شرح ألفية الحديث للحافظ العراقي (07)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظ -رحمه الله تعالى- تعالى في قسم الحسن:
قَالَ : وَمِنْ مَظِنَّةٍ لِلحَسَنِ |
| جَمْعُ (أبي دَاوُدَ) أيْ في السُّنَنِ |
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
لما فرغ المؤلف -رحمه الله تعالى-، الناظم من بيان الحسن وحدِّه، والخلاف في ذلك، وأنواعه والتمثيل على ذلك؛ بيَّن مظان الحديث الحسن؛ لأن الطالب إذا عرف الحسن سأل عن مظانه، أين يوجد هذا الحديث الحسن؟ كما صنع الناظم -رحمه الله تعالى- في الحديث الصحيح، لما عرفه، وبينه، ووضحه، ذكر مظانه، وهنا فعل كذلك.
"قال ومن مظنة للحسن" وهذا البيت في طبعة الشيخ أحمد شاكر غلط، ومثلها في طبعة الشيخ حامد الفقي في بعض طبعاته حصل فيه خطأ شديد وتصحيف شنيع لا يمكن أن يفهم معناه، وهنا يقول: "قال ومن مظنة للحسن"، قال من؟ ابن الصلاح كما بين الناظم في المقدمة، حيث جاء الفعل والضمير، قال يعني ابن الصلاح، كما بين في المقدمة أنه إذا قال: قال، فمراده بذلك ابن الصلاح.
فحيث جاء الفعل والضمير |
| لواحد ومن له مستور |
قال يعني ابن الصلاح، "ومن مظنة الحسن" المظنة الموطن، والذي يعرف المظان بدقة هو طالب العلم الذي يسهل عليه التحصيل؛ لأن العلماء يقولون: الفقيه مثلًا يقسمونه إلى فقيه بالفعل، وفقيه بالقوة القريبة من الفعل، فإذا كانت لديه أهليه بمعرفة المظان بحيث يتيسر له بحث المسألة والوقوف عليها من مظانها بسرعة هذا فقيه وإن لم يكن بالفعل، المسائل ليست حاضرة في ذهنه لكنه يعرف مظانها بحيث يطلع على جلها؛ فالطالب أو الباحث الذي يطلب منه أن يحضر مسالة من كتب الفقه مثلًا في العبادات قالوا: هات لنا مسألة مثلًا من مسائل الصلاة من المغني، فيأتي بالجزء الثاني عشر مثلًا، أو يقال له: هات المسألة في الجنايات ويأتي بالجزء الأول أو الثاني، هذا يعرف المظان؟ لا يعرف المظان، هذا فقيه بالفعل أو بالقوة؟ لا بهذا ولا بهذا، وبعض الناس من خلال الخبرة والدربة في البحث في الكتب، وهذه تحتاج إلى معاناة ومعرفة؛ ولذا الذين يعتمدون على الآلات لن يستفيدوا فائدة مثل من يعاني الكتب. بعض الطلاب ممن له خبرة ودربة تقول له: أعطني مسألة كذا، يمسك الكتاب ويفتح الصفحة فيتقدم أو يتأخر صفحة أو صفحتين بالكثير، المسألة تحتاج إلى خبرة، تحتاج إلى معاناة ودربة، كثرة مراجعة للكتب ليعرف المظان، أما الذي لا يعرف المظان تكلفه ببحث مسألة، ما يعرف ولا كتاب توجد فيه هذه المسألة، مثل هذا يحتاج إلى تدريب من جديد، فالذي يعرف المظان يسهل عليه تحصيل العلم، قال: "ومن مظنة للحسن"، الحديث الحسن "جمع أبي داود أي في السنن"، سنن أبي داود التي هي ثالث كتب السنة عند الأكثر، ثالث كتب السنة عند الأكثر على خلاف بينهم، بعضهم يرجح النسائي؛ لأنه أقوى في الشرط بالنسبة للرواة، وأكثر فوائد من حيث الصناعة، في بيان العلل وغيرها، ومنهم من يرجح الترمذي يجعل الثالث الترمذي لكثرة فوائده الحديثية في أبوابه وفي أنواع علوم الحديث كلها، لكن الأكثر على أن سنن أبي داود شرطه أقوى من شرط النسائي على ما سيأتي، وهو أيضًا أقوى من شرط الترمذي، وقد أضَربَ عن رواة خرج لهم الترمذي، فهو ثالث الكتب بعد الصحيحين، أعني من الستة وإلا تقدم أن صحيح ابن خزيمة، وصحيح ابن حبان، ومستدرك الحاكم الذي اشترطت فيها الصحة وإن لم يوفي مؤلفوها بهذا الشرط إلا أنها من مظان الصحيح وقد تقدم.
وسيأتي في بحث المسانيد أنها في المرتبة دون السنن، كما سيأتي في قول الناظم -رحمه الله تعالى-:
ودونها في رتبة ما جعلا |
| على المسانيد فيدعى الجفلى |
هذا سيأتي، يهمنا الآن كتب السنن التي هي مظان الحديث الحسن، أو من مظان الحديث الحسن؛ ولذا قال: "ومن مظنة" "من" هذه للتبعيض من مظان، بعض مظان الحديث الحسن جمع أبي داود وما يتلوه من الكتب، جمع أبي داود السجستاني سليمان بن الأشعث في سننه الذي رتبه على الأبواب الفقهية، وذكر فيه الأحاديث المرفوعة، وبهذا تتميز كتب السنن، تمتاز عن المصنفات التي يجمع فيها المرفوعات والموقوفات والآثار والمقطوعات هذه ميزة السنن، فتتميز السنن بأنها مذكورة ومرتبة على أبواب الفقه، وهي أيضًا أحاديثها في الغالب مرفوعة، ولا يذكرون الموقوف إلا نادرًا "أي في السنن، فإنه" تعليل لماذا صار من مظان الحسن؟ "فإنه قال: ذكرت فيه" فإنه قال، فإن أبا داوود قال في رسالته إلى أهل مكة في وصف سننه "فإنه قال ذكرت فيه" أي في السنن، أي في كتابه ذكر فيه "ما صح أو قارب أو يحكيه"، ما صح أو قارب أو يحكيه، و "أو" هذا للتنويع والتقسيم، فقسم منه صحيح، وقسم منه يقارب الصحيح، وقسم منه يحاكي أو يحكي الصحيح ويشبهه، وعبارته في رسالته إلى أهل مكة بالواو فإني ذكرت فيه ما صح، فإني ذكرت الصحيح وما يشبهه وما يقاربه، بالواو وهي أوضح في المراد؛ لأن ذكر الجميع و"أو" وإن جاءت للتنويع وإن جاءت بمعنى الواو، إلا أنها تحتمل معاني أخرى بخلاف الواو؛ لأن أو تأتي للتخيير، تأتي للإباحة، تأتي للتقسيم، تأتي للشك، تأتي بمعنى الواو إذا أمن اللبس، "ما صح" يعني مما سبق تعريفه مما اجتمعت فيه شروط الصحيح "أو قارب" الذي قارب الصحيح لكنه لا يلحق به، نعم، مثل الصحيح لغيره، وقد يدخل فيها الحسن بمفرداته "أو يحكيه" يعني يشابهه ويضارعه وهو الحسن. ذكر الأقسام الثلاثة والأنواع الثلاثة، وكلها في حيز القبول، وذكر فيه أيضًا الضعيف، وذكر في كتابه الضعيف، لكن إذا كان الضعف شديدًا فإنه يبينه.
"وما به وهن شديد قلته" ونص على ذلك في رسالته إلى أهل مكة. "وما به وهن" وفي نسخة: "وهي" يعني ضعف شديد التزم بيانه "وحيث لا، فصالح خرجته"، يعني وما سكت عنه فهو صالح كما نص على ذلك في رسالته.
وما به وهن شديد قلته |
| ................................. |
يبين العلة القوية، مفهومه أنه لا يبين الضعف غير الشديد، أنه يسكت، إذا كان يبين الضعف الشديد مفهومه أنه يسكت عن الضعف غير الشديد الخفيف، وهل يتفق هذا مع قوله: وما سكت عنه فهو صالح؟ بصيغة التمريض، وما سكت عنه فهو حسن؟ هل يتفق التنصيص على بيان الضعف الشديد مع كونه يسكت عن الصالح فقط، يتفق وإلا ما يتفق؟ نعم؟
طالب:......
