاوية} يعني عرفنا من الصراط من الميزان، عرفنا هذا عرفنا النتيجة من الميزان، وبعد ذلك يأتي هول آخر وهو الصراط فيه دحض ومزلة، وفيه كلاليب تخطف الناس بأعمالهم، فكيف يكون هذا بعد الميزان، ثم بعد ذلك إذا تجاوزوا الصراط ولم يخطفوا بأعمالهم، إذا عبروا عليه وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار، يقتص لبعضهم من بعض، الآن هم ضمنوا الجنة، ضمنوها بإيش؟ بثقل الموازين موازين الحسنات، ثم بعد ذلك بمجاوزتهم الصراط، ثم بعد ذلك إذا وُقفوا على القنطرة واقتص لبعضهم من بعض لا شك أنهم في الحساب يعرفون أنهم ناجون بتقرير الله -جلَّ وعلا-، إذا خلا الرب بعبده المؤمن وقرر بذنوبه، وقال: أنا سترتها في الدنيا وأغفرها في الآخرة أيضًا ضمن، ثم بعد ذلك يجتاز الصراط، ثم يوقف على القنطرة فيقتص لبعضم من بعض، لماذا؟ لزوال ما في نفوس بعضهم على بعض؛ لينزع الغل {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانًا} فيقتص لبعضهم من بعضهم؛ لأن هذه الأماكن التي أو هذه الأهوال التي مروا بها قد يبقى في نفوسهم ما يبقى من نفوس بعضهم على بعض، فإذا وقفوا على القنطرة بين الجنة والنار يقتص لبعضهم من بعض، فإذا هُذِّبوا ونُقوا أذن الله لهم في دخول الجنة.
طالب: ..............
هذا بعد الحساب، إنما يكون كالترضية لبعضهم من بعض، يعني كالمحاللة والمسامحة لبعضهم من بعض.
طالب: ..............
نعم يسير، نعم بلا شك.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد فقد قال المصنف -رحمه الله تعالى-: وفي عرصة القيامة: الحوض المورود لمحمد -صلى الله عليه وسلم- ماؤه أشدُّ بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، آنيته عدد نجوم السماء، طوله شهر وعرضه شهر، من يشرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدًا، والصراط منصوب على متن جهنم -وهو الجسر الذي بين الجنة والنار- ويمر الناس عليه على قدر أعمالهم؛ فمنهم من يمر كلمح البصر، ومنهم من يمر كالبرق الخاطف، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كالفرس الجواد، ومنهم من يمر كركاب الإبل، ومنهم من يعدو عدوًا، ومنهم من يمشي مشيًا، ومنهم من يزحف زحفًا، ومنهم من يخطف فيلقى في جهنم؛ فإن الجسر عليه كلاليب وتخطَف الناس بأعمالهم، فمن مر على الصراط دخل الجنة. فإذا عبروا عليه وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض، فإذا هذِّبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة، وأول من يستفتح باب الجنة: محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأول من يدخل الجنة من الأمم: أمتُه. وله -صلى الله عليه وسلم- -في القيامة- ثلاث شفاعات: -أما الشفاعة الأولى: فيشفع في أهل الموقف حتى يقضى بينهم بعد أن تتراجع الأنبياء: آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم عن الشفاعة حتى تنتهي إليه، وأما الشفاعة الثانية: فيشفع في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة، وهاتان الشفاعتان خاصتان له، وأما الشفاعة الثالثة: فيشفع فيمن استحق النار، وهذه الشفاعة له ولسائر النبيين والصديقين وغيرهم، فيشفع فيمن استحق النار أن لا يدخلها، ويشفع فيمن دخلها أن يخرج منها، ويُخرج اللهُ –تعالى- من النار أقوامًا بغير شفاعة، بل بفضله ورحمته، ويبقى في الجنة فضل عمن دخلها من أهل الدنيا، فيُنشئ اللهُ أقوامًا فيدخلهم الجنة.
وأصناف ما تضمنته الدار الآخرة من الحساب والثواب والعقاب والجنة والنار، وتفاصيل ذلك مذكورة في الكتب المنزلة من السماء، والآثار من العلم المأثور عن الأنبياء، وفي العلم الموروث عن محمد -صلى الله عليه وسلم- من ذلك ما يشفي ويكفي، فمن ابتغاه وجده.
