كتاب البيوع من عمدة الفقه - 05

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

نكمل شرح باب الخيار، وقد انتهينا من الكلام في خيار المجلس، وخيار الشرط، الآن خيار العيب.

 خيار العيب يقول المؤلف: "وإن وجد أحدهما بما اشتراه عيبًا لم يكن علمه فله رده أو أخذ أرش العيب" وإن وجد المشتري في السلعة عيبًا فله ردها، وله إمساكها مع الأرش له، ردها لوجود العيب، وله الإمساك مع الأرش، والأرش الفرق بين قيمة السلعة وهي صحيحة وقيمتها وهي معيبة، تقوَّم سليمة، اشتريت هذه السلعة بألف ريـال فوجدت فيها عيبًا فكم تباع سليمة؟ بألف ريـال وكم تساوي الآن؟ ثمانمائة ريـال، يأخذ الأرش مائتي ريـال، هذا هو الأرش، وفي جميع السلع التي تباع وتشترى أروش أرش، وفي بني آدم يقال في نظير الأرش حكومة، فإذا اعتدى زيد على عمرو، وجنى عليه جناية لا تقدير شرعي فيها، ليس فيها قصاص ولا مقدَّر شرعًا ففيها حكومة.

 بمعنى أنه يفترض أن زيدًا هذا عبد، فكم يستحق قبل هذه الجناية؟ وكم يستحق بعد الجناية؟ ويستحق حينئذٍ الفرق، هذه تسمى حكومة. أما في السلع التي تباع وتشترى فهذه يقال لها: أرش، أروش، أروش الجنايات بالنسبة للمتلفات، ومثلها هنا إن وجد أحدهما البائع أو المشتري، المشتري وجد في السلعة عيبًا، البائع وجد في الثمن عيبًا، الدراهم مكسرة أو مغشوشة، تقوَّم سليمة، وتقوَّم معيبة، ويأخذ الفرق، فله رده، وهذا ما يسمى بخيار العيب أو أخذ أرش العيب، وهو الفرق بين قيمتيها في حال السلامة وفي حال العيب.

 "وما كسبه المبيع أو حصل فيه من نماء منفصل قبل علمه بالعيب فهو له؛ لأن الخراج بالضمان" اشتريت سيارة فاستعملت هذه السيارة تنقل فيها الركاب، وكسبت من ورائها مبلغًا من المال، وعليك ما ينتابها وتحتاجه من زيت وبنزين وما أشبه ذلك، ولك ما استفدته من جرائها، ثم اطلعت على عيب فيها تردها، أو تأخذ الأرش، وما كسب بسببها فهو لك؛ لأن الخراج بالضمان، الغُنم مع الغرم، أنت تعبت عليها وعملت فيها، زودتها بالوقود، المقصود أن لك ما يقابل هذا التعب، سواء كان هذا النماء منفصلًل أو متصلًا، على أن يكون قبل علمه بالعيب، لكن علم بالعيب واستمر في استعمال هذه السيارة، علم العيب ونوى الرد واستمر في استعمال هذه السيارة نقول: لا يا أخي، الآن أنت تستعمل سيارة لا تملكها، ولو بيَّت في نفسه أنه يأخذ الأرش فله النماء أو ليس له؟

 علم بالعيب وقال: أنا سآخذ أرشًا، لازم أن أرجع لصاحب السيارة وآخذ أرشًا وأتكسب عليه ما أتعطل، له ذلك أو ليس له ذلك؟ عرفنا أنه إن كان بيت الرد فليس له ذلك بعد علمه بالعيب، إن بيَّت الأرش له ذلك أو ليس له ذلك؟

طالب: ..........

ليس له ذلك؛ لاحتمال ألا يوافق صاحب السلعة على دفع الأرش، يقول: مادامت معيبة هاتها خذ دراهمك، فليس له ذلك، نفترض أن طالب علم اشترى كتابًا- وما أكثر ما يحصل في الطبعات الجديدة والمصورات من بياض ونقص في الملازم- اشترى الكتاب، فوجد فيه بياضًا أو نقص ملازم، فأراد أن يرده قال: ما المانع قبل ما أرده أحضر به الدرس وأتابع مع الشيخ وما هو بضاره ولا ناقصه، وقد بيت الرد نقول: لا يجوز لك استعماله، لا يجوز لك استعماله ولو كان استعماله غير مؤثِّر؛ لأنك تستعمل شيئًا لا تملكه، ولم يأذن لك صاحبه باستعماله؛ لأن الخراج بالضمان، أنت تعبت على هذه الآلة وزودتها بالوقود فلك مقابلها.

