شرح أبواب الطهارة من سنن الترمذي (04)
..فأعربوا القرآن بمؤلفات كثيرة قديمة ومتأخرة، وإعراب القرآن للنحّاس كتاب طيب، وكذلك للعُكْبَري وغيرهما من المتقدمين، لكن كثير من كتب المتقدمين يطوون الأشياء التي يتوقعون أنها معروفة لدى طلاب العلم، فلا يعربون كل شيء، ولذا عني المتأخرون بإعراب كل شيء، فأُلِّف في إعراب القرآن كتب كثيرة من قبل المتأخرين، وفي تقديري أن من أفضل كتب إعراب القرآن: محي الدين درويش، هذا معاصر، شامي معاصر، أعرب القرآن على وجه تفصيلي يستفيد منه طالب العلم، وقلنا مرارا: إن طالب العلم في علوم العربية ينبغي أن يتمرن على القرآن الكريم، فإذا درس كتاب من كتب العربية وليكن الأجرومية مثلاً، الأجرومية إذا أنهاها وأنهى شروحها والأشرطة المسجلة عليها يعرب الفاتحة ثم يقابل إعرابه بكتب إعراب القرآن فإذا طابق وعرف أنه أتقن الفن، ثم ينتقل إلى إعراب قصار السور، وهذه طريقة مألوفة عند المتقدمين عند العلماء يمرِّنون طلاب العلم على إعراب القرآن وهذا يعين على فهم العربية وعلى فهم القرآن في آن واحد، فعلى طالب العلم أن يُعنى بهذا.
سم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لشيخنا واجزه عنا خير الجزاء، وبارك له في علمه وفي عمره، واغفر لنا وللحاضرين والمستمعين.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
باب: في النهي عن استقبال القبلة بغائط أو بول:
حدثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي، حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا» فقال أبو أيوب: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت مستقبل القبلة فننحرف عنها ونستغفر الله.
قال أبو عيسى: وفي الباب عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي، ومعقل بن أبي الهيثم، ويقال: معقل بن أبي معقل، وأبي أمامة وأبي هريرة وسهل بن حنيف.
قال أبو عيسى: حديث أبي أيوب أحسن شيء في هذا الباب وأصح، وأبو أيوب اسمه: خالد بن زيد، والزهري اسمه: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وكنيته أبو بكر، قال: أبو الوليد المكي: قال أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي: إنما معنى قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا ببول ولا تستدبروها» إنما هذا في الفيافي، وأما في الكنف المبنية له رخصة في أن يستقبلها، وهكذا قال إسحاق بن إبراهيم، وقال أحمد بن حنبل -رحمه الله-: إنما الرخصة من النبي -صلى الله عليه وسلم- في استدبار القبلة بغائط أو بول، وأما استقبال القبلة فلا يستقبلها، كأنه لم ير في الصحراء ولا في الكنف أن يستقبل القبلة.
"باب: في النهي عن استقبال القبلة" هي جهة الكعبة عند الجمهور وعند الشافعية عين الكعبة، على خلاف بين أهل العلم فيما يجزأ استقباله في الصلاة، فالجمهور على الجهة، والشافعي يرى إصابة عين الكعبة، على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.
"بغائط أو بول" يعني عند قضاء الحاجة، عند قضاء الحاجة.
قال -رحمه الله تعالى-: "حدثنا سعيد بن عبد الرحمن -أبي حسان- المخزومي" المكي، ثقة، توفي سنة تسعة وأربعين ومائتين "قال: حدثنا سفيان بن عيينة" الهلالي المكي الإمام الحافظ الثقة المعروف "عن الزهري" وسيأتي ذكر اسمه ونسبه في كلام المؤلف -رحمه الله- "عن عطاء بن يزيد الليثي" المدني نزيل الشام "عن أبي أيوب" وسيأتي ذكر اسمه أيضاً في كلام المؤلف "عن أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا أتيتم الغائط» الأصل في هذه الكلمة أنها تطلق على المكان المطمئن يعني المنخفض، وعادة هذا المكان هو الذي يُقصد لقضاء الحاجة، فأطلق على الحاجة نفسها اسم المكان، أطلق على الحاجة نفسها اسم المكان وإلا فالأصل أن هذه الكلمة للمكان المطمئن المنخفض الذي يقصد من أجل الاستتار لقضاء الحاجة لانخفاضه عن أعين الناظرين، فأطلق على الحال لفظ المحل.
«إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة» وقلنا: إن المراد بها الجهة عند الجمهور، وعند الشافعي العين، إصابة العين، «فلا تستقبلوا القبلة بغائط» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من ضمير "لا تستقبلوا"، أي لا تستقبلوا القبلة حال كونكم مقترنين بغائط أو متلبسين بغائط أو بول أو فاعلين أو غير ذلك مما يصح تقديره حالاً في مثل هذا، «بغائط ولا بول، ولا تستدبروها» يعني لا تتجهوا إليها بوجوهكم، ولا تجعلوها دبركم، ولا تستدبروها، يعني مستقبلين ولا مستدبرين «ولكن شرقوا أو غربوا» يعني توجهوا إلى جهة المشرق أو إلى جهة المغرب، توجهوا إلى جهة المشرق أو إلى جهة المغرب، وهذا الخطاب لأهل المدينة؛ لأن أهل القبلة بالنسبة لهم إلى جهة الجنوب، فمن كان في المدينة أو على سمتها مما هو شمال الكعبة أو في الجهة التي تقابلها، ممن هو جنوب الكعبة هذا يُنهى عن أن يستقبل الكعبة أو يستدبرها متجهاً إلى الشمال أو الجنوب في الجهتين، ولا ينهى حينئذٍ من استقبال المشرق أو المغرب، أما من كان في جهة المشرق مثلاً كنجد أو في المغرب كمصر مثل هذا لا يقال له: شرق أو غرب، إنما ينهى عن الاستقبال والاستدبار، ولكن يشمل أو يجنب، يتجه إلى جهة الجنوب أو إلى جهة الشمال؛ لأنه إذا شرق أو غرب فإنه حينئذٍ يكون مستقبلاً للكعبة أو مستدبراً لها، فهذا الخطاب خاص بأهل المدينة ومن كان على سمتها أو مقابلاً لها، في قوله -عليه الصلاة والسلام-: «ولكن شرقوا أو غربوا» فيه ما يرد على من منع استقبال النيرين معللاً ذلك بما فيهما من نور الله، والحديث صريح في الرد عليه؛ لأنه إذا شرق أو غرب استقبل، فإن شرّق في أول النهار استقبل الشمس، وإن غرّب في أخر النهار استقبل الشمس، وكذلك القمر، ولا يوجد ما يدل على المنع من ذلك ولا العلة.
«ولكن شرِّقوا أو غرِّبوا» فقال أبو أيوب الصحابي: فقدمنا الشام" يعني بعد فتحها قدموا الشام فوجدوا مراحيض "فوجدنا مراحيض" جمع مرحاض، وهو المتخذ لقضاء الحاجة "قد بنيت مستقبل القبلة" هذا في الشام يعني بنيت إلى جهة الجنوب، بنيت إلى جهة الجنوب إلى جهة القبلة "قال: فننحرف عنها" يعني نميل عن جهة القبلة ينحرفون يميناً أو شمالاً عنها "فننحرف عنها ونستغفر الله" يقول ابن العربي: هذا الاستغفار يحتمل ثلاثة أوجه: الأول: أن يستغفر الله من الاستقبال، من هذا الاستقبال؛ لأنه وإن انحرف فإنه لا يستطيع أن ينحرف كثيراً، لا يستطيع أن ينحرف كثيراً، إنما ينحرف قليلاً عن الجهة، ولا يستطيع أن يحرف تمام الانحراف إلى جهة مخالفة، إلى الشرق أو إلى الغرب، فلا يستطيع امتثال «ولكن شرقوا أو غربوا» فيستغفرون الله -جل وعلا- على ما بدر منهم وحصل، هذا الوجه الأول، الوجه الثاني: أنه يستغفر الله من ذنوبه، من ذنوبه فإن هذا الذي وقع فيه أو وُقع فيه من قبله ذنب، والذنب يذكر بالذنب، فيذكر الإنسان ذنوبه فيستغفر الله منها، وإلا فقد فعل في هذا الظرف وفي هذه الحال ما أمر به، انحرف عن القبلة ولم يرتكب محظور، وحينئذٍ ليس عليه استغفار، ومع ذلك الإنسان لو أدّى جميع ما عليه على حد زعمه فإنه لن يستغني عن الاستغفار، التقصير لا بد منه ولا يمحوه إلا الاستغفار.
الوجه الثالث يقول: يستغفر الله لمن بناها فإن الاستغفار للمذنبين سنة، يستغفر الله -جل وعلا- لمن بناها، إذا ثبت أن الذي بناها مسلم وإلا فوقت فتحها الذي يغلب على الظن أن الذي بنى هذه المراحيض غير مسلمين فلا يتوجه الاستغفار لهم، بل لا يجوز الاستغفار لهم، وقد نهي النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يستغفر لعمه، ونُهي إبراهيم إن يستغفر لأبيه، فلا يجوز الاستغفار للكفار، ولا يجوز الترضي عليهم ولا الترحم، وإن وُجد في أساليب بعض الأدباء وبعض المعاصرين المجاملين؛ لأن الكفار الذين حصل لديهم بعض ردود الأفعال من الأحداث الجارية، فلا يجوز بحال أن يترضى أو يترحم أو يستغفر للكفار، لكن إذا كان الذي بناها مسلم أو يغلب على الظن أنه مسلم، أو وجد على ذلك علامات أو أثار مسلمين فإنه يُستغفر له، وعلى هذا الذي يبني بيته فيتعين عليه أن يصرف هذه الأماكن التي تقضى فيها الحاجة عن جهة القبلة، يعني المراحيض تصرف عن جهة القبلة على الخلاف الأتي في النهي، وأنه هل يختص بالصحارى دون البنيان أو يشمل الجميع؟ وعلى كل حال خروجاً من الخلاف من بنى بيتاً يحرف جهة هذا المرحاض عن جهة القبلة فلا يستقبلها ولا يستدبرها.
