التعليق على تفسير القرطبي - سورة النور (12)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:
"قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ}[(62) سورة النــور].
فيه مسألتان:
الأولى: قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ} إِنَّمَا" فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِلْحَصْرِ، الْمَعْنَى: لَا يَتِمُّ وَلَا يَكْمُلُ إِيمَانُ مَنْ آمَنَ بالله ورسول إِلَّا بِأَنْ يَكُونَ مِنَ الرَّسُولِ سَامِعًا غَيْرَ مُعَنِّتٍ فِي أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ يُرِيدُ إِكْمَالَ أَمْرٍ فَيُرِيدُ هُوَ إِفْسَادَهُ بِزَوَالِهِ فِي وَقْتِ الْجَمْعِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَبَيَّنَ تَعَالَى فِي أَوَّلِ السُّورَةِ أَنَّهُ أَنْزَلَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ، وَإِنَّمَا النُّزُولُ عَلَى مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- فَخَتَمَ السُّورَةَ بِتَأْكِيدِ الْأَمْرِ فِي مُتَابَعَتِهِ -عليه السلام-؛ لِيُعْلِمَ أَنَّ أَوَامِرَهُ كَأَوَامِرِ الْقُرْآنِ.
الثَّانِيَةُ: وَاخْتُلِفَ فِي الْأَمْرِ الْجَامِعِ مَا هُوَ؟"
الآن المحصور عليه في الحصر {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} إن كان المحصور عليه {الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} فالإيمان لا يتم إلا بذلك، ولا يصح إلا بذلك، وإذا ادعى أنه مؤمن ولم يؤمن بالله ولا رسوله فهذه دعوة لا تصح، فليس بمؤمن إذا لم يؤمن بالله -جل وعلا- ويؤمن برسوله، وإذا كان الحصر من أجل قوله -جل وعلا-: {وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} فلا شك أن هذا لا يسلب تركه الإيمان بالكلية، وإن كان يخل بأصله.
"الثَّانِيَةُ: وَاخْتُلِفَ فِي الْأَمْرِ الْجَامِعِ مَا هُوَ، فَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ مَا لِلْإِمَامِ مِنْ حَاجَةٍ إِلَى جَمعِ النَّاسِ فِيهِ لِإِذَاعَةِ مَصْلَحَةٍ، مِنْ إِقَامَةِ سُنَّةٍ فِي الدِّينِ، أَوْ لِتَرْهِيبِ عَدُوٍّ بِاجْتِمَاعِهِمْ وَلِلْحُرُوبِ، قال الله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}[(159) سورة آل عمران]، فَإِذَا كَانَ أَمْرٌ يَشْمَلُهُمْ نَفْعُهُ وَضُرُّهُ جَمَعَهُمْ لِلتَّشَاوُرِ فِي ذَلِكَ. وَالْإِمَامُ الَّذِي يُتَرَقَّبُ إِذْنُهُ هُوَ إِمَامُ الْإِمْرَةِ."
يعني المقصود به الإمام الأعظم، ومن ينيبه الإمام في جمع الناس لأمرٍ من الأمور، فإذا اجتمعوا لأمرٍ من الأمور لا يجوز الخروج إلا بإذنه اللهم إلا إذا كان ثمّ منكر، فإنه حينئذٍ لا يحتاج إلى إذن إلا إذا استطاع أن ينكر فيتعيّن عليه الإنكار، إذا لم يستطع أن ينصرف، إذا ترتب على الانصراف مفسدة أعظم، فينظر في المصالح والمفاسد، إذا كان لا يستطيع الإنكار وترتب على الانصراف مفسدة أعظم فلا شك أن العزيمة أن ينصرف، ولو ترتب عليه ضرر في نفسه أو بدنه أو ماله هذا هي العزيمة، وإن خشي على نفسه وجلس حتى ينتهي الموضوع خوفًا على نفسه ففيه مندوحة وهو مكره على هذا، لكن لا يستدل بفعله على جواز هذا المنكر، يعني كثير من الناس يستدلون على جواز بعض المحرمات؛ لأننا شفنا الشيخ فلانًا جالسًا، ما تدري ما ظرف الشيخ فلان في جلوسه هذا؟ هو يخشى مفسدة أعظم، أو يخشى على نفسه، والإنكار لا يستطيعه ولا يستطيع الخروج، فتقرير هذا الشخص على هذا المنكر ليس فيه دليل على جوازه، ولا يمكن أن ينسب إليه القول بجوازه؛ لأنه جلس ولم يستطيع الخروج ولم يستطع الإنكار.