 "وإن تلفت السلعة أو عتق العبد أو تعذر رده فله الأرش" يعني يتعين الأرش، لماذا؟ لأنه تعذر الرد، أما قلنا المشتري مخير بين الرد فحينئذٍ يكون له خيار العيب وبين أخذ الأرش، تلفت السلعة، كيف يردها؟ لا يمكن أن يردها، وجد خللًا بالسيارة أو بالكتاب، وجد عيبًا ثم بعد ذلك تلفت السيارة، يتعين أحد الخيارين إذا تعذر أحدهما يتعين الثاني، وإن تلفت السلعة وعتق العبد، اشترى عبدًا فوجد فيه عيبًا ثم لزمته كفارة فأعتقه على أن يكون مجزئ العيب غير مخل بالعتق، إذا كان مجزئًا فأعتقه تعين حينئذٍ الأرش؛ لتعذر الرد.

 "وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- «لا تصروا الإبل والغنم»"

 التصرية ربط ضرع البهيمة وأخلافها؛ ليجتمع اللبن وينحبس في ضرعها، فيراه الرائي كثيرًا، إذا اجتمع صار كثيرًا يربط ضرعها ويمنع ولدها من رضاعه يومين، ثلاثة، ثم بعد ذلك يجلبها فيراها الرائي كثيرة اللبن، فيغتر بذلك فيقدم على شرائها، "«لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها»" يعني اشتراها بعد ذلك "«فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن رضيها أمسكها»" إن رضيها أمسكها إذا حلبها وكان يتوقع فيها خمسة لترات، وبالفعل أول حلبة خمسة؛ لأنها اجتمع فيها حليب كثير، في اليوم الثاني لتر واحد، بانت مصراة إن رضيها أمسكها؛ لأن الحق له ولا يعدوه، لا يعدوه الحق، يعني أنت اشتريت شيئًا معيبًا ورضيت، كتابًا ناقصًا ملزمة قلت: الحمد لله، سهل، رضيت أنا، الأمر لا يعدوك.

 "«إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعًا من تمر»" إن لم يقبل ردها على صاحبه، هل نقول: يردها دون مقابل؛ لأنه المصري غشاش غشه بالتصرية، ويستحق حينئذٍ العقوبة؟ أو نقول: مادام حلب هذا اللبن واستفاد منه يرد مقابله صاعًا من تمر إذا قال: أنا حلبتها وجمعت هذا الحليب أول يوم خمسة لترات، والثاني لترًا واحدًا ستة لترات جعلتهم في وعاء وقلت: خذ الناقة، وخذ لبنها معها، ولا عندي استعداد أن أدفع تمرًا، هذا لبنك، نقول: لا بد أن يدفع التمر يقول: أنا ما استفدت شيئًا، هو مغشوش، نقول: هذا حكم شرعي. طيب ماذا يدفع من التمر صاعًا من تمر بمائتي ريـال، أو صاع تمر بعشرة ريالات؛ لأن التمر قابل للتفاوت، وقد يكون كبيرًا جدًّا.

 نقول: يدفع المتوسط، لا ضرر ولا ضرار، وأنت غنمت هذا اللبن، والغنم مع الغرم، والخراج بالضمان، يعني من تمامه أن يقول: إذا أحضرت اللبن يقول: رده في ضرعه، أنا ما محتاجه، وقد تغير بعد حلبه، وتعرض للتلف، إذا بقي مدة أنا لا أريده، فهذا حكم شرعي عليه إن أمسك ورضي فالأمر لا يعدوه، وإن رد رد صاعًا من تمر، وهذا هو القسم الرابع من أقسام الخيار، وهو خيار التدليس.

 "إن علم بتصريتها قبل حلبها فله ردها فله ردها ولا شيء عليه" يعني ما تصرف، جاءه الناصح ويقول: أنا أعرف ناقة فلان ما فيها لبن وقد صراها ردها قبل حلبها، لا يرد معها شيئًا، لأنه ما تصرف، وتكليفه بأنه يرد صاعًا في غير مقابل.

