تعليق على البلبل في أصول الفقه (18)
ومسألة اتحاد الجهة وانفكاك الجهة، والصور التي ذكرناها، وفي قول الأشعرية فيه مبالغة بانفكاك الجهة، ماذا يقولون؟
يقولون: يجب على الزاني أن يغض بصره عن المزني بها.
طالب:........
كيف؟
طالب:........
يجب على الزاني أن يغض بصره عن المزني بها، هو منهي عن النظر، ومنهي عن الزنا.
طالب: إذا فعل محظورًا؟
نعم، نقول: هذه مبالغة، لماذا نُهي عن غض البصر؟ لئلا يقع في الزنا، فإذا وقع في الأكبر...
طالب: يكون الإثم حاصلًا عليه.
حاصل بلا شك، فإذا وصل إلى المقصد فالوسائل كلها داخلة.
طالب:........
افترضت أن اثنين على كرسيين عند حلاق، والموسي يشتغل بلحاهم، فقال واحد للثاني: اتقِ الله، ولا تحلق لحيتك ماذا يصير؟ آمرًا بالمعروف، وهو مأمور بالأمر بالمعروف، وارتكب محظورًا، نقول: ما يخالف، أو سخرية هذه؟
طالب:........
يُؤجر على أمره، أم أن فيها نظرًا؟
طالب:........
لا، هذه السخرية بعينها، يعني مباشرة الأمر مع مباشرة المحظور، أثناء مباشرة المحظور.
طالب:........
يعني نفترض المسألة فيمن لا يرى كفر تارك الصلاة، نقول: واحد ما يصلي ويدور على الناس: صلوا صلوا، يؤجر؟
طالب:........
افترضنا المسألة فيمن لا يُكفِّر تارك الصلاة، لكن من كفره انتهى الإشكال.
طالب:........
أو مثلاً واحد يأكل بين الناس في رمضان ويقول: صوموا، صوموا أيها المسلمون، صيام رمضان ركن من أركان الإسلام وهو يأكل وليس له عذر.
طالب:........
لا لا، هذه السخرية بعينها.
طالب:........
النية تُصدقها الأعمال.
طالب:........
يصدق متى؟ يصدق إذا أحس بضرر الدخان، وعرف ولم يستطع النكوص لم يستطع؛ لأن في برنامج سلامات جاءوا بشخص عمره ثمانون سنة، جاءوا به بمقابلة وهو يدخن من سنين متطاولة من نصف قرن يدخن أُصيب بأمراض، وكان يكح الدم، ثم صار يقول: مع النفس الدم زاد عليه، فقالوا: ما نصيحتك التي تقدمها للناس؟ قال: لا يدخنون، الآن النصيحة من القلب بلا شك، القرائن تدل على أن النصيحة من القلب، لكن في مسألة شخص يأكل أمام الناس، ويقول: صوموا أيها المسلمون، هذا يسخر بلا شك.
طالب:........
يجب على الزاني أن يغض بصره عن المزني بها؟!
طالب:........
هذا قول الأشعرية.
طالب:........
ما هي ببعيدة.
مَن يقرأ؟
طالب:........
نعم المكروه.
اللهم صلِّ على رسول الله.
قال –رحمه الله-: "المكروه ضد المندوب".
عندنا في السابق "وإلا للزم صحة بيع المضامين والملاقيح" ما الفرق بينهما؟
المضامين بيع ما في الأصلاب، والملاقيح بيع ما في البطون، ومعروف أنه الآن يُباع ما في الأصلاب لاسيما الماشية، هم يُحضرون من هولندا الثيران، والثيران يحضرونها من....
طالب:........
المقصود أنه يُباع، والمحظور فيها الغرر، تُباع الحقنة الواحدة إذا كانت من فصيلة مُعينة بمبالغ، وقد لا تُلقِّح، هذا غرر جهالة.
المضامين ما تدرون ما الذي في جوف هذه الناقة أو هذه الشاة أو ما أشبه ذلك؛ ولذا نهى عن بيع الحَبَلة.
"وهو ضد المندوب، وهو ما مُدح تاركه، ولم يُذم فاعله.
