شرح ألفية الحديث للحافظ العراقي (26)

بسم الله الرحمن الرحيم

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لنا، ولشيخنا، والسامعين يا ذا الجلال والإكرام.

قال العراقي -رحمه الله تعالى-:

ومـن روى بأجـرة لـم يقبل
وهـو شـبيه أجـرة القـرآن
لكـن أبو نعيـم الفضل أخذ
شغلا به الكسب أجز إرفاقا
ورد ذو تسـاهل فـي الحمل
أو قبل التلقين أو قد وصفا
بكثرة السهو وما حدث من
بيـن له غلطه فما رجع
كذا الحميدي مع ابن حنبل
قال: وفيـه نظـر نعم إذا
وأعرضـوا في هذه الدهـور
لعسـرها بل يكتفـى بالعاقل
للفسق ظاهرًا وفي الضبط بأن
وأنـه يـروي من أصل وافقـا
لنحو ذاك البيهقـي فلقـد

 

إسحاق والرازي وابن حنبل
يخـرم مـن مـروءة الإنسـان
وغيـره تـرخصـًا فإن نبـذ
أفتى به الشـيخ أبو إسـحاقا
كالنـوم والأدا كلا من أصل
بالمنكرات كثـرة أو عـرفـا
أصل صـحيـح فهو رد ثم إن
سـقط عندهـم حديثـه جمع
وابـن المبارك رأوا فـي العمل
كان عنادًا منـه مـا ينكـر ذا
عـن اجتماع هذه الأمـور
المسـلم البالغ غيـر الفاعل
يثبت ما روى بخـط مؤتمن
لأصل شيخه كما قد سـبقا
آل السـماع لتسلسل السند

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- الناظم الحافظ العراقي في الفصل الحادي عشر من الفصول التي ذكرها -رحمه الله تعالى- قال:

ومن روى بأجرة لم يقبل

 

...................................

من روى الحديث بأجرة، بأن قال: لا أحدث إلا بكذا، أو كل حديث بكذا، أو كل يوم بكذا، من روى الحديث بأجرة، أو جعالة بأن يكون الأجر على عموم العمل، سواءٌ كان في زمن قصير، أو طويل، من أراد أن يعلمه كتاب كذا فبكذا، "لم يقبل" روايته "إسحاق" بن راهوية، إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، المعروف بابن راهوية، الإمام العلم المشهور، والإمام أبو حاتم الرازي، والإمام أحمد بن حنبل:

ومن روى بأجرة لم يقبل

 

إسحاق والرازي وابن حنبل

"وهو" يعني المأخوذ على ذلك من أجرة، أو جعالة، ونحوهما "وهو شبيه أجرة":

وهو شبيه أجرة القرآن

 

...................................

وهو يعني المأخوذ على ذلك شبيه بأجرة معلم القرآن، ونحوه في الجواز وعدمه، ولا شك أن العلم عبادة، العلم الذي يبتغى به وجه الله، علم الوحيين عبادة؛ ولذا لا يجوز التشريك فيه، فهل الأجرة تؤثر فيه، أو لا تؤثر؟ يعني لو قال: لا أصلي بكم إلا بكذا، أهل العلم يمنعون من هذا، والإمام أحمد يقول: من يصلي خلف هذا؟! في العبادات المحضة، لا سيما وأنها لا تعوق عن تحصيل الرزق، أعني مثل الصلاة، لكن العلم، وهو عبادة محضة قد يعوق عن تحصيل الرزق له، ولمن تحت يده، فيكون له عذر ومبرر، إضافة إلى أنهم شبهوا هذه الأجرة التي يأخذها المحدث بأجرة معلم القرآن، وجاء فيها النص الصحيح الصريح: ((إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله)) فماذا عن الأجرة على التحديث؟ هل نقول: إذا جاز ذلك في كتاب الله جاز في الحديث من باب أولى، أو لا؟

يقول:

وهو شبيه أجرة القرآن

 

