التعليق على شرح حديث (ما ذئبان جائعان) لابن رجب (02)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء برحمتك يا أرحم الراحمين.

قال الإمام الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى-:

فأما الحرص على المال فهو على نوعين."

أقرأ العنوان يا شيخ؟

نعم اقرأ اقرأ..

العنوان..

العنوان ما هو من أصل الكتاب، إنما زاده المحقق..

"فأما الحرص على المال فهو على نوعين أحدهما شدة محبة المال مع شدة طلبه من وجوهه المباحة والمبالغة في طلبه والجد في تحصيله واكتسابه من وجوهه مع الجهد والمشقة، وقد ورد أن سبب الحديث كان وقوع بعض أفراد هذا النوع كما أخرجه الطبراني من حديث عاصم بن عدي -رضي الله عنه- قال: اشتريت مائة سهم من سهام خيبر، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «ما ذئبان ضاريان في غنم أضاعها.. ما ذئبان ضاريتان في غنم أضاعها ربها بأفسد من طلب المسلم المال والشرف لدينه» قلت: ولو لم يكن في الحرص على المال إلا تضييع العمر الشريف الذي لا قيمة له، وقد كان يمكن صاحبه فيه اكتساب الدرجات العلا والنعيم المقيم فضيعه في الحرص بطلب رزق مضمون مقسوم لا يأتي منه إلا ما قدر وقسم، ثم لا ينتفع به، بل يتركه لغيره ويرتحل عنه، ويبقى حسابه عليه، ونفعه لغيره، فيجمع لمن لا يحمده، ويُقدِم على من لا يعذره.."

يَقدم..

أحسن الله إليك.

"ويَقدُم على من لا يعذره، وكفى بذلك ذمًّا للحرص، فالحريص يضيع زمانه الشريف، ويخاطر بنفسَه التي.."

بنفسِه بنفسِه..

أحسن الله إليك.

"ويخاطر بنفسِه التي لا قيمة لها بالأسفار وركوب الأخطار بجمع ما ينتفع به غيره كما قيل:

ومن ينفق الأيام في جمع ماله

 

مخافة فقر فالذي فعل الفقر

ولا تحسبن الفقر من فقد الغنى

 

ولكن فقد الدين من أعظم الفقر

قيل لبعض الحكماء: إن فلانًا جمع مالاً، فقال: فهل جمع أيامًا ينفقه فيها؟ قيل: لا، قال: ما جمع شيئًا، وفي بعض الآثار الإسرائيلية الرزق مقسوم، والحريص محروم ابنُ آدم.."

ابنَ ابنَ..

أحسن الله إليك.

"ابنَ آدم إذا أفنيت عمرك في طلب الدنيا فمتى تطلب الآخرة؟

إذا كنت في الدنيا عن الخير عاجزًا

 

فما أنت في يوم القيامة صانع

قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: اليقين ألا ترضي بسخط الله، ولا تحسد على رزق الله، ولا تلم أحدًا على ما لم يؤتك الله، فإن الرزق لا يسوقه حرص حريص، ولا يرده كراهة كاره، فإن الله بقسطه جعل الرُّوح.."

الرَّوح..

أحسن الله إليك.

"فإن الله بقسطه جعل الرَّوح والفرح في اليقين والرضا، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط. وقال بعض السلف: إذا كان القدر حقًا فالحرص باطل، وإذا كان الغدر في الناس طباعًا فالثقة بكل أحد عجز، وإذا كان الموت لكل أحد راصدًا فالطمأنينة إلى الدنيا حمق. كان عبد الواحد بن زيد -رحمه الله- كان عبدَ الواحد.."

كان..

"كان عبدُ الواحد بن زيد -رحمه الله- يحلف بالله لحرص المرء على الدنيا أخوفَ عندي من أعدى.."

أخوفُ أخوفُ..

"أخوفُ عندي من أعدى أعدائه. وكان -رحمه الله- يقول: يا إخوتاه لا تغبطوا حريصًا على ثروته وسعته في مكسب ولا مال، وانظروا له بعين المقت له في اشتغاله اليوم بما يرديه غدًا في المعاد ثم يتكبَّر. وكان رحمه الله.."

النسخة الثانية ثم يبكي ثم يبكي..

أقرب يا شيخ؟ كأنها أقرب في المعنى؟

هذا أصح.

طالب: .........

نعم.

"وكان -رحمه الله- يقول: الحرص حرصان حرص فاجع وحرص نافع، فأما الحرص النافع فحرص المرء على طاعة الله، وأما الحرص الفاجع فحرص المرء على الدنيا وهو مشغول معذَّب لا يسر ولا يلذ بجمعه لشغله، فلا يفرغ من محبة الدنيا لآخرته، كذلك وغفلته عما يدوم ويبقى، ولبعضهم في هذا المعنى: لا تغبطن أخًا حرص على.."

أخَا حرصٍ.. لا تغبطن أخَا حرصٍ..

طالب: .........

لا.

"لا تغبطن أخَا حرص على سعة

 

وانظر إليه بعين الماقت القالي

إن الحريص لمشغول"...........

 

...............................

 

بشقوته.

سبحان الله!

 

"إن الحريص لمشغول بشقوته

 

عن السرور بما يحوي من المال"

 

وفي نسخة: بثروته، في بعض النسخ: بثروته.

