شرح مقدمة صحيح مسلم (03)

 

الطالب: قال -رحمه الله تعالى-:  

 

"وبعد -يرحمك الله- فلولا الذي رأينا من سوء صنيع كثير ممن نصب نفسه محدثاً فيما يلزمهم من طرح الأحاديث الضعيفة والروايات المنكر وتركيب الاقتصار على الأخبار الصحيحة المشهورة مما نقله الثقات المعروفون بالصدق والأمانة بعدما معرفتهم وإقرارهم بألسنتهم أن كثيراً مما يقذقون به إلى الأغبياء من الناس هو مستنكر، ومنقول عن قوم غير مرضيين ممن ذم الرواية عنهم أئمة أهل الحديث، مثل مالك بن أنس وشعبة بن الحجاج وسفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي وغيرهم من الأئمة لما سهل علينا الانتصاب لما سألت من التمييز والتحصيل، ولكن من أجل ما أعلمناك من نشر القوم الأخبار المنكرة بالأسانيد الضعاف المجهولة، وقذفهم بها إلى العوم الذين لا يعرفون عيوبها خف على قلوبنا إجابتك إلى ما سألت.

واعلم -وفقك الله تعالى- أن الواجب على كل أحد عرف التمييز بن صحيح الروايات وسقيمها، وثقات الناقلين لها من المتهمين ألا يروي منها إلا ما عرف صحة مخارجه، والستارة في ناقليه وأن ينتقي منها ما كان عن أهل التهم والمعاندين من أهل البدع، والدليل على أن الذي قلنا من هذا هو اللازم دون ما خالفه قول الله -تعالى ذكره-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}[(6) سورة الحجرات]، وقال -جل ثناؤه-:{مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء}[(282) سورة البقرة]، وقال -عز وجل-:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ}[(2) سورة الطلاق]، فدل بما ذكرنا من هذه الآي، أن خبر الفاسق ساقط غير مقبول، وأن شهادة غير العدل مردودة، والخبر وإن فارق معناه معنى الشهادة في بعض الوجوه فقد يجتمعان في أعظم معانيها إذ كان خبر الفاسق غير مقبول عند أهل العلم، كما أن شهادته مردودة عند جميعهم.

ودلت السنة على نفي رواية المنكر من الأخبار كنحو دلالة القرآن على نفي خبر الفاسق، وهو الأثر المشهور عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع عن شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن سمرة بن جندب، ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة أيضاً، قال: حدثنا وكيع عن شعبة وسفيان عن حبيب عن ميمون بن أبي شبيب عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله و سلم وبارك على رسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"وبعد -يرحمك الله-" لما لم يأت بأمَّا لم يأت بالفاء، فدل على أن حكم الواو غير حكم أما، "وبعد" يعني بعد ما ذكر؛ لأنه حذف المضاف إليه مع قصده ونيته إليه فبنى (بعد) على الضم.

"يرحمك الله" الأصل أن يدعو لنفسه ثم يدعو لغيره كما تقدم في كلامه -رحمه الله- وكونه يدعو لغيره تدعو له الملائكة بمثل ما دعا به لغيره لا سيما إذا كان بظهر الغيب، والإكثار من الدعاء للغير لا شك أنه دليل على سلامة القلب، من الغل والحقد؛ لأن بعض الناس لا تجود نفسه بالدعاء لغيره، بل يدخر جميع دعواته لنفسه، ومن شفقته عليه، ولا شك أن هذا بخل وحرمان للنفس قبل الغير.

"وبعد -يرحمك الله- فلولا الذي رأينا من سوء صنيع كثير ممن نصب نفسه محدثاً، فيما يلزمهم من طرح الأحاديث الضعيفة" طرح الأحاديث، يحتمل أمرين: الأمر الأول: الذكر والبيان، طرحها يعني ذكرها، وإلقاؤها بين الناس، ويحتمل أيضاً حذفها وإسقاطها، والأول هو المقصود، المقصود ذكرها والقاؤها بين الناس؛ كأنه يلقي بها هكذا يطرحها على الناس يلقيها بين الناس من غير تمحيص ومن غير تدقيق ومن غير تثبت، والأول هو المقصود، ومنه قول الإمام البخاري في صحيحه (باب طرح الإمام المسألة على أصحابه ليختبر ما عندهم) يعني طرح إلقاء المسألة، وهنا طرح الأحاديث، إلقاء الأحاديث، يعني الفرق بين المعنيين، الطرح: بمعنى الذكر والإلقاء، تطرحها بين يديك وأمامك لمن أمامك من الناس، والطرح الثاني بمعنى الحذف والإسقاط أنك تلقيها خلفك فيشتركان في المعنى، إلا أن المقصود مختلف، والمعنى الأول هو المراد هنا، فالإمام مسلم -رحمة الله عليه- ينعى على من يلقي الأحاديث الضعيفة بين عامة الناس، ممن نصب نفسه محدثاً فيما يلزمهم من الفساد بسبب طرح هذه الأحاديث الضعيفة والروايات المنكرة؛ ولا شك أن من يلقي بالأحاديث الضعيفة عند من لا يميز أنه غاش لا سيما إذا كان يعرف ضعفها، وإن كان لا يعرف ضعفها فالأمر متوقف على لفظ ومعنى الحديث الآتي: ((من حدث عني بحديث يُرى أنه كذب..)) وبهذا نعرف المسؤولية الملقاة على المعلمين، وعلى الخطباء حينما يلقون بأحاديث لا يعرفون صحتها من ضعفها على عامة الناس، وعلى آحاد الطلاب، الإمام مسلم -رحمة الله عليه- ينعى على هؤلاء صنيعهم ممن نصب نفسه محدثاً.