يخرم من مروءة الإنسان

"يخرم من مروءة الإنسان" يعني شبيه بأخذ الأجرة على القرآن في الجواز وعدمه، وفي الجواز الحديث الصحيح الذي سمعتم، وفي عدمه حديث عبادة في القوس الذي أهدي له من قبل من علمه، وأفتى، ذكر ذلك للنبي -عليه الصلاة والسلام- فمنعه، ولكن الحديث فيه مقال، لا يقاوم حديث: ((إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله)) "يخرم" الأخذ على التحديث يخرم، أي: ينقص من مروءة الإنسان، والمقصود بالإنسان الآخذ لذلك الأجر، إذ قد شاع بين أهل الحديث رداءة ذلك، إذ قد شاع بين أهل الحديث رداءة ذلك، وأنهم يتكلمون فيمن يأخذ الأجر على التحديث، وأن هذا لا شك أنه محل لكلامهم، قد شاع بين أهل الحديث رداءة ذلك، وتنزيه العرض عن النظر إليه؛ لأن الذي يأخذ الأجرة على مثل هذه الأعمال لا شك أن نفسه قد تنازعه إلى ما وراء ذلك، وبعض الناس يمتنع من الأخذ على الرقية، وفيها حديث أبي سعيد الصحيح، وأنه أخذ ثلاثين رأسًا من الغنم في مقابل رقية رئيس القوم الذي لدغ، بعض الناس يتورع من هذا يقول: لأني إذا أخذت ما انتهيت، والنفس لا نهاية لها، حتى أن بعض الكبار الأثرياء الذين لا يؤثر عليهم أن يدفعوا له، يمتنع من الأخذ منهم، يقول: إذا أخذت من الكبار أخذت من الصغار، إذا أخذت من الأغنياء دعتني نفسي إلى الأخذ من الفقراء، فلا شك أن النفس تحتاج إلى فطام، وإذا دخلت وولجت في مثل هذه الأمور لم تنته، إذا ولجت في مثل هذه الأمور ما انتهت، فالإنسان عليه أن يتورع عن مثل هذه الأمور، وإن كان الأصل في المسألة الجواز، فأبو سعيد أخذ الأجرة ثلاثين رأسًا من الغنم، وأقره النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقال: ((اضربوا لي منها بسهم))، والخضر أقام الجدار، ولم يأخذ أجرًا مع أنهم استضافوا أهل القرية ومنعوهم، استضافوهم فمنعوهم، فأيهما أكمل، صنيع أبي سعيد الذي أقره النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأخذ منه، ((اضربوا لي بسهم))، أو صنيع الخضر؟ أو صنيع موسى لما سقى للمرأتين، نعم؟ مكلف بأن يبني الجدار، وما فعلته عن أمري، لكن ما الذي يمنعه من أخذ الأجرة، كما استدرك عليه موسى -عليه السلام-؟ لا شك أن صنيعه بالنسبة لفعله كامل، نعم.

طالب:......

نعم؛ لأن عندنا قضايا منها قصة الخضر حينما أقام الجدار، ولم يأخذ أجرًا، مع أنهم استضافوهم، فلم يضيفوهم، وقصة أبي سعيد نعم لم يضيفوهم، وأخذ الأجر، وأقره النبي -عليه الصلاة والسلام-، وموسى -عليه السلام- سقى للمرأتين بدون أجرة، اللهم إلا إذا كان تزويجه بإحداهما مكافئة له، لكن الذي يظهر أن المكافئة للتزويج في مقابل..؟ نعم؟

طالب:......

نعم، العمل عند أبيهما ثمان، أو عشر سنين، وأتم الأكمل الذي هو العشر، نعم؟

طالب:......