لا، خلونا نناقش عبارته، هو يبين الضعف الشديد، وما يسكت عنه فهو صالح، ومفهوم أو مقتضى بيانه للضعف الشديد أن الضعف غير الشديد لا يبينه، ومع ذلكم هذا الذي لا يبينه يصفه بأنه صالح، يتفق هذا، منطوق الجملة الثانية هل يتفق مع مفهوم الجملة الأولى؟ يتفق وإلا ما يتفق؟ يعني مفهوم الجملة الأولى: أنه لا يبين الضعف الخفيف، ومنطوق الجملة الثانية: أن ما سكت عنه فهو صالح، لا يتفق إلا إذا قلنا: إن الصلاحية أعم من أن تكون للاحتجاج، أو الاستشهاد، نعم؛ لأن الخبر قد يكون صالحًا للاحتجاج، وحينئذ يكون صحيحًا، أو حسنًا؛ لأن هذا هو الذي يحتج به، وقد تكون الصلاحية للاستشهاد، فيقبل فيها، ويدخل في هذه الصلاحية الضعف الخفيف، هذا ليس بشديد، وإذا قلنا: إن الصلاحية أعم من أن تكون للاحتجاج، أو للاستشهاد، استقام كلامه، واضح وإلا ما هو بواضح؟ يستقيم كلامه على هذا، وإلا ما يستقيم؟
"وحيث لا" يعني لا يكون ضعفه شديدًا "فصالح خرجته" رأي ابن الصلاح، نعم؟
طالب:......
على كلامه؟
طالب:......
على كلامه؛ ما به وهن شديد يبينه، التزم بيانه، وإذا سكت ولم يبين، فالضعف ليس بشديد على هذا، وقد يكون من الأنواع الثلاثة دون الضعف الشديد، الصحيح والحسن، يدخل فيما يسكت عنه الصحيح والحسن والضعيف الذي ضعفه غير شديد، ومقتضى قوله: فهو صالح ينافي أو يناقض مفهوم الجملة الأولى؛ لأننا إذا قلنا: الصلاحية للاحتجاج، نعم أشكل على مفهوم الجملة الأولى، وإذا قلنا: إن الصلاحية أعم من أن تكون للاحتجاج، أو الاستشهاد؛ فما سكت عنه يصلح أن يكون للاحتجاج، إذا كان صحيحًا، أو حسنًا، ويصلح أن يكون للاستشهاد إذا كان دون الحسن مما ضعفه ليس بشديد.
"البيان" كيف يقع بيان أبي داود بعد الأحاديث؟ أحيانًا يبين ضعف الحديث بالتنصيص على أن الحديث ضعيف، وأحيانًا بجرح بعض رواته، وأحيانًا بذكر ما يخالفه مما هو أرجح منه، وهو أعم، لكن هل التزم بيان كل ضعف شديد؟ الواقع لا، قد يقال عنه: إن الضعف الشديد الذي لا يخفى على آحاد الطلاب لا يلتزم بيانه، وأما الضعف الشديد الذي يخفى على طلاب العلم بيّنه، لكن عموم قوله: "وما به وهن شديد" أو وهم شديد فقد بينته، يشمل الجميع كل ضعف شديد يبينه، والواقع -واقع الكتاب- يشهد بخلاف ذلك، فهناك أحاديث ضعيفة، وأحاديث شديدة الضعف ولم يبينها، اعتمادًا على فطنة الطالب والقارئ، أو يقال: إن البيان أعم من أن يكون في السنن، قد يكون بين في السؤالات، سئل عن بعض الأحاديث وبيّنها، سئل عن بعض الرواة وبيّنه، وقد يكون بين علة حديث في موضع من خلال إسناده وجاء حديث آخر من خلال هذا الإسناد الذي بينه في موضع آخر، وسكت عنه؛ لأنه بينه في موضع، مادام أن فلان علّه في هذا الخبر؛ يحتاج أن يكرره في كل خبر يرويه؟ لا يحتاج، وعلى كل حال هذا كلامه في رسالته إلى أهل مكة، علمًا بأن روايات سنن أبي داود متفاوتة، أبو داود كغيره من الكتب؛ كتب السنة الأصلية لها روايات، فهناك رواية اللؤلؤي، وهناك رواية ابن داسة، وهناك رواية ابن العبد، وفي كل رواية ما يخالف الرواية الأخرى من زيادة ونقص في الأسانيد والمتون، وفي الكلام على الأحاديث؛ فقد يكون بيّن في رواية، ولم يبين في رواية أخرى، الروايات الثلاث كلها مشهورة، ومعروفة؛ هناك روايات أخرى غير مشهورة، نعم؟
طالب:......
كأن اللؤلؤي أشهره، وهي التي عليها شرح الخطابي، يقول:
فما به ولم يصحح وسكت |
| عليه عنده له الحسن ثبت |
هذا كلام الناظم، وهو يحكي كلام ابن الصلاح "فما به" يعني بسنن أبي داود، يعني ما هو موجود في سنن أبي داود "ولم يصحح" يعني غير مخرج في الصحيحين، ولا نص أحد من الأئمة على صحته في كتابه لا فيما نقل عنه على ما تقدم في مسألة التصحيح والتضعيف عند ابن الصلاح "ولم يصحح وسكت" عنه أبو داود "عليه" سكت عليه لم يبين ضعفه ولا صحته، سكت عنه "عنده له الحسن ثبت" يعني هو حسن عند أبي داود، حسن عند أبي داود، الآن أبو داود نص على أنه يبين الضعف الشديد؛ فهل مقتضى هذا أن ما لا يبينه -على ما تقدم- يدخل فيه الضعيف ضعفًا غير شديد؟ يدخل فيه الحسن، ويدخل فيه الصحيح، ويدخل فيه الصحيح.
ابن الصلاح طردًا لرأيه فيه الانقطاع، فيه انقطاع التصحيح والتضعيف يرى أنه يتوسط في أمر ما سكت عنه أبو داود، ما صححه الأئمة، وأبو داود لم يشترط الصحة في كتابه، وليس بضعيف؛ لأنه لو كان ضعيفًا لبينه، إذن يتوسط في أمره، والذي جره إلى هذا القول رأيه الذي سبقت الإشارة إليه، وهو أنه يرى انقطاع التصحيح والتضعيف؛ ولذا حكم على الأحاديث التي في مستدرك الحاكم، وقال:
......................... ما انفرد |
| به فذاك حسن ما لم يرد |
"بعلة" لكن الحافظ العراقي قال:
........والحق أن يحكم بما |
| يليق والبستي يداني الحاكما |
لكن هل من خلال رأي ابن الصلاح أننا نحكم على الأحاديث بما يليق بها؟ لا، ليس لنا ذلك، فإما أن ينص على صحة الحديث، نعم، أو يكون في كتاب متوسط، مثل سنن أبي داود، فيحكم له بالحسن "عنده له الحسن ثبت"
............................وسكت |
| عليه عنده له الحسن ثبت |
عند أبي داود، وإلا عند ابن الصلاح؟ نعم "وسكت عليه" سكت أبو داود عليه، خرجه في كتابه، وسكت عليه، "فما به" أي بالكتاب من الأحاديث التي لم تصحح، ولم تخرج في الصحيحين، وسكت عنها أبو داود، سكت عليها "عنده" الضمير يعود على من؟ "عنده له الحسن ثبت" له هذا يحتمل أن يكون تعود إلى ابن الصلاح؛ لأنه يرى هذا الرأي، وجره إلى ذلك رأيه في انقطاع التصحيح والتضعيف، ويحتمل أن تعود على أبي داود نفسه، فيكون حسنًا عند أبي داود، ويكون مأخذ هذا الحسن من قوله: صالح، والأولى أن يقتصر على تعبيره، إذا كان الإنسان مقلدًا، ويقلد أبا داود في حكمه؛ أبو داود ما قال: وما سكت عنه فهو حسن إلا في رواية ذكرها الحافظ ابن كثير في اختصار علوم الحديث، وذكرها بصيغة التمريض، لكن المعروف في رسالته إلى أهل مكة أنه قال: ما سكت عنه فهو صالح، فإذا كانت المسألة تقليد فليقلد صاحب الشأن، نقول: صالح.