"قال أبو عيسى -المؤلف الترمذي-: وفي الباب عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي" وهذا مخرج عند ابن ماجه وابن حبان، حديثه مخرج عند ابن ماجه وابن حبان، وهو صحابي شهد فتح مصر، ومات بها سنة ست وثمانين "ومعقل بن أبي الهيثم" وحديثه أيضاً عند أبي داود وابن ماجه، وهو معدود في أهل المدينة له ولأبيه صحبة مات في خلافة معاوية "ويقال له: معقل بن أبي معقل" معقل بن أبي الهيثم، ويقال: معقل بن أبي معقل، ولا يمنع أن يكون معقل بن أبي الهيثم ويكون أيضاً معقل بن أبي معقل، يمكن اجتماعهما لأن أباه يُكنى بأكثر من كنية بأبي الهيثم؛ لأنه أكبر ولده وقد يكنى بمعقل؛ لأنه أقرب الناس إليه، كما صنع الإمام أحمد يكنى بأبي عبد الله وصالح أكبر منه "وأبي أمامة" وهذا ينظر من أخرجه، "وأبي هريرة" وهو مخرج عند مسلم وابن ماجه "وسهل بن حنيف" وحديثه عند الدارمي.
"قال أبو عيسى: حديث أبي أيوب أحسن شيء في هذا الباب وأصح" وأخرجه الشيخان، فالحديث متفق عليه، "وأبو أيوب اسمه: خالد بن زيد" بن كليب من كبار الصحابة مات سنة خمسين أبو أيوب يقول المؤلف اسمه: خالد بن زيد، وجده اسمه: كليب، وهو من كبار الصحابة مات سنة خمسين "والزهري اسمه: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وكنيته أبو بكر" متفق على إمامته وجلالته توفي سنة أربع وعشرين ومائة "قال أبو الوليد المكي" موسى بن أبي الجارود صاحب الإمام الشافعي من الآخذين عنه، من الملازمين له "قال أبو عبد الله -ينقل عن شيخه أبي عبد الله- محمد بن إدريس الشافعي" الإمام العلم صاحب المذهب المتبوع، المتوفى سنة أربع ومائتين "إنما معنى قول النبي -صلى الله عليه وسلم- «لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا ببول ولا تستدبروها» هذا النهي الوارد في حديث الباب "إنما هذا في الفيافي" في الصحاري التي لا يوجد فيها حواجز بينه وبين القبلة "وأما في الكنف المبنية" جمع كنيف، وهي المتخذة لقضاء الحاجة "له رخصة" يعني يجوز له أن يستقبل وأن يستدبر "وهكذا قال إسحاق بن إبراهيم" الحنظلي، الإمام المعروف بابن راهويه.
هذا الكلام من الإمام الشافعي ويوافقه عليه إسحاق وهو قول مالك أيضاً نبسه ابن حجر للجمهور، قال: وهو قول الجمهور، وهو أعدل الأقوال أن الحكم يختلف فإذا كان في الصحاري اتجه المنع، وإن كان في البنيان فالأمر فيه سعة، وفيه رخصة، يعني جائز، ونسبه ابن حجر للجمهور، ويدل عليه حديث ابن عمر الآتي، وحديث جابر أيضاً، هذا قول، القول الأول: التفريق بين الصحاري والبنيان، فيجوز في البنيان دون الصحاري، والقول الثاني: يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وقال أحمد بن حنبل -رحمه الله-: إنما الرخصة من النبي -صلى الله عليه وسلم- في استدبار القبلة بغائط أو بول، وأما استقبال القبلة فلا يستقبلها" يعني سواء كان في الصحاري أو في البنيان، فالاستدبار يجوز مطلقاً في الصحاري وفي النبيان، والاستقبال لا يجوز مطلقاً في الصحاري ولا في البنيان "كأنه لم ير في الصحراء ولا في الكنف أن يستقبل القبلة" وأما الاستدبار فلا بأس به، هذا ما نسبه الإمام المؤلف -رحمه الله- إلى الإمام أحمد، وعنه يعني عن الإمام أحمد كقول الشافعي التفريق بين الصحاري والبنيان، وعنه لا يجوز مطلقاً لا الاستقبال ولا الاستدبار لا في الصحاري ولا في البنيان، قول مالك كقول الشافعي الذي نسبه إليه المؤلف في الكتاب، وقول الحنفية كقول أحمد المذكور في الكتاب، يعني التفريق بين الاستقبال والاستدبار، وقيل: يجوز مطلقاً، وهو قول عروة وربيعة وداود الظاهري بناءاً على أن ما حصل منه -عليه الصلاة والسلام- من استدبار للكعبة في حديث ابن عمر واستقبالها في حديث جابر يكون ناسخاً للنهي، ومثل هذا الذي فيه تعظيم لهذه الجهة المعظمة شرعاً لما فيها من بيت الله المعظم، ومن شعائر الله التي تعظيمها من تقوى القلوب، يرى بعض أهل العلم أن مثل هذا لا يقبل النسخ مثل هذا لا يقبل النسخ؛ لأن العلة قائمة ما ارتفعت وهو تعظيم البيت، من أهل العلم من يرى أن الفعل خاص به -صلى الله عليه وسلم- والنهي للأمة، يعني فعله -عليه الصلاة والسلام- في استقبال القبلة واستدبارها في قضاء الحاجة خاص به، وأما نهيه فهو محمول على غيره على الأمة، ولا شك أن الخصوصية لا تثبت إلا بدليل، ومن جهة أخرى تخصيص النبي -عليه الصلاة والسلام- بهذا الأمر لا وجه له، لا وجه له لماذا؟ لأن عدم الاستقبال وعدم الاستدبار أكمل من الاستقبال والاستدبار حال قضاء الحاجة، لا شك أن احترام الجهة المحترمة شرعاً أكمل من ضده، وكل كمال يطلب من الأمة فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أولى به، كل كمال يطلب من الأمة فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أولى به، فكيف تمنع الأمة من أجل تعظيم الكعبة ألا تستقبل ولا تستدبر ويباح للنبي أن يستقبل ويستدبر؟ مع أن هذا كمال يعني ما أمرت به الأمة كمال، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أولى بالكمال فتخصيصه غير وارد هنا، مع أن التخصيص لا بد له من مخصص، يعني نظير ما قيل في مسألة الكشف -كشف الفخذ- في حديث جرهد: «غط فخذك، فإن الفخذ عورة» وحسر النبي -عليه الصلاة والسلام- فخذه كما في الصحيح من حديث أنس، يقولون: هذا خاص به -عليه الصلاة والسلام-، وأما من عداه يجب عليه أن يغطي الفخذ.
نقول: ستر الفخذ كمال أكمل من كشفه فكيف يطالب غيره بالكمال ويعفى -عليه الصلاة والسلام- من هذا الكمال؟! لا يمكن أن يقال مثل هذا، النبي -عليه الصلاة والسلام- أكمل الخلق وأتقاهم وأورعهم وأخشاهم وأحياهم، فمثل هذا لا يتجه القول بتخصيصه، ثم بعد ذلك ينظر إلى مسلك أخر من مسالك الجمع.
هذه المسألة مسألة الاستقبال والاستدبار للكعبة بالغائط أو البول عرفنا ما فيها من أقوال، منهم من يرى أن النهي محفوظ، وأنه لا يجوز مطلقاً لا الاستقبال ولا الاستدبار، لا في الفضاء ولا في البنيان، عملاً بحديث الباب، وقالوا: إنه محفوظ وما عداه يمكن الإجابة عنه، والعلة قائمة التي من أجلها نهي عن ذلك، والتفريق بين الصحراء والبنيان كما قال الإمام الشافعي: "إنما هذا في الفيافي، وأما في الكنف المبنية فله رخصة" قد يقول قائل: إنه هذا البنيان لا بد من وجوده، إذا كان خارج البيت لا بد من وجود البنيان، سواء كان ملاصقاً أو بعيداً يعني الذي يبول في الصحراء إلى الجهة يعني هل معنى هذا أنه ليس بينه وبين الكعبة بنيان ولو بعد؟ لا بد من وجود بنيان، فالتفريق بهذا فيه ما فيه، والذي يفرق بين الاستقبال والاستدبار لا شك أن الاستقبال قبيح وشنيع، الذي يجيز الاستقبال وكما نسب المؤلف للإمام أحمد وهي رواية عنه: "إنما الرخصة في استدبار القبلة بغائط أو بول وأما استقبال القبلة فلا يستقبلها" لا شك أن الاستقبال قبيح، لكن الاستدبار قد يكون أقبح من الاستقبال، فالتفريق بمثل هذا فيه ما فيه، وعرفنا الأقوال تبلغ خمسة أو تزيد، التفريق بين الصحراء والبنيان، التفريق بين الاستقبال والاستدبار، الجواز مطلقاً، المنع مطلقاً، التخصيص بالنبي -عليه الصلاة والسلام-.
يقول: "باب: ما جاء من الرخصة في ذلك"
سم.
نُكمل الباب.
سم.
عفا الله عنك.
باب: ما جاء من الرخصة في ذلك:
حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا وهب بن جرير، قال: حدثنا أبي عن محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح عن مجاهد عن جابر بن عبد الله قال: "نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نستقبل القبلة ببول، فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها.