اشترط هو، وقال: ما أقرأ عليه إلا بكذا، الإباحة لا إشكال فيها، والجواز: ((وإن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله))، أو كلام الله، هذا ما فيه إشكال أقره النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقال: ((اضربوا لي بسهم))، فهو مال مباح لا شبهة فيه، وكون الرسول -عليه الصلاة والسلام- أقره، وقال: ((اضربوا لي بسهم))  لا تدل على الجواز، وإذا دل على الجواز لا يعني أنه الأكمل، فقد ينهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن شيء، ثم يفعله لبيان الجواز، ولا يعني أن فعله أكمل من عدم فعله، ولا شك أن ترك مثل هذه الأمور والتعامل مع الناس بشيء من التسامح أكمل وأولى.

وهو شبيه أجرة القرآن

 

يخرم من مروءة الإنسان

جرت عادة الناس أن الذي يعلم الناس القرآن بأجرة لا يخرم من مروءته، والذي يعلم الحديث بأجرة يخرم من مروءته، هكذا قال أهل العلم:

وهو شبيه أجرة القرآن

 

..................................

لكنه:

.................................

 

يخرم من مروءة الإنسان

وليس قوله: يخرم من مروءة الإنسان، عائد إلى الأمرين؛ لأن أجرة القرآن فيها النص، فيها النص الصحيح الصريح، وأما الأجر على التحديث؛ فإن قلنا بالقياس أجزناه من باب أولى؛ لأنه إذا جاز في كلام الله جاز في كلام غيره، كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- فضلًا عن غيره؛ لأن من أهل العلم من يأخذ الأجرة على غير العلوم الشرعية، يعني يمتنع من أخذ الأجرة على القرآن، والتفسير، والحديث، وعلوم الحديث، وعلوم القرآن، والفقه، والعقيدة، وما يخدم ذلك، يعني من العلوم الشرعية، يمتنع امتناعًا شديدًا، ويأخذ الأجرة على علوم العربية، والتواريخ، وما أشبه ذلك، فيرى أن هذه عبادة لا يؤخذ عليها أجر، وتلك فن من فنون المعرفة، مثل الصناعة، والتجارة، والزراعة، وغيرها.

لكن أبو نعيم الفضل أخذ

 

...................................

لكن الحافظ أبو نعيم الفضل بن دكين، شيخ الإمام البخاري أخذ الأجرة، أخذ عوضًا عن التحديث، وكذا أخذ غيره، كعفان بن مسلم شيخ البخاري، وهما من الثقات الأثبات "ترخصًا" يعني للحاجة، قال علي بن الخشرم: سمعت أبا نعيم -يعني الفضل بن دكين- يقول: يلومنني على الأخذ، وفي بيتي ثلاثة عشر نفسًا، وما فيه رغيف، فمثل هذا أيهما أفضل يأخذ أجرة في مقابل حبسه عن التكسب، أو يتكفف الناس، ويسألهم، أو يترك التحديث بالكلية، يعني ثلاثة خيارات؛ إما أن يترك التحديث بالكلية، وينصرف إلى طلب الرزق، أو يتكفف الناس، ويسألهم من أموالهم، أو يأخذ أجرة في مقابل انحباسه للطلاب، وهذا أخفها، ومنهم من جوز الأخذ من غير طلب، يعني إن جاءه شيء أخذه، وإن ما جاءه شيء ما سأل، ومنهم من كان يأخذ من الأغنياء فقط، ومنهم من يأخذ من أهل البلد، ولا يأخذ من الغرباء، وهذا موجود في سير أهل العلم، نعم؟

طالب:......

وهذا القول قلناه، منهم من يأخذ بغير طلب، إن جاءه شيء أخذه، وإن لم يأت شيء ما سأل.

طالب:......

أين؟

طالب:......

المشارطة؟

طالب: إيه.

