شرح الأصول الثلاثة (02)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول الإمام المجدِّد محمد بن عبد الوهاب أجزل الله له الأجر والثواب وأدخلنا وإياه الجنة بغير حساب ولا عذاب يقول-رحمه الله تعالى-اعلم رحمك الله أنه يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم ثلاث هذه المسائل" اعلم هذه للتنبيه والاهتمام بشأن ما يلقى بعدها "رحمك الله" دعاء للقارئ والمنتفع "أنه يجب" وعرفنا أمس أن كلمة اعلم من المؤلف لا تدل على الوجوب وإن كانت صيغتها الأمر، إنما هي لمجرد التنبيه لأهمية ما يلقى بعدها "أنه يجب" هنا يؤخذ الحكم الشرعي أنه يجب، طيب ما قال في المسائل الأولى قال أنه يجب عليه تعلم أربع مسائل يجب وجوبًا شرعيًا بمعنى أنه يأثم الذي لا يتعلمها من المكلَّفين وهذا مما يتعيَّن معرفته وفهمه على المسلمين عمومًا ولا يسع جهله إذا كان تعلم العلم فرض كفاية على الأمة فإن هذه من واجبات الأعيان، هنا يقول "على كل مسلم ومسلمة" على كل مسلم ومسلمة الذكور عُرف اهتمامهم بالعلم على مر العصور وفي عصر الصحابة الأمر ظاهر ومن بعدهم إلى يومنا هذا، لكن النساء عُرف من الصحابيات من لها باع في العلم والتعليم والدعوة والإفتاء لكنها في مجال لا يثير فتنة الرجال بها لأنهن يمتثلن ما جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام- {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ} [سورة الأحزاب 33/53] فلا يمكن أن يتذرع بأن من الصحابة من تعلمت وروت الحديث ويقول لا مانع أن تعلم الرجال ويعلمها الرجال على الشكل الذي هو موجود الآن في كثير من أقطار المسلمين هذا لا شك أنه يترتب عليه مفاسد عظيمة، والعلماء يقررون أن درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح ولو في تعليم العلم لا يجوز، والعلم الشرعي مما يُبتغى به وجه الله ويطلب به ثوابه، والثواب من عنده- جل وعلا- وما عند الله لا ينال بسخطه، ما نقول والله هذه تطلب العلم تزاحم الرجال؛ لأن العلم جاء فضله في الكتاب والسنة نقول لا، نقول العلم عبادة والعبادة لا تتحقق بهذه الصورة مع المعارض الأقوى "أنه يجب على كل مسلمة ومسلمة تعلم ثلاث هذه المسائل" وفي النسخة الأخرى تعلم هذه الثلاث مسائل والعمل بهن، تعلم هذه الأمور الضرورية لعموم المسلمين أمر مهم جدًّا، ومع الأسف أن الناس فرَّطوا فيها واشتغلوا بما لا ينفعهم في دنيا ولا أخرى، تجد من يدرس في مدارس المسلمين أمورا ليست الأمة بحاجتها لا من الذكور ولا من الإناث، ولو قلنا أنه قد يحتاج إليها فلنفر يسير من الناس فلماذا تُعمَّم على الناس كلهم وتكون على حساب العلم الضروري مثل هذه المسائل أو على العلم الذي جاء الحث عليه مما هو فرض كفاية؟ فكثير مما تشتمل عليه المناهج لا يحتاج إليه وإن ادعيت الحاجة إليه فلنفر يسير، فلماذا يُشغَل الناس بأمور قشور نفعها إن وجد ففي جوانب يسيرة من أمور الحياة وتكون على حساب الكتاب والسنة وما يجب تعلمه ويتعيَّن فهمه على الأمة من رجال وإناث وصغار وكبار "تعلُّم هذه الثلاث مسائل" تعلُّم ثلاث هذه المسائل يعني تقديم وتأخير والتركيب "تعلم ثلاث هذه المسائل" فيه قلق يعني ليس مطردا، فعندي أن قوله في الطبعة الثانية "تعلم هذه الثلاث مسائل والعمل بهن" أولى وأسلم، الأولى من هذه المسائل "أن الله خلقنا ورزقنا ولم يتركنا هملاً" على كل مسلم من ذكر وأنثى صغير وكبير أن يتعلم هذه المسائل: أن الله- جل وعلا- هو الخالق ونصوص الكتاب والسنة متظافرة على إثبات صفة الخلق لله- جل وعلا- وأنهم مخلوقون مربوبون مدبَّرون لله- جل وعلا- وكما أن الدليل الشرعي من الكتاب والسنة يقرِّر هذا فكذلك الدليل العقلي، وفي الشرع في القرآن ما يقرر الدلالة العقلية على هذا فهو دليل شرعي من حيث وروده في القرآن وهو دليل عقلي بحيث الحصر في أمرين لا ثالث لهما إلا ما يراد إثباته هو أن الله جل وعلا هو الخالق {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [سورة الطور 52/35] أم خلقوا من غير شيء من عدم، هكذا وجدوا فجأة من لا شيء أم هم الذين خلقوا أنفسهم، هل يتصور هذا أو ذاك؟ أنت جالس في فضاء ثم فجأة يمثل أمامك مخلوق من دون أي سبب خلق من غير شيء أم أن الإنسان هو الذي يخلق نفسه؟! لا يوجد ثلاث إلا أن الله-جل وعلا-هو الخالق {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [سورة الطور 52/35] ولذا لما سمعها جبير بن مطعم لما قدم المدينة في فداء الأسرى سمع النبي -عليه الصلاة والسلام-يقرأ سورة الطور وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبه يقول كاد قلبي أن يطير، انظر إلى تأثير القرآن في كافر فهل جماهير المسلمين يتأثرون بالقرآن ويفهمون القرآن كما فهمه هذا الكافر؟! {وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} [سورة المائدة 5/83] وهم نصارى ما الذي دهى المسلمين في ألا يختلف الأمر عندهم، في أن يقرأ القرآن أو تقرأ الأخبار؟ ما الذي دهاهم؟! ويستوي في ذلك عامة وخاصة، وطلاب العلم كثيرا ما تسمعه يُقرأ القرآن ما كأنه قرآن؟! زرارة بن أوفى سمع {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [سورة المدثر 74/8] من الإمام وهوي صلي الفجر صُعِق فمات، هل لفتت انتباهنا هذه الآية أو نمرها ما كأنها آية؟! هل لها معنى ووزن ثقيل في قلوبنا أو لا فرق بينها وبين غيرها؟! أو الرجل المذكور زرارة بن أوفى ليس عنده سالفة على ما يقول العوام وافقت قدرا ومات؟! يا إخوان الران الذي ران على قلوبنا وغطاها جعلنا لا نستفيد من القرآن، الشبهات والشهوات التي نزاولها غطّت على قلوبنا ومشاعرنا وجعلتنا لا نتفاعل ولا نستشعر عظمة هذا القرآن، قد يقول قائل الرسول -عليه الصلاة والسلام-أنزلت عليه وقرأها والصحابة سمعوها من الرسول -عليه الصلاة والسلام- ما مات منهم أحد وهذا الكلام يجعل بعض أهل العلم ينكر مثل هذه التصرفات من الغَشي والصعق لأنه ما وجد في عصر الصحابة وجد في عصر التابعين فمن بعدهم فهل يُمدَح به من وجد منه؟ مع أنه لم يوجد في عصر الصحابة ولا حصل منه -عليه الصلاة والسلام- فهل نقول أننا مثلا نحن في تصرفاتنا وكوننا لا نصل إلى هذا الحد أشبه بالصحابة من هؤلاء؟ الرسول -عليه الصلاة والسلام- أُلقي عليه هذا القول الثقيل لكن عنده قلب قوي يستوعب هذا القول ويتحمَّل هذا القول، القول ثقيل وعظيم مؤثِّر {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [سورة الحشر 59/21] فالخشوع والتصدُّع من أثر القرآن لكن الرسول -عليه الصلاة والسلام- عنده من القلب القوي والتثبيت من الله- جل وعلا- لتلقي هذا القول من أجل أن يبلِّغه الناس ما حصل منه هذا الغشي ولا هذا الصعق، وصحابته الكرام هو قدوتهم وهو أسوتهم يستشعرون عظمة هذا القرآن وأقوالهم تدل عليه، وبكاؤهم يدل عليه، والواحد منهم يردد الآية ويبكي طول الليل مثل عمر، يستشعرون عظمة القرآن وينتفعون بالقرآن، وجاء من بعدهم مع استشعارهم لعظمة هذا القرآن ضعفت القلوب فصارت بقدر الاستشعار مع هذا الضعف لا يوجد تناسب فوُجد الغشي ووجد الصعق، لكن هل واقعنا يشهد بأننا نستشعر عظمة القرآن وفي قلوبنا قوة مثل قلوب الصحابة أو أننا في الأصل لا نستشعر شيئا؟ وهذا هو السبب في عدم التأثير! كوننا لا نستشعر هذه العظمة ولا هذه القوة هو الذي يجعلنا على هذه الحال، الإنسان يسمع القرآن وبصوت مؤثِّر بتغني ومن قارئ مجوِّد ومؤثِّر وكأنه لا يسمع شيئًا وكنا نسمع البكاء عند سماع القرآن في الصلوات إلا أنه تضاءل وخف فلا يكاد يوجد إلا في القليل النادر، الإنسان الواحد منا إذا دخل في الصلاة نظره في الساعة متى ينتهي كأنه بلسان حاله يقول أرحنا من الصلاة، وإذا أطال الإمام بقراءة آيتين أو ثلاث زيادة أو خمس تذمَّر وتجده يراوح بين رجليه يرفع هذه ويضع هذه مستثقل وهذا موجود، وإذا خرج من المسجد وجلس في الشارع مع زميله أو مع قريبه أو حبيبه ماعنده مشكلة في أن يجلس ساعة أو ساعتين واقفا، قصة ذكرتها مرارًا شيخ من الشيوخ أدركته وهو يناهز المائة سنة يصلي قائمًا معتمدًا على عصاه في صلاة التهجد وراء شخص قراءته أقل من عادية يعني ما تؤثر، يعني لو في وقتنا ما تركناه يصلي بنا، صحيح أنه حافظ ولا يخطئ لكن ليس عنده يعني الصوت الذي يجذب بحيث يتلذذ به السامع ويطلب المزيد لا، ويصلي في كل تسليمة جزء من القرآن، وصلاة التهجد خمس تسليمات في كل تسليمة جزء هذا الشيخ الكبير يصلي قائما خمسة أجزاء تقرأ وهو قائم، في ليلة من الليالي سمع الإمام وهو في التسليمة الأخيرة مسجد يؤذن ومعروف أنه لا يؤذَّن الأذان الأول إلا بعد نهاية الصلاة ليقع السحور بين الأول والثاني، سمع المؤذن وخفف ترك ورقتين أو ثلاثا من الجزء في التسليمة الأخيرة فلما سلم من صلاته أقبل عليه هذا الشيخ الكبير فقال له يا عبد الله اسمه عبد الله عندما جاء وقت اللزوم خففت؟! ماذا وراءنا؟! وراءنا السحور ولاحقون عليه! هل نستطيع مثل هذا؟! أبو خمس وعشرين سنة أو ثلاثين سنة لا يتحمل قراءة ورقتين وليس جزء وراء الإمام!! من الذي يتعامل مع الله- جل وعلا- في الصلاة البدن أو القلب؟ القلب، انظر في أحوال الناس بعض الناس في تجارته مستعد يحمل الكيس سبعين ثمانين مائة كيلو وهو مرتاح، لكن لو تقول له تعال ساعدني على هذا الشيء في المسجد أو في كذا ولو كان شيئا يسيرا قال: والله أنا لا أتحمل الآن، ولو جرب نفسه وجد نفسه ما تحمل بالفعل، لكن كلٌّ على ما يرتاح له قلبه، إذا ارتاح القلب صنع الأعاجيب، يذكر في جهة من الجهات أن شيخًا كبيرًا منذ عشرين عاما يصلي جالسًا وعندما جاء ت العرضة يوم العيد قام يعرض ساعتين واقفا قالوا يا فلان ما تتقي الله أين صلاتك عشرين سنة جالسا؟! قال والله لو أنكم تدرون ما الذي حملني، فإني لا أدري والله ما الذي حملني؟! فعلى الإنسان أن يربط ويتعلق بالله-جل وعلا-ويكون قلبه معلَّقا بالمساجد، الآن كثير من الناس يدخل المسجد وقلبه معلَّق في ماذا؟ أحد قلبه معلَّق في الدنيا، وأحد معلق قلبه في القنوات، وواحد معلق قلبه حدث ولا حرج كل يعمل على شاكلته، فلا شك أن أمورنا تحتاج إلى مراجعة والله المستعان.