وفي الباب عن أبي قتادة وعائشة وعمار بن ياسر.
قال أبو عيسى: حديث جابر في هذا الباب حديث حسن غريب.
وقد روى هذا الحديث ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر عن أبي قتادة أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يبول مستقبل القبلة حدثنا بذلك قتيبة قال: حدثنا ابن لهيعة، وحديث جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أصح من حديث ابن لهيعة، وابن لهيعة ضعيف عند أهل الحديث ضعّفه يحيى بن سعيد القطان وغيره من قبل حفظه.
حدثنا هناد حدثنا عبدة بن سليمان عن عبيد الله بن عمر عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان عن ابن عمر قال: "رقيت يوماً على بيت حفصة فرأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- على حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة" قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء من الرخصة في ذلك" أي في استقبال القبلة أو استدبارها بغائط أو بول، قال: "حدثنا محمد بن بشار" بندار الحافظ تقدم "ومحمد بن المثنى" بن عبيد العنزي أبو موسى الزمن، المتوفى سنة اثنتين وخمسين ومائتين "قالا: حدثنا وهب بن جرير" بن حازم أبو عبد الله الأزدي البصري ثقة، توفي سنة ست ومائتين "قال: حدثنا أبي" جرير بن حازم ثقة توفي سنة سبعين ومائة "عن محمد بن إسحاق" بن يسار المطلبي، إمام أهل المغازي، صدوق يدلس، مات سنة خمسين ومائة "عن أبان بن صالح" ثقة، ووثقه الأئمة، وجهله ابن حزم، ولا غرابة في كون ابن حزم يجهل أبان بن صالح فقد جهل الترمذي وجهله وقال: من محمد بن سورة، وضعّفه ابن عبد البر، والأئمة على توثيقه، وعندكم في الكتاب أبان مضبوطة بإيش؟ بالفتح، لماذا؟ ممنوع من الصرف وإلا مصروف؟ مأخوذ من الإباء أو من الإبانة؟ إذ كان من الإبانة فالنون أصلية فهو مصروف، وإذا كان من الإباء فهو ممنوع من الصرف، مثل حسان إن كان من الحسن فهو مصروف، وإن كان من الإحساس والحس مع أن الأصل أن يقال: حساس ما هو بـ....، فهو ممنوع من الصرف، وعلى كل حال مختلف في صرفه ومنعه، وقالوا: من منع أبان فهو إيش؟ هاه؟ من منع أبان فهو أتان، قالوا هذا، مع أن ممن منعه ابن مالك صاحب الألفية، الإمام النحوي المعروف، لكن هذا قولهم، فالأكثر على عدم منعه من الصرف.
"عن أبان بن صالح عن مجاهد" بن جبر المكي المفسر القارئ المعروف "عن جابر بن عبد الله" بن عمرو بن حرام السلمي صحابي ابن صحابي "قال: نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نستقبل القبلة ببول، فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها" وهذا الحديث مُخرج في المسند، وعند أبي داود وابن ماجه والبزار وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، فهو مصحح، لكن يبقى أن فيه ابن إسحاق، وابن إسحاق الكلام فيه كثير لأهل العلم، والإمام مالك رماه بالكذب قال: دجال، ووثقه جمع غفير من أهل العلم، وتوسط فيه آخرون فقالوا فيه: صدوق، يعني يقبل حديثه، لا يرتقي إلى درجة الصحيح، ولا ينزل عن درجة الحسن، ومع ذلك هو يدلس فلا بد أن يصرّح، فلا بد أن يصرِّح بالتحديث، وفي رواية أحمد صرح بالتحديث، فأمن ما كان يخشى من تدليسه "نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نستقبل القبلة ببول، فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها" واستدل بهذا الحديث من قال بجواز ذلك مطلقاً، وجعل حديث جابر ناسخاً لأحاديث النهي، وهو عمدة من يقول بالجواز مطلقاً كعروة وربيعة وداود الظاهري.
"وفي الباب عن أبي قتادة" مخرج عند الترمذي "وعائشة" عند أحمد "وعمار بن ياسر" عند الطبراني في الكبير.
"قال أبو عيسى: حديث جابر في هذا الباب حديث حسن غريب" وعرفنا في درس الأمس ما في الجمع بين الحسن والغرابة من إشكال، حسن غريب وهو معارض بحديث أبي أيوب السابق وهو أصح منه، لكنه موافق من جهة، وأن النهي كان موجود وليس فيه ما ينفي النهي لتتم المعارضة عند من يقول بها، فهو مثبت للنهي لكنه رافع لهذا النهي في آخر الأمر، وعلى كل حال الذين يرون المنع مطلقاً يقول: إن العلة وهو تعظيم الجهة موجودة لم ترتفع فيرتفع الحكم المنوط بها.
"وقد روى هذا الحديث ابن لهيعة عن أبي الزبير" ابن لهيعة عبد الله بن لهيعة بن عقبة الحضرمي أبو عبد الرحمن المصري القاضي، كلام أهل العلم فيه كثير، كثير جداً، وقد ضعّفه ثلاثة عشر من الأئمة، وقواه بعضهم، وسيأتي كلام الترمذي فيه "وقد روى هذا الحديث ابن لهيعة عن أبي الزبير" محمد بن مسلم بن تدرس المكي، من رواة الصحيح لكنه كثير التدليس، فلا يقبل إلا إذا صرّح، فالحديث فيه علتان: ضعف ابن لهيعة، وتدليس أبي الزبير "عن جابر -بن عبد الله- عن أبي قتادة أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يبول مستقبل القبلة، حدثنا بذلك قتيبة قال: حدثنا ابن لهيعة" الواسطة بين الترمذي وابن لهيعة قتيبة بن سعيد، وهو من شيوخ الترمذي، وتأخير الإسناد في مثل هذه الصورة أو تقديمه بمعنى أنه لو قال الترمذي من الأصل: حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر هل يختلف الأمر فيما لو حدث عن شيخ شيخه ثم ذكر الواسطة بعد ذكر المتن؟ يختلف وإلا ما يختلف؟ يختلف وإلا ما يختلف؟ نعم؟
طالب:.......
يعني الصورة التي معنا "وقد روى هذا الحديث ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر".. إلى آخره "حدثنا بذلك قتيبة قال: حدثنا ابن لهيعة" لو قال الترمذي: حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر.. إلى آخره نعم؟ يختلف وإلا ما يختلف؟
طالب:.......
وهي إيش؟
طالب:.......
تقديم الإسناد وتأخيره فيه فرق؟ نعم؟ نعم؟
طالب:.......
وهو ذكر أولاً، قد روى هذا الحديث ابن لهيعة، وسوف يذكر حتى على الوجه الذي افترضناه، في كتب علوم الحديث يقولون: إنه لا فرق بين أن يقدم الإسناد أو يؤخر، كأن يقول البخاري -رحمه الله تعالى-: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنما الأعمال بالنيات»...الحديث، حدثنا بذلك الحميدي قال: حدثنا سفيان.. إلى آخره، يقول: لا فرق بين أن يذكر الإسناد متقدم أو متأخر؛ لكن لا بد من نكتة لتأخير الإسناد، ابن خزيمة -رحمه الله- نص على أنه إذا أخر الإسناد فالإسناد فيه كلام، فيه ضعف، الجادة أن يقدم الإسناد، لماذا أخره؟ لنكتة، لضعف فيه، لكن إذا وجد الضعف في تقديم الإسناد كما هنا يعني لو افترضنا أنه قتيبة قال: حدثنا ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر فالضعف في ابن لهيعة تقدم أو تأخر ما يفرق عند أهل العلم في مثل هذا، إنما الذي يؤثر تقديمه وتأخيره للإسناد ابن خزيمة فقط، وقد نص على ذلك.
يقول بعد ذلك: "وحديث جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أصح من حديث ابن لهيعة" الطريق الأول اللي هو برقم تسعة والثاني برقم عشرة، عندكم في الباب نفسه، الحديث الأول من مسند من؟ جابر، والثاني من مسند أبي قتادة، ولو قال المؤلف: حديث جابر أصح من حديث أبي قتادة فيه إشكال؟ لأن الحديث إنما ينسب للصحابي ما ينسب إلى الرواة، الحديث وهو حديث جابر والثاني حديث أبي قتادة، لكن قد يلتبس لأن جابر موجود في الاسنادين، لو قال: حديث جابر هو موجود في الأول وموجود في الثاني، إذاً هو يقول: حديث جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أصح من حديث ابن لهيعة الذي فيه عن جابر عن أبي قتادة أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإلا فالأصل أن الحديث ينسب إلى مخرجه وهو الصحابي، أصح من حديث ابن لهيعة هل يلزم من ذلك أن يكون حديث جابر صحيح؟ حديث ابن لهيعة ضعيف، لكن هل يلزم من ذلك أن حديث جابر الذي قبله صحيح؟ لا يلزم؛ لأن أهل الحديث يستعملون أفعل التفضيل لا على بابها، ليست على بابها للاشتراك في الصحة، وإنما يذكرون أنه أصح وأقوى يعني أقوى ما في هذا الباب، وإن كان ضعيفاً، وفيه عنعنة ابن إسحاق على ما تقدم وقد صرح بالتحديث في رواية أحمد.