يقول -رحمه الله تعالى-: وأول من يستفتح باب الجنة محمد -عليه الصلاة والسلام- هو أول من تنشق عنه الأرض، وهو أول من يستفتح باب الجنة، وأول من يدخل الجنة من الأمم أمتُه -عليه الصلاة والسلام- إذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة، وأول من يستفتح باب الجنة، وهو -عليه الصلاة والسلام- سيد ولد آدم، وأول من يدخل الجنة من الأمم أمته -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنها أفضل الأمم وخير الأمم، هو سيد ولد آدم؛ فهو أول من يستفتح وأول من يلج باب الجنة، وأمته خير الأمم {كنتم خير أمة أخرجت للناس} لخصائص ومزايا ذكرت في نصوص الكتاب والسنة، ومنها ما ذكر في هذه الآية {تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} فهذه من أخص الخصائص التي تميز هذه الأمة وتضمن لها الخيرية على سائر الأمم، «نحن الآخرون السابقون يوم القيامة» نحن الآخرون بالنسبة للوجود الزمني في هذه الدنيا، نحن الآخرون لكن نحن السابقون يوم القيامة، فنحن أول من يدخل الجنة يوم القيامة قبل الأمم السابقة التي وجدت قبلنا في الدنيا.
طالب: .............
يعني جاء في وصفه أنه أدق من الشعر، وأدق من السيف، وأدق من الموسى، كما جاء في بعض الروايات جاءت هذه، وكما يقول أهل العلم: أصل الصراط الطريق، والأصل في الطريق أن يكون واسعًا، هذا الأصل فيه، لكن إن ثبت في وصفه ما ثبت، وأنه من الدقة في هذه الحالة ما يمنعه إلا من يحكم رأيه، ومن يسلم ويستسلم للنصوص ما تشكل عليه هذه الأمور، يعني كغيرها من المواقف في الآخرة لا يتصورها العقل لكن على المسلم أن يؤمن بكل ما صح عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولو لم يدخل عقله أو مزاجه كما يقولون.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وله -صلى الله عليه وسلم- في القيامة ثلاث شفاعات، ثلاث شفاعات: أما الشفاعة الأولى فيشفع في أهل الموقف حتى يقضى بينهم بعد أن يتراجع الأنبياء آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم من الشفاعة، حتى تنتهي إليه في الموقف العظيم، إذا بعث الناس من قبورهم، ودنت منهم الشمس وألجمهم العرق، وصاروا في كرب عظيم وهول شديد، وأرادوا التخلص من هذا الموقف العظيم جاؤوا إلى آدم أبي البشر، وقالوا له: أنت أبونا، خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته، اشفع لنا عند ربك؛ ليخلصنا من هذا الموقف العظيم، فيذكر معصيته؛ وأنه نهي عن أكل الشجرة فعصى، اذهبوا إلى نوح أول الرسل، فيذهبون إلى نوح فيقولون له: أنت أول الرسل، ثم يذكر أن له دعوة دعا بها على قومه، اذهبوا إلى إبراهيم -خليل الله- فيذهبون إلى إبراهيم الخليل -عليه وعلى نبينا وسائر الأنبياء أفضل الصلاة وأتم التسليم- فيقولون: أنت خليل الله، فيذكر الكذبات الثلاث التي جاء بها الحديث الصحيح؛ ثنتان منها في ذات الله والثالثة قوله لزوجته سارَة: أختي، وكلها لا شك أنها ليست من الكذب الصريح الذي يأثم به الإنسان، وإنما هي من التعريض التي هي من أجل الله كما جاء في الحديث الصحيح، والثالثة خشي على زوجته فعرَّض بأنها أخته؛ لأن