"الأولى أن الله خلقنا ورزقنا" {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [سورة الذاريات 51/58] «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا » وأربعين وأربعين وأربعين «ثم يرسل إليه الملك فيؤمر بكتب رزقه» الرزق من الله- جل وعلا- وما يحصل عليه المرء أو الإنسان أو الحيوان في هذه الدنيا فهو من رزق الله- جل وعلا- ولا يلزم من تسميته رِزقا أن يكون حلالاً عند أهل السنة، هذا رزق بمعنى أنه وصل إليك هذا المال أو هذا الطعام من الله- جل وعلا- خلافًا للمعتزلة الذين يرون أن الحرام ليس برزق من الله، فكما أنهم أثبتوا خالقا مع الله يعني المعتزلة لأنهم أثبتوا أن الإنسان يخلق فعله والله- جل وعلا- يقول {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [سورة الصافات 37/96] قالوا لا، الإنسان يخلق فعله فأثبتوا خالقا مع الله كما أنهم أثبتوا رازقا مع الله، ويمكن أن يعيش إنسان من ولادته إلى وفاته ما وصله من رزق الله شيء، على مذهبهم يولد المولود ويتلقفه لصوص ويطعمونه من سرقاتهم وينشأ معهم ويصير لصا معهم إلى أن يموت ويصير ما رزقه الله شيئا هذا قول باطل، الرازق هو الله- جل وعلا- لكن لا يعني أن كونه رزقا ويسمى رزقا أن يكون حلال "أن الله خلقنا ورزقنا ولم يتركنا هملاً" مثل الدواب الضوالّ التائهة في البراري والقفار ما تركنا هملا بل خلقنا لحكمة وهدف والهدف من خلق الجن والإنس ما جاء في قوله- جل وعلا- {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [سورة الذاريات 51/56] كما سيأتي هذا هو الهدف من خلق الإنسان، فعلى العاقل الذي يسعى لنجاة نفسه أن يجتهد في تحقيق هذا الهدف ويجعل ما عداه من الوسائل المعينة لتحقيق هذا الهدف وكثير من المسلمين انقلبت عليه الأمور فصار يهتم بالوسائل ويضيع الهدف، يهتم بأمور دنياه ويترك ما خلق من أجله، الله- جل وعلا- يقول {وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [سورة القصص 28/77] لا تنسَ يعني عليك بتحقيق الهدف ونصيبك من الدنيا هذا يعينك على تحقيق الهدف، بعض الناس عكس صار همه الدنيا والدين على الفرغة، وصار كثير من المسلمين يحتاج إلى تذكير لا تنسَ نصيبك من الآخرة عكس مراد الله- جل وعلا- "ولم يتركنا هملاً بل أرسل إلينا رسولا" بل أرسل إلينا رسولاً وهو محمد -عليه الصلاة والسلام- كما سيأتي في الأصل الثالث "فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار" هو مبلِّغ عن الله- جل وعلا- من أطاعني «كل يدخل الجنة إلا من أبى» قيل ومن يأبى يا رسول الله؟! قال «من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى» ويترتب على ذلك أنه يدخل الناس نسأل الله العافية {وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [سورة الأحزاب 33/71] ومقابله الذي يعصي الله ورسوله مقابل الفوز العظيم الخسران المبين، فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار "والدليل قوله تعالى {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ} [سورة المزمل:15]" {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} [سورة النساء:41] الأمة تشهد على سائر الأمم والرسول -عليه الصلاة والسلام- يشهد على الجميع {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [سورة البقرة:143] "{رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً} [سورة المزمل:15]" ورسولنا ونصيبنا من الرسل هو أشرفهم وأفضلهم محمد -عليه الصلاة والسلام- {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً} [سورة المزمل:15] وهو موسى بن عمران عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام "{فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [سورة المزمل:16]" الرسول الثاني هو الرسول الأول إلى فرعون رسولاً فعصى فرعون الرسول؛ لأن النكرة إذا أعيدت معرفة كانت عينها بخلاف ما لو أعيدت نكرة، جاءني رجل فأكرمت رجلاً هذا غيره ثاني، لو جاءني رجل فأكرمت الرجل هو نفسه "{فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [سورة المزمل:16]" موسى عليه السلام "{فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً} [سورة المزمل:16]" أخذًا وبيلاً قويًا شديدًا «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته» يأخذه أخذ عزيز مقتدر {فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً} [سورة المزمل:16] "الثانية من هذه المسائل أن الله لا يرضى أن يُشرَك معه في عبادته معه أحد في عبادته" أو في عبادته أحد "لا نبي مرسل ولا ملَك مقرَّب" ولا غيرهما إن الله لا يرضى أن يشرك معه أحد في عبادته لا نبي مرسل الذي يعبد أشرف الخلق محمد -عليه الصلاة والسلام- أو يصرف له شيئا من حقوق الله- جل وعلا- هذا مشرك {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [سورة النساء:48] ولو كان المشرَك به أفضل الخلق لا محمد ولا جبريل ولا غيرهما فالعبودية حق لله- جل وعلا- ومع ذلك وُجِد من خالف وعَبَد المخلوق وعَبَد الأنبياء والأولياء والصالحين، ووُجِد من يعبد الأحجار والأشجار والإشكال مبدؤه من الغلو «إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو» «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم» جعلوه إلها ووجد في هذه الأمة من غلا به -عليه الصلاة والسلام- حتى جعله نِدًّا لله جل وعلا.

يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به

 

سواك عند حلول الحادث العمم

إلى أن قال:

فمن جودك الدنيا وضرتها

 

ومن علومك علم اللوح والقلم

ما ترك شيئا لله- جل وعلا- "إن الله لا يرضى أن يشرك معه أحد في عبادته لا نبي مرسل ولا ملك مقرَّب" ولا غيرهما يعني فمن دونهما من باب أولى، والشرك شرك سواء كان المشرَك به أفضل الخلق أو أرذل الخلق يكون شرك {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [سورة النساء:48] ووجد الشرك في هذه الأمة، وعُبد الأنبياء من دون الله، وعبدت الأضرحة وعلى مستوى العالم الإسلامي إلا ما قلّ تستثنى هذه البلاد ولله الحمد حيث طهرها الله من مظاهر الشرك من مظاهر الأضرحة والقِباب التي تعبد من دون الله بسبب هذا الإمام المجدد المبارَك، وفي كشمير ضريح من أعظم الأضرحة في العالم يسمونه ضريح الشعرة ليس فيه آدمي فيه شعرة لمَن؟! للرسول؟! لا، للشيخ عبد القادر الجيلاني ضريح، التراب يباع، والماء يباع بالتولة مثل الطيب، الذي يمر من حول القبر المبتدعة منهم من يحج إلى الأضرحة كالرافضة ويزعمون أن حج المشاهد أفضل من حج بيت الله الحرام بسبعين مرة، وألفوا في مناسك المشاهد كما أُلِّف في مناسك الحج لبيت الله الحرام وأي فتنة أعظم من هذه؟! تجدهم فآم يتقاتلون ويتزاحمون على هذا القبر- نسأل الله العافية- إن الله لا يرضى أن يشرك معه أحد في عبادته لا نبي مرسل ولا ملك مقرب ولا غيرهما "والدليل قوله تعالى {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [سورة الجن:18]" أحمد بن الصديق الغُماري المغربي ألف في المشاهد رسالة متوسطة الحجم وذكر في مقدمتها أن بناء المشاهد على القبور هل هو بدعة محرَّمة؟ كما يقول الوهابية، أو أنه سنة متبعة من صدر هذه الأمة إلى يومنا وهو يريد أن يقرر أنها سنة متبَعة وليس فيها شيء، وأن هذا من تعظيم الأولياء ولهم قدر وجاه عند الله- جل وعلا- نسأل الله العافية "والدليل قوله تعالى {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [سورة الجن:18]" يعني العبادة والمساجد مواطن للعبادة خاصة بعبادة الله وحده، ومن المؤسف أن كثيرًا ممن يسافر إلى بعض بلاد المسلمين قد يُصلي في مسكنه تقول الصلاة في المساجد يقول لم أجد مسجدا ليس فيه قبر وتوجد عودة ولله الحمد وصحوة ورجوع إلى التوحيد وبُدئت مشاريع في هدم هذه المشاهِد نسأل الله- جل وعلا- أن يعينهم على تطهيرها من مظاهر الشرك وأهله "الثالثة" الثالثة من هذه المسائل "أن من أطاع الرسول ووحَّد الله لا يجوز له موالاة من حادَّ الله ورسوله" هذه المسألة مرتبة على المسألتين، الأولى: فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار، والثانية: أن الله لا يرضى أن يشرك معه أحد، يعني وحد الله لا بد أن يوحد الله لا بد أن يطيع الرسول كما في المسألة الأولى وأن يوحد الله كما في المسألة الثانية إذا حصل هذا أن من أطاع الرسول ووحد الله لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله "ولو كان أقرب قريب" عمل بالمسألة الأولى، حفظ المسألة الأولى وتعلمها وطبقها ثم الثانية يترتب على ذلك موالاة من أطاع الله ورسوله ومعاداة من عادى الله ورسوله ولا تجوز معاداة أولياء الله، "من عادى لي وليا فقد بارزني بالحرب" "أن من أطاع الرسول ووحد الله لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله" ومن يتولهم فإنه منهم -نسأل الله العافية- والمرء مع مَن أحب "ولو كان أقرب قريب" لأن الإنسان يجتمع عنده محبة جِبِلِّيِّة طبيعية ومحبة شرعية، فإذا تعارضت المحبتان فلا بد من تقديم المحبة الشرعية، حب الوالِد الذي هو سبب وجود الإنسان أبوه سبب، جعل الله معاشرة الأب للأم سببا في إنتاج الولد، ولولا هذا الأب بتقدير الله- جل وعلا- ما وجد هذا الولد، وللوالد حق عظيم يلي حق الله- جل وعلا- للوالدين، والولد حبه عند أبيه لا يحتاج إلى كلام؛ ولذا جاءت الأوامر ببر الوالدين فتظافرت النصوص على ذلك والتشديد في عقوقهما، لكن ما الذي ورد في بر الأولاد؟ الجبلة والعاطفة تدفعك دفعا إلى حبهما، طيب عندك والد لا يصلي الذي لا يصلي محادّ لله ورسوله، أو ولد لا يصلي هل تحبه بسبب هذه المحبة الطبيعية أو تبغضه لأنه عدو لله؟ "أن من أطاع الرسول ووحد الله لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله ولو كان أقرب قريب" ولو كان والدا أو ولدا، وإذا كان محبة الرسول -عليه الصلاة والسلام- مقدَّمة على حب كل أحد «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين» فلا بد أن تقدم هذه المحبة الشرعية على هذه المحبة الطبيعية الجبلية، هناك مضايق قد تتعارض في ذهن الإنسان ولا يستطيع التوفيق بينها لكن يبقى أن المحبة الشرعية التي تترتب عليها آثارها لا بد أن تكون مقدمة على الجبلِّية، من هذه المضايق مثلاً جواز نكاح الكتابية تصير زوجة من اليهود أو من النصارى وفيها شرك، تشرك بالمسيح أو تشرك بعزير محادّة لله ورسوله والله- جل وعلا- يقول {وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} [سورة الروم:21] المودة بين الزوجين موجودة تعارض بين المحبتين لكن إذا قدّم مراد الولد أو مراد هذه الزوجة أو مراد الوالد المنحرف على مراد الله- جل وعلا- هنا يقع في المحظور "والدليل قوله تعالى {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [سورة المجادلة:22]" الصحابة امتثلوا هذا الأمر فقتل الابن أباه والأب ابنه وتبرؤوا منهم في المواجهة طبقوا هذا، ويوجد في الأمة خير كثير- ولله الحمد- يكثر السؤال من الشباب الصالحين يقول إن أباه مقصِّر قد لا يصلي في المسجد قد لا يصلي بالكليَّة فكيف يتعامل معه؟ أو يقول ابني كذلك هل أطرده من البيت أو ماذا أفعل؟ ينتظر فتوى، الأمة فيها خير إلى قيام الساعة لكن يوجد من ذابت عنده هذه الخصلة، تجده ينظر إلى الرجل الصالح والرجل الفاسق على حد سواء، ومع الأسف بعض الناس ينظر إلى الفاسق لاسيما إذا كانت له وجاهة أو مسؤولية أو ما أشبه ذلك ويقدمه على الصالحين.