"وابن رشيد" الفهري السبتي إمام من أئمة الحديث "قال -وهو متجه-" قال: وهو متجه، يعني رأي وجيه، مما يرد به على ابن الصلاح، واستحسنه أبو الفتح اليعمري ابن سيد الناس، وقال فيه الناظم:
........................وهو متجه |
| قد يبلغ الصحة عند مخرجه |
قد يبلغ ما سكت عنه أبو داود الصحة، وهذا كثير، وقد هذه "قد يبلغ" قد إذا وليها الفعل المضارع تكون للتكثير، أو للتقليل؟ للتقليل هذا الأصل، وإذا وليها الماضي صارت للتحقيق، لكن ماذا عن قوله -جل وعلا-: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ} [(18) سورة الأحزاب]، لماذا؟ للتحقيق هذه، تحقيق "قد يبلغ الصحة عند مخرجه" هل الصحيح فيما سكت عنه أبو داود قليل، وإلا كثير؟ كثير، هو ليس بالقليل، يعني الأحاديث المضعفة في سنن أبي داود تبلغ ربع الكتاب؟ ما تبلغ ربع الكتاب، لا تبلغ ربع الكتاب، والحسن فيه كثير، والصحيح كثير.
وابن رشيد قال وهو متجه |
| قد يبلغ الصحة عند مخرجه |
وعلى كل حال هذا الكلام كله الذي يجر إليه رأي ابن الصلاح، ويناسب غير المتأهل للتصحيح والتضعيف، أما من تأهل للتصحيح والتضعيف، والنظر في الأسانيد والمتون، والموافقة والمخالفة مثل هذا لا يعنيه هذا الكلام؛ لا من قريب، ولا من بعيد، وإن كان أهل العلم يعتنون بسكوت أبي داود، فالنووي كثيرًا ما يقول: سكت عنه أبو داود فهو صالح، وأحيانًا يقول: فهو حسن، وأحيانًا يقول: فهو صحيح، في شرح المهذب، وغيره، والمنذري في مقدمة الترغيب ذكر أنه يعتمد على سنن أبي داود، وأن ما يسكت عنه أبو داود دائر بين الصحة والحسن، فكوننا نحكم عليه بالحسن تحكم، بل نقول كما قال الحافظ العراقي بالنسبة لمستدرك الحاكم: والحق أن يحكم بما يليق، تدرس الأحاديث، ويحكم على كل حديث منها بما يليق به من الصحة، والحسن، والضعف.
قد يبلغ الصحة عند مخرجه كما أن فيه حسنًا كثيرًا، وفيه أيضًا ضعيف، لكنه ليس بشديد الضعف، إذا سكت عنه، قوله: "عنده له الحسن ثبت" وقول ابن رشيد، وهو يرد على ابن الصلاح:
.................................. |
| قد يبلغ الصحة عند مخرجه |
كأنه يرد قول ابن الصلاح: إنه حسن عند أبي داود، يقول ابن رشيد: "قد يبلغ الصحة عند مخرجه" يعني أبو داود.
وللإمام اليعمري إنما |
| ................................... |
الإمام أبو الفتح محمد بن محمد بن أحمد بن سيد الناس اليعمري الحافظ الشهير؛ شارح الترمذي، وصاحب السيرة؛ عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، كتاب من أنفس ما كتب في السيرة
وللإمام اليعمري إنما |
| ................................... |
شرحه لجامع الترمذي النفح الشذي –أيضًا- من أفضل شروح جامع الترمذي، ولم يكمله، كمله الحافظ العراقي، وابنه، والسخاوي.
وللإمام اليعمري إنما |
| قول أبي داود يحكي مسلمًا |
أبو داود لما قال: ذكرت الصحيح، وما يشبهه، ويقاربه، وما به إلى آخره؛ يدل على أنه ذكر الصحيح الذي في أعلى الدرجات، والذي يليه في الدرجة الذي دونه والذي يحكيه مما هو دون ذلك من الحسن، وذكر فيه الضعيف، والتزم بيان الضعيف، فخرج أبو داود أحاديث الدرجة العليا، خرج أحاديث الطبقة التي تليها، وخرج أحاديث الطبقة الثالثة التي تليها بناءً على أنه قال:
................................... |
| ما صح أو قارب أو يحكيه |
في قوله: ما صح، وما يشبهه، يشبهه الصحيح وما يقاربه يدل على أن أحاديثه متفاوتة، درجات منها العليا، ثم الذي تليها، ثم الطبقة الرابعة الضعيف، وهذا التزم بيانه.
يقول: إن أبا داود في تقسيمه لأحاديث كتابه على هذه الطريقة يحكي تقسيم مسلم:
وللإمام اليعمري إنما |
| قول أبي داود يحكي مسلمًا |
يعني يحكي نظير تقسيم الإمام مسلم لأحاديث كتابه، أحاديث صحيح مسلم هل هي على وتيرة واحدة كلها بالدرجة العليا؟ منها ما هو بالدرجة العليا، ومنها ما هو في الدرجة التي تليها، ومنها ما هو في الطبقة الثالثة، وأما الرابعة على خلاف بين أهل العلم في الثالثة والرابعة، أما الرابعة فلم يخرج منها، بل أضرب عن أهلها.
وللإمام اليعمري إنما |
| قول أبي داود يحكي مسلمًا |
"حيث يقول" يعني مسلم:
حيث يقول: جملة الصحيح لا |
| ................................... |
يعني جملة الأحاديث الصحيحة التي نحتاج إليها، ونعتمد عليها:
.................................لا |
| توجد عند مالك والنبلا |
يعني من الرواة الحفاظ الأثبات، قد نحتاج إلى حديث فلا نجده عند مالك، وشعبة، وسفيان إنما نجده عند طبقة تليهم في الحفظ والضبط والإتقان، فهل نترك هذا الحديث؛ لأن هؤلاء أقل من الثلاثة،
حيث يقول: جملة الصحيح لا |
| توجد عند مالك والنبلا |
"فاحتاج" يعني مسلم
................أن ينزل في الإسناد |
| إلى يزيد بن أبي زياد |
احتاج أن ينزل إلى أحاديث الطبقة التي تليها "ونحوه" نحو يزيد بن أبي زياد كعطاء ابن السائب، وليث ابن أبي سليم، مع أنه يخرج أحاديث هؤلاء في المتابعات، ولم يكثر من التخريج لهم:
فاحتاج أن ينزل في الإسناد |
| إلى يزيد بن أبي زياد |
"ونحوه" ونحوه، ابن سيد الناس يريد أن يلزم ابن الصلاح بأن يحكم على أحاديث مسلم بما حكم به على أحاديث أبي داود؛ لأن تقسيم أبي داود لأحاديث كتابه قريب من تقسيم مسلم لأحاديث كتابه، فمسلم -رحمه الله تعالى- يقول في مقدمة صحيحه، يقول: "فإننا نتوخى أن نقدم الأخبار التي هي أسلم من العيوب من غيرها، وأنقى من أن يكون ناقليها أهل استقامة في الحديث، وإتقان لما نقلوا؛ لم يوجد في روايتهم اختلاف شديد، ولا تخليط فاحش، كما قد عثر فيه على كثير من المحدثين، وبان ذلك في حديثهم، فإذا نحن تقصينا أخبار هذا الصنف من الناس أتبعناها أخبارًا يقع في أسانيدها بعض من ليس بالموصوف بالحفظ، والإتقان كالنصف المقدم قبلهم، على أنهم، وإن كانوا فيما وصفنا دونهم.." يعني على أنهم وإن كانوا في المنزلة دونهم "..فإن اسم الستر، والصدق، وتعاطي العلم يشملهم كعطاء بن السائب، ويزيد بن أبي زياد، وليث بن أبي سليم، وأضرابهم من حمال الآثار، ونقال الأخبار، فهم وإن كانوا بما وصفنا من العلم، والستر عند أهل العلم معروفين، فغيرهم من أقرانهم ممن ذكرنا من الإتقان، والاستقامة في الرواية يفضلونهم في الحال والمرتبة؛ لأن هذا عند أهل العلم درجة رفيعة، وخصلة سنية، ألا ترى إنك إذا وازنت هؤلاء الثلاثة الذين سميناهم: عطاء بن السائب، ويزيد بن أبي زياد، وليث ابن أبي سليم، إذا وازنت هؤلاء الثلاثة بمنصور بن المعتر، وسليمان الأعمش، وإسماعيل بن أبي خالد في إتقان الحديث، والاستقامة فيه؛ وجدتهم مباينين لهم لا يدانونهم، لا شك عند أهل العلم بالحديث في ذلك للذي استفاض عندهم من صحة حفظ منصور والأعمش وسليمان، وإتقانهم لحديثهم، ولم يعرفوا مثل ذلك من عطاء ويزيد وليث، وفي مثل مجرى هؤلاء إذا وازنت بين الأقران كابن عون، وأيوب السختياني مع عوف بن أبي جميلة، وأشعث الحمراني؛ وهما صاحبا الحسن، وابن سيرين كما أن ابن عون وأيوب صاحباهما إلا أن البون بينهما، وبين هذين بعيد في كمال الفضل، وصحة النقل، وإن كان عوف، وأشعث غير مدفوعين عن صدق، وأمانة عند أهل العلم، ولكن الحال ما وصفنا من المنزلة عند أهل العلم".