لا؛ أصل الأخذ من أهل العلم من يمنعه بالكلية، ومنهم كالحافظ أبي نعيم الفضل بن دكين أخذ عوضًا عن التحديث، وكذلك عفان بن مسلم، وهما من شيوخ البخاري الثقات الأثبات "ترخصًا" يعني للحاجة "فإن نبذ" أي ألقى، أو أوجد "شغلًا به" أي بالتفرغ للتحديث "شغلًا به الكسب" الكسب لنفسه، وعياله "أجز" الأخذ "أجز إرفاقًا" أجز الأخذ لمن حدث ممن شغل عن الكسب لنفسه، ولأولاده إرفاقًا به في معيشته، عوضًا عما فاته من الكسب بدلًا من أن يترك الحديث، وينصرف إلى التكسب، أو يتكفف الناس، ويسألهم من أموالهم "أفتى به الشيخ" أي فقد أفتى به أي بجواز الأخذ "الشيخ أبو إسحاقا" يعني الشيرازي، الشيرازي لما سأله ابن النقور لكون أصحاب الحديث يمنعونه من الكسب، فكان يأخذ كفايته فقط، ولا يزيد على ذلك، فالحاصل أن الأخذ أخذ الأجرة على التحديث لكونها تشغل الإنسان، وتأخذ من وقته جائز، لكنه خلاف الأولى، وخلاف المروءة، اللهم إلا إذا اضطر إلى ذلك كحال أبي نعيم الفضل بن دكين، الذي بيته مملوء من النساء، والذرية، وليس فيه رغيف، فمثل هذا يعذر، لكن الذي يأخذ تكثرًا، عنده الأموال، وعنده الأزواد التي تكفيه لسنته، ولأولاده، ثم يشارط الناس على هذا، وللمحدثين قصص تدل على تمام الورع، من بعضهم، والبعض الآخر لا شك أن لديه حرص، شيء من الحرص على الدنيا، فيشارط، وإذا أعطي شيئًا قليلًا ردّه، ومنع الطالب من التحديث، منعه من السماع، وعلى كل حال الناس يتفاوتون في هذا، وما جبلوا عليه من حب للدنيا، وانصراف عنها، من الناس الدنيا ما تهمه، ومن الناس من دخل حبها قلبه، فمثل هذا يأخذ، وذاك يتورع، ولو كان بأمس الحاجة.

المقصود أن مثل هذا يخرم المروءة لا سيما إذا كان مع عدم الحاجة.

ثم قال في الفصل الثاني عشر: "ورد" يعني من قبل أهل الحديث:

ورد ذو تساهل في الحمل

 

...................................

أي تحمل الحديث "كالنوم" يعني كالذي ينعس، أو ينام في الدرس، هذا متساهل في التحمل، كالتحمل في حال النوم، الواقع منه، أو من شيخه، يعني إذا كان الطالب ينعس؛ هذا لا شك أن تحمله فيه ما فيه، وكذلك إذا كان الشيخ ينعس، والطالب يتحمل منه في هذا الحال؛ لا شك أن تحمله رديء، وبالنسبة للشيخ يكون أداؤه رديئًا:

...................................

 

كالنوم والأداء كلا من أصل
ج

"والأداء كلا من أصل" يعني أي: كالذي يحدث، أو كالذي يروي من أصل غير صحيح، وهو غير حافظ لكتابه؛ لأن بعض الناس عنده مرويات، وهذه المرويات يدونها في كتابه، الشيخ يملي إما من حفظه، أو من كتابه، ثم بعد ذلك هذا ينقل، فهذا النقل قد لا يكون صحيحًا، يكون فيه أخطاء؛ ولذا يشترطون المقابلة، يشترطون المقابلة على أصول:

...................................