فالتقرير خاص بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، حتى الصحابة تقريرهم ليس بحجة، يعني لو جلس صحابي فتقريره ليس بحجة، لنفترض مثل ما فعل مروان حينما خطب جالسًا، كثير من الصحابة الحاضرين ما أنكروا عليه، أنكر عليه أبو سعيد، هل يقال: إن الصحابة –جمهور الصحابة- يرون أن مثل هذا المنكر لا ينكر أو أن هذا الفعل يجوز؟ لأنهم ما أنكروا؟ وكثير من المسلمين ما أنكر على الوليد في إدخاله القبر– الحجرة النبوية في المسجد- مع أنه وجد الإنكار من جمع من أهل العلم في وقته، هل نقول: إن جمهور الأمة يرون مثل هذا العمل؟ لا يمكن.
فالإقرار كونه تشريعًا خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، ونسمع كثيرًا ممن يستدل على جواز بعض الأمور بأننا رأينا الشيخ الفلاني جالسًا، طيب وما يدريك عن الشيخ الفلاني؟ يمكن أنه يخشى على نفسه، لا يستطيع الإنكار، يوازن بين المصالح والمفاسد، يرى أن المصلحة في البقاء، فمثل هذا لا يستدل به على الجواز، فإذا جمعهم الإمام على أمرٍ فيه مصلحة فإنه حينئذٍ لا يجوز لأحدٍ أن ينصرف حتى يستأذن، وهل يدخل في ذلك كل جمع؟ بمعنى أنه في الصلاة مثلًا، أو في خطبة الجمعة، احتاج إلى الخروج، هل يستأذن الإمام؟ أو في الدرس هل يستأذن الشيخ؟ لا شك أن المستأذَن هنا هو الإمام الأعظم أو من ينيبه، وهناك أمور لا تحتاج إلى إذن، وإن كان بعضهم يرى أنها تحتاج إذنًا، فمن انتقض وضوؤه والإمام يخطب، هل يقول للإمام: أتأذن لي أن أتوضأ؟ هذا ما يحتاج إلى إذن، وإن قال بعض أهل العلم إنه لا بد منه.
وكل هذا مبالغة في الحفاظ، من أجل الحفاظ على الجماعة، والدين دين اجتماع وألفة ومودة، ولذا لا يجوز إقامة جماعة ثانية في مسجد في آنٍ واحد، ولو كبر المسجد، مع علم الجماعة الثانية بالأولى؛ لأن هذا يؤدي إلى شقاق ونزاع، ويشحن النفوس، وأيضًا لو أدى صلاة جار المسجد في مسجدٍ آخر لو أدى ذلك إلى وجود شيء في نفس الإمام أو جماعة المسجد القريب فعليه أن يلازم هذا المسجد كفًّا للغيبة عن نفسه وحفاظًا على الألفة والمودة، وإذا كان هناك مبرر له وشرحه للجماعة ورضوا به وكذلك الإمام، لا شك أن مثل هذا لا مانع منه، لو قال: أنا أحتاج إلى المشي، نصحني الطبيب أن أمشي، ولا فيه فرصة أن أمشي إلا إذا أذن أصلي بالمسجد الفلاني، فحينئذٍ لا مانع في أن يبيِّن، ويسلب ما في قلوبهم من أثر لهذه الفرقة، وإلا فالأصل أن الفرقة مذمومة.
"وَالْإِمَامُ الَّذِي يُتَرَقَّبُ إِذْنُهُ هُوَ إِمَامُ الْإِمْرَةِ، فَلَا يَذْهَبُ أَحَدٌ لِعُذْرٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَإِذَا ذَهَبَ بِإِذْنِهِ ارْتَفَعَ عَنْهُ الظَّنُّ السَّيِّئُ. وَقَالَ مَكْحُولٌ وَالزُّهْرِيُّ: الْجُمُعَةُ مِنَ الْأَمْرِ الْجَامِعِ. وَإِمَامُ الصَّلَاةِ يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَأْذَنَ إِذَا قَدَّمَهُ إِمَامُ الْإِمْرَةِ، إِذَا كَانَ يَرَى الْمُسْتَأْذِنَ. قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: كَانُوا يَسْتَأْذِنُونَ الْإِمَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمَّا كَثُرَ ذَلِكَ قَالَ زِيَادٌ: مَنْ جَعَلَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ فَلْيَخْرُجْ دُونَ إِذْنٍ، وَقَدْ كَانَ هَذَا بِالْمَدِينَةِ حَتَّى إنَّ سَهْلَ بْنَ أَبِي صَالِحٍ رَعَفَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَاسْتَأْذَنَ الْإِمَامَ. وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَقْتَضِي أَنْ يُسْتَأْذَنَ أَمِيرُ الْإِمْرَةِ الَّذِي هُوَ فِي مَقْعَدِ النُّبُوَّةِ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا كَانَ لَهُ رَأْيٌ فِي حَبْسِ ذَلِكَ الرَّجُلِ لِأَمْرٍ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ. فَأَمَّا إمام الصلاة فَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ عَلَى جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الدِّينِ لِلَّذِي هُوَ فِي مَقْعَدِ النُّبُوَّةِ."
