شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (002)
بالنسبة لعناية الأمة بالصحيح الذي هو أصح الكتب بعد كتاب الله -سبحانه وتعالى-، فلم يُحظَ كتابٌ من كتب الحديث بعناية الأمة مثل ما حظي بذلك هذا الكتاب للإمام البخاري -رحمه الله تعالى-، فقد عني به علماء الأمة شرحًا له واستنباطًا وبيانًا لمشكله وإعرابه، وكلامًا على رجاله وتعاليقه، وقد تكاثرت شروحه حتى قال صاحب كشف الظنون إنها تنيف على ثمانين شرحًا، وذلك عدا ما ألف بعده، ودون ما لم يقف عليه من الشروح الكاملة والناقصة.
من أهم شروح الجامع الصحيح شرح الخطابي المسمى: أعلام الحديث، وشرح ابن بطال، وشرح الكرماني الكواكب الدراري، وشرح الحافظ ابن رجب اسمه فتح الباري، وفتح الباري للحافظ ابن حجر، وعمدة القاري للعيني، وإرشاد الساري للقسطلاني، وكلها مطبوعة، وهناك الشروح الكثيرة المخطوطة، وهناك أيضًا شروح المعاصرين مثل: فيض الباري لمحمد أنور الكشميري، وهناك لامع الدراري وغيرها من الشروح التي تفوق الحصر.
المقدم: القديمة مكتملة فضيلة الدكتور؟
هذا الذي ذكرناه كله مكتمل سوى ابن رجب إلى الجنائز، سوى شرح ابن رجب، وهو كتابٌ نفيس.
المقدم: نفس المسمى؟
نفس المسمى، اسمه فتح الباري وكتاب ابن حجر اسمه فتح الباري وقد اطلع عليه ابن حجر، ونقل منه في موضعين في الفتح، ونص عليه، نص على أنه قال ابن رجب في شرح البخاري.
المقدم: والنفيس منهما تقول: فتح الباري لابن رجب؟
ابن رجب شرحٌ نفيس لو كان كاملاً لما عُدِل به غيره، لكن الكتاب ناقص والأمر يومئذٍ لله، وفتح الباري لابن حجر أيضًا كتابٌ لا يستغني عنه طالب علم، وإرشاد الساري للقسطلاني لا يستغني عنه من أراد ضبط ألفاظ الصحيح في متونه وأسانيده.
المقدم: ألحظ، عفوًا فضيلة الدكتور، يعني هذه على الجانب نأخذها نكتة لطيفة، أنكم دائمًا تقولون: القسطلاّني في دروسكم، هو اسمه هكذا؟
نعم، القِسطلّاني، القِسطلّاني نعم، هذا ضبطها.
المقدم: لأن بعض الناس ينطقونها القَسطلَاني.
لا، بالتشديد، بتشديد اللام.
أيضًا الكتاب كما شُرِح اختصر، اختصره جمعٌ من أهل العلم لتقريبه على الطالبين بحذف الأسانيد والمكررات، فمن هذه المختصرات: مختصر الشيخ الإمام جمال الدين أبي العباس أحمد بن عمر القرطبي، المتوفى سنة (656هـ) مختصر صحيح البخاري، وله أيضًا مختصر صحيح مسلم وهذا مطبوع، ومشهور ومتداول، وشرحه بنفسه أبو العباس القرطبي، شيخ صاحب التفسير أبو عبد الله.
من المختصرات مختصر الشيخ أبي محمد عبد الله بن سعد بن أبي جمرة الأندلسي، المتوفى سنة (695هـ) وهو نحو ثلاثمائة حديث، قد شرحه مختصره في كتابٍ سماه: بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما لها وما عليها والشرح نفيس، يعتمد عليه كثيرٌ من الشراح كابن حجر وغيره؛ لكنه لا يسلم من ملحوظات ليس هذا محلُّ بسطها، لكن يستفاد منها على كل حال.