 "وكذلك كل مدلس لا يعلم تدليسه فله رده" نعم هذا خيار التدليس، تسويد شعر الجارية، تحمير وجه الجارية، جمع ماء الرحى وإرساله، اشتريت جارية بعد أسبوع لاح لك الشيب، أنت اشتريتها على أنها صغيرة ما فيها شيب، فإذا بها قد سُوِّد شعرها، اشتريتها في غاية الجمال من الأصباغ وغيرها، لما اغتسلت ظهرت شيئًا آخر، هذا غش، وماذا عن رجل أقدم على خطبة امرأة ثم صبغ لحيته وشعره فقَبِلَتْه، ثم لما تبين بعد ذلك بعد الدخول بانت الحقيقة، هذا غش، والغش في باب النكاح له صور وضروب، وهو خلاف النصح الذي بايع الصحابة عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإذا صدق ونصح وُفِّق.

 وأنا أعرف واحدًا من المشايخ خطب وعمره يقرب من الستين، فلما دخلت عليه للرؤية خلع النظارة، النظارة تغطي عيبًا في عيونه، ونزَّل الشماغ والطاقية قالت: لا أريده. فخطب واحدة أصغر منها بعشرين سنة، وقيل لها: هذا شيخ كبير عمره ستون، وفي عينيه شيء ما يُحتمَل، وفي رأسه صلع قالت: قبلته بجميع عيوبه، توفيق؛ لأن من صدق ونصح لا شك أنه يبارك له فيه، وإذا كان الغش في الأمور اليسيرة من يتداوله الناس من السلع، وقد تكون هذه السلعة مستهلكة في يوم، فكيف بامرأة تغش بالرجل، قد لا تقبله، بل قد لا تعيش معه العيشة المطلوبة، فلا بد من الصدق وكشف الأمر على الحقيقة.

 "كجارية حمّر وجهها، أو سود شعرها أو جعده" ويسلك كثير من الناس مسالك للتغرير والغش، حتى إنه وجد من بعضهم من يبعث غيره عند الرؤية والفحص، يبعث شخصًا آخر رجاء أنها إذا رأته وقد وقع الفأس في الرأس على ما يقولون، فماذا تفعل؟ ترضى بالواقع، هذا غش وأي غش! وبالمقابل أيضًا إذا خطب يمكن في وقت الرؤية أن تدخل عليه امرأة ثانية غير المخطوبة، يعني الغش موجود في الطرفين، الغش موجود في الطرفين، والله المستعان. فمثل هذا يثبت الخيار.

 "أو رحى حبس الماء وأرسله عليها عند عرضه على المشتري" ليقال: إنها تستخرج، تستنبط من الماء أكثر، فيكون دفعها أقوى، وحينئذٍ إذا تبينت الحقائق وانكشفت، وجد الأمر خلاف ذلك مما يسأل عنه كثيرًا، وهو في خارج البلاد ظاهر، وجد أسئلة يسيرة من هذا النوع في هذه البلاد إذا كانت المرأة قد قارفت شيئًا من المحرم، هل يخبر الخاطب أو لا يخبر؟ هل من الغش ألا يخبر بما فعلت من ذنب قد تابت منه؟ الأمر عظيم إن أخبر، فالأمر عظيم وإن غش أو كتم عنه فالأمر أعظم، يخبر أم ما يخبر؟  

طالب: ..........

