نعم، النية لا شك محلها القلب «إنما الأعمال بالنيات» [البخاري: 1]، ولم يؤْثَر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه تلفظ بها، ولم يُذكر عنه ولا عن أحد من صحابته أنه حصل منه ذلك، لا بحديثٍ ضعيف ولا بصحيح، المقصود أنه لم يؤْثَر عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه تلفظ بالنية، وعلى هذا يُقرر أهل العلم أن التلفظ بها بدعة؛ لأن محلها القلب {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ} [الحجرات: ١٦]، فالذي يتلفظ بهذه النية يقول: نويت أن أصلي كذا، أو أفعل كذا، خلف إمام أو صلاة حَضَر إتمام... كل هذا لا قيمة له، بل هو كما يُقرر أهل العلم ابتداع في الدين، وكل محدثةٍ في الدين بدعة بلا شك.
فإذا أراد الإنسان الوضوء وقام إلى مكان الوضوء وباشر الماء وغسل يديه ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه قاصدًا بذلك الوضوء، هذه هي النية إلى أن يُتم وضوءه، وإذا قام إلى الصلاة وكبّر قاصدًا بذلك المثول بين يدي الله -جل وعلا- وأداء هذه الصلاة التي أوجبها الله عليه، هذه هي النية لا أكثر ولا أقل، وبعض الناس صارت عنده عادة إذا دخل دورة المياه ونقض الوضوء قام إلى مغسلة وتوضأ من غير شعور، ولم يقصد الوضوء، هذا لا يُجزئ؛ لأنه خلا عن النية، أما إذا قصد الوضوء وقام من مكانه ولم ينهزه من مكانه إلا قصْد الوضوء أو قصْد الصلاة فهذه هي النية، ولا يحتاج إلى أكثر من ذلك.
ولا شك أن النية عليها مدار العمل، ولا يصح عمل يتقرب به إلى الله -جل وعلا- إلا بالنية، وجاء في الحديث الصحيح «إنما الأعمال بالنيات» [البخاري: 1]، والنية مصححة للعمل، وفاصلة بين العادة والعبادة {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: ٥]، فكل عمل خلا عن الإخلاص فلا قيمة له ولا يصح، فشرط قبول العبادة أن يكون خالصًا لله -جل وعلا-، صوابًا على سنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، فلا يُعبد إلا بما شرع النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا من تمام شهادة أن محمدًا رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، وقال الفضيل بن عياض في قوله -جل وعلا-: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: ٢]، قال: أخلصه وأصوبه، قيل يا أبا علي: ما أخلصه وما أصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصًا لله ولم يكن صوابًا على سنة رسوله -عليه الصلاة والسلام- فإنه لا يُقبل، وإذا كان على سنته -عليه الصلاة والسلام- ولم يكن خالصًا لله -جل وعلا- فإنه لا يُقبل.