الملك الظالم الذي مروا به لا يعتدي إلا على الزوجات، لا يعتدي على الأخوات، فاضطر أن يقول: إنها أخته، وهي أخته في الدين، {إنما المؤمنون إخوة} فإذا قال الرجل لزوجته: هذه أختي، مريدًا بذلك أخوة الدين لا يلام ولا يكذَّب بهذا، لكنها بالنسبة للخليل -عليه السلام- بالنسبة له لعظم مقامه قد يراها غير ما يراها غيره من آحاد الناس، بل من خواص الناس؛ لأن الناس مقامات، فأهل المقامات العليا لا شك أنهم يحذرون ويتحاشون أدنى الأشياء مما يتعاطاه الناس براحة واطمئنان، لا شك أن في واقع الناس ما يشهد؛ لهذا تجد الرجل العابد الصالح المنيب المخلص المخبت تجده دائمًا في وجل وخوف من الله -جلَّ وعلا- من بعض الأمور التي يرتكبها، كثير ممن ينتسب إلى العلم براحة واطمئنان، ومع ذلك هي في حيز المباح أو المكروه على أكثر على أكبر تقدير أو الشبهة، والمقام الذي يلي هذا يتجاوز هذه الأمور بسهولة وراحة، ثم المقام الذي يليه يتجاوز بعض المحرمات وهكذا، كما قال جمع من أهل العلم ورددوها وتداولوها: حسنات الأبرار سيئات المقربين، ليس معنى هذا السيئات التي يعاقب عليها الناس، لا، لكنك قد ترى هذا العمل حسنة بالنسبة لزيد وسيئة بالنسبة لعمرو، هذا إذا أنت تصلي في الصف الأول خلف الإمام، ثم التفت فإذا شخص يقضي بعض الصلاة، بعض الناس تقول: ما شاء الله أدرك الجماعة وخير أنه أدرك الجماعة وهذه منقبة بالنسبة له، وبعض الناس تقول: إنا لله وإنا إليه راجعون فاتته ركعة ما هو بهذا الواقع؟
إبراهيم الخليل -عليه السلام- عَدّ هذه كذبات، وجعلها مما يحول بينه وبين هذا المقام والله المستعان، يقول: اذهبوا إلى موسى؛ فإنه كليم الله، دعا على قومه، يعني ما انتظر الأصل أن يكون..، الأفضل أن يكون انتظر، يعني الأنبياء لهم دعوات مستجابة؛ نوح عليه السلام هذه الدعوة المستجابة استغلها في الدعاء على قومه، النبي -عليه الصلاة والسلام- ادخرها للشفاعة، ثم يأتون إلى موسى ويقولون: أنت كليم الله، كتب لك التوراة بيده وفعل وفعل، ولا شك أنه من أولي العزم، فيذكر ما حصل منه من مخالفات، لكن اذهبوا إلى عيسى فلا يذكر سيئة، إنما يكتفي بقوله: لست لها اذهبوا إلى محمد -عليه السلام-، فيأتون إلى محمد -عليه الصلاة والسلام- فيقول: أنا لها، أنا لها، فيسجد تحت العرش ويلهم بأدعية وأذكار لم يكن يعرفها من قبل، إنما يفتح عليه بها، فيقال له: ارفع رأسك وسل تعطه واشفع تشفع، فيشفع للناس فتجاب شفاعته -عليه الصلاة والسلام- ويخلَّصون من هذا الموقف العظيم، هذه هي الشفاعة الأولى.
وأما الشفاعة الثانية هذه خاصة بالنبي -عليه الصلاة والسلام- وهي المقام المحمود الذي جاءت الإشارة إليه في سورة الإسراء، وطلب من أمته أن يسألوها له بعد الأذان، ومن طلبها له وصار ذلك ديدنه بعد كل أذان، قال مثلما يقول المؤذن، ثم قال ما قال فإنه يشفع له -عليه الصلاة والسلام-.
وأما الشفاعة الثانية وهي خاصة أيضًا به -عليه الصلاة والسلام- فيشفع في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة، يشفع فيمن يدخل الجنة، يستفتح باب الجنة وهو أول من يحرِّك حلق الجنة.
طالب: ................