إذا احتاج الإمام إلى جمع الناس في غير وقت الدوام مثلًا، قال: على الجهة الفلانية أن تحضر بعد صلاة العصر أو بعد صلاة المغرب أو بعد صلاة العشاء؛ للتشاور في بعض الأمور التي تهم العمل، بعض أهل العلم يرى أنه تلزم الإجابة، ولو كانت خارج الوقت المؤجر عليه، ومنهم من يرى أنه إذا كانت المسألة مقايضة ووظيفة ويُصرف لها مقابل أنه لا يلزم إلا في وقت العمل، وهذا يُحتاج إليه في كثير من الدوائر الحكومية، يعني هناك جلسات في الجهات الرسمية، فهل إذا دُعي إلى الجلسة في غير وقت الدوام يلزمه الحضور؟ وإذا لم يرضَ إلا بمقابل، فهل يُصرف له هذا المقابل أو لا يحتاجه وهو من صميم العمل، لا سيما إذا كان فائدته تعود على العمل؟
مثلًا: جلسات مجالس الكليات والجامعات وغيرها من الدوائر الرسمية التي تحتاج إلى جلسات وفيها لجان تجتمع هذه اللجان أو مجالس في غير وقت الدوام- أما بالنسبة لوقت الدوام فلا يجوز أن يتخلف أحد، لا يجوز أن يتخلف إذا كان من مصلحة العمل؛ لأنه استؤجر، في هذه المدة هو أجير لا يجوز له أن يتخلف، وإذا كان في غير وقت الدوام فالمسألة تحتاج إلى نظر.
طالب: لو علم بوجود منكرات وقت الدوام؟
إذا علم بوجود منكرات لا يجوز الإقدام، الآن يقولون في إجابة وليمة العرس والدعوة إليها واجبة عند أهل العلم، ومع ذلك إذا كان ثمّ منكر فلا يجوز الحضور، إلا إذا كان يحضر بنية الإنكار ويستطيع الإنكار، يستطيع التغيير؛ فإنه حينئذٍ يجيب.
طالب: إذا خشي من وجود منكر، توقع منكرًا؟
إذا غلب على ظنه وجود منكر، نفترض مثلًا أنه لا يرى التصوير، ويقول: سيأتي المسؤول الفلاني فاحتمال قوي أن يكون التصوير موجودًا، ما يحضر في هذه الحالة، وإذا كان وجوده يمنع التصوير مثلًا، وقيل: إن الشيخ الفلاني يحضر، وهو ما يرى التصوير فلا تصوروا، هذا لا شك أنه مصلحة ظاهرة، أو مثلًا سيدعى إلى مجلس ثم يُدعى معه نساء مثلًا، كما يحصل في مثل هذه الأيام فلا يحضر، لا يحضر أبدًا، إذا وجد منكرًا، إن حضر للإنكار واستطاع ذلك فبها ونعمت، وإلا فلا يحضر.
"وَرُوِيَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ حِينَ جَاءَتْ قُرَيْشٌ وَقَائِدُهَا أَبُو سُفْيَانَ، وَغَطَفَانُ وَقَائِدُهَا عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ، فَضَرَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْخَنْدَقَ عَلَى الْمَدِينَةِ، وَذَلِكَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، فَكَانَ الْمُنَافِقُونَ يَتَسَلَّلُونَ لِوَاذًا مِنَ الْعَمَلِ وَيَعْتَذِرُونَ بِأَعْذَارٍ كَاذِبَةٍ. وَنَحْوَهُ رَوَى أَشْهَبُ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي عُمَرَ-رضي الله عنه- استأذن النبي- صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك في الرجعة فأذن له، وقال: «انطلق، فوالله ما أنت بمنافقُ»، يرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يُسْمِعَ الْمُنَافِقِينَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: إِنَّمَا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ-رضي الله عنهما-: إنما استأذن عمر -رضي الله عنه- في العمرة، فقال -عليه السلام- لما أذن له: «يا أبا حفص، لا تنسنا في صالح دعائك»."