 

وقال يحيى النووي: أصل فقط
ج

يعني تكفي المقابلة على أصل واحد، وأما أكثر أهل العلم على أنه لا بد من المقابلة على أصول؛ ليخرج أصله، وكتابه صحيحًا، والكتاب الذي لا يقابل تكثر فيه الأخطاء، والشواهد كثيرة في المخطوطات، تجد أن الكتاب المقابل على نسخ تجده جيد، وهو نادر الأخطاء، أما الكتاب الذي نسخ من غير مقابلة، ثم ينسخ ثانية من غير مقابلة، ثم يخرج أعجميًّا، وقل مثل هذا في المطبوعات، المطبوعات التي لا يراجعها أهل الاختصاص، وأهل العلم يكون فيها أخطاء كثيرة، وأحيانًا الأخطاء تبين لأدنى الناس معرفة، يعني قد يكون الخطأ في عنوان الكتاب، الإمام البخاري له "جزء القراءة خلف الإمام"، طبع على غلاف الكتاب "جزء القراءة خلف الصلاة"! فإذا كان العنوان الكبير هذا عنوان الكتاب خطأ، فما بالك بالمضمون؟ يعني هذه نتيجة النشر من غير مراجعة، ولا يراجعها، لو يراجعها أدنى الناس، يعني من يعرف القراءة والكتابة يراجع المطبوع على ما طبع منه أدرك مثل هذا، لكن هناك أمور لا يدركها إلا أهل الاختصاص؛ ولذا تميزت بعض المطابع بأن فيها لجان علمية تراجع، وقل مثل هذا في الكتب التي تنسخ باليد، لا بد من مقابلتها على الأصول، فالذي يحدث من كتاب غير مقابل، وفيه من الأخطاء ما فيه هذا رُدَّ؛ لأنه متساهل في تحديثه.

"كلا من أصل" يعني كالمروي لا من أصل صحيح، وهو غير حافظ له "أو قبل التلقين" ورد المحدثون –أيضًا- رواية من قبل التلقين في الحديث، بأن يلقن الحديث فيحدث به، فيقال له: هذا حديثك عن فلان؟ فيقول: نعم، فيحدث به، يلقن، فيقبل التلقين، وهذا مر بنا قبل ذلك:

أو قبل التلقين أو قد وصفا

 

...................................

من الأئمة "بالمنكرات" يعني برواية المنكرات، أو برواية الشواذ "كثرة" يعني لا نادرًا؛ لأن التحديث بالمنكرات والشواذ النادر لا يخرم في حفظ الراوي؛ لأن الضابط عندهم قبل في معرفة الضبط، وعدمه عرض مروياته على روايات غيره من الثقات:

ومن يوافق غالبًا ذا الضبط

 

فضابط أو نادرًا فمخطي

فإذا كثرت الشواذ، والمخالفات، والمنكرات؛ فإنه يرد "أو قد وصفا بالمنكرات" يعني بروايتها، ومثلها الشواذ "كثرة" يعني لا نادرًا، "أو عرفا" أو عرف هذا الراوي "بكثرة السهو" أو الغلط في روايته، يعني بعض الناس غلطه كثير، من يسلم، ومن يعرو من الخطأ والنسيان، لكن إذا كثر الخطأ والغلط في مرويات الراوي بغض النظر عن صوابه، يعني أهل الحديث ينظرون إلى الخطأ فقط، فإذا كثر ردت أحاديثه، يعني شخص يروي ألف حديث غلط في مائتي حديث، هذا يرد حديثه، هذا عند أهل الحديث لا ينظرون إلى الصواب، وأهل النظر، وإن كانوا لا عبرة لهم في مثل هذه المسألة، يقولون: ينظر إلى الخطأ والصواب، فإن كان الأكثر الصواب قبل، وإن كان الأكثر الخطأ رد، ومثل هذا لا يعول فيه على أهل النظر؛ ولذا حد بعضهم الكثرة بالسبع، بسبع المرويات "أو عرف بكثرة السهو" أو الغلط في روايته، والحالة أنه "ما حدث من أصل صحيح" يعني يحدث من حفظه، فيستدل بذلك على أن حفظه ضعيف، فإن حدث من حفظه، أو من أصل غير صحيح؛ فإنه حينئذٍ يرد "فهو ردٌّ" يعني مردود، رد مصدر، ويراد به اسم المفعول، رد يعني مردود، كالحمل يراد به المحمول:

...................................