وما الدين إلا الحب والبغض والولا

 

كذاك البرا من كل غاو وآثم

إذا صرنا لا نفرق بين ولي الله وبين عدو الله لا خير فينا "{لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [سورة المجادلة:22]" هناك مقدمات شرعية لها نتائج {وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [سورة الأحزاب:71] ومن يعصهما فله الضد، من اتصف بهذه الصفة وهي معاداة من حادّ الله ورسوله "رضي الله عنهم وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ} [سورة المجادلة:22]" الذين يحادّون الله ورسوله هم حزب الشيطان وهؤلاء حزب الله "{أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سورة المجادلة:22]" ثم قال- رحمه الله- "اعلم" وهذا كسابقيه "أرشدك الله" أرشدك الذي دلك على الرشد وهو الفوز والفلاح وضده الغواية "أرشدك الله لطاعته" دلك إليها ووفقك للعمل بها أن الحنيفية "أن الحنيفية ملة إبراهيم عليه السلام" أن الحنيفية ملة إبراهيم- عليه السلام- خبر أنَّ "أن تعبد الله" المصدر المنسبك من أنْ وما دخلت عليه وملة إبراهيم بدل أو بيان بالحنيفية أن الحنيفية ملة إبراهيم عليه السلام "أن تعبد الله" يعني عبادة الله وحده "مخلصًا له الدين" والحنيفية من الحنف وهو المَيْل ومن ذلكم الأحنف الذي في رجله مَيْل وهنا المَيْل عما لا يرضي الله- جل وعلا- ويخالف مراده "أن تعبد الله وحده مخلصًا له الدين" لا بد من أن تعبد ولا بد أن تخلص؛ لأن العبادة هي الهدف من وجودك لا بد أن تحقق هذا الهدف لكن على أي وجه كان؟! لا، لا بد من أن تحقق شرطين الأول: الإخلاص لله- جل وعلا- والثاني: متابعة الرسول -عليه الصلاة والسلام- وهما شرطان لقبول كل عبادة فإذا تخلّف الشرط الأول وهو الإخلاص فلا قيمة لهذه العبادة، وإذا تخلف الشرط الثاني وهو الاقتداء واتباع النبي -عليه الصلاة والسلام- فلا قيمة لهذه العبادة، والنصوص الموجِبة للإخلاص كثيرة في الكتاب والسنة {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [سورة البينة:5] أن تعبد الله وحده مخلصًا له الدين هذه الحنيفية {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [سورة البينة:5] يعني أتباع لإبراهيم عليه السلام صاحب الملة الحنيفية السمحة، لا بد من تحقق هذين الشرطين لتصحيح العبادة، إخلاص العمل لله- جل وعلا-، واتباع النبي -عليه الصلاة والسلام- {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [سورة هود:7] يقول الفضيل بن عياض أصوبه وأخلصه، فإن كان العمل صوابًا على سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يكن خالصًا لله- جل وعلا- فإنه لا يُقبَل، وإن كان خالصًا لله- جل وعلا- لا على هديه وسنته -عليه الصلاة والسلام- فإنه لا يُقبَل فلا بد من توافر الشرطين؛ لأن الشيخ- رحمة الله عليه- أشار إلى الإخلاص، وجاء في أحاديث الإشارة إلى الشرط الثاني وما جاء في كلام الشيخ هو الموافق لقوله- جل وعلا- {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [سورة البينة:5] «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» «من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد» «صلوا كما رأيتموني أصلي» «خذوا عني مناسككم» فيه أحاديث كثيرة تؤصِّل هذا الأصل، ومن لوازم شهادة أن محمدًا رسول الله أن لا يُعبَد الله إلا بما شرع كما سيأتي- إن شاء الله تعالى- قد يقول قائل وقد قيل ألا يكتفى بشرط واحد وهو الاتباع.

المؤذن يؤذن.