ومثل هذا طلب الدعاء من الرجل الصالح لا بأس به، ولا إشكال فيه، ولا يدخل في النهي عن السؤال، النبي- عليه الصلاة والسلام- قال لعمر هذا الكلام، وقال لعمر: «إذا أتى وفد اليمن فاسأل عن فلان» أويس بن عامر- هذا في صحيح مسلم وسأل عنه، فطلب منه الدعاء، فهذا لا إشكال فيه -إن شاء الله تعالى-.
هذه الآية فيها: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} في الآية الأخرى: {إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} فيه معارضة أم ما فيه معارضة؟
طالب: لا.
لماذا؟
طالب: المقصود في الآية الأولى: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} هم أصحاب النبي- عليه الصلاة والسلام-.
في الآية التي معنا هذه {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}؟
المسألة لا تخلو من حالين: الأولى: أن يكون هناك عذر يمنع من البقاء، أو لا يكون هناك عذر، فإن كان هناك عذر فالاستئذان لا بد منه مع العذر، فنتصور اثنين كليهما معذورين في مثل هذا –كلاهما لديه عذر- واحد استأذن، وواحد مشى بدون استئذان، الآية في حق من استأذن {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} لوجود عذر يمنعهم من مواصلة البقاء، هناك ليس فيه عذر، وإنما فيه فرار عمّا أوجب الله عليهم، هناك ليس فيه عذر، فيستأذن ويعتذر بعذر غير صحيح، فالذي يستأذن؛ للتخلص مما أوجب الله عليه من جهادٍ ونحوه، فمثل هذا تنطبق عليه الآية الأولى.
"قُلْتُ: وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِتَنَاوُلِهِ جَمِيعَ الْأَقْوَالِ. وَاخْتَارَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ مَا ذَكَرَهُ فِي نُزُولِ الْآيَةِ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ إِسْحَاقَ، وَأَنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ فِي الْحَرْبِ. قَالَ: وَالَّذِي يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا}[(63) سورة النــور] وذَلِكَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يَتَلَوَّذُونَ وَيَخْرُجُونَ عَنِ الْجَمَاعَةِ وَيَتْرُكُونَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فَأَمَرَ اللَّهُ جَمِيعَهُمْ بِأَلَّا يَخْرُجَ أَحَدٌ مِنْهُمْ حَتَّى يَأْذَنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وبذلك يتبين إيمانه."
الطلاب في المدارس النظامية –في الكليات مثلًا– يحرص الطالب أنه يجلس إلى أن يؤخذ الحضور، ثم بعد ذلك يستغفل الشيخ ويتغافل ويخرج، أو يستأذن ولا عذر له، كل هذا لا يجوز؛ لأنه يأخذ في مقابل هذا أجرة محسوسة وأجرة معنوية؛ لأنه منتظم، وتعاقد مع الكلية على هذا الأمر، أنه منتظم، والمنتظم عليه أن يحضر، فلا يجوز له أن يخرج حتى يستأذن إذا كان له عذر، إذا كان له عذر يستأذن وإلا يبقى.
قد يقول قائل: إن بعض الأساتذة وبعض المدرسين الفائدة منهم ليست كبيرة، فأنا أخرج لأستفيد فائدة أكبر، أنت تعاقدت على أن تبقى في هذا المكان، وفي شرح هذا الدرس المقرر عليك، وإلا لو افترضنا أنه يوجد في هذا المكان –في هذه الكلية– شخص هو أعلم الناس مثلًا، وأنت بين يدي شخص الفائدة منه قليلة وتقول: أنا أستأذن وأذهب إلى فلان –الذي هو العالم الحقيقي- وشيخ هذا الشيخ مثلًا، لا يجوز مثل هذا، العالم الفلاني له وقت آخر تذهب إليه، أما أنت في هذا الوقت وفي هذا الظرف عليك أن تلزم مكانك، وتلتزم بما تعاقدت عليه.
الثاني: قوله: {لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} وأي إذن..
الأعذار، حينما يُطلَب عذر عن التخلف، كثير من الناس يتساهل فيها، فيدلي بعذرٍ ليس بصحيح، وقد يكون لديه عذر ويبدي غيره؛ لأن الجهة لا تقبل إلا تقريرًا طبيًّا، وهو مسافر –سفر حاجة- هو معذور في الحقيقة، لكن الجهة لا تقبل هذا العذر، وإنما لا بد أن يكون بتقرير طبي ثم يزور تقرير طبي، هذا أيضًا لا يجوز، لا يجوز بحال، وبعضهم يتعاظم أن يفوته الامتحان ولا يعاد الامتحان، والضرر كبير عليه، ثم يقول: هذه مفسدة يسيرة، نقول: لا يا أخي، العلم المبني على هذه الأمور وعلى هذه المخالفات لا خير فيه.