قال المؤلف: "وابن لهيعة ضعيف عند أهل الحديث، ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره من قبل حفظه" وقال ابن معين: ليس بالقوي، وقال مسلم: تركه وكيع والقطان وابن مهدي، وعلى كل حال ثلاثة عشر من أئمة النقد كلهم ضعفوه، وبعضهم قواه مطلقاً، وبعضهم قواه قبل احتراق كتبه دون ما بعد ذلك، وبعضهم يقوي رواية العبادلة عنه، رواية العبادلة عنه دون غيرهم، وأحمد شاكر له كلام في تقوية ابن لهيعة، يقول الشيخ أحمد شاكر: وابن لهيعة بفتح اللام وكسر الهاء هو عبد الله بن لهيعة بن عقبة الغافقي، أبو عبد الرحمن المصري القاضي الفقيه، وهو ثقة صحيح الحديث، وقد تكلم فيه كثيرون بغير حجة من جهة حفظه، وقد تتبعنا كثير من حفظه وتفهمنا كلام العلماء فيه، فترجح لدينا أنه صحيح الحديث، وأن ما قد يكون في الرواية من الضعف إنما هو ممن فوقه، ممن هو فوقه أو ممن دونه، وقد يخطئ هو كما يخطئ كل عالم وكل راوٍ، وروى أبو داود عن أحمد بن حنبل قال: ومن كان مثل ابن لهيعة في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه.
وقال سفيان الثوري: عند ابن لهيعة الأصول وعندنا الفروع، وهذا الحديث الذي أعله الترمذي بابن لهيعة إنما أعله لأنه رواه عن أبي الزبير عن جابر عن أبي قتادة وغيره رواه عن مجاهد عن جابر فقط، ولا مانع من صحة الروايتين، كما تراه في كثير من الأحاديث، وليست إحداهما بنافية للأخرى، يعني يصحح الطريقين، وعلى كل حال تصحيح الطريقين من قبل المتأخرين في حديث نص العلماء المتقدمون على ضعف إحداهما وأن إحداهما محفوظ، والثاني يحكم عليه بأنه الذي يقابل المحفوظ يحكم على الرواية الأخرى بأنها شاذة، يعني ذكر أبي قتادة شذوذ في الحديث الثاني.
هذا الكلام الذي ذكره الشيخ أحمد شاكر يقول: ولا مانع من صحة الروايتين كما تراه في كثير من الأحاديث وليست أحداهما بنافية للأخرى، يأتي نظيره من كلام الشيخ أحمد شاكر نقلاً عن كلام الشارح المبارك فوري وأن تصحيح الرواية بالنظر لصحة إسنادها لا يقدح ولا يعارَض به قول الأئمة في ترجيح بعض الروايات على بعض، فمثلاً هنا في الحديث الذي يليه قال العيني في شرح البخاري في قول الترمذي: هذا نظر، ماذا قال الترمذي؟ حديث بريدة في هذا غير محفوظ، يعني مثل ما حكم على حديث أبي قتادة، اسمعوا لتنظروا، قال العيني في شرح البخاري في قول الترمذي: هذا نظر؛ لأن البزار أخرجه بسند صحيح، قال: حدثنا نصر بن علي قال: حدثنا عبد الله بن داود قال: حدثنا سعيد بن عبيد الله قال: حدثنا عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من الجفاء أن يبول الرجل قائماً» ..الحديث، وقال: لا أعلم رواه عن ابن بريدة إلا سعيد بن عبيد الله، يقول الشيخ أحمد شاكر: قال العلامة المبارك فوري: الترمذي من أئمة هذا الشأن فقوله في حديث بريدة في هذا غير محفوظ يعتمد عليه، وأما إخراج البزار حديثه بسند ظاهره الصحة فلا ينافي كونه غير محفوظ، يعني حتى على القول بتوثيق ابن لهيعة الذي جرى عليه أحمد شاكر لا يلزم من ذلك صحة حديثه، الكلام في الأول مثل الكلام في الثاني، عرفنا كيف نربط بين الحديثين وبين المقامين؟ الشيخ أحمد شاكر يستدرك على الترمذي نعم، وقول الترمذي هنا، الترمذي قال عن رواية ابن لهيعة أنها ضعيفة لضعفه، وحديث جابر أصح، ويقول الشيخ أحمد شاكر بعد أن وثق ابن لهيعة قال: ولا مانع من صحة الروايتين كما تراه في كثير من الأحاديث، وليست بإحداهما منافية للأخرى.
طيب الرواية الثانية التي بعدها، الحديث الذي يليه، لما استدرك العيني على الترمذي وقال في قول الترمذي نظر؛ لأن البزار روى الحديث بسند صحيح، يقول المبارك فوري ينقله الشيخ أحمد شاكر ويقره: الترمذي إمام من أئمة هذا الشأن، فقوله: حديث بريدة في هذا غير محفوظ يعتمد عليه، وأما إخراج البزار حديث وهو بسند ظاهره الصحة فلا ينافي كونه غير محفوظ، طيب على توثيق ابن لهيعة عند الشيخ أحمد شاكر لا ينافي كونه غير محفوظ، يعني شاذ، ثم بعد ذلك قال:
"حدثنا هنَّاد قال: حدثنا عبدة بن سليمان" الكلابي أبو محمد الكوفي "عن عبيد الله بن عمر" بن حفص بن عاصم العُمَري المصغر، الثقة الجليل، أحد الفقهاء، بخلاف أخيه عبد الله المكبَّر فإنه ضعيف سيئ الحفظ "عن عبيد الله بن عمر" بن حفص بن عاصم العمري "عن محمد بن يحيى بن حبان" بن مُنقذ، ثقة، فقيه، توفي سنة إحدى وعشرين ومائة، والعمري توفي سنة سبعة وأربعين ومائة "عن عمه واسع بن حبان" بن منقذ بن عمر الأنصاري صحابي ابن صحابي، على خلاف في صحبته "عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: رقيت يوماً -يعني صعدت وعلوت- على بيت حفصة" يعني على سطحه، على بيت حفصة أخته أم المؤمنين، وفي رواية: "على بيت لنا" وفي رواية: "على بيتنا" وبيت أخته بيت له، أو باعتبار أن البيت آل إليه بعد وفاتها، آل إليه بعد وفاتها، فورثه منها؛ لأنه هو الشقيق بالنسبة لها "على بيت حفصة فرأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- على حاجته مستقبل الشام -يعني مستقبل جهة الشمال- مستدبر الكعبة" لأن مكة بالنسبة إلى الشام جنوب، واستدل بهذا الخبر والخبر مخرج في الصحيحين والمسند وأبو داود والنسائي وابن ماجه حديث ابن عمر لا إشكال فيه.
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" واستدل بهذا الحديث من قال بجواز ذلك مطلقاً، ولم ير أثر للبنيان وأن هذا متأخر عن النهي، وهو حديث صحيح ما هو مثل حديث جابر فيه كلام، هذا حديث صحيح، استدل به من قال بجواز ذلك مطلقاً، عرفنا أنه قول عروة وربيعة وداود الظاهري، ومن قال بجوازه في البنيان كالإمام الشافعي والاستدلال به ظاهر لقول الإمام الشافعي، ومن جوز الاستدبار دون الاستقبال وهو قول أحمد فيما نسبه إليه الترمذي على ما تقدم، وهو ظاهر من قوله: "مستدبر الكعبة" ففيه أكثر من دلالة، الدلالة على الجواز مطلقاً، وهذا ظاهر بإلغاء الوصف الذي اعتبره بعض أهل العلم مؤثر، وبعض أهل العلم يرى أن الحاجز والبناء مؤثر فأجازه في البنيان دون الفضاء، منهم من رأى أن الاستقبال أشد من الاستدبار، فإذا جاز الاستدبار يمنع في الاستقبال ولا عكس، فأجازه في الاستدبار لهذا الحديث ورأى أن الوصف مؤثر في الحكم، فقصره عليه، فعلى كل حال استدل به الفرق الثلاث، من يقول بالجواز مطلقاً، ويرى أن الوصفين لا تأثير لهما في الحكم، لا الاستدبار ولا البنيان، ومنهم من استدل به على جواز ذلك في البنيان ورأى أن كونه في البيت في البنيان وصف مؤثر في الحكم فلا ينافي النهي المطلق، ومنهم من رأى أن هناك فرقاً بين الاستقبال والاستدبار، وأن الاستدبار أخف، فأجازه في هذه الصورة دون ما هو أشد منها.
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" الخلاصة أن المسألة النهي ثابت عن استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط، جاء ما يخالف هذا النهي من فعله -عليه الصلاة والسلام-، وجاء في ظروف خاصة ليس مصادم للنهي من كل وجه بحيث يقال بالنسخ، يمكن حمله على وجه، وإذا أمكن الجمع لم يصر إلى النسخ، إذا أمكن التوفيق لم يصر إلى التخصيص، فمن أهل العلم كالشافعي من قال: هذا يجوز في البنيان دون الصحراء، دون الفيافي، وهذا ظاهر من حديث ابن عمر، الإمام أحمد فيما نسبه الترمذي يقول: يجوز الاستدبار دون الاستقبال عملاً بحديث ابن عمر، ومنهم من يقول: يجوز مطلقاً لأنه وجد الاستدبار وقد نهي عنه مع الاستقبال فحكمهما واحد، وكونهما في البنيان وصف غير مؤثر، ولا شك أن الأحوط والأبرأ للذمة عدم الاستقبال والاستدبار لا في الفضاء ولا في البنيان، لكن إذا حصل في البنيان ولم يستطع أن ينحرف فلا مانع من ذلك -إن شاء الله تعالى- لثبوته عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومن أهل العلم من يرى أن هذه النصوص المخالفة للنهي تجعل النهي للتنزيه لا للتحريم، يعني للكراهة، والصارف عن التحريم إلى التنزيه وجود مثل هذه الأفعال منه -عليه الصلاة والسلام-، ففعله لبيان الجواز، ويبقى النهي على حاله، وأنه محكم غير منسوخ ولا مخصص، وإنما يكون للكراهة، والكراهة عند أهل العلم تزول بأدنى حاجة، فيحتاج الإنسان إلى ذلك لا مانع منه ما دام الأمر على الكراهة، وكأن هذا هو الذي تجتمع فيه الأدلة.