"ولآخر في هذا المعنى:

يا جامعًا مانعًا والدهر يرمقه

 

مفكرًا أي باب منه يغلقه

جمعت مالاً ففكر هل جمعت له

 

يا جامع المال أيامًا تفرقه

المال عندك مخزون لوارثه

 

ما المال مالَك إلا يوم تنفقه"

 

مالُك ما المال مالُك..

 

..............................

 

"ما المال مالُك إلا يوم تنفقه

إن القناعة من يحلُل بساحتها

 

لم يأل في طلب مما يؤرقه"

يكفي يكفي.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد،

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "فأما الحرص على المال فهو على نوعين" فأما الحرص على المال فعلى نوعين "أحدهما شدة المال مع شدة طلبه من وجوهه المباحة" هذا النوع داخل في الحديث أو غير داخل؟

طالب: .........

داخل، هو الكلام في هذا، أما من الوجوه المحرمة وإنفاقه في أمور محرمة أمر قدر زائد على ذلك.

طالب: .........

على كل حال هذا في الجملة داخل هذا في الأصل، لكن إذا غلبت مصالح هذا المال المجموع من حله على مفاسده وأنفق في وجوه الخير فنعم المال الصالح للعبد الصالح.

قال: "فأما الحرص على المال فهو على نوعين" أولاً المال أنواع منه الذهب والفضة وقيم الأشياء، ومنه الضياع والعقار، ومنه القصور الفارهة، ومنه المراكب، إلى غير ذلك من الأنواع، الانشغال بالمال بأي نوع من أنواعه والحرص على هذا المال أي نوع كان داخل في الذم الوارد في سياق الحديث.

قد يقول قائل: هناك أموال ظاهرها أنها من أبواب العبادة، فهل تدخل في مثل هذا وما أدخله أهل العلم في قوله -جل وعلا-: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [سورة التكاثر:1] التكاثر بأي صنف من أصناف المال حتى ولو كان ظاهره أنه مما يتقرب به إلى الله -جل وعلا- ثم شغل عما هو أهم منه، حتى إن الخطيب البغدادي في رسالة له اسمها اقتضاء العلم العمل وقد لحظ في وقته من يتكاثر بجمع الكتب مثلاً كتب مما يعين على تحصيل العلم إذا كثرت وزادت عن الحاجة، وشغلت عما هو أهم منها قال "هل جامع الكتب إلا ككانز الفضة والذهب" فتدخل في حيِّز الذم إذا زادت عن الحاجة، وشغلت عما هو أهم منها، وهذا ملاحَظ في القديم وفي الحديث، ذُكر عن بعضهم، بعض المتقدمين أن عنده من الدور ست عشرة كلها مملوءة كتبًا، ويقصدون بالدور الغرف كلها مملوءة بالكتب، وعندهم من الصحاح عشرون نسخة، ما هي من النسخ التي تباع الآن.. بثمن بخس من الطبعات الرديئة المبذولة لا، مخطوطات؛ لأنه ما فيه طباعة في وقته، وهو أخ للقاضي الفاضل أحد رؤساء طبقات الكتاب كما هو معلوم، وله أخ آخر منهوم بشراء الأثاث المستعمل حتى إن عنده أكثر من دور أخيه من القدور والأواني وغير ذلك.

 وهذا كله مما يشغل سواء هذا أو هذا مما يشغل، ومر بنا وبغيرنا من التعلُّق بالكتب والطبعات مما يشغل، والحديث في هذا عن معاناة لا شك أنه يشغل ويلهي، وأحيانًا ينسى الإنسان نفسه وهو يقلب في الكتب المعروضة للبيع وتضيع عليه الساعات لا شك أن هذا داخل إلا فيما يحتاج إليه؛ لأنه قد يقول قائل: أنا أجمع الطبعات من أجل تصحيح الأخطاء في بعضها وهذا صحيح، الكلام صحيح، يعني تجمع من هذا الكتاب مثلاً الذي بين أيدينا كل طبعاته، ما المانع لتجد تصحيح كلمة واحدة إذا كان بهذا القصد ولهذا الهدف فلا شك أنه مما يعين على تحقيق العلم والذي يعين على تحقيق العلم من العلم، لكن الكلام على القدر الزائد على ذلك الذي يَشغَل ويُشغِل الذمة ويُلهي عما هو أهم، فهذا يدخل، ولذلك قال الخطيب: "وهل كانز الكتب أو جامع الكتب إلا ككانز الفضة والذهب؟"

 وإذا نظرنا إلى شيوخنا وشيوخهم ونظرنا إلى مكتباتهم إذا ما عندهم إلا شيء يسير كتب قليلة لكنها مقروءة، بل قرئت مرارًا، واكتفوا بها، لكن لا يمنع أن الإنسان يجعل مكتبة عنده وافية مستوعبة لجميع العلوم والفنون ولو لم يقرأها وإنما يرجع إليها عند الحاجة، يرجع إليها عند الحاجة، والأمور متيسرة ومتوفرة، بخلاف ما كان في زمن مضى إذا طلبوا كتابًا لم يجدوه إلا عند شخص واحد فإما أن يستعار ويقرأ أو يستعار وينسخ، هذا كل زمان له ظروفه، والله المستعان.