بين له غلطه فما رجع

 

..................... ثم إن

سقط عندهم ..................

بين له غلطه، قيل له: أنت أخطأت في هذا الحديث، في حديث مثلًا، الذي مر بنا: "نهى أن تتخذ الروح عرضًا"، قيل له: الصواب: "نهى أن تتخذ الروح غرضًا"، يعني للسهام، قال: لا، أبدًا، كلامي هو الصواب، وقيل له، قال له واحد، واثنان، وثلاثة، وعشرة، ويصر على ذلك، يصر على غلطه؛ هذا يسقط عندهم، عند المحدثين يسقط الاحتجاج به.

...................................

بين له غلطه فما رجع

 

..................... ثم إن

سقط عندهم ..................

أي عند المحدثين "حديثه جُمَع" يعني جميع حديثه يسقط، فلا يُحتج بشيء منه؛ لأنه يحكم عليه بالضعف؛ لأنه يحكم عليه بالضعف، وإذا حكم عليه بالضعف انتهى، لا يقبل "كذا الحميدي" عبد الله بن الزبير، شيخ البخاري "مع ابن حنبل" يعني مع الإمام أحمد بن حنبل "وابن المبارك" يعني ومع عبد الله بن المبارك المروزي "رأوا" إسقاط حديثه بذلك، رأوا إسقاط حديثه بذلك، يعني بكونه يصر على الغلط، أما من يخطئ، فإذا نبه تنبه، ولم يكثر الخطأ في روايته، فمثل هذا مقبول، ومن يصر، ولو قل خطأه، إذا بين له الخطأ وأصر مثل هذا يرد حديثه، رأوا إسقاط حديثه بذلك "في العمل" احتجاجًا، وروايةً، حتى تركوا الكتابة عنه، يعني صار ضعفه شديدًا، ولا يكتب عنه؛ لأن من الرواة من يكتب حديثه للاحتجاج والعمل، ومنهم من يكتب حديثه للاستشهاد، فيعتبر به "قال" يعني ابن الصلاح: "وفيه نظر" لأنه ربما يعتقد صدق ما قيل له، ربما لا يعتقد صدق ما قيل له؛ لأن له وجهة نظر؛ لأنه ما كل من يرد يكون الصواب معه، وكم من شخص رد على غيره، والصواب مع المردود عليه، نعم، فإذا امتنع من القبول؛ لأنه يرى أن الصواب معه، فإنه حينئذٍ لا يرد حديثه، ثم يرجح بين الأمرين لا يرد مباشرة، وإنما بعد الترجيح يرد حديثه هذا؛ لأنه خالف فيه "نعم إذا كان" عدم رجوعه إلى قول من ينبهه على الخطأ "عنادًا منه" لا حجة له فيه، ولا مطعن عنده يبديه، إذا رد عليه، وبين له الخطأ، إذا لم يقبل؛ لأن عنده وجهة نظر، هذا لا يرد كما قال ابن الصلاح، وإن كان عدم انقياده، وإذعانه مجرد عناد، مجرد عناد، يقول: أبدًا الصواب معي، ولا يبدي وجهة نظر، ولا شيء:

....................... نعم إذا

 

كان عنادًا منه ما ينكر ذا

يعني القول برد حديثه، وسقوط حديثه، وعدم الكتابة عنه على ما تقدم.

ثم بعد ذلك الفصل الثالث عشر: "وأعرضوا" يعني المحدثين "في هذه الدهور" يعني في العصور المتأخرة:

وأعرضوا في هذه الدهور

 

...................................

يعني في العصور المتأخرة بعد عصر الرواية:

...................................