سم.
عفا الله عنك.
باب: ما جاء في النهي عن البول قائماً:
حدثنا علي بن حجر قال: أخبرنا شريك عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة قالت: "من حدثكم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يبول قائماً فلا تصدقوه؛ ما كان يبول إلا قاعداً".
قال: وفي الباب عن عمر وبريدة وعبد الرحمن بن حسنة.
قال أبو عيسى: حديث عائشة أحسن...
ما عندك وعبد الرحمن بن حسنة؟
قال: وفي الباب عن عمر وبريدة وعبد الرحمن بن حَسَنة.
قال أبو عيسى: حديث عائشة أحسن شيء في الباب وأصح، وحديث عمر إنما روي من حديث عبد الكريم بن أبي المُخارق عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال: "رآني النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنا أبول قائماً فقال: «يا عمر لا تبل قائماً» فما بلت قائماً بعد.
قال أبو عيسى: وإنما رفع هذا الحديث عبد الكريم بن أبي المُخارق وهو ضعيف عند أهل الحديث، ضعّفه أيوب السختياني، وتكلم فيه.
بفتح السين، بفتح السين السختياني.
عفا الله عنك.
ضعفه أيوب السختياني، وتكلم فيه.
وروى عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: قال عمر -رضي الله عنه-: ما بلت قائماً منذ أسلمت، وهذا أصح من حديث عبد الكريم، وحديث بُريدة في هذا غير محفوظ، ومعنى النهي عن البول قائماً على التأديب لا على التحريم، وقد روي عن عبد الله بن مسعود قال: إن من الجفاء أن تبول وأنت قائم.
نعم يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في النهي عن البول قائماً" قال -رحمه الله-: "حدثنا علي بن حجر" بن إياس السعدي المروزي، ثقة حافظ، توفي سنة أربع وأربعين ومائيتين "قال: أخبرنا شريك" بن عبد الله النَّخعي، الكوفي، القاضي، صدوق يخطأ، له أخطاء وأوهام وعدت أخطاؤه وأوهامه في حدث الإسرى فبلغت عشرة أوهام، ذكرها ابن القيم في زاد المعاد، وذكرها الحافظ ابن حجر في فتح الباري فهو يخطأ، توفي سنة سبع وسبعين ومائة "عن المقدام بن شريح" بن هانئ بن يزيد الحارثي الكوفي، ثقة "عن أبيه" شريح بن هانئ من كبار أصحاب علي، ثقة مخضرم "عن عائشة قالت: "من حدثكم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يبول قائماً فلا تصدقوه، ما كان يبول إلا قاعداً" في هذا دليل على أن الهدي النبوي البول قاعداً، وهذه عادته وقاعدته المُطَّردة، ولكنه هذا على حد علم عائشة -رضي الله عنها-، وهذا هي الجادة عنده -عليه الصلاة والسلام- قاعدة مطردة عنده أنه يبول قاعداً "ومن حدثكم أنه كان يبول قائماً فلا تصدقوه" وهذا على حد علمها، وإلا فسيأتي في حيث حذيفة -رضي الله عنه- عند الجماعة كلهم أنه انتهى إلى سباطة قوم فبال قائماً، فهذا على حد علمها، ويبقى أن الأصل البول قاعداً، وجواز البول قائماً -على ما سيأتي- مشروط بالاستتار، والأمن من الرشاش، ودليل على جوازه.
"قال: وفي الباب عن عمر" أخرجه ابن ماجه والبيهقي "وبريدة" عند البزار "وعبد الرحمن بن حسنة" عند أحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجه، وصححه الدارقطني وغيره "قال أبو عيسى: حديث عائشة أحسن شيء في الباب وأصح" يعني في حديث النفي، وأخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه، وفيه شريك وهو يخطئ كثيراً، هذا بالنسبة لحديث عائشة، وعلى تقدير ثبوته عنها على ما قيل في شريك القاضي من كثرة الأخطاء، على تقدير ثبوته يدل على أن هذه هي القاعدة والعادة منه -عليه الصلاة والسلام-، لكنها لا تنفي ما جاء في حديث حذيفة لعدم اطلاعها عليه؛ لأنها تذكر ما كان مما تتطلع عليه، وأما ما لم تتطلع عليه فالمثبت مقدم على النافي "وحديث عمر" المخرج عند ابن ماجه والبيهقي "إنما روي من حديث عبد الكريم بن أبي المخارق" أبو أمية البصري، متروك عند أئمة الحديث، أبو أمية عبد الكريم بن أبي المخارق هذا متروك، وخرّج عنه الإمام مالك -رحمه الله تعالى- على شدة تحريه وانتقاده للرجال، خرّج عنه في الموطأ، والعادة أن مالك لا يروي إلا عن ثقة كما هو مقرر عند أهل العلم، لكن الإمام مالك -رحمه الله تعالى- اغتر به "أغرني بكثرة جلوسه في المسجد" ولا شك أن الجلوس في المسجد محمدة، فالمسجد بيت كل تقي، وإذا اغتر الإمام مالك مع شدة تحريه ونقده للرواة بعبد الكريم بن أبي المخارق فله عذره وله وجه حينما اغتر بهذا الذي يكثر من الجلوس في المسجد، مع الأسف أن المسجد الآن يُهجر إلا في أوقات الصلوات، مع أنه كان معمور على مر العصور معمور وهو محل الأعمال المتعلقة بالدين والدنيا كلها، حاشا ما يصان عنه من لغو ولغط وبيع وشراء وما أشبه ذلك من أمور الدنيا، فإنه لم يبنَ لهذا؛ لكن الأمور التي تخص العامة من أمور دينهم ودنياهم أيضاً كل هذا كان موضعه المسجد، ولا مكان للنبي -عليه الصلاة والسلام- غير بيوته والمسجد.
الآن تجد الناس مجرد ما يُسلم الإمام جلهم سرعان بما في ذلك بعض طلاب العلم، وكانت المساجد إلى وقت قريب معمورة، وفيها سكان، فيها غرف للمجاورين، الآن ما يوجد، وتجد بعض المساجد بعد صلاة الصبح يجلس فيها أكثر المصلين وبعض المساجد أقل لكن هذا موجود في مساجد المسلمين، والآن مع الأسف الشديد أنها صارت قاعدة مطردة إذا سلم الإمام من صلاة الصبح وأدوا الأذكار على قلتها تطفأ الأنوار ويغلق المسجد، حتى اعتاد الناس هذا، واستغربوا من يجلس، وقال قائلهم من المؤذنين الذين وكل إليهم إغلاق المساجد قال لبعضهم: من أراد الجلوس لا نستطيع أن نترك الكهرباء من أجلك، وهذا في بلد محط أنظار، محل علم وعمل، في هذا البلد مثلاً وقيلت هذه الكلمة، ورأينا الناس في بلدان أخرى ما يظن بها نصف ما يظن بهذا البلد وتجد صف كامل يجلسون إلى أن تنتشر الشمس، فالعلم والدين ليس له بلد، ليس له بلد فقد يوجد في وقت من الأوقات في مكان ويرحل عنه في وقت آخر والعكس، فيلاحظ في بلدنا هذا وما جاوره شيء من الانصراف، لا سيما عن العبادات الخاصة اللازمة، يوجد علماء وطلاب علم ويوجد إقبال لكن مع ذلك العمل قليل بالنسبة للعلم، فعلى طالب العلم أن يعنى بعمل الفضائل والرغائب التي جاءت النصوص في فضلها والحث عليها، وعلى كل حال هذا الذي غر الإمام مالك ضعيف مضعف عند أهل العلم، ولا يضيره أن يضعف في الرواية، ويبقى أن له عمله، لا يلزم أن يكون الإنسان عالم أو حافظ أو إمام أو مجتهد، عليه أن يبذل الوسع، ويجتهد ويحرص على التحصيل، وأهم من ذلك التطبيق.
يقول: "وحديث عمر إنما روي من حديث عبد الكريم بن أبي المخارق عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال: رآني النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنا أبول قائماً فقال: «يا عمر لا تبل قائماً» فما بلت قائماً بعد" و(بعد) هذه مبنية على الضم؛ لأنها قطعت عن الإضافة مع نية المضاف إليه، وقبل وبعد والجهات الست إذا قطعت عن الإضافة مع نية المضاف إليه بنيت على الضم، {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ} [(4) سورة الروم] "أما بعدُ" فما بلت قائماً بعدُ، أما إذا قطعت عن الإضافة مع عدم نية المضاف إليه فتعرب بالتنوين:
فصاغ لي الشراب وكنت قبلاً |
| ................................... |
وأما إذا أضيفت فتعرب {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ} [(137) سورة آل عمران].