وقيل: ما ترجَّح تركه على فعله، من غير وعيدٍ فيه.
وقيل: ما تركه خير من فعله، كذلك ومعانيها واحدة.
وهو منهيٌّ عنه؛ لانقسام النهي إلى كراهةٍ وحظر، فلا يتناوله الأمر المطلق لتنافيهما.
وقد يُطلق على الحرام، كقول الخرقي: ويُكره أن يتوضأ في آنية الذهب والفضة. وعلى ترك الأولى، وإطلاق الكراهة ينصرف إلى التنزيه".
"المكروه ضد المندوب" لو قلنا: إن المكروه ضد المحبوب، يعني نظير ما قلنا في قولهم: الحرام ضد الواجب، وقلنا: إنه يُطلق الحرام ضد الحلال، وهنا قالوا: المكروه ضد أيش؟ المندوب، يعني إذا قارنت بين حد المندوب وحد المكروه لا شك أنهما ضدان، كما أن الحرام في حده ضدٌّ للواجب في حده في تعريفه، يعني لو قدمت وأخرت في تعريف الواجب صار مُحرَّمًا، كذلك بين المكروه والمندوب.
وقلنا سابقًا: إن الحرام يُطلق ويُقابل أو يُراد به ما يُقابل الحلال، ووُجِّه هذا في وقته، وهنا المكروه ضد المحبوب، يقرب منه الحسن ضد القبيح.
فإذا قلنا: إن المكروه ضد المندوب وضد المحبوب يصح أم ما يصح؟ لماذا لا نقول: يصح، وإلا لقلنا: إن المكروه نقيض المندوب؟
طالب:........
الضدان يمكن أن يرتفعا، ويحل محلهما شيء ثالث.
"وهو ما مُدح تاركه، ولم يُذم فاعله" يعني ما أُثيب تاركه ولم يُعاقب فاعله، المعنى واحد.
"وقيل: ما ترجَّح تركه على فعله، من غير وعيدٍ فيه" يعني لا يترتب عليه عقاب، هناك قولٍ ثالث هو مطابقٌ له من حيث المعنى ما تركه خيرٌ من فعله لذلك، لكن مُدح تاركه يدخل فيه الحرام يُمدح تاركه، لكنه يُذم فاعله فيخرج بالقيد الثاني.
"ما ترجَّح تركه على فعله" يخرج المباح -تركه على فعله-، ويخرج أيضًا الواجب، وأيضًا المندوب.
"من غير وعيدٍ فيه" يخرج الحرام.
طالب:........
ماذا فيه؟
طالب:........
لا سيأتي المباح ما فيه ترجُّح، وهنا رجح تركه على فعله فيخرج المباح؛ لأنه مستوي الطرفين.
"وهو منهيٌّ عنه؛ لانقسام النهي إلى كراهةٍ وحظر" منهيٌّ عنه لماذا؟ لأن تركه راجح، ليس بمستوي الطرفين كالمباح، فيُقال: إنه ليس بمأمور به ولا منهيٌّ عنه، وليس بمأمورٍ به؛ لأنه ليس بواجب ولا مندوب، والأمر المطلق يُنافي الكراهة؛ لأنه لا يُؤمر إلا بمحبوب.
"وقد يُطلق على الحرام، كقول الخرقي" وهو كثير في إطلاقات المتقدمين.
وجاء في النصوص إطلاق المكروه وإرادة الحرام في سورة الإسراء لما عَدَّد المحرمات أو بعض المحرمات قال: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [الإسراء:38] وهي محرمات.
الإمام أحمد –رحمه الله- يقول: أكره المتعة، يعني متعة النساء، يعني هل متعة النساء مكروهة؟ حرام بالإجماع، استقر الإجماع على تحريم المتعة.
"يقول الخرقي: ويُكره أن يتوضأ في آنية الذهب والفضة" والمراد بالكراهة هنا كراهة التحريم، كراهة التحريم لا كراهة التنزيه.
طالب:........