هذه الطبقات، فالطبقة الأولى يمثل بمنصور، والأعمش، ويمثل بالطبقة الثانية بابن عون، وأيوب السختياني، إذا قارنتهم مع عوف بن أبي جميلة الأعرابي، وأشعث الحمراني؛ وجدت الفرق، ثم بعد ذلك تأتي في الدرجة الدنيا من ذكر مثل يزيد بن أبي زياد، وعطاء والسائب، وليث ابن أبي سليم.
يقول: إذا كان هؤلاء الرواة يخرج لهم مسلم، وهم متفاوتون؛ فلنجعل أحاديث منصور، والأعمش الصحيحة في الدرجة العليا، والتي تليها ما قاربه ويشبهه، والدرجة الثالثة؛ درجة يزيد، وعطاء، وليث هؤلاء درجة ما يحكي الصحيح، التنظير مطابق، وإلا غير مطابق؟ يقول: و.. نعم؟
طالب:.....
يعني كون التقسيم موجودًا، تقسيم الرواة على طبقات، تقسيم الرواة على طبقات موجود في هذا وهذا، وأيضًا التخريج لهؤلاء الطبقات موجود عند الجميع؛ ولذا قال:
وللإمام اليعمري إنما |
| قول أبي داود يحكي مسلمًا |
"ذو السبق" مالك، وشعبة، وسفيان يعني السابق "قد فاته" فات يزيد بن أبي زياد ونحوه "قد فاته" أدرك يزيد ابن أبي زياد "أدرك" ما فاته "باسم الصدق" يعني يشترك مع مالك، وشعبة، وسفيان باسم الصدق، والستر الذي ذكره الإمام مسلم، وإن لم يلحق به في الحفظ، والضبط، والإتقان.
.......... وإن يكن ذو السبق |
| قد فاته أدرك باسم الصدق |
ثم قال:
هلا قضى على كتاب مسلم |
| بما قضى عليه......... |
يعني على أبي داود "بالتحكم" الآن ابن الصلاح حينما يقول: إن ما سكت عنه أبو داود يحكم له بالحسن؛ هذا تحكم، وإلا ليس بتحكم؟ مادام الأنواع كلها موجودة، موجود فيما سكت عنه الصحيح، والضعيف، والحسن؛ فلماذا يحكم عليه بواحد منها دون مرجح؛ أليس هذا هو التحكم؟! نعم:
هلا قضى على كتاب مسلم |
| بما قضى عليه بالتحكم |
يعني يحكم على أحاديث مسلم بمثل ما حكم به على أحاديث أبي داود؛ لأن التقسيم متقارب، لكن هل هذا الكلام مقبول من ابن سيد الناس؟ على كلامه، وتقسيمه يعني حديث يزيد بن أبي زياد، وعطاء بن السائب –بمفرده- لن يرتقي عن الحسن، لكن إذا نظرنا إلى أن الإمام مسلم ينتقي من أحاديث هؤلاء، وأبو داود يخرج لهم في الأصول، ينتقي من أحاديث هؤلاء، وأيضًا أحاديثهم في المتابعات، والشواهد لا في الأصول، وفرق بين كتاب التزمت صحته، واشترط مؤلفه الصحة، ولم يذكر فيه الوهن الشديد؛ كما ذكر أبو داود في كتابه، كتاب التزمت صحته، وتلقته الأمة بالقبول، على ما تقدم في منزلة الصحيحين؛ هل يداني هذا أدنى كتاب؟ افترض أن الإسناد الذي خرج به مسلم في صحيحه الحديث نفس الإسناد، ونفس صيغ الأداء على الصورة المجتمعة في سنن أبي داود؛ هل نستطيع أن نقول: حديث أبي داود في مصاف حديث مسلم؟ ولو كان بالصورة المجتمعة، ولو لم يتضمن خلافًا، أو مخالفة، يعني حينما يخرج مسلم حديثًا بإسناد، ويعارضه حديث في سنن أبي داود بنفس الإسناد؛ نرجح ماذا؟
طالب: مسلم.
مسلم؛ لأن الأمة تلقت الكتاب بالقبول، والمؤلف انتقى أحاديثه، وله شفوف في الانتقاء، وكتابه شاهد على ذلك، وتصرفه في سياق المتون، والأسانيد يدل على براعة فائقة لا توجد عند غيره، ونقول: إن كتاب أبي داود لوجود هذه الأقسام يضاهي كتاب الـ..، هذه الأقسام موجودة عند الطبراني، والبيهقي، وغيره، عندهم صحيح كثير، وعندهم حسن كثير، وعندهم ضعيف كثير، نقول: هذا مثل مسلم؟ وقل مثل هذا في جميع الكتب التي فيها الأنواع الثلاثة؟ لا يمكن أن يقال بهذا، لو لم يكن إلا دقة مسلم، وشدة تحريه، وضبطه، وإتقانه، وتلقي الأمة بالقبول، والأئمة يقولون: إن تلقي الأمة للحديث بالقبول أقوى من مجرد كثرة الطرق، والأئمة أثبتوا أحاديث ضعيفة؛ لتلقي الأمة لها بالقبول، وإلا من حيث الأسانيد قد لا تثبت؛ لأن الأمة تلقتها بالقبول، فأثبتوها وعملوا بها.
فإذا كان مثل هذا في حديث لا يثبت عند النقد؛ فكيف بأحاديث ثابتة في أصح الكتب بعد البخاري؟ مسلم اشترط الصحة، ووفى، والتزم بما شرط، كونه نزل عن شرطه قليلًا لا يعني أن شرطه قد اختل؛ لأن الإنسان قد ينزل، ويقبل خبر من لا يقبل خبره بمفرده، لكنه مع غيره يقبل، وقد يجزم بأن هذا الراوي الذي نزل عن درجة الحفظ والضبط والإتقان بأنه ضبط هذا الخبر؛ فيخرج له:
هلا قضى على كتاب مسلم |
| بما قضى عليه......... |
يعني على أبي داود "بالتحكم".