قد يقول قائل: أن غالب كتب السنة -يعني إذا استثنينا الصحيحين-غالب كتب السنة فيها الأنواع الثلاثة، فيها الصحيح وفيها الحسن وفيها الضعيف، ولا نجد من الأئمة من يقول: هذا حديث ضعيف، هل هو من هذا أو لا؟ يعني المسند فيه أحاديث ضعيفة، بل قال بعضهم: أن فيه أحاديث موضوعة، سنن أبي داود فيه أحاديث ضعيفة، الترمذي كذلك، بل فيه ما فيه مما هو أشد من الضعيف، النسائي ابن ماجة فيه موضوعات، هل نقول: إن هذا الإمام مسلم ينعى على هؤلاء؟ أو أن الأمر يختلف؟

فالحكم في عصر الرواية عن الحكم فيما بعده، وإلقاء الخبر على العامة غير إلقاء الخبر على الخاصة، يعني هذه الكتب التي فيها أنواع الحديث هذه المفترض فيها أنها ألفت لأهل العلم وطلاب العلم، والعالم إذا ذكر الخبر بإسناده فقد برئ من عهدته في عصور الرواية؛ لأنهم يعرفون الرواة، عاصروهم وعرفوهم وعرفوا ما قيل فيهم، لكن بعد عصور الرواية في القرون التي تأخرت في الرابع في الخامس في السادس بعد انقضاء عصر الراوية لا بد من البيان إلى أن يأتي الوقت الذي لا يجوز فيه إلقاء الضعيف أو الموضوع إلا مبيناً حكمه مع شرح هذا البيان، يعني لا يكفي أن يصعد الإمام المنبر في أسبوع النظافة مثلاً ويقول: إن الناس يتداولون حديث: (النظافة من الإيمان) وهو حديث موضوع، لا يكفي، العامة ما يدرون ما معنى موضوع؟ لا بد أن يقول: هذا الكلام كذب، مكذوب على النبي -عليه الصلاة والسلام-بأسلوب يفهمه العامة، لا بد من البيان الشافي الكافي الذي يفهمه المخاطب.

والحافظ العراقي -رحمه الله تعالى- سئل عن حديث فقال: لا أصل له، الحديث مكذوب عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال له شخص من العجم: كيف يا شيخ تقول: هذا مكذوب، وهو مروي في كتب السنة بالأسانيد؟ قال: العهدة عليك، أحضره لنا بالأسانيد في كتاب معتبر ونرجع عن القول، فأحضره من الغد من كتاب الموضوعات لابن الجوزي، يعني تعجب الحاضرون من كونه لا يعرف ما معنى الموضوع، وهذا في القرن الثامن، فكيف بالقرون المتأخرة التي تلوثت الأفكار، ومسخت كثير من الفطر، والاصطلاحات قلبت، والموازين غيرت، فلا بد من البيان المناسب للمخاطب، بحيث لا يبقى في ذهنه أدنى لبس.