نعم حديث الإجلاس معروف، حديث الإجلاس معروف، ومن أهل العلم من يتكلم فيه، على كل حال المقام المحمود منهم من يقول هو الشفاعة العظمى التي نحن بصددها، الشفاعة الثانية يشفع في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة؛ لأنهم يستبطئون الدخول ويريدون أن يرى كل واحد منهم منزلته ويصل إلى ما وُعد مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فيفزعون إليه -عليه الصلاة والسلام- ليشفع لهم فيُشفَّع، وهاتان الشفاعتان خاصتان له، وأما الشفاعة الثالثة فيشفع فيمن استحق النار من شفاعاته الخاصة به، شفاعته لعمه أبي طالب فيشفع عنه ليخفف عنه العذاب، فيوضع في ضحضاح من نار، وفي رواية: «يلبس نعلين من نار يغلي منهما دماغه، ولا يرى أن أحدًا من أهل النار أشد عذابًا منه وهو أهونهم عذابًا» -نسأل الله السلامة والعافية-، وأما الشفاعة الثالثة فيشفع فيمن استحق النار، وهذه الشفاعة له ولسائر النبيين والصديقين وغيرهم، فيشفع فيمن استحق النار ألا يدخلها، ويشفع فيمن دخلها أن يخرج منها، هذه الشفاعة ليست خاصة بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، وإنما هي له ولغيره من النبيين والصديقين فيشفعون لمن استحق النار ألا يدخلها، ويشفعون فيمن دخلها أن يخرج منها، وهذه الشفاعة هي التي يعرف بها ويقر بها ويعتقدها أهل السنة وينكرها بعض طوائف البدع كالخوارج والمعتزلة؛ لأنهم يرون أن من ارتكب الكبيرة لا يدخل الجنة، وإذا دخل النار فإنه خالد مخلد فيها لا يخرج منها، ثم قال: ويخرج الله من النار أقوامًا بغير شفاعة بل بفضله ورحمته، رحمة أرحم الراحمين بعد هذه الشفاعات يخرج الله بها من النار أقوامًا، مع أن الجميع جميع هذه الشفاعات إنما كانت بفضله ورحمته وإذنه للشافع ورضاه عن المشفوع له، كما جاء في النصوص، فهي تعود إلى فضله ورحمته -جلَّ وعلا-، ويخرج الله من النار أقوامًا بغير شفاعة بل بفضله ورحمته.
ويبقى في الجنة فضل عمن دخلها من أهل الدنيا فيُنشئ الله لها أقواما فيدخلهم الجنة، فيدخلهم الجنة، أقوام ما كلفوا بعمل يدخلهم الله الجنة بفضله ورحمته، كما أنه يبقى أيضًا في النار فضل ولا تزال النار يلقى فيها، وتقول: هل من مزيد، حتى يضع فيها رب العزة قدمه فينزوي بعضها إلى بعض، فتقول: قطٍ قط، الجنة ينشئ الله لها أقوامًا؛ لأنها فضل من الله -جلَّ وعلا- لا يلزم منه عمل، وأيضًا النار عذابه لا يعذب بها من لا يستحق العذاب، قد يقول قائل: لماذا يخلق الله للجنة أقوامًا ولا يخلق للنار أقوامًا؛ لأنه لو خلق للنار أقوامًا ما كلفوا في الدنيا يكون ظالمًا لهم، الله -جلَّ وعلا- حرَّم الظلم على نفسه.
فينشئ الله لها أقوامًا فيدخلهم الجنة، وأصناف ما تضمنته الدار الآخرة من الحساب والثواب والعقاب والجنة والنار، يعني من الأمور السمعية التي لا يثبتها عقل، وإنما تثبت بالسمع ولا تدرك بالعقول تقصر دونها العقول، ولا تدرك بالأقيسة، وأصناف ما تضمنته الدار الآخرة من الحساب والثواب والعقاب والجنة والنار، وتفاصيل ذلك مذكورة في الكتب المنزلة من السماء كالقرآن والتوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم صحف موسى وغيرها من الكتب المنزلة، لكن العلم الموروث لنا من نبينا -عليه الصلاة والسلام- سواء كان في كتاب الله أو سنته -عليه الصلاة والسلام- فيه غنية وكفاية، أما ما يذكر في كتب التفسير أو كتب أشراط الساعة أو أمور الآخرة مما ينسب لأهل الكتب فإنه لا يصدَّق ولا يكذب، فإذا جاء في شرعنا ما يوافقه صدقناه، وإن جاء في شرعنا ما يخالفه كذبناه، وإن كان لا موافق ولا مخالف فإن هذا يتوقف فيه؛ لئلا يكون حقًا فنرده بغير حجة أو يكون باطلاً فنقبله بغير حجة.