الإمام أحمد يتورع يقول: يُعجبني ولا يُعجبني، وأكره ولا أحب، يتورع في الألفاظ، يعني نظيره تورُّع الإمام البخاري في جرح الرجال.
"ويُكره أن يتوضأ في آنية الذهب والفضة" هذا عند مَن؟ إذا قلنا: يحرم أن يتوضأ في آنية الذهب والفضة عند مَن؟ قد نقول: إن الكراهة على وجهها وأنها ليست للتحريم، وقد نقول: إن الكراهة للتحريم، وقد نُعارض في ذلك، والمسألة مردُّها إلى حكم استعمال الذهب والفضة في غير الأكل والشرب، معروف أن النص جاء في الأكل والشرب، لكن في غير الأكل والشرب من باب أولى؛ لأنه إذا مُنِع من الأكل والشرب مع الحاجة الداعية إلى ذلك فلأن يُقاس عليه غيره من باب أولى.
الذي يقول: يُباح استعمالها في غير الأكل والشرب يُنازع في إطلاق الكراهة، اللهم إلا إن كان إطلاقه الكراهة من باب الخروج من الخلاف فله وجه، وإلا فالذي يخص التحريم بالأكل والشرب يقول: الكراهة ما لها وجه.
"ويُكره أن يتوضأ في آنية الذهب والفضة" والذي يقول بأن سائر استعمالات الذهب والفضة كالأكل والشرب بل أولى، تكون الكراهة هنا عنده يُراد بها كراهة التحريم.
تُطلق الكراهة على ترك الأولى، يعني شخص طالب علم مثلاً جاء قبل صلاة الظهر وصلى ركعتين وجلس، بالنسبة لهذا الأولى له أن يُصلي تسليمتين، جاء قبل العصر فسلّم تسليمة واحدة وجلس، نقول: لا، الأولى أن تُصلي أربع ركعات، فيُكره في حقه ما لا يُكره في حق غيره، وهم يقولون: حسنات الأبرار سيئات المقربين، حسنات الأبرار يعني يظن حسنة بالنسبة لهذا، وهو في حق غيره من المقربين سيئة، فالمقربون شأنهم عظيم، وقد أفاض ابن القيم –رحمه الله- في وصفهم في (طريق الهجرتين) مع أنه أقسم أنه لم يشم لهم رائحة؛ لئلا يُتهم أنه يزعم أنه منهم- رحمه الله-.
فلا شك أن بعض الأفعال بالنسبة لبعض الناس يُكره تركها، وبالنسبة للبعض الآخر مستوية الطرفين يعني مُباحة، كما يُقال: إن أولئك إذا فعلوا بعض الأشياء المكروهة أو الأشياء المحرمة من صغائر الذنوب مثلاً لكان هذا بالنسبة لهؤلاء تسبيح، ماذا يأتي من ورائهم؟ نعم هذا موجود ومستعمل.
فعلى هذا تُطلق الكراهة على خلاف الأولى لاسيما إذا كان الفاعل لخلاف الأولى ممن؟ من أهل الفضل والخير، والعلم والدين، فلا شك أنه خلاف الأولى قد يرتقي في حقه إلى الكراهة إذا كان ممن يُقتدى به.
وإطلاق الكراهة ينصرف إلى التنزيه، شخص قرأ في الزاد: يُكره القذع، هل لقائلٍ أن يقول: المراد بالكراهة كراهة التحريم هنا؟ لا؛ لأن إطلاقها عند المتأخرين يُراد بها كراهة التنزيه، لكن الصواب أنه مُحرَّم؛ لثبوت النهي عنه.
فإطلاق الكراهة في كُتب المتأخرين بعد استقرار الاصطلاح يُراد به كراهة التنزيه، وفي كُتب المتقدمين واصطلاحاتهم واستعمالاتهم تحتمل الأمرين، وهي في كراهة التحريم كثيرة ليست قليلة؛ لورعهم في الألفاظ، لتورعهم في إطلاق الأحكام، وترددهم في أن هذا الحكم هو مراد الله سبحانه وتعالى، فحينئذٍ يعدل عن التحريم إلى الكراهة.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.