"فيما يلزمهم من طرح الأحاديث الضعيفة والروايات المنكرة، وتركهم الاقتصار على الأحاديث الصحيحة المشهورة" يعني من يخاطب العامة عليه أن يقتصر على الأحاديث الصحيحة المشهورة، قد يقول قائل: أن التصحيح والتضعيف أمور نسبية تختلف من إمام إلى إمام، فلو أن شخصاً إمام مسجد قرأ على الناس في صحيح الترغيب مثلاً، الناس بحاجة إلى كتاب الترغيب والترهيب وفيه أحاديث ضعيفة كثيرة فاقتصر على صحيح الترغيب، نقول: أحسنت، إن لم تكن لديك أهلية تتعقب فيها المؤلف فيكفيك أن تقلد المؤلف، أو صحيح الجامع أو كتاب آخر، أو يقتصر على صحيح البخاري، صحيح مسلم، صحيح أبي داود، صحيح النسائي إلى آخره، فلا يلقي بالأحاديث التي تجمع أخلاط من الصحيح والضعيف والحسن، بل عليه أن يكتفي بالصحيح، الأحاديث الصحيحة المشهورة، ومع ذلك كما ينظر إلى الثبوت ينظر إلى المعاني، فكم من حديث يلقى على العامة وفيه فتنة لهم، لا يستوعبون، لا يدركون معاني هذه الأحاديث، فالعامة لا يصلح أن يلقى إليهم كل شيء إنَّما يُلقى إليهم ما يناسبهم مما يفهمونه (حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟!) وخطيب جامع واعظ مشهور جداً، قرئ عليه حديث البقرة التي ركبها صاحبها فالتفتت إليه فقالت: ما خلقنا لهذا! فقال: دعونا من الإسرائيليات، هذا على حد قول العامة، هذا أيام زمان كل شيء يتكلم، وهو خطيب وواعظ ومؤثر ومشهور، فقلت له: ما رأيك إذا كان الحديث في الصحيح في صحيح البخاري، ويقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ((آمنت بهذا أنا وأبو بكر وعمر)) فإلقاء مثل هذه الأحاديث، إذا كان مثل هذا يستنكر مثل هذه الأحاديث فكيف بعامة الناس؟ فينتقى لهم ما يناسبهم وما ينفعهم، نعم ربوا على التسليم، وقيل لهم هذه الأحاديث ثابتة قال لهم من يقتنعون به، يعني ما كل شخص يخاطبهم ويقتنعون بكلامه، فلا شك أن الإلقاء لهذه الأحاديث التي تفوق عقولهم إذا ألقاها من يقتنعون به، وأثبت لهم أنها ثابتة، وعليكم الرضا والتسليم بجميع ما جاء عن الله وعن رسوله، لا شك أن  هذا نوع من البيان، ويكفي، لكن شريطة أن يكون ممن يقتنعون به، العامة ليس كل أحد يقتنعون به، لا سيما ممن ينتسب إلى العلم في هذه الأزمان؛ لأنهم سمعوا اختلافا واضطرابا في فتاوى وفي عمل هذا يقول: مباح، وهذا يقول: حرام، وهذا يقول: كذا، فخف ميزان أهل العلم عندهم، أيضاً كون العمل قل من بعض من ينتسب إلى العلم أيضاً العامة أدركوا علماء عباد، ويدركون من ينتسب إلى العلم ولو كثر كلامه ما يقتنعون به، ولو زاد علمه ما يقتنعون به ويرونه في كل الصلوات في طرف الصف، وآحاد الناس يسبقونه إلى القرب من الإمام.

فلا شك أن العامة يثقون بمن يقترن علمه بعمله؛ لأن العمل يصدق العلم، وإذا كان جاء في صحيح مسلم، جاء شخص من العراق ليسأل، فسأل عن ابن عمر فدل عليه فقال: جئت من كذا أريد أن أسألك، قال: عليك بابن عباس، قال: ذاك رجل مالت به الدنيا ومال بها، يعني ابن عباس ليس مثل ابن عمر، ابن عمر زاهد، ابن عباس يعني يزاول كثيرا من المباحات لا يتخطى ذلك إلى مكروهات أو شبهات حاشا وكلا، لكنه يتوسع في المباحات أكثر من ابن عمر، والعامة قدوتهم الزاهد المنكف عن الدنيا، فإذا اجتمع العلم مع العمل هذا هو المطلوب، وهو الغاية، وهو الذي يفرض رأيه على الناس، ولذلك قد يستنكر بعض الناس أن العامة يقعون في أعراض العلماء الآن، وإذا أفتوا بكلام تركوهم ولا التفتوا إليهم، هذا هو السبب.

طالب:.........

لا بد من التثبت، وسيأتي في شرح الحديث الذي في آخر الباب التبعة الملقاة على مثل هؤلاء.

"وتركهم الاقتصار على الأحاديث الصحيحة المشهورة مما نقله الثقات المعروفون بالصدق والأمانة بعد معرفتهم وإقرارهم بألسنتهم أن كثيراً -هم يقرون ويعترفون، أن كتبهم وما يلقونه في قصصهم أن فيه الصحيح والضعيف والحسن، فيه أخلاط من الأحاديث المختلفة المراتب- مما يقذون به إلى الأغبياء -هم أهل الغفلة والجهل الذي لا فطنة لهم، ولا يدركون مثل هذه الأمور إلا الأغبياء- من الناس هو مستنكر، ومنقول عن قوم غير مرضيين -يعني في روايته من هو مقدوح فيه، من هو مجروح، ما لا يثبت مثله أهل الحديث- ممن ذم الرواية عنهم أئمة أهل الحديث، مثل مالك بن أنس، وشعبة بن الحجاج، وسفيان بن عينية ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي وغيرهم من الأئمة -النقاد، طعنوا في رواية هذه الأحاديث التي ألقى بها من نصب نفسه محدثاً بين العامة- لمَا سهل -هذا جواب (لولا) فلولا الذين رأينا- علينا الانتصاب لما سألت -يعني إجابة الطلب لتصنيف كتاب يشتمل على الأحاديث الصحيحة، سببه وجود مثل هؤلاء الذين يلقون بالأحاديث الضعيفة ليكون بين يدي الناس أحاديث صحيحة بأسانيد نظيفة.