 المقصود أن الحرص على نوعين النوع الأول من الوجوه المباحة والمؤلف -رحمه الله- يدخله في سياق الذم الوارد في الحديث، لماذا؟ لأنه يشغل عما هو أهم منه وإن كان من وجوه مباحة ولو صرف في وجوه مباحة فضلاً عن أن يُجمَع من وجوه فيها نوع شبهة أو محرَّم أو من عظائم الأمور من المحرمات كالربا ونحوه، أو يصرف فيما حرم الله -جل وعلا- هذا الأمر أعظم وأشد مما جاء في الحديث، هذا ما يأكل الغنم فقط، هذا يأكل صاحب الغنم. "شدة محبة المال مع شدة طلبه من وجوهه المباحة" ورأينا من هذا النوع مع الأسف من عوام المسلمين قبل انفتاح الدنيا والاتصال بالعالم الخارجي والنظر في الشاشات والبورصات والأشياء التي تذهل السامع وتشغل الجامع، وإذا كان في وقت مضى قريبًا في وقت ثورة الأسهم يجتمع الفئام من الناس في صلاة من أحد البنوك، ويصلون صلاة الظهر في الصالة، ويجهر الإمام ويقولون: آمين، بل سُمع من يقول: آمين وهو ساجد، يعني هل هذا انشغل عن الدين فقط هل نقول: انشغل؟ ما هي مسألة شغل، الانشغال فيما إذا انصرف القلب وغفل عن الصلاة ورجع إليها نقول: انشغل، لكن مثل هذا.. ووجد من يرفع أصبعه كأنه يتشهد وهو ساجد ويوم سلم الإمام قال: آمين، شيء لا يخطر على البال، ولما انخفضت الأسهم، ولما انخفضت الأسهم وجد من اختل عقله، ووجد من أصيب بأمراض معضلة ووجد من.. هل هذا يتناوله الحديث؟

هذا أعظم مما جاء في الحديث، هذا من وجوه مباحة نعم، يصد عما هو أهم منه، لكن لا يصل إلى هذا الحد الجنوني. "والمبالغة في طلبه والجد في تحصيله واكتسابه من وجوهه مع الجَهد والمشقة" يعني يتصور أن شخصًا شاب في الإسلام لحيته بيضاء، وجاره كذلك يقول لجاره: إن إبليس أحب إلي منك؟! كله لأنه منافس في تجارته؟! أمور مهولة لا تخطر على البال، وشخص لما قيل له: الصلاة على فلان ابن عم له كبير صلاة العصر طلب منهم أن يؤخروها إلى المغرب من أجل الدكان، جنون هذا، وهذه عبادة للدرهم والدينار، نسأل الله العافية.

"وقد ورد أن سبب الحديث كان وقوع بعض أفراد هذا النوع كما أخرجه الطبراني من حديث عاصم بن عدي"..

طالب: .........

ماذا؟

طالب: .........

"وقد ورد أن سبب الحديث كان السببُ وقوعَ بعض أفراد هذا النوع كما أخرجه الطبراني من حديث عاصم بن عدي -رضي الله عنه- قال: اشتريت مائة سهم من سهام خيبر" الآن كم يشترون من سهم؟ ملايين الأسهم "مائة سهم من سهام خيبر، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «ما ذئبان ضاريان في غنم أضاعها ربها»"؛ لأنه لو كان عندها لدافع عنها «بأفسد من طلب المسلم المال والشرف لدينه».

طالب: .........

لا لا، ضاريان مذكر.

«والشرف لدينه» هذا يقول فيه الحافظ الهيثمي: إسناده حسن في مجمع الزوائد، النبي -عليه الصلاة والسلام- كما جاء في سنن أبي داود اقتنى من الإبل ما اقتنى عددًا يسيرًا، يعني ما هنا مئات أو ألوف، واقتنى مائة من الغنم، فكان -عليه الصلاة والسلام- كلما نتجت بهمة من هذه الغنم ذبح مكانها واحدة من الكبار يقول: نريد ألا تزيد، هذا في السنن في سنن أبي داود؛ لأنه ينظر إليها إلى أنها حاجة تبلِّغه إلى ما يرضي الله- جل وعلا-، والله المستعان.

قلت: "ولو لم يكن في الحرص على المال إلا تضييع العمر الشريف الذي لا قيمة له" ما معنى لا قيمة له؟ رخيص؟ كل القيم لا تساويه كل القيم لا تقوم له ولا تساويه.

"وقد كان يمكن صاحبه فيه اكتساب الدرجات العلا" الإنسان إذا ضيع من عمره الساعات، لو اقتطع من هذه الساعات ساعة يقرأ فيها ثلاثة أجزاء من القرآن أو أربعة من القرآن كان بقية سعيه لدنياه لا يعدل شيئًا بالنسبة لقراءة القرآن، وقل مثل هذا في غير القرآن من وجوه الخير والطاعة.

"وقد كان يمكن صاحبه فيه اكتساب الدرجات العلا والنعيم المقيم فضيعه بالحرص في طلب رزق مضمون" في طلب رزق مضمون؛ لأنه يكتب رزقه وهو في بطن أمه إذا أرسل إليه الملك، ولن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها في طلب رزق مضمون مقسوم {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ} [سورة الزخرف:32] "لا يأتي منه إلا ما قدر وقسم" هل يمكن لإنسان مهما بلغت أسبابه وأعوانه وأدواته أن يحصل من الرزق أكثر مما كتب له ولو درهم واحد؟ لا يمكن.

"واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله لك لم ينفعوك إلا بما قدر لك"، ثم إذا جمع هذا المكتوب وهذا المقسوم وسعى في الأسباب وانشغل بجمعه وجمع الأموال الطائلة وتعب على جمعها، وجمع أكثر مما يحتاجه في هذه الدنيا، ورحل عنها، القدر الزائد لا ينتفع به، بل يتركه لغيره من الورثة، ومن العِبَر أن الإنسان قد يتعب ويعيش العمر الطويل سبعين ثمانين سنة تسعين سنة يجمع الأموال، يتيسر له أسبابها، ويجتمع عنده من الأموال مئات الملايين أو أكثر من ذلك، ويكون ممن لم يكتب له ولد، ثم يؤول هذا المال إلى ابن عم بعيد بينه وبينه عداوات طيلة عمره؛ بسبب أوقاف وأسبال ومشاحنات، ثم هذه الأموال تنتقل إلى هذا، عِبَر.

"ثم لا ينتفع به، بل يتركه لغيره" وهذا مال غيره وليس ماله، ولذا جاء في الحديث: «أيكم ماله أو مال غيره أحب إليه من ماله» قالوا: كلنا مالنا أحب إلينا من مال غيرنا، قال: «مالك ما قدمت ومال غيرك ما تركت» ويرتحل عنه ويبقى حسابه" عليه يبقى حسابه عليه، والمال قد يؤول إلى ابن عاق أو زوجة ناشز عصية أو قريب هاجر، والله المستعان.

"ويبقى عليه حسابه عليه، ونفعه لغيره" ونفعه لغيره، بل قد يبتلى الإنسان بالجمع والمنع، يبتلى بالشح فيكرهه أقرب الناس إليه ويتمنون موته ويفرحون بموته، ومع الأسف وجد من يصرح بذلك وهو من أبناء هذا المسكين الذي أضاع عمره في الجمع، فلم ينتفع به، بل صار مجرد ومحض بلاء عليه؛ لأنه قدم إلى من لا يعذره كما سيأتي.

"ويبقى حسابه عليه ونفعه لغيره فيجمع لمن لا يحمده" فيجمع لمن لا يحمده "ويقدم على من لا يعذره" حساب نعم رحمة أرحم الراحمين التي وسعت كل شيء فيها مطمع لكل مسلم، لكن مع ذلك على الإنسان أن يحتاط لنفسه، ويقدم لنفسه ما ينجو به من شدة الحساب.

"ويقدم على من لا يعذره لكفاه بذلك ذمًّا للحرص، فالحريص يضيع زمانه الشريف" يضيع زمانه الشريف، وجدنا من كبار السن الذين أدركناهم مساكين يتعبون بالليل والنهار، وجاره الذي دونه في المال بمراحل، بل قد يكون ممن عاش على زكاته وصدقته مرتاح يعيش عيشة هنية.

"فالحريص يضيع زمانه الشريف ويخاطر بنفسه التي لا قيمة لها" تجده من بلد إلى بلد يخاطر بنفسه "التي لا قيمة لها في الأسفار وركوب الأخطار لجمع مال، ينتفع به غيره كما قيل" هذا إذا كان المال من الوجوه المباحة، فكيف إذا كان من وجوه محرمة كما قيل:

ومن ينفق الأيام في جمع ماله

 

مخافة فقر فالذي فعل الفقر

الآن يوجد من أرباب الأموال ومن أثرياء العالم من يعيش عيشة الفقراء، من يعيش عيشة الفقراء لا يتلذذ بنوم، ولا يتلذذ بأكل، ولا يتلذذ بفراش، وتجد نفسه رديئة، وأخلاقه سيئة، يثور لأدنى سبب؛ حفاظًا على ما جمعه من هذه الأموال، ويكون مجرَّد راصد، والله المستعان.

"ولا تحسِبن الفقر"..............

 

.......................

أو ولا تحسَبن بالفتح والكسر.

................. "من فقد الغنى

 

ولكن فقد الدين من أعظم الفقر"

الذي هو رأس المال رأس المال الدين، فإذا فقده الإنسان فما بقي له شيء.

وكل كسر فإن الدين جابره

 

وما لكسر قناة الدين جبران

"قيل لبعض الحكماء: إن فلانًا جمع مالاً فقال: فهل جمع أيامًا ينفقه فيه؟" لأنه إذا لم يتمكن من إنفاق الأموال على نفسه التي هي أولى ببرها من غيره، فما ينفع كأنه ما جمع "قيل: لا، قال: ما جمع شيئًا" يُفهَم من كلام المؤلف أن الإنسان يجمع بقدر الحاجة، ولا يزيد على ذلك، فماذا عن قوله -عليه الصلاة والسلام- لسعد بن أبي وقاص: «إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس»؟ لا مانع أن يجمع لمن وراءه هذا في الصحيحين «إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس» هذا الحديث في الصحيحين، لكن بدون الحرص الذي مر وصفه مما يشغل عما هو أهم منه، فإذا حصل جمع المال من طرقه المباحة ومن غير حرص مقدمًا الأولويات الأهم فالأهم، وتيسر له من الأموال ما كتب له وقسم له بطريقة لا تشغله عن الأهم، فهذا ومع ذلك حرص على أن يبرأ من عهدته بإخراج ما أوجب الله عليه، ويزيد على ذلك مما ينفعه في آخرته، نعم المال الصالح للعبد الصالح.

عندنا هذا الحديث وهو في الحصيحين «إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس»، وعندنا عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- الخليفة الراشد ما ترك شيئًا لورثته فقيل له، فقال: الورثة ما بين صالح فلن يضيعه ربه، وبين فاسق فلن أعينه على فسقه، ما رأيكم بنظرية عمر بن عبد العزيز؟ صالح لن يضيعه ربه، وفاسق ما أترك أموالي يستعين بها على فسقه.