هذا الأمر يسير، الذي ما له أثر في الواقع، التوبة تجب ما قبلها، لكن ما يترتب عليه آثار، هذه مشكلة، هذي المسألة يا إخوان مسألة أعراض، أمرها.. شديد، أمرها عظيم، ليس بالسهل أن يعرف الإنسان بعد سنين أو يعرف أولاده أن أمهم هذه .. وقد استنبط بعض العلماء من حديث: «إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب عليها، ثم إذا زنت فليجلدها الحد ولا يثرب عليها، ثم إذا زنت فليبعها ولو بضفير» حبل، متى تباع الأمة بضفير؟ إذا عرف أنها زانية، فدل على أنه يخبر بعيبها، فتنزل قيمتها إلى هذا الحد، المقصود أن الأمر عظيم، والمسألة اجتهادية، يعني لو أن الإنسان قال: الأصل ألا يغش المسلم، والغش حرام، لكن إن قال: من باب الستر درءًا للمفاسد وجلبًا للمصالح إن مشت أمورهم وإن اكتشف يعطى ما دفع، ولا صار شيء، ثم بعد ذلك يقال: هي مطلقة، لكن مثل هذا متى يصح؟ إذا صحت توبتها وإلا لو قيل: بمثل هذا من باب الستر عليها فقد سهلنا من أمر هذه الجريمة العظيمة، إذا تواطأ الناس على أنهم يغشون ثم بعد الزوج ما يصدق أنه يمسك المرأة ولو وجد عندها ما وجد يقول: من يريد أن ينقب علي؟ نكون بهذا ساعدنا على انتشار هذه الجريمة، فإذا كثر أمرها واستفاض في المجتمع- لا كثره الله- مثل هذا الإجرام لا بد من فضحهم؛ لأنهم لا يرتدعون إلا بمثل هذا، إذا عرفت المرأة أنها لن تتزوج ترتدع، نسأل الله السلامة والعافية، نسأل الله السلامة والعافية.

طالب: ..........

هو ما فيه شك أن الرجال مؤاخذون كما تؤاخذ النساء، لكن وعرفنا جميعًا، بل استقر وعلم بالدين من ضرورة الإسلام، بل جاء فيه نصوص، التوبة تجب ما قبلها، لكن الرجل هل هناك أثر يمكن أن يطلع عليه إذا كانت جريمة المرأة ما دون الفاحشة الكبرى التي لها أثر عليها، التوبة تجب ما قبلها، والستر مطلوب ما لم يؤدِّ هذا الستر إلى انتشار الفاحشة؛ لأن الستر من غير قيد ولا شرط، هذا لا شك أنه توطئة للإباحية، إذا كان امسك واستر ما المانع؟ ما الفائدة من إقامة الحدود إلا لتردع أمثال هؤلاء؟ وإذا أردنا أن نستر على كل أحد معناه أننا ألغينا الحدود، فالمسألة تقدَّر بقدرها، وفي الستر مصالح، وفي الكشف أيضًا مصالح، وفي الستر أيضًا مفاسد، وفي الكشف كذلك، فلا بد من تقدير المصلحة والمفسدة بقدرها وفي وقتها، إذا رأى أن المصلحة في الستر.

 كذلك الإخوان في الهيئات يعانون من هذه الأمور، يعانون من هذه الأمور، وهناك من يحثهم على الستر المطلق، ومن ستر مسلمًا ستره الله، ما ينفع هذا، هذا معناه التوطئة للإباحية، امسك استر.. لماذا شُرعت الحدود إذًا إلا لردع الناس؟ وإذا عرف المجرم أنه سوف يُستر عليه مثل هذا لا يردعه شيء، نعم إذا وقعت هفوة أو زلة أو غلطة أقول: من ستر مسلمًا ستره الله. ورأي الإمام مالك -رحمه الله- في هذه المسألة رأي وسط يقول: من عرف بالجرائم مثل هذا لا بد من إيقافه عند حده، لا بد أن يُردَع، لكن عرف بالصلاح، وظاهره الصلاح، ووقعت منه هفوة أو زلة أو شيء من ذلك نقول: من ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة.

"وكذلك لو وصف المبيع بصفة يزيد بها ثمنه فلم يجدها فيه كصناعة في العبد أو كتابة" هذا خيار الخلف في الصفة، لو وصف المبيع بصفة، وصف الدابة بأنها هملاجة، وصف العبد بأنه كاتب، وصف هذه الدابة بأنها تحمل كذا كيلو، وصف السيارة بأوصاف، ثم تبين أن الوصف فيه خلف يثبت الخيار بصفة يزيد بها ثمنه فلم يجدها فيه، كصناعة في العبد، قال: عندي عبد يجلد الكتب تجليدًا فاخرًا، ثم إذا أحضرته وأعطيته الكتاب خرَّب الكتاب، ترده، خلف في الصفة، أو كتابة كاتب تريد أن تعطيه القلم، ما يدري كيف يمسك القلم ترده .. لو كانت الصفة تزيد في قيمته عند قوم، وتضع من قيمته عند آخرين، قال: هذه الجارية مغنية، ناس يبحثون عنها بأغلى الأقيام، وناس لا يرونها شيئًا، فتبينت ساذجة، يرد أم ما يرد؟ لا يرد؛ لأن هذا الوصف غير معتبر شرعًا، بل هو في الحقيقة نقص، هذا الوصف نقص فعدمه أفضل كما لو قال: هذا العبد ليس بكاتب، فتبين كاتبًا لا يرد.