ولا شك أن هذا من الإمام -رحمة الله عليه- علاج لما يحدث، أو لما حدث في وقته، وعندنا مشاكل كثيرة، تحتاج إلى علاج من المصلحين، وتجدون بعض المصلحين يحاول، فالآن هذا الكتاب علاج للمشكلة التي أوردها، فتجدون بعض العلماء يصنفون كتبا، تجدون الساحة بحاجة ماسة إليها، من هذا الباب، أو يطلب منهم أن يؤلفوا تفسيرا مثلاً يعالج بعض القضايا المعاصرة من خلال كلام الله -جل وعلا-، وهذا مطلب ملح، نعم، تفاسير الأئمة كثيرة ووافية وشافية، وفيها العلم والخير الكثير، لكن هناك مستجدات يحتاج الناس إلى ربطهم بكتاب الله -جل وعلا- وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، ولذا التبعة على أهل العلم الذين لديهم القدرة والاستطاعة بربط الناس بالوحيين هذا أمر متعين عليهم لا سيما ويشاهد الآن التزهيد بالوحيين، تزهيد الناس بالوحيين وصرفهم إلى أمور لا تنفعهم لا في أمور دينهم ولا دنياهم.

"لما سهل علينا الانتصاب لما سألت من التمييز -من هذه بيانية، بيان لما سألت، (من التمييز) يعني بين الصحيح والسقيم والجيد والرديء- والتحصيل، ولكن من أجل ما أعلمناك من نشر القوم -من هذه بيانية- الأخبار المنكرة بالأسانيد الضعاف المجهولة، وقذفهم بها -أي إلقائهم بها إلى العوام الذين لا يعرفون عيوبها خف على قلوبنا إجابتك إلى ما سألت، هو في الأصل ثقيل، التصنيف، وطول المكث والبقاء والتنقيب والبحث عن الأجود لا شك أن هذا متعب، يعني ليس مثل الكلام العادي الذي يتداوله الناس الكلام الإنشائي الذي يمكن أن يكتب الإنسان في مسألة واحدة مجلدا، في أساليب مكرورة ومعادة يبدي فيها ويعيد وينقل من هنا وهناك، وفي النهاية يمكن تلخصيها في أسطر هذا سهل، فمسألة النقل لا يعجز عنها من يعرف القراءة والكتابة، لكن العبرة بالكلام المحرر المتقن المضبوط الذي له محترزاته فيما يحسب كلامه فيما يدخل وفيما يخرج، هذا متعب، ولكنه يخف على القلوب لقوة الأثر، الآن الطلب مدعوم بالحاجة الماسة يسهل هذه المتاعب وهذه المصاعب- إلى العوام الذين لا يعرفون عيوبها خف على قلوبنا إجابتك إلى ما سألت -حفظاً للدين وصيانة لعوام المسلمين عما يُخاف عليهم من الوقوع في الغرر العظيم.

"واعلم -وفقك الله تعالى- أن الواجب على كل أحد عرف التمييز بين صحيح الروايات وسقيمها وثقات الناقلين لها من المتهمين ألا يروي منها إلا ما عرف صحة مخارجه -يعني إذا كان هذا رأي الإمام مسلم وهو وجوب الالتزام بذكر الصحيح دون الضعيف، فإن جمهور العلماء من المحدثين وغيرهم أجازوا رواية ما سوى الموضوع وما يقاربه ما بيان ضعفه، يوردون الضعيف لكن يبينون ضعفه، يوردون الضعيف مع بيان ضعفه لعله أن يوقف على طرق ترقيه إلى القبول، ويوردون الموضوع للتحذير منه، لا للنظر فيه والبحث عن طرق ترقيه، ومنهم من يورد الضعيف ويتساهل فيه، في باب الفضائل كما هو معروف عند الجمهور، أن الأحاديث الضعيفة يعمل بها في فضائل الأعمال، يعمل تورد في المغازي والسير والتفسير وغيرها من الأبواب التي يتسامح فيها جمهور أهل العلم، والقول الذي يشير إليه الإمام مسلم أن هذه الضعاف لا تلقى على أحد بل يقتصر على الصحيح منها فقط دون السقيم.