طالب: .........

الحديث بلا شك مقدم ما أحد يقارن بين كلام عمر بن عبد العزيز وما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن وجهة نظر عمر بن عبد العزيز مقبولة أم غير مقبولة؟ لأنها إذا زادت الثقة بالله فللإنسان أن يتصدق بجميع ماله، قوي التوكل على الله، وزادت الثقة به، العلماء يشترطون هذا الشرط لمن أراد أن يتصدق بجميع ماله، وأبو بكر جاء بجميع ماله وتصدق به، وعمر جاء بنصف ماله كما في الخبر الصحيح.

طالب: .........

أعد.

طالب: .........

أنفق جميع المال ما ترك شيئًا.

طالب: .........

سعد بن أبي وقاص عُمِّر بعد ذلك ورزق أولادًا.

طالب: .........

سعد بن أبي وقاص في حال الحياة نعم هو قد يكون قد غلب على ظنه أنه يفارق الحياة، لكنه عُمِّر بعد ذلك ورُزِق الأولاد والنبي -عليه الصلاة والسلام- جاء بكلام مطلَق عام «إنك إن تذر ورثتك» يعني هذا يصلح له ولغيره، يصلح له ولغيره «إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس».

طالب: أحسن الله إليك يا شيخ.. المقصود في الغنى الذي في حديث سعد بن أبي وقاص المقصود من قول النبي -صلى الله عليه وسلم- «تذرهم أغنياء»..

يعني عندهم ما يكفيهم.

طالب: لكن ليس المقصود أن يترك لهم أموال طائلة.

يترك لهم ما يكفيهم بحيث لا يحتاجون إلى الناس، بحيث لا يحتاجون إلى الناس.

قال -رحمه الله-: "وفي بعض الآثار الإسرائيلية: الرزق مقسوم"، والمؤلف -رحمه الله- في مؤلفاته يكثر من هذه الآثار الإسرائيلية التي جاءت عن بني إسرائيل والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: «حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج»، وهذا في الصحيح، وعند البزار: «فإن فيهم الأعاجيب»، ومعلوم أن الحديث عن بني إسرائيل فيما لم يرد شرعنا بخلافه، فيما لم يرد شرعنا بخلافه.

"الرزق مقسوم، والحريص محروم، ابن آدم إذا أفنيت عمرك في طلب الدنيا، فمتى تطلب الآخرة؟". إذا أفنيت عمرك في طلب الدنيا، فمتى تطلب الآخرة؟ لأن الدنيا ضَرَّة بالنسبة للآخرة، هي ضَرَّة إذا حرصت عليها وأفنيت وقتك وعمرك من أجلها لا شك أن الضرة تتأثر، بدلاً من أن يُنفَق هذا الوقت النفيس كله في الدنيا يتوازَن الإنسان مستحضرًا الهدف الذي خلق من أجله، ومستحضرًا أيضًا ما يحتاجه تحقيق الهدف من الدنيا {وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [سورة القصص:77] من أجل تحقيق الهدف، أما شخص يجلس في بيته ولا يتسبب السماء كما قال عمر: لا تمطر ذهبًا ولا فضة، فعلى المسلم أن يكون متوسطًا في أموره متوازنًا بحيث لا يتذلل للناس، ولا يذل لهم، ويكون عالة عليهم، فاليد العليا خير من اليد السفلى، اليد العليا هي المعطية المنفقة خير من اليد السفلى الآخذة، وإن كان بعض المتصوفة يرى العكس أن اليد العليا الآخذة والسفلى المعطية، لماذا؟ تبريرًا لكسلهم وخمولهم وعيشهم على أرزاق الناس، فهم يأخذون من الناس ويقولون: اليد العليا الآخذة لماذا؟ لأنها نائبة عن الله {إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً} [سورة التغابن:17]، فالفقير هذا نائب عن الله، وهذا تبرير لخمولهم وكسلهم وخلودهم إلى المكث والبقاء، منهم عباد صالحون هؤلاء لهم وعليهم، لكن منهم غلاة فيهم من دخلت فيه الزندقة من غلاتهم.

على كل حال السبب مطلوب ونافع ومؤثِّر «لو توكلتم على الله حق التوكل لرزقكم كما يرزق الطير» تمكث في أوكارها أو تغدو وتروح؟ «تغدو خماصًا وتروح بطانًا» يعني: تبذل السبب ما تجلس في أوكارها ثم يأتيها الرزق، لا، فبذل السبب مطلوب، وهو أيضًا من الشرع، ولكن لا يعتمد عليه، وإنما العمدة والمعول على الله -جل وعلا- هناك أسباب من الخلق أن يجعلهم الله سببًا لرفع الحاجة لبعض الناس فهم مجرد أسباب، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: «إنما أنا قاسم، والله المعطي» والغني حينما يعطي الفقير فإنما يعطيه من مال الله {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [سورة النــور:33]، فالاعتماد على الأسباب شرك الاعتماد لا تؤثر بذاتها، هي مؤثرة، لكن بجعل الله الأثر فيها خلافًا لمن يقول: إنها مؤثرة بذاتها كالمعتزلة، وأيضًا خلافًا لمن يقول: إن وجودها مثل عدمها لا أثر لها ألبتة تبذل سببًا أم ما تبذل، ما فيه فرق كما يقوله الأشعرية.

طالب: .........

نعم على كل حال دركات.