"قال أبو عيسى: وإنما رفع هذا الحديث عبد الكريم بن أبي المخارق وهو ضعيف عند أهل الحديث ضعّفه أيوب -بن أبي تميمة كيسان- السختياني" البصري، تسمع بنطق بعض الكبار من الشيوخ بالكسر، والشيخ أحمد شاكر أظن ضبطها بالكسر، ضبطها بالكسر، وهو معروف ينص على أنه بفتح السين، بفتح السين، ضعّفه هذا الإمام الجليل ثقة حجة من كبار الفقهاء "وتكلم فيه" وعلى كل حال أبو أمية هذا عبد الكريم متفق على تضعيفه "وروى عبيد الله عن نافع" عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم العُمري الذي تقدم، وهو ثقة أحد الفقهاء "عن نافع عن ابن عمر قال: قال عمر: ما بلت قائماً منذ أسلمت" يريد الإمام -رحمه الله تعالى- أن يضعّف رواية عبد الكريم بن أبي المخارق بهذه الرواية، هذه الرواية صحيحة هذه الرواية مروية عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن عمر بإسناد كالشمس "ما بلت قائماً منذ أسلمت" أخرجه البزار، وقال الهيثمي: رجاله ثقات، قال الترمذي: "وهذا أصح من حديث عبد الكريم" يعني هذا الموقوف على عمر أصح مما ذكره من الحديث المرفوع من حديث أبي أمية، وقد أخرجه البزار، وقال الهيثمي: رجاله ثقات، ولكن قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: ثبت عن عمر وعلى وزيد بن ثابت وغيرهم أنهم بالوا قياماً، ولا يمنع أن يكون عمر -رضي الله عنه- بال قائماً بعد ما قال ما قال من قوله: "من بلت قائماً منذ أسلمت" فلعله ما بال قائماً منذ أسلم حتى بلغه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- بال قائماً ففعله، ولا يمنع من هذا مانع.
"وحديث بريدة في هذا غير محفوظ" حديث بريدة في هذا غير محفوظ، وفيه كلام العيني السابق في قول الترمذي: في هذا نظر؛ لأنه البزار أخرجه بسند صحيح، قال: حدثنا نصر بن علي قال: حدثنا عبد الله بن داود قال: حدثنا سعيد بن عبيد الله قال: حدثنا عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من الجفاء أن يبول قائماً» يعني أشار إليه الترمذي ولم يذكره، وهو مخرّج عند البزار بسند صحيح... الحديث، وقال: لا أعلم رواه عن ابن بريدة إلا سعيد بن عبيد الله، أخرجه البزار بسند صحيح وهو يريد أن يتعقب الترمذي، ونظّر في كلامه قال: هذا فيه نظر، لكن الشارح المبارك فوري، وهذا سبق أن ذكرناه مقارنة بقول الشيخ أحمد شاكر السابق: الترمذي من أئمة هذا الشأن فقوله حديث بريدة في هذا غير محفوظ يعتمد عليه، وأما إخراج البزار حديثه بسند ظاهره الصحة فلا ينافي كونه غير محفوظ.
"ومعنى النهي عن البول قائماً على التأديب لا على التحريم" حديث بريدة الذي فيه أن من الجفاء أن يبول قائماً وحديث عائشة -رضي الله عنها- وغيرهما من الأحاديث التي بمجموعها تدل على أن المنع من البول قائماً وأنه من الجفاء، وأن من حدث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- بال قائماً فقد كذب، كل هذا مصروفة عن وجهها عن المنع الجازم إلى التأديب لا على التحريم، والصارف حديث حذيفة الآتي.
"وقد روي عند عبد الله بن مسعود أنه قال: من الجفاء أن تبول وأنت قائم" والجفاء غلظ الطبع، وأنت قائم جملة حالية، وحديث ابن مسعود هذا يقول المبارك فوري: لم أقف على من وصله، ذكره الترمذي معلقاً ولم يقف المبارك فوري على من وصله، نعم.
سم.
عفا الله عنك.
باب: الرخصة في ذلك:
حدثنا هنّاد قال: حدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أتى سُباطة قوم فبال عليها قائماً، فأتيته بوضوء فذهبت لأتأخر عنه فدعاني حتى كنت عند عقبيه فتوضأ ومسح على خفيه".
قال أبو عيسى: وسمعت الجارود يقول: سمعت وكيعاً يُحدث بهذا الحديث عن الأعمش، ثم قال وكيع: هذا أصح حديث روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في المسح، وسمعت أبا عمار الحسين بن حُريث يقول: سمعت وكيعاً فذكر نحوه، قال أبو عيسى: وهكذا روى منصور وعَبيدة...
عُبيدة.
عفا الله عنك.
وهكذا روى منصور وعُبيدة الضبي عن أبي وائل عن حذيفة مثل رواية الأعمش، وروى حمّاد بن أبي سليمان وعاصم بن بهدلة عن أبي وائل عن المغيرة بن شعبة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وحديث أبي وائل عن حذيفة أصح، وقد رخّص قوم من أهل العلم في البول قائماً، قال أبو عيسى: وعُبيدة...
وعَبيدة
وعَبيدة بن عمرو السلماني روى عنه إبراهيم النخعي، وعبيدة من كبار التابعين، يروى عن عبيدة أنه قال: أسلمت قبل وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بسنتين، وعُبيدة الضبي صاحب إبراهيم، هو عبيدة بن معتب الضبي، ويكنى أبا عبد الكريم.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: الرخصة في ذلك" في الطبعة الهندية: "باب: ما جاء من الرخصة في ذلك".
"حدثنا هناد قال: حدثنا وكيع عن الأعمش" سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي أبو محمد الكوفي ثقة حافظ "عن أبي وائل" شقيق بن سلمة ثقة مخضرم "عن حذيفة" الصحابي "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أتى سًباطة قوم" سباطة قوم السباطة المزبلة الكناسة، محل إلقاء الكناسة والقمامة، سباطة قوم الإضافة هذه للاختصاص لا للملك؛ لأنها مشتملة على نجاسة والنجاسة لا تملك، ليست بمال فلا تملك فأضافتها إضافة اختصاص "فبال عليها قائماً" ولكونها لا تملك لم يستأذن النبي -عليه الصلاة والسلام- من أهلها، ممن أضيفت إليهم "فأتيته بضوء فذهبت لأتأخر عنه" في هذا الموضع، وفي هذا المكان، وفي هذا الظرف يحسن الابتعاد عنه "فذهبت لأتأخر عنه فدعاني" وفي رواية البخاري: "فأشار إليّ" وليس في هذا دليل على جواز الكلام حال قضاء الحاجة؛ لأنه بالإشارة دعاه "فدعاني حتى كنت عند عقبيه، فتوضأ -عليه الصلاة والسلام- ومسح على خفيه" النبي -عليه الصلاة والسلام- انتهى إلى هذه السباطة، وهي بين المساكن والبيوت، ولم يبعد على عادته -عليه الصلاة والسلام- على ما سيأتي أنه إذا أراد المذهب أبعد، إما لكونه -عليه الصلاة والسلام-كان مشغولاً بمصالح المسلمين حتى احتاج إلى البول وتأخيره فيه ضرر، أو لتمكنه بالاستتار بالحائط الذي أمامه وبحذيفة من خلفه يستره، ففعله -عليه الصلاة والسلام- لبيان الجواز إذا تم ذلك، إذا تم الاستتار وأمن الرشاش يجوز ذلك، يجوز البول قائماً، ويجوز عدم البعد أثناء قضاء الحاجة، ومنهم من يقول: إن الذي يحتاج إلى البعد هو الغائط لا البول، البول لا يحتاج إلى بعد؛ لأنه ليست له رائحة مثل الغائط، ولا يمكن أن يخرج معه صوت كما لو كان في الحال الأخرى، فإذا أراد المذهب يعني إلى الغائط أبعد، أما بالنسبة إلى البول فلا يحتاج إلى بعد، ولا شك أن البول أخف من الغائط، وعلى كل حال الاستتار واجب على الناس، والبول في أماكنهم وطرقهم أمر محرّم، فلا بد أن يذهب إلى مكان بحيث لا يكون في طريق الناس ولا في ظلهم، ولا الأماكن التي يحتاجون إليها.
"قال أبو عيسى: وسمعت الجارود يقول: سمعت وكيعاً يحدث بهذا الحديث عن الأعمش، ثم قال وكيع: هذا أصح حديث روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-" هذا الحديث عند الجماعة عند السبعة مخرج في المسند والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرها من دواوين الإسلام، فهو أصح في هذا الباب أصح ما ورد في هذا الباب، يعني سواء كان البول قائماً أو في المسح، هو أصح من حديث المغيرة وإن كان في الصحيح "هذا أصح حديث روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في المسح" وعلى كل حال المسح متواتر، متواتر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- "وسمعت أبا عمار الحسين بن حريث يقول: سمعت وكيعاً فذكر نحوه".