وتفاصيل ذلك مذكور في الكتب المنزلة من السماء والآثار من العلم المأثور عن الأنبياء، لكن العلم المأثور عن الأنبياء غير نبينا -عليه الصلاة والسلام- لا بد من أن نجد في شرعنا ما يشهد له، نجد ما يشهد له، وفي العلم الموروث عن محمد -صلى الله عليه وسلم- من ذاك ما يشفي ويكفي، يعني ما ثبت في كتاب الله وصح عن نبيه -عليه الصلاة والسلام- ما يشفي ويكفي، فمن ابتغاه وجده، فلسنا بحاجة إلى أن ننظر في كتب غيرنا أو أن ننظر إلى ما لم يصح عن نبينا -عليه الصلاة والسلام- ولو نسب إليه، فلا نعتمد على موضوعات ولا على أحاديث وأخبار ضعيفة، كما أننا لا نعتمد على ما يقوله أعداؤنا من الكفار، فنثبت به عذابًا أو ننفي به عذابًا كالأشرطة التي تتداول في هذا المعنى، فإننا لا ننتظر منهم أن نستفيد منهم في هذه الأبواب شيئًا؛ لأنها أبواب سمعية معولنا فيها على ما جاءنا عن الله وعن نبيه -عليه الصلاة والسلام-، ولسنا بحاجة إلى مصادر أخرى يثبتونها تارة ثم ينفونها أخرى، ونعلِّق عقائدنا بأخبار أعدائنا، بحيث إذا تعلقنا بها وتشبثنا بها نفوها كما هو الحاصل في كثير من تصرفاتهم، فتبقى ثوابتنا ومسلماتنا مرتبطة بغيرنا، بنظريات قابلة للنفي والإثبات، فإذا أذعنا لهم وسلمنا بما يقولون نفوها، وفي هذا من التشكيك في ديننا وفي عقائدنا ما فيه، وعندنا كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- وفيهما ما يشفي ويكفي كما قال الشيخ -رحمه الله تعالى- فمن ابتغاه وجده، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
نعم أهل العلم يقولون: إن الكفار لا يمرون على الصراط، وإنما يمر على الصراط المسلمون، والذين تجذبهم الكلاليب وتخطفهم الخطاطيف هم من عصاة الموحدين، وأما بالنسبة للكفار فإنهم لا يجوزون الصراط ولا يعبرونه، الصراط موضوع على متن جهنم على ما سيأتي، ومنهم من يقول: إن الجميع يمرون مؤمنهم وكافرهم ويكون ممن يخطف وتخطفهم الكلاليب ويكردسون في النار، هؤلاء يشملهم هذا الوصف من الكفار ومن العصاة حتى ينقوا ويهذبوا.
على كل حال ألفية العراقي حظيت بشروح كثيرة، منها شرح المؤلف شرح التبصرة والتذكرة للحافظ العراقي وهو شرح متين ونفيس، وينبغي أن يُعنى به طالب العلم، ومنها شرح للسخاوي واسمه فتح المغيث، وشرح لزكريا الأنصاري اسمه فتح الباقي، وشرح للسيوطي، شروح لهذه الألفية يعني حظيت بشروح كثيرة، أجمعها وأشملها شرح السخاوي أدرج فيه شرح المصنف وزاد عليه تحريرات ونُقول لا توجد عند غيره، وعلى كل حال شرح المؤلف لا يُستغنى عنه، فإذا فرغ منه طالب العلم قرأ شرح السخاوي، ويكتفي بهذا شرح الشيخ زكريا الأنصاري، فيه لفتات لطيفة، لا سيما ما يتعلق بإعراب بعض الكلمات المشكلة في الألفية.
في جهنم، أما ما رآه من صاحبي القبرين فإنه من عذاب القبر.
من أهل العلم من يرى أنهما نفختان: نفخة صَعْق ونفخة قيام، ومنهم من يزيد الثالثة، وجاء فيها النص نفخة الفزع، ومنهم من يدرج نفخة الفزع بنفخة الصعق.
سميت بذلك؛ لأنها يستدل عليها بالسمع فقط لا بالعقل، سميت الغيبيات بالسمعيات؛ لأنه إنما يستدل عليها بالسمع لا بالعقل.
جاء في ذكرهما الخبر الذي أوردناه سابقًا في الدرس الماضي، وأهل العلم يختلفون في إثباته، وهو قابل للتحسين.
نعم من السنة أن يكون نصف الساق، ويجوز إلى الكعب.
وهل يكون في الثوب والكم الذي على اليد فيه إسبال؟
نعم في الثوب فيه إسبال وحكمه حكم الإزار، وأما الكم فإلى الرسغ، كان كمه -عليه الصلاة والسلام- إلى الرسغ وما زاد على ذلك فهو إسبال، لكنه ليس حكمه كحكم إسبال الثوب أو الإزار وكذلك العمامة، أزرة المؤمن إلى نصف ساقه، وحكمه حكم الثوب، كل ما يلبس على النصف الأسفل من البدن حكمه واحد، ما فيه فرق.