"واعلم -وفقك الله تعالى- أن الواجب على كل أحد عرف التمييز بين صحيح الروايات وسقيمها وثقات الناقلين لها من المتهمين، ألا يروي منها إلا ما عرف صحة مخارجه -يعني ثقة رواته- والستارة في ناقليه -يعني الصيانة، صيانة النفس عما يخرم التقوى والمروءة، وليس المراد بذلك قبول حديث المستور في اصطلاح المتأخرين؛ لأن المستور ضرب من المجهول، نوع من المجهول، فلا يقبل حديثه إلا ما عرف صحة مخارجه والستارة في ناقليه- وأن يتقي منها -يعني يجتنب- ما كان عن أهل التهم والمعاندين من أهل البدع -هذا مذهبه في المبتدع المعاند المصر على بدعته، الداعي إليها؛ لأنه قيد أهل البدع بالمعاندين، ومن أهل العلم من يرى عدم الرواية عن المبتدعة أصلاً كمالك وبعض العلماء؛ لأن الرواية عنهم شهر لهم ولمذاهبهم، ومن أهل العلم من يرى الرواية عن المبتدع الذي لا يدعو إلى بدعته، وهذا نقل عليه ابن حبان الاتفاق، ومنهم من يروي عن المبتدع الذي لا يجيز الكذب، ويتفق مع أهل السنة في تحريم الكذب؛ لأن مدار الرواية على الصدق في القول، ولذا يخرجون في الصحيحين وغيرهما لهذا الضرب من المبتدعة، أولاً كونهم غير دعاة، وأيضاً لم يعرفوا بكذب، والمعاندين من أهل البدع- والدليل على أن الذي قلنا هو اللازم-من هنا بيانية على كل حال سيأتي الخلاف في رواية المبتدع مفصلاً في الألفية -إن شاء الله-.

والدليل على أن الذي قلنا من هذا هو اللازم –(من) بيانية، هذا يعني الذي ذكرناه وهو بيان درجات الأخبار، وعدم إلقائها على الأغبياء- دون ما خالفه -(هو اللازم) هذه خبر أن، و(أن الذي قلنا من هذا) صلة الموصول الذي هو اسم إن و(هو اللازم) هذه جملة وهو خبر أنَّ (دون ما خالفه) هو يستدل لكلامه وتشديده في هذه المسألة بقول الله -جل وعلا-:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}[(6) سورة الحجرات]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ} يعني بخبر، والفاسق من الفسق وهو في الأصل الخروج عن الطاعة إلى حيز المعصية، كما يقال للفأرة فويسقة، وكما يقال: فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرها، المقصود أن الفاسق هو الخارج عن حيز الطاعة إلى دائرة المعصية، هذا الفاسق إذا جاءنا بخبر علينا أن نتبين، وعلينا أن نتثبت، وألا نقبل والتثبت مطلوب، التثبت في الأخبار مطلوب، لا سيما في أخبار من تظهر عليه علامات الفسق، أو يظهر منها الهوى، لأمر من الأمور، فلا بد أن نتثبت؛ لأنه إذا كان يدعو إلى أمر يميل إليه بهواه فإن حكمه حكم المبتدع الذي يدعو إلى بدعته لا بد أن نتثبت، ولا بد أن نتبين، والفاسق الذي يعصي أمر الله -جل وعلا-، أو يرتكب مع حرم الله عليه هذا لا يؤمن في أن يكذب في خبره، ولذا أمرنا بالتثبت والتبين في خبره، خشية أن تصيبوا قوماً بجهالة، يعني بمجرد قبول هذا الخبر، والمسارعة إلى قبول الأخبار دون تثبت ولا تبين لا شك أنه جهل، ممن يقبل بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين، وكم من شخص سارع في قبول الأخبار ونقلها إلى غيره فعض أصابع الندم، إمام مسجد في طريق يصلي معه أناس في هذا الوقت لا يتكررون مرة ثانية، فصلى معه المغرب جموع امتلأ المسجد، لأنه في طريق قريب من سوق، فأعلن بعد الصلاة أن الشيخ الفلاني توفي وسوف يصلون عليه في مكان، سمع خبر، كيف يصحح هذا الخبر؟ هذا سببه العجلة في قبول الأخبار، فلا بد من التثبت، ثم بين بعد ذلك بين لأناس ما يدرون أيش يقول؟ ما عندهم الخبر الأصلي لكي ينقض، فمثل هذا لا شك هذا في خبر أمره يعني سهل بالنسبة لأمور الدين، بعض الناس ينقل فتاوى عن بعض أهل العلم، إما لخطأه في فهمها، أو لخطأ ناقلها، وآفة الأخبار رواتها، فينقلها على الخطأ لأنه فهم ممن حدثه أو من حدثه فهم ممن سمع منه على غير وجه الصواب.