من المختصرات مختصر الشيخ بدر الدين حسن بن عمر بن حبيب الحلبي المتوفى سنة (779هـ) واسمه إرشاد السامع والقاري المنتقى من صحيح البخاري، ومن المختصرات: مختصر الزبيدي الذي نحن بصدد شرحه، وسيأتي الكلام عنه، إن شاء الله تعالى.
المقدم: هناك موضوع يتساءل عنه الكثير فضيلة الدكتور، هذا يتبين حقيقة في التراجم للإمام البخاري، طريقة الإمام البخاري في التراجم أثبتت أن عند البخاري فقهٌ عجيب كما نص على ذلك كثير من الشراح، فإذا جاء يترجم أو يتحدث عن ترجمة للإمام البخاري قال: وهذا من فقه الإمام البخاري، الحديث عن فقه البخاري.
الإمام البخاري رحمه الله تعالى كغيره من الأئمة المجتهدين ممن جمع بين الحديث والاستنباط، مثل مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وغيرهم، ولا يختلف معهم في المصادر، بل الجميع عمدتهم في الاستنباط الكتاب والسنة والإجماع والقياس عند الحاجة إليه، إلا أنه يختلف عنهم من حيث طريقة تدوين الأحكام، فلم ينهج نهجهم في فرز الأحكام عن أصولها؛ ولكنه يترجم بها للحديث، ولذا قال جمعٌ من الحفاظ: فقه البخاري في تراجمه، وسوف أولي هذا الجانب عناية تليق بمقام هذا الإمام أثناء شرح الكتاب، فأذكر تراجمه على الحديث الواحد في المواضع المختلفة من صحيحه، وأربط بين الحديث وهذه التراجم، ليتضح للسامع مدى دقة هذا الإمام في الاستنباط، وأنه إمامٌ مجتهد إضافةً إلى كونه شيخ الصناعة الحديثية وإمام المحدثين.
ومما يجدر التنبيه عليه أن أصحاب المذاهب الفقهية الأربعة تنازعوا في نسبة الإمام البخاري رحمه الله تعالى إلى مذاهبهم، فتُرجِم رحمه الله في طبقات الشافعية بدعوى أنه منهم، كما تُرجِم في طبقات الحنابلة، والمترجم يزعم أنه حنبلي، وزعم المالكية أنه مالكي، وادَّعى الحنفية أنه حنفي، وهذه الأقوال لا ثبات لها، يشير إلى ضعفها تعارضها، ولا شك أن الإمام البخاري رحمه الله تعالى إمامٌ مجتهد، من سبر كتابه وطريقته في استنباط الأحكام من الأحاديث، وقارن أقواله بأقوال الأئمة المجتهدين وجد أنه يخالفهم، فتجده مرةً يوافق الإمام أبا حنيفة، ومرةً يوافق الإمام مالك، ومرةً يوافق الشافعي، ومرةً يوافق الإمام أحمد وإسحاق وهكذا، المقصود أنه مجتهد مطلق، وليس له مذهب يتبعه -رحمه الله تعالى-.
والإمام البخاري -رحمه الله تعالى- عنده دقة متناهية في الاستنباط، وهذا هو الذي حيَّر كثيرًا من الشراح، وجعل بعضهم يحكم عليه بأنه لم يحرر كتابه، ولم يبيض كتابه، بل جعله مسودات تحتاج إلى تبييض، هذا الكلام ليس بصحيح، منشأه عدم فهم مراد البخاري، فله ملاحظ دقيقة جدًا خفيت على كثيرٍ من الشراح، فجعل بعضهم أحيانًا يقول: ليس بين الحديث وبين الترجمة رابط، وبعضهم يقول: هذا الحديث يتبع الترجمة السابقة، وبعضهم يقول.. إلى غير ذلك من الأقوال، حتى جرؤ بعضهم أن قال: أن إيراد هذا الحديث تحت هذه الترجمة مجرد تعجرف، ونحن نولي -بإذن الله تعالى- هذه التراجم خلال شرح الكتاب فيما سيأتي -إن شاء الله تعالى- عناية تليق بمقام الكتاب -إن شاء الله تعالى-.