لا شك أن الذي لا يجيب -الشاك أو المرتاب- يعذب في قبره، ويفتح له باب إلى النار يأتيه من سمومها وحرها، وفي قوله -جلَّ وعلا-: {النار يعرضون عليها غدوًا وعشيًّا} هذه لا شك أنه يدل على أنه مستمر بالنسبة للكفار، أما بالنسبة للعصاة لا سيما من جاء فيهم النص، فالذي يظهر أنه لا يستمر.
المسلم العادي لا شك أنه يستطيع في زيادة قدر إسلامه وإيمانه بكثرة الطاعات واجتناب المعاصي، حتى يكون مؤمنًا يزيد قدر ما في قلبه على مجرد الإسلام في الأعمال الظاهرة، فإذا زاد من الطاعات ازداد بذلك إيمانه، ثم بعد ذلك يزداد حتى يصل إلى مرتبة المراقبة التي هي الإحسان «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك».
جاء بالنص أن الذي يُسأل المؤمن الموقن، ويجيب بالجواب الصحيح، ويُسأل أيضًا الشاك والمرتاب، ولا شك أن المنافق شاك ومرتاب، وقد يقول قائل: إن الكافر ليس بشاك ولا مرتاب، فلا يدخل في السؤال، ومنهم من قال ذلك من أهل العلم، من قال: إن الكافر لا يُسأل باعتبار أنه مفروغ منه، والمنافق الذي قال في الدنيا: لا إله إلا الله، لكنه لم يدخل الإيمان في قلبه مثل هذا هو محل السؤال.
كلام الشيخ -رحمه الله تعالى- على ما سيأتي في هذا الدرس فيه شيء من الترتيب.
سبق أن ذكرنا أن من احترق جسمه ولم يبق منه شيء، ومن أكلته السباع، ومن مات في بر أو بحر وتفرقت أجزاؤه، الله -جلَّ وعلا- قادر على أن يجمع جسمه في مكان واحد.
يعني اليوم الآخر المتأخر عن الدنيا.
لا شك أنه في نعيم لكنه دون نعيم الجنة؛ يفتح له باب إلى الجنة ويوسع له في قبره، يفسح له في قبره، ويكون قبره روضة من رياض الجنة، هو في نعيم، لكنه مع ذلك يسأل الله -جلَّ وعلا- أن تقوم الساعة؛ لأن ما وراء ذلك أعظم.
نعم هو ثابت لابن القيم، وهو كتاب نافع في بابه جدًّا، إلا أن فيه بعض الاستطرادات التي قد يستغني عنها طالب العلم، وفيه بعض القصص التي لو تركها ابن القيم لكان أولى.
أول مرة أسمع هذا التأويل، أنا أول مرة أسمع هذا التأويل، أن العوجة كلمة التوحيد، أنا أعرف أنها يراد بها نوع من السيوف مائلة، هذا الذي يتبادر إلى الفهم.
نعم أهل العلم يقولون: الذين يقولون: {من بعثنا من مرقدنا} هؤلاء هم الكفار عند جمع من أهل العلم، فيجيبهم المؤمنون: {هذا ما وعد الرحمن}.
العلماء يختلفون في رواية المبتدع اختلافًا كثيرًا؛ ممن عرف أنه يرد رواية المبتدعة مطلقًا الإمام مالك -رحمه الله تعالى- وجمع من أهل العلم، ومنهم من يقبلها مطلقًا، ومنهم من يفرق بين من يدعو إلى بدعته ومن لا يدعو، ومنهم من يفرق بين من بدعته مكفرة ومن بدعته مفسقة، ومنهم من يفرق بين من بدعته مغلظة كبرى ومن بدعته صغرى، وعلى كل حال كتب السنة طافحة بالرواية عن المبتدعة، ومنها الصحيحان فيها رواة ممن وصف بالبدعة ومن رمي بها، فأهل العلم يقولون: المدار على الصدق؛ إذا كان الراوي محلاً للصدق فإنه تقبل روايته، فإن من المبتدعة من يرى تعظيم شأن الكذب كالخوارج، فمثل هؤلاء تقبل روايتهم، ومنهم من يرى بجواز شهادة الزور لموافقيهم، فهؤلاء لا تقبل رواياتهم، وفي مقدمة أو في أوائل كتاب الميزان للحافظ الذهبي -رحمه الله- تمييز المبتدعة من أهل البدع الكبرى المغلظة وأهل البدع الصغرى، فلا تقبل رواية الطائفة الأولى، وتقبل رواية الطائفة الثانية، والتفصيل في كتب المصطلح معروف.