ذكرنا الشرطين لقبول جميع ما يُتقرَّب به إلى الله- جل وعلا- وهما الإخلاص والمتابعة، الإخلاص لله- جل وعلا- والمتابعة لنبيه -عليه الصلاة والسلام- وقال بعضهم لو اقتصرنا على الشرط الثاني لكفى لأنه إذا لم يكن العمل خالصًا لله- جل وعلا- تخلَّف الشرط لا يكون متابعًا فيه للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وإذا تمت متابعته -عليه الصلاة والسلام- فلا بد أن يكون العمل خالصًا لله- جل وعلا- لكن التنصيص على الإخلاص أمر مقرَّر في النصوص ومقرَّر في كلام أهل العلم، وإن قلنا أن عمله -عليه الصلاة والسلام- مصاحِب للإخلاص فمن اتبعه واقتدى به لا بد أن يكون كذلك، لكن التنصيص على الإخلاص ليُذْكَر ويُتذكَّر، يعني لو ترك بأن قيل لا يوجد شرط إلا المتابعة قد يكتفي بعضهم بالمتابعة في الظاهر ويقول: هو متابِع للنبي -عليه الصلاة والسلام- وأنه صلى كما رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي لكنه ما كشف عما في قلبه -عليه الصلاة والسلام- من الإخلاص، يتابعه في الظاهر؛ ولذا لا بد من التنصيص على الشرط الأول وأنه في غاية الأهمية أنه مجرد ما يتخلف هذا الشرط فالعبادة تعب ليس وراءها أرَب ،وليست في ميزان أعماله الصالحة بل العكس يعاقَب على العمل الذي يشرك فيه مع الله غيره "وبذلك أمر الله جميع الناس" الله- جل وعلا- بَعَث إبراهيم عليه السلام بالملة الحنيفية وأُمر النبيُّ -عليه الصلاة والسلام- وأتباعه باتباعه {أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً} [سورة النحل:123] والملة كالجزء من الشخص وكالجزء من الإنسان؛ ولذا حينما أجازوا الحال من المضاف إليه قالوا لا يجوز أن يكون صاحب الحال مضافا إليه إلا في صور.

ولا تجز حالاً من المضاف له

 

إلا إذا اقتضى المضاف عمله

اقتضى المضاف عمله {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً} [سورة يونس:4] ولا أريد أن أفصل في هذا.

أو كان جزء ما له أُضيفَا

 

............................

قالوا قطعت يده قائمًا اليد جزء منه فجاز الحال من المضاف إليه.

أو كان جزء ما له أضيفَا

 

أو مثل جزئه فلا تحيفَا

مثل الجزء مثّلوا له باتبع ملة إبراهيم حنيفا، فإبراهيم مضاف إليه وحنيفًا حال منه وملته كالجزء منه "وبذلك أمر الله جميع الخلق" الاتفاق على الأصل وهو عبادة الله- جل وعلا- المقرونة بالإخلاص لا ينفك منها أحد، ما فيه لا أحد يستثنى من عبادة الله "{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [سورة الذاريات:56]" ولا يوجد أحد يستثنى من الإخلاص، "وبذلك أمر الله جميع الناس وخلقهم لها" خلقهم لهذه العبادة يعني ما الهدف من خلق جميع الناس والجن أيضًا؟ تحقيق العبودية لله-جل وعلا- "{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [سورة الذاريات:56]" ومعنى العبادة أعم من أن تكون عبادة بدنية أو مالية أو عملية أو علمية أو عقدية؛ ولذا قال الإمام- رحمه الله- "ومعنى يعبدون يوحِّدون" "{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [سورة الذاريات:56]" هل العبادة في قوله "إلاَّ ليعبدون" خاصة بالتوحيد مع ترك العمل؟ العبادة أعم فلا بد من التوحيد وتحقيق التوحيد، ومن حقق التوحيد دخل الجنة بلا حساب كما في كتاب التوحيد للإمام المجدد، والمراد تحقيقه تخليصه وتنقيته من شوائب الشرك الأكبر والأصغر والبدع والمعاصي "إلا ليعبدون يوحدون" نص على التوحيد في التفسير لماذا؟ لما سيأتي "وأعظم ما أمر الله به التوحيد وهو إفراد الله بالعبادة" إفراد الله بالعبادة يعني لا تعبد إلا واحدا، لا تعبد إلا واحدا، هذا هو التوحيد بالعبادة بجميع ما يشمله الاسم كما سيأتي أن العبادة اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة هذه هي العبادة ظاهرة كالعبادات البدنية، أو باطنة كالاعتقاد، الإيمان والتوحيد والإحسان وما أشبه ذلك على ما سيأتي كلها عبادات، "وأعظمُ ما أمر الله به التوحيد وهو إفراد الله بالعبادة" لأن الإنسان قد يستصحب أن التوحيد خاص بما اشتملت عليه كتب التوحيد دون ما اشتملت عليه كتب الفقه، الشيخ يقول يعبدون يوحدون طيب غير التوحيد؟ قال: "أعظم ما أمر الله به التوحيد وهو إفراد الله بالعبادة" طيب إذا أشركت في الصلاة هل نقول أن الصلاة ليست من التوحيد من الفقه؟ لا، إفراد الله بالعبادة على ما سيأتي في أنواع العبادة وأنها لا يجوز أن تصرف لأحد كائنًا من كان إلا لله-عز وجل-"وأعظم ما نهى الله عنه الشرك" أعظم ما أمر الله به التوحيد وهو إفراد الله بالعبادة، إلى وقت قريب والأب ولو كان عاميًّا إذا جلس مع صبيانه من بنين وبنات قال مَن الذي خلقك؟ ولماذا خلقك؟ وما المراد بالتوحيد؟ يختبرون فيما ذكره الشيخ في هذا الكتاب، لكن الآن لو تسأل دكتورا في العقيدة مثلاً ممن ليست له عناية بهذا الكتاب ونظائره ما معنى التوحيد؟ عنده كلام كثير عن التوحيد في كتب العقائد وفي كتب الملل كلام كثير يمكن يركِّب لك تعريفا من هذه الكتب قد لا يكون عليه ملاحظة من حيث أنه كلام صحيح لكنه ليس بجامع مثل ما ذكره الشيخ-رحمه الله-أنت الآن لما تقرر كتابا في التوحيد وكتابا في الفقه وتريد أن تعرف التوحيد هل تُدخل فيه ما يشتمل عليه كتاب الفقه؟ لا تدخل؛ لأن الحدود لا بد أن تكون جامعة مانعة، جامعة تجمع جميع ما في محتوى هذا الفن وتمنع من دخوله غيره معه ما تدخل التخصصات الأخرى مع التوحيد، لكن الشيخ نظر إلى التوحيد باعتبار معناه الأعم وهو إفراد الله بالعبادة ثم يدخل فيه كل شيء، وقد يكون الإنسان حفظ هذا الكتاب في صغره لكن لطول العهد تسأله عن التوحيد يأتيك بتعاريف مرت في كلام أهل العلم لكن يغفل عن مثل هذا "وأعظم ما نهى الله عنه الشرك" لو قلت لأي واحد من طلاب العلم عرف الشرك تجده يلفِّق لك تعريفا يدخل فيه بعض الصور لكنه لا يكون شاملا لجميع أنواعه وأفراده كما ذكر الشيخ هنا "دعوة غيره معه" دعوة غيره معه، قد يقول قائل أن هذا التعريف ليس بجامع، شخص سجد لصنم، طاف على قبر، قال ما دعوت معه غيره هذه السجدة وهذه الصلاة دعوة {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [سورة الجن:18] بصلاتكم فيها لغير الله أو اتجاهكم أو سجودكم أو انصراف قلوبكم إلى غير الله هذه هي العبادة وهذه هي الدعوة "دعوة غيره معه والدليل قوله تعالى {وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً} [سورة النساء:36]" اعبدوه وحده لا شريك له، اعبدوه خصوه بهذه العبادة ولا تصرفوا لغيره كائنًا من كان أي شيء من أنواعها ولا تشركوا به شيئًا، وشيئًا نكرة في سياق النهي فتعم كل شيء مما هو من خصائص الإله- جل وعلا-.