"قال أبو عيسى: وهكذا روى منصور" يعني ابن المعتمر السلمي أبو عتاب الكوفي، أحد الأئمة الأعلام، المتوفى سنة اثنتين وثلاثين ومائة "وعُبيدة -بن معتب- الضبي" وهو ضعيف عند أهل العلم "عن أبي وائل" شقيق بن سلمة "عن حذيفة مثل رواية الأعمش، وروى حماد بن أبي سليمان وعاصم بن بهدلة" حماد بن أبي سليمان أبو سليمان اسمه: مسلم الأشعري الكوفي، فقيه، صدوق، له أوهام، يعني حماد، وعاصم بن بهدلة بن أبي النجود الأسدي مولاهم، أبو بكر المقرئ، صدوق، له أوهام، حجة في القراءة، مات سنة ثمان وعشرين ومائة؛ لأنه يشكل أنه إمام مقتدىً به متبع، قراءته متواترة، ومع ذلك إذا بحثنا في ترجمته في كتب الرجال وجدناهم يلمزونه بشيء من الضعف من جهة حفظه، له أوهام، وقع منه أوهام، ولا يعني أن الإنسان إذا كان عالماً إمام مجتهد في باب من أبواب الدين أن يكون في بقية الأبواب كذلك، ولا يعني أنه يكون وزنه أخف في باب أن يكون كذلك في باب أخر، ولذا يثير بعض المغرضين في هذه الأيام حينما كثر إثارة الشبهات في هذه القنوات وهذه الوسائل يقال: كيف يعتمد على قراءة شخص مُرمى بالضعف وسيئ الحفظ؟ كيف يعتمد عليه في قراءة القرآن؟ نقول: نعم يعتمد عليه في هذا الباب، وهو إمام من أئمة المسلمين في القراءة، أما في الحديث فلا يلزم أن يكون حافظاً من حفاظ الحديث، القرآن محفوظ بين الدفتين يحفظه جل المسلمين من عامي ومتعلم، العامي يحفظ القرآن ويش المانع؟ عامي يحفظ القرآن ولا يحفظ من الحديث شيء، طفل صغير يحفظ القرآن، وقد لا يقرأ الحديث، قد لا يعرف يقرأ الحديث، فكون الإمام عاصم -رحمه الله تعالى- إمام في القراءة لا يعني أنه إمام في الحديث، وضعفه في الحديث لا يعني ضعفه في القراءة، كما أن الإمام أبا حنيفة -رحمه الله- مضعّف في رواية الحديث، ومرمي بسوء الحفظ، أحد ينكر أو يطعن في إمامته في الفقه؟ لا يمكن، هو عند المسلمين هو الإمام الأعظم، إمام فقيه لا يمكن أن يقدح أحد في فقهه ، نعم أصوله التي أعتمد عليها في بعضها شيء مما يمكن أن يلاحظ، لكن يبقى أنه إمام بشهادة الخاص والعام، ولا يطعن ذلك في فقهه أن يكون عند أهل الحديث سيء الحفظ، وقد يكون إمام في التفسير وضعيف في الحديث، إمام في الحديث عنده خلل في علوم أخرى؛ لأن العلوم متكاملة لا يمكن أن يحاط بها، والتخصص معروف من القدم، ولا شك أن التفنن أفضل والجمع بين العلوم كلها أفضل وأكمل يبقى أنه إذا كان لا يمكن أن يجمع بين أكثر من علم فيتخصص في علم واحد لا مانع من أن يتخصص فيه بحيث يلم به ويعرفه من جميع أطرافه، ويتقنه ويضبطه ويكون مرجعاً في هذا العلم، وبهذا يُوصَى بعض طلاب العلم الذين يتشتتون إذا دخلوا في أكثر من علم، يقال له: تلزم هذا العلم تنتفع وينفع الله بك، لكن إذا كان لا يتشتت بإمكانه أن يحفظ الحديث وبإمكانه أن يعرف التفسير، وبإمكانه أن يضبط العلوم الأخرى هذا هو الأصل؛ لأن العلوم مترابطة يفيد بعضها بعضاً، وبعضها معتمد على بعض.
القرآن ضبطه وحفظه، حفظ حروفه هذا أمر مستقل عن جميع العلوم، وهذا فضل من الله -جل وعلا- أن يسره للأمة وجعل من الأمة من يضبطه ويتقنه بحيث لا يخل بنقطة، ويكون مرجعاً للناس في هذا الباب وإن كان ضعيفاً في أبواب أخرى، فلا وجه لمن طعن في عاصم لأنه غمز في حفظه بالنسبة للحديث، معروف الحديث كثير من الناس يحفظون القرآن لكن كم يحفظون من الأحاديث؟ قد يحفظ القرآن ولا يستطيع أن يحفظ البلوغ فضلاً عن أن يحفظ البخاري ومسلم وبقية الكتب، حفظ السنة فيه وعورة وفيه صعوبة، وكان الناس على يأس تام من حفظ السنة لكن الله -جل وعلا- يسر لهم وقيض لهم من فتح لهم الأبواب، وبث فيهم الآمال بأن الحفظ لم ينقطع، وأنه ممكن، كان الناس على يأس من الحفظ، غاية ما هنالك أن يحفظ البلوغ ويتوقف الإنسان، لكن ضرب الإخوان أمثلة يعني رائعة، يوجد من يحفظ زوائد البيهقي، يوجد من يحفظ زوائد المستدرك شيء عظيم، يعني ما كان الناس يؤملون أن يوجد مثل هذا، وإذا وجد من يفتح الباب لطالب العلم من أول الأمر لا شك أن هذا من علامة توفيقه، أن يفتح له الباب وأن ييسر له السبيل إلى طلب العلم من وجه ومن أبوابه وعلى الجادة، هذا لا شك أنه دليل على أن الله -جل وعلا- أراد به الخير، فهؤلاء الذين فتحوا هذا الباب لطلاب العلم باب الحفظ لا شك أنهم سنوا سنة حسنة نرجو أن يكتب لهم أجرها وأجر من علم بها إلى يوم القيامة.
وعلى كل حال الطعن في عاصم بالنسبة للحديث لا يعني أنه مطعون به بالنسبة للقرآن فهو إمام حجة في القراءة.
يقول: "وروى حماد بن أبي سليمان وعاصم بن بهدلة عن أبي وائل عن المغيرة بن شعبة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وحديث أبي وائل عن حذيفة أصح" يعني أصح من حديثه عن المغيرة، وجنح ابن خزيمة إلى تصحيح الروايتين؛ لكون حماد بن أبي سليمان وافق عاصماً، كلام الترمذي -رحمه الله تعالى- حينما رجح حديث أبي وائل عن حذيفة عن حديثه عن المغيرة بن شعبة، لماذا؟؛ لأن حديث وائل عن حذيفة مروي من طريق منصور بن المعتمر، وحديثه عن المغيرة مروي عن حماد بن سليمان وعاصم بن بهدلة ولا شك أن منصوراً أوثق منهما وأقوى.
هنا يقول في الحاشية: قال ابن حجر روى ابن ماجه من طريق شعبة أن عاصماً رواه له عن أبي وائل عن المغيرة، قال عاصم: وهذا الأعمش يرويه عن أبي وائل عن حذيفة، وما حفظه يعني أن روايته هي الصواب، قال شعبة: فسألت عنه منصوراً فحدثنيه عن أبي وائل عن حذيفة يعني كما قال الأعمش، يعني إذا جعلنا الأعمش ومنصور في كفة، ووضعنا حماد بن أبي سليمان وعاصم بن بهدلة في كفة لا شك أن الأعمش ومنصور أرجح، وأهل العلم يعلون بمثل هذا، رواية الأرجح هي المحفوظة، والمرجوح هي الشاذة، تكون غير محفوظة، ولا يمنع أن تكون جميع الروايتين محفوظتان، لكن ما دام حكم الإمام الترمذي بأنها أصح لا بد أن يكون هناك مغمز في روايتهما، ولا شك أن الأعمش ومنصور أرجح من حماد وعاصم.
يقول: "وقد رخص قوم من أهل العلم في البول قائماً" واحتجوا بحديث حذيفة، وقد رواه الجماعة، وحديث عائشة مستند إلى علمها، وخفي عليها ما علمه حذيفة، ولا شك في جواز البول قائماً إذا أمن الرشاش واستتر، لا شك فيه؛ لأن ثبت عنه وهو قدوة، وقد رواه عنه السبعة لا مطعن فيهم، مخرج في الصحيحين وغيرهما، فإذا وجد الشرط أمن الرشاش واستتر؛ لأن كلاً من عدم الاستتار ووجود الرشاش كله محرم، فإذا أتقي هذا المحرم جاز، وبعضهم علل بوله -عليه الصلاة والسلام- قائماً أنه كان لوجع كان بمئبضه -عليه الصلاة والسلام- يعني باطن الركبة، لا يستطيع أن يثني الركبة فبال قائماً، وقال بعضهم: إن العرب كان تستشفي بالبول قائماً من وجع الصلب، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- إنما فعله لحاجة، ولا شك أن فعله دليل على الجواز، وما دام هو القدوة لا كلام لأحد مع فعله -عليه الصلاة والسلام-.
قال بعضهم: ينبغي أن يمنع، لماذا؟ لأنه عمل غير المسلمين، الكفار يبولون من قيام، فينبغي أن يمنع، ولا وجه لمنعه ما دام ثبت عن القدوة، ما دام ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا وجه لمنعه، كما قال بعضهم ينبغي ما دام اليهود والنصارى الآن بدؤوا يعفون لحاهم فمن باب مخالفتهم أن نحلق، ما دام فعله والأمر به ثابت عن القدوة فلا كلام لأحد.
"قال أبو عيسى: وعَبيدة بن عمرو السلماني" المرادي مخضرم، مات قبل سنة سبعين "روى عنه إبراهيم -بن يزيد بن القيس بن الأسود- النخعي" الفقيه، "وعبيدة من كبار التابعين، يروى عن عبيدة أنه قال: أسلمت قبل وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بسنتين، وعبيدة الضبي..." يريد أن يفرق بين وعَبيدة وعُبيدة "وعبيدة الضبي صاحب إبراهيم هو عبيدة بن معتب الضبي، ويكنى أبا عبد الكريم".
والترمذي كما يقول الشيخ أحمد شاكر: يريد بهذا البيان الفرق بين شيخين يخشى من الغلط فيهما، أحدهما شيخ لإبراهيم النخعي، والآخر تلميذ للنخعي، فالأول عَبيدة بفتح العين المهملة ابن عمرو السلماني، والآخر عُبيدة بضم العين المهملة ابن معتب الظبي، والأول من كبار التابعين الثقات، والأخر من أتباع التابعين، وسيئ الحفظ، ضعيف الرواية، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"أهل العلم يقولون: توفي سنة تسع وسبعين ومائتين عن سبعين سنة، فمن هذا استنبط أنه ولد سنة تسع ومائتين، وقيل غير ذلك.
تفسير تفصيلي تحليلي، فيه فوائد ونكات وطرائف، لكنه ليس مثل تفاسير الأئمة المحققين مثل ابن كثير أو ابن جرير أو غيرهما من أهل العلم، تفاسير المعاصرين يستفاد منها، يستفاد من تفاسير المعاصرين ما يزيدونه مما استجد على كتب الأئمة ، وإلا فالمعوّل في هذا الباب على أهل التحقيق.
