تنقيح الأنظار في معرفة علوم الآثار (11)
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، في تعريف الحسن حيث ذكر المؤلف تعريف الخطابي ثم ذكر تعريف من؟ ابن الجوزي ؟ لأنه في تعريف الخطابي الأول والمناقشات قال: "وبالجملة فالحد الحقيقي متعذر هنا وإنما هذه رسوم تفيد تمييز العبارات المصطلح عليها بعضها من بعض وذكر الحدود المحققة أمر أجنبي عن هذا الفن فلا حاجة إلى التطويل فيه" هذا انتهينا منه، قال بعد ذلك "وقال أبو عيسى الترمذي في العلل التي في أواخر الجامع" في جامع الترمذي كتاب اسمه العلل ويسمونه علل الجامع لتتميز بذلك عن العلل المفردة العلل الكبير "وما ذكرنا في هذا الكتاب حديثا حسنا فإنما أردنا به حسن إسناده عندنا" يعني عند أهل الحديث حسن إسناده، ولم يرد بذلك حسن المتن أو الحسن اللغوي إنما أراد به الحسن الاصطلاحي، "وهو كل حديث يروى" يعني اشترط له شروط ثلاثة "كل حديث يروى لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب" هذا الشرط الأول "ولا يكون الحديث شاذا ويروى من غير وجه نحو ذلك" لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب، الاتهام بالكذب جرح شديد هو الذي يلي الحكم على الراوي بأنه كذاب، يليه متهم بالكذب وهذا القيد لا يخرج الضعيف؛ لأن الراوي قد يضعَّف ولا تقبل روايته ولا يصل إلى حد يتهم فيه بالكذب، ولا يكون الحديث شاذا يعني فيه مخالفة من الراوي لمن هو أوثق منه، "ويروى من غير وجه نحو ذلك فهو عندنا حديث حسن" وإن كان قد حسّن ما انفرد به بعض رواته.
وقال الترمذي ما سلم
|
|
من الشذوذ مع راو ما اتهم
|
بكذب ولم يكن فردا ورد
|
|
قلت وقد حسن بعض ما انفرد
|
كيف يروى من غير وجه ويقول هذا حديث حسن وقد تفرد به راويه؟ يعني اختل هذا الشرط كما سيأتي، "قال الحافظ أبو عبد الله محمد بن أبي بكر المواق لم يخص الترمذي الحسن بصفة تميزه عن الصحيح فلا يكون صحيحا إلا وهو غير شاذ ويكون رواته غير متهمين بل ثقات فظهر من هذا أن الحسن عند أبي عيسى صفة لا تخص هذا القسم بل قد يشترك فيها الصحيح قال فكل الصحيح عنده حسن وليس كل حسن صحيحا قلت هذا مثل كلام تاج الدين المقدم وليس بلازم للترمذي لأنه يشترط في رجال الصحيح من قوة العدالة وقوة الحفظ والإتقان ما لا يشترط في رجال الحسن" يعني لا يكفي في الصحيح أن يقول لا يكون في رواته من يتهم لا يكفي وإنما هذا يمشي بالنسبة للحسن، أما بالنسبة للصحيح لا يمكن أن يقال فيه لا يكون في رواته من يتهم؛ لأن منزلتهم يعني رواة الصحيح أعظم من كون الواحد هل يتهم أو لا يتهم، قال "ولكن يعترض عليه كونه لم يورد ذلك" يعني لم يورد تعريف الصحيح؛ لأن الصحيح يشترط فيه من قوة العدالة وقوة الحفظ والإتقان ما لا يشترط في رجال الحسن، الخطابي حينما استدرك عليه أن الصحيح يدخل فيه قيل إنه أفرد الصحيح، لكن الترمذي لما عرف الحسن وذكر من الشروط الثلاثة ما يدخل فيها الصحيح وقد يدخل فيها الضعيف أُورد عليه أنه لم يحد الصحيح بصفة تميزه والضعيف بصفة تميزه ليبقى ليسلم لنا تعريف الحسن يعني كما فعل الخطابي، "ويمكن أن يجاب عنه بأنه مفهوم من عبارته" وألا يكون في رواته من يتهم بالكذب مفهوم هذه العبارة أن الضابط الحافظ الثقة راوي الصحيح يندرج في هذا هذا مفهوم العبارة، كما أن مفهومها أن من ضعف بأمر آخر غير الاتهام بالكذب يدخل في حد الحسن ولا يصح هذا ولا هذا، "ويمكن أن يجاب عنه بأنه مفهوم من عبارته حيث شرط في رجال الحسن أن يكونوا غير متهمين بالكذب لأن الثقة الحافظ لا يوصف في عرف المحدثين بأنه متهم بالكذب فقط فإن عدم التهمة بذلك قد يتصف بها الضعفاء وقد بين مراده بقوله بعد ذلك ويروى من غير وجه نحو ذلك" يعني حيث ينجبر ما فيه من الضعف، "وغرض الترمذي إفهام مراده" وبيان الحسن عند المحدثين "لا التحديد المنطقي" الذي يحاسب عليه بالحرف لا، إنما مراده أن يميز هذا النوع من أنواع الحديث المتوسط بين النوعين الصحيح والضعيف بما يقربه لطلاب العلم، "وغرض الترمذي إفهام مراده للتحديد المنطقي فلا اعتراض عليه بمناقشات أهل الحدود" أما المناقشات فلا بد منها؛ لأنا لا نستطيع أن نفهم الحد مع وجود هذه الاعتراضات التي تثار حول هذه التعاريف والرد عليها، "وأورد الشيخ زين الدين الحافظ العراقي على كلام الترمذي هذا سؤالا متجها وهو أنه قد حسن أحاديث لا تروى إلا من وجه واحد" ولذلك يقول:
قلت وقد حسن بعض ما انفرد
|
|
............................... |
"إلا من وجه واحد كحديث إسرائيل عن يوسف بن أبي بردة عن أبيه عن عائشة قالت كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-إذا خرج من الخلاء قال «غفرانك» قال فيه حسن غريب" يعني مقتضى الحسن أن يروى من غير وجه، ومقتضى الغرابة أن يتفرد به راويه فكيف يجمع بين وصفين متنافرين؟ يعني مقتضى كونه حسنا أن يروى من غير وجه ومقتضى كونه غريبا ألا يروى إلا من وجه، يعني تفرد به راويه "قال فيه حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل عن يوسف بن أبي بردة ولا يعرف من هذا الباب إلا حديث عائشة، وأجاب الشيخ أبو الفتح اليعمري المعروف بابن سيد الناس في مقدمة شرحه للترمذي عن هذا الحديث بأن الذي يحتاج إلى مجيئه من غير وجه ما كان راويه في درجة المستور لم تثبت عدالته وأكثر ما في الباب أن الترمذي عرّف الحسن بنوع منه لا بكل أنواعه" وكما سيأتي في كلام ابن الصلاح أن كلام الترمذي منصب على الحسن لغيره بينما كلام الخطابي منصب على الحسن لذاته، "وأجاب الشيخ أبو الفتح اليعمري عن هذا الحديث بأن الذي يحتاج إلى مجيئه من غير وجه ما كان راويه في درجة المستور ومن لم تثبت عدالته وأكثر ما في هذا الباب أن الترمذي عرف الحسن بنوع منه لا بكل أنواعه قلت وأظن أبا الفتح يريد أن الغرابة في الحديث إنما هي في رواية يوسف" يعني الغرابة غرابة نسبية، "وأظن أبا الفتح يريد أن الغرابة في الحديث إنما هي في رواية يوسف له عن أبيه عن عائشة فلم يتابع يوسف على هذا أحد ويوسف ثقة بغير خلاف وأما إسرائيل فمختلف فيه لكنه لم ينفرد بالحديث عن يوسف فالحديث حسن بالنظر إلى رواية إسرائيل وغيره من الضعفاء عن يوسف وغريب بالنسبة إلى تفرد يوسف بروايته عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها" وقال أي نعم يعني أن الحديث قد يحسن من طريق ويضعف من طريق، قد يوجد من طريق ما فيه قادح ينجبر بطريق آخرى، ويكون مداره على راوٍ ثقة، فالغرابة جاءته من تفرد هذا الثقة به، والحسن حكم عليه بأنه جاء عن طريق أكثر من واحد، يروى من غير وجه، لو روي حديث عن ثقتين ثم عن ضعيفين، ثم عن ثقة ثم عن ثقتين وهكذا، المقصود أنه جاء من طريق اثنين من الرواة ممن تكلم فيه فصح وصفه بالحسن باعتبار أنه روي من غير وجه، وصح أنه غريب لتفرد الثقة به وهذا لا يضره، يقول: "وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية وفي الموضوعات الحديث الذي فيه ضعف قريب محتمَل هو الحديث الحسن".
وقيل ما ضعف قريب محتمل
|
|
فيه وما بكل ذا حد حصل
|
يعني كل التعاريف التي ذكرت سواء من الخطابي أو الترمذي أو ابن الجوزي أو غيرهما كلها لا تميز الحديث الحسن.
.............................
|
|
.....وما بكل ذا حد حصل
|
ما يحصل الحد بتعريف الخطابي؛ لأنه أورد عليه من الإشكالات ما أورد، ولا يرد الحد بتعريف الترمذي لأنه أورد عليه أيضا ما أورد، ولا يرد ولا يحصل الحد بتعريف ابن الجوزي لأنه أورد عليه ما أورد، الذي قال فيه ضعف قريب محتمل هو الحديث الحسن، إلى أي حد يصل هذا الضعف القريب؟ يعني إذا تصورنا أنه من واحد مثلا إلى أربعين بالمائة هذا ضعيف، ومن أربعين بالمائة إلى سبعين بالمائة مثلا حسن، ومن سبعين إلى مائة صحيح، هل الحكم وموازين الأحاديث وموازين الرواة بهذه الدقة بحيث نستطيع أن نقول أن هذا الحديث وصل إلى مرتبة أربعين، خمسين، ستين بالمائة؟ لا يمكن قال.
........................
|
|
.....وما بكل ذا حد حصل
|
ضعف قريب محتمل إلى أي حد يحتمل هذا الضعف؟ ليس هناك حد يحتمل فيه هذا الضعف، فالمتساهل من الأئمة يحتمل أكثر من المتشدد، وعلى كل حال كل هذه الحدود منتقدة، ابن الصلاح نظر في هذه التعاريف ما هو نصيب الدرس اللاحق لكن ابن حجر قرر أن الحديث الحسن هو الحديث الصحيح إذا خف ضبط راويه قليلا ولم يصل إلى درجة من يرد حديثه فهو الحديث الحسن، ومثل ما ذكرنا بالنسبة للترمذي واستعماله للحسن يستعمله استعمالات كثيرة، أحيانا يأتي بحسن مفردا، وأحيانا يقرنه بالصحة وهذا كثير، وأحيانا يقرنه بالغرابة، وأحيانا يفرد الصحة دونه، وهذه الاصطلاحات مضى الكلام فيها عند مباحث الصحيح.
نقتصر على هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.