"وَأَيُّ إِذْنٍ فِي الحدث وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ خِيَارٌ فِي مَنْعِهِ ولا إبقائه، وقد قال: {فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ} فَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ فِي الْحَرْبِ. قُلْتُ: الْقَوْلُ بِالْعُمُومِ أَوْلَى وَأَرْفَعُ وَأَحْسَنُ وَأَعْلَى. {فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ} فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- بالخيار إِنْ شَاءَ أَنْ يَأْذَنَ وَإِنْ شَاءَ مَنَعَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: قَوْلُهُ: {فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ} منسوخة بقوله: {عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ}[(43) سورة التوبة]."
يعني هذا في حال تعيّن الجهاد، لا يجوز لمن تعيَّن عليه أن يتخلف، كما أنه لا ينبغي للإمام أن يأذن له، وجاء عتاب النبي -عليه الصلاة والسلام- في ذلك {عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ}.
{وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ} أي لخروجهم عن الجماعة إن علمت لهم عذرًا، {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
قوله تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا} يُرِيدُ: يَصِيحُ مِنْ بَعِيدٍ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ! بَلْ عَظِّمُوهُ كَمَا قَالَ فِي الْحُجُرَاتِ: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ}[(3) سورة الحجرات].. الآية، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ: الْمَعْنَى قُولُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فِي رِفْقٍ وَلِينٍ، وَلَا تَقُولُوا: يَا مُحَمَّدُ بِتَجَهُّمٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ: أَمَرَهُمْ أَنْ يُشَرِّفُوهُ وَيُفَخِّمُوهُ. وقال ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تَتَعَرَّضُوا لِدُعَاءِ الرَّسُولِ عَلَيْكُمْ بِإِسْخَاطِهِ فَإِنَّ دَعْوَتَهُ مُوجِبَةٌ.
{قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا} التَّسَلُّلُ وَالِانْسِلَالُ: الْخُرُوجُ. وَاللِّوَاذُ مِنَ الْمُلَاوَذَةِ، وَهِيَ أَنْ تَسْتَتِرَ بِشَيْءٍ مَخَافَةَ مَنْ يَرَاكَ، فَكَانَ الْمُنَافِقُونَ يَتَسَلَّلُونَ عَنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ. {لِوَاذًا} مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، أَيْ مُتَلَاوِذِينَ، أَيْ يَلُوذُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، يَنْضَمُّ إِلَيْهِ اسْتِتَارًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُنَافِقِينَ أَثْقَلُ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَحُضُورِ الْخُطْبَةِ، حَكَاهُ النَّقَّاشُ، وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِيهِ. وَقِيلَ: كَانُوا يَتَسَلَّلُونَ فِي الْجِهَادِ رجوعًا عنه يلوذ عضهم بِبَعْضٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ: لِوَاذًا فِرَارًا مِنَ الْجِهَادِ، وَمِنْهُ قَوْلُ حَسَّانَ
وقريش تجول منا لواذًا |
|
لم تحافظ وخف منها الحلوم |
وَصَحَّتْ وَاوُهَا لِتَحَرُّكِهَا فِي لَاوَذَ. يُقَالُ: لَاوَذَ يُلَاوِذُ مُلَاوَذَةً وَلِوَاذًا. وَلَاذَ يَلُوذُ لَوْذًا وَلِيَاذًا، انْقَلَبَتِ الْوَاوُ يَاءً لِانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا اتْبَاعًا لَلَاذَ فِي الِاعْتِلَالِ، فَإِذَا كَانَ مَصْدَرُ فَاعَلَ لَمْ يُعَلَّ؛ لِأَنَّ فَاعَلَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعَلَّ."
يعني لاوذ لا يجوز أن يُعَل، ولاذ يُعَل.
قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} بِهَذِهِ الْآيَةِ احْتَجَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى الْوُجُوبِ."
لأنه رُتِّب عليه عقوبة {أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ما دام رُتِّب عليه عقوبة فالمراد به الوجوب، ولو لم يُرتَّب عليه عقوبة لكان للاستحباب، فالأمر هنا مطلق، مجرد عن قرائن وعن صوارف، إذًا هو للوجوب، كما في هذه الآية، وكما في الحديث: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم» دلَّ على أن الأمر إذا أُطلِق ينصرف إلى الوجوب، أو دلالته على الوجوب، إلا إذا وُجِد صارف، ولو لم يكن كذلك لما رتّب عليه عقوبة، وأمر الاستحباب بالنسبة للسواك ثابت فلم يبق من الأمر المنفي إلا أمر الوجوب.