سبب اختيار الكتاب أنه مختصر، من أصح الكتب، وأولى منه الأصل صحيح الإمام البخاري لكن باعتبار أن من السامعين جمعٌ كبير ممن لا يحتمل سماع كثرة الأسانيد حدثنا فلان قال: حدثنا فلان من عامة الناس ممن يريدون النتيجة والفائدة بسرعة، آثرنا اختيار هذا المختصر، وإلا فالأصل أن الحديث يكون عن الكتاب الأصل الذي هو البخاري.
هذا المختصر اسمه: التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح اختصره الزَّبِيْدِي من صحيح الإمام البخاري بأقل من ربع حجمه، حذف الأحاديث المكررة والأسانيد فقال في مقدمته: "اعلم أن كتاب الجامع الصحيح للإمام الكبير أبي عبد الله البخاري من أعظم الكتب المصنفة في الإسلام، وأكثرها فوائد، إلا أن الأحاديث المتكررة فيه متفرقة في الأبواب، فإذا أراد الإنسان أن ينظر الحديث في أي باب لا يكاد يهتدي إليه إلا بعد جهدٍ وطول فتش، ومقصود البخاري -رحمه الله تعالى- بذلك كثرة طرق الحديث وشهرته، ومقصودنا هنا: أخذ أصل الحديث لكونه قد عُلِم أن جميع ما فيه صحيح".
يقول النووي في مقدمة شرح صحيح مسلم: "وأما البخاري فإنه يذكر الوجوه المختلفة في أبواب متفرقة متباعدة، وكثيرٌ منها يذكره في غير بابه الذي يسبق إليه الفهم أنه أولى به، فيصعب على الطالب جمع طرقه وحصول الثقة بجميع ما ذكره من طرق الحديث". قال: "وقد رأيت جماعةً من الحفاظ المتأخرين غلطوا في مثل هذا، فنفوا رواية البخاري أحاديث هي موجودة في صحيحه في غير مظانها السابقة إلى الفهم".
نعم، الإمام البخاري رحمه الله تعالى أحيانًا يغرب في الاستنباط ويُبعِد، وإذا أراد الباحث قبل وجود هذه الفهارس وقبل وجود هذه الآلات التي يسَّرت على الناس أن يبحث عن حديثٍ ما فإنه يشق عليه أن يقف عليه؛ لأنه يقدِّر أنه في الباب الفلاني، والإمام البخاري لحظ في الحديث ملحظًا آخر فجعله في باب بعيد كل البعد عن هذا الباب أو عن جميع الكتاب، الكتاب الذي يدخل ضمن هذا الباب، فمثلاً حديث ضباعة بنت الزبير لما أرادت الحج وقالت: أريد الحج وأجدني شاكية، فقال لها النبي -عليه الصلاة والسلام-: «حجي واشترطي» موضوع الحديث عند عموم الناس وعند عموم المتعلمين موضوعه الاشتراط في الحج، فالباحث حينما يريد أن يقف على هذا الحديث في الصحيح لا يمكن أن يتعدى كتاب الحج، فإذا بحث في كتاب الحج من أوله إلى آخره لن يجد هذا الحديث، حتى قال جمعٌ من أهل العلم: أن البخاري لم يخرج هذا الحديث، لكن الإمام البخاري أبعدَ في الاستنباط فخرَّج الحديث في كتاب النكاح، ولحظ فيه أن ضُبَاعة تحت المِقْدَاد، وكانت ضباعة تحت المقداد، طيِّب إذا كانت تحت المقداد، المقداد مولى، وهي قرشية هاشمية ابنة عم الرسول -عليه الصلاة والسلام-، فلحظ عدم الكفاءة، وعدم اشتراط الكفاءة في النسب، وترجم على الحديث بقوله -رحمه الله تعالى-: باب الأكفاء في الدين.