ثم قال الناظم -رحمه الله تعالى-:
"والبغوي" محيي السنة، الحسين بن مسعود البغوي، إمام من أئمة الفقه والحديث، توفي سنة ستة عشرة وخمسمائة، له شرح السنة، وله التفسير، وله مصابيح السنة، شرح السنة يذكر أحاديث بأسانيده هو، وقد يخرج الأحاديث عن طريق الأئمة في كتبهم، لكنه اعتمد نقل الأحاديث بأسانيده منه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويعلق على هذه الأحاديث بأسطر يسيرة بكلام في غاية الجودة، نفيس جدًّا، خالٍ عن التعقيد الذي يسلكه كثير من الشراح، فشرحه في شرح السنة جميل، ولطيف وله درر وفوائد ونفائس قد لا توجد عند غيره على اختصاره، فإذا كان مثل فتح الباري يحتاج إلى سنتين، فشرح السنة يحتاج إلى شهرين، ما يزيد على هذا، شرح لطيف، وجميل، وواضح، وبإمكان طالب العلم يقرأه في شهرين، فمثل هذه الشروح اللطيفة التي تولد ملكة عند طالب العلم في فهم السنة، لا سيما وأن فيه أحاديث قد تكون في كتب غير مشروحة، ويبدي الإمام -رحمة الله عليه- براعةً في شرحها، فمثل هذا لو بدئ به لكان طيبًا، بدأ طالب العلم بقراءته، وهذا ما يأخذ وقتًا، والوقت وقت إجازة يعني لو قضيت الإجازة بمثل هذا من أنفع الأمور، له كتاب اسمه المصابيح "مصابيح السنة" هذا الكتاب رتبه مؤلفه على الأبواب، وقسم أحاديث الأبواب إلى قسمين: الصحاح والحسان، ويقصد بالصحاح ما خرجه البخاري ومسلم أو أحدهما، والحسان ما خرج في السنن، هذا الكتاب فيه قصور في العزو، جاء الخطيب التبريزي فعمل على هذا الكتاب، وأضاف إليه، وعزا أحاديثه، ورتبه على فصول حسب قوة الأخبار وضعفها، والكتاب في الجملة مرتب على الأبواب، وهو من خير ما يقرأ في أحاديث الأحكام، والآداب، وغيرها.
ولأهل المشرق من الهنود، وغيرهم عناية فائقة بالمشكاة، يعني هي مقدمة على كل كتاب عندهم؛ يعني ديدن علمائهم، وشيوخهم قراءة، وإقراء المشكاة؛ طبعت عندهم مرارًا، وشرحت شروح كثيرة؛ لأن الفائدة من المشكاة قريبة أقرب منها من الكتب الأصلية الستة، الفائدة قريبة يعني مباشرة تحصل على الفائدة.
والبغوي إذ قسم المصابحا |
| ................................... |
المصابح: مصابح ومصابيح جمع مصباح وهو السراج؛ كما يجمع مرسل على مراسل ومراسيل، ومسند على مساند ومسانيد، ومقاطع ومقاطيع، وغيرها، ومفاتح ومفاتيح، هذه صيغة منتهى الجموع:
والبغوي إذ قسم المصابحا |
| إلى الصحاح والحسان جانحًا |
"جانحًا" يعني مائلًا؛ لكن التعبير بالجنوح أولًا اقتضاه النظم، ثانيًا: اللفظ الذي هو الجنوح الميل، نعم؟
طالب:......
الجنوح هو الميل، يعني جنح فلان إلى ترجيح هذا، أو مال إلى ترجيح هذا، المعنى واحد، لكن الجنوح المادة تدل على ما هو أقوى من مجرد الميل؛ يعني ميل، وزيادة "جانحًا"
أن الحسان ما رووه في السنن |
| ................................... |
ما ذكر أن الصحاح ما رووه في الصحيحين؛ لأن هذا يحتاج إلى كلام؟ يعني ما روي في الصحيحين صحيح؛ فيه إشكال؟ ما فيه إشكال، ولذلك ما ذكره يسلم بأن ما رووه في الصحيحين صحيح، من الصحاح هذا، لكن ما رووه في السنن:
................................... أن الحسان ما رووه في السنن |
| إلى الصحاح والحسان جانحًا |
"رُد عليه" رد على البغوي هذا الجنوح، وهذا الميل، وهذا الاختيار أنَّ ما في السنن يحكم عليه بأنه حسن:
................................... |
| رُد عليه إذ بها غير الحسن |
القسم الثاني الذي يصدره بقوله: ومن الحسان، ثم يخرِّج أحاديث من السنن، هذه الأحاديث التي عنونها، وترجم لها بالحسان بها غير الحسن، بها الصحيح، وبها –أيضًا- الضعيف:
...........ما رووه في السنن |
| رُد عليه إذ بها غير الحسن |
نعم؛ لأنه لا يلزم من كون الحديث مخرجًا في السنن أن يكون حسنًا، نعم ابن الصلاح يميل إلى مثل ما تقدم؛ من أنه يتوسط في أمرها ما دام ما اشترطوا الصحة، ولا التزموها، ولا نص أحد على تصحيحه ولا تضعيفه؛ يتوسط في أمره، وهذا الذي جره إليه مذهبه.
طيب ما الذي دعا البغوي أن يقسم هذا التقسيم؟ وهل يوافق على هذا، أو لا يوافق؟ الناظم يقول:
................................... |
| رُد عليه إذ بها غير الحسن |
بها صحيح، وبها ضعيف، ومقتضى تقسيمه أننا نقبلها من غير نظر، صحيحها، وضعيفها، ومقتضى قوله: أنها لو عورضت بأحاديث صحيحة رجحنا الأحاديث الصحيحة عليها؛ لأنه حكم عليها بالحسن، فهي حسان عنده، لكن هذا القول مردود؛ لأن فيها الصحيح والضعيف.
دافع بعضهم عن البغوي، والبغوي بين ذلك في مقدمة كتابه، بيَّن في المقدمة، مقدمة المصابيح بيَّن، وهل يكفي مثل هذا البيان ليقول من يقول مثل الخطيب التبريزي، وغيره، التاج، التاج التبريزي ما هو بالخطيب، التاج التبريزي يقول: إنه لا مشاحة في الاصطلاح، وما دام بيّن اصطلاحه؛ لا مشاحة في الاصطلاح، هل يقال في مثل هذا: لا مشاحة في الاصطلاح؟ يعني انتصر بعضهم للبغوي، وقال: ما دام بيّن، وهذا اصطلاح له؛ العلماء يقولون: لا مشاحة في الاصطلاح، مقبول، وإلا غير مقبول؛ نعم؟
طالب:......
هذا الكلام غير مقبول؛ لأنهم يطلقون لا مشاحة في الاصطلاح، لكن هل يوافق على كل اصطلاح يصطلحه، ولو خالف ما اتفق عليه في فن، أو علم من العلوم؟ من الاصطلاحات ما لا مشاحة فيه، وما لا يخالف ما تقرر في أي علم من العلوم، أو كان عليه عامة أهل الفن؛ مثل هذا لا مشاحة فيه، لكن إذا خالف ما تقرر في علم من العلوم، أو عليه عامة أهل هذا الفن فإنه يشاحح فيه، ومثال ذلك لو أن شخصًا ألف كتابًا في الفرائض، وقال: أنا أصطلح لنفسي اصطلاحًا، وهو أني أسمي العم خالًا، والخال عمًّا، اصطلاح، وأبينه في المقدمة، يقال له: لا بأس، اصطلاح، ولا مشاحة في الاصطلاح؟ لا، يشاحح في مثل هذا الاصطلاح، لكن لو أن شخصًا قال: أنا أسمي والد الزوجة عم، وقال آخر: لا، أنا أسميه خال، يشاحح في الاصطلاح، أو لا مشاحة في الاصطلاح؟ لا مشاحة في الاصطلاح؛ لأن الاصطلاح الأول إذا غير العم بالخال، والعكس؛ تترتب عليه أحكام شرعية، أما الثاني ما يترتب عليه شيء، سواءً قلت له: عم، أو خال ما يفرق، فهناك اصطلاح يشاحح فيه، واصطلاح لا مشاحة فيه.