"ووجهها أن الله -تبارك وتعالى- قَدْ حذر من مخالفة أمره، وتوعَّد بالعقاب عليها بقوله: {أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} فَتَحْرُمُ مُخَالَفَتُهُ، فَيَجِبُ امْتِثَالُ أَمْرِهِ. وَالْفِتْنَةُ هُنَا الْقَتْلُ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وقال عَطَاءٌ: الزَّلَازِلُ وَالْأَهْوَالُ. وقال جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: سُلْطَانٌ جَائِرٌ يُسَلَّطُ عَلَيْهِمْ. وَقِيلَ: الطَّبْعُ عَلَى الْقُلُوبِ بِشُؤْمِ مُخَالَفَةِ الرَّسُولِ."
ولا يُمنَع أن تجتمع هذه الأمور، بل غير هذه الأمور مما هو أشد منها.
"والضمير في {أَمْرِهِ} قِيلَ: هُوَ عَائِدٌ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَهُ يحيى بن سلام. وقيل: إلى أمر رسوله -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، قَالَهُ قَتَادَةُ. وَمَعْنَى: {يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} أَيْ يُعْرِضُونَ عَنْ أَمْرِهِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْأَخْفَشُ: "عَنْ" فِي هَذَا الْمَوْضِعِ زَائِدَةٌ. وَقَالَ الْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ:"
يعني في الأصل: فليحذر الذين يخالفون أمره، يرونها زائدة، لكن الصواب أنها ليست بزائدة، كما قال الخليل وسيبويه.
"وَقَالَ الْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ: لَيْسَتْ بِزَائِدَةٍ، وَالْمَعْنَى: يُخَالِفُونَ بعد أمره، كما قال:
... لَمْ تَنْتَطِقْ عَنْ تَفَضُّلِ
ومنه قوله: {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ}[(50) سورة الكهف] أَيْ بَعْدَ أَمْرِ رَبِّهِ. وَ" أَنْ" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِـ" يَحْذَرِ". وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ أَكْثَرِ النَّحْوِيِّينَ حَذِرَ زَيْدًا، وَهُوَ فِي" أَنْ" جائز؛ لأن حروف الخفض تحذف معها.
قوله تعالى: {أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[(64) سورة النــور].
قوله تعالى: {أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} خلقًا وملكًا، {قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ} فهو يجازيكم به، و{يَعْلَمُ} هنا بمعنى علم."
لأن دخول قد على المضارع الغالب فيه التقليل، قد يعلم، وهنا المراد بها التحقيق، فكأن المضارع هنا بمنزلة الماضي، إذا قيل: قد جاء زيد، يعني محقق، وإذا قيل: قد يجيء زيد، فهذا للتقليل، يعني يغلب على الظن أنه ما يجيء، فهنا قالوا: إن يعلم بمنزلة التحقيق في الماضي.
"{وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ} بَعْدَ مَا كَانَ فِي خِطَابٍ رَجَعَ فِي خَبَرٍ، وَهَذَا يُقَالُ لَهُ: خِطَابُ التَّلْوِينِ. {فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا} أَيْ يُخْبِرُهُمْ بِأَعْمَالِهِمْ وَيُجَازِيهِمْ بِهَا، {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} مِنْ أَعْمَالِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ.
خُتِمَتِ السُّورَةُ بِمَا تَضَمَّنَتْ مِنَ التَّفْسِيرِ، وَالْحَمْدُ لله على التيسير."
تشقير الحواجب بلون البشرة، بحيث إذا رأى الرائي قال: إنها نامصة، ذكرنا مرارًا أن هذا لا يجوز، وأما بالألوان الأخرى غير السواد، وما لا مشابهة فيه للكفار والفساق فلا بأس به -إن شاء الله تعالى-.
لعله تأثم من عمله في هذه الآلة التي فيها من الشرور ما لا يخطر على البال، فعلى كل حال هذه الآلات فيها شر مستطير، وفيها خير، لكن على حسب الاستعمال، فإذا كان البائع يبيع على جميع الناس فهذا لا شك أنه آثم؛ لأن كثيرًا من الناس يستعملها في غير النافع، وإذا كان يتوخى بيع هذه الآلات على من يغلب على ظنه أنه لا يستعملها إلا فيما ينفع، فالأمر -إن شاء الله- فيه سعة، علمًا بأن التورع عن مثل هذه الأمور التي شرها كثير لا شك أنه هو الأصل.