يقول: ابن آدم إذا أفنيت عمرك في طلب الدنيا فمتى تطلب الآخرة؟ هؤلاء أرباب الدنيا، لكن الإشكال فيمن يسوف من طلبة العلم، التسويف موجود تقول له: متى تحفظ الكتاب الفلاني، متى تحضر الدرس الفلاني تجده يعتذر لنفسه يقول: إذا طال الليل بدأنا بالحفظ، إذا جاء الشتاء قال: إذا دفينا إن شاء الله بدأنا بالحفظ، موجود هذا التسويف، وهذا موجود عند عموم الطلبة ممن يحتاجون إلى إثارة الهمة في نفوسهم يقول:

يؤذيك حر المصيف وبرد الشتاء

 

ويبس الخريف فأخذك للعلم قل لي متى

إذا جاء الصيف قال: والله حر، ما نقدر نتصرف، ليل قصير والنهار حر شديد، كيف نشتغل؟ وإذا جاء الشتاء وتعذر بالحر جاك البرد يا الله يقول: والله البرد الشديد ما معه عمل، يريد أن يتلفلف بالفروة، ويجلس عند النار يتدفأ، ينتظر الدفء، وإذا جاء الدفء قال: ننتظر.. ولذلك قال:

يؤذيك حر المصيف وبرد الشتاء

 

ويبس الخريف فأخذك للعلم قل لي متى

وهذا يقول: "ابن آدم إذا أفنيت عمرك في طلب الدنيا فمتى تطلب الآخرة؟

إذا كنت في الدنيا عن الخير عاجزًا

 

فما أنت في يوم القيامة صانع"

إذا كنت في الدنيا عاجزًا عن أن تفعل الطاعات وتؤدي الواجبات وعاجزًا عن ترك المحرمات، طيب إذا وافيت يوم القيامة، وجاء الحساب، ونوقشت عن الصلاة والصيام والزكاة وسائر الطاعات، فماذا تقول؟ عذرك العجز، هل هو عذر؟ الله -جل وعلا- خلقك ورزقك وكلفك وأعطاك من القدرة ما تستطيع به أن تؤدي الواجبات، وأعطاك من القدرة على ما تستطيع به أن تكف نفسك عن المحرمات.

"قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: اليقين ألا ترضي الناس بسخط الله" اجعل همك رضا الله، فمن أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، وبالمقابل: من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس.

اليقين ألا ترضي الناس بسخط الله، "وألا تحسد أحدًا على رزق الله" الحسد آفة وداء من أدواء القلوب، ويأكل الحسنات، وفي النهاية الضرر عليه على الحاسد.

"ولا تلم أحدًا على ما لم يؤتك الله" على ما لم يؤتك الله، جاءت أرزاق إما بسبب الوظيفة، جاءت للموظفين، أو جاءت من توزيع المحسنين أو من بيت المال، ما كتب الله لك شيء تروح تلوم فلانًا وفلانًا على شيء لم يكتبه الله لك. "ولا تلم أحدًا على ما لم يؤتك الله" فالله -جل وعلا- هو المعطي، وقد يدخل رجلان متقاربان في حاجتهما على أحد الأغنياء فيعطي هذا، ولا يعطي ذاك، وقد يكون المعطى أيسر حالاً من المحروم، الله -جل وعلا- هو المعطي.

"فإن الرزق لا يسوقه حرص حريص، ولا يرده كره كاره" قد يقول قائل: إذا كان الأمر كذلك فلماذا نتعب كما قال الصحابة -رضوان الله عليهم-، فيكون الجواب: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أنت مأمور ببذل السبب، والنتيجة بيد الله، النتيجة بيد الله -جل وعلا-، لكن عليك بذل السبب.

في كلام ابن مسعود -رضي الله عنه- "فإن الرزق لا يسوقه حرص حريص ولا يرده كراهة كاره" الرزق مقدر ومقسوم ومكتوب لا يزيد ولا ينقص سواء حرصت أو لم تحرص، إذا بذلت السبب المناسب، لا تعجز وتترك السبب تقول: متوكِّل ولا تحرص حرصًا يزيد على المطلوب لمثل ما طلبت فإنه لن يأتيك إلا ما كتب لك، ولا يرده كراهة كاره، أحيانًا يكون الكاره بيده نوع تصرُّف وسلطة، ومع ذلك المكتوب لا بد أن يصل ولو كره من بيده أمر.

"فإن الله بقسطه" يعني بعدله "جعل الرَّوح والفرح" الراحة والطمأنينة راحة القلب راحة البدن "في اليقين والرضا" في اليقين والرضا، هذه الراحة التامة إذا وجد اليقين بما عند الله -جل وعلا- والرضا بما كتب الله وجدت الراحة والطمأنينة، وما نشاهده اليوم في الناس عمومًا من تعب في القلوب وإن وجدت راحة الأبدان فمن ضعف اليقين، وتجد الإنسان إذا حضر في مصيبة لغيره تجده من أثبت الناس، ومن أكثر الناس استحضارًا للنصوص، وإذا كانت المصيبة تخصه فلا شيء من ذلك، طاش عقله؛ لضعف اليقين، الناس كانوا إلى وقت قريب أبدانهم متعبة، يكدون في تحصيل المعيشة، ويتعبون على ذلك تعبًا شديدًا في أبدانهم، لكن إذا انتهت أعمالهم وأووا إلى فرشهم نسوا الدنيا كلها، والآن على العكس الأبدان ارتاحت، والمعيشة توسعت فما يحتاجون إلى تعب كبير، لكن القلوب كان الإنسان يسافر من الصين ومن الهند ومن السند ومن الشرق والغرب لمدة سنة أو سنتين يأتون إلى الحج وهم في راحة وسعادة، الأبدان شقيت؛ لأنها في العراء على الإبل أو على الأقدام في الشمس وفي البرد، لكن القلوب مرتاحة، يعني يوجد من يصنف وهو في السفر، يؤلف كتبًا وهو في السفر؛ لأن القلب مرتاح لثقته بالله ويقينه به، الآن السفر إلى الحج يعني ساعات قد يكون أقل من ساعة، وقد يكون ساعة، وقد يكون أكثر إلى عشر ساعات كلها ما تجيء نصف يوم، البدن مرتاح، ويصل الحاج إلى المشاعر ثوبه لم يتأثر، لكن القلب مشحون، يعني لو يتأخر فتح باب الطائرة خمس دقائق كيف تصور وضع الناس وهم يتدافعون على السلم، لماذا؟