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"
يقول: ما رأيك في طبعة دار الرسالة لصحيح البخاري هل تغني عن طبعة دار طوق النجاة وما رأيك في طبعة دار طيبة لفتح الباري؟

طبعة الرسالة تحقيق شعيب الأرنؤوط الشيخ من المجوِّدين يعني تحقيقه طيِّب وزعم أنه أخذها من الطبعة السلطانية التي أشير إليها في السؤال- طبعة طوق النجاة- هذه صورة عن الطبعة السلطانية البولاقية الأولى وهي أفضل الطبعات على الإطلاق، لكن الإخوان يقولون بحثنا عنها وما وجدناها، ودار المنهاج في جدة صورتها أكثر من مرة وانتشرت بسببهم، لكن الأرنؤوط محقق هذه الطبعة يقول إنه أخذها من الطبعة السلطانية وأنا لاحظت عليها في أوّل الكتاب، قال: كتاب بدء الوحي، وهي ليس فيها كتاب بدء الوحي، ونص الحافظ ابن حجر في أول شرح كتاب الإيمان أن البخاري لم يصدِّر مؤلَّفه أو كتابه بكتاب ولم يجعل بدء الوحي كتابا؛ لأنه جعله كالمقدمة لكتابه، وهم أثبتوا كتاب بدء الوحي ورقموه يعني مثل ما فعل المستشرقون وتبعهم محمد فؤاد عبد الباقي، وعلى كل حال هي مظنة للجودة، من لم يجد الطبعة السلطانية يكتفي بها، وما رأيك في طبعة دار طيبة لفتح الباري؟ هي تمتاز بأنها زائدة في التعليقات على المواضع التي خالف فيها ابن حجر ما قرره أهل السنة والجماعة في بعض مسائل الاعتقاد، وانتخب من الكتاب مسائل وعرضت على الشيخ عبد الرحمن البراك وعلّق عليها هذه ميزتها وقال إنه قابلها في الطبعات الموجودة، المقصود أن الكتاب كبير يستحيل أن يدققه ويحققه بحيث يحكم على صحته من كل وجه شخص واحد وفي الجملة هي طبعة جيدة.

يقول: يريد توضيحا دقيقا لمسألة جنس العمل والمقصود بجنس العمل وهل هو العمل نفسه أم ماذا؟