تدرس البلاغة بالبداية بصغار المتون –متون البلاغة–، ثم تترقّى فيها، فلو قرأ في التلخيص أو في الجوهر المكنون مع شروحهما، ثم بعد ذلك يقرأ ما هو أكبر منها.
على كل حال التذكرة مطبوعة طبعات كثيرة، لكن من أنفسها ما طُبِعت في ثلاثة مجلدات، صدرت عن دار المنهاج، هذه طبعة طيبة ومتقنة.
التفسير يُفهم كما فهمه السلف الصالح، القرآن نزل للأمة من بعثة محمد -عليه الصلاة والسلام- إلى قيام الساعة، فلا بد من أن يُفهم القرآن على مقتضى فهم السلف الصالح، ويعنى بما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في تفسير القرآن، ثم عن صحابته الكرام، ثم بعد ذلك من أقوال التابعين ولغة العرب، وسائر الفنون تعين وتفيد في فهم القرآن.
هذا فيه مشاكل بين زوجته وبين أمه، وعلى كل حال البيوت في مثل هذه المشاكل تعجّ لا سيما مع تخلُّف التقوى لله -جل وعلا- والمراقبة، فتجد الأم تغار من زوجة الابن، ثم بعد ذلك تحصل الفرقة والشقة، ويحصل من الزوجة أيضًا أن تستأثر بالابن وتحرم والديه منه، فيحصل مثل هذا، وعلى كل حال على الزوجة أن تحترم الوالدة، وبرّها وطاعتها من طاعة الزوج، ثم بعد ذلك تستقيم الأمور، وعلى الأم أن تتقي الله -جل وعلا- في حسن المعاملة، وعلى كل حال إذا أعياك الأمر ولم تستطع أن توفِّق بين بر والديك وبين القضاء على هذه المشاكل واستأذنت والديك في الخروج في بيتٍ مستقل وأذنا لك فخروجك حل لهذه المشكلات على أن لا تنساهم.
لها أن تمتنع حتى يدفع المهر، لها أن تمتنع من تسليم نفسها وتمكينها نفسها لزوجها حتى يسلّم المهر، والنفقة عليه واجبة، المهر إذا كان حالًا وهو قادر على أدائه فهذا مطل لا يجوز له أن يؤخره، وإن كان عاجزًا فليسعَ بأن يسدده ويدفعه إلى زوجته في أقرب وقت ولو من الزكاة، وهي إن رضيت أن تنظِره وإلا لها أن تفسخ.
على كل حال إذا كان يسب الله ورسوله فهذا كافر بلا شك –نسأل الله السلامة والعافية-.
طالب: يعذر بالجهل يا شيخ؟
هو يحكم عليه، وإذا أبدى عذرًا وأنه لا يعرف هذا مع أنه لا يمكن أن يُتصور أن يعيش في بلاد المسلمين ويتذرع بالجهل في مثل هذا.
أقول: التعدد جمع من أهل العلم يرون أنه الأصل لمن قدر عليه وأطاقه واستطاعه بشرطه وهو العدل؛ لأنه إن خاف ألا يعدل فواحدة، فإن استطاع –غلب على ظنه أنه يعدل بين الزوجات– وقادر على ذلك من الناحية المادية بمعنى أنه استطاع الباءة فليتزوج ثانية وثالثة.. الخ، لكن عليه أن يعدل.
يقول: شاب كان قبل أن يلتزم كثير الكذب، يكذب على الناس بالقذف وغيره -أسأل الله العافية-، ولكنه التزم الآن، والحمد لله، ولكن قال له بعض الناس: إن توبتك لن تُقبل حتى تذهب للأشخاص الذين كذبت عليهم وتقول لهم: إنني قد كذبت عليكم فسامحوني، وحتى تذهب إلى من كنت تتحدث أمامهم وتقول لهم: إن ما قلته لكم عن فلان وفلان كذب مني، فهل هذا صحيح أم تكفيه التوبة بينه وبين الله؟
هذا إن تيسر أن يذهب إلى المظلوم ويستبيحه من مظلمته من غير مفسدة زائدة على الذنب الأصلي؛ لأن بعض الأمور يترتب عليها مفاسد أعظم منها، فإن كان هذا لا يترتب عليه المفسدة فهو الأصل؛ لأنه إذا أباحك وسامحك برئت من العهدة من حقه، وحقه مبني على المشاحاة، أما حق الله -جل وعلا- فهو مبني على المسامحة، وأيضًا المجالس التي كنت ترتادها وتغتاب الناس فيها وتقذفهم فيها، عليك أن تبين فيها بنفس المستوى الذي كنت تتحدث فيه، تبيّن أنك كاذب، وعلى كل حال إذا لم تتمكن من ذلك وتبت توبةً نصوحًا وصدقت الله -جل وعلا-، ودعوت لمن اغتبته أو قذفته فيُرجى أن يعفى عنك.