حينما نأتي إلى الخرائط -الخرائط الجغرافية- شخص يريد أن يؤلف في الجغرافيا، ويقول: الناس يسمون هذه الجهة الشمال، وهذه الجهة الجنوب، أنا اصطلح لنفسي، وأبين في المقدمة أن جهة الشام جهة الجنوب، وجهة اليمن جهة الشمال، وأنا أبين، نقول: صحيح، وإلا ليس بصحيح؟ ليس بصحيح، أو لو قال: إن السماء تحت، والأرض فوق، هذا اصطلاح أبينه في كتابي، يشاحح، وإلا ما يشاحح؟ لا بد من مشاحته في مثل هذا، الذي يخالف ما يتفق عليه أهل فن من الفنون بحيث تضطرب أحكامهم بسببه؛ هذا يشاحح فيه، لكن لو قال: الشمال شمال، والجنوب جنوب، لكن بدلًا من الشمال فوق في الخارطة أنا قلب الخارطة؛ أجعل الجنوب فوق، يغير من الواقع شيئًا؟ ما يغير من الواقع شيئًا، ونقول: لا مشاحة في الاصطلاح، وبعض المتقدمين من الجغرافيين يجعل الجنوب فوق؛ مثل هذا لا مشاحة في الاصطلاح سواءً الذي فوق شمال أو تحت، ما يفرق، أما الذي يغير من الواقع، أو مما تعارف أهل العلم، أو يترتب عليه تغيير في الأحكام الشرعية؛ فإن هذا لا بد من مشاحته، وأي تغير يحصل من اصطلاح البغوي؟ يترتب عليه أن جميع ما في القسم الثاني نقبله، وإن كان فيه ضعيف، وأيضًا جميع ما في القسم الثاني نرجح عليه ما صح، ولو كان فيه صحيح؛ لأنه حكم عليه بحكم واحد، وهو الحسان، قد يقول قائل: إن البغوي يريد الحسن اللغوي، لا الحسن الاصطلاحي، لكن المتبادر من اللفظ هو الحسن الاصطلاحي لمقابلته بالصحاح.
كان أبو داود أقوى ما وُجِد |
| ................................... |
كان أبو داود في سننه يخرج، ويروي أقوى ما وُجِد "وُجِد" كذا بخط الناظم، وقال السخاوي: يجوز بناءه للفاعل "أقوى ما وَجَد" وهو أظهر في المعنى، يعني أقوى ما وجد هو، يقول: هو أظهر في المعنى وإن كان الأول، يقول: أنسب، وما دام بخط الناظم، فأهل مكة أدرى بشعابها، وهو أعرف، وتقدم لنا ترجيح السخاوي غير ما رجحه الناظم في نظمه "وابن شهاب عنه به" الناظم يقول: بالحديث، والسخاوي يقول: لا، بالسند، يصحح على صاحب النظم، ولا شك أن الناظم أعرف بما يريد، لكن السخاوي من خلال عموم الكلام في المسألة، وأنها مسألة إسنادية، لا حديثية، لا متنية يرجح السند، وهنا يقول: يجوز بناءه للفاعل وهو أظهر "كان أبو داود أقوى ما وَجَد" يعني أقوى ما وجد هو في الباب بغض النظر عن كونه أقوى، أو أضعف عند غيره، وأما على ما كتبه الناظم بخطه "أقوى ما وُجِد" بالنسبة له ولغيره، فقد يكون الحديث عنده أقوى، لكنه عند غيره ليس بأقوى، على كلام الناظم يخرجه، وإلا ما يخرجه؟ لا يخرجه، حتى يكون أقوى ما وُجِد عنده، وعند غيره، وأما على ما استظهره السخاوي فإنه أقوى ما يجد عنده في رأيه في نقده بغض النظر عن غيره، ونظير هذا ما جاء في الحديث: ((من حدث عني بحديث يرى أنه كذب؛ فهو أحد الكاذبين))، الرواية الأخرى: ((يُرى أنه كذب)) فمجرد ما يرى أن هذا الحديث كذب، يرى هو بغض النظر عن رؤية غيره؛ يحرم عليه، فلا يحرم عليه رواية الحديث إلا إذا رأى في نقده هو أنه كذب، وأما على الرواية الأخرى يُرى؛ فإنه ليس له أن يخرج ما يراه غيره أنه كذب ولو رآه هو صحيحًا، إذا رآه واحد صدق عليه أن يُرى أنه كذب، وهنا نقول:
كان أبو داود أقوى ما وُجِد |
| ................................... |
أو "وَجَد" يرويه، يعني يخرجه في كتابه "أقوى" وصيغة أفعل التفضيل هنا هل هي على بابها، أو ليست على بابها؟ نعم؟
طالب:......
لا، أقوى ما وجد هو، ما له علاقة بالصحيحين.
إذا قلنا: إنها على بابها؛ قلنا: إنه يخرِّج لا يخرج إلا الأحاديث القوية؛ لأن أفعل التفضيل تقتضي اشتراك شيئين فأكثر في وصف يفوق أحدهما الآخر في هذا الوصف، فعلى هذا تكون الأحاديث كلها قوية، وينتقي من هذه الأحاديث القوية أقواها؛ هل هذا مراده؟ أو أنه قد ينتقي من الأحاديث الضعيفة أقواها، فتكون أفعل التفضيل على غير بابها، وكثيرًا ما يستعمل أهل الحديث أفعل التفضيل لا على بابها، فيقولون: أصح ما في الباب حديث كذا، وهو ضعيف، لكنه بالنسبة لما قرن به أصح وأقوى، وإن كان ضعيفًا، وفلان أوثق من فلان، وكلاهما ضعيف، يعني إذا قلنا: ابن لهيعة أوثق من الإفريقي؛ هل معنى هذا أننا نوثق ابن لهيعة والإفريقي؟ لا، وقل مثل هذا في العكس، إذا قلنا: نافع أضعف من سالم؛ هل معنى هذا أننا نضعف سالمًا ونافعًا؟ لا، فهم يستعملون أفعل التفضيل لا على بابها لكن العطف، عطف الضعيف على الأقوى يدل على أنه يريد بالأقوى القوي، اسم القوي، فهو يستعمل أفعل التفضيل على بابها هنا، "والضعيف حيث لا يجد"، يخرج هذا ويخرج هذا، يخرج القوي ويخرج الضعيف، ومما جاء في استعمال أفعل التفضيل لا على بابها قوله -جل وعلا-: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا} [(24) سورة الفرقان] يعني خير ممن؟ نعم، من أهل النار، وهل يشترك أهل الجنة وأهل النار في خير؟ لا، أهل النار لا يصل عندهم خير، نسأل الله السلامة والعافية، {وَأَحْسَنُ} [(24) سورة الفرقان] أفعل تفضيل أيضًا، وهل عند أهل النار حسن ليكون أهل الجنة أحسن منهم؟ لا، فهي ليست على بابها، "والضعيف حيث لا يجد" "حيث لا يجد في البَابِ غَيْرَهُ" في الباب لا يجد غير هذا الحديث، إذا لم يجد في الباب ترجم بترجمة بحكم شرعي، وما وجد مما يناسب هذا الحكم إلا حديث ضعيف، ما وجد فيه حديث صحيح ولا حسن في الباب غيره "فذاك عنده"، عند أبي داود هذا الحديث وإن كان ضعيفًا.
........................فَذَاكَ عِنْدَهْ |
| مِنْ رَأيٍ أقوى قَالهُ (ابْنُ مَنْدَهْ) |
يعني نقل ابن مندة عن أبي داود أن الحديث الضعيف أقوى عنده من رأي الرجال، أقوى عند أبي داود من آراء الرجال؛ ولذلك قال: "فَذَاكَ عِنْدَهْ مِنْ رَأيٍ أقوى قَالهُ (ابْنُ مَنْدَهْ)"، وهو أيضًا مروي عن الإمام أحمد، وهو أن من الأصول التي يعتمد عليها الحديث الضعيف من المرسل وغيره، إذا لم يجد في الباب غيره؛ لأن الضعيف أقوى عنده من آراء الرجال، ونقل بعضهم من الحنفية رأي أبي حنيفة هكذا، وهو موجود أيضًا في شرح المشكاة المولى علي قارن المنسوب لأبي حنيفة، أن الحديث الضعيف أقوى عندهم من رأي الرجال، لكن قد يستغرب مثل هذا، قد يستغرب بعض طلاب العلم على ما استصحبه من طريقة أبي حنيفة والحنفية في استعمالهم للرأي والقياس، وإكثارهم منه، وأما اعتمادهم على الأحاديث فهو أقل من غيرهم، فالرأي يظهر عندهم؛ ولذلك يلقبون بأصحاب الرأي، ولكن هذا معروف. الذهبي أيضا في ترجمة أبي حنيفة وصاحبيه، ذكر أن الحديث الضعيف أقوى عندهم من رأي الرجال، وهم معروف عن الإمام أحمد ومعروف عن تلميذه أبي داود، "والنسئي" بالقصر هو منسوب إلى نسأ، ويقال نسئي ونسائي، والنسئي أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي آخر أصحاب الكتب الستة وجودًا ووفاة، توفي سنة ثلاث وثلاثمائة.