وهل هو شرط في كمال الإيمان، وأيضًا هناك خلاف كبير بين أهل العلم في القول بأن العمل شرط كمال في الإيمان، وقد بُدِّع أناس وضلل أناس في هذه المسألة نريد توضيحًا شاملاً في هذه المسألة.
الإيمان مركَّب من اعتقاد وقول عمل هذا هو قول أهل السنة في الإيمان، قول باللسان، واعتقاد بالجَنان، وعمل بالأركان، وهذه شروطه، وإن شئت فقل أركانه كما سماها بعضهم فلا بد منها، القول باللسان التلفظ بالشهادتين، والاعتقاد بالجنان يعني الاعتقاد الجازم الذي لا يحتمل النقيض وليس فيه أدنى شك ولا تردد، العمل جاء التنصيص عليه في كثير من نصوص الكتاب والسنة مثل ما مر أمس {الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} [سورة البقرة:25] فهل أَفراده كلها شرط لتحقق الإيمان؟ بمعنى أنه إذا فقد أي فرد من أفراد العمل يفقد الإيمان؟ ما قال بهذا أحد حتى الأركان بمعنى أنه لو أن شخصا لم يحج يرتفع الإيمان يعني ليس بمؤمن؟ قد يرتفع الإيمان بمعناه المطلَق لا مطلَق الإيمان بمعناه الكامل، فضلاً عن أن يكون الذي تُرِك من النوافل، يبقى مسألة الصلاة ومن يقول بكفر تاركها يجعل هذا مثالا للعمل الذي هو مشترط للإيمان، ومن يقول بكفر تارك بقية الأركان كذلك، لكن الإشكال مع من لا يقول بكفر تارك الصلاة معناه ما بقي عمل يكفر به فكيف يشترط العمل؟ شيخ الإسلام يقرِّر أن جنس العمل لا بد أن تُثبِت دعواك بعمل، وأما مجرد دعوى أنك مؤمن هذا ليس بصحيح، يعني تترك جميع ما أمرك الله به وليس عندك دليل ولا برهان على إيمانك الذي وقر في قلبك؟ وهل يمكن أن يجتمع إيمان يقر في القلب وعصيان مطلق لله- جل وعلا- بعدم أي عمل مما أمر به؟ هذا لا يمكن أن يجتمع، قال: وهل هو شرط في كمال الإيمان شرط في صحة الإيمان أعني الجنس، والشيخ ابن باز في مقابلة مع بعض المجلات وهي موجودة أظنها مجلة الحكمة قابلوا معه وسألوه عن قول ابن حجر والعمل شرط في كمال الإيمان قال هذا قول المرجئة فهو على القول الصحيح شرط صحة أو ركن كما يقال وهو إلى الركنية أقرب باعتبار أن هذه الأمور الثلاثة تتركب منها الماهية ليست خارج الماهية كما يقولون، ليست مثل شروط الصلاة خارج الصلاة وأركانها داخل الصلاة إنما هي في صلبه ليست خارجًا عنه، الإيمان مركَّب منها لكن يشكل عليه أن الأركان جاءت في حديث جبريل أركان الإيمان الستة، قد يتعدد الشيء بتعدد الجهة كما تقول شروط صحة وشروط إجزاء كما في الحج فتتعدد الشروط من هذه الحيثية، شروط البيع وشروط في البيع وهكذا باعتبار اختلاف المتعلَّق، لكن الركن وهو جزء الماهية هل نقول أنه يختلف ركن باعتبار وهذا ركن باعتبار، يعني الثلاثة ركن باعتبار والستة أركان باعتبار؟ تحتاج إلى مزيد تأمل وإن كان بعضهم قرر أنها أركان لكن الأكثر والذي درج عليه أهل العلم أنها شروط.

يقول: شخص طلب العلم وتخرج في كلية الشريعة وأصول الدين وعنده كتب كثيرة وقد قصرت همته عن القراءة في هذه الكتب هل يلحقه ذنْب ووزر على عدم القراءة في هذه الكتب، وماذا تنصحه بشأن هذه الكتب؟

أولاً: الكتب تختلف، فمنها المتون التي تُدرَس وتُحفَظ وتُشرَح وتُوضَّح، ومنها الشروح التي يُرجَع إليها عند الحاجة، ومنها الكتب المتوسطة، ومنها المطوَّلة، وطالب العلم يحتاج إلى هذا كله والعمر قد لا يستوعب قراءة كل شيء، التفاسير مئات فينتقي منها ما يحتاج إليه، شروح الأحاديث كذلك ينتقي منها ما يحتاج إليه، ولو كان عنده سعة في المال والمكان وزادا باعتبار أنه قد يحتاج في وقت من الأوقات إلى تفسير من التفاسير؛ لأنه قد يشكل عليك آية فتقرأ في تفسير أو اثنين أو ثلاثة أو خمسة ما ينحل عندك هذا الإشكال فتطلب المزيد بعض الكتب، بعض الكتب يُرصَد لمثل هذه الحاجة ولو لم يُرجَع إليه إلا مرة في العمر، ومن المناسب أن نذكر ما حصل لشيخ من شيوخنا في ليلة عرسه- ليلة زواجه- لما اضطجع على الفراش مع المرأة تذكر آية أشكلت عليه في الدرس فقام إلى المكتبة يقلّب في التفاسير ومن تفسير إلى آخر إلى ثالث إلى رابع إلى عاشر إلى أن أذن الصبح، قد لا ينحل الإشكال من خلال شرح أو شرحين أو عشرة قد تحتاج إلى المزيد، فإذا وجدت السعة في المال والمكان فالمزيد من الكتب خير لكن لا على حساب التحصيل والتأصيل؛ لأن بعض الناس إذا كثرت عنده الكتب اختلطت عليه الأوراق فصار لا يستطيع أن يوفِّق ولا يستطيع أن يقدِّم الأَولى فالأَولى وصارت مشغلة عنده؛ ولذا يقول ابن خَلدون كثرة التصانيف مَشغلة عن التحصيل، فالإنسان إذا رتَّب أموره وعرف كيف يبدأ وكيف ينتهي وكيف يتعامل مع هذا الكتاب ومع هذا الكتاب ومتى يحتاج هذا ومتى يحتاج هذا، كتب اللغة يحتاج منها إلى عدد كبير؛ لأنه لا كتاب ولا كتابان ولا ثلاثة تحل جميع الإشكالات أو توضح له جميع المشكلات فيحتاج إلى المزيد، ومن ليس عنده قدرة قد تنحل حاجته بالمكتبات العامة، أو باستعارة من بعض إخوانه وزملائه، المقصود أن كثرة الكتب ليس فيها ملامة على الإنسان إلا إذا شغلته وصار لا يستطيع؛ لأن بعض الناس يتشوَّش ما يستطيع أن يرتِّب أموره، فمثل هذا يقال له اقتصر على قدر الضرورة، قصرت همته عن القراءة سببه الفتور والفتور سببه الغفلة عن أهمية العلم وما أعد لأهله وهذا علاجه القراءة في النصوص التي تحث على تعلم العلم وتبين منزلته من نصوص الكتاب والسنة، والقراءة أيضًا في سير أهل العلم ومعاناتهم وصبرهم على شدائده هذا لا شك أنه يرفع من الهمة والله المستعان.