ولذا يقرر أهل العلم أن الأخبار التي تشاع ولو كثر ناقلوها أنها لا تفيد العلم، ولو كثر ناقلوها، ما لم تستند إلى حس، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- لما آل من نسائه، حلف، آل من نسائه شهراً، واعتزل في المشربة، شاع في المدينة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- طلق نسائه، وقد يكون هذا الخبر من مغرض، أشاع في الناس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- طلق نسائه، وهذه الإشاعة وجدت قبول من جميع الناس، لماذا؟ لأنه ما دام اعتزل ووجد خبر يعني مبرر لهذا الاعتزال، والناس كثير منهم إذا سمع شيء لا بد أن يوجد له مبرر، سمع خبر لا بد أن يوجد له ما يبرره، مما يمكن قبوله عند الناس، يعني يجد رواج لكلامه، ويجد شيء يتحدث به في المجالس، وهذه غاية عند كثير من الناس، أن يشيع خبر ويقبل منه، ويتحدثون قال فلان وفعل فلان، شاع في المدينة أن النبي -عليه الصلاة والسلام-، واجتمع الناس حول المنبر، ودخل عمر -رضي الله تعالى عنه- مغضباً، وسأل الناس هل طلق النبي -صلى الله عليه وسلم- نسائه قالوا: نعم، فاستأذن على النبي -عليه الصلاة والسلام- فلم يؤذن له، واستأذن ثانية فلم يؤذن له، ثم استأذن ثالثة فأذن له، فتحدث مع النبي -عليه الصلاة والسلام- ساعة، ثم قال له: أطلقت نساءك؟ قال: لا.

الآن لو أن شيخا من المشايخ عنده دروس فحصل له ظرف في اليوم من الأيام ما جاء للدرس، فقال بعض الطلاب: الشيخ منع من التدريس، كثير من الطلاب يمشي عندهم هذا الكلام، منع من التدريس، كثير من الطلاب ولا سيما وقد شحن كثير منهم ببعض الأمور، واستشربت نفوسهم إلى... وأيضاً من شفقتهم على شيخهم يصدقون هذا الخبر، مباشرة، كثير منهم مثل هذه الإشاعة التي فيها أن النبي -عليه الصلاة والسلام- طلق نساءه، يعني هناك قرائن قد تدل عليها، وقد يكون هذا الشيخ الذي أشيع أنه منع له شيء من المواقف أو في كلامه شيء من الصراحة، فتجد الكلام مقبول عند الناس، إذا وجد له شيء من الأصل يستند إليه، لكن هذا الكلام الذي أشيع لا يستند إلى حس، يعني الذي أشاع ما وقف على حقيقة الخبر، فما فيه أحد سمع من النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه طلق نساءه، لكنها إشاعة وجدت رواج وقبول ومواكبة هذه العزلة، فانطلت على الناس حتى أن عمر -رضي الله عنه- غلب على ظنه أن هذه الإشاعة صحيحة، الناس مجتمعون، النبي اعتزل وكلهم حول المنبر، وفيه هناك اختلاط الآراء وتداول كلام طويل عريض، يعني الناس هم الناس، لكن ذلك الجيل يختلف عن هذا الجيل، بالتزامه بأحكام الدين، وفيهم من فيهم، من المنافقين ممن يروج هذه الإشاعات.

وقصة الإفك على شناعتها وعظمها وجدت من يروجها ويصدقها إلى أن نزلت البراءة من فوق سبعة أرقعة.

طالب:.........