يُخْرِجُ مَنْ لَمْ يُجْمِعُوا |
| عَليْهِ تَرْكًا، مَذْهَبٌ مُتَّسِع |
وسننه سنن النسائي من الدين بالمنزلة المعروفة، ومن بين الكتب مكانته مرموقة، وفائدته عظيمة، لكنه يحتاج إلى خبير بهذا الفن بصير به، لماذا؟ لأن أكثر التراجم عنده اختلاف، نوع من أنواع العلل؛ ولذا تجدون الشراح قليل منهم من يعرج على بيانها لصعوبتها، تحتاج إلى الواحد من الألف ممن يهتم بهذا الشأن، فكتابه عظيم، علمًا بأن تراجم النسائي فيها من الاختلاف بحث في رسائل، "والنسيء يخرج من لم يجمع عليه تركًا"، يخرج لمن لم يجمعوا عليه من الرواة، من يجمع عليه أهل العلم على تركه، الذي لا يتفق أهل العلم على تركه يخرج له الإمام النسائي، يعني لو وثقه واحد وضعفه عشرة يخرج له وإلا ما يخرج له؟ على كلامه يخرج له، وإذا ضعفه جميع الأئمة يخرج له أو لا؟ لا يخرج له، وهذا لا شك أنه مذهب متسع، كما قال الناظم -رحمه الله تعالى-، إلا أن يقصد بذلك إجماع خاص، إن كان يقصد إجماع خاص، يعني كالإجماع الذي ذكره مسلم، وإنما خرجت في كتاب ما أجمعوا عليه، مسلم قالوا عنه: إنه يريد إجماع أربعة من الأئمة: " الإمام أحمد، ويحيى بن معين، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة"، المهم أنهم ذكروا أربعة، فهذا إجماع خاص يمكن حصر هؤلاء، ومعرفة رأيهم، أما من لم يجمعوا عليه تركًا، هذا إن كان مراده الإجماع المعروف وهو اتفاق الكل، لا شك أنه مذهب متسع، سعة شديدة في الخطو، تساهل شديد، مع أن الإمام النسائي عرف عنه من الناحية النظرية الشدة في التحري والنقد في الرجال، شديد، حتى قال بعضهم: إن شرطه أشد من شرط مسلم، لكن هذا الكلام حسب ما أُثر عنه، وروي عنه، ونقل عنه، يعني كلام نظري إذا طبقناه على كتابه تخلَّف هذا الشرط، فخرج أحاديث ضعيفة، لكن إذا قارناه بين السنن الأربعة وجدناه أقلها ضعيفًا، وجدنا سنن النسائي أقل السنن ضعيفًا، "مذهب متسع ومن عليها أطلق الصحيحا فقد أتى تساهلًا صريحًا" الآن ذكر الناظم -رحمه الله تعالى- تبعًا لابن الصلاح من مظان الحديث الحسن سنن أبي داود، وأيضًا النسائي، ولم يتعرض للترمذي، الترمذي من مظان الحسن، وهو الذي شهره وأكثر من ذكره، والأحاديث الحسان فيه كثيرة جدًّا، وينص على حسن الأحاديث، ينص على صحتها، وعلى غرابتها، فهو يحكم على الأحاديث، وإن كان بعض المتأخرين يستروح ويميل إلى أن ما حكم على الترمذي بالحسن فقط، أنه حسب الاصطلاح ضعيف، لكن هذا ليس بمضطرد، إنما يمشي على تعريفه هو، فإن داخل الضعيف في تعريفه، قلنا: إن الضعيف داخل في تعريف الحسن عنده على ما تقدم في كونه لا يشترط الاتصال، ولا يشترط انتفاء ضعف الرواة بغير الاتهام بالكذب على ما تقدم تقريره. وعلى كل حال مثلما ذكرنا سابقًا أن كتاب الترمذي أنفع ما يتمرن عليه طالب العلم، وفيه أنواع كثيرة من علوم الحديث، وفيه أيضًا نقل لمذاهب الأئمة من الفقهاء وغيرهم، والتنصيص على العمل وعدمه، هذا ينفع طالب العلم، ويستفيد منه فائدة كبيرة، فالكتاب من أنفع الكتب، وأما الكتاب الأخير وهو سنن ابن ماجه فهو أقلها، أقلها مرتبة ومنزلة وواقعة؛ ولذا اختلفوا في جعله السادس، أول من جعله سادس الكتب من؟ أبو الفضل بن طاهر في شروط الأئمة، وفي الأطراف هو أول من جعله السادس، ومنهم من يجعل السادس الدارمي، ولا شك أن الدارمي ليس فيه من الضعيف الشديد أو الرواية عن المتروكين مثلما في ابن ماجه، ابن ماجه فيه موضوعات قليلة، وفي ضعيف كثير وشديد الضعف، لكن الدارمي وإن كثرت فيه الآثار إلا أنه أنظف أسانيد ومتون من سنن ابن ماجه، وسنن ابن ماجه لا شك زوائده على الخمسة كثيرة جدًّا، أكثر من الدارمي، وفيه فوائد إسنادية ومتنية، وفيه فوائد في الأحكام فيه كذا ثلاثة آلاف ترجمة بأحكام فقهية، ويستدل على هذه التراجم بالنصوص، هذا يفيد طالب العلم مما لا يوجد نظيره في سنن الدارمي، فبعضهم يقول السادس الدارمي وبعضهم يجعل السادس سنن ابن ماجه، وهو الذي استقر عليه العمل، ورزين العبدلي صاحب تجريد الأصول، ويتبعه ابن الأثير في جامع الأصول، جعلوا السادس الموطأ، والموطأ لا شك أنه أقوى أحاديث إذا نظرنا إلى جملة الكتاب، من سنن ابن ماجه، لكن إذا نظرنا إلى عدد الأحاديث، وكثرة كلام مالك في الموطأ، وكثرة الآثار والموقوفات والمقطوعات والمراسيل في الموطأ وجدنا أن المرفوع الصحيح في سنن ابن ماجه كثير بالنسبة للموطأ، وإن كان كثير من المراسيل في الموطأ موصول في الصحيحين أو في أحدهما أو في غيرهما، المقصود أن هذا هو الخلاف في المراد بالكتاب السادس فإما أن يكون الموطأ، وعليه جرى بعضهم كصاحب تجريد الأصول وجامع الأصول، وإما أن يكون الدارمي هو والسبب ما ذكرنا، وإما أن يكون ابن ماجه هو الذي استقر عليه العمل.
"ومن عليها" يعني على الكتب الخمسة مجتمعة أو مفرقة، "وَمَنْ عَليها أطْلَقَ الصَّحِيْحَا" أما الصحيحان لا إشكال، وما ضاع البحث فيهما وأن جميع ما فيهما صحيح، "ومن عليها"، أما بالنسبة للصحيحين فعرفنا منزلة الصحيحين، يبقى النظر في السنن ، قال الصحاح الستة، أو كتب الإسلام، الأصول الخمسة كلها صحيحة، كل ما فيها صحيح، أو كلها صحيحة، كما قال الحافظ أبو طاهر السلفي في رسالته التي أملاها على مقدمة شرح الخطابي معالم السنن، ذكر أنها صحيحة، الأصول الخمسة، وذكر أن أصولها صحيحة في موضع قال: أصول هذه الكتب صحيحة، وقال مرة: أحاديثها صحيحة، فرق بين العبارتين كون أصل الخبر صحيحًا، غير كون لفظه صحيح، وقد يكون الحديث في السنن وفيه كلام، وأصله في الصحيحين، هذا لا يلزم منه صحة الفرع، صحة الأصل لا تعني صحة الفرع، على كل حال كلامه فيه تجوز وتساهل، ومنهم من أطلق على سنن أبي داوود والترمذي صحيح أبي داود وصحيح الترمذي، ومنهم من قال صحيح النسائي، ومنهم من قال صحيح الترمذي على جهة الإفراد، المقصود أن من أهل العلم من أطلق على السنن الصحاح، وهذا فيه تساهل، تساهل شديد صريح كما قال الناظم: "ومن عليه أطلق الصحيحا فقد أتى تساهلًا صريحًا" وفيها الصحيح وهو كثير، وفيها ما دونه من الحسن، وفيها الضعيف، فلا يليق إطلاق الصحيح على هذه الكتب؛ لأن فيه تغريرًا للقارئ، القارئ إذا سمع صحيح أبي داوود أو صحيح الترمذي أو صحيح النسائي، قد يغتر يعمل بجميع ما فيها إذا لم تكن لديه أهليه ولا خبرة، لكن من ميز أحاديث هذه الكتب، وجعل الصحيح على حدة، والضعيف على حدة، يحق له ويليق به أن يقول صحيح أبي داود وضعيف أبي داوود، لكن الكلام فيمن أطلق على سنن أبي داود بعجره وبجره صحيح أبي داود، أو وقل مثل هذا في الترمذي والنسائي، هذا تساهل أما من ميز الصحيح من الضعيف، وجعل الصحيح وتساهل في إدخال الحسن في الصحيح، هذا مقبول في الجملة؛ لأن من الأئمة السابقين من يجعل الحسن من أقسام الصحيح.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"هذا كتاب ما قرأته؟ وأنا لا أقرأ للمتأخرين.