أبو غدّة -الله المستعان- أفضى إلى ما قدم، وما قيل عنه بالنسبة لاعتقاده أمر يخصه، ولا يذكر أنه صرح بشيء في ذلك من كتبه أو في مجالسه التي يجلس فيها مع الطلاب، أما خواصه الذين يجلسون معه فلا ندري ما يدور بينهم، الله أعلم بحقيقة الحال، لكن تحقيقاته هو رجل دقيق في التحقيق، ودقيق في الطباعة، وعلامات الترقيم، وعنده سعة في الإطلاع بحيث يعلِّق على الكتب بكلام قد لا يخطر على بال القارئ، وعلى كل حال الرجل له وعليه، وقد أفضى إلى ما قدم.
على كل حال على القول بأنها ركن على كل مصل إلا المسبوق فلا بد من قراءتها ولو في أثناء قراءة الإمام.
سنن البيهقي ما زالت الطبعة الهندية القديمة هي أفضل الطباعات؛ لأن ما طبع بعدها كله مأخوذ منها، وما في طبعات اعتمدت على نسخ وقوبلت بعد الهندية، يقول: صحيح ابن خزيمة معروفة طبعة الشيخ: محمد بن مصطفى الأعظمي، ومصنف ابن أبي شيبة هي طبعة حمد الجمعة والحيدان لا بأس بها، وإن كان فيها إعواز لكنها لا بأس بها، أفضل من الطبعات السابقة، مصنف عبد الرزاق أيضًا طبعة المكتب الإسلامي جيدة.
الأصل المجاهرين؛ لأنه مستثنى تام موجب.
نعم هي شواهد، جلها شواهد، وقد يطلق هذه اللفظة ويذكر أحاديث يصلح أن تذكر في الباب، يصلح أن تُذكر في الباب، ولو لم تكن باللفظ أو بالمعنى.
إذا كان عنده علم فلا مانع من أن يدرس وأن يفتي، ومالك حدث الناس في السابعة عشر من عمره، لكن ينبغي أن يكون لديه أيضًا حسن تعامل مع الكبار؛ لأنه في كثير من الأحوال الصغير إذا تصدر وإن كان عنده شيء من العلم يكون تعامله مع الكبار فيه ما فيه، لا سيما إذا كان لديه شيء من النبوغ والذكاء فقد لا يتعامل معاملة تناسب الكبار، والكبار لا شك أنهم لهم حق، وأهل العلم يقولون: الصغير لا ينبغي أن يتصدر في بلد فيه من هو أكبر منه، أو أحق منه، لكن ما يوجد ما يمنع في النصوص من أن يتصدر الصغير إن كان لديه علم شريطة أن يحسن التعامل مع غيره، لئلا يثير العداوة بينه وبين غيره فيترك مجال للشيطان في هذا الباب.
طالب العلم إذا كانت لديه خبرة ومعرفة بكتب العلم كتب الحديث على وجه الخصوص وترتيب هذه الكتب، وعرف هذا الترتيب يسهل عليه مراجعة الكتب، وكلما كثرت عنايته بهذا الباب وأكثر النظر وأدام النظر في هذه الكتب سهل عليه الرجوع إليها، ولا أقول لطالب العلم أن يراجع الفهارس أو الآلات، لا، إذا عجز وانتهى ما عنده من قدرة على استخراج الأحاديث من الكتب يستعين بالآلات لا بأس.
هي بانت منه، بانت لكنها بينونة صغرى، تحل له مراجعتها إذا اعتبرنا الثلاث واحدة على ما يفتى به الآن بعقد جديد.
إيه هو كاتب الاسم بدون (ابن) إيه يقصد الأعلى في الورقة هذه التي فيها السؤال، ورقة الأسئلة فيها الاسم بدون (ابن) وهذه اعتاد الناس عليها ودرجوا عليها "فلان فلان" محمد إبراهيم، علي صالح، لا شك أن هذا خطأ، وأسوء منه اقتران ما يضاف إلى الله -جل وعلا- بـ(أل) مثل ما يقال: محمد البعد الله هذا خطأ شنيع؛ لأن الإضافة في عبد إلى الله -جل وعلا- هذه إضافة معنوية وليست لفظية يجوز اقتران (أل) بالمضاف، فلا يجوز اقترانها بـ(أل) على أي وجه، لو كانت الإضافة لفظية وليست معنوية جاز، إذا كان المضاف إليه مقترن بـ(أل)، أما والحالة هذه في هذه الصورة والإضافة معنوية لا يجوز بحال اقتران المضاف بـ(أل)، وإذا اقترن بـ(أل) تغير المعنى تمامًا.
في ترتيب أول ترتيب ظهر للكتاب ترتيب المغراوي، لكن في تقديري أن ترتيب عطية سالم أفضل؛ لأنه اعتمد ترتيب الإمام مالك، وأما الترتيب الجديد الذي لا يعتمد لا على ترتيب المؤلف ولا على ترتيب صاحب الأصل فهذا فيه ما فيه.
عامة أهل العلم على أن الأجور المرتبة على الذكر إنما هي الذكر الذي يستحضر فيه القلب، وليس له من عبادته إلا ما عقل، كما جاء في الصلاة، لكن الحافظ ابن حجر رجّح أن الأجور والآثار المرتبة على القول تثبت بمجرد القول، من قال كذا فله كذا يثبت، وأجر استحضار القلب قدر زائد على ذلك، فأجره أعظم.
ما رأيته هذا، تحقيق التركي لتفسير ابن كثير ما رأيته، ورأينا تفسير الدر المنثور وتفسير الطبري، أما تحقيق ابن كثير ما رأيته.
الفاتحة ركن من أركان الصلاة، ولا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب لكن إذا قرأها على أي وجه كان أدى الركن، لكن الأجر المرتب عليها قد يتخلف، وأهل العلم يقولون: يكره تكرار الفاتحة، ومثل هذا لا يقف عند حد، والشيطان إذا استجاب له الإنسان بمثل هذه الطريقة قد يمنعه من الصلاة، لا يزال يكرر الفاتحة، وإذا كرر -هذا أمر مجرب- إذا كرر شيئًا بحجة أنه غفل عنه، الشيطان يجعله يغفل عن القراءة الثانية والثالثة حتى يكررها إلى ألا يعقل من صلاته شيء.
لا هذا إحسان إلى الغير.
على كل حال يدور مع جهة القبلة حيثما دارت، يدور إلى جهة القبلة حيثما دارت مع الإمكان، إذا استحال ذلك يصلي على حسب حاله.
لا ينقص عن درجة الحسن، الثقة إذا تفرد بالحديث وكان ممن يحتمل تفرده فمرويه صحيح، ما لم يتضمن مخالفة.
وهنا يقول: ما معنى المتابعة؟
المتابعة أن يروى من طريق غيره، فكيف تتم المتابعة وتوجد المتابعة مع وصفه بالتفرد؟
على كل حال من مال إلي شيء أحب أهله، فابن رجب -رحمه الله- من العباد، وكذلك النووي يكثرون من ذكر أهل العبادة، وهؤلاء الذين ذُكروا وإن كان عندهم شيء من المخالفات إلا أنهم أهل عبادة، ولذا فرق بين أن يترجم ابن حجر لراوي وبين أن يترجم له النووي مثلاً، فتجد النووي ملحظه العبادة والعمل، يشيد بهذا الراوي ولو كان وزنه في الرواية أقل، لكن ابن حجر همه الرواية، ولذلك لا يعرج على ما سواها.
شيخ الإسلام ابن تيمية يشيد بمثل هؤلاء بأبي سليمان الداراني وبأبي يزيد البسطامي وغيرهم يذكرهم كثيرًا ويشيد بهم على ما عندهم من مخالفات، ويبين مخالفاتهم عند الحاجة.
أما بنية الصدقة أو التقرب به إلى الله -جل وعلا- فلا؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإما بنية التخلص فهو مال خبيث مصرفه المصارف الخبيثة، فيصرف في دورات مياه ومجاري وما أشبهها، كما جاء في الحديث: «كسب الحجام خبيث» ثم قال: «أطعمه ناضحك».
ذبيحة المشرك لا تحل بحال ما دام متلبس بالشرك.
العادة السرية أو استخراج المني باليد أو بغيرها محرم على القول الراجح عند أهل العلم؛ لأن الله -جل وعلا- قصر الأمر على الزوجات أو ما ملكت اليمين، وما عدا ذلك محرم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أوصى من لم يستطع الباءة أن عليه بالصوم فإنه له وجاء، ولو كانت حلالاً لأرشد إليها، فالمرجح أنها حرام، لكن يبقى أنه لو كان في بلد أو في مكان عرّض نفسه فيه للفتنة، مع أنه لا يجوز أن يعرض الإنسان نفسه للفتنة، تعرض للفتنة فإما أن يقع في الزنا أو يزاول هذه العادة ارتكاب أخف الضررين مع أنها تبقى محرمة، لكن ارتكاب أخف الضررين أمر مقرر في الشرع، والآن الفتن في قعر البيوت، ما يحتاج إلى أن يخرج إلى الأسواق أو إلى المحلات أو إلى غيرها.
نعم تصح نسبته إليه.
يقول: ومن نسبه إليه من العلماء فإني راجعت كتب التراجم فلم أقف إلى الآن؟
هو الذي يُشك فيه والذي أجزم بأنه لا تصح نسبته "شرح الأربعين لابن دقيق العيد" أما شرح الأربعين للنووي فنسبته صحيحة.
تخريج الأحاديث يكون بالرجوع إلى المصادر، مصادرها الأصلية من الكتب الستة وغيرها، ثم بعد ذلك ينظر في أسانيدها ومتونها.