نعم، قد يقول قائل: الأولى أن يذكر البخاري الحديث في كتاب الحج ويكرره مرةً ثانية في كتاب النكاح؛ لأن أولى ما يوضع فيه مثل هذا الحديث كتاب الحج، فإذا بحثنا في كتاب الحج وفي الفوات والإحصار ما وجدنا شيء، لكن لدقة الإمام -رحمه الله تعالى- في الاستنباط جعله في كتاب النكاح الذي يخفى استنباط هذا الحكم من هذا الحديث على كثيرٍ من المتعلمين بالنسبة لكتاب النكاح، لكن كتاب الحج الحديث مشهور ومستفيض يعرفه الخاص والعام قد لا تكون الحاجة إليه ماسة لإيراده في كتاب الحج مثل إيراده في كتاب النكاح من وجهة نظر الإمام البخاري. وإن كان قد يُنازَع في هذا -رحمه الله تعالى-، فالإمام البخاري كما عرفنا يكرر الأحاديث مرات، وأحيانًا يكرر الحديث في عشرة مواضع في عشرين موضعًا، فلو أنه كرره هذا الحديث في الحج وفي النكاح لكان أولى.
الإمام البخاري عرفنا أن من طريقته أنه يكرر الأحاديث، فأحيانًا يُقَطِّع الحديث ويذكره في عشرين موضعًا، لكن لم يكن من عادته أن يكرر الحديث بدون فائدة، فلا يذكر الحديث بلفظه بسنده ومتنه من غير فرق إلا نادرًا، لا بد إذا كرر الحديث أن يشتمل هذا التكرار على فائدة زائدة غير ما ذُكِر في الباب السابق، وغير ما ذُكِر فيما تقدم أو فيما سيأتي. كرر أحاديث يسيرة نحو العشرين في مواضع من كتابه دون تغييرٍ لألفاظها وأسانيدها، بل جاءت بلفظها في متونها وأسانيدها، وهذا قليلٌ جدًّا بالنسبة لحجم الكتاب.
يقول المختصِر: "لما كان الأمر كذلك أحببت أن أجرد أحاديثه من غير تكرار، وجعلتها محذوفة الأسانيد ليقرب انتوال الحديث من غير تعب". ثم ذكر المختصِر منهجه أنه إذا أتى الحديث المتكرر يقول: "أثبته في أول مرة" يثبت الحديث في أول موضع من مواضعه، البخاري قد يذكر الحديث في عشرين موضع يذكره المختصِر في الموضع الأول، يقول: "وإن كان في الموضع الثاني زيادةٌ فيها فائدة ذكرتها وإلا فلا".
يقول: "وقد يأتي حديثٌ مختصر ويأتي بعد في رواية أخرى أبسط وفيه زيادة على الأول، فأكتب الثاني وأترك الأول لزيادة الفائدة، ولا أذكر من الأحاديث إلا ما كان مسندًا متصلاً، وأما ما كان مقطوعًا أو معلقًا فلا أتعرض له، وكذلك ما كان من أخبار الصحابة فمن بعدهم مما ليس له تعلق بالحديث، ولا فيه ذكرُ النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا أذكره" يعني أن المختصِر حذف الأسانيد وحذف المكررات وحذف المعلَّقات وحذف الموقوفات على الصحابة والمقطوعات من أقوال من بعدهم، واقتصر على الأصول المرفوعة، ولا شك أن صنيعه هذا يقرِّب الكتاب على الطالبين لكنه يبقى أن الكتاب الأصل هو الأصل، وأن ما حذفه فيه فائدة كبيرة، وأن فقه الإمام البخاري أحيانًا لا يتبين إلا بذكر ما يذكر -رحمه الله- بعد الترجمة من الأقوال الموقوفة من أقوال الصحابة والتابعين، فقد يرجِّح بها أحيانًا، يأتي بالترجمة على سبيل التردد فلا يُعرَف مذهبه، والعلماء ذكروا استقراءً أن طريقة الإمام البخاري ومنهجه أنه إذا أيَّد الترجمة التي لم يجزم فيها بقول صحابي أو تابعي فإن قوله يكون هو اختيار الإمام -رحمه الله تعالى-، وقد نص على ذلك الشراح ابن حجر وغيره.