هذه الرواية في قصة امتحان الإمام البخاري ستأتي في المقلوب -إن شاء الله تعالى-، ومن ضعفها نظر إلى أن أول السند من ابن عدي ما فيه إفصاح بمن حدثه، ابن عدي قال: حدثنا عدة من شيوخنا، فالذي يقول: العدة هؤلاء مجاهيل، ويرد الخبر؛ لأنه لا بد أن يكون الراوي معلوم ليحكم عليه، رده، وهذا قال به من قال به، لكن الذي يقول: إن هذا المجاهيل عدة، والمجهول يرتقي خبره بخبر غيره، فينظم هذا المجهول إلى هذا المجهول إلى هذا المجهول، ارتقى حديثهم إلى القبول، ولن يقول ابن عدي عدة من شيوخنا ليفتري عليهم، أبداً هؤلاء شيوخه الذين أخذ عنهم، وسبر أخبارهم وابتلاها، ولا شك أنه متيقن بالنسبة إليهم، اللهم إلا في حق من يطعن بابن عدي، أما من يثق بابن عدي لا بد أن يقبل مثل هذا الخبر؛ لأن ابن عدي ثقة، وإمام ومطلع ويتحدث عن عدة، ما هو عن واحد، فكونهم عدة ينجبر بعضهم ببعض، فالقصة الذي يغلب على الظن صحتها.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [(6) سورة الحجرات]، وكم حصل من ندامة بسبب العجلة، وفي الصحيح أن عمرو بن العاص جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- يعرض حال ولده، عبد الله بن عمرو، وتشديده على نفسه، وأخذه على نفسه بالعزيمة، وأنه يصلي ولا ينام، ويصوم ولا يفطر، وعزم على ذلك، فجاء يذكر حاله للنبي -عليه الصلاة والسلام- فدعاه النبي -عليه الصلاة والسلام- فلما حضر، قال له: أقلت هذا؟ والذي نقل أبوه، أبوه هل يتصور أن يفتري عليه؟ صحابي لا يمكن أن يفتري على غيره فضلاً عن أن يفتري على ولده، لكن هذا فيه تربية لكل من سمع أن يتثبت، فعلينا أن نتثبت، وعلينا أن نتبين لا سيما في الظروف التي نعيشها، كم من إنسان رمي بالعداوة من قوس واحدة من جمع من طلاب العلم والسبب في ذلك إشاعة لا تثبت عنه، فليتنا إذا سمعنا عن فلان من الشيوخ أنه أفتى بكذا، أو قال: كذا أننا نتثبت، نذهب لنسأله عن حكم هذه المسألة، أو ما رأيك فيمن يقول كذا؟ ولا يواجه بأن يقال: هل قلت كذا؟ لئلا ينتصر لرأيه هو بشر، فيقال له: ما رأيك فيمن يقول كذا؟ أو يسأل عن أصل مسألة ابتداء ما حكم كذا؟ ثم بعد ذلك إذا أفتى بما يظن أنه غير الصواب يناقش، وينصح والدين النصيحة.

أما أن تسمع الأخبار، قال: فلان، وأفتى فلان في مجالس من شخص قد يكون فهم خلاف المراد لا سيما إذا كان من العامة لا يدري ما يقال، الإخوان العامة يقعون في مسائل قد ينقلب عليهم الحكم وهم لا يشعرون، فالأحكام لا تؤخذ منهم بالنقل عن العلماء، من الطرائف أن امرأة حضرت محاضرة لداعية من الداعيات، فحذرت من لفظ محرم فيه نوع من الشرك، فلما أوت هذه المرأة العجوز إلى فراشها، أول ما بدأت بهذا اللفظ، وكانت ما تعرفه ولا خطر على بالها، فبدلاً من أن تعرف الأمر على حقيقته وأنه تحذير من هذا اللفظ، ظنته إغراء بهذا اللفظ، فالعوام لا يتلقى منهم مثل هذه الأمور وأشباه العوام والمتعجلين من الطلاب، وليس معنى هذا أننا نرمي طلاب العلم بالعجلة، لا، لكننا ننصحهم؛ لأن بعض الناس قد يقول مثل هذا الكلام، وهو مشحون على الإخوان وعلى طلاب العلم وعلى رجال الحسبة بأنهم أهل عجلة وأنهم أهل تسرع، لا، لا نقول هذا من هذا الباب، لا –والله- بل إنه من باب النصح، والله المستعان.

طالب:..........

مفهومها ماذا؟ أنه إذا جاءنا عدل ثقة أننا نقبله خبره، هذا الأصل في العادل الثقة الضابط أنه يقبل خبره، لكن لا يعني أنه معصوم، قد يقع منه ما يقع.

وقال جل ثناؤه: {مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء}[(282) سورة البقرة]، فلا بد أن يكون الشاهد عدل مرضي، وفي حكمه الراوي المخبر، لا بد أن يكون عدل مرضي، وهذا مما تتفق فيه الرواية مع الشهادة، وقال -عز وجل-: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ}[(2) سورة الطلاق]، فالعدالة لا بد من توافرها فيمن ينقل الأخبار.