 

عن اجتماع هذه الأمور

"عن اجتماع هذه الأمور" يعني الشرائط التي تقدمت، التي ذكرها الناظم في صفة من تقبل روايته، ومن ترد في أول الفصل:

أجمع جمهور أئمة الأثر

 

والفقه في قبول ناقل الخبر

ثم بعد ذلك سرت هذه الشروط، هذه تشترط في الرواة الذين يعول عليهم في التصحيح والتضعيف، فسنن أبي داود مثلًا، الأحاديث فيه مروية بالأسانيد من أبي داود إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومروية بالأسانيد منَّا إلى أبي داود، من أبي داود إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- لا بد من تطبيق الشروط، لماذا؟ لأن هذه السلسلة من أبي داود إلى الصحابي، هذه معول عليها في ثبوت الخبر، وعدمه، يعني ضعف بعضهم، أو عدم انطباق، أو اختلال بعض الشروط في هذا القسم هذا من المصنف إلى الصحابي مؤثر هذا، مؤثر في صحة الحديث وضعفه، لكن من بعد أبي داود إلينا يعني ما يقرب من خمسة عشر راوٍ مثلًا، هؤلاء هل يتأثر الحديث المخرج في سنن أبي داود بضعف أحدهم؟ ما يتأثر، يعني لو وجدنا شخصًا وضاعًا في طريق شخص معاصر إلى البخاري، ثم من هذا الطريق خمسة عشر شخصًا منهم هذا الوضاع، أو أكثر من واحد، وفيهم المتهم، وفيهم كذا، إلى أن قال محمد بن إسماعيل البخاري: حدثنا الحميدي، قال: حدثنا سفيان إلى آخره، هل يتأثر حديث الأعمال بالنيات بوجود وضاع دون البخاري؟ لا، إذن هل يلزم من استيفاء الشروط في أناس لا يتأثر الخبر بهم، يعني تطبق الشروط التي اشترطت لرواة يتأثر الخبر بهم صحة، وضعفًا؟ لا؛ ولذا قال:

وأعرضوا في هذه الدهور

 

عن اجتماع هذه الأمور

يعني الأمور السابقة من شروط من تقبل روايته ومن ترد "لعسرها" لعسرها؛ لأن الأئمة حرصوا على ضبط الرواة الذين لهم أثر في الصحة والضعف، ومن عداهم ما حرصوا عليهم؛ لأن حفظهم ليس من حفظ السنة، أما من له أثر في التصحيح والتضعيف؛ فحفظه من حفظ السنة، سواءٌ كان ثقة، أو كان ضعيفًا "لعسرها" ولذا في الأسانيد المتأخرة في شيوخ البيهقي مثلًا، أو شيوخ الحاكم، يعني ممن تأخر بعد عصور الرواية، أو شيوخ الطبري مثلًا تجد في الوقوف عليهم عسرًا شديدًا، يعني قد لا تجد من يترجم لهم، تحتاج أن تديم النظر في كتب التواريخ -لا سيما تواريخ البلدان- حتى تجد ترجمة لشيخ الحاكم، أو شيخ البيهقي، أو شيخ الطبري، أو شيخ البغوي، لكن هؤلاء في الغالب لا يترتب عليهم حفظ السنة، في الغالب؛ ولذا لم يهتم أهل العلم بتراجمهم كما اهتموا بتراجم رجال الكتب التي هي الدواوين الأصلية "لعسرها" وتعذر الوفاء بها، يعني بوجودها "بل يكتفى" بل يكتفى في الرواية عنه –يعني هذا المتأخر- بشروط يسيرة، إذ لا يليق بطالب الحديث أن ينزل عنها "بالعاقل" يعني ما يمكن أن يروى عن مجنون، ولو لم يكن له أثر "المسلم" نعم لا يروى عن كافر "البالغ" البالغ؛ لأن الصبي مرفوع عنه القلم، والتكليف. "غير الفاعل"، "غير الفاعل للفسق" يعني ولما يخرم المروءة ظاهرًا، يعني يكتفى بظواهر الناس، أما العدالة الباطنة التي يحتاج فيها إلى أقوال المزكين، والخبرة الدقيقة في بواطن الأمور، مثل هذا لا يشترط، بل تنازلوا أكثر من ذلك، فأخذوا عن فساق، وأخذوا عن من بدعته مفسقة، بل بدع مغلظة؛ لأن المسألة ما صار لها كبير الأثر كما تقدم تقريره.