المقدم: أحسن الله إليكم يا شيخ كم عدد أحاديث نفس التجريد الصريح؟
أحاديث التجريد تبلغ (2195) حديث.
المقدم: وأحاديث البخاري؟
أحاديث البخاري من غير تكرار تبلغ (2602) حديث، فرق نعم أكثر من أربعمائة حديث.
المقدم: كيف حصل هذا؟ مع أنه مجرد ذكر إزالة المكرر، هل هذا يعني يحسب فيه الموقوفات والمعلقات وغيرها؟
لا لا، الكلام على المرفوع (2602) حديث هذه الأحاديث المرفوعة الأصول من غير تكرار، هذا الفرق، أولاً أن الشيخ المختصِر فاته عدة أحاديث لم يتعرَّض لها تزيد على المائة، واعتنى بها وذكرها الشيخ المحدِّث عمر ضياء الدين الداغستاني في جزءٍ صغير طُبع مستقلًّا، زوائد الزبيدي، يبقى أيضًا أكثر من ثلاثمائة حديث، سببها أن من عدَّ أحاديث البخاري من غير تكرار كالحافظ ابن حجر وبلغت عدتها عنده (2602) وإنما يذكر التكرار عن الصحابي الواحد، لكن إذا كان الحديث ولو اتحد لفظه عن صحابيين فإنه حديثان، يعتبر حديثين، بينما المختصِر إذا تكرر ولو اختلف الصحابي حذَفه، ولهذا قلَّ العدد بهذه النسبة، وأظن أن هذا واضح، إذا اختلف الصحابي عدَّه المحدثون حديثين، الحديث مختلف تمامًا، المختصِر ينظر إلى المتن بغض النظر عن الرواة وعن الصحابة، ولذا قل العدد عنده، فرُبَّ حديثٍ عدَّه ابن حجر مرتين واللفظ واحد، لكنه روي عن ابن عمر وابن عباس فهما حديثان عنده، لكن عند المختصِر واحد؛ لأنه ينظر إلى المتن، ولهذا قلَّ العدد.
المقدم: لكنه أحيانًا قد يحذف أحاديث فضيلة الدكتور كما تكرمتم قبل قليل الحديث عن حذفه لبعض الأحاديث ربما يتعلق بها أحيانًا ترجمة باب معين، والحديث قد ذُكر في موضع آخر، هذا يحصل منه؟
يحصل المختصِر لا يعتني بالتراجم، إنما يهمه متون الأحاديث المرفوعة، -إن شاء الله- في شرح كل حديث نذكر جميع التراجم التي ترجم بها البخاري على هذا الحديث لنقارن فقه الإمام بفقه غيره من الأئمة.
مؤلِّف المختصَر، حصل خطأٌ كبير في نسبة الكتاب إلى الحسين بن المبارك الزبيدي، فطُبِع الكتاب مرارًا مفردًا ومشروحًا منسوبًا إلى الحسين بن المبارك الزبيدي، وهذا جهلٌ ممن طبعه أول مرة، وقلَّده من جاء بعده، مع أن الشارح الشرقاوي وغيره قد نص بصريح العبارة في أول الشرح على أن مؤلِّف الأصل الحقيقي وذكره باسمه الصحيح، الشارح نَصَّ على المؤلف، ومع ذلكم من طبع هذا الشرح أخطأ في اسم المؤلف، وقلده جميع من جاء بعده، الكتاب في الطبعات القديمة نُسِب إلى الحسين بن المبارك الزبيدي.