لأنها وإن ارتاحت الأبدان، فالقلوب شقيت لما أثر عليها من أمور الدنيا ومن تعلق بغير الله..، يذكرون أن شخصًا غير مسلم صنَّف كتابًا فيمن مات عند الإشارات إشارات المرور فما السبب؟

طالب: الغضب الغضب.

الغضب، نعم تجد شخصًا واقفًا بآخر اليمين، وهذا يريد أن يلف يمينًا، كم المدة التي يمكن أن يمكثها؟ دقيقة أو دقيقتين بالكثير، تجده يرتفع عليه الضغط وينفجر فيه شريان من أجل ماذا؟ وكان في السابق على الإبل هذا المشوار الذي يأخذ دقيقتين أو ثلاثًا يأخذ له يومين، والأمر سهل، متى ما وصل فهذا الترف الذي نعيشه ليس بخير محض، فيه خير لمن استغله واستفاد منه وصرفه فيما يرضي الله -جل وعلا-، وإلا فبقية الناس لديهم من التعاسة ما لا يوجد نظيره في التعب السابق عند المتقدمين حينما كانت الدنيا فيها شيء من الضيق والشح.

"في اليقين والرضا، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط" يروى عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: لا يحملنكم استعجال الرزق على أن تطلبوه بسخط الله، فإن ما عند الله لا ينال بسخطه، لا يحملنك استعجال الرزق على أن تطلبوه بسخط الله، فإن ما عند الله لا ينال بسخطه.

بعض الناس من حرصه على الدنيا إذا ضاقت به المسالك المباحة لجأ إلى غيرها، وبعض الناس وإن فتحت عليه الدنيا فإنه لا يقنع بما أباح الله له، فتجده يلتفت يمينًا وشمالاً، ويتوسع في المباحات حتى يقوده ذلك إلى مزاولة الشبهات، ثم يقوده ذلك إلى ارتكاب المحرمات طلبًا للرزق واستعجالاً له، ولا يدري المسكين أنه يجمع حطبًا يوقَد عليه به في النار، نسأل الله العافية، وما عند الله لا ينال بسخطه.

يقول: "وقال بعض السلف: وإذا كان القدر حقًّا فالحرص باطل"، وهذا لا يعني ترك السبب، القدر حق، لكن هذا القدر مرتب على أسباب، فلا بد من وجود هذه الأِسباب لتترتب المسببات وإذا كان.. المقصود الكلام في الحرص وليس المراد بذل السبب.

"وإذا كان الغدر في الناس طباعًا" يعني مغروس في الناس كثير من النفوس جبلت عليه "فالثقة بكل أحد عجز"؛ لأن الغدر موجود في كثير من الناس لا شك أن الثقة بجميع الناس نوع غفلة وعجز، "وإذا كان الموت لكل أحد راصدًا فالطمأنينة إلى الدنيا حمق"؛ لأنها لا بد أن تفارقه، وأن يفارقها؛ لأن الموت مكتوب على كل حي، وهو نهاية كل حي إلا الله -جل وعلا- الحي الذي لا يموت، كان عبد الواحد بن زيد "كان عبد الواحد بن زيد رحمه الله يحلف بالله: لحرص المرء على الدنيا أخوف عندي من أعدى أعدائه"، لماذا؟ لأن الحرص ملازم الحرص وصف له ملازِم في خلوته وفي حضرته، وفي كل وقت، وأما العدو فقد يوجَد وقد يغيب.

طالب: .........

هو راكن إليه واثق به.

طالب: .........

ماذا؟

طالب: .........

أحضر لنا ترجمته غدًا، ابحث.

هو فيه عبد الواحد بن زياد معروف هذا، لكن ابن زيد أنا ترددت فيه، ولا عندي وقت، بل قد نسيته بعد وإلا كان مراجعه عبد الواحد بن زياد هذا ثقة من الثقات، وقد شذ في حديث الأمر بالاضطجاع بعد ركعتي الصبح تفرد به عبد الواحد بن زياد فشذ، شاذ، الأمر أما من فعله- عليه الصلاة والسلام- في الصحيح.