"فدل -يعني الرب -جل وعلا-، بهذه الآيات- فدل بما ذكرنا من هذه الآي أن خبر الفاسق ساقط غير مقبول -وهذا قول الأئمة قاطبة، لا يختلفون في رد قول الفاسق- وأن شهادة غير العدل مردودة، والخبر وإن فارق معناه معنى الشهادة في بعض الوجوه فقد يجتمعان -وقوله: (والخبر وإن فارق) جواب سؤال قد يقول قائل: إن الآيتين الثانية والثالثة في الشهادة، الآيتين الثانية والثالثة دليل على رد خبر الفاسق في الشهادة، وهناك فرق بين الشهادة والرواية، قال: الخبر وإن فارق معناه معنى الشهادة، في بعض الوجوه، فقد يجتمعان في أعظم معانيهما -يعني الشهادة لا يقبل فيها المرأة الواحدة، ولا يقبل فيها العبد ولا الأمة، بينما الرواية يقبل فيها المرأة الواحدة، ويقبل فيها الأمة إذا كانت على الشرط المعروف عند أهل العلم، من العدالة والديانة والصيانة والضبط والإتقان- في أعظم معانيهما إذ كان خبر الفاسق غير مقبول عند أهل العلم، كما أن شهادته مردودة عند جميعهم -خبر الفاسق غير مقبول عند أهل العلم، وهذا يتفقون عليه كما أن شهادته مردودة عند جميعهم- ودلت السنة على نفي رواية المنكر من الأخبار كنحو دلالة القرآن على نفي خبر الفاسق -المنكر، هذا دلت السنة على نفي روايته قال: وهو الأثر المشهور عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)) يُرى وبعض الروايات (يَرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين) بالتثنية، والفرق بين يُرى ويَرى، الفرق بينهما أنه على رواية يُرى التبعة أعظم والأمر أشد؛ لأنه بمجرد ما يراه غير الملقي أنه كذب ولو رآه بنفسه غير كذب، فإنه لا يجوز له أن يحدث به، وعلى رواية يرى يحدث به إذا رأى أنه غير كذب، إذا رأى بنفسه، وليس مسؤولاً عن غيره، ولا شك أن الاحتياط للسنة يرجح رواية (يُرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين) يعني من جملة الكذابين، أو من أحد الكاذبين، فالذي أنشأ هذا الخبر المكذوب كاذب، والذي نقله مع علمه بكذبه كاذب أيضاً، فهو أحد الكاذبين قدم الخبر ثم أردفه بإسناده، ويجوز عند أهل العلم الجادة أن يذكر السند ثم يذكر المتن، هنا قدم المتن ثم أردفه بالسند وهذا جائز سائغ عند أهل العلم ولا يرون به بأساً؛ لأن سواء قدم السند أو المتن لا يتغير الأمر، اللهم إلا عند إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة فقد نص على أنه إذا قدم المتن على السند فلعلة في المتن، إذا قدم المتن على السند فلوجود علة، أما من عداهم من الأئمة فهم على هذه الجادة، سواء قدم المتن أو قدم السند.

صرح الإمام ابن خزيمة بأن من رواه على ذلك الوجه لا يكون في حل، يعني أنه إذا قدم المتن ثم جاء شخص لينقل الخبر عن ابن خزيمة، ليس في حل أن يقدم السند، لأن ابن خزيمة لا يفعل ذلك إلا لعلة.

قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا وكيع عن شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن سمرة بن جندب ح وحدثنا -هذه ح التحويل، والإمام مسلم مكثر منها أحياناً يذكر في السند الواحد  ح خمس مرات، وتوجد في البخاري على قلة، وقد يختلف استعمال البخاري لها عن استعمال مسلم، وليس هذا موضع بسطها، إنما لها مواضع لبحثها- ح وحدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة أيضاً، قال: حدثنا وكيع عن شعبة وسفيان، عن حبيب بن ميمون بن أبي شبيب عن المغيرة بن شعبة قالا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك -(قالا) الضمير يعود إلى سمرة وإلى المغيرة، وحديث سمرة أخرجه أيضاً أحمد في المسند، وابن ماجة، وحديث الترمذي رواه أيضاً أحمد في المسند والترمذي، وقال الترمذي: وفي الباب عن علي وسمرة، وحديث علي أخرجه ابن ماجة، فالحديث مروي عن جمع من الصحابة وله طرق، يثبت بها، ونقول هذا الكلام، حينما نورد طرق لحديث مثل هذا الحديث لا لأن الحديث في صحيح مسلم ويحتاج إلى ترقية، فننتبه لهذا، لا نحتاج إلى أن نخرج الحديث من طرق لنرقي هذا الخبر؛ لأنه في صحيح مسلم، لا، لأن هذا الحديث في مقدمة مسلم، وشرط مسلم الذي ينطبق عليه شرط الصحة عند الإمام مسلم هو ما كان في مضمون الكتاب لا في المقدمة، المقدمة فيها أحاديث فيها كلام، وما صح فيها لا يرتقي إلى شرطه في الصحيح، فننتبه لهذا إذا خرجنا حديثا من مقدمة مسلم من الغش للقارئ أن نقول: أخرجه مسلم، بل لا بد أن نقول: أخرجه مسلم في المقدمة.

ولعلنا نكتفي بهذا، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده وروسوله نبينا محمد.

طالب:........

في كل مشروع لا بد من التنصيص أخرجه مسلم واقع  الحديث في المقدمة مختلف.

طالب: العراقي يقول .......؛ فالعلة ما تكون إلا إذا كان فيه إمكانية في الوصل ...... يعني كأنه جعله شرطا؟

أين؟

طالب: إن يك على اتصال.

نعم يعني إن رجح هذا الاتصال، يعني إن رُجِّح.

طالب: تكون علة.