 "أو أن الدابة هملاجة" سريعة، ثم تبين أنها ليست سريعة، بطيئة. والفهد صيود أو معلَّم" فهد صيود أو معلَّم لماذا قال: كلب معلَّم وتبين أنه كلب غير معلَّم قال: فهْد؟ الكلب لا يجوز بيعه؛ لأنه تقدم لنا في شروط البيع أن تكون العين مباحة النفع من غير حاجة، الكلب إنما يباع نفعه للحاجة، والفهد صيود أو معلَّم، ثم تبين خلاف ذلك. "أو أن الطائر مصوِّت ونحوه" يعني مغرِّد له صوت وقلنا: إن مثل هذه الأمور، الأمور الجمالية سواء كانت مما يرى أو يسمع إذا لم تدخل في حيز السرف والتبذير فلا شيء في الشيء اليسير منها، لا يُمنع أن تشتري منظرًا لا يثقلك بقيمتة ولا يكرثك، تشتري شيئًا له صوت جميل لا يطرب، لا مانع، ولا يدخل هذا في حيِّز السرف.

 "ولو أخبره بثمن المبيع فزاد عليه رجع عليه بالزيادة وحظها" أخبره بثمن المبيع فزاد عليه، رجع بالزيادة وحظها من الربح إن كان مرابحًا فيه قال: بكم اشتريت هذه السيارة؟ أكسبك عشرة بالمائة، بكم اشتريتها؟ قال: بمائة ألف قال: خذ مائة وعشرة، فتبين له أنه اشتراها بثمانين، يرجع عليه بالزيادة بعشرين وحظها من الربح بألفين فيأخذ منه العشرين والألفين. طيب افترض أنه أخبره بقيمة زائدة، ألا يرى هذه السيارة ومستواها واشترى على بينة؟ نقول: لا، هو كذب عليه وغشه، أخبره بقدر زائد على ما دفع فيها فاسترسل، كثير من الناس يبني على سوم غيره أو على شراء غيره، هو ما يدري هل تساوي السيارة عشرين أو مائة، لكن ثقة بهذا الرجل قال له: مائة قال: لك عشرة بالمائة، لو أخبره الخيار بتخبير الثمن، بثمن المبيع، فرجع عليه بثمن الزيادة وحظها، يعني نسبتها من الربح "إن كانت مرابحة، وإن بان أنه غلط على نفسه" قال: بكم اشتريت السيارة؟ كان اشتراها مع مجموعة وافترض أنها ما هي بسيارة افترض كتابًا اشتراه مع مجموعة كتب وفيها فواتير قال: اشتريت الكتاب بمائة قال: هذه مائة وعشرة، لما رجع البائع إلى البيت راجع الفواتير فوجد الكتاب بثمانين.

 "وإن بان أنه غلط على نفسه خيَّر المشتري بين رده أو إعطائه ما غلط به" يلزمه أن يقول: يا أخي اسمع، أنا راجعت الفواتير، فوجدت الكتاب بثمانين، تريده بثمانين أو ترده؟ أنت بالخيار، ولذا قال: "وإن بان أنه غلط على نفسه خير المشتري بين ردها أو إعطائها، خَيَّر المشتري بين رده أو إعطائه ما غلط به، وإن بان أنه مؤجَّل" فمثل هذا يحصل يا إخوان كثيرًا، تجيء لصاحب الدكان يقول: أبدًا خذ أي كتاب بسعره علي وأطلعك على الفواتير، وهذا حصل، الكتاب بكم؟ هذا بمائتين، وهذه الفاتورة، سجل، لما انتهى ما الحاصل؟ الحاصل أنه معطى في آخر فاتورة في سطر صغير حسم أربعمائة بالمائة على جميع الكتب، له الخيار أو ليس له الخيار؟ له الخيار.