"للفسق ظاهرًا" بأن يكون مستورًا، ويكتفى "في الضبط بأن يثبت" سماع "ما روى بخط مؤتمن" يعني بالنسبة للعدالة تساهلوا في الشروط، وكذلك في الضبط:

............... وفي الضبط بأن

 

يثبت ما روى بخط مؤتمن

يعني يكفي أن يثبت اسم هذا الراوي في الطباق الذي يذكر فيه أسماء من سمع الكتاب من الشيخ، أو سمع قراءة الكتاب على الشيخ، يثبت سماع "ما روى بخط" ثقة "مؤتمن" سواءٌ الشيخ، أو القارئ، أو بعض السامعين إذا كان الكاتب ثقة؛ لأنهم جرت العادة بأنه إذا قرئ الكتاب، قرأه الشيخ على الطلاب، أو قرأه بعض الطلاب بحضور البقية على الشيخ يثبت في الطباق، يقول: قرأ فلان كتاب كذا على فلان بحضور فلان، وفلان، أو سماع فلان، وفلان وفلان، ويعدد من حضر، ثم الشيخ يقول: صحيح ذلك، وكتب فلان، إذا وجد هذا بخط ثقة يكفي، تروي بهذه الطريقة، وأما بالنسبة للإجازات فإذا وجد الاسم في الاستدعاء كفى، الاستدعاء يطلب من الشيخ أن يجيز فلانًا، فيجيزه، أو يجيز مجموعة من الطلاب: فلان، وفلان وفلان، أو لي ولأولادي، وأولادهم، وهكذا، ثم يقول: أجزت فلان، وأولاده، وأولاد أولاده، إلى آخره، فإذا وجدت هذه الكتابة؛ كفى في العصور المتأخرة يكفي.

طالب:......

نعم، موجود، يعني لو تراجع الكتب، كتب الحديث الموجودة المخطوطة؛ وجدت كثيرًا من هذا.

طالب:......

يعني الفهارس، والأثبات؟

طالب:......

موجودة كتب الفهارس، الفهارس والأثبات فيها مرويات الشيوخ، أو مرويات المؤلف عن شيوخه، قرأ كتاب كذا على فلان، وقرأ كتاب كذا على فلان، وفلان قرأه إلى آخره، نعم؟

طالب:......

"وأنه يروي" يقول:

.............. وفي الضبط بأن

وأنه يروي من أصل وافقا

 

يثبت ما روى بخط مؤتمن

لأصل شيخه كما قد سبقا

لابد أن يكون الأصل الذي يروى منه مطابقًا لأصل الشيخ، وذلك بالنسخ منه، أو من إملاء الشيخ، والمقابلة عليه:

وأنه يروي من أصل وافقا

لنحو ذاك......................

 

لأصل شيخه كما قد سبق

...................................

الحافظ "البيهقي" فاكتفى بما سبق مع خفة هذه الشروط، وسبقه شيخه الحاكم لنحوه:

لنحو ذاك البيهقي فلقد

 

آل السماع لتسلسل السند

"آل السماع" منه، والرواية عنه، الآن "لتسلسل السند" يعني تبقى هذه الخصيصة، وهي اتصال الأمة بنبيها -عليه الصلاة والسلام- بسند متصل، ولو لم يكن من النظافة بالمستوى الذي كانت عليه قبل ذلك في عصور الرواية، فإبقاء هذه الخصيصة التي خصت بها هذه الأمة، إبقاء سلسلة الإسناد، يعني تجعل الشروط أخف، بناءً على أن الأثر ليس كالأثر في المرويات سابقًا التي تثبت بثقة رواتها، وتضعف بضعفهم.

 

غدًا -إن شاء الله- لعلنا نستطيع إكمال مراتب الجرح والتعديل.

"