"وكان -رحمه الله- يقول: يا إخوتاه لا تغبطوا حريصًا على ثروته وسعته في مكسب ولا مال" نعم لا يغبط، لماذا؟ لأنه أضاع في مقابل ذلك ما هو أنفع له منه، المقصود الحريص، "وانظروا إليه بعين المقت" لهذا السبب هذا المسكين الذي أضاع أنفس ما يملك وهو عمره في جمع المال، وإن كثر أضاع في مقابله العمر الذي لا قيمة له كما ، وانظروا له بعين المقت، بعين المقت له في اشتغاله اليوم بما يرديه غدًا؛ لأن ما جمع سوف يحاسب عليه حسابًا شديدًا دقيقًا يسأل عن كل صغير وكبير، من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه؟ "بما يرديه غدًا في المعاد، ثم يبكي" عبد الواحد بن زيد هذا القائل، النسخة التي بين أيدينا ثم يتكبر، ولا شك أنه إذا اجتمعت عنده الأموال ونظر إلى الناس بعين الازدراء من لازم ذلك أن يتكبر عليهم.

"وكان -رحمه الله- يقول: الحرص حرصان حرص فاجع وحرص نافع، فأما الحرص النافع فحرص المرء على طاعة الله"، كم باقٍ الآن؟

طالب: دقيقتان على الإقامة؟ دقيقتان.

خمس؟

طالب: لا، أقل.

أقل؟

"فأما الحرص النافع فحرص المرء على طاعة الله" يعني فيما ينفعه في "آخرته، وأما الحرص الفاجع فحرص المرء على الدنيا الذي من لازمه أن يضيع ما ينجيه وهو مشغول معذَّب" معذَّب بما كسبه وبما فاته، مشغول معذب بما كسب؛ خشية أن ينقص، أو خشية أن يسرق، أو خشية أن يذهب بالكلية بموت أو فساد أو ما أشبه ذلك، هو معذب به بما جمع، ومعذب أيضًا بما فاته، متحسر عليه.

"لا يُسر ولا يلتذ بجمعه لشغله" هل هو لديه من الوقت ما يتلذذ به بما جمع هو حريص لهث وراء الأموال كسب هذا يريد غيره، ثم كسب هذا يريد غيره، فليس عنده من الوقت ما يتلذذ بما جمع، "فلا يفرغ من محبة الدنيا لآخرته" حتى إذا دخل المسجد تجد قلبه معلَّقًا بتجارته، زاد هذا، نقص هذا، ويُذكَر عن شخص أنه دخل في الصلاة فطفق يحسب ما كسبه المبلغ الفلاني من كذا المبلغ الفلاني من كذا المبلغ.. وفقد في حسابه -هذا في وقت قديم- ريالاً أين ذهب؟ يحسب كل شيء موجود يعني حاضر في الذهن وهو داخل يصلي، ولما سلم الإمام ضرب فخذه تذكر أين راح الريـال؟ قال: وريـال الدبس هذا موجود في كل بلد وفي كل مكان وفي كل زمان، الآن يدخل الإنسان إلى الصلاة ويخرج منها بلا شيء، وليس له من صلاته إلا ما عقل، وهذا في حال كثير من الناس الذين شغلوا بدنياهم.

"فلا يفرغ من محبة الدنيا لآخرته كذلك، وغفلته عما يدوم ويبقى" هو منتبه لدنياه وغافل عن آخرته.

يقول: "ولبعضهم في هذا المعنى:

لا تغبطن أخَا حرص على سعة"

 

.............................

يعني سعة في مال سعة في أمور الدنيا.

.................................

 

"وانظر إليه بعين الماقت القالي"

إذا كان هذا المال وهذه السعة صدته عما هو أهم من ذلك، فإنه حينئذٍ يمقت، وإذا كان مع هذه السعة ومع هذه الأموال كسبها من وجوه حلال وأنفقها فيما ينفع به نفسه في دينه ودنياه وآخرته وينفع غيره فالأمر غير ذلك.

"إن الحريص لمشغول"............

 

............................

يقول: بتشوقه؟ "بشقوته" أو بثروته.

............................

 

"عن السرور بما يحوي من المال"

الحريص ليس عنده وقت ولا للتفكير ولا للالتذاذ الذي أفنى عمره في جمع الحطام ولآخر في هذا المعنى: يا جامعًا مانعًا.. يا جامعًا مانعًا.

طالب: .........

ماذا؟

طالب: .........

يا جامعًا مانعًا، جامعًا منادى، وهو مفرد حقه أن يبنى على الضم، لكنه لما كان نكرة غير مقصودة فإنه ينون، ينصب وينون، ويمثل العلماء لهذا بقول الأعمى: يا رجلاً خذ بيدي، يا جامعًا هو لا يقصد شخصًا بعينه نكرة غير مقصودة.

"يا جامعًا مانعًا والدهر يرمقه

 

مفكرًا أي باب منه يغلقه

جمعت مالاً ففكر هل جمعت له

 

يا جامع المال أيامًا تفرقه"

كما جاء في كلام الحكيم السابق لما قيل له: إن فلانًا جمع أموالاً طائلة فقال: فهل جمع أيامًا ينفقه فيها؟

"المال عندك مخزون لوارثه

 

ما المال مالك إلا يوم تنفقه"

يعني أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ فالذي ينفقه ويقدمه لآخرته فهذا ماله، وما يتركه للوارث فهذا مال غيره.

"إن القناعة من يحلل بساحتها

 

لم يأل في طلب مما يؤرقه"

لا شك أن القناعة هي الكنز الذي لا ينفد ولا يفنى، ولا شك أن القناعة عز، ولذا قيل: عَزَّ من قنع، وذَلَّ من طمع عز من قنع وذل من طمع.

والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

طالب: .........

 

الأمر بالاضطجاع بعد ركعتي الصبح.

"