 "وإن بان أنه مؤجل ولم يخبره بتأجيله فله الخيار بين رده وإمساكه" قال: هذه سيارة اشتريتها بمائة ألف، أبيعها برأس مالي بمائة ألف قال: هذا رأس مالك، خذ هذي مائة ألف، ثم تبين أنه آخذها على أقساط أربع سنين أو خمس سنين بمائة ألف وإلا فنقد ما تحصل ستين، هو ما كذب، هو أخذها بمائة ألف، لكن هل أخذها نقدًا أو أخذها أقساطًا، والأقساط مؤجَّلة تأجيلًا له وقع في الثمن؟

 "وإن بان أنه مؤجل ولم يخبره بتأجيله فله الخيار بين رده وإمساكه" ومثله لو اشترى هذا مع مجموعة، اشترى شيئًا من أجل أشياء، رأى سلعة رخيصة وسلعة غالية غلاءً مقبولًا، يعني رأى كتابًا يساوي ألفًا، فقال له صاحب المكتبة: بخمسمائة، والمشتري هذا في قرارة نفسه أنه لو قال: اشتريته قال: هونت تبين أنه.. بكم هذا؟ بخمسمائة، بكم هذا؟ بستمائة، وهو ما يساوي إلا خمسًا، اشترى الثاني من أجل أن يمشي الأول من دون نقاش؛ لأن بعض الناس عنده حس تجاري؛ لأنه لو قال له: بخمس قال: اشتريت، قال: أكيد أنه.. لكنه لما يشتريه وبعد يشتري كتابًا ثانيًا فيه شيء من الغلاء، ثم يأتي إلى الكتاب الغالي عنده فيه زيادة مائة ريـال، إنما أخذه من أجل الكتاب الرخيص، أو أي سلعة كانت، أخذه من أجل هذا الرخيص يقول: أنا اشتريته بستمائة، أو يوهم المشتري أنه رخيص وهو غالٍ، أنا اشتريته مع مجموعة جملة بستمائة، وهو اشتراه من أجل شيء رخيص، هذه أمور نفسية تحيك في نفوس الناس، وهي مؤثرة، ولها وقع في الثمن، وهي غش، خلاف النصح.

 "وإن اختلف البيعان في قدر الثمن تحالفا، ولكل واحد منهما الفسخ إلا أن يرضى صاحبه" وإن اختلف البيعان في قدر الثمن تحالفا قال البائع: أنا والله بائع عليك بمائة، قال المشتري: أنا ما اشتريت إلا بثمانين، ولا بينة لأحدهما، يحلف البائع أنه ما باع إلا بمائة، ويحلف المشتري أنه ما اشترى إلا بثمانين، فإذا تم لكل واحد منهما الفسخ إلا أن يرضى صاحبه، إلا أن يرضى صاحبه، يعني صاحب.. "إلا أن يرضى بما قاله صاحبه" فقال: أنت اشتريت بثمانين خلاص بدال ما أنا.. أنا بايع عليك بمائة، لكن يكفي بثمانين أو قال: أنا اشتريت منك بثمانين، لكن مادمت ملزمًا فليكن بمائة إذا رضي بما قاله صاحبه فالأمر لا يعدوه، فالأمر لا يعدوه.

يقول: في كتاب بلوغ المرام يذكر الحافظ بعض الأحاديث بصيغة الجزم، ويذكر حكم أهل الحديث بضعفها كما قال في باب الأذان: وله- أي الترمذي- من حديث عبد الله بن زياد قال: قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «من أذن فهو يقيم» وضعَّفه أيضًا، فهل يحفظه الطالب هكذا؟

الصيغة المراد بها صيغة الجزم أول ما يصدر به الكلام، يعني حينما تقول يروى عن النبي- عليه الصلاة والسلام- أنه قال.. العبرة بـ يروى لا بـ قال، التشكيك في الرواية عنه -عليه الصلاة والسلام- فإذا قال: وله يعني للترمذي من حديث عبد الله بن زيد إلى آخره هذا له، يعني لمن سبق ذكره، وهذا مجرد عزو، وليس بجزم، فيحفظه الطالب على صفته.

والله أعلم.

 وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.