أحسن طبعة إلى الآن هي طبعة الطبعة المنيرية وما صور عنها.
ما رأيته أنا عمدتي على الطبعة الأولى طبعة راغب الطباخ، والطبعة التي تليها، طبعة المكتبة السلفية في المدينة.
لكن يجاب عن هذا بأن البغوي بيّن أيضًا في مقدمة مصابيحه أنه ما كان منه من ضعف شديد أو نكارة أو شذوذ فإنه التزم بيانه، لكن كأن الناظم في قوله: وأبو داود بعد "كان أبو داوود أقوى ما وجد * يرويه والضعيف حيث لا يجد" والنسائي بعده في البيت الذي يليه: "وَالنَّسَئي يُخْرِجُ مَنْ لَمْ يُجْمِعُوا* عَليْهِ تَرْكًا" كأنه يريد أن يرد على البغوي بصنيع أبي داود والنسائي.
هو الضعيف الذي يقبله العلماء في الفضائل، هو ما كان ضعفه غير شديد، هذا يقدمونه على رأي الرجال، ولا شك أنك إذا وقفت على حديث ولو كان فيه ما فيه، وما في المسألة إلى رأي مجرد دون اعتماد على أصل شرعي، فالضعيف رده لعارض، والرأي رده أصلي، الرأي مردود في الدين من الأصل مردود، نعم، والخبر الضعيف رده لأمر عارض لضعف راويه فاحتمال أن يكون هذا الراوي قد ضبط، فقبول الضعيف أولى من قبول الرأي، والمراد بالرأي المجرد الذي لا يستند على قاعدة كلية أو نصوص عامة.
من قال إنها دون السنن في الرتبة، ما قال أحد إنها دون السنن في الرتبة، هي ذكرت في مظان الصحيح، ما ذكرت في مظان الحسن، فليست دون السنن في الرتبة، على ما فيها من تساهل.
إذا كان الحديث حسنًا لغيره، يعني مفرداته ضعيفة، ثم وجدنا مما يشهد لها حديث في الصحيحين أو في أحدهما هل نرقيه درجة واحدة؟ أو نرقيه درجتين إلى الصحيح؟ هذه المسألة مختلف فيها، والأكثر أنه يرتقي بها إلى الحسن لغيره، إذ لا يرتقي درجتين، منهم وهذا يشم من تصرف الحافظ ابن كثير في اختصار علوم الحديث أنه لا مانع من ارتقائه درجتين، والمسألة فرق بين أن تحكم على ما في الصحيح، وأن تحكم على حديث خارج الصحيح، أنت الآن عندك كتاب نعم من كتب ابن أبي الدنيا مثلاً وورد فيه حديث من طريق ابن أبي الدنيا وفي سنده ضعيف، يشهد له حديث يعني حديث ابن أبي الدنيا افترض أنه من حديث ابن عمر وفي طريقه ضعيف يشهد له حديث أبي هريرة في البخاري، هل تستطيع أن تقول: حديث ابن أبي الدنيا صحيح؟ أو تقول: له شاهد عند البخاري يرتقي به إلى الحسن، الأكثر على هذا أنه ما يرتقي، لكن لو حكمت على حديث أبي هريرة لا تتردد في صحته ولو لم يوجد حديث ابن عمر، فرق بين أن تحكم على حديث خارج الصحيح وبين أن يكون الحديث في الصحيح.
على كل حال ابن حجر ليس بالمعصوم، بشر، ويكفيه أنه اجتهد وحرر ونقح وتعب في ذلك، فأجره على الله، وأما من يقع فيه فكغيرهم من أهل العلم إذا أراد الله -جل وعلا- لإنسان منزلة في الجنة لا يبلغها بعمله، حرك ألسنة الناس للكلام فيه، فيكسب من وراء هذا الكلام الحسنات، ومع ذلك لا ننسى أن الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- بشر ليس بمعصوم، وأما مخالفاته العقدية معروفة، ويبقى أنه إمام وحافظ شاؤوا أم أبوا.
الترمذي أحسن الشروح لكنه مفقود شرح ابن رجب، وما وجد منه يدل على باقية، فهو من أفضل الشروح، بل لو جزمنا بأنه أفضل الشروح على الإطلاق شرح ابن سيد الناس فهي موجودة وتكملته للحافظ العراقي ففيه نفس طويل، وتحريرات وتحقيقات في الحديث وعلومه وفي غيره في الفقه أيضًا لا توجد عند غيره، شرح ابن العربي فيه الناحية الفقهية طاغية على الصناعة الحديثية وفيه فوائد ونفع، لكن سوء الطباعة قد يحول دون الاستفادة منه، ولعل الله -جل وعلا- أن ييسر من يجمع نسخ الكتاب ويحققه، عارضة الأحوذي، وأما تحفة الأحوذي فعلى اختصاره فهو نافع، نافع جدًّا.
النسائي هو من أفقر كتب السنة شروحًا، والعزوف عنه بسبب ما ذكرنا من هذه التراجم المحيرة التي فيها العلل، نعم تراجم محيرة؛ لأن عدم الترجيح بين هذا الاختلافات أثره على النص ظاهر، فكيف يستطيع شخص أن يشرح هذا النص وهو ما تصرف في الترجمة، كيف يرجح بين هذا وهذا وهو ما استطاع أن يرجح بين هذا الاختلاف الموجود في الترجمة، هذا الذي جعل الكثير يعزفون عن شرحه، وهناك شرح مختصر جدًّا للسيوطي اسمه زهر الرُّبى، وهناك مختصر أيضًا حاشية للسندي، وهناك مختصر لشرح السيوطي على اختصاره اسمه عرف زهر الرُّبى لشخص مغربي مطبوع قبل مائة سنة، مع بقية شروحه على الكتب الستة.
شروح ظهرت أخيرًا مثل شرح الشيخ محمد علي آدم المطول جدًّا وفيه مادة وفيرة جدًّا، يقع الكتاب في أربعين جزءًا كتاب متعوب عليه ومصروف فيه أوقات وجهد، وهو كتاب في الجملة جيد يعني من نظر فيه كأن الشيخ جمع له المراجع، وفقه الله، هناك شرح للمختار الشنقيطي طبع منه أجزاء يسيرة والكتاب ناقص.
أما أبو داود فهناك شرح أبي سليمان الخطابي المعروف بمعالم السنن شرح نفيس جدًّا على اختصاره، وهناك أيضًا شرح لابن رسلان شرح مطول وجميل لكنه لم يطبعه محققًا ولم يطبع، هناك عون المعبود والشرح جيد ومؤلفه غير متعصب ومعتمد اعتماد أغلبي على الخطابي وابن القيم، وهناك بذل المجهود شرح طيب وفيه فوائد، لكنه يتعصب لمذهبه الحنفي.
ابن ماجه أيضًا شروحه قليلة، لكن منها شرح مغلطاي، وهو ناقص يعني كل النسخ الموجودة ليست فيها شرح للمقدمة، والمقدمة من أولى من يعنى به طالب العلم في سنن ابن ماجه، هناك حاشية للسندي، وحواشي أيضًا كثيرة لبعض علماء الهند حواشي كثيرة طبعت مع ابن ماجه يستفاد منها.