المقدم: شرح الشرقاوي على هذا المختصر؟
على المختصَر نعم.
المقدم: اسمه شرح الشرقاوي؟
شرح الشرقاوي، وهناك شرح آخر لصدِّيق حسن خان، منشأ الوهم وسببه، لماذا أخطؤوا في نسبة الكتاب إلى غير مؤلفه؟ منشأ الوهم وسببه ورود اسم من نسب إليه الكتاب الحسين بن المبارك الزبيدي في سلسلة إسناد المؤلِّف، ورد الكتاب معروف مختصر الزبيدي فجاء هذا الاسم الحسين بن المبارك الزبيدي في سلسلة إسناد مؤلف الكتاب الزبيدي إلى البخاري، فخلطوا هذا زبيدي وهذا زبيدي مع أن المؤلف المختصِر ما ذكر اسمه في أول الكتاب فنسبوه إليه، وإلا فبينهما مائتان واثنان وستون سنة، هذا توفي سنة (631هـ) الحسين بن المبارك، ومؤلف الكتاب الحقيقي أحمد بن محمد بن عبد اللطيف الشرجي الزبيدي، هذا توفي سنة (893هـ) وهو منسوبٌ إلى شَرْجَة؛ موضع بنواحي مكة، والزَّبِيْدِي نسبة إلى زَبِيْد إحدى بلاد اليمن؛ لأنه وُلِدَ بها واشتهر ومات بها، وهو مولود سنة (811هـ) وصحح السخاوي أنه ولد سنة اثنتي عشرة، وكان محدِّثًا فقيهًا حنفيًّا أديبًا شاعرًا بارعًا، له أوصاف ذُكرَت في الضوء اللامع للسخاوي وغيره، ومات كما ذكرنا سنة (893هـ).
والمختصَر له شروح من أهمها شرح الشيخ عبد الله بن حجازي بن إبراهيم الشرقاوي المتوفى سنة (1227هـ) واسمه فتح المبدي في شرح مختصر الزبيدي ومن شروحه عون الباري لحل أدلة البخاري لأبي الطَّيِّب صدِّيق حسن القِنَّوَجِي البخاري المتوفى سنة (1307هـ).
لعل من أجود طبعات الكتاب المطبوعة مع عون الباري، فإن تيسرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب الموجودة على هامش نيل الأوطار المطبوعة في بولاق فبها ونعمت، وإلا فنشرت دار الرشيد بحلب سنة (1404هـ)، طبعة جيدة ونفيسة، والشرح يعين الطالب ولعله يراجَع قبل الاستماع، طبع مرارًا مستقلاً قديمًا وحديثًا، ومن آخر طبعاته طبعة للشيخ علي حسن عبد الحميد مرقَّمة ومفهرسة، وذُكرت فيها الأطراف لكن مع الأسف الشديد أنه حذف مقدمة المؤلف، وهذا عيب لا شك أن هذا عيب في هذه الطبعة، فالتصرف في كتب أهل العلم أمرٌ لا يقبله أحد، فالأصل أن يبقي الكتاب على وضع مؤلفه، فيذكر مقدمته ولعله يستدرك ذلك في طبعات لاحقة، وطبعة علي حسن هذا صدرت عن دار ابن القيم ودار ابن عفان، لا شك أن الكتب ينبغي أن تبقى على وضعها، والتصرف فيها المؤلِّف نفسه أراد أن يكون كتابه هكذا، ونحن نتصرف فيه ونحذف منه ما لم يرده، فلعل الشيخ علي يعيد النظر في طبعة لاحقة، ويذكر هذه المقدمة، أما المقدمة فهي مشتملة على منهج المختصِر، وسنده إلى الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-.