هذا من بلدان متفرقة يعني منها من ليبيا ومن السعودية ومن مصر والمغرب والإمارات وليبيا والكويت والمغرب وفرنسا والكويت والجزائر والإمارات، المقصود أنه لا يظن به بلد معين، وإنما هو كثير من بلدان العالم الإسلامي يحتفلون بالمولد، وهو معروف أنه بدعة، لم يكن على عهده -عليه الصلاة والسلام- ولا عهد صحابته الكرام ولا التابعين ولا في عهد الأئمة، وإنما ابتُدِع في القرن الرابع.
يقول: مدرستنا أقامت نشاطًا بمناسبة المولد النبوي، ومن ضمن فعالياته: محاضرة عن المولد النبوي، وقد طُلِب مني أن أكون محاضرًا لها، فهل يجوز أن ألقي هذه المحاضرة علمًا بأنني سوف أركِّز على بدعية هذا الأمر المنكر من باب الإنكار؟
نعم، لك أن تشارك بل يندب لك أن تشارك إذا أردت الإنكار، وبيان الحكم الشرعي في المسألة.
نسأل الله -جل وعلا- أن يشفيه، وأن يذهب ما به من ضر، وأن يكشف ما به من بلاء.
يقول: هل للسحر شفاء؟ هل مَن سُحِر يمكن أن يشفى ويعافى؟
ما من داء إلا وله دواء، والنبي -عليه الصلاة والسلام- سُحِر وعوفي.
وما هو العلاج الناجح في ذلك؟
نقول: هو الرقية الشرعية على يد من تُرجى إجابته؛ لأن الرقية في حكم الدعاء.
على كل حال، الساحر معروف حكمه في الشرع، ذهب إليه وآذاه؛ لأنه سحره فلا شك أنه ظالم له، عليه أن يرفع أمره إلى ولاة الأمر؛ ليأخذ حكمه الشرعي.
إذا تاب الساحر يا شيخ؟
إذا تاب الساحر، من أهل العلم من يرى أنه لا توبة له؛ لأن أمره خفي، فكيف يُعلم بصدقه؟ لكن إذا تاب وظهرت عليه أمارات الصدق، وبدَّل عمله السيء بأعمالٍ صالحة، فحق الله -إن شاء الله- تهدمه التوبة، وأما حقوق العباد الذين ضرَّهم بسحره هؤلاء سوف يجتمعون عند حكمٍ عدلٍ معه.
أما الموافقات فالمسألة الثانية عشرة في المجلد الثاني، وأما قرة عيون الموحدين فهي موقفة؛ لأن صاحبها معتذر عن هذا الفصل، وزاد المعاد أيضًا لا يلازم، لأنه يحضر يومًا ويغيب أيامًا، وسبل السلام في كتاب الطلاق، ونحن بصدد بحث عن وقتٍ أنسب من هذا الوقت؛ لأن عشاء الجمعة الأسفار فيه كثيرة، فلعل الله أن ييسر، ولو قسمنا هذه الكتب الأربعة على يومين يكون أنسب.
لا شك أن السؤال بالجاه بدعة لا تجوز، لكن هي بدعة لا تخرج صاحبها من الملة، والصلاة خلفه صحيحة، فمثل هذا إن كان يجد مسجدًا آخر يصلي فيه الجمعة ممن كان إمامه غير متلبس ببدعة فعمله صحيح، يخرج من هذا إلى شخص لا يرتكب بدعة، أما إذا ترك الجمعة من أجل هذا وصلاها ظهرًا فهو مخطئ حينئذٍ، وعليه أن لا يعود، ثم يُسعى في مثل هذا الإمام أن يغيّر بشخصٍ غير مبتدع.
على كل حال إن وعظها وامتثلت فبها ونعمت، وإن لم تمتثل فالطلاق لا شك أنه في مثل هذه الحالة التي يُخشى منها الضرر عليه وعلى أولاده منها حلّ لهذه المشكلة، فيجوز له أن يطلق لا سيما إذا غلب على ظنه أنها لا تستجيب، مثل هذه المرأة لا خير فيها.